معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   كتاب الحدود والتعزيرات (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=565)
-   -   مسائل في استتابة المرتد (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=18906)

ليلى باقيس 18 رجب 1433هـ/7-06-2012م 04:05 PM

مسائل في استتابة المرتد
 
فمن ارتد عن دين الإسلام؛ فإنه يجب أن يستتاب ويمهل ثلاثة أيام، فإن تاب، وإلا قتل؛ لقول عمر رضي الله عنه لما بلغه أن رجلاً كفر بعد إسلامه فضربت عنقه قبل استتابته، فقال: "فهلا حبستموه ثلاثا، فأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه؛ لعله يتوب أو يراجع أمر الله، اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني"، رواه مالك في "الموطأ".
ولأن الردة لا تكون إلا لشبهة، ولا تزول في الحال؛ فوجب أن ينتظر مدة يرتئي فيها، وأما الدليل على وجوب قتله إذا لم يتب؛ فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه))، رواه البخاري وأبو داود.
والذي يتولى قتله هو الإمام أو نائبه؛ لأنه قتل لحق الله؛ فكان إلى ولي الأمر.
والحكمة في وجوب قتل المرتد: أنه لما عرف الحق وتركه؛ صار مفسدًا في الأرض، لا يصلح للبقاء؛ لأنه عضو فاسد، يضر المجتمع، ويسيء إلى الدين.
وتحصل توبة المرتد بإتيانه بالشهادتين؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها؛ عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها))، ومن كانت ردته بسبب جحوده لشيء من ضروريات الدين؛ فتوبته مع إتيانه بالشهادتين إقراره بما جحده.

ويمنع المرتد من التصرف في ماله؛ لتعلق حق الغير به؛ كمال المفلس، ويقضى ما عليه من ديون، وينفق عليه من ماله وعلى عياله مدة منعه من التصرف فيه، فإن أسلم المرتد؛ أخذ ماله ومكن من التصرف فيه لزوال المانع، وإن مات على ردته أو قتل مرتدًا؛ صار ماله فيئا لبيت مال المسلمين من حين موته؛ لأنه لا وراث له؛ فلا يرثه أحد من المسلمين؛ لأن المسلم لا يرث الكافر، ولا يرثه أحد من الكفار، ولو من أهل الدين انتقل إليه؛ لأنه لا يقر على ردته، والمرتد لا يرث من كافر ولا
مسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)).
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم قبول توبة من سب الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم:
فقال بعضهم: لا تقبل توبته في أحكام الدنيا كترك قتله وتوريثه والتوريث منه، وإنما يقتل على كل حال؛ لعظم ذنبه وفساد عقيدته واستخفافه بالله تعالى.
والقول الثاني: أنه تقبل توبته؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}.
وكذلك اختلف العلماء رحمهم الله في قبول توبة من تكررت ردته:
فقال بعضهم: إنها لا تقبل في الدنيا؛ فلا بد من تنفيذ حكم المرتد فيه، ولو تاب؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً}.
وقيل: تقبل توبته؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}؛ فالآية عامة، تتناول بعمومها من تكررت ردته.
وكما اختلفوا في قبول توبة الزنديق، وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر:
فقيل: لا تقبل توبته؛ لأنه لا يبين منه ما يظهر رجوعه إلى الإسلام، والله تعالى يقول: {إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}، فإذا أظهر التوبة؛ لم يزد على ما كان قبلها، وهو إظهار الإسلام وإخفاء الكفر.
وقيل: تقبل توبة الزنديق؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً}، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كف عن المنافقين بما أظهروا من الإسلام.
ومن الزنادقة: الحلولية، والإباحية، ومن يفضل متبوعة على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن يرى أنه إذا حصلت له المعرفة؛ سقط عنه الأمر والنهي، أو أنه إذا حصلت له المعرفة؛ جاز له التدين بدين اليهود والنصارى وأمثالهم من الطوائف المارقة عن الإسلام من غلاة الصوفية وغيرهم.
كما اختلف العلماء رحمهم الله في صحة إسلام الطفل المميز ووقوع الردة منه؛ فقيل: تحصل منه الردة إذا ارتكب شيئا من أسبابها؛ لأن من صح إسلامه؛ صحت ردته، والمميز يصح إسلامه، فتصح ردته، لكن لا يقتل حتى يستتاب بعد البلوغ ويمهل ثلاثة أيام، فإن تاب؛ قبلت توبته، وإن بقي على ردته؛ قتل.
وقد اختلفوا فيمن ترك الصلاة تهاونا مع إقراره بوجوبها، والصحيح أنه يكفر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((بين العبد وبين الكفر الصلاة))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها؛ فقد كفر))، ولقوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}، وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}؛ فدلت الآية الكريمة على أن من لم يقم الصلاة؛ فليس من إخواننا في الدين، ولم يقل: وأقروا بوجوب الصلاة، وإنما قال: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة..)) الحديث، ولم يقل: والإقرار بوجوب الصلاة، وإنما قال: ((وإقام الصلاة)).
وقد كثر اليوم التهاون بالصلاة والتكاسل عنها، والأمر خطير جدًا، فيجب على من يتهاون بالصلاة أن يتوب إلى الله، وينقذ نفسه من النار؛ فإن الصلاة هي عمود الإسلام، وهي تنهى عن الفحشاء والآثام.
[الملخص الفقهي: 2/596-573]


الساعة الآن 03:11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir