التطبيق الأول: تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...)
التطبيق الأول: تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...) المطلوب: تلخيص شرح الحديث بالاستفادة من الشروح المدرجة ( هنا ) باتّباع خطوات التلخيص المشروحة في الدورة ، وتحقيق معايير جودة التلخيص. درجة التطبيق: عشرون درجة. معايير تقويم التطبيق: 1: الشمول [ 3 درجات ] 2: الترتيب. [ 3 درجات ] 3: التحرير العلمي. [ 8 درجات ] 4: حسن الصياغة [ 3 درجات ] 5: حسن العرض. [ 3 درجات ] توزيع الدرجات: التطبيق الأول: عشرون درجة. التطبيق الثاني: عشرون درجة. الاختبار: ستون درجة. تعليمات: - تدرج التطبيقات في هذا الموضوع. - يوصى الطالب بأن لا يطّلع على تطبيقات زملائه حتى يدرج تطبيقه، وذلك لأجل أن لا يحرم نفسه من التعرّف على مواضع الإجادة والتميز، ومواضع القصور والتقصير لديه. - بعد أن يدرج الطالب تطبيقه يوصى بالاطّلاع على تطبيقات زملائه والاستفادة منها، والتعرف على مواضع النقص والخلل في تلخيصه ليكون أداؤه في التطبيق التالي أحسن وأكمل. - بعد أداء التطبيقين الأول والثاني يسجّل الطالب استعداده للاختبار في هذه الدورة، وسيكون الاختبار مغلقا في صفحة اختبارات الطالب. |
العناصر:
1- تخريج الحديث. 2- موضوع الحديث. 3- قصة الحديث. 4- منزلة الحديث. 5- المعنى الإجمالي للحديث. 6- مسائل تتعلق بالحديث. 7- فوائد الحديث. المسائل العلمية: 1- عظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2- شروط الأمر بالمعروف والنهي عن النكر. 3- دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 4- أنواع إنكار المنكر. 5- فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. التلخيص: تخريج الحديث: أخرجه مسلم- كتاب: الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، (49)، (78). موضوع الحديث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قصة الحديث: عندما خطب مروان بن الحكم قبل الصلاة في العيد فأنكر عليه رجل فأبى فقال أبو سعيد الخدري الحديث وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: : ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. منزلة الحديث: هذا الحديث عظيم الشأن في وجوب إنكار المنكر. المعنى الإجمالي للحديث: هذا الحديث يوضح وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمجرد رؤية ذلك المنكر؛ فبمجرد رؤية المنكر يجب تغييره باليد عند الاستطاعة، فإن لم يستطع الناهي باليد فباللسان، فإن لم يستطع فبالقلب. مسائل متعلقة بالحديث: 1- شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: *الإسلام. * التكليف. * الاستطاعة. *العدالة. *العلم بما ينكر. * التيقن من وجود المنكر. دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1- كسب الثواب والأجر: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)). 2- خشية عقاب الله: قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). 3- الغضب لله. 4- النصح للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم. قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)). 5- إجلال الله وإعظامه ومحبته. أنواع إنكار المنكر: 1- الإنكار باليد: وهذه الدرجة الأولى لأولي الأمر ومن يملك السلطة أما غيرهم فلا حتى لا تترتب عليه مفسدة أعظم. 2- الإنكار باللسان: وتكون عند من لا يملك السلطة، ولا يعذر منها إلا من لا يملك القدرة الكلامية أو وجدت موانع تمنعه. 3- الإنكار بالقلب: وهي واجبة على الجميع؛ وهي كراهية المنكر وتمني زواله والدعاء لأهله بالسلامة منه. فوائد الحديث: 1- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بالقلب عند عدم الاستطاعة باليد واللسان. 2- الإنكار باليد لا يكون إلا لمن يملك سلطة حتى لا يترتب عليه خطر أعظم. 3- إذا لم ينكر المنكر انتشر الفساد وانتهكت الحرمات. 4- لا بد من التأكد من وجود المنكر قبل إنكاره. 5- لا بد من توفر عدة شوط لمن ينكر المنكر. 6- الثواب والأجر العظيم للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل بإمكاني الاشتراك في الدورة؟ جزاكم الله خيرا |
الحديث عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من راى منكم منكرا فليغيره بيده الحديث 1موضوع الحديث مراتب انكار المنكر .2 قصة الحديث ان مروان بن الحكم امير المدينة خطب خطبة العيد قبل الصلاة فانكر عليه الرجل فعله فابى فقال ابي سعيد سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ)) . 3 التخريج مسلم في صحيحه كتاب الايمان . 4 منزلة الحديث في الدين شانه في الدين عظيم ان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر عليه قوام الدين بل هو من مميزات الامة حيث قال تعالي كنتم خير امه اخرجت للناس 5 المعني الاجمالي للحديث يبيان هذا الحديث وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انه من الايمان. 6فوائد الحديث 1 في دين علي ان العمل دحل في مسمي الايمان 2 ان النبي صلى الله عليه وسلم ولى جميع الأمة اذا رات منكر اأن تغيره 3 ا نه لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر حيث قال ( من راى) 4 ليس في الدين من حرج لقوله فان لم يستطيع فلبسانه . 5 مراتب انكار المنكر ثلاثة اليد ثم اللسان ثم القلب . 6 لا عذر اللاحد في انكار المنكر في كل احد يستطيع الانكار بقلبه . 7 في دليل علي ان الايمان يتفاوت قوه وضعف .
|
عناصر الدرس:
١- تخريج الحديث. ٢- موضوع الحديث. ٣- منزلة للحديث. ٤- تعريف المنكر. ٥- الفرق بين التغيير و الإزالة ٦- المسائل العلمية. ٧- ما يستبط من هذا الحديث. ١- تخريج الحديث: هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من طريق محمد بن المثنى، قال: حدثنا شعبة كلاهما عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب و هذا حديث أبي بكر قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان". ٢- موضوع الحديث: وجوب تغير المنكر. ٣- منزلة الحديث: هذا الحديث عظيم الشأن؛ لأنه نص على وجوب إنكار المنكر. ٤- تعريف المنكر: هو ما عرف قبحه شرعا و عرفا، و يشمل ترك الأوامر و الوقوع في النواهي. ٥- الفرق بين التغيير و الإزالة: أن التغيير يشمل الإزالة، و الإنكار باللسان من غير إزالة، و الاعتقاد أن هذا الفعل منكر و محرم. ٦- المسائل العلمية: اشتمل هذا الحديث على عدة مسائل: - المسألة الأولى: علق الإنكار في هذا الحديث بالرؤية، لكن هل يختص بها أو يشمل غيره كالسمع و الخبر المحقق؟ قولان: الأول: أنه يشمل سماع المنكر و كذلك الخبر المحقق، و هذا ما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -. و الثاني: أنه يختص برؤية العين، و ينزل منزله السماع المحقق، أما من علم بمنكر فإن ذلك لا يدخل في الإنكار، و إنما يدخل في النصيحة، و ممن ذهب إليه الشيخ صالح آل الشيخ. - و المسألة الثانية: في بيان درجات تغير المنكر الثلاث: • الدرجة الأولى: تغيير المنكر باليد، و هذا ليس لكل أحد، و إنما هو لراعي البيت، أو راعي الرعية الأكبر مثلا. • و الدرجة الثانية: تغيير المنكر باللسان. • و الدرجة الثانية: تغيير المنكر بالقلب. - و المسألة الثالثة: في بيان شروط إنكار المنكر، و هي: • الإسلام. •و التكليف. • و الاستطاعة. • و العدالة. • و وجود المنكر ظاهرا. • و العلم بما ينكر و بما يأمر. • و ألا يؤدي إنكاره للمنكر إلى ما هو أشد، أو إلى منكر آخر غير مساو. أما إذا أدى ذلك إلى منكر يساويه، فهذا محل اجتهاد. - و المسأله الرابعة: في بيان دوافع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هي: • كسب الثواب و الأجر. • و خشية عقاب الله. • و للغضب لله. • و النصح للمسلمين و الرحمة بهم و رجاء إنقاذهم. • و محبة الله و إعظامه و إجلاله. - و المسأله الخامسة: في بيان خطر ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: قد يؤدي ترك هذا الأصل العظيم إلى ما يلي: • الطرد من رحمة الله. • و الإهلاك في الدنيا. • و عدم استجابة الدعاء. ٧- ما يستبط من هذا الحديث: • أن تغير المنكر باللسان و القلب مسؤؤلية كل أحد، و قد تقدم أنه ليس لكل أحد أن يغير المنكر باليد. • أنه لا يجوز تغيير المنكر حتى يكون متيقنا، و ذلك بأن يتيقن أنه منكر في حد ذاته، و في حق الفاعل. • نفي الحرج و الدين و أن الوجوب مشروط بالاستطاعة. • و أن الإيمان قول و عمل و اعتقاد، و ذلك أن النبي - صلى الله عليه و سلم- جعل هذا المراتب الثلاث من الإيمان. |
موضوع الحديث:
وجوب تغيير المنكر. قصة الحديث: أول من خطب في العيد قبل الصلاة مروان بن الحكم، فأنكر عليه رجل فعله فأبى، فقال أبو سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... الحديث. تخريج الحديث: رواه مسلم. شرح الحديث: - من رأى: من علم وإن لم يرَ بعينه فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما إلى ذلك. - المنكر: هو ما نهى الله ورسوله عنه، ولا بد أن يكون منكراََ واضحاََ يتفق عليه الجميع، أما إذا كان المنكر من مساىل الاجتهاد فلا ينكره. - إنكار المنكر يكون بأن يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه. - يغير المنكر بالكتابة كما يغير باللسان؛ بأن يكتب في الصحف أو يكتب كتاباََ يبين فيه المنكر. - يغير المنكر بقلبه يكون ببغضه وكرهه وأن يتمنى أن لم يكن. وهذا أضعف مراتب الإيمان في تغيير المنكر. فوائد الحديث: 1. يجب على جميع أفراد الأمة تغيير المنكر إن رأوه، دون الحاجة إلى المنصب. 2. لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقين المنكر. 3. أن لا يكون المنكر من الأمور الخلافية، إلا إذا كان الخلاف ضعيفاََ لا قيمة له فإنه ينكر على الفاعل. 4. أن اليد هي آلة الفعل، لأن الغالب أن الأعمال باليد. 5. ليس في الدين من حرج، والوجوب مشروط بالاستطاعة، لقوله: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ) وهذه قاعدة عامة في الشريعة. 6. أن الإنسان إذا لم يستطع أن يغير بيده ولسانه، فليغير بالقلب، وذلك ببغض وكراهة المنكر وعزيمته على تغييره بيده ولسانه متى استطاع ذلك. 7. أن للقلب عملاََ، لقوله: "فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ". 8. أن الإيمان عمل ونية، فالتغيير باليد وباللسان عمل، وبالقلب نية. مسائل علمية: *يتقين المنكر بوجهين: - أن يتيقن أنه منكر. - أن يتيقين أنه منكر في حق الفاعل. * لا يفتح للعوام باب يتخيروا فيه ما شاءوا من أقوال العلماء لئلا تحصل الفوضى، وإنما عليهم أن يتبعوا علماء بلدهم فيما يرون. * التغيير باليد لا يكون على الإطلاق، فإذا خاف في ذلك فتنة فلا يغير، لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها، لقوله تعالى: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ). * لا يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول:أنا كاره بقلبي؛ لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم إلا إذا أكرهوه، فحينئذ يكون معذوراً. * قوله: "فَليُغَيرهُ بيَدِهِ" ليس عاماً لكل إنسان في مثل عصرنا هذا، لأننا لو قلنا بذلك لكان كل إنسان يرى شيئاً يعتقده منكراً يذهب ويغيره وقد لا يكون منكراً فتحصل الفوضى بين الناس. * مراتب التغيير ثلاث: دعوة، أمر، تغيير، فالدعوة أن يقوم الداعي في المساجد و في أي مكان يجمع الناس ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم فيه. والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس،أو ينهاهم. والمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
43- عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ.
عناصر الدرس تخريج الحديث. موضوع الحديث. منزلة الحديث. سبب إيراد أبي سعيد للحديث. معنى قوله من رأى. معنى منكم. معنى منكرا. معنى فليغيره. معنى بيده. معنى فإن لم يستطع فبلسانه. معنى فإن لم يستطع فبقلبه. معنى ذلك أضعف الإيمان. مسألة فقهية في أحوال إنكار المنكر الفوائد التلخيص تخريج الحديث هذا الحديث خرجه مسلم من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد. ومن رواية إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد. موضوع الحديث وجوب تغيير المنكر. منزلة الحديث هذا الحديث عظيم الشأن، لأنه نص على وجوب إنكار المنكر، وهذا كما قال النووي: باب عظيم به قِوام الامر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أشك أن يعمهم الله بعذا، قال تعالى{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}. قصة الحديث عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاةُ قبل الخطبةِ، فقال:قد تُرك ما هنالك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقول: ثم ذكر الحديث. معنى قوله من رأى منكم من شرطية وتدل على أنه يشترط في الإنكار وجود المنكر. ورأى :أي أبصر بعينه وشاهد بها هذا المنكر، ويحمل عليه أيضاََ من سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين. منكم:أي كل مسلم معنى منكر أي ما نهى عنه الله ورسوله، ويكون المنكر واضح ويتفق عليه الجميع بحيث لا تكون من مسائل الاجتهاد؛ والعوام يتبعون العلماء في معرفة المسائل، ويكون منكر في حق الفاعل بحيث يكون ؛مسلم، مكلف، يستطيع، عدل، ظاهر عليه النمكر، ويعلم بأنه منكر. معنى فليغيره الفاء : جواب الشرط، اللام: لام الأمر، والأمر يقتضي الوجوب لعدم وجود صارف يصرفه عن الوجوب يغيره:أي يحوله من صورته التي هو عليها إلى صورة أُخرى حسنة، بحيث يوافق مايحب ربنا ويرضى. وهنا مسألة وهي حالات إنكار المنكر الأولى : فرض كفاية قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:(والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصديةََ لهذا الشأن) وقال ابنُ العربي في تفسير هذه الآية: ( في هذه الآية والتي بعدها -يعني قوله تعالى{كنم خير أُمةِِ أُخرجت للناس....}- دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة الدين بإقامة الحجة على المخالفين) فيجب على إمام المسلمين أن يفرغ مجموعة من الناس ممن لديهم الكفاءة والاستعداد لهذه المهمة،ويكون ملم بصفات معينة، كما قال سفيان الثوري (لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى،عدلُ بما يأمر وعدلُ بما ينهى، عالمُُ بما يأمر عالم بما ينهى) وينبغي أن يكون الإنكار بانفراد وبالسر ،قال الشافعي:( من وعظ أخاه سراََ فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانيةََ فقد فضحه وعابه) وقال شيخ الإسلام: (ومن أنكر ظاناََ أنه ينتثل إلى منكر أشد منه فإنه يأثم حتى يتيقن أن إنكاره سينقل المنكرُ عليه إلى ما هو أفضل الثانية: فرض عين. قال صلى الله عليه وسلم" من رأى منكم منكراََ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه"، دل عموم الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علمَ بالمنكر أو رآهُ قال القاضي ابنُ العربي:( وقد يكون فرض عين إذا عرف المرء من نفسه صلاحية النظر والاستقلال بالجدال، أو عُرف ذلك منه) وقال ابنُ كثير :( وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في -صحيح مسلم- :عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رأى منكم منكراً فليغيره...") وقال النووي: ثم إنه قد يتعين -يعني:الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في معروف. معنى بيده اليد: تطلق على الجارحة ويراد بها اليد اليمنى واليسرى وهي من رؤوس الأصابع إلى الكتف وَخُصت اليد؛ لأنها قوة الإنسان في الأخذ والعطاء والكف والمدافعة،وجسد بلا يد كخشبة متحركة وهذه الدرجة الأولى ويكون إنكار المنكر باليد من قبل ولي الأمر ومن خوله للقيام بهذه المهمة لأجل لا تترتب على ذلك مفاسد ععظيمة، والأب على أولاده، والسيد على عبده ،وهذا الإنكار هو أقوى درجات الإنكار؛لأنه إزالة للمنكر بالكلية وزجر عنه. معنى فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع: أي إن لم يستطع إزالة المنكر بيده؛ فالإستطاعة شرط لوجوب إنكار المنكر بيده. فبلسانه:هذه الدرجة الثانية من درجات تغيير المنكر، وهذا عند من لايملك سلطة، وهذا التغيير بالقول ويشمل ايضاً الكتابة؛ويكون بالتذكير والترغيب والترهيب. معنى فإن لم يستطع فبقلبه وهذه الدرجة الثالثة لتغيير المنكر، وهي واجبة على الجميع؛إذ هي تغيير داخلي لا يتعدى صاحبها، وهي تألم القلب لهذا المنكر وكراهيته له ولأهله وتمني زواله والدعاء لصاحبه بالسلامة منه، وهي أضعف درجة؛ إذ ليس بعدها شيء من الإيمان. معنى وذلك أضعف الإيمان لأن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدل على الضعف. مسألة فقهية في أحوال إنكار المنكر مثل ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين) فقال مثلا:(لو رأيت أُناس يلعبون لعباً محرماً،أو يشتغلون بكتب مجون فإن أنكرت عليهم ذلك فإنه يكتنفه أحوال: الحالة الأولى:أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكر منه، فهذا حرام بالإجماع، فهذا منكر أشد منه،فبقاؤه على المنكر الأول أقل خطراً في الشريعة من انتقاله إلى المنكر الثاني الحالة الثانية:أن ينتقل إلى ما هو خير، فهذا هو الذي يجب معه الإنكار. الحالة الثالثة:أن ينتقل منه إلى منكر يساويه، فهذا محل اجتهاد الحالة الرابعة:أن ينتقل منه إلى منكر آخر الفوائد 1-وجوب إنكار المنكر. 2- الإيمان يزيد وينقص. 3- أن إنكار المنكر على درجات لكي لايبقى لأحد عذر في تغيير المنكر. 4- أعلى درجات التغيير هي التغيير باليد ثم باللسان ثم بالقلب. 5- تدرج النبي صلى الله عليه وسلم في التغييرفبدأ بالقلب ثم باللسان ثم باليد ووصل لأعلى الدرجات ووزعت على من تبعه فكلُّ يعمل مايستطيع. |
تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...) - ترجمةُ الصَّحابيِّ راوِي الحديثِ - موضوعُ الحديثِ: - قِصَّةُ الحديثِ: - تخريج الحديث: - منزلة الحديث: - المعنى الإجمالي للحديث: - المراد بالرؤية في قوله "مَنْ رَأَى": - إطلاقات الرؤية: - تعريف المنكر: - معنى يغيّره: - مراتب إنكار المنكر: - *مسألة: هل قوله: "فَلْيُغَيِّرْهُ بيدهِ" على إطلاقه، بمعنى أنه مع القدرة يغير على كل حال؟ - *مسألة: قوله "بِلِسَانِهِ" هل نقيس الكتابة على القول؟ - *مسألة: إن قال قائل: هل يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول: أنا كاره بقلبي؟ - شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيْمَانِ": - حكم إنكار المنكر: - شروط يجب توفرها في المُنْكِر: - ضوابط المنكر الذي يجب إنكاره: - *مسألة: حكم إنكار المنكر في الأمور الخلافية: - أحوال المُنكَر عليهم عند الإنكار: - دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: - خطرُ تركِ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر: - فوائد من هذا الحديث: التلخيص: - ترجمةُ الصَّحابيِّ راوِي الحديثِ: أبُو سعيدٍ سَعْدُ بنُ مالكِ بنِ سِنَانٍ الخُدْرِيُّ الأنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ، هُوَ مِنْ أَفْقَهِ الصَّحَابَةِ، وَأَعْلَمِهِمْ بالحديثِ، مَاتَ بالمدينةِ يومَ الجُمُعَةِ سَنَةَ أربعٍ وَسِتِّينَ وَدُفِنَ بالبَقِيعِ. - موضوعُ الحديثِ: وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. - قِصَّةُ الحديثِ: أوَّلُ مَنْ خَطَبَ في العيدِ قبلَ الصلاةِ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِعْلَهُ فَأَبَى، فَقَالَ أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ..... وَذَكَرَ الحديثَ. - تخريج الحديث: هذا الحديثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ منْ روايَةِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عنْ طارقِ بنِ شهابٍ، عنْ أبي سعيدٍ. - منزلة الحديث: هذا الحديثُ عظيمُ الشَّأنِ؛ لأنَّهُ نصَّ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ، وهذا كما قالَ النَّوويُّ: (بابٌ عظيمٌ به قِوَامُ الأمرِ ومِلاكُهُ، وإذا كثُرَ الخبثُ، عمَّ العقابُ الصَّالحَ والطَّالحَ، وإذا لم يأخذُوا علَى يدِ الظَّالمِ أوشكَ أنْ يعمَّهُم اللهُ بعذابٍ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فيَنْبَغِي لطالبِ الآخرةِ، السَّاعِي في تحصيلِ رضَى اللهِ عزَّ وجلَّ، أن يعتنيَ بهذا البابِ، فإنَّ نفعَهُ عظيم) اهـ. - المعنى الإجمالي للحديث: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ)) يا مَعْشَرَ المُكَلَّفِينَ ((مُنْكَرًا)): شَيْئًا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ وَمَنَعَ عنهُ، وَمَعْرِفَةُ المُنْكَرِ وَمَرَاتِبِهِ وَمَرَاتِبِ الإِنْكَارِ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلى عِلْمٍ كثيرٍ. ((فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ)) إنْ كانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ باليدِ؛ غَيْرَةً للهِ تَعَالَى، وَقِيَامًا بِحَقِّهِ، ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ)) إِنْكَارَهُ بِلِسَانِهِ لِعَجْزِهِ، ((فَبِقَلْبِهِ)) فَلْيُنْكِرْهُ بِقَلْبِهِ، وَلْيَكْرَهْهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً مِنْ حيثُ إنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ رَبِّ الأَرْبَابِ، ((وَذَلِكَ)) الرَّجُلُ الذي لا يَقْدِرُ إلاَّ على الإنْكَارِ بالقَلْبِ، ((أَضْعَفُ)) أَهْلِ ((الإيمانِ)) إِيمَانًا، حيثُ لَمْ يُمَكِّنْهُ رَبُّهُ مِنْ وَظَائِفِ أَرْبَابِ الْكَمَالِ. وقَدْ زِيدَ في بعضِ الرِّوَايَاتِ: ((وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ حَبَّةُ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ)). - المراد بالرؤية في قوله "مَنْ رَأَى": يحمل المراد على من علم وإن لم يرَ بعينه، فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، وإن كان ظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه. - إطلاقات الرؤية: * رؤية بصرية: تشترك فيها جميع المخلوقات، وهي بالعينين. * ورؤية قلبية: وتسمى البصيرة أو رؤية علمية يقينية، وهذه خاصة بالمؤمنين. - تعريف المنكر: هو ضد المعروف، فهو ما عرف قبحه ونهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر على فاعله أن يفعله. - معنى يغيّره: أي يُحوّله ويبدّله من صورته التي هو عليها إلى صورة أخرى حسنة. - مراتب إنكار المنكر: المرتبة الأولى: إنكار المنكر باليد. مثاله:من رأى مع شخص آلة لهو لا يحل استعمالها أبداً فيكسرها. *مسألة: هل قوله: "فَلْيُغَيِّرْهُ بيدهِ" على إطلاقه، بمعنى أنه مع القدرة يغير على كل حال؟ الجواب: لا، إذا خاف في ذلك فتنة فلا يغير، لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها، لقوله تعالى: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [الأنعام: الآية108] المرتبة الثانية: إنكار المنكر باللسان إن لم يستطع أن ينكره بيده. ويكون ذلك: بالتوبيخ، والزجر وما أشبه ذلك. *مسألة: قوله "بِلِسَانِهِ" هل نقيس الكتابة على القول؟ الجواب: نعم، فيغير المنكر باللسان، ويغير بالكتابة، بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتباً يبين المنكر. المرتبة الثالثة: بالقلب إن لم يستطع أن ينكره بلسانه. ويكون ذلك: بأن يكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن. *مسألة: إن قال قائل: هل يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول: أنا كاره بقلبي؟ فالجواب: لا، لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم إلا إذا أكرهوه، فحينئذ يكون معذوراً. - شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيْمَانِ": أي أن الإنكار بالقلب، أضعف مراتب الإيمان في باب تغيير المنكر. - حكم إنكار المنكر: · إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان: 1 -فرضُ كفايَةٍ: قالَ تعالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ هذه الآيَةِ: (والمقصودُ مَن هذه الآيَةِ أن تكونَ فرقةٌ مَن الأمَّةِ متصدِّيَةً لهذا الشَّأنِ). 2 -فرضُ عينٍ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ))، دلّ عموم هذا الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علم بالمنكر أو رآه. · إنكار المنكر بالقلب: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ))، فإنكار المنكر باليد واللسان سواء كان فرضًا عينيًّا أو فرضَ كفايَةٍ يكون على حسب القدرة والاستطاعة، أمَّا إنكارُ المنكرِ بالقلب فمنَ الفروضِ العينيَّةِ التي لا تسقطُ مهما كانت الحال، فالقلبُ الَّذي لا يعرفُ المعروفَ ولا يُنكِرُ المنكَرَ قلبٌ خرِبٌ خاوٍ مِن الإِيمانِ. - شروط يجب توفرها في المُنْكِر: الأول: الإسلام. الثاني: التكليف. الثالث: الاستطاعة. الرابع: العدالة. الخامس: وجود المنكر ظاهراً. السادس: العلم بما يُنكر وبما يأمر. - ضوابط المنكر الذي يجب إنكاره: 1. أن يكون منكراً واضحاً يتفق عليه الجميع، أي المنكر والمنكر عليه. 2. أن يتيقن أنه منكر. 3. أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل، لأن الشيء قد يكون منكراً في حد ذاته، لكنه ليس منكراً بالنسبة للفاعل. مثال ذلك: الأكل والشرب في رمضان، الأصل أنه منكر، لكن قد لا يكون منكراً في حق رجل بعينه: كأن يكون مريضاً يحل له الفطر، أو يكون مسافراً يحل له الفطر. *مسألة: حكم إنكار المنكر في الأمور الخلافية: إن كان من الأمور الخلافية فإنه لا ينكر على من يرى أنه ليس بمنكر، إلا إذا كان الخلاف ضعيفاً لا قيمة له، فإنه ينكر على الفاعل. مثال ذلك: لو رأيت رجلاً أكل لحم إبل وقام يصلي، فلا تنكر عليه، لأن المسألة خلافية، فبعض العلماء يرى أنه يجب الوضوء من أكل لحم الإبل، وبعضهم لا يرى هذا، لكن لا بأس أن تبحث معه وتبين له الحق. - أحوال المُنكَر عليهم عند الإنكار: الحالة الأولى: أن ينتقل من هذا المنكر إلى ما هو أنكرُ منهُ. حكم الإنكار عليه: حرامٌ بالإجماع. الحالة الثانية: أن ينتقل إلى ما هو خيرٌ ودين. حكم الإنكار عليه: هذا هو الذي يجب معه الإنكار. الحالة الثالثة: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه. حكم الإنكار عليه: هذا محل اجتهاد. الحالة الرابعة: أن ينتقل منه إلى منكرٍ آخر لا يعلم قدره. حكم الإنكار عليه: لا يجوز الإنكار. - دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1. كسب الثواب والأجر، قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)). 2. خشية عقوبة الله تعالى، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). 3. الغضب لله تعالى. 4. النُّصح للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم. 5. إجلال الله وإعظامه ومحبته. - خطرُ تركِ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر: 1. الطرد من رحمة الله تعالى، قالَ تَعالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. 2. الهلاك في الدنيا، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)). 3. عدم استجابة الدعاء، عن حذيفةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((وَالـَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لكُمْ)). - فوائد من هذا الحديث: 1. أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى جميع الأمة إذا رأت منكراً أن تغيره. 2. أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3. أن للقلب قول وله عمل، قوله عقيدته، وعمله حركته بنية أو رجاء أو خوف أو غير ذلك. 4. المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. 5. زيادة الإيمان ونقصانه. |
باسم الله
عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ:((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ))رواه مسلِمٌ. تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...) العناصر : ●تخريج الحديث ●موضوع الحديث ●قصة الحديث ●منزلة الحديث ●المعنى الإجمالي للحديث ●ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ●شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) -بيان معنى المنكر و وروده نكرة في الحديث - بيان معنى الرؤية الموجبة للإنكار -معنى قوله: (فليغيره) -هل التغيير يوجب الإزالة ومعاقبة المنكر عليه؟ ●حكم إنكار المنكر -حكم الإنكار باليد واللسان -حكم الإنكار بالقلب -متى يتعين الإنكار؟ ●شروط وجوب إنكار المنكر ●آداب إنكار المنكر ●ضابط المنكر الذي يجب إنكاره - حكم الإنكار في مسائل الخلاف -حكم إنكار المنكر المستور -حكم التجسس لاكتشاف المنكر ●شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(فمن لم يستطع فبقلبه) -معناه -أهميته -خطر التهاون فيه -الراضي بالمنكر كفاعله -الإنكار بالقلب فرض لا يسقط عن أحد -هل يكتفى بالإنكار بالقلب؟ ●شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(وذلك أضعف الإيمان) -معنى كونه أضعف الإيمان -دلالة الحديث على تفاضل الإيمان -الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان -ذكر ما يبعث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ●تفسير قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) -تنبيه على الفهم الخاطئ لمعنى الآية مسألة: هل يشترط لإنكار المنكر غلبة الظن بانتفاع المنكر عليهم بالإنكار -تفسير قول الله تعالى:(فذكر إن نفعت الذكرى) ●أحوال المنكَر عليهم مع المنكِر مسألة: الفرق بين النصيحة والإنكار مسألة: الإنكار على ولاة الأمر -ضوابط الإنكار على ولاة الأمر -التغيير باليد لا يستلزم القتال والخروج ●من فوائد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ____________ التلخيص: ●تخريج الحديث. -هذا الحديث خرَّجه مسلمٌ من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه. -ومنْ روايَة إِسماعيل بن رَجاء، عن أبيهِ، عنْ أبي سعيدٍ. ●قصة الحديث. -عن طارق بن شهاب أوّل من بَدأ بالخطبة يوم العيدِ قبل الصّلاةِ مروان بن الحكم، فقام إليهِ رَجل- فقال: الصَّلاة قبلَ الخطبة ، فقال:قد ترك ما هنالِك، فقال أبو سعيد: أمّا هذا، فقد قضى ما عليهِ، ثمّ روى هذا الحديث. -وقيل أن من أنكر على مروان هو أبي سعيد الخذري نفسه. -ويحتمل أن يكون الإنكار قد صدر من الرجلين في مناسبتين مختلفتين. ●منزلة الحديث. هذا الحديث شأنه عظيم لأنه أصل في وجوب إنكار المنكر والسعي لتغييره . ●المعنى الإجمالي للحديث. يأمر الرسّول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على كل فرد من أفراد الأمة، إنكار المنكر قدر استطاعته، بيده أو بلسانه أو بقلبه ،غيرة وحمية لدين الله، لذا ربطه صلى الله عليه وسلم بالإيمان، مصداق قوله تعالى:{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتـنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }. ●ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. خَرَّجَ مُسْلِمٌ منْ حديثِ ابنِ مسعودٍ: عن النبيِّ صلّى اللّه عَليهِ وَسلّم قال:((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوارِيُّونَ وَأَصْحابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)). -وخرَّجَ الإِسماعيليّ من حديثِ أبي هارون العَبْدِيّ - وهو ضعيف جِدًّا - عن موْلًى لِعُمَر، عن عُمَرَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ:((تُوشِكُ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَهْلِكَ إِلا ثَلاثَةَ نَفَرٍ: رَجُلٌ أَنْكَرَ بِيَدِهِ وَبِلِسَانِهِ وَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِيَدِهِ، فَبِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِلِسَانِهِ وَبِيَدِهِ فَبِقَلْبِهِ)). -ورَوَى سالمٌ المُرَادِيُّ عنْ عمرِو بنِ هَرِمٍ، عنْ جابرِ بنِ زيدٍ، عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ:((سَيُصِيبُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلاءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ، لا يَنْجُو مِنْهُ إِلا رَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ السَّوَابِقُ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَصَدَّقَ بِهِ، وَلِلأَوَّلِ عَلَيْهِ سَابِقَةٌ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَسَكَتَ، فَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِخَيْرٍ أَحَبَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِبَاطِلٍ أَبْغَضَهُ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَنْجُو عَلَى إِبْطَائِهِ)).وهذا غَرِيبٌ، وإسنادُهُ مُنْقَطِعٌ. فكل هذه الأحاديث تدلّ على وجوب إنكار المنكر ولو بالقلب لمن عجز عن إنكاره باليد واللسان ، ومن لم يفعل فقد ذهب الإيمان من قلبه. ●شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(من رأى منكم منكراً فليغيره) بيان معنى المنكر ووروده نكرة في الحديث. المنكر لغة: كل ما تنكره العقول والفطر وتأباه. واصطلاحا: اسم جامع لكل ما قبحه الشرع ونهى عنه، ويشمل ترك الأوامر- كالإفطار في نهار رمضان -، والوقوع في النواهي -كشرب الخمر-، فالمنكر ما أنكره الشرع لا ما ينكره الذوق والرأي. - وتنكير لفظة المنكر في الحديث يدل على دخول كلُّ ما ورد دليل في الشرع على نكارته. بيان معنى الرؤية الموجبة للإنكار. الرؤية شرط لإنكار المنكر، أما أن يفترض الشخص وقوع المنكر، فهذا زيغ عن التوجيه النبوي، لأنّ أن الدين يبنى على علم لا على الافتراض وفي اشتراط الرؤية للمنكر حثٌ على التثبت في أمور الدين، والعلماء في اشتراط الرؤية على قولين : القول الأول اشتراط الرؤية البصرية وهو قول الإمام أحمد، فمن علِم عن المنكر ولم يرهُ فلا يفتش عنه، وله أن يكشف المغطى ، إذا تحقق منه وعلِم مكانه على وجه اليقين ، فهذا يحل محلّ الرؤية. القول الثاني: وهو قول ابن عثييمن رحمه الله :وإنْ كان ظاهر الحديث يدل على الرؤية البصرية ، فإنّ اللفظ يحتمل معنى أعمّ ، وهي الرؤية العلمية ،كأن يسمع المنكَرَ بأذنيه أو يخبره أحد من الثقات خبرا يقينيا بوقوع المنكر. معنى قوله: (فليغيره). التغيير معناه تغيير الصورة المنكرة للفعل إلى صورة حسنة ؛ أي حمل المنكَرِ عليه على ترك فعل المنهي عنه أو القيام بالأمر المتروك ، باليد أو باللسانأو بالقلب كما سيأتي تفصيله. هل تغيير المنكر يلزم إزالته وعقاب المنكر عليه؟ -التغيير لا يلزم منه الإزالة دوما ،إذ أن هذه الأخيرة هي وجه من أوجه التغيير. -من أنكر المنكر سواء أزاله أو لم يزله فقد غيّرَ، ومن لم يشهدِ المنكر ولم ينكره بقلبه فلم يغيّر؛لأن الأوّل قد امتثل للأمر بالتغيير والثاني لم يمتثل. -التغيير يخص المنكَر لا المنكَرِ عليه فلم يرد في نص الحديث عقاب المنكرِ عليه أو تعنيفه، ولهذا الأخير مبحث آخر ليس هذا محلّه. ●حكم إنكار المنكر. الإنكار باليد واللسان -له حالان وكلاهما مشروط بالقدرة والاستطاعة : فرض كفاية: لقوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. -فسّر ابن كثير رحمه الله الآية على أنه يجب أن تكون من هذه الأمة فئة متصدية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعيّنها الإمامُ وتكون لها الكفاءة والاستعداد للتّصدي لهذا الشأن العظيم، فإن هم فعلوا سقط الفرض عن الباقين. فرض عين: على كل من رأى منكرا أو علِم به لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ)). الإنكار بالقلب مفروض فرض عين على كل مسلم ، لقوله صَلى اللهُ عَليه وسلّم:((فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ)). ●متى يتعين الإنكار؟ إذا تُثُبّت من وقوع المنكر ووجدت القدرة يتعيّن إنكار المنكر بالبيد واللسان: - على من رأى في نفسه أو عُلِم عنه-القدرة على التغيير وصلاحية النظر . - على العلماء لأنّهم هم حملة لواء الدين، وتقصيرهم في هذا الباب يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها. - على الوالي في ولايته كالأب مع زوجته وأولاده ، والإمام في مسجده ، وعلى الهيئة التي نُصبّت للتصدي لمثل هذا الأمر من قِبَل وليّ الأمر. -ويتعيّن على الجميع فيما يخص الإنكار بالقلب . ●شروط وجوب إنكار المنكر. الشرط الأول:الإِسلام. الشرط الثاني:التكليفُ، ويشمل: العقل والبلوغ. الشرط الثالث:الاستطاعة. الشرط الرابع:العلم بكونه منكرا. الشرط الخامس:رؤية المنكر. ●آداب إنكار المنكر. -أن يكون المنكِر مجتنباً للمنكَر قدوة لغيره. قالَ تعالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}. ولا يعني هذا أن المنكر يجب أن يكون كامل الحال بل ينهى عن المنكر ويكون هو أول المنتهين، فلا يسقط عنه النهي عن المنكر وإلا هلك من وجهين :من حيث أنه مقصرٌ في نفسه ، ومن حيث لم ينكرِ المنكر. - أن ينصح للمنكَر عليه ويرفق به إلا إذا كان فاسقا مجاهرا فلاحرمة له. قالَ أحمدُ: (النَّاسُ مُحْتَاجُونَ إلى مُدَارَاةِ وَرِفْقِ الأمرِ بالمعروفِ بلا غِلْظَةٍ، إلا رَجُلٌ مُعْلِنٌ بالفِسْقِ، فلا حُرْمَةَ لهُ). - أن يراعي الحكمة في أسلوب الإنكار ووقته وطريقته. قالَ تَعالَى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. والحزم لا يتعارض مع الحكمة بل قد يكون هو عين الحكمة مع أشخاص معينين في مواقف معينة. - أن يرشد المنكر عليه إلى البدائل الشرعية . ●ضابط المنكر الذي يجب إنكار. -المنكر الذي يجب إنكاره ما كان مجمعا عليه أمّا ماكان من مسائل الاجتهاد فالأصّح عدم إنكاره وإن أجازه بعض العلماء -في بعض الحالات- . -ويرى بعض العلماء أن الخلاف إن كان ضعيف الحجة لمن قال بالحرمة فينكر على فاعل المنكر. -أمّا إذا كان الخلاف قويّا ويصعب معه الترجيح إلا على الجهابذة من العلماء فلا ينكر. معرفة المعروف والمنكر تكون بالقلب. قالَ ابنُ مسعودٍ: (هَلَكَ مَنْ لمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ المعروفَ والمُنْكَرَ)، فدلّ ذلك على أنّ وجوب معرفة المعروف وإنكار المنكر بالقلب ، ومن لم يكن هذا حاله فهو على خطر عظيم، إذ أنّ القلب السليم هو مشكاة المؤمن التي يميز بها الحق من الباطل والطيب من الخبيث. حكم إنكار المنكر المستور. -إنكار المنكر متعلق بالرؤية فمن علِم به ولم يره فلا يعرض له كما قال الإمام أحمد . -وعنه أيضا أنه أجاز كشف المستور إذا تحقّق به ما يقوم مقام الرؤية كالسماع . حكم التجسس لاكتشاف المنكر. -أنكر العلماء ومنهم سفيان الثوري ، التفتيش والتجسس وتسوّر الجدران بحجة البحث عن المنكر؛ لأن الحديث صريح في الأمر بالنهي عن المنكر الظاهر المعلوم. -ويرى القاضي ابن العربيّ، أنّ التجسس يجوز إذا كان المنكر فيما لا يمكن استدراكه كالزنا والقتل، وفيما عدا ذلك فهو من التّجسس المحرّم. ●مراتب إنكار المنكر المرتبة الأولى:الإنكار باليد معنى الإنكار باليد. هو تغيير المنكر باليد وما يؤزرها من الآلات كالعين والرجلين، وهو مقيد بالرؤية وبالقدرة ، ويكون لكل أحد رأى منكرا في سلطانه كالوالد مع ولده والإمام في مسجده وولي الأمر في ولايته ومن لم يغير بيده في هذه الأحوال فهو آثم لأنه تخلف عن الأمر الوارد في الحديث. شروط الإنكار باليد: الشرط الأول:العلم بكونه منكراً . الشرط الثاني:أن يكون للمنكِر ولاية. الشرط الثالث:ألا يترتب على الإنكار منكر أعظم منه. المرتبة الثانية:الإنكار باللسان. ●شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(فمن لم يستطع فبلسانه). جاء التغيير باللسان في الدرجة الثانة من درجات تغيير المنكر عند العجز عن تغييره باليد لأنه لا يحدث معه الانتهاء عن المنكر دائما، ولا يتوجب إلا عند العجز عن التغيير باليد ويكون باستعمال الحكمة والموعظة الحسنة سواء بالتذكير أو الترغيب أو الترهيب على حسب ما يحتاجه المقام والناس في حاجة ماسة لمثل هذا التغيير لما عرض على الأمة من ابتعاد عن دين الله وهدي نبيّه. المرتبة الثالثة:الإنكار بالقلب. ●شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(فمن لم يستطع فبقلبه). المرتبة الثالثة : الإنكار بالقلب معنى الإنكار بالقلب. إنكار المنكر بالقلب عند عدم القدرة على تغييره باليد أو اللسان ،هي كراهة المنكر بالقلب وعدم الرضا به غيرة على حدود الله ، وهذا عمل قلبي وهو حركته اعتقاداً بنكارة المنكر ، وعزيمةً ونيةً على إنكاره باليد أو اللسان متى ما قدر على ذلك. أهميته. تكْمن أهميته -على قلة تأثيره في المنكر عليه- في سلامة دين المنكِر وقلبه والبراءة من المناكر وإن لم يشهدها. ومن حديث ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم :(..وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل). خطر التهاون فيه التهاون في هذا الباب خطر عظيم قد يقضي على ما في القلب من بقايا إيمان المرء ،وما من مسلم يترك إنكار المنكر بقلبه إلا زاده الله برضاه على الخطيئة سخطا، ومن يعجز عن هذه المرتبة من الإنكار فلا خير فيه. الراضي بالمنكر كفاعله. الراضي بالذنب كفاعله وإن لم يشهد المنكر. قال النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ:((إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)). الإنكار بالقلب فرض لا يسقط عن أحد لا يسقط الانكار بالقلب عن أحد من المسلمين بحال من الأحوال كونه فرض عينإذ جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى مراتب الإنكار،فإن أسقطت سقط معها الإيمان. هل يكتفى بالإنكار بالقلب؟ يستلزم على المنكر الابتعاد عن أهل المنكر، إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، فهذا معذور ،مصداق قوله تعالى:{فلا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم} وهذا الهجران لأهل المنكر قد يكون رادعا لهم ، يدفعهم لاستشعار نكارة فعلهم. ●شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(وذلك أضعف الإيمان). معنى كونه أضعف الإيمان. إنكار المنكر بالقلب هو أدنى مراتب الإنكار ، لذا فإن صاحبه يعد أضعف إيمانا من الذي ينكر بيده أو بلسانه إن كان قادرا . دلالة الحديث على تفاضل الإيمان. فيه دلالة على أن من قدر على خصلة من خصال الإيمان زاد إيمانه وكان أفضل من الذي تركها عجزا، وإن كان معذورا ، ففد فضلّ الله عز وجلّ المجاهدين على القاعدين درجة، مع كونهم من أصحاب الأعذار قال تعالى: {وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيم}. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان فقد أخرج مسلم هذا الحديث العظيم في كتاب الإيمان ولا شك في أن ((اليد العليا خير من اليد السفلى))، والمؤمن القويّ الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ،أفضل إيمانا من المؤمن الضعيف الذي لا يملك إلاّ الإنكار بقلبه وترجى له السلامة بإذن الله. ذكر ما يبعث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بواعث كثيرة منها: -تعظيم الله وإجلاله والذب عن محارمه إذا رأى اجتراء الناس عليه بالمناكر -ابتغاء ما عند الله من ثواب وأجر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله)). -خشية نزول عقاب الله على المجتمع الذي لا يُؤمر فيه بالعروف ولا يُنهى فيه عن المنكر والحرمان من استجابة الدعاء : ((وَالـَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لكُمْ)). -الغيرة على حدود الله والغضب له من خصال المؤمن. -النصيحة للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم من وعيد الله. ●تفسير قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم). الوجه الأول: المسلم مكلف بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف وليس بالنتائج، فإنْ هو فعل ماكلّف به اهتم لنفسه {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. الوجه الثاني قال رسول اللّه صلّى اللَّه عَلَيه وَسَلَّمَ حينما سئل عن هذه الآية :((بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْتَهُوا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَوَامِّ)). النهي عن المنكر يكون مع من علم منه قبوله النهي، فإن رأى المُنكِر أنه لن يُقبَل منه سقط عنه الأمر، وعليه أن يهتم بخاصة نفسه ،لأن الزمان حينئذ زمان فتن ولبس واختلاف القلوب والأهواء ، كما نبهنا إليه الحديث . تنبيه على الفهم الخاطئ لمعنى الآية. من فهم الآية على أنها مبرر لعجزه وتقصيره في النهي عن المنكر، فهذا فهم سقيمٌ ، يتعارض مع كثير من نصوص القرآن والسنة، بل هي تخفيف من الله عزوجلّ على المسلمين ، فعن الحسن أنه كان إذا تلا هذهِ الآية قال:( يا لَهَا مِنْ ثِقَةٍ مَا أَوْثَقَهَا! ومِنْ سَعَةٍ ما أَوْسَعَهَا!) مسألة: هل يشترط لإنكار المنكر غلبة الظن بانتفاع المنكر عليهم بالإنكار. -قالت طائفة من أهل العلم ومنهم شيخ لإسلام ابن تيمية ، باشتراط غلبة الظن بانتفاع المنكر عليهم لإنكار المنكر ،واستدلوا بقوله تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى} وعمل بهذا الرأي عدد من الصحابة كابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم فلم ينكروا على بعض الامراء مخالفات رأوها في بيوتهم لما غلب على ظنّهم عدم جدوى الإنكار، وهذا الرأي قد يكون وجيها في بعض الحالات. -أما رأي الجمهور فهو على وجوب الإنكار وتعليقه بالقدرة مطلقا لحديث رسول الله:((من رأى منكم منكرا فليغيره..)). تفسير قول الله تعالى:(فذكر إن نفعت الذكرى) ظاهر الآية هو وجوب التذكير بشرط الانتفاع ، وهذا ما ذهب إليه طائفة من أهل العلم . ●أحوال المنكر عليهم مع المنكِر. الحالة الأولى:أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكر منه. حكمها:الإنكار في هذه الحالة حرامٌ بالإجماع . الحالة الثانية:أن ينتقلوا إلى ما هو أخف منه أو يتركوا المنكر. حكمها: هنا يجب الإنكار. الحالة الثالثة: أن ينتقلوا منه إلى منكرٍ يساويه. حكمها: هذه الحالة محل اجتهاد. الحالة الرابعة: أن ينتقلوا منه إلى منكرٍ آخر لا يعلم قدره. حكمها:لا يجوز الإنكار . وتحتاج كل من هذه المراتب إلى أن يكون المنكِر على درجة من الفقه ، لئلا يسيئ من حيث يظنّ أنه يصلح ،كفقه السكوت عن المنكر القاصر خشية وقوع المنكر عليه في المنكر المتعدي. مسألة: الفرق بين النصيحة والإنكار. النصيحة كما وردت في الحديث: ((الدين النصيحة )) اسم شامل والإنكار من النصيحة ، فهو حال من أحوالها ، لذا له ظوابطه وشروطه من تحقق الرؤية والاستطاعة.. فكل من أنكر منكرا رآه فقد نصح، ولا يستلزم من الناصح رؤية المنكر . مسألة: الإنكار على ولاة الأمر. ضوابط الإنكار على ولاة الأمر. الضابط في الإنكار على الولاة -وماكان عليه السلف- هو رؤيتهم يرتكبون المنكر بأنفسهم وعلناً، لا على شيء أجرَوه في ولايتهم . - فجعل السلف الأول في باب الإنكار بالحكمة دون منابذة . - وجعلوا الثاني في باب النصيحة . ويدل عليه ما قاله ابنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه لرجل سأله عن أمر السلطان بالمعروف ونهييه عن المنكر: (لا تَكُنْ لهُ فِتْنَةً، قالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ أَمَرَنِي بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ؟ قالَ: ذلكَ الَّذي تُرِيدُ، فَكُنْ حِينَئِذٍ رَجُلاً). التغيير باليد لا يستلزم القتال والخروج. لا يستلزم التغيير باليد قتالهم والخروج علي الولاة لما قد يترتب عن ذلك من فتنة عظيمة وسفك لدماء المسلمين ،ولكن جهادهم بإزالة ما فعلوه من المنكرات-لمن كان له القدرة على ذلك -كإبطال ما أمروا به من ظلم وإراقة خمورهم وكسر معازفهم.. ترك الإنكار خشية وقوع الضرر على النفس أو على الأهل والجيران. من خشي أذى الأمير و علِم من نفسه عدم الصبر، فلا يعرضها لبلاء لا طاقة له به، من سوط وحبس وأخذ مال إلى غير ذلك ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ)). -وكذا من خشي وقوع الضرر على أهله وجيرانه يسقط عنه الإنكار على الأمير لما فيه من تعدي الأذى إليهم. ●من فوائد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. -وجوب تغيير المنكرعند رؤيته مع الاستطاعة. -إنكار المنكر بالقلب لا يسقط عن أحد وهو أضعف درجات الإيمان. -سلامة القلب والمجتمع لا تتأتّى إلا بمعرفة المعروف وإنكار المنكر. -الدين يسر، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. -التغيير ليس لكل أحد مطلقا. -التثبت في أمور الدين منهج ربانيّ. -الراضي بالمنكر كفاعله. -الإيمان يزيد وينقص. |
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم
العناصر : 1. تخريج الحديث. 2. موضوع الحديث. 3. قصة الحديث. 4. منزلة الحديث. 5. معاني المفردات. 6. المعنى الإجمالي للحديث. 7. فوائد الحديث. المسائل العلمية المتعلقة بالحديث: 1. حكم إنكار المنكر. 2. شروط وجوب إنكار المنكر. 3. ضابط المنكر الذي يجب إنكاره. 4. أحوال المنكر عليهم مع المنكر. 5. دوافع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. 6. خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. العناصر تخريج الحديث: أخرجه مسلم من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد، في صحيحه في كتاب الإيمان، بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان. موضوع الحديث : وجوب إنكار المنكر وتغييره. قصة الحديث : عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد: لم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذته بثوبه فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله ، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم. والجمع بين الروايتين: فيحتمل أن الرجل أنكر بلسانه وحاول أبو سعيد أن ينكر بيده، ويحتمل تعدد الواقعة. قال النووي: فيحتمل أنها قصتان إحداهما لأبي سعيد، والأخرى للرجل بحضرة أبي سعيد. منزلة الحديث: هذا الحديث عظيم الشأن، لأنه نص على وجوب إنكار المنكر، وهذا كما قال النووي: ( باب عظيم به قوام الأمروملاكه، وإذا كثر الخبث، عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعذاب:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، فينبغي لطالب الآخرة، الساعي في تحصيل رضى الله عز وجل، أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم). مفردات الحديث : رأى : أي أبصر بعينيه وشاهد بها هذا المنكر، والرؤية رؤيتان : بصرية : وتشترك فيها جميع المخلوقات، وهي بالعينين. وقلبية : وتسمى بصيرة أو رؤية علمية يقينية، وهذا للمؤمنين بالغيب، ويمتثلون أوامر الله ويعملون بها؛ ولذا يعملون للآخرة كأنما يرونها. المنكر: ضد المعروف، فهو ما عرف قبحه شرعا وعرفا ، ويشمل ترك الأوامر والوقوع في النواهي؛ لأنها منكر بهذه الصورة. تعريف آخر للمنكر: شيئا أنكره الشرع ومنع عنه. المعنى الإجمالي للحديث : من رأى منكرا من المكلفين، وجب عليه تغييره بيده إن أمكنه ذلك، فإن لم يستطع أنكره بلسانه، فإن عجز عن ذلك أنكره بقلبه، وكرهه كرها شديدا، والإنكار بالقلب من أضعف الإيمان . فوائد الحديث : 1. أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه من خصال الإيمان ، لذلك أخرج مسلم هذا الحديث في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان. 2. التأكد من وجود المنكر عند إنكاره. 3. بيان مراتب إنكار المنكر. 4. عدم صلاح المجتمع إلا بزوال المنكر. 5. المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. 6. زيادة الإيمان ونقصانه. 7. أنه ليس في الدين من حرج، وأن الوجوب مشروع بالاستطاعة، وهذه قاعدة عامة في الشريعة: {فاتقوا الله ما استطعتم}. المسائل العلمية المتعلقة بالحديث: حكم إنكار المنكر : إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان: 1. فرض كفاية: قال الله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. 2. فرض عين : والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : (( من رأى منكم منكرا فليغيره فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه))، دل عموم هذا الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علم بالمنكر أو رآه. أما إنكار المنكر بالقلب : فهو من الفروض العينية التي لا تسقط مهما كان الحال، فالقلب الذي الذي لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر قلب خرب خاو من الإيمان. الشروط الواجب توفرها في المنكر: 1. الإسلام. 2. التكليف؛ ويشمل : العقل والبلوغ. 3. الاستطاعة. 4. العدالة. 5. وجود المنكر ظاهرا. 6. العلم بما ينكر وبما يأمر. شروط وجوب إنكار المنكر: لا يجوز إنكار المنكر حتى يتقين المنكر وذلك من وجهين: الوجه الأول : أن يتيقن أنه منكر. الوجه الثاني : أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل، لأن الشيء قد يكون منكرا في حد ذاته، لكنه ليس منكرا بالنسبة للفاعل. مثال ذلك: الأكل والشرب في رمضان، الأصل أنه منكر، لكن قد لا يكون منكرا في حق رجل بعينه: كأن يكون مريضا يحل له الفطر، أو يكون مسافرا يحل له الفطر. أحوال المُنكر عليهم مع المنكر: الحالة الأولى: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكر منه. حكمها: الإنكار حرام في هذه الحالة. الحالة الثانية: أن ينتقلوا إلى ما هو أخف منه أو يتركوا المنكر. حكمها: يجب الإنكار. الحالة الثالثة: أن ينتقلوا منه إلى منكر يساويه. حكمها: هذه الحالة محل اجتهاد. الحالة الرابعة: أن ينتقلوا منه إلى منكر آخر لا يعلم قدره. حكمها: لا يجوز الإنكار. دوافع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: 1. كسب الثواب والأجر من الله. 2. خشية عقاب الله. 3. النصيحة للمؤمنين، والرحمة بهم رجاء إنقاذهم. 4. الغضب لله على انتهاك محارمه. 5. إجلال الله تعالى وإعظامه ومحبته. خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1. الطرد من رحمة الله كما طرد أهل الكتاب من رحمته عندما تركوا هذه المهمة. 2. الهلاك في الدنيا. 3. عدم استجابة الدعاء. |
تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا : ( من رأى منكم منكرا ... )
عناصر الدرس : * تخريج الحديث . * منزلة الحديث . * سبب إيراد الحديث . * شرح قوله : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ) - المراد بالرؤية في الحديث . - أنواع الرؤية . - المراد بالمنكر . - لا إنكار في مسائل الاجتهاد . - ضابط التغيير باليد . - الفرق بين التغيير والإزالة . * شرح قوله : ( فإن لم يستطع فبلسانه ) - المراد بالإنكار باللسان . - وجوب الإنكار مشروط بالاستطاعة . * شرح قوله : ( فإن لم يستطع فبقلبه ) - المراد بإنكار القلب . - الجلوس في مكان المنكر ينافي الإنكار بالقلب . * شرح قوله : ( وذلك أضعف الإيمان ) * شروط إنكار المنكر . * مراتب إنكار المنكر . *حكم إنكار المنكر باليد واللسان والقلب . * الشروط الواجب توفرها في المُنكِر . * دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . * خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . التلخيص: * تخريج الحديث : رواه مسلم . * منزلة الحديث : حديث عظيم الشأن لأنه نص على وجوب إنكار المنكر. * سبب إيراد الحديث : - إنكار الرجل على مروان تقديمه الصلاة على الخطبة ، فأورد أبوسعيد الخدري هذا الحديث . - وفي رواية للبخاري أن الذي أنكر على مروان ، أبو سعيد الخدري . * شرح قوله : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ) - المراد بالرؤية في الحديث : ظاهر الحديث أنها رؤية العين ولكن اللفظ يحتمل العموم فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك. - أنواع الرؤية : بصرية : تشترك فيها المخلوقات ، وهي بالعينين . قلبية : وتسمى بصيرة أو رؤية علمية يقينية . - المراد بالمنكر : هو كل مانهى الله ورسوله عنه ، لأنه ينكر على فاعله أن يفعله. - لا إنكار في مسائل الاجتهاد: لا يكون الإنكار إلا في المنكر الواضح المتفق عليه وأما مسائل الاجتهاد فلا إنكار فيها إلا إذا كان الخلاف مبني على قول ضعيف لا وجه له. - ضابط التغيير باليد : ألا يؤدي إلى فتنة أكبر من المنكر. - الفرق بين التغيير والإزالة : التغيير أعم من الإزالة ويشمل الإنكار باللسان والقلب. * شرح قوله : ( فإن لم يستطع فبلسانه ) - المراد بالإنكار باللسان : تبيين الحكم الشرعي والتوبيخ والزجر وغير ذلك من الوسائل مثل الكتابة ولا بد من استعمال الحكمة في ذلك. - وجوب الإنكار مشروط بالاستطاعة : وهذه قاعدة عامه في الشريعة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطع ) وقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) *شرح قوله : ( فإن لم يستطع فبقلبه ) - المراد بإنكار القلب : تألم القلب لهذا المنكر وكراهيته لأهله وتمني زواله. - الجلوس في مكان المنكر ينافي الإنكار بالقلب : لقوله تعالى : ( فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) * شرح قوله : ( وذلك أضعف الإيمان ) - يعني أن الإنكار بالقلب أقل درجات الإيمان ولأنه يجب على كل أحد. * شروط إنكار المنكر : - أن يتيقن أنه منكر . - أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل . * مراتب إنكار المنكر : - الإنكار باليد : وهذه الدرجة الأولى لولي الأمر في الولاية العامة والخاصة ولكل ذي سلطان في سلطانه وهي مشروطة بالاستطاعة . - الإنكار باللسان : وهذه الدرجة الثانية لمن لا يملك سلطة وهي مشروطة بالاستطاعة . - الإنكار بالقلب : وهذه الدرجة الثالثة وهي واجبة على الجميع ولا يعذر أحد بتركها . * حكم إنكار المنكر : - باليد واللسان له حالتان : - فرض كفاية : لقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) - فرض عين : لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ... ) - حكم إنكار المنكر بالقلب : فرض عين لا يسقط مهما كانت الحال ، لقول ابن مسعود : ( هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر ). * الشروط الواجب توفرها في المُنكِر : - الإسلام . - التكليف . - الاستطاعة . - العدالة . - وجود المنكر ظاهرا. - العلم بما ينكر وبما يأمر . * دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : - كسب الأجر والثواب . - خشية عقاب الله . - الغضب لله . - النصح للمؤمنين والرحمة بهم . - إجلال الله سبحانه وتعالى ومحبته . * خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : - الطرد من رحمة الله . - الهلاك في الدنيا . - عدم إستجابة الدعاء . |
بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان . رواه مسلم . 1- تخريج الحديث : أخرجه مسلم - كتاب الإيمان - باب بيان النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص ، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان (49) (78) . 2- موضوع الحديث : وجوب تغير المنكر . 3- قصة الحديث : أول من خطب في العيد قبل الصلاة هو مروان بن الحكم ، فأنكر عليه رجل فعله فأبى ، فقال أبو سعيد الخدري : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ..... وذكر الحديث . 4- منزلة الحديث : حديث عظيم الشأن ، لأنه نص على إنكار المنكر . 5- شرح الحديث : من رأى منكم منكراً : أي من رأى منكم أيها المسلمين المكلفين شيئاً نهى الله عز وجل عنه ، ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . لأن الشرع أنكره ومنع عنه ، فليغير هذا المنكر بيده طاعة لله واتباعاً لسنة رسول الله . وتغير المنكر واجباً على كل الأمة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ولى به جميع الأمة . ويجب التيقن من المنكر ، وأنه منكرا حتى يمكننا تغيره وانكاره . والتغير يكون باليد ، لأن اليد هي ألة الفعل . ويكون التغير باللسان ، وإن لم يستطع فليغير بالقلب ، وذلك بكراهة المنكر وأنه متى قدر على انكاره بلسانه أو بيده فعل ذلك . 6- حكم انكار المنكر : هو فرض كفاية ، قال تعالى :{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } . وقال صلى الله عليه وسلم :( من رأى منكم مكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ) . 7- فوائد الحديث : 1- أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . 2- وجوب تغير المنكر . 3- التأكد من المنكر أنه منكراً لوجوب تغيره . 4- يجب تغير المنكر باليد . 5- وجوب إنكار المنكر بالقلب لمن لم يستطع باللسان . |
التطبيق الأول: تلخيص حديث أبي سعيد الخدري.
بسم الله الرحمن الرحيم.
العناصر: 1- تخريج الحديث. 2- شواهد الحديث. 3- قصة الحديث. 4- المعنى الإجمالي للحديث بشواهده. 5- منزلة الحديث. 6- تعريف المنكر. 7- فضل إنكار المنكر. 8- حكم إنكار المنكر. أ: حكم الإنكار باليد واللسان، وفيه مسائل: حالات إنكار المنكر. تفاوت الناس في مسؤولية إنكار المنكر. متعلق الإنكار باليد و اللسان. الإنكار على ولاة الأمور. الفرق بين التغيير والإزالة. الفرق بين المنكر وفاعل المنكر. الفرق بين النصيحة والإنكار. متى يتعين إنكار المنكر. ب:حكم الإنكار بالقلب. ج: تفسير قوله تعالى :{ لا يضركم من ضَل إذا اهتديتم }. 9-أنواع المنكرات. 10- أحوال المنكر عليه مع إنكار المنكر. 11- دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 12- خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ. 13- صفات الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر. 14- شروط المنكِر. 15- متى يجوز إنكار المنكر. 16- شرح مفردات الحديث. 17- عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان. التفصيل: [color="darkred"]1-تخريج الحديث:[/color] *هذا الحديثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ منْ روايَةِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عنْ طارقِ بنِ شهابٍ، عنْ أبي سعيدٍ. *ومنْ روايَةِ إِسماعيلَ بنِ رَجَاءٍ، عنْ أبيهِ، عنْ أَبِي سَعِيدٍ. 2-شواهد الحديث: روي هذا الحديث من وجوه أخرى بمعان متقاربة. -فَخَرَّجَ مُسْلِمٌ منْ حديثِ ابنِ مسعودٍ: عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوارِيُّونَ وَأَصْحابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)). -ورَوَى سالمٌ المُرَادِيُّ عنْ عمرِو بنِ هَرِمٍ، عنْ جابرِ بنِ زيدٍ، عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((سَيُصِيبُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلاءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ، لا يَنْجُو مِنْهُ إِلا رَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ السَّوَابِقُ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَصَدَّقَ بِهِ، وَلِلأَوَّلِ عَلَيْهِ سَابِقَةٌ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَسَكَتَ، فَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِخَيْرٍ أَحَبَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِبَاطِلٍ أَبْغَضَهُ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَنْجُو عَلَى إِبْطَائِهِ)). وهذا غَرِيبٌ، وإسنادُهُ مُنْقَطِعٌ. -وخرَّجَ الإِسْمَاعِيلِيُّ منْ حديثِ أبي هارونَ العَبْدِيِّ - وهوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - عنْ مَوْلًى لِعُمَرَ، عنْ عُمَرَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((تُوشِكُ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَهْلِكَ إِلا ثَلاثَةَ نَفَرٍ: رَجُلٌ أَنْكَرَ بِيَدِهِ وَبِلِسَانِهِ وَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِيَدِهِ، فَبِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِلِسَانِهِ وَبِيَدِهِ فَبِقَلْبِهِ)). -وخرَّجَ أيضًا منْ روايَةِ الأَوْزَاعِيِّ عنْ عُمَيْرِ بنِ هانئٍ، عنْ عَلِيٍّ، سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((سَيَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ لا يَسْتَطِيعُ الْمُؤْمِنُ فِيهَا أَنْ يُغَيِّرَ بِيَدٍ وَلا بِلِسَانٍ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قالَ: ((يُنْكِرُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَنْقُصُ ذَلِكَ إِيمَانَهُمْ شَيْئًا؟ قالَ: ((لا، إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْقَطْرُ مِنَ الصَّفَا)). وهذا الإسنادُ مُنْقَطِعٌ. -وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مَعْنَاهُ منْ حديثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ عَن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. 3- قصة الحديث : ورد في شأن الحديث قصتان : الأولى: عن طارقِ بنِ شهابٍ قالَ: أوَّلُ مَن بدأَ بالخطبةِ يومَ العيدِ قبلَ الصَّلاةِ مَروانُ، فقامَ إليهِ رجلٌ فقالَ: الصَّلاةُ قبلَ الخطبةِ، فقالَ: قد تُرِكَ ما هنالِكَ. فقالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا فقد قَضَى ما عليهِ، سمعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ثمَّ ذكرَ الحديثَ. الثانية: وفي روايَةِ البخاريِّ أنَّ الَّذِي أنكرَ علَى مروانَ، أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ. فقالَ أبو سعيدٍ: فلم يزلِ النَّاسُ علَى ذلك حتَّى خرجْتُ مع مَرْوانَ وهو أميرُ المدينةِ في أضحًى أو فطرٍ، فلمَّا أتيْنَا المصلَّى إذا منبرٌ بناهُ كُثَيِّرُ بنُ الصَّلْتِ، فإذا مَرْوانُ يريدُ أن يرتقيَهُ قبلَ أن يصلِّيَ فجبذْتُهُ بثوبِهِ فجبذَنِي، فارتفعَ فخطبَ قبلَ الصَّلاةِ، فقلْتُ له: غيَّرْتُم واللهِ، فقالَ: أبا سعيدٍ! قد ذهبَ ما تَعْلَمُ. فقلْتُ: ما أَعْلَمُ واللهِ خيرٌ ممَّا لا أَعْلَمُ. فقالَ: إنَّ النَّاسَ لم يكونُوا يجلسُونَ لنا بعدَ الصَّلاةِ فجعلْتُهَا قبلَ الصَّلاةِ. -الجمع بين الواقعتين: - يحتمل أن الرَّجلَ أنكرَ بلسانِهِ على مروان في الملأ بحضرة أبي سعيد في مجلس. وحاولَ أبو سعيدٍ أنْ يُنْكِرَ بيدِهِ بينه وبين مروان في مجلس آخر، وهذا الذي رجحه الحافظ والنووي، بحكم تعدد الواقعة . 4- المعنى الإجمالي للحديث بشواهده : دلت هَذِهِ الأحاديثُ كُلُّها على وُجُوبِ إنكارِ المُنْكَرِ بِحَسَبِ القُدْرَةِ عليهِ، وأنَّ إِنْكَارَهُ بِالقَلْبِ لا بُدَّ منهُ، فمَنْ لمْ يُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ دَلَّ على ذَهَابِ الإِيمانِ مِنْ قَلْبِهِ. 5- منزلة الحديث: هذا الحديث أصل من أصول الإسلام ، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فيه بيان حكم إنكار المنكر ، وكيفية ذلك ، بعبارة جامعة. 6- تعريف المنكر: المنكر ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم. اسم لما عرف في الشريعة قُبحه والنهي عنه، فلا يكون منكراً حتى يكون محرماً في الشريعة. 7- فضل إنكار المنكر: هو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه. به يحصل تجنب عذاب الله أن يعم الصالح والطالح إذا كثر الخبث ولم يؤخذ على يد الظالم. لا يعتني بهذا الباب إلا نبتغي الآخرة ، الساعي في تحصيل رضى رب العالمين. 8- حكم إنكار المنكر: أ: الإنكار باليد واللسان: وفيه مسائل: -حالات إنكار المنكر. فرض كفاية : وذلك بأن يولي إمام المسلمين مجموعة من الناس، ممن تتوفر فيهم الشروط الخاصة بهذا الأمر، ينوبون عن بقية الناس؛ فيسقط الأمر عن الباقين. الدليل: قال تعالى:{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وجه الدلالة من الآية : الأمر بتكوين فرقة من الأمة تتصدى لهذا الشأن. قاله ابن كثير، وبنحوه عن ابن العربي. فرض عين: يجب الإنكار من كل فرد مستطيع علم بالمنكر أو رَآه ، وكذلك إذا عرف من نفسه صلاحية النظر والاستقلال بالجدال ، أو عرف عنه ذلك. الدليل: حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- دل الحديث بعمومه على وجوب إنكارالمنكر على كل فرد من الأمة بحسبه ، كمن يكون في موضع لا يعلم بالمنكر إلا هو ، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو ، أو غير ذلك. قاله النووي ، وابن كثير. تفاوت الناس في إنكار المنكر: بقدر تفاوت الناس في القدرة يتفاوتون في المسئولية ، والقدرة تتعلق ب: العلم: فواجب العالم أكبر من واجب العامي . السلطة: وهنا يتأكد الواجب على ولاة الأمور في هذا الجانب ؛ لأنهم أصحاب الشأن في تسيير أمور العامة. الإنكار على ولاة الأمور: القول الأول : وجوب جهاد الأمراء باليد دون القتال بالسيف، وذلك بإراقة خمورهم ، أو كسر آلات الملاهي الخاصة بهم ، بشرط أن لا يتعدى عقاب ولي الأمر الشخص نفسه إلى أهله أو جيرانه أو غيرهم. الدليل: حديث ابن مسعود- رضي الله عنه - الذي فيه:" يخلف من بعدهم خلوف ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ". وهذا يدل على الحث على جهاد الأمراء باليد. قال أحمد في رواية صالح : ( التغيير باليد ، ليس بالسيف و السلاح ). القول الثاني : الإنكار يكون في السر ، لأمر رأوه من الأمير أمامهم. الدليل: قيل لأبي أسامة بن زيد -رضي الله عنه- :( ألا تنصح لعثمان ! ألا ترى إلى ما فعل ! ، قال :" أما إني بذلته له سرا ، لا أكون فاتح باب فتنة ". أنكر الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - حديث ابن مسعود في رواية أبي دَاوُدَ وقال :( هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر على جور الأئمة ). لم يكن من هدي السلف إنكار شيء أجراه الوالي في ولايته. الفرق بين التغيير والإزالة: التغيير أعم من الإزالة؛ إذ لا يلزم من تغيير المنكر أن يزيله. الفرق بين النصيحة والإنكار: النصيحة اسم عام يشمل أشياء كثيرة ومنها إنكار المنكر، وإنكار ما يجريه الوالي في ولايته يدخل أيضا في باب النصيحة . الفرق بين المنكر وفاعل المنكر: المطلوب في الحديث هو تغيير المنكر، ولم يتعرض لفاعل المنكر، وهذا الأخير تكتنفه أحوال: الدعوة بالتي هي أحسن. التنبيه. الحيلولة بينه وبين المنكر والاكتفاء بزجره. التعزير. متى يتعين إنكار المنكر: علق في الحديث وجوب إنكار المنكر عند رؤية المنكر، واختلف في المراد بالرؤية في الحديث على قولين: القول الأول: المراد بها الرؤية البصرية، ويدخل فيها السمع المحقق. التعليل : لأن الفعل في الحديث تعدى إلى مفعول واحد ، وهو ظاهر الحديث . القول الثاني: المراد بالرؤية العلم ، وإن كانت خلاف ظاهر الحديث . الترجيح: الراجح القول الثاني ؛ لأنه أشمل ، واللفظ إذا كان يحتمل معنى أعم فإنه يحمل عليه، وهذا رأي الشيخ (ابن عثيمين) حكم من رأى المنكر وهاب الناس : يجب التفريق بين الخوف المسقط للإنكار، وبين مجرد الهيبة ؛ إذ هي لا تسقط وجوب الإنكار ، وقد ورد في هذا أحاديث تدل على تحريم ترك الإنكار لمجرد الهيبة منها: خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ في خُطْبَتِهِ: ((أَلا لا يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ)). بَكَى أبو سعيدٍ وقالَ: (قَدْ واللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا). خَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ))، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قالَ: ((يَرَى أَمْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ، ثُمَّ لا يَقُولُ فِيهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِيَّ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: خَشْيَةُ النَّاسِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: إِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى)). ب: حكم الإنكار بالقلب: معنى الإنكار بالقلب: هو بغض المنكر وكراهته، واعتقاد أنه محرم ومنكر، ولا يكفي ذلك حتى ينتقل عن المكان الذي تفعل فيه الخطيئة؛ لقوله تعالى :{فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} خطر ترك الإنكار بالقلب: من ترك الإنكار بقلبه فليس وراء ذلك حبة من خردل من الإيمان. حكمه: هو من الفروض العينية التي لا تسقط بحال. حكم من لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر: قلبه خلو من الإيمان رُوِيَ عنْ أبِي جُحَيْفَةَ قالَ: قالَ عَلِيٌّ: (إنَّ أَوَّلَّ مَا تُغْلَبُونَ عليهِ مِن الجِهادِ: الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ، ثُمَّ الجِهَادُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ثمَّ الجهادُ بِقُلُوبِكُم. فمَنْ لمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ المعروفَ، ويُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ، نُكِسَ فجُعِلَ أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ). وَسَمِعَ ابنُ مسعودٍ رَجُلاً يقولُ: هَلَكَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ، ولمْ يَنْهَ عن المُنْكَرِ؛ فقالَ ابنُ مسعودٍ: (هَلَكَ مَنْ لمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ المعروفَ والمُنْكَرَ). حكم الرضا بالمنكر: هو من أقبح الذنوب والخطايا، ولا فرق بين من شهد المنكر ومن غاب عنه إذا رضيه. في (سُنَنِ أبي دَاوُدَ): عن العُرْسِ بنِ عَمِيرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)). فَكان مَنْ شَهِدَ الخطيئةَ؛ فَكَرِهَهَا بِقَلْبِهِ، كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا إذا عَجَزَ عنْ إنكارِهَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ. ومَنْ غابَ عنها فَرَضِيَهَا كانَ كَمَنْ شَهِدَهَا وَقَدَرَ على إنكارِهَا ولم يُنْكِرْهَا؛ لأنَّ الرِّضَا بالخَطَايَا مِنْ أَقْبَحِ المُحَرَّمَاتِ، وَيَفُوتُ بهِ إنكارُ الخطيئةِ بالقلبِ، وهوَ فَرْضٌ على كُلِّ مسلمٍ، لا يَسْقُطُ عنْ أحدٍ في حالٍ مِن الأحوالِ. قاعدة: مَنْ قَدَرَ على خَصلةٍ منْ خِصَالِ الإِيمانِ وَفَعَلَهَا كانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ تَرَكَهَا عَجْزًا عنها. دليل القاعدة: وَيَدُلُّ على ذلكَ أيضًا قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في حقِّ النِّسَاءِ: ((أَمَّا نُقْصَانُ دِينِهَا، فَإِنَّها تَمْكُثُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ لا تُصَلِّي))، يُشِيرُ إلى أيَّامِ الْحَيْضِ، معَ أنَّها مَمْنُوعَةٌ من الصَّلاةِ حينئذٍ، وقدْ جَعَلَ ذلكَ نَقْصًا في دِينِهَا، فَدَلَّ على أنَّ مَنْ قَدَرَ على واجبٍ وَفَعَلَهُ، فهوَ أَفْضَلُ ممَّنْ عَجَزَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ، وإنْ كانَ مَعْذُورًا في تَرْكِهِ. ج: تفسير قوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فيه قولان : القول الأول: قالَ النَّوويُّ: الْمَذهبُ الصَّحيحُ عندَ المحقِّقينَ في معنَى الآيَةِ: (إنـَّكم إذا فعلتـُمْ ما كُلِّفْتُم به فلا يضرُّكُمْ تقصيرُ غيرِكُمْ)، مثلُ قولِهِ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. ولقدَ قوَّمَ الصِّدِّيقُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ - فهْمَ هؤلاءِ حيثُ قالَ: (يا أيـُّها النـَّاسُ، إنَّكُم تقرءونَ هذه الآيَةَ وتضعونَهَا علَى غيرِ مواضعِهَا، {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَمْ}، وإنَّا سمعْنَا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). القول الثاني: سقوطِ الأمرِ والنَّهْيِ عندَ عَدَمِ القَبُولِ والانتفاعِ بهِ. الدليل : فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وابنِ مَاجَهْ، والتِّرْمِذِيِّ): عنْ أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أنَّهُ قِيلَ لهُ: كيفَ تَقُولُ في هذهِ الآيَةِ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] فقالَ: أَمَا واللَّهِ لقدْ سَأَلْتُ عنها رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْتَهُوا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَوَامِّ)). وفِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ): عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ حولَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إذْ ذَكَرَ الفِتْنَةَ فَقَالَ: ((إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا))، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ؛ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: ((الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ)). وكذلكَ رُوِيَ عنْ طائفةٍ من الصحابةِ في قولِهِ تَعَالَى:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، قالُوا: لمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، إنَّمَا تَأْوِيلُهَا في آخرِ الزمانِ. وعن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: (إذا اخْتَلَفَت القُلُوبُ والأهواءُ، وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَيَأْمُرُ الإِنسانُ حِينئذٍ نفسَهُ، حينئذٍ تَأْوِيلُ هذهِ الآيَةِ). وعن ابنِ عُمَرَ قالَ: (هذهِ الآيَةُ لأَِقْوَامٍ يَجِيئُونَ منْ بَعْدِنَا، إنْ قَالُوا لمْ يُقْبَلْ منهمْ). 9- أنواع المنكرات: المنكر الظاهر المعلوم: وهو المعلوم الذي يشاهده الناس بأعينهم. حكمه: يجب على المكلف إنكاره ، بشرط أن لا يتكلف البحث عن أحوال الناس ويتجسس عليهم بحجة البحث عن المنكر، ورد هذا عن سفيان الثوري وغيره. المنكر المجمع على تحريمه: يجب إنكاره ، وهو : المعلوم من الدين بالضرورة ، مثل : الزنا، الربا، ترك الصلاة وإيتاء الزكاة. المنكر المختلف فيه: وهو على قسمين: القسم الأول: ما كان فيه الخلاف ضعيفا؛ فهذا ينكر فيه على صاحبه. القسم الثاني: ما كان الخلاف فيه قويا. استثناء : يخرج مما سبق من مسائل الخلاف العوام؛ فهم تبع للمفتي لا يجوز لهم الخروج عن رأيه. 10- أحوال المنكر عليه مع إنكار المنكر: الحالة الأولى: أن ينتقل من منكر إلى أشد منه؛ فهذا يحرم فيه الإنكار. الحالة الثانية: أن ينتقل إلى منكر آخر؛ فهذا يحرم فيه الإنكار أيضا. الحالة الثالثة: أن ينتقل إلى منكر مساوي ، وهذا محل اجتهاد . الحالة الرابعة: أن ينتقل إلى حال خير من الأولى؛ فهذا يحب فيه الإنكار. 11- دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: رجاء كسب الثواب. خوف العقاب من تركه. الغضب لله على انتهاك محارمه. النصيحة للمؤمنين ورحمتهم. إجلال الله وتعظيمه ومحبته. 12-خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ كما طردَ اللهُ أهلَ الكتابِ مِن رحمتِهِ عندَما تَرَكُوا هذه المهمَّةَ. الهلاكِ في الدُّنيا. عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ. 13- صفات الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر: الرفق في الأمر والنهي. العدل في الأمر والنهي. العلم بما يأمر وينهى. يحتاج إلى المدارة والرفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة ، إلا المعلن بالفسق ؛ فلا حرمة له. الإسرار ؛ بأن يكون النهي بينه وبين المعني فقط دون أن يطّلع عليه غيره. أن يكون قدوة لغيره ؛ بأن يأتمر بما يأمر به وينتهي عما ينهى عنه. 14- شروط المنكِر: الإِسلامُ. التكليفُ؛ لِرَفْعِ القَلَمِ عَنْ غيرِ المُكَلَّفِ. الاستطاعةُ، وَهيَ الواردةُ في الحديثِ. العَدَالَةُ. وجود المُنْكَرِ ظَاهِرا. العِلْمُ بِمَا يُنْكِرُ وَبِمَا يَأْمُرُ. 15- متى يجوز إنكار المنكر: أن يتيقن أنه منكر في نفسه. أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل ، مثال : الإفطار في رمضان للصائم. أن يكون المنكر مجمعا عليه ، أو يكون الخلاف فيه ضعيفا. أن يكون فاعل المنكر في باب الخلاف من طلبة العلم. أن لا يترتب عليه إحداث فتنة؛ لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها. 16- شرح مفردات الحديث: (مَنْ رَأَى): (مَنْ) شَرْطِيَّةٌ. (رأى) : أي : أبصر بعينيه . (منكم): يحتمل أن يكون المخاطب أمة الإجابة، أو المكلفون. ( منكرا) : المُنْكَرُ: ضِدُّ المعروفِ، وهو ما عُرِفَ قُبْحُهُ شَرْعاً وَعُرْفاً، وَيَشْمَلُ تَرْكَ الأوامرِ وَالوقوعَ في النواهيِ؛ لأنَّها مُنْكَرٌ بهذهِ الصورةِ. (يُغَيِّرْهُ)؛ أيْ: يُحَوِّلْهُ وَيُبَدِّلْهُ مِنْ صُورَتِهِ التي هوَ عليها إِلى صورةٍ أُخْرَى حَسَنَةٍ، وَالقصدُ تَغْيِيرُ تَرْكِ الأمرِ إِلى فِعْلِهِ، وَفِعْلِ النهيِ إِلى تَرْكِهِ، وَهكذا. وَالتغييرُ إِصلاحٌ وَحِفْظٌ وَأَمْنٌ وَثوابٌ وَطاعةٌ. (بِيَدِهِ): اليدُ تُطْلَقُ على الجارحةِ وَيُرَادُ بها اليُمْنَى وَاليُسْرَى، وَهيَ مِنْ رُؤُوسِ الأصابعِ إِلى الكَتِفِ. 17- عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان: القلب له قول ؛ وهو عقيدته، وله عمل ؛ مثاله : الحب والبغض...الخ. الإيمان عمل ونية. هل الأعمال من كمال الإيمان أو من صحته؟ الجواب: - إذا دل الدليل على أن العمل يخرج من الإسلام كان شرطا لصحة الإيمان. وإذا دل على أنه لا يخرج من الإسلام دل على أنه شرط كمال. المخالفون في باب الإيمان: الخوارج ، والمرجئة. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك. |
تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري (من رأى منكم منكرا فليغيره) العناصر: سبب ورود الحديث معاني الحديث مراتب تغيير المنكر حكم انكار المنكر ضابط المنكر الذي ينكره قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) هل يبرر ترك انكار المنكر؟ وما معنى الآية؟ متى ينكر المنكر؟ من الذي ينكر المنكر كما ينبغي؟ حال من ينهى عن المنكر ويقع فيه شروط المنكِر دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطورة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هل ينكر على الأمراء باليد؟ هل يدع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند عدم القبول والانتفاع هل يدخل في قوله (فليغيره) عقاب فاعل المنكر؟ هل ينكر على فاعل المنكر إذا تيقن أنه سينتقل إلى منكر أشد منه؟ سبب ورود الحديث عن طارقِ بنِ شهابٍ قالَ: أوَّلُ مَن بدأَ بالخطبةِ يومَ العيدِ قبلَ الصَّلاةِ مَروانُ، فقامَ إليهِ رجلٌ فقالَ: الصَّلاةُ قبلَ الخطبةِ، فقالَ: قد تُرِكَ ما هنالِكَ. فقالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا فقد قَضَى ما عليهِ، سمعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ثمَّ ذكرَ الحديثَ. رواه مسلم معاني الحديث: 1. (من رأى): أي رأى بعينه، وإذا علم بالمنكر ولم يره فالمنصوص عن الإمام أحمد في أكثر الروايات أن لا يعرض له، وعنه في رواية أخرى أن إذا تحققه وعلم بمكان المنكر فإنه ينكره فهو كما رآه. 2. (منكرا): هو كل ما نهى الله ورسوله عنه. 3. (فليغيره): أي يحوله من صورته التي هو عليها إلى صورة أخرى حسنة غير منكرة، فيغير ترك الأمر إلى فعله، وفعل النهي إلى تركه 4. (فبقلبه): وذلك بكره المنكر وتمني زواله 5. (وذلك أضعف الإيمان): أي التغيير بالقلب أضعف مراتب الإيمان في تغيير المنكر. مراتب تغيير المنكر: دل الحديث على أن تغيير المنكر من الإيمان، وهو على مراتب: 1- التغيير باليد: وذلك بأن يزيل المنكر بيده إذا كانت له سلطة على فاعل المنكر، كالأمير في ولايته، والأب في بيته. وأما من ليست له سلطة فليس له أن يغير بيده لترتب المفاسد العظيمة على ذلك. 2- التغيير باللسان: وذلك بالتذكير والترغيب والترهيب أو التوبيخ أو الزجر عن المنكر ويكون ذلك حسب الحكمة. والتغيير اسم يشمل الإزالة ويشمل الإنكار باللسان بلا إزالة بأن يقال مثلا: هذا حرام، ومن المعلوم أن اللسان لا يزيل المنكر، بل قد يزول معه بحسب اختيار الفاعل للمنكر، لكن إذا أخبره بأنه منكر وحرام فقد غير بلسانه. ويقاس الإنكار بالكتابة على الإنكار باللسان كمن لا يستطيع الوصول إلى فاعل المنكر فيكتب إليه منكرا عليه فعله، أو يكون المنكر عاما فيحتاج إلى بيان عام في الصحف مثلا. 3- التغيير بالقلب: وذلك بكره المنكر وتمني زواله، فالقلب له قول وعمل، فقوله عقيدته، وعمله حركته بنية وخوف ورجاء وكره. ومن التغيير بالقلب أن يفارق أهل المنكر فلا يجلس إليهم، لأن لو كان صادقا في كره المنكر بقلبه لما جلس إليهم. حكم انكار المنكر: - إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان: 1- فرض كفاية قالَ تعالَى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فيجب على إمام المسلمين أن يفرغ مجموعة من الناس لمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهناك المنكرات ما لا يقوى على تغييرها إلا فئة معينة من الناس لديهم العلم والحكمة في التعامل معها، وذلك مثل الرد على الفرق الباطنية والتعامل مع المجاهرين المستهترين. قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ هذه الآيَةِ: (والمقصودُ مَن هذه الآيَةِ أن تكونَ فرقةٌ مَن الأمَّةِ متصدِّيَةً لهذا الشَّأنِ) وقالَ ابنُ العربيِّ في تفسيرِهِ لهذه الآيَةِ: (في هذه الآيَةِ والَّتي بعدَهَا - يعني {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ…} - دليلٌ علَى أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ فرضُ كفايَةٍ، ومن الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ نصرةُ الدِّينِ بإقامةِ الحجَّةِ علَى المخالِفينَ) 2- فرض عين فقد دل عموم الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد قادر رأى المنكر أو علم به قالَ النَّوويُّ: ثمَّ إنَّهُ قد يَتعيَّنُ - يعني: الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ - كما إذا كانَ في موضِعٍ لا يَعلمُ به إلاَّ هو، أو لا يتمكَّنُ مِن إزالتِهِ إلاَّ هو، وكمن يرَى زوجتَهُ أو ولدَهُ أو غلامَهُ علَى منكرٍ أو تقصيرٍ في معروفٍ. -وإنكار المنكر باليد أو اللسان سواء كان فرضا عينيا أو كفائيا فهو على حسب الإستطاعة، أما انكار المنكر بالقلب فهو فرض عين لا يسقط بحال، لأن القلب الذي لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر قلب خرب خاو من الإيمان، ولذلك قال في الإنكار بالقلب: (وذلك أضعف الإيمان)، وقال ابن مسعود: (هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر) ضابط المنكر الذي ينكره
متى ينكر المنكر؟ ينكر المنكر إذا تحقق عنده أمران: 1- أن يتيقن أن منكر 2- أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل، مثل الأكل في نهار رمضان فهو منكر في حق المقيم لكنه ليس منكرا في حق المسافر. من الذي ينكر المنكر كما ينبغي؟ هو الذي عرف الله حق المعرفة فأحبه من صميم قلبه، فإذا رأى أحدا يعصيه قام غيرة وتقربا وأنكر على المخالف كائنا من كان ولم يبال، ويجتهد في إبطال المنكر بحسب استطاعته. قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) هل يبرر ترك انكار المنكر؟ وما معنى الآية؟ قال أبو بكر الصِّدِّيقُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ - : (يا أيـُّها النـَّاسُ، إنَّكُم تقرءونَ هذه الآيَةَ وتضعونَهَا علَى غيرِ مواضعِهَا، {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَمْ}، وإنَّا سمعْنَا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). وقالَ النَّوويُّ: الْمَذهبُ الصَّحيحُ عندَ المحقِّقينَ في معنَى الآيَةِ: (إنـَّكم إذا فعلتـُمْ ما كُلِّفْتُم به فلا يضرُّكُمْ تقصيرُ غيرِكُمْ)، مثلُ قولِهِ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.اهـ فمما كلف به المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعل ما كلف فلا يضره تقصير غيره، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول. حال من ينهى عن المنكر ويقع فيه عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ، أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ آمُرُكُمْ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ وآتِيهِ) رواه البخاري ومسلم. شروط المنكِر: يشترط فيمن ينكر المنكر ما يلي: 1- الإسلام 2- التكليف 3 الإستطاعة 4-العدالة 5- وجود المنكر ظاهرا 6- العلم بما ينكر دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 1- كسب الثواب والأجر، قال صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) 2- خشية الله، قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). 3- الغضب لله، فإنه من خصال الإيمان الواجبة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب إذا انتهكت محارم الله 4- إجلال الله وتعظيمه 5- النصح للمؤمنين والرحمة بهم الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وقالَ الإمام أحمدُ: (النَّاسُ محتاجُونَ إلَى مداراةٍ ورفقٍ، والأمرُ بالمعروفِ بلا غلظةٍ، إلاَّ رجلٌ معلِنٌ بالفسقِ، فلا حرمةَ لهُ). قالَ الإمامُ الشَّافعيُّ: (مَنْ وعظَ أخاهُ سرًّا فقدْ نصحَهُ وزانَهُ، ومَن وعظَهُ علانيَةً فقدْ فضحَهُ وعابَهُ). كذلك ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يمتثل ما يأمر به وينهى عنه؛ لأن الله يمقت الآمر الذي يقع فيما ينكره على الآخرين، قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}. لكن هذا لا يعني أن من كان مقصرا في امتثال أوامر الله أن يدع الأمر والنهي؛ لأن الله أنكر مخالفة القول للفعل ولم ينكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال النَّوويُّ: قالَ العلماءُ: ولا يُشْتَرَطُ في الآمرِ والنَّاهِي أن يكونَ كاملَ الحالِ ممتثلا ما يأمرُ به، مجتنِبًا ما نهَى عنه، بل عليهِ الأمرُ وإن كان مخلاًّ بما يأمرُ بهِ، والنَّاهي وإن كان متلبِّسًا بما ينهَى عنه فإنَّهُ يجبُ عليهِ شيئانِ: أن يأمرَ نفسَهُ وينهاهَا، ويأمرَ غيرَهُ وينهَاهُ، فإذا أخلَّ بأحدِهِما كيفَ يُبَاحُ له الإخلالُ بالآخرِ؟!. خطورة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا تركت هذه المهمة شاعت الفاحشة وأصبح الحق باطلا والباطل حقا، ومن خطرها أيضا: 1- الطرد من رحمة الله، قال تعالى: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان دتود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون*كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) 2- الهلاك في الدنيا، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)). 3 - عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ، عن حذيفةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((وَالـَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لكُمْ)). هل ينكر على الأمراء باليد؟ إن خاف على نفسه أو أهله الفتنة سقط أمرهم ونهيهم، وإن لم يخف الفتنة فإنه ينكر كما فعل أبو سعيد الخدري في الرواية الأخرى عندما حاول أن يمنع مروان بن الحكم بيده أن يخطب قبل صلاة العيد، أما الخروج عليهم بالسيف فإنه لا يجوز لثبوت الأحاديث الناهية عن ذلك قال الإمام أحمد في رواية صالح: التغيير باليد لا بالسيف والسلاح. هل يدع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند عدم القبول والانتفاع؟ - ذهب طائفة من العلماء-منهم شيخ الإسلام ابن تيمية- إلى أنه يجب عليه الإنكار إذا غلب على ظنه انتفاع المنكر عليه باللسان-فيما لا يدخل تحت ولايته-، وإن غلب على ظنه أنه لا ينتفع فإنه لا يجب الإنكار، لقوله تعالى: (فذكر إن نفعت الذكرى)، وعن أبي ثعلبة الخشني أنه قيل له: كيف تقول في هذه الآية: (عليكم أنفسكم)، فقال: أما والله لقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بل ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام) وقال ابن عمر: (هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم) - والجمهور أنه يجب الإنكار مطلقا سواء غلب على ظنه الانتفاع أم لا؛ لأن إيجاب الإنكار لحق الله وهذا لا يدخل فيه غلبة الظن هل يدخل في قوله (فليغيره) عقاب فاعل المنكر؟ قوله: (فليغيره): أي فليغير المنكر، فلا يدخل في الحديث عقاب فاعل المنكر لأنه تكتنفه أحوال قد يكون المناسب معه الدعوة بالتي هي أحسن وقد يزجر بالكلام أو غير ذلك مما جاء فيه من أحكام هل ينكر على فاعل المنكر إذا تيقن أنه سينتقل إلى منكر أشد منه؟ قال شيخ الإسلام: (ومن أنكر ظانًّا أنَّهُ ينتقل إلى منكر أشد منه فإنه يأثم حتى يتيقن أن إنكارهُ سينقل المنكرُ عليه إلى ما هو أفضل). وقال ابن القيم: (لو أتيت إلى أُناسٍ يلعبون لَعِباً محرماً، أو يشتغلون بكُتب مُجون فإن أنكرت عليهم ذلك فإنه يكتنفهُ أحوال: الأول: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكرُ منهُ، فهذا حرامٌ بالإجماع الثاني: أن ينتقل إلى ما هو خيرٌ ودين، فهذا هو الذي يجبُ معه الإنكار. والثالث: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه، فهذا محل اجتهاد. والرابع: أن ينتقل منه إلى منكرٍ آخر. (وهذه الحالة يحرم فيها الإنكار) |
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين الموضوع : تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف الإيمان ) . رواه مسلم . عناصر الدرس : 1.تخريج الحديث. 2.موضوع الحديث. 3.قصة الحديث. 4.منزلة الحديث. 5.معاني المفردات. 6.المعنى الإجمالي للحديث. 7.فوائد الحديث. أولا : تخريج الحديث: أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ثانيا : موضوع الحديث : وجوب تغيير المنكر . ثالثا : قصة الحديث : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فأنكر عليه رجل فعله فأبى ، فقال أبو سعيد رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : .. وذكر الحديث رابعا : منزلة الحديث: هذا الحديث عظيم الشأن لأنه نص على وجوب إنكار المنكر، وهو كما قال النووي: ( باب عظيم به قوام الأمر وملاكه ، وإذا كثر الخبث، عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعذاب:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}فينبغي لطالب الآخرة، الساعي في تحصيل رضى الله عز وجل، أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم). انتهى كلامه رحمه الله خامسا : مفردات الحديث : رأى : أي أبصر بعينيه وشاهد بها هذا المنكر، والرؤية رؤيتان : بصرية : وتشترك فيها جميع المخلوقات، وهي بالعينين. وقلبية : وتسمى بصيرة أو رؤية علمية يقينية، وهذا للمؤمنين بالغيب، ويمتثلون أوامر الله ويعملون بها؛ ولذا يعملون للآخرة كأنما يرونها. المنكر: ضد المعروف، فهو ما عرف قبحه شرعا وعرفا ، ويشمل ترك الأوامر والوقوع في النواهي؛ لأنها منكر بهذه الصورة. تعريف آخر للمنكر: شيئا أنكره الشرع ومنع عنه. سادسا : المعنى الإجمالي للحديث : من رأى منكرا من المكلفين ، وجب عليه تغييره بيده إن أمكنه ذلك ، فإن لم يستطع أنكره بلسانه ، فإن عجز عن ذلك أنكره بقلبه ، وكرهه كرها شديدا،ثم يسعى مع ذلك في الطرق الممكنة في الإزالة أو التخفيف من المنكر ، والإنكار بالقلب من أضعف الإيمان . سابعا : فوائد الحديث : 1.أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه من خصال الإيمان ، لذلك أخرج مسلم هذا الحديث في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان. 2.التأكد من وجود المنكر عند إنكاره. 3.بيان مراتب إنكار المنكر. 4.عدم صلاح المجتمع إلا بزوال المنكر. 5.المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. 6.زيادة الإيمان ونقصانه. 7.أنه ليس في الدين من حرج، وأن الوجوب مشروع بالاستطاعة، وهذه قاعدة عامة في الشريعة: ( فاتقوا الله ما استطعتم ). 8. أن الانكار بالقلب لا يعذر في تركه أحد 9. وتستفاد القاعدة العامة من قواعد الشريعة الاسلامية [ التكليف بما يستطاع ]والأدلة عليها من الكتاب والسنة معلومة مشهورة ثامنا : المسائل العلمية المتعلقة بالحديث * حكم إنكار المنكر : إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان: 1.فرض كفاية: قال الله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. 2.فرض عين : والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه))، دل عموم هذا الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علم بالمنكر أو رآه. أما إنكار المنكر بالقلب : فهو من الفروض العينية التي لا تسقط مهما كان الحال، فالقلب الذي لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر قلب خرب خاو من الإيمان. * الشروط الواجب توفرها في المنكر: 1.الإسلام. 2.التكليف؛ ويشمل : العقل والبلوغ. 3.الاستطاعة. 4.العلم بكونه منكرا . 5.رؤية المنكر * شروط وجوب إنكار المنكر: لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر وذلك من وجهين: الوجه الأول : أن يتيقن أنه منكر. الوجه الثاني : أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل، لأن الشيء قد يكون منكرا في حد ذاته، لكنه ليس منكرا بالنسبة للفاعل. مثال ذلك: الأكل والشرب في رمضان ، الأصل أنه منكر ، لكن قد لا يكون منكرا في حق رجل بعينه: كأن يكون مريضا يحل له الفطر، أو يكون مسافرا يحل له الفطر. * أحوال المُنكر عليهم مع المنكر: الحالة الأولى: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكر منه. حكمها: الإنكار حرام في هذه الحالة بالإجماع . الحالة الثانية: أن ينتقلوا إلى ما هو أخف منه أو يتركوا المنكر. حكمها: يجب الإنكار. الحالة الثالثة: أن ينتقلوا منه إلى منكر يساويه. حكمها: هذه الحالة محل اجتهاد. الحالة الرابعة: أن ينتقلوا منه إلى منكر آخر لا يعلم قدره. حكمها: لا يجوز الإنكار. * دوافع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: 1.كسب الثواب والأجر من الله. 2.خشية عقاب الله. 3.النصيحة للمؤمنين، والرحمة بهم رجاء إنقاذهم من عواقب الآثام 4.الغضب لله على انتهاك محارمه. 5.إجلال الله تعالى وإعظامه ومحبته. * خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1.الطرد من رحمة الله كما طرد أهل الكتاب من رحمته عندما تركوا هذا الواجب العظيم 2.الهلاك في الدنيا. 3.عدم استجابة الدعاء. والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة معلومة مشهورة . والحمدلله رب العالمين |
34- عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ.
العناصر فضل الحديث ما يشمله الحديث أهمية الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: قِصَّةُ الحديثِ: تخريج الحديث: ما رُوِيَ بمَعْنَاهُ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ. شرح الحديث الإعراب قوله صلى الله عليه وسلم (من رأى) -أنواع الرؤية المقصود بالرؤية فى الحديث مسألة:المنكر إذا كان مستورا مسألة تَسَوُّرُ الجُدْرَانِ على مَنْ عَلِمَ اجْتَمَاعَهُم على مُنْكَرٍ قوله صلى الله عليه وسلم (منكم) فائدة من قوله صلى الله عليه وسلم (منكم) -المخاطب فى قوله (مِنْكُمْ) قوله صلى الله عليه وسلم....(منكرا) تعريف المنكر الفرق بين الإنكار والنصيحة شبهة حول إنكار المنكر وردها -شروط إنكار المنكر -ما يُشْتَرَطُ في المُنْكِر لا يُشْتَرَطُ في الآمرِ والنَّاهِي أن يكونَ كاملَ الحالِ وليعلم أن المراتب ثلاث: دعوة، أمر، تغيير قوله صلى الله عليه وسلم (فليغيره) الإعراب المقصود من التغيير التغيير يشمل أمن الفتنة شرط التغيير الدليل: قاعدة:لا يجوز إنكار منكر حتى تتيقن أنَّهُ لن ينتقل المنكَرُ عليه إلى منكرٍ أشد منه. الدليل مثال لأحوال انكار المنكر وحكمها مراتب تغيير المنكر اولا التغيير باليد -فائدة من قوله صلى الله عليه وسلم فليغيره بيده تعليق الإنكار باليد على المنكَر وليس الواقع فيه -معنى قوله صلى الله عليه وسلم"فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ" أي إن لم يستطع أن ينكره بيده -دلالة قوله صلى الله عليه وسلم لقوله: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ثانيا الإنكار باللسان -سبل الإنكار باللسان وهل تتضمن الكتابة؟ تعلق الإِنكارُ باليدِ واللِّسَانِ بِالقُدْرَةِ الفرق بين مُجَرَّدَ الْهَيْبَةِ، و الخوفِ المُسْقِطِ للإِنكارِ تعلقٌ الإنكار بِظن الانتفاع القول الأول قول الجمهور القول الثانى أدلة القول الثانى الراجح حكمُ إنكارِ المنكَرِ: إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ له حالتانِ: 1-فرضُ كفايَةٍ: 2-فرضُ عينٍ: تَفاوتُ مسئوليَّةِ النَّاسِ في إنكارِ المنكَرِ: ثالثا الإنكار بالقلب -معنى "فَإنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقَلْبِهِ فرضية انكار المنكر بالقلب ما يتضمنه إنكار المنكر بالقلب 1) البراءة من الفعل يعني: معنى قوله(وذلك أَضْعَفُ الإِيْمَانِ) رجاء سلامة المنكر بالقلب -مراتب تغيير المنكر دليل أن الإيمان عمل ونية -هل الأعمال شرط لكمال الإيمان أم لصحته؟ -دليل مراتب الإنكار من سيرته صلى الله عليه وسلم فصل فى الإنكار على الولاة مسألة متى ينكر على الولاة التفريق بين الإنكار عليهم ونصحهم موقف أسامة بن زيد من اجتهادات عثمان رضى الله موقف ابن عباس كيف ينكر على الولاة ضابط الانكار باليد على الولاة ومعناه الجواب على شبهة أن الانكار عليهم خروج متى يسقط الإنكار على الولاة الإنكار مع القدرة على تحمل الأذى أفضل المراجع: فضل الحديث هذا الحديث حديث عظيمٌ في بيان وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ما يشمله الحديث الإنكار على الولاة، والإنكار على عامة الناس، ويدخل -أيضاً- مراتبُ الإنكار، والقواعد التي تحكم ذلك أهمية الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: 1-يدلُّ الحديثُ أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ مِن خصالِ الإيمانِ، لذلك أخرجَ مسلمٌ هذا الحديثَ في كتابِ الإيمانِ، بابُ بيانِ كونِ النَّهي عن المنكرِ مِن الإيمانِ. وبيان ذلك أن مَّنْ عَرَفَ اللهَ حَقَّ المَعْرِفَةِ، وَعَلِمَ حَقَّهُ الجَلِيلَ وَأَحَبَّهُ مِنْ صَمِيمِ قَلْبِهِ، وَرَأَى أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِهِ، وَلَمْ يُبَالِ بِمَا سِوَاهُ، فَهَذَا الَّذِي إذَا رَأَى مَحْبُوبَهُ يُعْصَى وَيُخَالَفُ حُكْمُهُ، يَقُومُ غَيْرَةً لهُ وتَقَرُّبًا إليهِ، وَيُنْكِرُ على المُخَالِفِ كَائِنًا مَنْ كانَ وَيَجْتَهِدُ في إبطالِ المُنْكَرِ اجْتِهَادًا يَقْدِرُ عليهِ، ولا يُهَوِّنُ على المُحِبِّ الصادِقِ مخالفةَ حُكْمِ مَحْبُوبِهِ، وَلاَ يَصْبِرُ على رُؤْيَتِهِ، وَلاَ يُحِبُّ أَهْلَهُ أَي: المُنْكَرِ، وهذا مَقامٌ وَعِرٌ، وَلاَ يَفُوزُ بهِ إلاَّ قومٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ، ولا يَخَافُونَ في اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، مِنْهُم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ-. 2-كسبُ الثَّوابِ والأجرُ، وذلك أنَّ مَن دلَّ النَّاسَ علَى المعروفِ وقامُوا به يكونُ له مثلُ أجورِهِم مِن غيرِ أن ينقصَ مِن أجورِهِم شيءٌ، قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)). 3-خشيَةُ عقابِ اللهِ، وذلك أنَّ المنكرَ إذا فشَا في أمَّةٍ تكونُ بذلك مهدَّدَةً بنزولِ عقابِ اللهِ عليها، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). 4- الغضبُ للهِ، مَن خصالِ الإيمانِ الواجبةِ، ومعلوم غضبِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انتهكت حرمات الله. 5-النُّصحُ للمؤمنينَ والرَّحمةُ بهم رجاءَ إنقاذِهِم. فالعبد إذا وقعَ في المنكرِ يكونُ بذلك عرَّضَ نفسَهُ لعقابِ اللهِ وغضبِهِ، لذلك وجبَ علَى المسلمِ أن ينقذَ أخاهُ مَن عقابِ اللهِ وغضبِهِ، وذلك بنهيِهِ عن المنكرِ الَّذِي وقعَ فيهِ، وهذا مِن أعظمِ الرَّحمةِ بهِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)). 6- إجلالُ اللهِ وإعظامُهُ ومحبَّتُهُ. فهو-سبحانه- أَهْلٌ أنْ يُطَاعَ فَلا يُعْصَى، ويُذْكَرَ فلا يُنْسَى، ويُشْكَرُ فلا يُكْفَرُ، وأنْ يُفْتَدَى من انتهاكِ مَحَارِمِهِ بالنفوسِ والأموالِ، كما قالَ بعضُ السلفِ: (وَدِدْتُ أَنَّ الخلقَ كُلَّهُم أَطَاعُوا اللَّهَ وإنَّ لَحْمِي قُرِضَ بالمَقَارِيض)ِ. وَكَانَ عبدُ الْمَلِكِ بنُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولُ لأِبِيهِ: وَدِدْتُ أَنِّي غَلَتْ بي وَبِكَ القُدُورُ في اللَّهِ عزَّ وجلَّ. ومَنْ لَحَظَ هذا المقامَ والذي قَبْلَهُ هانَ عليهِ كلُّ مَا يَلْقَى من الأَذَى في اللَّهِ تَعَالَى، وَرُبَّمَا دَعَا لِمَنْ آذَاهُ، كما قالَ ذلكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ويقولُ (رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ). خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: إذا قصَّرَ المسلمونَ حكَّامًا ومحكومين في هذه المهمَّةِ، شاعتِ الفاحشةُ، وعمَّتِ الرَّذيلةُ، وتسلَّطَ الفجَّارُ علَى الأخيارِ، ويصبحُ الحقُّ باطلاً والباطلُ حقًّا، وبهذا تُعَرِّضُ الأمَّةُ نفسَهَا إلَى: 1 - الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ كما طردَ اللهُ أهلَ الكتابِ مِن رحمتِهِ عندَما تَرَكُوا هذه المهمَّةَ، قالَ تَعالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 2 - الهلاكِ في الدُّنيا، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)). 3 - عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ، عن حذيفةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((وَالـَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لكُمْ)). نصَّ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ، وهذا كما قالَ النَّوويُّ: (بابٌ عظيمٌ به قِوَامُ الأمرِ ومِلاكُهُ، وإذا كثُرَ الخبثُ، عمَّ العقابُ الصَّالحَ والطَّالحَ، وإذا لم يأخذُوا علَى يدِ الظَّالمِ أوشكَ أنْ يعمَّهُم اللهُ بعذابٍ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فيَنْبَغِي لطالبِ الآخرةِ، السَّاعِي في تحصيلِ رضَى اللهِ عزَّ وجلَّ، أن يعتنيَ بهذا البابِ، فإنَّ نفعَهُ عظيم) اهـ. قِصَّةُ الحديثِ: أوَّلُ مَنْ خَطَبَ في العيدِ قبلَ الصلاةِ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِعْلَهُ فَأَبَى، فقالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا فقد قَضَى ما عليهِ، سمعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ثمَّ ذكرَ الحديثَ. تخريج الحديث: هذا الحديثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ منْ روايَةِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عنْ طارقِ بنِ شهابٍ، عنْ أبي سعيدٍ. ومنْ روايَةِ إِسماعيلَ بنِ رَجَاءٍ، عنْ أبيهِ، عنْ أَبِي سَعِيدٍ. وعندَهُ في حديثِ طارقٍ قالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بالخُطْبَةِ يَوْمَ العيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ...) ما رُوِيَ بمَعْنَاهُ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ. **فَخَرَّجَ مُسْلِمٌ منْ حديثِ ابنِ مسعودٍ: عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوارِيُّونَ وَأَصْحابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)). **ورَوَى سالمٌ المُرَادِيُّ عنْ عمرِو بنِ هَرِمٍ، عنْ جابرِ بنِ زيدٍ، عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((سَيُصِيبُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلاءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ، لا يَنْجُو مِنْهُ إِلا رَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ السَّوَابِقُ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَصَدَّقَ بِهِ، وَلِلأَوَّلِ عَلَيْهِ سَابِقَةٌ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَسَكَتَ، فَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِخَيْرٍ أَحَبَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِبَاطِلٍ أَبْغَضَهُ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَنْجُو عَلَى إِبْطَائِهِ)). وهذا غَرِيبٌ، وإسنادُهُ مُنْقَطِعٌ. **وخرَّجَ الإِسْمَاعِيلِيُّ منْ حديثِ أبي هارونَ العَبْدِيِّ - وهوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - عنْ مَوْلًى لِعُمَرَ، عنْ عُمَرَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((تُوشِكُ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَهْلِكَ إِلا ثَلاثَةَ نَفَرٍ: رَجُلٌ أَنْكَرَ بِيَدِهِ وَبِلِسَانِهِ وَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِيَدِهِ، فَبِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِلِسَانِهِ وَبِيَدِهِ فَبِقَلْبِهِ)). **وخرَّجَ أيضًا منْ روايَةِ الأَوْزَاعِيِّ عنْ عُمَيْرِ بنِ هانئٍ، عنْ عَلِيٍّ، سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((سَيَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ لا يَسْتَطِيعُ الْمُؤْمِنُ فِيهَا أَنْ يُغَيِّرَ بِيَدٍ وَلا بِلِسَانٍ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قالَ: ((يُنْكِرُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَنْقُصُ ذَلِكَ إِيمَانَهُمْ شَيْئًا؟ قالَ: ((لا، إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْقَطْرُ مِنَ الصَّفَا)). وهذا الإسنادُ مُنْقَطِعٌ. وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مَعْنَاهُ منْ حديثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ عَن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. فَدَلَّتْ هَذِهِ الأحاديثُ كُلُّها على وُجُوبِ إنكارِ المُنْكَرِ بِحَسَبِ القُدْرَةِ عليهِ، وأنَّ إِنْكَارَهُ بِالقَلْبِ لا بُدَّ منهُ، فمَنْ لمْ يُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ دَلَّ على ذَهَابِ الإِيمانِ مِنْ قَلْبِهِ. **وقدْ رُوِيَ عنْ أبِي جُحَيْفَةَ قالَ: قالَ عَلِيٌّ: (إنَّ أَوَّلَّ مَا تُغْلَبُونَ عليهِ مِن الجِهادِ: الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ، ثُمَّ الجِهَادُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ثمَّ الجهادُ بِقُلُوبِكُم. فمَنْ لمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ المعروفَ، ويُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ، نُكِسَ فجُعِلَ أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ. شرح الحديث الإعراب "*مَنْ" اسم شرط جازم،و: "رأى" فعل الشرط،وجملة "فَليُغَيرْه بَيَدِه" جواب الشرط. قوله صلى الله عليه وسلم (من رأى) -أنواع الرؤية بَصَرِيَّةٌ: وَتَشْتَرِكُ فيها جَمِيعُ المخلوقاتِ، وَهيَ بالعَيْنَيْنِ. وَقَلْبِيَّةٌ: وَتُسَمَّى بَصِيرةً أَوْ رُؤْيَةً عِلْميَّةً يَقِينِيَّةً، وَهذهِ للمؤمنينَ الذينَ يُؤْمِنُونَ بالغيبِ، وَيَمْتَثِلُونَ أَوَامِرَ اللَّهِ وَيَعْمَلُونَ بها؛ وَلِذَا يَعْمَلُونَ للآخرةِ كَأَنَّمَا يَرَوْنَهَا. المقصود بالرؤية فى الحديث القول الأول وهذا تقييد لوجوب الإنكار بما إذا رُئى بالعين، وأما العلم بالمنكر فلا يُكتفى به في وجوب الإنكار، كما دل عليه ظاهرُ هذا الحديث. فإذا علم بمنكر فإنه لا يدخل في الإنكار، وإنما يدخُل في النصيحة. القول الثانى المراد من علم وإن لم يرَ بعينه فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، وإن كان الظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه.والخطاب للمكلفين مسألة:المنكر إذا كان مستورا *أكثر الروايات عن أحمد أنَّهُ لا يَعْرِضُ لهُ، وأنَّهُ لا يُفَتِّشُ على ما اسْتَرَابَ بهِ. *وعنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أنَّهُ يَكْشِفُ الْمُغَطَّى إذا تَحَقَّقَهُ، ولوْ سَمِعَ صَوْتَ غِنَاءٍ مُحَرَّمٍ أوْ آلاتِ الْمَلاهِي، وعَلِمَ المكانَ التي هيَ فيهِ، فإنَّهُ يُنْكِرُهَا؛ لأنَّهُ قدْ تَحَقَّقَ الْمُنْكَرَ، وَعَلِمَ مَوْضِعَهُ، فهوَ كما رَآهُ. نَصَّ عليهِ أحمدُ وقالَ: إذا لمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ فلا شَيْءَ عليهِ. مسألة تَسَوُّرُ الجُدْرَانِ على مَنْ عَلِمَ اجْتَمَاعَهُم على مُنْكَرٍ *أَنْكَرَهُ الأئمَّةُ؛ مثلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ، وهوَ دَاخِلٌ في التَّجَسُّسِ المَنْهِيِّ عنهُ. *وقدْ قِيلَ لابنِ مَسْعُودٍ: إنَّ فُلانًا تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فقالَ: نَهَانَا اللَّهُ عَن التَّجَسُّسِ. *وقالَ القاضِي أبو يَعْلَى في كتابِ (الأحكامِ السُّلْطَانِيَّةِ): إنْ كانَ في المُنْكَرِ الذي غَلَبَ على ظَنِّهِ الاسْتِسْرَارُ بهِ بإِخْبَارِ ثِقَةٍ عنهُ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا كالزِّنَى والقَتْلِ، جَازَ التَّجَسُّسُ والإِقْدَامُ على الكَشْفِ والبَحْثِ؛ حَذَرًا منْ فواتِ ما لا يُسْتَدْرَكُ من انْتِهَاكِ المَحَارِمِ. وإنْ كانَ دُونَ ذلكَ في الرُّتْبَةِ، لَمْ يَجُز التَّجَسُّسُ عليهِ، ولا الْكَشْفُ عَنْهُ. قوله صلى الله عليه وسلم (منكم) فائدة من قوله صلى الله عليه وسلم (منكم) أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى جميع الأمة إذا رأت منكراً أن تغيره، ولا يحتاج أن نقول: لابد أن يكون عنده وظيفة -المخاطب فى قوله (مِنْكُمْ) أيْ مِنْ أُمَّةِ الإِجابةِ الذينَ يُطَبِّقُونَ الأوامرَ، وَيَتْرُكُونَ النَّوَاهِيَ، وَيَدْعُونَ إِلى العملِ الذي عَمِلُوهُ فَهُمْ قُدْوَةٌ، وَلا يَأْمُرُونَ بالشَّيْءِ الذي يَتْرُكُونَهُ، وَلا يَنْهَوْنَ عَنْ شيءٍ يَقَعُونَ فيهِ. قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصفِّ: 2]، وَقالَ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ.....} [البقرة 44]. وَفي الحديثِ: ((يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ، أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ آمُرُكُمْ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ وَآتِيهِ)) الحديثَ. قوله صلى الله عليه وسلم....(منكرا) تعريف المنكر:هو ما نهى الله عنه ورسوله، وَسُمِّيَ مُنْكَراً؛ لأنَّ العقولَ وَالفِطَرَ تُنْكِرُهُ وَتَأْبَاهُ،و لأنه ينكر على فاعله أن يفعله ، وَيَشْمَلُ تَرْكَ الأوامرِ وَالوقوعَ في النواهيِ؛ فَتَرْكُ الأوامرِ مِثْلُ تَرْكِ الصلاةِ في المسجدِ أَوْ تَرْكِهَا بالكُلِّيَّةِ، وَالوقوعُ في النواهيِ مِثْلُ شُرْبِ الخمرِ وَالزِّنَا وَغَيْرِهَا. الفرق بين الإنكار والنصيحة الإنكار أضيق من النصيحة، فالنصيحةُ اسم عام يشمل أشياء كثيرة -كما في حديث (الدين النصيحة)ومنها الإنكار. فالإنكار حالٌ من أحوال النصيحة، ولهذا كان مقيداً بقيود، وله ضوابطهُ، فمِن ضوابطه: *أنَّ الإنكار الأصل فيه أن يكون عَلناً لقوله: (من رأى منكم منكراً فليغيرهُ بيده فإن لم يستطع فبلسانه) وهذا بشرط رؤية المنكر. *كذلك فالإنكار –باليد مثلا-يكون لمن فى ولايتك أمَّا إذا كان في ولايةِ غيرك فإنه لا تدخل القدرةُ هنا، أو لا توجدُ القدرةُ عليه؛ لأنَّ المقتدر هو من له الوِلاية، فيكون هنا باب النصيحة لمن هذا تحت ولايته ليغيره من هو تحت ولايته. شبهة حول إنكار المنكر وردها يُخطِئُ كثيرٌ مَن المسلمينَ في فهم هذه الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فيُبرِّرونَ عجزَهُم وتقصيرَهُم في إنكارِ المنكرِ بها، ولقدَ قوَّمَ الصِّدِّيقُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ - فهْمَ هؤلاءِ حيثُ قالَ: (يا أيـُّها النـَّاسُ، إنَّكُم تقرءونَ هذه الآيَةَ وتضعونَهَا علَى غيرِ مواضعِهَا، {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَمْ}، وإنَّا سمعْنَا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). وقالَ النَّوويُّ: الْمَذهبُ الصَّحيحُ عندَ المحقِّقينَ في معنَى الآيَةِ: (إنـَّكم إذا فعلتـُمْ ما كُلِّفْتُم به فلا يضرُّكُمْ تقصيرُ غيرِكُمْ)، مثلُ قولِهِ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وإذا كانَ كذلِكَ: فممَّا كُلِّفَ به الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ، فإذا فعلَهُ ولم يمتثلِ المخاطَبُ فلا عتبَ بعدَ ذلك علَى الفاعِلِ، لكونِهِ أدَّى ما عليهِ، فإنَّمَا عليهِ الأمرُ والنَّهيُ لا القبولُ، واللهُ أعلمُ. -شروط إنكار المنكر 1) أن يتيقن أنه منكر . 2) أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل مثال ذلك: الأكل والشرب في رمضان، الأصل أنه منكر، لكن قد لا يكون منكراً في حق رجل بعينه:كأن يكون مريضاً يحل له الفطر، أو يكون مسافراً يحل له الفطر. 3)أنه لابد أن يكون المنكر منكراً لدى الجميع، فإن كان من الأمور الخلافية فإنه لا ينكر على من يرى أنه ليس بمنكر، إلا إذا كان الخلاف ضعيفاً لا قيمة له، فإنه ينكر على الفاعل،و العوام سبيلهم سبيل علمائهم، لأنه لو فتح للعامي أن يتخير فيما شاء من أقوال العلماء لحصلت الفوضى التي لا نهاية لها . مثال :فلو رأيت رجلاً أكل لحم إبل وقام يصلي، فلا تنكر عليه، لأن المسألة خلافية، فبعض العلماء يرى أنه يجب الوضوء من أكل لحم الإبل، وبعضهم لا يرى هذا،لكن لا بأس أن تبحث معه وتبين له الحق. *وقد نَصَّ أَحْمَدُ على الإنكارِ على مَنْ لا يُتِمُّ صَلاتَهُ، ولا يُقِيمُ صُلْبَهُ من الرُّكُوعِ والسُّجودِ، معَ وجودِ الاختلافِ في وجوبِ ذلكَ. 4)تَعَيَّنُ الرِّفْقُ في الإِنكارِ. *قالَ أحمدُ: (النَّاسُ مُحْتَاجُونَ إلى مُدَارَاةِ وَرِفْقِ الأمرِ بالمعروفِ بلا غِلْظَةٍ، إلا رَجُلٌ مُعْلِنٌ بالفِسْقِ، فلا حُرْمَةَ لهُ). *قَالَ: وكانَ أَصْحَابُ ابنِ مَسْعُودٍ إذا مَرُّوا بقومٍ يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ، يَقُولُونَ: مَهْلاً رَحِمَكُمُ اللَّهُ، مَهْلاً رَحِمَكُمُ اللَّهُ.( وقالَ أحمدُ: (يَأْمُرُ بالرِّفقِ والخضوعِ، فإنْ أَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ لا يَغْضَبُ، فيكونُ يُرِيدُ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ) 5) مُراعاةُ الحكمةِ بإنكارِ المنكَرِ والأمرِ بالمعروفِ: قالَ تَعالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ومِن الحكمةِ مراعاةُ حالِ المأمورِ: * ففي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مِن اللينِ والمداراةِ والرِّفقِ، كما قالَ تَعالَى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}. *وفي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مَن الغلظةِ والقسوةِ، كما قالَ تَعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}، وقالَ تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} *كذلك ممَّا يَنْبَغِي مراعاتُهُ أن يكونَ الأمرُ أو الإنكارُ بانفرادٍ وبالسِّرِّ؛ لأنَّ هذا يؤدِّي لقبولِ النَّصيحةِ. قالَ الإمامُ الشَّافعيُّ: (مَنْ وعظَ أخاهُ سرًّا فقدْ نصحَهُ وزانَهُ، ومَن وعظَهُ علانيَةً فقدْ فضحَهُ وعابَهُ). -ما يُشْتَرَطُ في المُنْكِر *قالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: (لا يَأْمُرُ بالمعروف ويَنْهَى عن المُنْكَرِ إلا مَنْ كانَ فيهِ خِصَالٌ ثَلاثٌ: رَفِيقٌ بِمَا يَأْمُرُ، رَفِيقٌ بِمَا يَنْهَى، عَدْلٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَدْلٌ بما يَنْهَى، عالِمٌ بما يَأْمُرُ، عَالِمٌ بما يَنْهَى) ولذلكَ يَجِبُ علَى مَن يتصدَّى لهذهِ المهمَّةِ أن يلمَّ بصفاتٍ معيَّنَةٍ وتكون له شروط منها: 1-الإِسلامُ. 2-التكليفُ؛ لِرَفْعِ القَلَمِ عَنْ غيرِ المُكَلَّفِ. 3-الاستطاعةُ، وَهيَ الواردةُ في الحديثِ. 4-العَدَالَةُ. 5-وُجُودُ المُنْكَرِ ظَاهِرا. 6-العِلْمُ بِمَا يُنْكِرُ وَبِمَا يَأْمُرُ. 7-أن يكونَ الآمرُ قدوةً للآخرينَ: فإذا أمرَ بالمعروفِ كانَ أوَّلَ الممتثلِينَ له، وإذا نَهَى عن منكرٍ كانَ مِن أبعدِ النَّاسِ عنه؛ لأنَّ اللهَ يمقُتُ الآمرَ الَّذِي يقعُ في ما ينكِرُهُ علَى الآخرينَ، قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}. لا يُشْتَرَطُ في الآمرِ والنَّاهِي أن يكونَ كاملَ الحالِ *قالَ النَّوويُّ: قالَ العلماءُ: بل عليهِ الأمرُ وإن كان مخلاًّ بما يأمرُ بهِ، والنَّاهي وإن كان متلبِّسًا بما ينهَى عنه فإنَّهُ يجبُ عليهِ شيئانِ: أن يأمرَ نفسَهُ وينهاهَا، ويأمرَ غيرَهُ وينهَاهُ، فإذا أخلَّ بأحدِهِما كيفَ يُبَاحُ له الإخلالُ بالآخرِ؟!. *وفى الآية السابقة أنكرَ الله عليهِمْ مخالفةَ قولِهِم لفعلِهِمْ ولم ينكرْ عليهِمُ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكَرِ. وليعلم أن المراتب ثلاث: دعوة، أمر، تغيير * فالدعوة أن يقوم الداعي في المساجد و في أي مكان يجمع الناس ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم فيه. *والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس ويقول: افعلوا ،أو ينهاهم ويقول لهم : لا تفعلوا . ففيه نوع إمرة. *والمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره ونهيه. قوله صلى الله عليه وسلم (فليغيره) الإعراب الفاءُ وَاقعةٌ في جوابِ الشرطِ، وَ(اللامُ) لامُ الأمرِ، وَالأمرُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ لِعَدَمِ وُجُودِ صارِفٍ يَصْرِفُهُ عَن الوجوبِ. المقصود من التغييرأن يُحَوِّلْهُ وَيُبَدِّلْهُ مِنْ صُورَتِهِ التي هوَ عليها إِلى صورةٍ أُخْرَى حَسَنَةٍ، فيغير تَرْكِ الأمرِ إِلى فِعْلِهِ، وَفِعْلِ النهيِ إِلى تَرْكِهِ، وَهكذا. وَالتغييرُ إِصلاحٌ وَحِفْظٌ وَأَمْنٌ وَثوابٌ وَطاعةٌ. التغيير يشمل 1) الإزالةَ، 2)ويشمل الإنكارَ باللسان بلا إزالة، يعني أن يُقال: هذا حرام، وهذا لا يجوز. أمن الفتنة شرط التغيير الدليل: 1)لقوله تعالى: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [الأنعام: الآية108] 2)لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها، مثال :كما لو كان يرى منكراً يحصل من بعض الأمراء، ويعلم أنه لو غير بيده استطاع، لكنه يحصل بذلك فتنة:إما عليه هو،وإما على أهله،وإما على قرنائه ممن يشاركونه في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهنا نقول: إذا خفت فتنة فلا تغير. قاعدة:لا يجوز إنكار منكر حتى تتيقن أنَّهُ لن ينتقل المنكَرُ عليه إلى منكرٍ أشد منه. *قال شيخ الإسلام: (ومن أنكر ظانًّا أنَّهُ ينتقل إلى منكر أشد منه فإنه يأثم حتى يتيقن أن إنكارهُ سينقل المنكرُ عليه إلى ما هو أفضل).وقد قال بعضُ أهل العلم: (إنّ هذا مُجْمعٌ عليه). الدليل وذكر قصَّة عن شيخ الإسلام ابن تيمية؛ أنَّهُ مرَّ وطائفة من أصحابه على قوم من التَّتر يلعبون بالشطرنج ويشربون الخمر في شارع من شوارع دمشق علنا، فقال أحد أصحاب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ألا ننكر على هؤلاء؟ فقال شيخ الإسلام: (دعْهُم فإنّ انشغالهم بذلك أهون من أن يعيثوا في المسلمين أو أن يعتدوا عليهم) وهذا من الفقه العظيم؛ لأنَّ هذا منكر ومحرم، لكنه قاصِر، والإنكار عليهم قد يكون معه أن ينتقلوا إلى منكرٍ متعد على بعض المسلمين، ومعلومٌ أنّ المنكر القاصر أهون من المنكر المتعدي. مثال لأحوال انكار المنكر وحكمها ومثَّل لهذا ابن القيم بمسائل كثيرة في كتابه (إعلام الموقعين) فقال مثلاً: (لو أتيت إلى أُناسٍ يلعبون لَعِباً محرماً، أو يشتغلون بكُتب مُجون فإن أنكرت عليهم ذلك فإنه يكتنفهُ أحوال: الأول: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكرُ منهُ، فهذا حرامٌ بالإجماع يعني يخرج من لَهْوه بالكتب إلى الاتصال بالنساء مباشرة، أو إلى رؤية النساء مباشرة، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا منكر أشد منه، فبقاؤهُ على المنكر الأول أقل خطراً في الشريعة من انتقالهِ إلى المنكر الثاني. الحالة الثانية: أن ينتقل إلى ما هو خيرٌ ودين، فهذا هو الذي يجبُ معه الإنكار. والثالث: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه، فهذا محل اجتهاد. والرابع: أن ينتقل منه إلى منكرٍ آخر. مراتب تغيير المنكر اولا التغيير باليد -وَهذا الإِنكارُ هوَ أَقْوَى دَرَجَاتِ الإِنكارِ؛ لأنَّهُ إِزالةٌ للمُنْكَرِ بالكُلِّيَّةِ وَزَجْرٌ عنهُ. -ولا يَكُونُ هذا التَّغْيِيرُ مِمَّنْ لا يَمْلُكُ سُلْطَةً؛لِتَرَتُّبِ المفاسدِ العظيمةِ على ذلكَ؛ إِذْ قدْ يُنْكِرُ مُنْكَراً فَيَقَعُ فيما هوَ أَنْكَرُ، وَليسَ ذلكَ مِن الحكمةِ. -وَقدْ عُلِّقَ الإِنكارُ باليدِ على الاستطاعةِ، وَهذهِ الدرجةُ الأُولَى لِوَلِيِّ الأمرِ في الولايَةِ العامَّةِ وَالخاصَّةِ. مثاله: من رأى مع شخص آلة لهو لا يحل استعمالها أبداً فيكسرها. -فائدة من قوله صلى الله عليه وسلم فليغيره بيده أن اليد هي آلة الفعل؛ لأن الغالب أن الأعمال باليد، ولذلك تضاف الأعمال إلى الأيدي في كثير من النصوص،مثل قوله: (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى: الآية30] والمراد: بما كسبتم بأيديكم أو أرجلكم أو أعينكم أو آذانكم. تعليق الإنكار باليد على المنكَر وليس الواقع فيه لأنَّ فاعِل المنكر تكتنفهُ أبحاث أو أحوال متعددة فقد يكون الواجبُ معه الدعوة بالتي هي أحسن، وقد يكون التنبيه، وقد يكون الحيلولة بينة وبين المنكر والاكتفاء بزجره بكلام ونحوه، وقد يكون بالتعزير، إلى آخر أحوال ذلك المعروفة في كل مقام بحسب ذلك المقام وما جاء فيه من الأحكام. -معنى قوله صلى الله عليه وسلم"فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ" أي إن لم يستطع أن ينكره بيده -دلالة قوله صلى الله عليه وسلم لقوله: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ * ليس في الدين من حرج. *وأن الوجوب مشروط بالاستطاعة. وهذه قاعدة عامة في الشريعة،قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: الآية16]وقال عزّ وجل: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: الآية286] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا نَهَيتُكُم عَنهُ فَاجتَنِبوهُ،وَمَا أَمَرتُكُم بِهِ فَأتوا مِنهُ مَا استَطَعتُم" * وهذا داخل في الإطار العام أن الدين يسر. ثانيا الإنكار باللسان *هذهِ الدرجةُ الثانيَةُ مِنْ دَرَجَاتِ تَغْيِيرِ المنكرِ، وَهوَ التغييرُ باللسانِ عندَ مَنْ لا يَمْلِكُ سُلْطَةً. * وَهوَ في مَقْدُورِ أهلِ العلمِ الذينَ همْ أَئِمَّةُ العقولِ وَالأفكارِ، وَلا يُعْذَرُ عنهُ إِلاَّ مَنْ لا يَمْلِكُ القُدْرَةَ الكلاميَّةَ، أَوْ لا يَسْتَطِيعُ التَّغْيِيرَ لوجودِ موانعَ تَمْنَعُهُ. *حاجَةُ الناسِ لِهَذِهِ المَرْتَبَةِ شَدِيدَةٌ جِدًّا؛ لكثرةِ الأخطاءِ، وَوُجُودِ الغَفْلَةِ وَقَسْوَةِ القُلُوبِ وَكَثْرَةِ الفِتَنِ وَانْغِمَاسِ الناسِ في الدنيا وَنِسْيَانِ الآخرةِ *ومن المعلوم أنَّ اللسان لا يُزِيلُ المنكرَ دائماً؛ بل قد يزولُ معه بحسب اختيار الفاعل للمنكر، وقد لا يزول معه المنكر، تقول -مثلاً- لفلان: هذا حرام، وهذا منكر لا يجوز لك، قد ينتهي وقد لا ينتهي، فإذا أخبرت المكلف الواقع في هذا المنكر بأنه منكر وحرام فقد غيرت، وإذا سكتَّ فإنك لم تغير. -سبل الإنكار باللسان وهل تتضمن الكتابة؟ بالتوبيخ، والزجر والتَذْكِيرٍ وَالتَرْغِيبٍ وَالتَرْهِيبٍ.وما أشبه ذلك، ولكن لابد من استعمال الحكمة وتقاس الكتابة على القول بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتباً يبين المنكر. تعلق الإِنكارُ باليدِ واللِّسَانِ بِالقُدْرَةِ *كَمَا في حديثِ أبي بكرٍ الصدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا فَلا يُغَيِّرُوا، إِلا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ)). خَرَّجَهُ أبو دَاوُدَ بهذا اللفظِ وقالَ: قالَ شُعْبَةُ فيهِ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ)). *وخَرَّجَ أَيْضًا منْ حديثِ جَرِيرٍ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، يَقْدِرُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلا يُغَيِّرُونَ، إِلا أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا)). وَخَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ، فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، إِلا عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ)). *وَخَرَّجَ أَيْضًا منْ حديثِ عَدِيِّ بنِ عَمِيرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلا يُنْكِرُونَهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ. الفرق بين مُجَرَّدَ الْهَيْبَةِ، و الخوفِ المُسْقِطِ للإِنكارِ وَخَرَّجَ أَيْضًا هُوَ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ قالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ: مَا مَنَعَكَ إِذَا رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ، فَإِذَا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قَالَ: يَا رَبِّ، رَجَوْتُكَ، وَفَرَقْتُ النَّاسَ)). فأمَّا مَاخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ أيضًا، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ في خُطْبَتِهِ: ((أَلا لا يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ)). وَبَكَى أبو سعيدٍ وقالَ: (قَدْ واللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا). وَخَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ، وَزَادَ فيهِ: ((فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يُقَالَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكَّرَ بِعَظِيمٍ)). وكذلكَ خَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ))، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قالَ: ((يَرَى أَمْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ، ثُمَّ لا يَقُولُ فِيهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِيَّ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: خَشْيَةُ النَّاسِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: إِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى)) تعلقٌ الإنكار بِظن الانتفاع القول الأول قول الجمهور على أنه يجبُ مُطلقاً، سواءً غلب على الظن أم لم يغلب على الظن؛ لأنَّ إيجاب الإنكار لحق الله جل وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبةُ الظن.وقدْ حَكَى القاضِي أبو يَعْلَى رِوَايَتَيْنِ عنْ أحمدَ في وجوبِ إنكارِ المُنْكَرِ على مَنْ يَعْلَمُ أنَّهُ لا يُقْبَلُ منهُ، وَصَحَّحَ القولَ بِوُجُوبِهِ، وهوَ قولُ أكثرِ العلماءِ. *وقدْ قِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ في هذا، فقالَ: يكونُ لكَ مَعْذِرَةٌ، وهذا كما أَخْبَرَ اللَّهُ عن الذينَ أَنْكَرُوا على المُعْتَدِينَ في السَّبْتِ أنَّهُم قالُوا لِمَنْ قَالَ لَهُمْ: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164. القول الثانى على ظنَّه أنَّهُ لا ينتفع فإنَّه لا يجب الإنكار، وذلك لظاهر قول الله جل وعلا: {فذكر إن نفعت الذكرى} * وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهُ. أدلة القول الثانى *فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وابنِ مَاجَهْ، والتِّرْمِذِيِّ): عنْ أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أنَّهُ قِيلَ لهُ: كيفَ تَقُولُ في هذهِ الآيَةِ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] فقالَ: أَمَا واللَّهِ لقدْ سَأَلْتُ عنها رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْتَهُوا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَوَامِّ)). *وفِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ): عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ حولَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إذْ ذَكَرَ الفِتْنَةَ فَقَالَ: ((إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا))، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: ((الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ)). *وعن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: (إذا اخْتَلَفَت القُلُوبُ والأهواءُ، وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَيَأْمُرُ الإِنسانُ حِينئذٍ نفسَهُ، حينئذٍ تَأْوِيلُ هذهِ الآيَةِ). *وعن ابنِ عُمَرَ قالَ: (هذهِ الآيَةُ لأِقْوَامٍ يَجِيئُونَ منْ بَعْدِنَا، إنْ قَالُوا لمْ يُقْبَلْ منهمْ). *وقالَ جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ: (عنْ جماعةٍ من الصَّحابةِ قَالُوا: إذا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَإِعْجَابَ كلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، لا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتَ). *وعنْ مَكْحُولٍ قالَ: (لمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، إذا هَابَ الواعظُ، وأَنْكَرَ المَوْعُوظُ، فَعَلَيْكَ حينئذٍ بنفسِكَ لا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتَ). وعن الحسنِ أنَّهُ كانَ إذا تَلا هذهِ الآيَةَ قالَ: يا لَهَا مِنْ ثِقَةٍ مَا أَوْثَقَهَا! ومِنْ سَعَةٍ ما أَوْسَعَهَا! وهذا كُلُّهُ قدْ يُحْمَلُ على أنَّ مَنْ عَجَزَ عن الأمرِ بالمعروفِ، أوْ خَافَ الضَّرَرَ، سَقَطَ عَنْهُ. وكلامُ ابنِ عُمَرَ يَدُلُّ على أنَّ مَنْ عَلِمَ أنَّهُ لا يُقْبَلُ مِنْهُ، لمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، كما حُكِيَ رِوَايَةً عنْ أحمدَ. قالَ الأَوْزَاعِيُّ: مُرْ مَنْ تَرَى أنْ يَقْبَلَ مِنْكَ. *ودلَّ عليه عمل عدد من الصحابة -رضوان الله عليهم- كابن عمر وابن عباس وغيرهما لمَّا دخلوا على الولاة وأُمراء المؤمنين في بيوتهم وكان عندهم بعض المنكرات في مجالسهم فلم يُنْكروها، وذلك لِغَلبةِ الظن أنَّهم لا ينتفعون بذلك؛ لأنَّها من الأمور التي أقروها وسرت فيما بينهم، وهذا خِلاف قول الجمهور. الراجح قول شيخ الإسلام وهو خلاف قول الجمهور ويتأيد بما يلى: 1)لأنه أَوْجَهُ من جهة نصوص الشريعة؛ لأنَّ أعمال المكلَّفين مبنية على ما يغلبُ على ظنهم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه…)) وعدم الاستطاعة هذه تشمل عدة أحوال ويدخل فيها غلبة الظن ألا ينتفع الخصم. 2) ، لكنهُ يتأيد بمعرفة حال الصحابة -رضوان الله عليهم- من أنّهم إنما أَنكروا ما غلب على ظنهم الانتفاع به، وإلا للزم منه أن يؤثمَّوا بترك كثيرٍ من الواجبات في أحوال كثيرة ومعلومة. مثال إذا قابلت حليقاً للحية أو قابلت امرأة سفرت وجهها ونحو ذلك؛ يغلبُ على ظننا في بعض الأحوال أننا لو أنكرنا لما انتفع أولئك بذلك لعلمهم بهذه المسألة؛ فيكتفى هنا بالإنكار بالقلب من جهة الوجوب، ويبقى الاستحباب في أنَّهُ يستحب أن تبقى هذه الشعيرة وأن يفعلها من أراد فعل المستحب. حكمُ إنكارِ المنكَرِ: إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ له حالتانِ: 1-فرضُ كفايَةٍ: قالَ تعالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ هذه الآيَةِ: (والمقصودُ مَن هذه الآيَةِ أن تكونَ فرقةٌ مَن الأمَّةِ متصدِّيَةً لهذا الشَّأنِ) اهـ. وقالَ ابنُ العربيِّ في تفسيرِهِ لهذه الآيَةِ: (في هذه الآيَةِ والَّتي بعدَهَا - يعني {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ…} - دليلٌ علَى أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ فرضُ كفايَةٍ، ومن الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ نصرةُ الدِّينِ بإقامةِ الحجَّةِ علَى المخالِفينَ) اهـ. فيجبُ علَى إمامِ المسلمينَ أن يفرِّغَ مجموعةً مَن النَّاسِ، ممَّن لديهم الكفاءةُ والاستعدادُ لهذه المهمَّةِ، وذلك أنَّ هناك مَن المنكرِ ما لا يقوَى علَى تغييرهِ إلاَّ فئةٌ معيَّنةٌ مَن النَّاسِ لديها مِن العلمِ والفهمِ والحكمةِ في معالجتِهِ، مثلُ الردِّ علَى الفرقِ الباطنيَّةِ وفضحِهَا وإبطالِ معتقداتِهَا، كذلك بيانُ ما يستجدُّ مِن الأمورِ المحظورةِ وخاصَّةً في المعاملاتِ، فإذا قامتْ هذه الهيئةُ بواجبِهَا سقطَ عن الباقينَ. 2-فرضُ عينٍ: *قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ))، دلَّ عمومُ هذا الحديثِ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ علَى كلِّ فردٍ مستطيعٍ علمَ بالمنكرِ أو رآهُ. *قالَ القاضي ابنُ العربيِّ: (وقد يكونُ فرضَ عينٍ إذا عرفَ المرءُ مَن نفسِهِ صلاحيَّةَ النَّظرِ والاستقلالِ بالجدالِ، أو عُرِفَ ذلك منه)اهـ. *وقالَ ابنُ كثيرٍ: وإن كانَ ذلك واجبًا علَى كلِّ فردٍ مِن الأمَّةِ بِحَسْبِهِ كما ثبَتَ في (صحيحِ مسلمٍ): عن أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ…))، ثمَّ ساقَ الحديثَ. *وقالَ النَّوويُّ: ثمَّ إنَّهُ قد يَتعيَّنُ - يعني: الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ - كما إذا كانَ في موضِعٍ لا يَعلمُ به إلاَّ هو، أو لا يتمكَّنُ مِن إزالتِهِ إلاَّ هو، وكمن يرَى زوجتَهُ أو ولدَهُ أو غلامَهُ علَى منكرٍ أو تقصيرٍ في معروفٍ. تَفاوتُ مسئوليَّةِ النَّاسِ في إنكارِ المنكَرِ: *فالمسلمُ العامِّيُّ عليهِ القيامُ بهذا الواجبِ حسبَ قدرتِهِ وطاقتِهِ، فيَأمرُ أهلَهُ وأبناءَهُ ما يعلمُ مَن أمورِ الدِّينِ الَّتي يَسْمَعُهَا علَى المنابرِ وفي دروسِ الوعظِ. *والعلماءُ عليهِمْ مَن الواجبِ ما ليسَ علَى غيرِهِم، وذلك أنَّهُمْ ورثةُ الأنبياءِ، فإذا تساهلُوا بهذهِ المهمَّةِ دخلَ النَّقصُ علَى الأمَّةِ، كما حدثَ لبني إسرائيلَ. *وأمَّا واجبُ الحكَّامِ في هذه المهمَّةِ فعظيمٌ؛ لأنَّ بيدِهِم الشَّوكةَ والسُّلطانَ الَّتي يرتدِعُ بها السَّوادُ الأعظمُ مَن النَّاسِ عن المنكرِ؛ لأنَّ الَّذينَ يتأثَّرونَ بالوعظِ قلَّةٌ. وتقصيرُ الحكَّامِ بهذه المهمَّةِ طامَّةٌ كبرَى، حيثُ بسببِ ذلك يفشُو المنكَرُ، ويَجترِئُ أهلُ الباطلِ والفسوقِ بباطلِهِم علَى أهلِ الحقِّ والصَّلاحِ. ثالثا الإنكار بالقلب -معنى "فَإنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقَلْبِهِ" هذهِ الدرجةُ الثالثةُ لِتَغْيِيرِ المُنْكَرِ، وَهيَ وَاجبةٌ على الجميعِ. فالإنسان إذا لم يستطع أن يغير باليد ولا باللسان فليغير بالقلب، وذلك بكراهة فرضية انكار المنكر بالقلب فهوَ لا يَسْقُطُ عنْ أحدٍ في حالٍ مِن الأحوالِ؛ إِذْ هيَ تَغْيِيرٌ دَاخِلِيٌّ لا يَتَعَدَّى صَاحِبَهَا ،ولا تبرأُ ذمَّةُ العبدِ بالإِنكارِ بالقلبِ حتَّى يعجزَ عن الإنكارِ باليدِ أو اللسانِ بسببِ ضرٍّ يلحقُهُ في بدنِهِ أو مالِهِ، ولا طاقةَ له علَى تحمُّلِ ذلك. **وَسَمِعَ ابنُ مسعودٍ رَجُلاً يقولُ: هَلَكَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ، ولمْ يَنْهَ عن المُنْكَرِ. فقالَ ابنُ مسعودٍ: (هَلَكَ مَنْ لمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ المعروفَ والمُنْكَرَ). يُشِيرُ إلى أنَّ مَعْرِفَةَ المعروفِ والمُنْكَرِ بالقَلْبِ فَرْضٌ لا يَسْقُطُ عنْ أحدٍ، فمَنْ لمْ يَعْرِفْهُ هَلَكَ. **وقالَ ابنُ مسعودٍ: (يُوشِكُ مَنْ عَاشَ منكمْ أَنْ يَرَى مُنْكَرًا لا يَسْتَطِيعُ لهُ غيرَ أنْ يَعْلَمَ اللَّهُ منْ قَلْبِهِ أَنَّهُ لهُ كَارِه). **وفي (سُنَنِ أبي دَاوُدَ): عن العُرْسِ بنِ عَمِيرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)).لأنَّ الرِّضَا بالخَطَايَا مِنْ أَقْبَحِ المُحَرَّمَاتِ، وَيَفُوتُ بهِ إنكارُ الخطيئةِ بالقلبِ. ما يتضمنه إنكار المنكر بالقلب 1) البراءة من الفعل يعني: بعدم الرضا به ؛ لأن المنكر لا يجوز أن يُقره المرءُ ولو من جهة الرضى، وهذا ظاهر في قوله جل وعلا: {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذاً مثلهم}، وفي الآية الأخرى: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظلمين} فمن جلسَ في مكانٍ يستهزأ فيه بآيات الله وهو جالس لا يُفارق ذلك المكان فهو في حكم الفاعل من جهة رضاه بذلك؛ لأنَّ الرّاضي بالذنب كفاعله كما قال العلماء. 2) يستلزم مفارقة أهل المنكر فلو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم إلا إذا أكرهوه، فحينئذ يكون معذوراً. 3) عزيمته على أنه متى قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل 4)إثبات أن للقلب عمل *لقوله: "فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ" عطفاً على قوله: "فَليُغَيرْهُ بيَدِهِ" *فالقلب له قول وله عمل، قوله عقيدته، وعمله حركته بنية أو رجاء أو خوف أو غير ذلك. معنى قوله(وذلك أَضْعَفُ الإِيْمَانِ) أي أضعف مراتب الإيمان في هذا الباب أي في تغيير المنكر. وقَدْ زِيدَ في بعضِ الرِّوَايَاتِ: ((وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ حَبَّةُ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ)).لأن المنكر المجمع عليه إذا لم يعتقد حرمته ولم يبغضه مع اعتقاد حرمته فإنه على خطر عظيم في إيمانه. رجاء سلامة المنكر بالقلب وقدْ رُوِيَ عنْ أحمدَ ما يَدُلُّ على الاكتفاءِ بالإنكارِ بالقلبِ، قالَ في روايَةِ أبي داودَ: نَحْنُ نَرْجُو إنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ، وإنْ أَنْكَرَ بِيَدِهِ فهوَ أَفْضَلُ، وهذا مَحْمُولٌ على أنَّهُ يَخَافُ، كَمَا صَرَّحَ بذلكَ في روايَةِ غيرِ واحدٍ. *إلا أن مَن قدرَ علَى خصلةٍ مِن خصالِهِ وقامَ بها كانَ خيرًا ممَّنْ تركَهَا عجزًا وإن كانَ معذورًا في ذلك، فالمرأةُ مثلا معذورةٌ في تركِ الصَّلاةِ أثناءَ الحيضِ، ومعَ ذلك عَدَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذلك نقصانًا في دينِهَا. أَمَّا نُقْصَانُ دِينِهَا، فَإِنَّها تَمْكُثُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ لا تُصَلِّي) -مراتب تغيير المنكر دليل أن الإيمان عمل ونية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان، والتغيير باليد عمل، وباللسان عمل، وبالقلب نية، وهو كذلك، فالإيمان يشمل جميع الأعمال وليس خاصاً بالعقيدة فقط -هل الأعمال شرط لكمال الإيمان أم لصحته؟ *إذا دلّ الدليل على أن هذا العمل يخرج به الإنسان من الإسلام صار شرطاً لصحة الإيمان، وإذا دلّ دليل على أنه لا يخرج صار شرطاً لكمال الإيمان *يسعنا ما وسع الصحابة الذين هم أعلم منا وأحرص منا على الخير،ولم يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السؤال. -دليل مراتب الإنكار من سيرته صلى الله عليه وسلم وَنَجِدُ مَرَاحِلَ الدعوةِ قدْ مَرَّتْ بهذهِ المراحلِ، فقدْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ وَالدعوةُ سِرِّيَّةٌ، ثمَّ بِلِسَانِهِ وَالدعوةُ جَهْرِيَّةٌ بِمَكَّةَ، ثمَّ بِيَدِهِ وَالدعوةُ جَهْرِيَّةٌ في المدينةِ. فصل فى الإنكار على الولاة مسألة متى ينكر على الولاة 1)ينكر عليهم إذا فعلوا المنكر بأنفسهم. 2)ورآه من فعل أمَامه ذلك الشيء. وعلى هذا يحمل هَدْي السَّلف في ذلك وكل الأحاديث التي جاءت -وهي كثيرة أكثر من عشرة أو اثني عشر حديثاً- في هذا الباب ، ولم يَكُن هدْي السَّلف أن يُنكروا على الوالي شيئاً أجراهُ في وِلايته، التفريق بين الإنكار عليهم ونصحهم موقف أسامة بن زيد من اجتهادات عثمان رضى الله حينما قيل لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: ألا تنصَح لعثمان! ألا ترى إلى ما فَعل! قال: (أما إني بذلتُه له سِراً؛ لا أكونُ فاتِحَ باب فتنة) ففرَّق السّلف في المنكر الذي يُفعل أمام الناس، كحال الأمير الذي قدَّم خُطبتي العيد على الصلاة وكالذي أتى للناس وقد لبسَ ثوبين وأحوال كثيرة في هذا، فرقوا بين حصول المنكر منه أمام الناس علناً وبين ما يُجريه في ولايته، فجعلوا ما يُجريه في ولايته باباً من أبواب النصِيحة، وما يفعَلهُ عَلناً يأتي هذا الحديث فـ(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..) مع الحكمة في ذلك، موقف ابن عباس قال رجلٌ لابن عباس -رضي الله عنهما-: ألا آتي الأمير فآمرهُ وأنْهاهُ؟ قال: (لا تفعل، فإن كان ففيما بينك وبينه)، قال: أرأيت إن أمرني بمعصية قال: (أمَّا إن كان ذاك فعليك إذاً) فدلَّ هذا على أنَّ الأمر والنهي المتعلق بالوالي إنَّما يكون فيما بين المرْء وبينه فيما يكون في ولايته؛ وأمّا إذا كان يفعلُ الشيء أمام الناس فإنَّ هذا يجبُ أنَّ ينكره من رآه بحسب القدرة وبحسب القواعد التي تحكم ذلك كيف ينكر على الولاة ضابط الانكار باليد على الولاة ومعناه **قَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: آمُرُ السُّلْطَانَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُ عَن الْمُنْكَرِ؟ قالَ: إنْ خِفْتَ أنْ يَقْتُلَكَ فلا. ثُمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذلكَ، ثمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مثلَ ذلكَ، وقالَ: إنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلاً، فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. **وَحديثَ ابنِ مسعودٍ الذي فيهِ: ((يَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ))، الحديثَ، وهذا يَدُلُّ على جهادِ الأمراءِ باليَدِ. وقد اسْتَنْكَرَ الإِمامُ أحمدُ هذا الحديثَ في روايَةِ أبي دَاوُدَ وقالَ: هوَ خلافُ الأحاديثِ التي أَمَرَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فيها بالصَّبرِ على جَوْرِ الأَئِمَّةِ. الجواب على شبهة أن الانكار عليهم خروج بأنَّ التَّغْيِيرَ باليدِ لا يَسْتَلْزِمُ القتالَ، وقدْ نصَّ على ذلكَ أحمدُ أيضًا في روايَةِ صالحٍ فقالَ: التَّغْيِيرُ باليدِ ليسَ بالسَّيْفِ والسِّلاحِ، وحينئذٍ فَجِهَادُ الأُمَرَاءِ باليدِ أنْ يُزِيلَ بِيَدِهِ مَا فَعَلُوهُ مِن المُنْكَرَاتِ، مثلَ: أنْ يُرِيقَ خُمُورَهُمْ، أوْ يَكْسِرَ آلاتِ المَلاهِي التي لَهُم، ونحوِ ذلكَ، أوْ يُبْطِلَ بِيَدِهِ ما أَمَرُوا بهِ مِن الظُّلْمِ إنْ كانَ لهُ قُدرةٌ على ذلكَ، وكلُّ هَذَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ هوَ منْ بابِ قِتَالِهِم، ولا مِن الخروجِ عليهم الذي وَرَدَ النَّهْيُ عنهُ، فإنَّ هذا أكثرُ ما يُخْشَى منهُ أنْ يُقْتَلَ الآمِرَ وحدَهُ. وأمَّا الخروجُ عليهم بالسَّيفِ، فَيُخْشَى منهُ الفِتَنُ التي تُؤَدِّي إلى سَفْكِ دِمَاءِ المسلمينَ. متى يسقط الإنكار على الولاة إنْ خَشِيَ في الإِقدامِ على الإِنكارِ على الملوكِ أنْ يُؤْذِيَ أَهْلَهُ أوْ جِيرَانَهُ، لم يَنْبَغِ لهُ التَّعَرُّضُ لهم حِينَئِذٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَدِّي الأَذَى إلى غيرِهِ. *كذلكَ قالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ وَغَيْرُهُ. ومعَ هذا، فَمَتَى خافَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ السَّيْفَ، أو السَّوْطَ، أو الحَبْسَ، أو القَيْدَ، أو النَّفْيَ، أوْ أَخْذَ المالِ، أوْ نحوَ ذلكَ مِن الأَذَى، سَقَطَ أَمْرُهُم وَنَهْيُهُم. *وقدْ نَصَّ الأئمَّةُ على ذلكَ؛ منهم مَالِكٌ وأحمدُ وإسحاقُ وَغَيْرُهُمْ. *قالَ أحمدُ: (لا يُتَعَرَّضُ للسُّلْطَانِ؛ فإنَّ سَيْفَهُ مَسْلُولٌ). *وقالَ ابنُ شُبْرُمَةَ: (الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المُنْكَرِ كالجهادِ، يَجِبُ على الواحدِ أنْ يُصَابِرَ فيهِ الاثنَيْنِ، ويَحْرُمُ عَليهِ الفرارُ مِنْهُمَا، ولا يَجِبُ عليهم مُصَابَرَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذلكَ). *فإنْ خَافَ السَّبَّ، أوْ سَمَاعَ الكلامِ السَّيِّئِ، لم يَسْقُطْ عنهُ الإِنْكَارُ بذلكَ، نَصَّ عليهِ الإِمامُ أَحْمَدُ. الإنكار مع القدرة على تحمل الأذى أفضل وإن احْتَمَلَ الأَذَى وَقَوِيَ عليهِ، فهوَ أَفْضَلُ، نَصَّ عليهِ أحمدُ أَيْضًا. وقيلَ لهُ: أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ))، أَنْ يُعَرِّضَهَا مِن البلاءِ لِمَا لا طاقةَ لَهُ بهِ؟ قالَ: ليسَ هذا منْ ذلكَ. وَيَدُلُّ على ما قَالَهُ ما خَرَّجَهُ أبو داودَ وابنُ مَاجَهْ والتِّرْمِذِيُّ مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)). وَخَرَّجَ ابنُ مَاجَهْ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أبي أُمَامَةَ. وفي (مُسْنَدِ الْبَزَّارِ) بإسنادٍ فيهِ جَهَالَةٌ، عنْ أبي عُبَيْدَةَ بنِ الْجَرَّاحِ قالَ: قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَيُّ الشُّهداءِ أَكَرمُ عَلَى اللَّهِ؟ قالَ: ((رَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَأَمَرَهُ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، فَقَتَلَهُ)). وقدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ، كُلُّهَا فيها ضَعْفٌ. وأمَّا حديثُ: ((لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ))، فإنَّما يَدُلُّ على أنَّهُ إذا عَلِمَ أنَّهُ لا يُطِيقُ الأَذَى، وَلا يَصْبِرُ عليهِ، فإنَّهُ لا يَتَعَرَّضُ حِينَئِذٍ لِلآمِرِ، وهذا حقٌّ، وإنَّمَا الكلامُ فيمَنْ عَلِمَ مِنْ نفسِهِ الصَّبْرَ. كذلكَ قالَهُ الأئمَّةُ؛ كَسُفْيَانَ وأحمدَ والفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ وغيرِهِم المراجع: شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح جامع العلوم والحكم للحافظ: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ) وصل اللهم على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين |
تلخيص الدرس الرابع والثلاثون من الأربعين النووية عَنْأَبي سعيدٍ الخُدريِّرَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (( مَنْ رَأَى مِنْكُمْمُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ،فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ )).رواهمسلِمٌ. العناصر: • تخريج الحديث • موضوع الحديث • قصة الحديث • منزلة الحديث • الشرح الإجمالي للحديث • شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرًا..." • معنى قوله (رأى) • أنواع الرؤية • معنى قوله (منكرًا) • ضابط إنكار المنكر. • مسألة: هل وجوب الإنكار متعلق بالانتفاع؟ • مسألة: ما الشروط الواجب توفرها في المنكِر؟ • معنى قوله (فليغيره) • مراتب تغيير المنكر • معنى قوله: (فليغيره بيده) • مسألة: من يقوم بإنكار المنكر اليد. • معنى قوله: (فإن لم يستطع فبلسانه) • معنى قوله: (فإن لم يستطع فبقلبه) • معنى قوله: (وذلك أضعف الإيمان) • مسألة: ما حكم تغيير المنكر؟ • أحوال المنكر عليهم بعد الإنكار. • دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. • فوائد من الحديث. التلخيص: • تخريج الحديث: - هذا الحديث خرّجه مسلم من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد. - ومن رواية إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد. • موضوع الحديث: وجوب تغيير المنكر. • قصة الحديث: عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثم ذكر الحديث. • منزلة الحديث: هذا الحديث عظيم الشّأن؛ لأنّه نصّ على وجوب إنكار المنكر، وهذا كما قال النّوويّ: (باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث، عمّ العقاب الصّالح والطّالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظّالم أوشك أن يعمّهم الله بعذابٍ: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، فينبغي لطالب الآخرة، الساعي في تحصيل رضى الله عز وجل، أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم) اه. • الشرح الإجمالي للحديث: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم)) يا معشر المكلفين ((منكرًا)): شيئًا أنكره الشرع ومنع عنه، ومعرفة المنكر ومراتبه ومراتب الإنكار عنه يحتاج إلى علم كثير. ((فليغيره بيده)) إن كان مما يمكن تغييره باليد؛ غيرةً لله تعالى، وقيامًا بحقه، ((فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع)) إنكاره بلسانه لعجزه، ((فبقلبه)) فلينكره بقلبه، وليكرهه كراهةً شديدةً من حيث إن فيه مخالفة رب الأرباب، ((وذلك)) الرجل الذي لا يقدر إلا على الإنكار بالقلب، ((أضعف)) أهل ((الإيمان)) إيمانًا، حيث لم يمكنه ربه من وظائف أرباب الكمال. وقد زيد في بعض الروايات: ((وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان)). • شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرًا فليغيره..." • معنى قوله: (رأى منكم) "مَنْ رَأَى": المراد من علم وإن لم يرَ بعينه فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبربيقين وما أشبه ذلك، وإن كان ظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه. "منكم": أي من أمة الإجابة الذين يطبقون الأوامر، ويتركون النواهي، ويدعون إلى العمل الذي عملوه فهم قدوة، ولا يأمرون بالشيء الذي يتركونه، ولا ينهون عن شيء يقعون فيه. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} [الصف: 2]، وقال: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم...} [البقرة 44]. وفي الحديث: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فتندلق أقتابه فيدور كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم ولا آتيه، وأنهاكم وآتيه)) الحديث. • أنواع الرؤية الرؤية رؤيتان: o بصرية: وتشترك فيها جميع المخلوقات، وهي بالعينين. o وقلبية: وتسمى بصيرةً أو رؤيةً علميةً يقينيةً، وهذه للمؤمنين الذين يؤمنون بالغيب، ويمتثلون أوامر الله ويعملون بها؛ ولذا يعملون للآخرة كأنما يرونها. فتكون الرؤية بصريةً بالبصر، أو علميةً بالعلم اليقيني بإخبار الثقات. • معنى قوله: (منكرًا) المنكر: هو ما نهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر على فاعله أنيفعله. • ضابط إنكار المنكر: لابد أن يكون المنكر - ظاهرًا معلومًا، وليس للآمر البحث والتفتيش والتجسس وتسور جدران البيوت واقتحامها بحجة البحث عن المنكر. - مجمع على أنه منكر أي ليس فيه خلاف. - منكر في حق فاعله. • مسألة: هل وجوب الإنكار متعلق بالانتفاع؟ وجوب الإنكار متعلق بالقدرة بالإجماع، ومتعلق بظن الانتفاع عند كثير من أهل العلم. قال طائفة من العلماء:إنما يجب الإنكار إذا غلب على ظنه أن ينتفع المنكر عليه باللسان فيما لا يدخل تحت ولايته، أما إذا غلب على ظنه أنه لا ينتفع فإنه لا يجب الإنكار، وذلك لظاهر قول الله جل وعلا: {فذكر إن نفعت الذكرى} فأوجب التذكير بشرط الانتفاع، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. ودل عليه عمل عدد من الصحابة -رضوان الله عليهم- كابن عمر وابن عباس وغيرهما لما دخلوا على الولاة وأمراء المؤمنين في بيوتهم وكان عندهم بعض المنكرات في مجالسهم فلم ينكروها، وذلك لغلبة الظن أنهم لا ينتفعون بذلك؛ لأنها من الأمور التي أقروها وسرت فيما بينهم، وهذا خلاف قول الجمهور. والجمهور على أنه يجب مطلقاً، سواءً غلب على الظن أم لم يغلب على الظن؛ لأن إيجاب الإنكار لحق الله جل وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبة الظن. • مسألة: ما الشروط الواجب توفرها في المنكِر؟ يشترط في المُنكِر أمور، وهي: 1- الإسلام. 2- التكليف؛ لرفع القلم عن غير المكلف. 3- الاستطاعة، وهي الواردة في الحديث. 4- العدالة. 5- وجود المنكر ظاهرا. 6- العلم بما ينكر وبما يأمر. • معنى قوله: (فليغيره) "فليغيره":يعني فليغير المنكر، فلا يدخل في الحديث عقاب فاعل المنكر؛ لأن فاعل المنكر تكتنفه أبحاث أو أحوال متعددة فقد يكون الواجب معه الدعوة بالتي هي أحسن، وقد يكون التنبيه، وقد يكون الحيلولة بينة وبين المنكر والاكتفاء بزجره بكلام ونحوه، وقد يكون بالتعزير، إلى آخر أحوال ذلك المعروفة في كل مقام بحسب ذلك المقام وما جاء فيه من الأحكام. • مراتب تغيير المنكر: لتغيير المنكر ثلاث مراتب: o الإنكار باليد. o الإنكار باللسان ويدخل فيه الكتابة. o الإنكار بالقلب. • معنى قوله: (فليغيره بيده) "بيده": اليد تطلق على الجارحة ويراد بها اليمنى واليسرى، وهي من رؤوس الأصابع إلى الكتف، وخصت؛ لأنها قوة الإنسان في الأخذ والعطاء والكف والمدافعة، • مسألة: من يقوم بإنكار المنكر اليد. وإنكار المنكر باليد من قبل ولي الأمر صاحب السلطة لقوته وهيبته، والأب على أولاده، والسيد على عبده، وهذا الإنكار هو أقوى درجات الإنكار؛ لأنه إزالة للمنكر بالكلية وزجر عنه. ولا يكون هذا التغيير ممن لا يملك سلطةً؛ لترتب المفاسد العظيمة على ذلك؛ إذ قد ينكر منكراً فيقع فيما هو أنكر، وليس ذلك من الحكمة. وقد علق الإنكار باليد على الاستطاعة، وهذه الدرجة الأولى لولي الأمر في الولاية العامة والخاصة. • معنى قوله: (فإن لم يستطع فبلسانه) "فإن لم يستطع فبلسانه": هذه الدرجة الثانية من درجات تغيير المنكر، وهو التغيير باللسان عند من لا يملك سلطةً، وهذا التغيير بالقول من تذكير وترغيب وترهيب، وهو في مقدور أهل العلم الذين هم أئمة العقول والأفكار، ولا يعذر عنه إلا من لا يملك القدرة الكلامية، أو لا يستطيع التغيير لوجود موانع تمنعه، وحاجة الناس لهذه المرتبة شديدة جدًا؛ لكثرة الأخطاء، ووجود الغفلة وقسوة القلوب وكثرة الفتن وانغماس الناس في الدنيا ونسيان الآخرة. • معنى قوله: (فإن لم يستطع فبقلبه) "فإن لم يستطع فبقلبه": هذه الدرجة الثالثة لتغيير المنكر، وهي واجبة على الجميع؛ إذ هي تغيير داخلي لا يتعدى صاحبها، وهي تألم القلب لهذا المنكر وكراهيته له ولأهله وتمني زواله والدعاء لصاحبه بالسلامة منه، وهذه أضعف درجة؛ إذ ليس بعدها شيء من الإيمان. • معنى قوله: (وذلك أضعف الإيمان) "وذلك أضعف الإيمان":سميت الدرجة الثالثة ضعفاً؛ لأن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدل على الضعف وعدم وجود الغيرة، والكراهية لهذا المنكر يدل على الإيمان. • مسألة: ما حكم تغيير المنكر؟ - إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان: 1- فرض كفاية: قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصديةً لهذا الشأن) اه. وقال ابن العربي في تفسيره لهذه الآية: (في هذه الآية والتي بعدها - يعني {كنتم خير أمة أخرجت للناس…}- دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة الدين بإقامة الحجة على المخالفين) اه. 2- فرض عين: قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه))، دل عموم هذا الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علم بالمنكر أو رآه. قال القاضي ابن العربي: (وقد يكون فرض عين إذا عرف المرء من نفسه صلاحية النظر والاستقلال بالجدال، أو عرف ذلك منه)اه. وقال ابن كثير: وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في (صحيح مسلم): عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من رأى منكم منكرًا فليغيره…))، ثم ساق الحديث. وقال النووي: ثم إنه قد يتعين - يعني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في معروف. - أما إنكار المنكر بالقلب فمن الفروض العينية التي لا تسقط مهما كانت الحال، فالقلب الذي لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر قلب خرب خاو من الإيمان. • مسألة: حكم جلوس المنكِر في مكان المنكَر بعد الإنكار. • أحوال المنكر عليهم بعد الإنكار. للناس في ذلك أربع أحوال وضحها ابن القيم مع ذكر حكم إنكار المنكر في كل حالة في قوله: "لو أتيت إلى أناس يلعبون لعبًا محرمًا، أو يشتغلون بكتب مجون فإن أنكرت عليهم ذلك فإنه يكتنفه أحوال: الأول: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكر منه، فهذا حرام بالإجماع يعني يخرج من لهوه بالكتب إلى الاتصال بالنساء مباشرة، أو إلى رؤية النساء مباشرة، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا منكر أشد منه، فبقاؤه على المنكر الأول أقل خطراً في الشريعة من انتقاله إلى المنكر الثاني. الحالة الثانية: أن ينتقل إلى ما هو خير ودين، فهذا هو الذي يجب معه الإنكار. والثالث: أن ينتقل منه إلى منكر يساويه، فهذا محل اجتهاد. والرابع: أن ينتقل منه إلى منكر آخر." وفي الرابع ينظر هل هو أشد منه أو دونه وبحسب ذلك يكون الإنكار. • دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوافع كثيرة منها: 1- كسب الثواب والأجر، وذلك أن من دل الناس على المعروف وقاموا به يكون له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)). 2- خشية عقاب الله. 3- الغضب لله. 4- النصح للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم. 5- إجلال الله وإعظامه ومحبته. • فوائد من الحديث. 1. أن للقلب عملاً، لقوله: "فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ"عطفاً على قوله: "فَليُغَيرْهُ بيَدِهِ"وهوكذلك. 2. يدل الحديث أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان. 3. وجوب تغيير المنكر. 4. التأكد من وجود المنكر عند إنكاره. 5. بيان مراتب تغيير المنكر. 6. عدم صلاح المجتمع إلا بزوال المنكر. |
تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...) عناصر الدرس: · موضوع الحديث.· تخريج الحديث. · قصة إيراد أبي سعيد الخدري الحديث. · منزلة الحديث. · المعنى الإجمالي للحديث. · شرح قوله (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده) - إعرابها. - المخاطب في قوله: (من رأى منكم). - المراد بالرؤية في قوله: (من رأى) - فائدة التعبير بلفظ (رأى) دون لفظ (علم). - المراد بالمنكر. - معنى (فليغيّره بيده). - معنى الأمر في قوله: (فليغيّره بيده). - سبب تخصيص اليد في قوله: (فليغيّره بيده). · شرح قوله (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) - كيف يكون تغيير المنكر باللسان ؟ - هل نقيس الكتابة على اللسان؟ - كيف يكون تغيير المنكر بالقلب؟ - المشار في قوله: (وذلك أضعف الإيمان). - المراد بكون ذلك أضعف الإيمان. · الحكمة من الابتداء بتغيير اليد قبل اللسان والقلب. · هل تغيير المنكر بمعنى إزالته؟ · فائدة تعليق الأمر بالتغيير بالمنكر دون فاعله. · حكم إنكار المنكر. · تفاوت الناس في قيامهم بواجب إنكار المنكر. · مراتب إنكار المنكر. · شروط إنكار المنكر. · حكم الإنكار في المسائل المختلف فيها. · ما يشترط توافره في المُنكِر. · آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. · أحوال تكتنف إنكار المنكر. - الحالات التي يحرم فيها إنكار المنكر. · حكم إنكار ما كان مستورًا عنه فلم يره، ولكن علم به. · مسألة: هل وجوب الإنكار متعلّق بظن الانتفاع؟ · دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. · شبهات وجوابها. - الشبهة الأولى: قول القائل: أنا كاره بقلبي، مع جلوسه مع أهل المنكر. - الشبهة الثانية: تعليل البعض تركهم واجب إنكار المنكر بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتهم}. - الشبهة الثالثة: هل للعاصي أن يأمر وينهى؟ · خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. · فوائد الحديث. · خلاصة الدرس. تلخيص الدرس: · موضوع الحديث. وجوب تغيير المنكر. · تخريج الحديث. رواه مسلم من طريقين: قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري. إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري. · قصة إيراد أبي سعيد الخدري الحديث. أن مروان بن الحكم أوّل من خطب في العيد قبل الصلاة، فأنكر عليه رجل فعله فأبى، فقال الصحابي أبو سعيد الخدري -وكان حاضرًا-: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، ...)) فذكر الحديث. · منزلة الحديث. حديث عظيم الشأن؛ لأنه نصّ على وجوب إنكار المنكر. · المعنى الإجمالي للحديث. من رأى منكرًا بعينه أو سمعه سماعًا محققًا وجب عليه في حال القدرة والاستطاعة أن يغيّره بيده، فإن عجز فبلسانه، فإن عجز فبقلبه، وهذه أضعف درجة، لا تسقط عن أحد في حال من الأحوال. · شرح قوله (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده) - إعرابها. من: اسم شرط جازم. ورأى: فعل الشرط الذي تعلّق به الحكم؛ وهو وجوب الإنكار. وجملة (فليغيّره بيده): جواب الشرط؛ وهو الأمر بالتغيير باليد. - المخاطب في قوله: (من رأى منكم). المكلّفون من أمّة الإجابة، الذين يطبّقون الأوامر، ويتركون النواهي. - دلالة قوله: (من رأى منكم). يدل على وجوب الأمر بالإنكار على جميع الأمة إذا رأت منكرًا أن تغيّره. - المراد بالرؤية في قوله: (من رأى). فيه قولان: الأول: أنها رؤية العين؛ فرأى بمعنى أبصر بعينيه، وهذا ما رجّحه الشيخ صالح آل الشيخ وسعد الحجري. وحجتهم: 1: أن (رأى) تعدّت إلى مفعول واحد، فتكون بصرية. 2: أن العلم بالمنكر لا يُكتفى به في وجوب الإنكار. 3: ولأن تقييد وجوب الإنكار برؤية العين يفيد زيادة تأكيد على التثبّت في هذه الأمور. الثاني: المراد بها العلم، فتشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، وهذا ما رجّحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وحجته: 1: أنه مادام أن اللفظ يحتمل هذا المعنى الأعمّ، فإنه يُحمل عليه، وإن كان ظاهر الحديث يدلّ على أنه رؤية العين. - فائدة التعبير باللفظ (رأى) دون لفظ (علم). فيه زيادة تأكيد على التثبّت في هذه الأمور لتؤتي ثمارها. بتقييد وجوب الإنكار بمن رأى بعينه، أو سمعه سماعًا محققا بأذنه، أو بلغه خبر بيقين. - المراد بالمنكر. المنكر ضد المعروف؛ وهو اسم لما عرف في الشريعة قُبحه والنهي عنه، وسمّي منكرًا: - لأن الشارع أنكره ومنع منه. - ولأن العقول والفطر تأباه وتنكره. - ولأنه يُنكر على فاعله أن يفعله. - معنى (فليغيّره بيده). الفاء: واقعة في جواب الشرط، واللام: لام الأمر، وهاء الضمير عائد على المنكر؛ أي يغير هذا المنكر. ويغيّر: أي يحوّله ويبدّله من صورته التي هو عليها إلى صورة أخرى حسنة. - معنى الأمر في قوله: (فليغيّره بيده). للوجوب، لعدم وجود صارف يصرفه عن الوجوب. - سبب تخصيص اليد في قوله: (فليغيّره بيده). لأنها قوّة الإنسان في الأخذ والعطاء والكفّ والمُدافعة. وفيه بيان أنها آلة الفعل، فالغالب أن الأعمال باليد. · شرح قوله (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) - كيف يكون تغيير المنكر باللسان ؟ بإنكاره بالتوبيخ والزجر ونحو ذلك، مع استعمال الحكمة. - هل نقيس الكتابة على اللسان؟ الجواب: نعم، فيغيّر بالكتابة، بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتبًا في بيان المنكر. - كيف يكون تغيير المنكر بالقلب؟ بإنكاره بقلبه، فيكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن، مع اعتقاد أنه محرم وأنه منكر. - المشار في قوله: (وذلك أضعف الإيمان). أي مرتبة الإنكار بالقلب. وقيل: يعود للرجل الذي لا يقدر إلا على الإنكار بالقلب. - المراد بكون ذلك أضعف الإيمان. فيه أقوال: الأول: أنه أقلّ درجات الإيمان الذي يجب على كلّ أحد، يدلّ على ذلك ما جاء من الزيادة في بعض الروايات: ((وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان)). وجه ذلك: أن المنكر المجمع عليه إذا لم يعتقد حرمته ولم يبغضه فإنه على خطر عظيم في إيمانه. الثاني: أنه أضعف مراتب الإيمان في باب تغيير المنكر. وجه ذلك: أن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدلّ على الضعف وعدم وجود الغيرة، وكراهية المنكر يدلّ على وجود الإيمان، وهو في أضعف مراتبه في هذا الباب. الثالث: أنه أضعف أهل الإيمان إيمانًا؛ لأنه لم يمكّن من وظائف أرباب الكمال. وجه ذلك: أن إنكار المنكر بالقلب قليل الثمرة، بعس التغيير باليد أو اللسان فإنه عظيم الفائدة. · الحكمة من الابتداء بتغيير اليد قبل اللسان والقلب. لأنه أقوى درجات الإنكار وأعظمها فائدة؛ لأن فيه إزالة للمنكر بالكلّيّة وزجر عنه. · هل تغيير المنكر بمعنى إزالته؟ ليس هو بمعنى إزالته، ولكنه يشمله؛ لأن المنكر قد يزول بهذا التغيير، وقد لا يزول، لاختلاف مراتب إنكار المنكر، فيغيّر بيده، فإن عجز فبلسانه، فإن عجز فبقلبه. فمثلًا: الإنكار باللسان من المعلوم أنه لا يزيل المنكر دائمًا؛ لأن فاعل المنكر قد ينتهي بإنكارك وزجرك وقد لا ينتهي، ولكنك بإخبارك له بأن هذا منكر وحرام فأنت قد غيّرت، وإن سكتّ فأنت لم تغيّر. · فائدة تعليق الأمر بالتغيير بالمنكر دون فاعله. يفيد أن الأمر بالتغيير باليد راجع إلى المنكر، لا إلى فاعله، فلا يدخل في هذا الحديث عقاب فاعل المنكر. فمثلًا: من رأى مع شخص آلة لهو لا يحلّ استعمالها أبدًا فيكسرها في حال القدرة على التغيير باليد، أما تعنيف الفاعل لذلك وعقابه فهذا له حكم آخر يختلف باختلاف المقام؛ فمنهم من يكون الواجب معه الدعوة، ومنهم من يكون بالتنبيه، ومنهم من يُكتفى بزجره بكلام ونحوه، ومنهم من يكون بالتعزير، وغير ذلك. · حكم إنكار المنكر. إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان: الأول: فرض كفاية: إذا قام به جماعة من المسلمين سقط عن الباقين. قال تعالى: {ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} قال ابن كثير في تفسيرها: المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدّية لهذا الشأن. الثاني: فرض عين: فيجب على كلّ فرد مستطيع إنكار المنكر علم به أو رآه. دلّ على ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، ...)) الحديث. · تفاوت الناس في قيامهم بواجب إنكار المنكر. الناس يتفاتون في قيامهم بهذا الواجب حسب طاقتهم وقدرتهم: فالمسلم العاميّ عليه القيام بهذا الواجب حسب قدرته وطاقته، فيأمر أهله وأبناءه بما يعلمه من أمور الدين. والعلماء عليهم من الواجب في إنكار المنكر ما ليس على غيرهم؛ لأنهم ورثة الأنبياء، فإذا تساهلوا بهذه المهمّة دخل النقص على الأمّة. والحكّام واجبهم عظيم في إنكار المنكرات؛ لأن بيدهم الشوكة والسلطان التي يرتدع بها السواد الأعظم من الناس عن المنكر، فإذا قصّروا بهذه المهمّة فشا المنكر، واجترأ أهل الباطل والفسوق بباطلهم على أهل الحقّ والصلاح. · مراتب إنكار المنكر. على ثلاث مراتب: الدرجة الأولى: تغييره باليد. حكمه: واجب مع الاستطاعة والقدرة، فإن لم تغيّر بيدك فإنك تأثم. ويجب على: ولي الأمر في الولاية العامة والخاصة. - كولي الأمر صاحب السلطة لقوّته وهيبته. - والأب على أولاده. - والسيد على عبده. - أو في مكان أنت مسئول عنه وأنت الوليّ عليه. أهميته: هو أقوى درجات الإنكار؛ لأنه إزالة للمنكر بالكليّة وزجر عنه. متى يُعذر المسلم بترك هذا الواجب: 1: إذا كان المنكر في ولاية غيرك، فهنا لا توجد القدرة عليه؛ لأن المقتدر هو من له الولاية، فيكون هنا باب النصيحة لمن هذا تحت ولايته ليغيّره. 2: إذا ترتّب على الإنكار مفاسد أعظم من ترك واجب الإنكار، فيُنكر منكرًا فيقع فيما هو أنكر، وليس ذلك من الحكمة. الدرجة الثانية: الإنكار باللسان عند من لا يملك سلطة. حكمه: واجب على من كان قادرًا على التغيير والإنكار باللسان. ويجب على: أهل العلم. وكل من كان يملك القدرة الكلاميّة، وليس لديه مانع يمنعه من الإنكار. أهميته: حاجة الناس لهذه المرتبة شديدة جدًا؛ لكثرة الأخطاء، ووجود الغفلة، وقسوة القلوب، وكثرة الفتن، وانغماس الناس في الدنيا ونسيان الآخرة. متى يُعذر المسلم بترك هذا الواجب: 1: عند انعدام القدرة الكلامية. 2: أو كان لا يستطيع التغيير لوجود مانع. الدرجة الثالثة: الإنكار بالقلب. حكمه: فرض واجب على الجميع، لا يسقط عن أحدٍ في حالٍ من الأحوال؛ لأنه تغيير داخلي لا يتعدّى صاحبه. أهميته: أضعف درجات الإيمان؛ إذ ليس بعدها شيء من الإيمان، فمن لم يُنكر قلبه المنكر دلّ على ذهاب الإيمان من قلبه. · شروط إنكار المنكر يدلّ الحديث أن المنكر الذي أُمرنا بإنكاره يشترط فيه أمور: الأول: أن يكون المنكر ظاهرًا معلومًا؛ لقوله: (من رأى)، فليس للآمر البحث والتفتيش والتجسّس بحجّة البحث عن المنكر. الثاني: أن يكون المنكر مجمع عليه بين المسلمين أنه منكر؛ مثل الربا، والزنا، والتبرّج وغيرها. الثالث: أن يتيقّن أنه منكر في حقّ الفاعل؛ إذ قد يكون منكرًا في حدّ ذاته، وليس منكرًا بالنسبة للفاعل؛ كالأكل والشرب في رمضان في حقّ المريض الذي يحلّ له الفطر. · حكم الإنكار في المسائل المختلف فيها. فيه أقوال: الأول: قالوا: الأمور التي اختلف فيها العلماء في حرمتها أو وجوبها على نوعين: ما كان الخلاف فيها ضعيفًا، والحجّة لمن قال بالحرمة، فمثل هذا ينكر على فاعله. وأما ما كان الخلاف فيها قويّا، والترجيح صعبًا، فمثل هذا –والله أعلم- لا يُنكر على فاعله. وهذا القول رجحه كثير من أهل العلم كابن عثيمين. الثاني: قالوا: المختلف فيه من المسائل لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدًا فيه، أو مقلّدًا. واستثنى القاضي أبي يعلى ما ضعُف فيه الخلاف، وكان ذريعة إلى محظور متفق عليه، وهو القول الثالث في هذه المسألة. · ما يشترط توافره في المُنكِر. يشترط في المُنكِرِ أمور هي: - الإسلام - التكليف - الاستطاعة - العدالة - وجود المنكر ظاهرًا. - العلم بما يُنكر وبما يأمر. · آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأول: الرفق واللين في الإنكار، والأمر بالمعروف بلا غلظة؛ إلا في حالات يتعيّن فيها الغلظة والقسوة. قال الإمام أحمد: (الناس محتاجون إلى مداراة ورفق، والأمر بالمعروف بلا غلظة، إلا رجل معلن بالفسق، فلا حرمة). الثاني: أن يكون الأمر أو الإنكار بانفراد وبالسرّ، فذلك أرجى لقبول النصيحة. قال الشافعي: (من وعظه سرّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وعابه). الثالث: أن يكون الآمر قدوة للآخرين، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} · أحوال تكتنف إنكار المنكر. الأولى: أن ينتقل إلى ما هو خير ودين، وهذا الذي يجب معه الإنكار. الثانية: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه، وهذا محل اجتهاد. الثالثة: أن ينتقل منه إلى منكر آخر. الرابعة: أن ينتقل منه إلى ما هو أنكر منه، وهذا حرام بالإجماع. فالحالات التي يحرم فيه الإنكار: الحالة الثالثة والرابعة وهما: أن ينتقل إلى منكر آخر، لا تدري أنه مساوٍ له، وإلى منكر أشد منه بيقينك. · مسألة: حكم إنكار ما كان مستورًا عنه فلم يره، ولكن علم به. فيه أقوال: الأول: لا يعرض له، فلا يفتّش على ما استراب به، وهذا القول هو المنصوص عن الإمام أحمد في أكثر الروايات، وهو قول الأئمة مثل سفيان الثوري وغيره. وحجّتهم: أنه داخل في التجسّس المنهي عنه. الثاني: يكشف المغطّى إذا تحقّقه؛ كأن يسمع صوت غناء محرّم، وعلم المكان، فإنه ينكره، وهو رواية أخرى عن الإمام أحمد، نصّ عليها وقال: إذا لم يعلم مكانه فلا شيء عليه. وحجّتهم: أنه قد تحقق من المنكر، وعلم موضعه، فهو كما رآه. الثالث: إذا كان في المنكر الذي غلب على ظنّه الاستسرار به بإخبار ثقة عنه، انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنى والقتل، جاز التجسس والإقدام على الكشف والبحث، وإن كان دون ذلك في الرتبة لم يجز التجسّس عليه، قال بذلك القاضي أبو يعلى. · مسألة: هل وجوب الإنكار متعلّق بظن الانتفاع؟ فيه قولان: الأول: يجب الإنكار مطلقًا، سواء غلب على الظنّ أم لم يغلب على الظنّ، وهذا قول الجمهور وأكثر العلماء ومنهم الإمام أحمد. وحجتهم: 1: أن إيجاب الإنكار لحقّ الله جلّ وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبة الظنّ. 2: يكون لك معذرة، كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم: {لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلّهم يتّقون}. الثاني: أنه يجب مع غلبة الظنّ؛ أي عند عدم القبول والانتفاع به يسقط وجوب الأمر والنهي ويبقى الاستحباب، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وهو رواية عن الإمام أحمد وقال به الأوزاعي. وحجّتهم: 1: قوله تعالى: {فذكّر إن نفعت الذكرى} فأوجب تعالى التذكير بشرط الانتفاع. 2: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: {عليكم أنفسكم}، فقال: ((ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّا مطاعًا، وهوًى متّبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام)) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي. ورُوي هذا التأويل عن عدد من الصحابة كابن مسعود وابن عمر وغيرهما. 3: كما دلّ عليه عمل عدد من الصحابة كابن عمر وابن عباس وغيرهما لمّا دخلوا بيوت بعض الولاة ورأوا عندهم بعض المنكرات فلم ينكروها لغلبة الظنّ أنهم لا ينتفعون بذلك. 4: هذا القول أوجه من جهة نصوص الشريعة؛ لأن أعمال المكلفين مبنية على ما يغلب على ظنّهم، وفي الحديث: ((فإن لم يستطع فبلسانه)) وعدم الاستطاعة يشمل عدة أحوال ويدخل فيها غلبة الظن ألا ينتفع الخصم. · دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوافع كثيرة منها: 1: كسب الثواب والأجر، فمن دلّ الناس على معروف كان له من الأجر مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، قال صلى الله عليه وسلم: ((من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله)). 2: خشية عقاب الله؛ وذلك أن المنكر إذا فشا في أمّة كانت مهدّدة بنزول العقاب عليها، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه)). 3: الغضب لله تعالى أن تنتهك محارمه، وذلك من خصال الإيمان الواجبة. 4: النصح للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم؛ فالذي يقع في المنكر عرّض نفسه لعقاب الله وغضبه، وفي نهيه عن ذلك أعظم الرحمة به. 5: إجلال الله وإعظامه ومحبته، فهو تعالى أهل أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وأن يُعظّم بإقامة أوامره والانتهاء عن حدوده، وقد قال بعض السلف: وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله، وإن ّ لحمي قُرض بالمقاريض. · شبهات وجوابها. - الشبهة الأولى: قد يقول قائل: أنا كاره بقلبي، مع جلوسه مع أهل المنكر. الجواب: لا يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول: أنا كاره بقلبي، لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم إلا إذا أكرهوه، فحينئذ يكون معذورًا. قال تعالى: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} فمن جلس في مكان يستهزأ فيه بآيات الله، وهو جالس لا يُفارق ذلك المكان، فهو في حكم الفاعل من جهة رضاه بذلك؛ لأن الراضي بالذنب كفاعله كما قال العلماء. - الشبهة الثانية: يعلل البعض تركهم واجب إنكار المنكر بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتهم} الجواب: في تفسير هذه الآية قولان: الأول: أن معناها: إنكم إذا فعلتم ما كلّفتم به فلا يضرّكم تقصير غيركم، وهذا هو المذهب الصحيح عند المحققين في تفسير هذه الآية، ذكره النووي، ثم قال: وإذا كان كذلك فمما كلّفنا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومما يدلّ لصحة هذا المعنى قول الصديق رضي الله عنه: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها، وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه)). الثاني: أن تأويل هذه الآية لم يأتِ بعد، وإن تأويلها في آخر الزمان، وهذا القول مرويّ عن طائفة من الصحابة. فعن ابن مسعود قال: إذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه، حينئذ تأويل هذه الآية. وعن ابن عمر: هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم. وهذا قد يُحمل على أنّ من عجز عن الأمر بالمعروف، أو خاف الضرر، سقط عنه. - الشبهة الثالثة: قد يقول قائل: هل للعاصي أن يأمر وينهى؟ الجواب: قال العلماء: لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال، ممتثلًا ما يأمر به، مجتنبًا ما نهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلّا بما يأمر به، فإنه وإن كان متلبّسًا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه. فإذا أخلّ بأحدهما كيف يُباح له الإخلال بالآخر؟ ذكره النووي. · خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 1: فساد المجتمع بشيوع المنكرات والفواحش، وتسلّط الفجار على الأخيار. 2: اعتياد الناس على الباطل، ودثور الحقّ ونسيانه، حتى يصبح الحقّ باطلًا والباطلُ حقّا. 3: الطرد من رحمة الله كما طرد الله اهل الكتاب من رحمته لمّا تركوا هذا الوجب، قل تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}. 4: الهلاك في الدنيا، ففي الحديث: أن مثل القائمين على حدود الله والواقعين فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فأراد الذين في أسفلها أن يخرقوا في نصيبهم خرقًا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا. وفي حديث أبي بكر مرفوعًا: ((ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيّروا فلا يغيّروا، إلا يوشك أن يعمّهم الله بعقاب)) رواه أبو داود. 5: عدم استجابة الدعاء، فعن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشك الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنّه فلا يستجيب لكم)). · فوائد الحديث. 1: أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2: وجوب تغيير المنكر. 3: أنه ليس في الدين من حرج، وأن الوجوب مشروط بالاستطاعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإن لم يستطع فبلسانه)). 4: من لم يستطع التغيير باليد ولا باللسان فليغيّر بالقلب بكراهة المنكر وعزيمته على أنه من قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل. 5: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان. 7: أن للقلب عملًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإن لم يستطع فبقلبه)) عطفًا على قوله: ((فليغيّره بيده)). 8: أن الإيمان عمل ونيّة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان. 9: زيادة الإيمان ونقصانه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وذلك أضعف الإيمان)). · خلاصة الدرس. فيتحصّل مما سبق: أن إنكار المنكر باليد واللسان سواء كان فرضًا عينيًا أو فرض كفاية متعلّق بالقدرة والاستطاعة بالإجماع. أما إنكار القلب فمن الفروض العينيّة التي لا تسقط عن أحدٍ مهما كانت الحال. والرضا بالخطايا من أقبح المحرّمات؛ لأنه يفوت به إنكار الخطيئة بالقلب. ومن لم يُنكر قلبه المنكر دلّ ذلك على ذهاب الإيمان من قلبه. كما دلّ الحديث بظاهره على تعليق وجوب التغيير باليد بالرؤية، وما يقوم مقامه، وبالمنكر نفسه دون فاعله. |
العناصر
1: تخريج الحديث . 2: منزلة الحديث . 3 قصة إيراد الحديث . 4: موضوع الحديث . 5 : معاني مفردات الحديث . المسائل (معنى من ) (المراد بمن" رأى" ) (المراد بقوله : "منكم" ) ( تعريف المنكر ) (إعراب "فليغيره" ) (معنى التغيير) (معنى" فليغيره بيده") (لماذا خص اليد بالذكر ) (مسألة: هل تغيير المنكر باليد مطلق؟ ( معنى قوله:" فإن لم يستطع فبلسانه" ) (معنى قوله :"فإن لم يستطع فبقلبه ") (المراد (قوله :"وذلك أضعف الإيمان"). (عدم إنكار المنكر بالقلب دليل على ذهاب الإيمان من القلب ) ( مراتب تغيير المنكر ) ( أفضل مراتب إنكار المنكر ) ( تبين من الحديث ) 6: أحكام متعلقة بالمنكر . المسائل : (حكم إنكار المنكر ) ( أوجه إنكار المنكر ) (شروط إنكار المنكر ) (متى يحرم إنكار المنكر ومتى يكون مشروع ) ( شروط المُنكر ) ( مراعاة الحكمة عند إنكار المنكر والأمر بالمعروف ) (وسائل لإنكار المنكر ) (دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) (ممن يتأتى إنكار المنكر ) ( تفاوت مسئولية الناس في إنكار المنكر ) (إنكار المنكر في حق الولاة) ( متى يسقط أمر الأمراء بالمعروف ) ( فهم خاطئ ) (عقوبة من لم يُنكر المنكر ) (عقوبة من أنكر المنكر وفعله ) (خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) (الفرق بين النصيحة والإنكار ) 7: فوائد من الحديث. التلخيص (تخريج الحديث) اخرجه مسلم من رواية قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي سعيد الخدري . ومن رواية إسماعيل بن رجاءٍ ، عن أبيه. منزلة الحديث ) هذا الحديث عظيم الشأن لأنه نص على إنكار المنكر. قصة إيراد الحديث ) أول من خطب في العيد قبل الصلاة مروان بن الحكم فأنكر عليه رجل فعله فأبى ، فقال أبو سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وذكر الحديث ، وقيل أن الذي أنكر على مروان بن الحكم هو أبو سعيد الخدري . موضوع الحديث ) وجوب تغيير المنكر معاني مفردات الحديث (معنى من ) " من "اسم شرط ،و"رأى" جواب الشرط ، وجملة فليغيره بيده شواب الشرط (المراد بمن" رأى" ) ظاهر الحديث أنه المراد رؤيا العين ، لكن اللفظ يحتمل معنى أعم وهو من رأى بعينه وسمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك ،من ذلك نعلم أن الرؤية رؤيتان : 1بصرية وهي المتعلقة بالعين ،2 ويشترك فيها جميع المخلوقات :وقلبية : وتسمى بصيرة أو رؤية يقينية ، وهذه للمؤمنين الذين يؤمنون بالغيب ،ويمتثلون أوامر الله ويعملون بها ؛ولذا يعملون للآخرة كأنما يرونها . فتكون الرؤية برية ، أو علمية بالعلم اليقيني بإخبار الثقات ، ولا يجوز التجسس من أجل إنكار المنكر . (المراد بقوله : "منكم" ) ضمير منكم عائد على المكلفين من أمة الإجابة الذين يُطبقون الأوامر، ويتركون النواهي ، ويدعون إلى العمل الذي عملوه فهم قدوة ،ولا يأمرون بالشيء الذي يتركونه، ولا ينهون عن شيء يقعون فيه . ( تعريف المنكر ) المنكر ضد المعروف ،وهو ما نهى الله عنه ورسوله وما عرف قبحه شرعاً وعرفاً ويشمل ترك الأوامر ؛ مثل الصلاة وغير ذلك من الأوامر والوقوع في النواهي؛ مثل شرب الخمر وغير ذلك . وما كان واضح يتفق عليه الجميع أو يكون مخالفة المنكر عليه مبنية على ضعف لا وجه له وسمي بذلك لأنه ينكر على فاعله أن يفعله ولأن العقول والفطرة تنكره . (إعراب "فليغيره" ) الفاء واقعة في جواب الشرط ، و"اللام" لام الأمر، والأمر يقتضي الوجوب لعدم وجود صارف يصرفه عن الوجوب . (معنى التغيير) التغيير: اسمُ يشمل الإزالةَ، ويشمل الإنكارَ باللسان بلا إزالة، يعني أن يُقال: هذا حرام، وهذا لا يجوز، ويشمل أيضاً الاعتقاد أنَّ هذا مُنكر ومُحرّم، ولهذا جاء في هذا الحديث بيان هذه المعاني الثلاث. والتغيير إصلاح وحفظ وأمن وثواب وطاعة . (معنى" فليغيره بيده") يغيره أي : يغير هذا المنكر بيده ويحوله من الصورة التي هو عليها إلى صورة حسنة والقصد تغيير ترك الأمر إلى فعله ،وفعل النهي إلى تركه ، هنا أوجب التغيير باليد، وهذا مقيدٌ بما إذا كان التغيير باليدِ مقدوراً عليه، وأما إذا كان غير مقدور عليه؛ فإنه لا يجب، ومن أمثلة كونه مقدوراً عليه: أن يكون في بيتك الذي لك الولاية عليه؛ يعني في زوجك وأبنائك وأشباه ذلك، أو في أيتام لك الوِلاية عليهم، أو في مكانٍ أنت مسؤول عنه وأنت الوليُّ عليه، فهذا نوع من أنواع الاقتدار، فيجبُ عليك هنا أن تغيره؛ وإذا لم تغيره بيدك فإنك تأثم، أمَّا إذا كان في ولايةِ غيرك فإنه لا تدخل القدرةُ هنا، أو لا توجدُ القدرةُ عليه؛ لأنَّ المقتدر هو من له الوِلاية، فيكون هنا باب النصيحة لمن هذا تحت ولايته ليغيره من هو تحت ولايته. (لماذا خص اليد بالذكر ) اليد تطلق على الجارحة ويراد بها اليمنى واليسرى ، وهي من رؤوس الأصابع إلى الكتف، وخصت بالذكر ؛لأنها قوة الإنسان في الأخذ والعطاء والكف والمدافعة . فهي آلة الفعل لأن الغالب أن الأعمال باليد . (مسألة: هل تغيير المنكر باليد مطلق؟ هل قوله :"فليغيره بيده" على إطلاقه ، بمعنى أنه مع القدرة يغير على كل حال ؟ الجواب : لا ، إذا خاف في ذلك فتنة فلا يغير، لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها ، كما لو كان يرى منكر يحدث من بعض الأمراء ، ويعلم أنه يستطيع على تغييره ،لكن يحدث بذلك فتنة ،إما عليه ،أو على أهله ، أو على قرنائه ممن يشاركونه في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهنا نقول إذا خفت فتنة فلا تغير، لقوله تعالى:( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ). هذا رد الشيخ ابن عثيمين . ( معنى قوله:" فإن لم يستطع فبلسانه" ) أي :إن لم يستطع إنكار المنكر بيده ،فينكره بلسانه ،ويكون ذلك ؛ بالتوبيخ والزجر وما أشبه ذلك ، لكن لا بد من استعمال الحكمة ، ويمكننا أن نقيس الكتابة على القول ، والتغيير باللسان يكون عند من لا يملك سلطة أن يغيره بيده ، وهذا التغيير من تذكير ، وترغيب ،وترهيب ، يكون في مقدور أهل العلم ، ولا يعذر عنه إلا من لا يملك القدرة الكلامية ، أو لا يستطيع التغيير لوجود موانع تمنعه ، وحاجة الناس إلى هذه الدرجة من إنكار المنكر شديدة ؛ لكثرة الأخطاء والفتن والغفلة وانغماس الناس في الدنيا ونسان الآخرة . (معنى قوله :"فإن لم يستطع فبقلبه ") أي : أنه إذا لم يستطع إنكار المنكر بيده ولا بلسانه ، فعليه أن ينكره بقلبه ، ولا يكفي في إنكار المنكر بالقلب أن تجلس إلى أهل المنكر وتنكر المنكر بقلبك بل يجب عليك المغادرة إلا إذا كنت لا تستطيع ، وفي ذلك دليل على أن القلب له قول وعمل ؛ قوله عقيدته ، وعمله حركته بنية أو رجاء أو غير ذلك من العبادات القلبية ، وتغيير المنكر بالقلب واجب على الجميع ، فهو فرض عين، وهو دليل على وجود الإيمان في القلب ، ويكون إنكار المنكر بالقلب، بتألمه لهذا المنكر وكراهيته هو وأهله ، وتمنى زواله ، والدعاء لصاحبه بالسلامة منه ، واعتقاد أنه محرم وأنه منكر. (المراد (قوله :"وذلك أضعف الإيمان"). "وذلك "أي إنكار المنكر بالقلب سمي أضعف الإيمان ؛وذلك لأن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدل على الضعف وعدم وجود الغيرة ، والكراهة لهذا المنكر تدل على الإيمان ومعنى أضعف الإيمان أي: أضعف مراتب الإيمان؛ لأنه هو الذي يَجبُ على كلِّ أحد. وزيد في الحديث في رواية أخرى ((وليس وراءَ ذلك من الإيمان حبةُ خرْدل)) لأن المنكر المجمع عليه إذا لم يعتقد حرمته ولم يبغضه مع اعتقاد حرمته فإنه على خطر عظيم في إيمانه. (عدم إنكار المنكر بالقلب دليل على ذهاب الإيمان من القلب ) خرج مسلم عن ابن مسعود : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي ، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون مالا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ).فمن لم ينكر المنكر بقلبه هذا دليل على عدم وجود الإيمان في قلبه ، والرضا بالمنكر من أقبح الذنوب والخطايا. ( مراتب تغيير المنكر ) ثلاثة: 1:اليد مع الاستطاعة والقدرة على تغيير المنكر. 2: اللسان مع القدرة على الإنكار والاستطاعة .3: القلب وهو من الفروض العينية التي لا تسقط مهما كانت الحال فالقلب الذي لا يعرف المعروف ولا يُنكر المنكر قلب خرب خاوٍ من الإيمان . ( أفضل مراتب إنكار المنكر ) الإنكار باليد واللسان لأنه عظيم الفائدة أما إنكار المنكر بالقلب فهو قليل الثمار . ( تبين من الحديث ) إذا تبين ذلك فها هنا مسائل تتعلّق بهذا الحديث، وهي: أن وجوب الإنكار متعلقٌ بالقدرة بالإجماع، ومتعلقٌ بِظن الانتفاع عند كثير من أهل العلم. قال طائفة من العلماء: إنما يجبُ الإنكار إذا غلب على ظنه أن ينتفع المُنكَر عليه باللسان فيما لا يدخل تحت ولايته، أما إذا غلب على ظنَّه أنَّهُ لا ينتفع فإنَّه لا يجب الإنكار، وذلك لظاهر قول الله جل وعلا: {فذكر إن نفعت الذكرى} فأوجب التذكير بشرط الانتفاع، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهُ، ودل عموم الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علم بالمنكر أو رآه. ( أحكام متعلقة بالمنكر ) (حكم إنكار المنكر ) إنكار المنكر له حالتان : 1: فرض كفاية : قال تعالى:( ولتكن منكم أمةُ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن ، وقال ابن العربي في تفسير هذه الآية والتي بعدها – يعني ( كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس ...) : دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة الدين بإقامة الحجة على المخالفين ، وعلى إمام المسلمين أن يفرغ مجموعة من الناس ، ممن لديهم الكفاءة و الاستعداد لهذه المهمة لأن هناك من المنكر مالا يقوى على تغييره إلا فئة ممن لديهم من العلم والفهم والحكمة في معالجته ، مثل الرد على الفرق الباطنة وفضحها وإبطال معتقداتها ، وبيان ما يستجد من الأمور المحظورة وخاصة في المعاملات فإذا قامت هذه الهيئة بواجبها سقط عن الباقين . الحالة الثانية : فرض عين : لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ..." دل ذلك على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علم بالمنكر أو رآه . قال القاضي ابن العربي : ( وقد يكون فرض عين إذا عرف المرء من نفسه صلاحية النظر والاستقلال بالجدال أو عُرف ذلك منه . وقال ابن كثير : وإن كان ذلك واجب على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رأى منكم منكراً فليغيره ..." ثم ساق الحديث . وقال النووي : قد يتعين –يعني الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر – كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو ، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في معروف . وأما إنكار المنكر بالقلب فهو فرض عين على كل مسلم في كل حال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها ومن غاب عنها فأحبها فكأنه حضرها " فمن شهد الخطيئة فكرهها بقلبه ، كان كمن لم يشهدها إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده . ولا تبرأ ذمة العبد بالإنكار بالقلب حتى يعجز عن الإنكار باليد أو اللسان بسبب ضر يلحقه في بدنه أو ماله، ولا طاقة له على تحمله وإنكار المنكر باليد واللسان واجب مع الاستطاعة لقوله صلى الله عليه وسلم : (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع ...) فتغيير المنكر واجب مع الاستطاعة . ( أوجه إنكار المنكر ) لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر وذلك من وجهين : 1: أن يتيقن أنه منكر . 2: أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل لأن الشيء قد يكون منكر في حد ذاته ، لكنه ليس منكر بالنسبة للفاعل . مثال الأكل والشرب في رمضان الأصل أنه منكر ، لكن قد لا يكون منكر في حق رجل بعينه إذا كان مريض مسافر . (شروط إنكار المنكر ) أن يكون منكر في حق المُنكر عليه أنه لا بد أن يكون منكر لدي الجميع ليس فيه خلاف لأنه لا ينكر على من يرى أنه ليس بمنكر إلا إذا كان الخلاف ضعيف لا قيمة له فإنه ينكر عليه ، وإنما ننكر المنكر المجمع عليه مثل : الزنا ، الربا، الخمر ، التبرج ، ترك الصلاة ، وغيرها. يشترط في الإنكار وجود المُنكر ، فإن لم يوجد فلا يجب إنكاره ؛لأن افتعال الشيء مع عدم وجوده تكلف ،وليس الدين افتراضاً وإنما هو عمل . أن يكون معلوم ظاهر . (متى يحرم إنكار المنكر ومتى يكون مشروع ) الأول: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكرُ منهُ، فهذا حرامٌ بالإجماع يعني يخرج من لَهْوه بالكتب إلى الاتصال بالنساء مباشرة، أو إلى رؤية النساء مباشرة، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا منكر أشد منه، فبقاؤهُ على المنكر الأول أقل خطراً في الشريعة من انتقالهِ إلى المنكر الثاني. الحالة الثانية: أن ينتقل إلى ما هو خيرٌ ودين، فهذا هو الذي يجبُ معه الإنكار. والثالث: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه، فهذا محل اجتهاد. والرابع: أن ينتقل منه إلى منكرٍ آخر. ذكرنا أربعة: منكر أشد منه، ومنكر آخر، ومنكر مساويه، وإلى خير، هذه أربعة أقسام. فتحصَّل منه: أنَّ ثم حالتين يَحرمُ فيها الإنكار وهي: إذا انتقل من منكر إلى منكر آخر غير مساوي، يعني: أنت ما تدري أنه مساو؛ وإلى منكر أشدُّ منه بيقينك، فهذه حرام بالإجماع، والثالث: أن ينتقل إلى منكر مساوي، فهذا فيه محل اجتهاد، والرابع: أنَّ ينتقل إلى خير، وهذا يجب معه الإنكار. وذكر قصَّة عن شيخ الإسلام ابن تيمية؛ أنَّهُ مرَّ وطائفة من أصحابه على قوم من التَّتر يلعبون بالشطرنج ويشربون الخمر في شارع من شوارع دمشق علنا، فقال أحد أصحاب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ألا ننكر على هؤلاء؟ فقال شيخ الإسلام: (دعْهُم فإنّ انشغالهم بذلك أهون من أن يعيثوا في المسلمين أو أن يعتدوا عليهم) وهذا من الفقه العظيم؛ لأنَّ هذا منكر ومحرم، لكنه قاصِر، والإنكار عليهم قد يكون معه أن ينتقلوا إلى منكرٍ متعد على بعض المسلمين، ومعلومٌ أنّ المنكر القاصر أهون من المنكر المتعدي. ( شروط المُنكر ) الإسلام ، التكليف ؛ لرفع القلم عن غير المُكلف، الاستطاعة وهي الواردة في الحديث ، العدالة ، وجود المنكر ظاهراً ، العلم بما يُنكر وبما يأمر ، أن يكون رفيق في مواضع الرفق وشديد في مواضع الشدة .أن يكون قدوة للآخرين ؛ فإذا أنكر منكر يكن أول من يجتنبه وإذا أمر بالمعروف يكون أول من يفعله . ( مراعاة الحكمة عند إنكار المنكر والأمر بالمعروف : قال تعالى: ( ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) من الحكمة مراعاة حال المأمور فأحياناً لابد من اللين والمداراة والرفق ، قال تعالى:( اذهبا غلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ) وأحياناً لابد من الغلظة والشدة كما قال تعالى: ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) وقال تعالى: ( فاصدع بما تؤمر ) مراعاة أن يكون إنكار المنكر والأمر بالمعروف بانفراد وبالسر ؛لأن هذا يؤدي إلى قبول النصيحة . (وسائل لإنكار المنكر ) دعوة : أن يقوم الداعي في المساجد وفي أي مكان يجتمع الناس ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم فيه. أمر . الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس ويقول أفعلوا ، أو ينهاهم ويقول لهم لا تفعلوا . تغيير : المغير هو الذي يأمر نفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره ونهيه . (دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوافع كثيرة منها : 1: كسب الثواب والأجر وذلك أن من دل الناس على المعروف وقاموا به يكون له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ). 2: خشية عقاب الله ، وذلك أن المنكر إذا فشا في أمة تكون بذلك مهددة بنزول عقاب الله عليها، قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ). 3: الغضب لله ، من خصال الإيمان الواجبة . 4: النصح للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم .إذا وقع العبد في المنكر يكون عرض نفسه لغضب الله وعقابه ، لذلك وجب على المسلم أن ينقذ أخاه ن عقاب الله وغضبه ، وذلك بنهيه عن المنكر الذي وفع فيه وهذا من أعظم الرحمة به . 5: إجلال الله وإعظامه ومحبته . الله عز وجل أهل التقوى وأهل أن يطاع ويعظم وذلك بإقامة أوامره بين العباد ، والنهي عن الوقوع في حدوده ؛ لأن الواقع في المنكر مجترئ على ربه ، فيجب على المسلمين أن يفدوا الله بالغالي والنفيس لإقامة أمره بين الناس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أوذي في سبيل الله ولم يؤذى أحد مثل أذاه ، وهكذا ضحى أنبياء الله السابقين . (ممن يتأتى إنكار المنكر ) يتأتى الإنكار كما ينبغي ممن عرف الله حق المعرفة وعلم حقه الجليل وأحبه من الصميم ورأى أن الأمر كله بيده ، ولم يبالِ بما سواه ، فإذا رأى محبوبه يعصى يقوم غيرة وتقرب إليه ،وينكر على المخالف كائن من كان ويجتهد في إبطال المنكر اجتهاد يقدر عليه ، ولا يهون عليه مخالفة محبوبه ، ولا يصبر على رؤيته ، ولا يحب أهل المنكر ، ولا يفوز بهذا المقام إلا قوم يحبهم الله ويحبونه ولا يخافون في الله لومة لائم ، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ( تفاوت مسئولية الناس في إنكار المنكر ) إن الله أوجب علينا جميعاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب القدرة ، لكن الناس يتفاوتون في هذا الواجب ، فالمسلم العامي عليه القيام بهذا الواجب حسب قدرته وطاقته فيأمر أهله وأبناءه ما يعلم من أمور الدين التي يسمعها على المنابر وفي دروس الوعظ . دور العلماء في إنكار المنكر : أما العلماء فعليهم من الواجب ما ليس على غيرهم ،وذلك أنهم ورثة الأنبياء، فإذا تساهلوا بهذه المهمة دخل النقص على الأمة ، كما حدث مع بني إسرائيل . دور الحكام في إنكار المنكر : أما الحكام إذا قصروا بهذه المهمة –الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – فهذه الطامة الكبرى ؛ لأن بيدهم الشوكة والسلطان التي يرتدع بها السواد الأعظم من الناس عن المنكر ؛لأن الذين يتأثرون بالوعظ قلة . (إنكار المنكر في حق الولاة) إن الإنكار الأصل فيه أن يكون عَلناً لقوله: (من رأى منكم منكراً فليغيرهُ بيده فإن لم يستطع فبلسانه) وهذا بشرط رؤية المنكر. وهنا ندخلُ في بحث مسألة بحثناها مِراراً وهي أنَّ الولاة ينكر عليهم إذا فعلوا المنكر بأنفسهم، ورآه من فعل أمَامه ذلك الشيء، وعلى هذا يحمل هَدْي السَّلف في ذلك وكل الأحاديث التي جاءت -وهي كثيرة أكثر من عشرة أو اثني عشر حديثاً- في هذا الباب؛ فيها إنكار طائفة من السَّلف على الأمير أو على الوالي، كلها على هذا الضابط، وهو أنَّهم أنكروا شيئاً رأوه من الأمير أمامَهم، ولم يَكُن هدْي السَّلف أن يُنكروا على الوالي شيئاً أجراهُ في وِلايته، ولهذا لمّا حصَل من عثمان -رضي الله عنه- بعض الاجتهادات، وقيل لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: ألا تنصَح لعثمان! ألا ترى إلى ما فَعل! قال: (أما إني بذلتُه له سِراً؛ لا أكونُ فاتِحَ باب فتنة) ففرَّق السّلف في المنكر الذي يُفعل أمام الناس، كحال الأمير الذي قدَّم خُطبتي العيد على الصلاة وكالذي أتى للناس وقد لبسَ ثوبين وأحوال كثيرة في هذا، فرقوا بين حصول المنكر منه أمام الناس علناً وبين ما يُجريه في ولايته، فجعلوا ما يُجريه في ولايته باباً من أبواب النصِيحة، وما يفعَلهُ عَلناً يأتي هذا الحديث فـ(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..) مع الحكمة في ذلك، لهذا قال رجلٌ لابن عباس -رضي الله عنهما-: ألا آتي الأمير فآمرهُ وأنْهاهُ؟ قال: (لا تفعل، فإن كان ففيما بينك وبينه)، قال: أرأيت إن أمرني بمعصية قال: (أمَّا إن كان ذاك فعليك إذاً) فدلَّ هذا على أنَّ الأمر والنهي المتعلق بالوالي إنَّما يكون فيما بين المرْء وبينه فيما يكون في ولايته؛ وأمّا إذا كان يفعلُ الشيء أمام الناس فإنَّ هذا يجبُ أنَّ ينكره من رآه بحسب القدرة وبحسب القواعد التي تحكم ذلك. ( متى يسقط أمر الأمراء بالمعروف ) قال الفضيل بن عياض وغيره : متى خاف منهم على نفسه السيف, أو السوط ,أو الحبس ، أو القيد ، أو النفي ، أو أخذ المال، أو نحو ذلك من الأذى، سقط أمرهم ونهيهم . وقد نص الأئمة على ذلك ؛ منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم . قال أحمد: " لا يُ تعرض للسلطان ؛فإن سيفه مسلول". وقال ابن شُبرمة :" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالجهاد ، يجب على الواحد أن يُصابر فيه الاثنين ، ويحرم عليه الفرار منهما، ولا يجب عليهم مصابرة أكثر من ذلك ". ( فهم خاطئ ) يخطئ كثير من المسلمين في فهم هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فيرون عجزهم وتقصيرهم في إنكار المنكر بها ، ولقد قوم الصديق –رضي الله عنه- فهم هؤلاء حيث قال: " يا أيها الناس ،إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منهُ". وقال النووي المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية " إنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم " ،مثل قوله ( ولا تزر وازرة وزر أُخرى ). وإذا كان كذلك : فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل ، لكونه أدى ما عليه ، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول . وكذلكَ رُوِيَ عنْ طائفةٍ من الصحابةِ في قولِهِ تَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، قالُوا: لمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، إنَّمَا تَأْوِيلُهَا في آخرِ الزمانِ. وعن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: (إذا اخْتَلَفَت القُلُوبُ والأهواءُ، وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَيَأْمُرُ الإِنسانُ حِينئذٍ نفسَهُ، حينئذٍ تَأْوِيلُ هذهِ الآيَةِ). وعن ابنِ عُمَرَ قالَ: (هذهِ الآيَةُ لأِقْوَامٍ يَجِيئُونَ منْ بَعْدِنَا، إنْ قَالُوا لمْ يُقْبَلْ منهمْ). وقالَ جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ: (عنْ جماعةٍ من الصَّحابةِ قَالُوا: إذا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَإِعْجَابَ كلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، لا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتَ). (عقوبة من لم يُنكر المنكر ) خرج أبو داوود من حديث جرير: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" ما من رجل يكون في قومٍ يُعمل فيهم بالمعاصي ، يقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيرون ، إلا أصابهم الله بعقوبة قبل أن يموتوا ". وخرج أيضاً من حديث عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم, وهم قادرون على أن يُنكروه فلا يُنكرونه , فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة". (عقوبة من أنكر المنكر وفعله ) في الحديث " يؤنى بالرجل يوم القيامة فتندلق أقتاب فيدور كما يدور الحمار بالرحى , فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ،ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : كنت آمركم ولا آتيه ، وأنهاكم وآتيه " الحديث . والله يمقت الذي يقع في ما ينكره على الآخرين قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ). ولكن هذا لا يعنى أن من كان مقصر في امتثاله لأوامر الله أن يدع الأمر بالمعروق والنهي عن المنكر لأن الله أنكر عليهم مخالفة قولهم لفعلهم ولم ينكر عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال النووي : قال العلماء: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به ، مجتنب ما ينهى عنه ، بل عليه الأمر وإن كان مخل يما يأمر به ، والنهي وإن كان متلبس يما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئين : 1: أ، يأمر نفسه وينهاها 2: يأمر غيره وينهاه ،فإذا أخل بأحدهما كيف يحل له الإخلال بالآخر؟!. (خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) إذا قصر المسلمون حكام ومحكومين في هذه المهمة ، شاعت الفاحشة ، وعمت الرذيلة ، وتسلط الفجار على الأخيار ، ويصبح الباطل حق والحق بالطل ،وبهذا تعرض الأمة نفسها إلى : 1: الطرد من رحمة الله كما طرد الله أهل الكتاب من رحمته عندما تركوا هذه المهمة قال تعالى :( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ). 2: الهلاك في الدنيا ، قال صلى الله عليه وسلم : " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في الأسفل إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذي من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ". 3: عدم استجابة الدعاء ، عن حذيفة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنهُ فلا يستجاب لكم ". (الفرق بين النصيحة والإنكار ) هناك فرقاً بين النصيحة والإنكار في الشريعة، وذلك أن الإنكار أضيق من النصيحة، فالنصيحةُ اسم عام يشمل أشياء كثيرة ومنها الإنكار. فالإنكار حالٌ من أحوال النصيحة، ولهذا كان مقيداً بقيود، وله ضوابطهُ، فمِن ضوابطه: أنَّ الإنكار الأصل فيه أن يكون عَلناً لقوله: (من رأى منكم منكراً فليغيرهُ بيده فإن لم يستطع فبلسانه) وهذا بشرط رؤية المنكر. ( من فوائد الحديث ) 1 - مَن قدرَ علَى خصلةٍ مِن خصالِهِ وقامَ بها كانَ خيرًا ممَّنْ تركَهَا عجزًا وإن كانَ معذورًا في ذلك، فالمرأةُ مثلا معذورةٌ في تركِ الصَّلاةِ أثناءَ الحيضِ، ومعَ ذلك عَدَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذلك نقصانًا في دينِهَا. 2 - مَن خافَ علَى نفسِهِ الضَّربَ أو القتلَ، أو خافَ علَى مالِهِ الضَّياعَ، سقطَ عنهُ التَّغييرُ باليدِ واللسان. 3 - في الحديثِ دَلالةٌ علَى جهادِ الحكَّامِ باليدِ، مثلُ ما فعل أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، مثلُ أن يريقَ خمورَهُم، ويكسِّرَ آلاتِ اللهوِ الَّتي لهم، أمَّا الخروجُ عليهِمْ بالسَّيفِ فهذا لا يَجوزُ، لثبوتِ الأحاديثِ النَّاهيَةِ عن ذلِكَ. 4- أَهَمِّيَّةُ الأمرِ بالمعروفِ وَالنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ. 5- وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. 6- التَّأَكُّدُ مِنْ وُجودِ المُنْكَرِ عندَ إِنكارِهِ. 7- بيَاَنُ مَرَاتِبِ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. 8- عَدَمُ صلاحِ المجتمعِ إِلاَّ بِزَوَالِ المُنْكَرِ. 9- يَجِبُ على الإِمامِ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ باليدِ. 10- التَّمْكِينُ في الأرضِ بالسلامةِ مِن المُنْكَرِ. 11- المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ مِن المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. 9- يَجِبُ على العُلَمَاءِ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ باللسانِ. 10- اللسانُ أَحَدُ مُوجِبَاتِ الجَنَّةِ. 11- التَّقْوَى على الاسْتِطَاعَةِ. 12- المُجْتَمَعُ المُسْلِمُ مُجْتَمَعٌ صحيحٌ. 13- وُجُوبُ إِنكارِ المنكرِ بالقلبِ لِمَنْ لمْ يَسْتَطِعْ باللِّسَانِ. 14- سلامةُ القلبِ مَنْعٌ للآثامِ. 15- زيادةُ الإِيمانِ وَنُقْصَانُهُ. |
بسم الله الرحمن الرحيم
التطبيق الأول: تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...) نص الحديث: عن أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رِسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: (مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ)(1) رواه مسلم عناصر الدرس: تخريج الحديث. موضوع الحديث. مناسبة ذكر الحديث. منزلة الحديث. شرح الحديث: - شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده). - صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. - بيان معنى (المنكر). - هل الإنكار متعلق بالرؤية؟ - أنواع الرؤية. - معنى قوله: (فليغيره). - معنى قوله: (بيده). - ممن يكون إنكار المنكر باليد؟ - الفرق بين التغيير والإزالة. - حكم إنكار المنكر. - مسألة تَفاوتُ مسئوليَّةِ النَّاسِ في إنكارِ المنكَرِ. - شروط وجوب إنكار المنكر. - ضابط المنكر الذي يجب إنكاره. - مسألة: حكم الإنكار في مسائل الخلاف. - مسألة حكم التجسس لاكتشاف المنكر. - خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ. - شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبلسانه). - ممن يتأتى التغيير باللسان. - شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبقلبه). - ممن يتأتى إنكار المنكر بالقلب؟ - أهمية الإنكار بالقلب. -مسألة خطر التهاون في إنكار القلب للمعاصي (الراضي بالمنكر كفاعله). - شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وذلك أضعف الإيمان). - دلالة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الذي ينكر بقلبه: (وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ). - دوافعُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ. - تنبيه على الفهم الخاطئ لمعنى الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}. - مسألة: الفرق بين النصيحة والإنكار في الشريعة. - مسألة: الإنكار على ولاة الأمر. - ضوابط إنكار المنكر. - الفوائد. - المصادر. تخريج الحديث: هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم منْ روايَةِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عنْ طارقِ بنِ شهابٍ، عنْ أبي سعيدٍ في كتاب: الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، كما أخرجه في كتاب الحج: باب فرض الحج مرة في العمر. وللحديث روايات أخرى عن مسلم من حديث ابن مسعود، ولسالم المُرادي عن عمرو بن هرم (إسناده منقطع)،. و للإسماعيلي من حديث أبي هارون العبدي (ضعيف جدا)، وللأوزاعي عن عمير بن هانئ (إسناده منقطع). موضوع الحديث: - وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. - ويدخل في هذا الحديث الإنكار على الولاة، والإنكار على عامة الناس. - مراتبُ إنكار النمكر، والقواعد التي تحكم ذلك. مناسبة ذكر الحديث: عن طارقِ بنِ شهابٍ قالَ: أوَّلُ مَن بدأَ بالخطبةِ يومَ العيدِ قبلَ الصَّلاةِ مَروانُ، فقامَ إليهِ رجلٌ فقالَ: الصَّلاةُ قبلَ الخطبةِ، فقالَ: قد تُرِكَ ما هنالِكَ. فقالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا فقد قَضَى ما عليهِ، سمعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ثمَّ ذكرَ الحديثَ. وجاء في روايَةِ البخاريِّ أنَّ من أنكرَ علَى مروانَ، أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ. وللجمعُ بينَ الرِّوايتينِ: نقول باحتمال أن الرَّجلَ أنكرَ بلسانِهِ وحاولَ أبو سعيدٍ أنْ يُنْكِرَ بيدِهِ، ويُحتملُ تَعدُّدُ الواقعةِ. منزلة الحديث: حديثُ عظيمُ؛ لنصهَ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قالَ النَّوويُّ: (بابٌ عظيمٌ به قِوَامُ الأمرِ ومِلاكُهُ، وإذا كثُرَ الخبثُ، عمَّ العقابُ الصَّالحَ والطَّالحَ، وإذا لم يأخذُوا علَى يدِ الظَّالمِ أوشكَ أنْ يعمَّهُم اللهُ بعذابٍ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فيَنْبَغِي لطالبِ الآخرةِ، السَّاعِي في تحصيلِ رضَى اللهِ عزَّ وجلَّ، أن يعتنيَ بهذا البابِ، فإنَّ نفعَهُ عظيم) اهـ الشرح: شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) (مَنْ رَأَى): (مَنْ) أداة شرط، تَدُلُّ على أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ِ وُجُودُ المُنْكَر ليحصل الإنكار.. (رَأَى)؛ أيْ: أَبْصَرَ وشاهد بعينه تأكيدا وتثبتاً، وقيل وإن لم يرَ بعينه هذا المنكر (لأن اللفظ يحتمل العموم). (منكم): ممن يتأتى الإنكار؟ من مَعشر المُكَلَّفِينَ العارفين لحقوق الله المحبين له المطبقين لأوامره الذين يتركون النواهي ويجتننبونها، متذكرين قول الله تعالى : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ..} (البقرة 44) ، فهم لا يخافون في الله لومة لائم صاروا قدوة للناس بأفعالهم كأمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. بل يخوفهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ، أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ آمُرُكُمْ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ وَآتِيهِ)) الحديثَ صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: 1- أن يكون حكيماً بإنكارِ المنكَرِ والأمرِ بالمعروف: يقول تَعالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، فمِن الحكمةِ مراعاةُ حالِ المأمورِ؛ فيؤمر باللين والرفق والمداراة حيناً، كما قالَ تَعالَى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، و بالغلظةِ والقسوةِ، كما قالَ تَعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}. يقول سفيانُ الثَّوريُّ: (لا يأمرُ بالمعروفِ ولا ينهَى عن المنكرِ إلاَّ مَن كانَ فيهِ ثلاثُ خصالٍ: رَفِيقٌ بما يأمرُ رفيقٌ بما ينهَى، عدلٌ بما يأمرُ وعدلٌ بما يَنهَى، عالمٌ بما يأمرُ عالمٌ بما ينهَى). وقالَ أحمدُ كذلك: (النَّاسُ محتاجُونَ إلَى مداراةٍ ورفقٍ، والأمرُ بالمعروفِ بلا غلظةٍ، إلاَّ رجلٌ معلِنٌ بالفسقِ، فلا حرمةَ لهُ). 2- مراعاته لأن يكونَ الأمرُ أو الإنكارُ على انفرادٍ وبالسِّرِّ؛ لأنَّه أدعى لقبول النصيحة: قالَ الإمامُ الشَّافعيُّ: (مَنْ وعظَ أخاهُ سرًّا فقدْ نصحَهُ وزانَهُ، ومَن وعظَهُ علانيَةً فقدْ فضحَهُ وعابَهُ). 3- أن يكونَ قدوةً للآخرينَ؛ لأنَّ اللهَ يمقُتُ الآمرَ الَّذِي يقعُ في ما ينكِرُهُ علَى الآخرينَ، قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}. ولكن لا يُشترط كمال حال الناهي أو الآمر لأنَّ اللهَ أنكرَ عليهِمْ مخالفةَ قولِهِم لفعلِهِمْ ولم ينكرْ عليهِمُ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكَرِ، قالَ النَّوويُّ: قالَ العلماءُ: ولا يُشْتَرَطُ في الآمرِ والنَّاهِي أن يكونَ كاملَ الحالِ ممتثلا ما يأمرُ به، مجتنِبًا ما نهَى عنه، بل عليهِ الأمرُ وإن كان مخلاًّ بما يأمرُ بهِ، والنَّاهي وإن كان متلبِّسًا بما ينهَى عنه فإنَّهُ يجبُ عليهِ شيئانِ: أن يأمرَ نفسَهُ وينهاهَا، ويأمرَ غيرَهُ وينهَاهُ، فإذا أخلَّ بأحدِهِما كيفَ يُبَاحُ له الإخلالُ بالآخرِ؟ بيان معنى (المنكر): وقوله: "مُنْكَراً" المنكر:هو ما نهى الله عنه ورسوله وكان منكراً باتفاق الجميع، أما المسائل الاجتهادية فلا إنكار فيها. والمُنْكَرُ: ما كان ضِدُّ المعروفِ، وعُرِفَ قُبْحُهُ شَرْعاً وَعُرْفاً، وَيَشْمَلُ تَرْكَ الأوامرِ وَفعل النواهي، فترك الأوامر مثل تَرك الصلاةِ، وفعل النواهي كشرب الخمر والزنا وغيرها، فسمي منكرا؛ لأنَّ العقول والفطرة تأباه وتنكره.. وقوله: (من رأى منكم منكراً فليُغيره بيده) شرْطٌ، وجواب الشرط؛ - فعل الشرط قوله: (من رأى) أي أبصر. - أما جواب الشرط، فهو الأمر بالتغيير باليدِ، أمراً على الوجوب مع القدرة. هل الإنكار متعلق بالرؤية؟ يدل ظاهر الحديث على تعلُّق وجوب التغيير باليد بالرُّؤية، وما يقوم مقامها، فلا يُفتَّش على ما خُفِي من عيوب الناس. والثاني بالمنكر نفسهِ، فتُغَيِّر المنكر، مثلاً: شاهدت رجلاً أمامه زجاجة الخمر، أو يستغل بالملاهي المحرمة؛ فإنكار المنكر ليس بتعنيف الفاعل، وإنما هو تغيير هذا المنكر (الخمر، أو من الملاهي المحرمة) بتغييره باليد مع القدرة، وأما الفاعل فله حكم آخر. أنواع الرؤية: الرؤية نوعان: رؤية بصرية: بالعينين، وهي لجميع المخلوقات.. رؤية قلبية (علمية يقينية): وهي للمؤمنينَ الذينَ يُؤْمِنُونَ بالغيب، وَيمتثلون أَوَامِرَ ربهم عملاً؛ فهم يعملون للحياة الآخرة كأنهم يرونها يقيناً. معنى قوله: (فليغيره): (فَلْيُغَيِّرْهُ): الفاءُ وَاقعةٌ في جوابِ الشرطِ، وَ(اللامُ) لامُ الأمرِ، وَالأمرُ للوُجُوب، أي فليحول وليبدل المنكر مِنْ صُورَتِهِ إلى ما هو أحسن، وَهو تغيير إِصلاح وحفظ وأمن وَثواب وَطاعة. وقوله :(بيده): "اليدُ" الجارحة وَيُرَادُ بها اليُمْنَى وَاليُسْرَى، وَهيَ مِنْ رُؤُوسِ الأصابعِ إِلى الكَتِفِ، وَخُصَّتْ؛ لأنَّها قُوَّةُ الإِنسانِ في الأخذِ وَالعطاءِ وَالكفِّ وَالمُدَافَعَةِ. أوجب التغيير باليد، إذا كان مقدوراً عليه، وأما إذا كان غير مقدور عليه؛ فإنه لا يجب، ومثاله: الوالد مع أهل بيته وأبنائه إن رأى منهم منكراً، فيغيره بيده غيرةً لله تعالى وقياماً بحقه. ممن يكون إنكار المنكر باليد؟ يكون مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الأمرِ صَاحِبِ السُّلْطَةِ لِقُوَّتِهِ وَهَيْبَتِهِ، وَالأبِ على أَبنائه، وَالسَّيِّدِ على عَبْدِهِ، وهو أَشد درجات الإنكار قوة؛ لأنَّهُ إِزالةٌ للمُنْكَرِ بالكُلِّية. الفرق بين التغيير والإزالة: والتغييرُ في الشرع ليس هو الإزالة. التغيير: اسمٌ شامل أعم من الإزالة، فهو يشمل الإزالةَ، ويشمل الإنكارَ باللسان بلا إزالة، فيُقال: هذا حرام، وهذا لا يجوز، ويشمل أيضاً الاعتقاد (بالقلب) أنَّ هذا مُنكر ومُحرّم، ولهذا جاء في هذا الحديث بيان هذه المعاني الثلاث، اليد واللسان والقلب. حكم إنكار المنكر: إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ له حالتانِ: 1- فرضُ كفايَةٍ: قالَ تعالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. يقول ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ هذه الآيَةِ: (والمقصودُ مَن هذه الآيَةِ أن تكونَ فرقةٌ مَن الأمَّةِ متصدِّيَةً لهذا الشَّأنِ) اهـ. ويقول ابنُ العربيِّ في تفسيرِهِا: (في هذه الآيَةِ والَّتي بعدَهَا - يعني {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ…} - دليلٌ علَى أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ فرضُ كفايَةٍ، ومن الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ نصرةُ الدِّينِ بإقامةِ الحجَّةِ علَى المخالِفينَ) اهـ. فعلى إمامِ المسلمينَ أن يفرِّغَ مجموعةً مَن النَّاسِ الأكفاء المستعدين ممن لديهم العلم والفهم والحكمة لمحاربة المنكر والرد عليه في أمور الدين قاطبة؛ من عقيدة وفقه ومعاملات... فإذا قامتْ هذه الفئة بواجبِهَا سقطَ عن الباقينَ. 2- فرض عين: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ)، دلَّ عمومُ لفظ الحديثِ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ علَى كلِّ فردٍ مستطيعٍ علمَ بالمنكرِ أو رآهُ. قالَ القاضي ابنُ العربيِّ: (وقد يكونُ فرضَ عينٍ إذا عرفَ المرءُ مَن نفسِهِ صلاحيَّةَ النَّظرِ والاستقلالِ بالجدالِ، أو عُرِفَ ذلك منه)اهـ. وقالَ ابنُ كثيرٍ: وإن كانَ ذلك واجبًا علَى كلِّ فردٍ مِن الأمَّةِ بِحَسْبِهِ كما ثبَتَ في (صحيحِ مسلمٍ): عن أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ…)، ثمَّ ساقَ الحديثَ. وقالَ النَّوويُّ: ثمَّ إنَّهُ قد يَتعيَّنُ - يعني: الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ - كما إذا كانَ في موضِعٍ لا يَعلمُ به إلاَّ هو، أو لا يتمكَّنُ مِن إزالتِهِ إلاَّ هو، وكمن يرَى زوجتَهُ أو ولدَهُ أو غلامَهُ علَى منكرٍ أو تقصيرٍ في معروفٍ.. مسألة تَفاوتُ مسئوليَّةِ النَّاسِ في إنكارِ المنكَرِ: - عامّة الناس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤوليةٌ واجبة للناس جميعاً، كلٌ بحسب قدرته، إلا أن الناس يتفاوتون في هذا الواجب؛ فعامةُ الناس يقومون به حسب قدرتهم واستطاعتهم بما علموا من أمور الدين، كالوالد في أهل بيته. - العلماء: أما العلماءُ فعليهم مَن الواجبِ ما ليسَ علَى غيرِهِم، فهم ورثةُ الأنبياءِ، ورسالتهم أعظم فإذا تساهلُوا تآكلت الأمَّة، كما حدثَ لبني إسرائيلَ.. - الحكام: أما الحكام فواجبهم أعظم، لأنَّهم أصحاب الشَّوكةَ والسُّلطانَ الَّتي بها يرتدِعُ السَّوادُ الأعظمُ مَن النَّاسِ عن المنكرِ. فإن قصروا بواجبهم تفشى المنكر تفشي النار في الهشيم، وتغلب أهل الباطل على أهل الحق، وهلكت الأمة. شروط وجوب إنكار المنكر: يشترط في إنكار المنكر أمور هي: 1- الإِسلامُ. 2- التكليفُ . 3- الاستطاعةُ، "وَهيَ الواردةُ في الحديثِ". 4- العَدَالَةُ. 5- وُجُودُ المُنْكَرِ ظَاهِرا. 6- العِلم بما ينكر وبما يؤمر. ضابط المنكر الذي يجب إنكاره: لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر من وجهين: الأول: اليقين بأنه منكر. الثاني: أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل، لأن الشيء قد يكون منكراً في نفسه، ولا يكون منكراً في حق الفاعل. مسألة: حكم الإنكار في مسائل الخلاف: المنكر الذي ينبغي تغييره هو ما أجمع على إنكاره المسلمون جميعا مثل: الربا، والزنا، وشرب الخمر، والتبرج، وترك الصلاة... أمَّا ما اختلفَ فيه العلماءُ: - إنْ كانَ الخلافُ ضعيفًا والحجَّةُ لمَنْ قالَ بالحرمةِ، فإنَّه يُنكَرُ علَى فاعلِهِ. - وإنْ كانَ الخلافُ قويًّا والتَّرجيحُ صعبًا فهذا لا يُنكَرُ علَى فاعلِهِ. مسألة حكم التجسس لاكتشاف المنكر: يدلُّ الحديثُ أنَّ المنكَرَ الَّذي أُمِرْنَا بإنكارِهِ هو ما كانَ بيناً ظاهرًا، وليسَ للآمرِ البحثُ والتَّفتيشُ والتَّجسُّسُ. ويتبين ذلك من دلالة الحديث: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا. فقد أنكرأئمة السلف ومنهم سفيان الثوري فعل البعض من تسوُّر الجدران والتجسس، فهو منهي عنه. وقدْ قِيلَ لابنِ مَسْعُودٍ: إنَّ فُلانًا تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فقالَ: نَهَانَا اللَّهُ عَن التَّجَسُّسِ. خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: التقصير في قيام الأمة بواجبها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعرض الأمة إلى مخاطر عدة: 1- الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ، كما طردَ اللهُ أهلَ الكتابِ مِن رحمتِهِ عندَما تَرَكُوا هذه المهمَّةَ، قالَ تَعالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. 2- الهلاكِ في الدُّنيا، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا). 3- عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ، عن حذيفةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (وَالـَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لكُمْ). شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبلسانه): "فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ" أي إن لم يستطع ولم يكن له سلطة أن ينكر بيده "فَبِلِسَانِهِ" أي فلينكره بلسانه ويكون ذلك: قولاً بالتوبيخ، والزجر، والترغيب والترهيب، والتذكير، مع استعمال الحكمة، وهذهِ الدرجةُ الثانية مِن درجات تغيير المنكرِ. ممن يتأتى التغيير باللسان: من أهلِ العلمِ أَئِمَّةُ العقولِ وَالأفكارِ، وَلا يُعْذَرُ عنهُ إِلاَّ مَنْ ليس له القُدْرَة على الكلام، أَوْ لا يَسْتَطِيعُ التَّغْيِيرَ لوجود ما يمنعه. حاجة الناس لهذه المرتبة (التغيير باللسان) شديدة، لكثرة الأخطاء وتفشي الغفلة وقسوة القلب والفتن، والانغماس في الدنيا وملذاتها. شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبقلبه): قوله: "فَإنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقَلْبِهِ" أي فلينكر بقلبه، أي يكرهه ويبغضه ويعتقد حرمته ويتمنى أن لم يكن، لمخالفته لرب العالمين. وهذهِ الدرجةُ الثالثة لتغيير المنكر. ممن يتأتى إنكار المنكر بالقلب؟ واجب على الجميع وفرض لا يسقط عن أحد، فهو تغيير داخلي لصاحبه، وتألُّم قلبه وكراهيته للمنكر ولأهله، والدعاء بالسلامة لصاحب المنكر، فهي أضعف درجة لا يكون من الإيمان شيءٌ بعدها، ويكون صاحبها أضعف أهل الإيمان إيماناً، فإن لم يعتقد حرمته فهو خطر على إيمانه، ودليل ذهاب الإيمان من قلبه. وقدْ رُوِيَ عنْ أبِي جُحَيْفَةَ قالَ: قالَ عَلِيٌّ: (إنَّ أَوَّلَّ مَا تُغْلَبُونَ عليهِ مِن الجِهادِ: الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ، ثُمَّ الجِهَادُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ثمَّ الجهادُ بِقُلُوبِكُم. فمَنْ لمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ المعروفَ، ويُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ، نُكِسَ فجُعِلَ أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ). أهمية الإنكار بالقلب: إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ فرضًا كان أو عينيًّا أو فرضَ كفايَةٍ يكونُ علَى حسبِ القدرةِ والاستطاعةِ، أمَّا إنكارُ المنكرِ بالقلبِ فمنَ الفروضِ العينيَّةِ الَّتي لا تسقطُ مهما كانتِ الحالُ، فالقلبُ الَّذي لا يعرفُ المعروفَ ولا يُنكِرُ المنكَرَ قلبٌ خرِبٌ خاوٍ مِن الإِيمانِ.. سمعَ ابنُ مسعودٍ رجلا يقولُ: هلَكَ مَن لم يأمُرْ بالمعروفِ ولم ينهَ عن المنكرِ؛ فقالَ ابنُ مسعودٍ: ((هلكَ مَن لم يعرفْ بقلبِهِ المعروفَ والمنكرَ))، يقصدُ رَضِي اللهُ عَنْهُ: معرفةُ المنكرِ والمعروفِ بالقلبِ واجبٌ لا يسقطُ عن أحدٍ، أمَّا باللسانِ واليدِ فبحسب الاِستطاعةِ. مسألة خطر التهاون في إنكار القلب للمعاصي (الراضي بالمنكر كفاعله): ينبغي لمن رأى منكراً أن يتبرأ لله منه، والبراءة تكون بعدم الرضى به، فقد جاء في (سنن أبي داود) أنه عليه الصلاةُ والسلام قال: (إذا عُملت الخطيئة كان من غاب عنها وَرَضيها كمن عَمِلَها، وكان من شهدها فلم يفعلها كمن فعلها) وهذا يعني أنَّ الرَاضي بالشيء كفاعله؛ لأن المنكر لا يجوز أن يُقره المرءُ ولو من جهة الرضى، وهذا ظاهر في قوله جل وعلا: {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم}، وفي الآية الأخرى: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظلمين} فمن جلسَ في مكانٍ يستهزأ فيه بآيات الله وهو جالس لا يُفارق ذلك المكان فهو في حكم الفاعل من جهة رضاه بذلك؛ لأنَّ الرّاضي بالذنب كفاعله كما قال العلماء. شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وذلك أضعف الإيمان): قوله :(وذلكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ): أي أقلُّ درجات الإيمان؛ لأنه هو الذي يَجبُ على كلِّ أحد وليس وراءَ ذلك من الإيمان حبةُ خرْدل، فالمنكر المجمع عليه إذا لم يعتقد حرمته ولم يبغضه مع اعتقاد حرمته فإنه على خطر عظيم في إيمانه. وسميت هذه الدرجةُ الثالثةُ "ضعفاً"؛ لأن كتم الإنكار يدل على الضعف وفقدان الغيرة تجاه الدين، وَالكراهيَةُ لهذا المنكر دليل على الإِيمان فسميت "أضعف الإيمان". وقد مرت الدعوة في بدايتها بهذه المراحل الثلاث؛ فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم بقلبه والدعوة سرية، ثم بلسانه في زمن الدعوة الجهرية بمكة، ثم بيده في الدعوة الجهرية بالمدينة. دلالة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الذي ينكر بقلبه: (وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ): يدل ذلك على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من خِصال الإيمان، فمن قدر على خصلة منها وفعلها كان أفضل ممن تركها عجزاً، ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في حق النساء: (أَمَّا نُقْصَانُ دِينِهَا، فَإِنَّها تَمْكُثُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ لا تُصَلِّي)، يُشِيرُ إلى أيام الحيض التي تمكثها المرأة دون صلاة، فجعل ذلكَ نقصاناً في دينها. دوافعُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: للأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ دوافعُ كثيرةٌ منها: 1- كسبُ الثَّوابِ والأجرُ، فقد قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ). 2- خشيَةُ نزول عقابِ اللهِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ). 3- الغضبُ للهِ، فهو من خصالِ الإيمانِ الواجبة. 4- النُّصحُ للمؤمنينَ والرَّحمةُ بهم رجاءَ إنقاذِهِم. فهذا مِن أعظمِ الرَّحمة إذ يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ). 5- إجلالُ اللهِ وإعظامُهُ ومحبَّتُهُ، فعلَى المسلمينَ أن يفدُوا اللهَ بالغالي والنَّفيسِ لإقامةِ أمرِهِ في النَّاسِ، تأسياً بنبييهم الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد أوذِيَ في سبيلِ اللهِ، وهكذا ضحى أنبياءُ اللهِ السابقينَ. تنبيه على الفهم الخاطئ لمعنى الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}: يُخطِئُ كثيرٌ مَن المسلمينَ في فهم هذه الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: 105)، فيُبرِّرونَ عجزَهُم وتقصيرَهُم في إنكارِ المنكرِ بها، ولقدَ قوَّمَ الصِّدِّيقُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ - فهْمَ هؤلاءِ حيثُ قالَ: (يا أيـُّها النـَّاسُ، إنَّكُم تقرءونَ هذه الآيَةَ وتضعونَهَا علَى غيرِ مواضعِهَا، {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَمْ}، وإنَّا سمعْنَا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ). وقالَ النَّوويُّ: الْمَذهبُ الصَّحيحُ عندَ المحقِّقينَ في معنَى الآيَةِ: (إنـَّكم إذا فعلتـُمْ ما كُلِّفْتُم به فلا يضرُّكُمْ تقصيرُ غيرِكُمْ)، مثلُ قولِهِ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. فما كلفنا الله به هو الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ، فإذا فعلناه ولم يمتثلِ المخاطَبُ فلا عتبَ بعدَ ذلك علَينا، لكوننا أدَّينا ما علينا، فإنَّمَا علينا الأمرُ والنَّهيُ لا القبولُ، واللهُ أعلمُ. مسألة: الفرق بين النصيحة والإنكار في الشريعة: - النصيحة: اسم عام شامل لكثير من الأشياء. - الإنكار: حال من أحوال النصيحة، فهو أضيق ومقيد بقيود وضوابط، فمِن ضوابطه أنّه يكون عَلناً لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيرهُ بيده فإن لم يستطع فبلسانه) وهذا بشرط رؤية المنكر. مسألة: الإنكار على ولاة الأمر: لم يَكُن هدْي السَّلف أن يُنكروا على الوالي شيئاً أجراهُ في وِلايته، ولهذا لمّا حصَل من عثمان -رضي الله عنه- بعض الاجتهادات، وقيل لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: ألا تنصَح لعثمان! ألا ترى إلى ما فَعل! قال: (أما إني بذلتُه له سِراً؛ لا أكونُ فاتِحَ باب فتنة). فقد فرق السلف في المنكر الذي يتأتى من الولاة إلى قسمين: الأول: ما كان أمام الناس علناً: وهو كحال الأمير الذي قدَّم خُطبتي العيد على الصلاة وكالذي أتى للناس وقد لبسَ ثوبين، فهو يأتي تحت هذا الحديث فـ(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..) مع الحكمة في ذلك، فإنَّ هذا يجبُ أنَّ ينكره من رآه بحسب القدرة وبحسب القواعد التي تحكم ذلك. الثاني: ما يُجريه في ولايته: فجعلوا ما يُجريه في ولايته باباً من أبواب النصِيحة، لهذا قال رجلٌ لابن عباس -رضي الله عنهما-: ألا آتي الأمير فآمرهُ وأنْهاهُ؟ قال: (لا تفعل، فإن كان ففيما بينك وبينه)، قال: أرأيت إن أمرني بمعصية قال: (أمَّا إن كان ذاك فعليك إذاً) فدلَّ هذا على أنَّ الأمر والنهي المتعلق بالوالي إنَّما يكون فيما بين المرْء وبينه فيما يكون في ولايته. ضوابط إنكار المنكر: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: وهي أنه لا يجوز إنكار منكر حتى تتيقن أنَّهُ لن ينتقل المنكَرُ عليه إلى منكرٍ أشد منه.. قال شيخ الإسلام: (ومن أنكر ظانًّا أنَّهُ ينتقل إلى منكر أشد منه فإنه يأثم حتى يتيقن أن إنكارهُ سينقل المنكرُ عليه إلى ما هو أفضل). وقد قال بعضُ أهل العلم: (إنّ هذا مُجْمعٌ عليه). ومثَّل لهذا ابن القيم بمسائل كثيرة في كتابه (إعلام الموقعين) فقال مثلاً: (لو أتيت إلى أُناسٍ يلعبون لَعِباً محرماً، أو يشتغلون بكُتب مُجون فإن أنكرت عليهم ذلك فإنه يكتنفهُ أربعة أحوال: الأول: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكرُ منهُ، فهذا حرامٌ بالإجماع يعني يخرج من لَهْوه بالكتب إلى الاتصال بالنساء مباشرة، أو إلى رؤية النساء مباشرة، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا منكر أشد منه، فبقاؤهُ على المنكر الأول أقل خطراً في الشريعة من انتقالهِ إلى المنكر الثاني. الثاني: أن ينتقل إلى ما هو خيرٌ ودين، فهذا هو الذي يجبُ معه الإنكار. الثالث: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه، فهذا محل اجتهاد.. الرابع: أن ينتقل منه إلى منكرٍ آخر، وهو حرام الإنكار. فوائد الحديث: 1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأهمية بما كان في حياة المسلم، فهو من خصال الإيمان. 2- القادر على أداء خصال الإيمان التي أمر بها الشارع خير من العاجز. 3- المرأة معذورة من ترك الصلاة أثناء الحيض، ومع ذلك كان هذا نقصاناً في دينها. 4- تغيير المنكر وإنكاره أمر واجب على عامة الأمة. 5- لابد من التأكد على وجود المنكر قبل إنكاره. 6- الحديث يبين مراتب الإنكار الثلاث؛ الإنكار باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب. 7- التغيير باليد واجب في حق الإمام. 8- مَن خافَ علَى نفسِهِ الضَّربَ أو القتلَ، أو خافَ علَى مالِهِ الضَّياعَ، سقطَ عنهُ التَّغييرُ باليدِ واللسانِ، وينكر بقلبه. 9- صلاح المجتمع مسؤولية متفاوتة بين عامة الناس والعلماء والحكام، ولا يصلح المجتمع إلا بزوال المنكر. 10- الصَّلاةَ قبلَ الخطبةِ يومَ العيدِ، وهذا ما كان عليهِ سلفُ الأمَّةِ. 11- المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ مِن المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. 12- دَلالةٌ الحديث علَى جهادِ الحكَّامِ باليدِ، مثلُ ما فعل أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، مثلُ أن يريقَ خمورَهُم، ويكسِّرَ آلاتِ اللهوِ الَّتي لهم، أمَّا الخروجُ عليهِمْ بالسَّيفِ فهذا لا يَجوزُ، لثبوتِ الأحاديثِ النَّاهيَةِ عن ذلِكَ. 13- تغيير المنكر باللسان واجب على العلماء. 14- وجوب الإنكار بالقلب لمن لم يستطع بلسانه، وهو أضعف الإيمان وأدنى مراتب الإنكار. 15- السلامة من المنكر شرط التمكين والنصرة في الأرض. 16- الإيمان يزيد وينقص. مصادر التلخيص: 1- شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين 2- شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي 3- المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري 4- شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح 5- جامع العلوم والحكم للحافظ: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي تم بحمد الله... |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: الحديث الثالث والأربعون عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم. درجة الحديث: صحيح. منزلة الحديث: هذا الحديث عظيم الشأن، لأنه نص على وجوب إنكار المنكر، وهذا كما قال النووي: " باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث، عمَّ العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك الله أن يعمهم بعذاب، قال تعالى:" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو أن يصيبهم عذاب أليم "، فينبغي لطالب الآخرة، الساعي في تحصيل رضى الله عز وجل، أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم" ا.ه المفردات: منكرا: المنكر: هو كل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم. فبلسانه: أي فلينكره بلسانه ويكون ذلك بالتوبيخ والزجر، وما أشبه ذلك، مع استعمال الحكمة. فإن لم يستطع فبقلبه: أي يكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن. وذلك أضعف الإيمان: ليس المراد أن العاجز إذا أنكر بقلبه يكون إيمانه أضعف من إيمان غيره، وإنما المراد أن ذلك أدنى الإيمان. المسائل: 1/ قوله " من رأى " هل يشمل العلم بالسماع ورؤية العين، أو المراد به رؤية العين فقط؟ الجواب: الأول، فيحمل عليه، وإن كان ظاهر الحديث أنه رؤية العين، لكن ما دام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه. 2/ قوله " فليغيره بيده " هل هو على إطلاقه بمعنى أنه مع القدرة يغير على كل حال؟ وهل هذا يكون لكل أحد؟ الجواب: لا، إذا خاف في ذلك فتنة فلا يغير، لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها، ولقوله تعالى: " ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم". وظاهر الحديث أنه لكل إنسان رأى المنكر، ولكن إذا رجعنا للقواعد العامة، رأينا أنه ليس عاما لكل أحد في مثل عصرنا هذا، لأننا لو قلنا بذلك لكان كل إنسان يرى شيئا يعتقده منكرا يذهب ويغيره، وقد لايكون منكرا، فتحصل الفوضى بين الناس. 3/ قوله " فبلسانه " هل تقاس الكتابة على القول؟ الجواب: نعم، فيغير المنكر باللسان، ويغير بالكتابة، بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتابا يبين المنكر. 4/ أنه لايجوز إنكار المنكر حتى يتيقنه، وذلك من وجهين: الأول: أن يتقين أنه منكر لدى الجميع، وليس من مسائل الاجتهاد. الثاني: أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل، لأن الشيء قد يكون منكرا في حد ذاته، لكنه ليس منكرا بالنسبة للفاعل، كمن أفطر في نهار رمضان، لكونه مسافرا. 5/ هل الوجوب مشروط بالاستطاعة أو لا؟ الجواب: أنه ليس في الدين من حرج، وأن الوجوب مشروط بالاستطاعة، لقوله: " فإن لم يستطع فبلسانه "، وهذه قاعدة عامة في الشريعة، قال تعالى: " فاتقوا الله ما استطعتم "، وقال تعالى: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "، وقال عليه الصلاة والسلام: " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ". 6/ هل يكفي في الإنكار بالقلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول أنا كاره بقلبي؟ الجواب: لا، لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم، إلا إذا أكرهوه فحينئذ يكون معذورا. 7/ أن الإيمان عمل ونية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان، والتغيير باليد عمل، وباللسان عمل، وبالقلب نية، وهو كذلك، فالإيمان يشمل جميع الأعمال، وليس خاصا بالعقيدة فقط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أو قال: وستون شعبة، أعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" فقول لا إله إلا الله قول لسان، وإماطة الأذى عن الطريق فعل الجوارح، والحياء وهذا عمل قلب، من الإيمان. الفوائد: 1/ وجوب تغيير المنكر. 2/ أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3/ المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. 4/ التقوى على الاستطاعة. 5/ زيادة الإيمان ونقصانه. 6/ أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 7/ عدم صلاح المجتمع إلا بزوال المنكر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
عنْ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الراوي: هو الصحابي سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه شارك في غزوة الخندق ، من كبار علماء الصحابة ورواة الأحاديث. درجة صحته: صحيح مسلم موضوع الحديث: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قصته: أن أول من خطب في العيد قبل الصلاة مروان بن الحكم، فأنكر عليه رجل فعله فأبى، فقال أبو سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول.. وذكر الحديث. *المفرداتُ: مَنْ رَأَى: من شرطية تدل على شرط انكار المنكر هو وجود المنكر رَأَى: أبصر بعينيه وشاهد المنكر، وهو زيادة على تأكيد التثبت لرؤية المنكر. مِنْكُمْ: من أمة الإجابة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويحفظون انفسهم ويطبقون مايقولون قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} مُنْكَراً: هو ضد المعروف، فهو ماعرف قبحه شرعا وعرفا. ويشمل ترك الأوامر( كترك الجماعة في المسجد للرجال) والوقوع في النواهي( شرب الخمر والزنا وغيرها). وسمي منكرا لأنَّ العقل والفطرة تُنْكِرُهُ وَتَأْبَاهُ. فَلْيُغَيِّرْه: الفاء جواب الشرط واللام لام الأمر، فالأمر يقتضي تغيير المنكر حال رؤيته، أي: يبدل المنكر إلى الصورة الحسنة وإصلاحه. بيَدِهِ: اليدُ تطلق على الجارحة وهي من رؤوس الأصابعِ إِلى الكتف، وَخُصَّتْ لأنها قوّةُ الإِنسان في الأخذِ وَالعطاءِ وَالكفِّ وَالمدافعة. فإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ: الدرجة الثانية من درجات تغيِير المنكر، وَهوَ التغييرُ باللسانِ عندَ مَنْ لا يملك سُلْطَة، وهو تغيير بالقول من تذكير وترغيب وترهيب. فإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ: الدرجة الثالثة لتغيِير المنكر، وهي وَاجبةٌ على الجميعِ؛ وهي تَأَلُّمُ القلب لهذا المنكر وكراهيتهُ لهُ ولأهلهِ وَتمَني زوالهِ وَالدعاء لصاحِبهِ بالسلامةِ منهُ، وَهذهِ أَضْعف درجةٍ؛ إِذ ليس بعدها شيءٌ من الإِيمانِ. وذلكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ: سمِّيت الدرجة الثالثة ضَعْفاً؛ لأن كَتْمَ الإِنكار وعدم إظهاره يدلُّ على الضعفِ وعدم وجود الغيْرة، وَالكراهية لهذا المنكر يدلُّ على الإِيمانِ. *ويُشْتَرَطُ في المُنْكِرِ أُمُورٌ، وَهيَ: 1- الإِسلامُ. 2- التكليفُ؛ لِرَفْعِ القَلَمِ عَنْ غيرِ المُكَلَّفِ. 3- الاستطاعةُ، وَهيَ الواردةُ في الحديثِ. 4- العَدَالَةُ. 5- ئوُجُودُ المُنْكَرِ ظَاهِرا. 6- العِلْمُ بِمَا يُنْكِرُ وَبِمَا يَأْمُرُ. *فنتيجة تغيير المنكر: إصلاح وحفظ وأمن وثواب وطاعة لله ورسوله. *إنكار المنكر باليد: يكون من قبل ولي الأمر صاحب السلطة لقوته وهيبته ويكون من الأب على أولاده والسيد على عبده وهو من أقوى درجات الإنكار بالكلية، ولا يكون ممن لا يملك السلطة لترتب مفاسد عظيمة على ذلك ووقوع فيما هو أنكر من فعلته. وَقدْ عُلِّقَ الإِنكارُ باليدِ على الاستطاعةِ، وَهذهِ الدرجةُ الأُولَى لِوَلِيِّ الأمرِ في الولايَةِ العامَّةِ وَالخاصَّةِ. *إنكار المنكر بالسان: هذا التغيير بالقول من تذكير وترهيب وترغيب يكون في مقدور أهل العلم الذين هم أئمة العقول والأفكار، ولا يعذر عنه إلا من لا يملك القدرة الكلامية، أو لا يستطيع التغيير لوجود موانع تمنعه حجة الناس لهذا المرتبة شديدة، لقسوة القلب والنسيان والانغماس في الدنيا، ولكثرة الأخطاء من البشر بسبب الغفلة وكثرة الفتن. *تطبيق الحديث في مراجل الدعوة: وَنَجِدُ مَرَاحِلَ الدعوةِ قدْ مَرَّتْ بهذهِ المراحلِ، فقدْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ وَالدعوةُ سِرِّيَّةٌ، ثمَّ بِلِسَانِهِ وَالدعوةُ جَهْرِيَّةٌ بِمَكَّةَ، ثمَّ بِيَدِهِ وَالدعوةُ جَهْرِيَّةٌ في المدينةِ. * فوائد من الحديث: 1/ أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2/ وجوب تغيير المنكر، والتأكد من وجود المنكر المراد تغييره. 3/ بيان مراتب تغيير المنكر، ومعرفة كل فرد في المجتمع بدوره ومرتبته وأن لا يتعدى الفرد الحد في الإنكار وذلك لتجنب المفاسد المترتبة عن ذلك. 4/ الإمام أو الوالي يجب عليه تغيير المنكر باليد. 5/ يجب على العلماء تغيير المنكر اللسان. 6/ وجوب إنكار المنكر بالقلب لمن لم يستطع باللسان. 7/ بيان أن الإيمان يزيد وينقص. |
بسم الله الرحمن الرحيم الحديث الرابع والثلاثون عناصر التلخيص: موضوعالحديث قصة الحديث منزلةالحديث شرح أهم مفردات الحديث وذكر المسائل المتعلقة بكل مفردة ما لا يشمله الحديث التلخيص: موضوعُ الحديثِ:وُجُوبُ تَغْيِيرِالمُنْكَرِ. قصة الحديث: عن طارقِ بنِ شهابٍ قالَ: أوَّلُ مَن بدأَ بالخطبةِ يومَ العيدِ قبلَالصَّلاةِ مَروانُ، فقامَ إليهِ رجلٌ فقالَ: الصَّلاةُ قبلَ الخطبةِ، فقالَ: قدتُرِكَ ما هنالِكَ. فقالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا فقد قَضَى ما عليهِ، سمعْتُرسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ثمَّ ذكرَ الحديثَ. وفي روايَةِ البخاريِّ أنَّ الَّذِي أنكرَ علَى مروانَ، أبو سعيدٍرَضِي اللهُ عَنْهُ. فقالَ أبو سعيدٍ: فلم يزلِ النَّاسُ علَى ذلك حتَّى خرجْتُ مع مَرْوانَوهو أميرُ المدينةِ في أضحًى أو فطرٍ، فلمَّا أتيْنَا المصلَّى إذا منبرٌ بناهُكُثَيِّرُ بنُ الصَّلْتِ، فإذا مَرْوانُ يريدُ أن يرتقيَهُ قبلَ أن يصلِّيَفجبذْتُهُ بثوبِهِ فجبذَنِي، فارتفعَ فخطبَ قبلَ الصَّلاةِ، فقلْتُ له: غيَّرْتُمواللهِ، فقالَ: أبا سعيدٍ، قد ذهبَ ما تَعْلَمُ. فقلْتُ: ما أَعْلَمُواللهِ خيرٌ ممَّا لا أَعْلَمُ. فقالَ: إنَّ النَّاسَ لميكونُوا يجلسُونَ لنا بعدَ الصَّلاةِ فجعلْتُهَا قبلَالصَّلاةِ. والجمعُ بينَ الرِّوايتينِ: يُحتملُ أن الرَّجلَ أنكرَبلسانِهِ وحاولَ أبو سعيدٍ أنْ يُنْكِرَ بيدِهِ، ويُحتملُ تَعدُّدُالواقعةِ. مَنْزِلَةُ الحديثِ: هذا الحديثُ عظيمُالشَّأنِ؛ لأنَّهُ نصَّ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ، وهذا كما قالَ النَّوويُّ: (بابٌ عظيمٌ به قِوَامُ الأمرِ ومِلاكُهُ، وإذا كثُرَ الخبثُ، عمَّ العقابُالصَّالحَ والطَّالحَ، وإذا لم يأخذُوا علَى يدِ الظَّالمِ أوشكَ أنْ يعمَّهُماللهُ بعذابٍ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْأَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}،فيَنْبَغِي لطالبِ الآخرةِ، السَّاعِي في تحصيلِ رضَى اللهِ عزَّ وجلَّ، أن يعتنيَبهذا البابِ، فإنَّ نفعَهُ عظيم) اهـ. شرح أهم مفردات الحديث وما يتعلق بكل مفردة من مسائل (من رأى منكم ) 1-المرادمن قوله (مَنْ رَأَى( : الاحتمال الأول :العلم وإن لم يرَ بعينه (الرؤية العِلْميَّة)فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وماأشبه ذلك. الاحتمال الثاني: الرؤيا هنا رؤية العين(الرؤية البَصَرِيَّة( قال العلماء: ظاهرُ الحديث على أنهُ لا يجب حتى يرى بالعين، ويُنزَّلالسمع المحقق منزلة الرأي بالعين، فإذا علم بمنكر فلا إنكار ، وإنما النصيحة. ويرجح الشيخ ابن عثيمين الاحتمال الأولفيحمله عليه،لأنه المعنى الأعم والأشمل للفظ ، وإن كان الظاهر الحديث أنه رؤية العين.ويرجح الشيخ صالح آل شيخ الاحتمال الثاني لإن (رأى) تعدت إلى مفعول واحد فيحمل على الرؤية البصرية. 2-دلالة قوله ( من رأى) تدل على أهمية التَّثَبُّتِ في هذهِ الأمورِ لِتُؤْتِيَثِمَارَهَا (منكرا ) 1-تعريف المنكر: المنكر: ضِدُّ المعروفِ، فهوَ ما عُرِفَ قُبْحُهُ شَرْعاًوَعُرْفاً. وَيَشْمَلُ تَرْكَ الأوامرِ وَالوقوعَ في النواهيِ؛ لأنَّها مُنْكَرٌبهذهِ الصورةِ. وعرفه الشيخ العثيمين فقال: (هو ما نهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر علىفاعله أن يفعله.) مثاله:من رأى مع شخص آلة لهو لا يحل استعمالها أبداًفيكسرها. 2-شروط يجب توافرها في المُنْكِرِ: الإِسلامُ. التكليفُ؛ لِرَفْعِ القَلَمِ عَنْ غيرِالمُكَلَّفِ. الاستطاعةُ، وَهيَ الواردةُ فيالحديثِ. العَدَالَةُ. العِلْمُ بِمَا يُنْكِرُوَبِمَا يَأْمُرُ. رؤية المنكر أو العلم به عند من لا يشترط الرؤية البصرية. 3-شروط يجب توافرها في المنَكر: الشرط الأول: وُجُودُ المُنْكَرِظاهرا، فإِنْ لمْ يُوجَدْ فَلايَجِبُ إِنْكَارُهُ؛ لأنَّ افْتِعَالَ الشيءِ معَ عَدَمِ وُجُودِهِ تَكَلُّفٌ،وَليسَ الدِّينُ افْتِرَاضاً وَإِنَّمَا هوَ عَمَلٌ. وليسَ للآمرِ البحثُوالتَّفتيشُ والتَّجسُّسُ وتَسَوُّرُ جدرانِ البيوتِ واقتحامُهَا بحجَّةِ البحثِ عنالمنكَرِ الشرط الثاني: أن يتيقن أنه منكر.َ الشرط الثالث:أن يكونمنكراً واضحاً يتفق عليه الجميع، أي المنكر والمنكر عليه، أو يكون مخالفة المنكرعليه مبينة على قول ضعيف لا وجه له.فلا إنكار في مسائل الاجتهاد . مثال ذلك: رأيت رجلاً باع عشرة ريالات من الورقبأحد عشر، فلا ينكر،لأن بعض العلماء يرى أن هذا جائز، وأنه لا ربا في الأوراق، لكني تبين له فيالمناقشة أن هذا منكر. الشرط الرابع: أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل،لأن الشيء قديكون منكراً في حد ذاته، لكنه ليس منكراً بالنسبة للفاعل. مثال ذلك:الأكلوالشرب في رمضان، الأصل أنه منكر، لكن قد لا يكون منكراً في حق رجل بعينه:كأن يكونمريضاً يحل له الفطر، أو يكون مسافراً يحل له الفطر. الشرط الخامس:أن لا يترتب على الإنكار منكرا أعظم منه وهذا خاص بالإنكار باليد واللسان. 4-المراتب الثلاث في مواجهة المنكر: المرتبة الأولى: الدعوة، كأن يقوم الداعي في المساجد وفي أي مكانيجمع الناس ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهمفيه. المرتبة الثانية: الأمر، والآمربالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس ويقول: افعلوا، أو ينهاهم ويقول لهم : لا تفعلوا . ففيه نوع إمرة. المرتبة الثالثة: التغيير، فالمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناسلم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره ونهيه. وهذه يشترط لها القدرة والحكمة ، فلا يزيل منكرا ليقع منكرا أكبر منه. 5-هَدْي السَّلف في الإنكار على الولاة: أنَّهم ينكرون ما يرونه أمامَهم مما يفعله الوالي علنا ، ولم يَكُن هدْي السَّلف أن يُنكروا على الوالي شيئاً أجراهُ فيوِلايته، ففرَّقالسّلف بينهما فجعلوا ما يُجريه في ولايته باباً منأبواب النصِيحة، وما يفعَلهُ عَلناً يشمله حديث( من رأى منكم منكرا) 6-الفرق بين النصيحة والإنكار: الإنكارأضيق من النصيحة، فالنصيحةُ اسم عام يشمل أشياء كثيرة ومنها الإنكار. فالإنكار حالٌ من أحوال النصيحة، ولهذا كان مقيداً بقيود، وله ضوابطهُ . 7-دوافعُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عنالمنكَرِ: 1-كسبُ الثَّوابِ والأجرُ، وذلك أنَّ مَندلَّ النَّاسَ علَى المعروفِ وقامُوا به يكونُ له مثلُ أجورِهِم مِن غيرِ أن ينقصَمِن أجورِهِم شيءٌ، قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِفَاعِلِهِ)). 2-خشيَةُ عقابِ اللهِ، وذلك أنَّ المنكرَإذا فشَا في أمَّةٍ تكونُ بذلك مهدَّدَةً بنزولِ عقابِ اللهِ عليها، قالَ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُاالظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُبِعِقَابٍ مِنْهُ)). 3-الغضبُ للهِ، مَن خصالِ الإيمانِالواجبةِ 4-النُّصحُ للمؤمنينَوالرَّحمةُ بهم رجاءَ إنقاذِهِم. 5-إجلالُ اللهِوإعظامُهُ ومحبَّتُهُ والغيرة على حقه.فاللهُ عزَّ وجلَّ أهلُالتَّقوَى وأهلٌ أنْ يُطَاعَ ويعظَّمَ، وذلك بإقامةِ أوامرِهِ بينَ العبادِ،والنَّهيِ مِن الوقوعِ في حدودِهِ. 8-خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عنالمنكَرِ: إذا قصَّرَ المسلمونَ حكَّامًا ومحكومين في هذه المهمَّةِ، شاعتِالفاحشةُ، وعمَّتِ الرَّذيلةُ، وتسلَّطَ الفجَّارُ علَى الأخيارِ، ويصبحُ الحقُّباطلاً والباطلُ حقًّا،وبهذا تُعَرِّضُ الأمَّةُ نفسَهَاإلَى: 1-الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ كما طردَاللهُ أهلَ الكتابِ مِن رحمتِهِ عندَما تَرَكُوا هذه المهمَّةَ، قالَ تَعالَى(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىلِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوايَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَاكَانُوا يَفْعَلُونَ) 2-الهلاكِ فيالدُّنيا، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(مَثَلُالْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُواعَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا،فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَىمَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْنُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا،وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْاجَمِيعًا) 3-عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ، عن حذيفةَرَضِي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (وَالـَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِوَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَعَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُلكُمْ) ****************************************** 1-معنى التغيير: يُحَوِّلْهُ وَيُبَدِّلْهُ مِنْ صُورَتِهِ التي هوَ عليها إِلى صورةٍ أُخْرَىحَسَنَةٍ، أي يغير تَرْكِ الأمرِ إِلى فِعْلِهِ، وَيغير فعل النهيِ إِلىتَرْكِهِ. فالتغييرُ في الشرع :اسمُ يشمل الإزالةَ، ويشمل الإنكارَ باللسان بلا إزالة،ويشمل أيضاً الاعتقاد أنَّ هذا مُنكرومُحرّم، كما جاء في الحديث بيان هذه المعانيالثلاث 2-حكم تغيير المنكر: الوجوب وذلك لدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فليغيره) فالفاءُ وَاقعةٌ في جوابِالشرطِ، وَ(اللامُ) لامُ الأمرِ، وَالأمرُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ لِعَدَمِ وُجُودِصارِفٍ يَصْرِفُهُ عَن الوجوبِ. 3-هل يشترط في وجوبِ إنكارِ المُنْكَرِ على مَنْ يَعْلَمُ أنَّهُ لا يُقْبَلُ منهُ؟ القول الأول: قول الجمهور، وهو الوجوب مطلقا سواءً غلب على الظن أم لميغلب على الظن؛ لأنَّ إيجاب الإنكار لحق الله جل وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبةُالظن. ويقولون: (يكونُ لكَ مَعْذِرَةٌ) ، كما أَخْبَرَ اللَّهُ عنالذينَ أَنْكَرُوا على المُعْتَدِينَ في السَّبْتِ أنَّهُم قالُوا لِمَنْ قَالَلَهُمْ) لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْمُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْيَتَّقُونَ)[الأعراف: 164]. القول الثاني: قول بعض السلف، عدم الوجوب. ويستدلون بما ورد (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وابنِ مَاجَهْ، والتِّرْمِذِيِّ): عنْ أبيثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أنَّهُ قِيلَ لهُ: كيفَ تَقُولُ في هذهِ الآيَةِ (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)[المائدة: 105]فقالَ: أَمَا واللَّهِ لقدْ سَأَلْتُ عنها رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِوَسَلَّمَ، فقالَ (بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ،وَانْتَهُوا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًىمُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ،فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَالْعَوَامِّ). وعن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: (إذا اخْتَلَفَت القُلُوبُوالأهواءُ، وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَيَأْمُرُالإِنسانُ حِينئذٍ نفسَهُ، حينئذٍ تَأْوِيلُ هذهِ الآيَةِ) ويستدلون بظاهر قول الله جل وعلا (فذكر إن نفعتالذكرى)فأوجب التذكير بشرط الانتفاع. 4-درجات تغيير المنكر: الدرجةُ الأُولَى : التغيير باليد وهي لوَلِيِّ الأمرِ في الولايَةِالعامَّةِ وَالخاصَّةِ الدرجةُ الثانيَةُ : التغييرُ باللسانِ عندَمَنْ لا يَمْلِكُ سُلْطَةً، وهي درجة لأهلِ العلمِ الذينَ همْ أَئِمَّةُ العقولِوَالأفكارِ، وَلا يُعْذَرُ عنهُ إِلاَّ مَنْ لا يَمْلِكُ القُدْرَةَ الكلاميَّةَ،أَوْ لا يَسْتَطِيعُ التَّغْيِيرَ لوجودِ موانعَ تَمْنَعُهُ. الدرجةُ الثالثةُ :التغيير بالقلب وَهيَ وَاجبةٌ على الجميعِ؛ إِذْ هيَتَغْيِيرٌ دَاخِلِيٌّ لا يَتَعَدَّى صَاحِبَهَا ********************************************** 1-متى تتحقق القدرة في الإنكار باليد؟ مع التعليل. تتحقق القدرة في وَلِيِّ الأمرِ صَاحِبِ السُّلْطَةِلِقُوَّتِهِ وَهَيْبَتِهِ، كالأبِ على أَوْلادِهِ، وَالسَّيِّدِ على عَبْدِهِ،أما من لا ولايه للإنسان عليه فبابه النصيحة. والَسبب في هذا التقييد:أن الإِنكارُ هوَ أَقْوَى دَرَجَاتِ الإِنكارِ؛ لأنَّهُ إِزالةٌ للمُنْكَرِبالكُلِّيَّةِ وَزَجْرٌ عنهُ.ولا يَكُونُ هذاالتَّغْيِيرُ مِمَّنْ لا يَمْلُكُ سُلْطَةً؛لِتَرَتُّبِ المفاسدِالعظيمةِ على ذلكَ؛ إِذْ قدْ يُنْكِرُ مُنْكَراً فَيَقَعُ فيما هوَ أَنْكَرُ،وَليسَ ذلكَ مِن الحكمةِ. 2-ما لا يستلزمه قول النبي (فليغيره بيده) التَّغْيِيرَ باليدِ لا يَسْتَلْزِمُ القتالَ، وقدْ نصَّ على ذلكَ أحمدُأيضًا في روايَةِ صالحٍ فقالَ: التَّغْيِيرُ باليدِ ليسَ بالسَّيْفِ والسِّلاحِ،فَجِهَادُ الأُمَرَاءِ باليدِ أنْ يُزِيلَ بِيَدِهِ مَا فَعَلُوهُ مِنالمُنْكَرَاتِ، مثلَ: أنْ يُرِيقَ خُمُورَهُمْ، أوْ يَكْسِرَ آلاتِ المَلاهِي التيلَهُم، ونحوِ ذلكَ، أوْ يُبْطِلَ بِيَدِهِ ما أَمَرُوا بهِ مِن الظُّلْمِ إنْ كانَلهُ قُدرةٌ على ذلكَ، وكلُّ هَذَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ هوَ منْ بابِ قِتَالِهِم، ولامِن الخروجِ عليهم الذي وَرَدَ النَّهْيُ عنهُ، فإنَّ هذا أكثرُ ما يُخْشَى منهُأنْ يُقْتَلَ الآمِرَ وحدَهُ. *************************************************** 1-كيف يكون الانكار باللسان؟ يكون بالتوبيخ، والزجروما أشبه ذلك مستعملا الحكمة في ذلك 2-ما يقاس على لفظ ( بلسانه): تقاس الكتابة على القول فيغير المنكر باللسان، ويغير بالكتابة، بأن يكتب فيالصحف أو يؤلف كتباً يبين المنكر. ********************************************** 1-كيف ينكر المنكر بقلبه؟ أي يكرهه ويبغضه ويتمنى أن لميكن. وعزيمته على أنه متى قدر على إنكاره بلسانه أو يدهفعل، ولا يجلس في مجلس المنكر ، بل يغادره ما لم يكره على الجلوس. 2-المراد بقوله "أَضْعَفُالإِيْمَانِ" أي أضعف مراتبالإيمان في هذا الباب أي في تغيير المنكر. 3-سبب تسمية الإنكار بالقلب ضَعْفاً: لأنَّ كَتْمَ الإِنكارِوَعَدَمَ إِظْهَارِهِ يَدُلُّ على الضعفِ وَعَدَمِ وُجُودِ الغَيْرَةِ،وَالكراهيَةُ لهذا المُنْكَرِ يَدُلُّ علىالإِيمانِ *********************************************************** لا يدخل في الحديث عِقابُ فاعِلُ المنكر؛لأنَّ فاعِل المنكر تكتنفهُ أبحاث أو أحوال متعددة فقد يكون الواجبُ معه الدعوةبالتي هي أحسن، وقد يكون التنبيه، وقد يكون الحيلولة بينة وبين المنكر والاكتفاءبزجره بكلام ونحوه، وقد يكون بالتعزير، إلى آخر أحوال ذلك المعروفة في كل مقام بحسبذلك المقام وما جاء فيه من الأحكام. |
أداءالتطبيق الأول: تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...)
التلخيص العناصر: 1. شرح مفردات الحديث 2. مراتب إنكار المنكر 3. شروط إنكار المنكر 1. شرح مفردات الحديث من: اسم شرط جازم رأى: فعل الشرط ويشمل الرؤية والسمع والعلم بيقين. منكم: عموم المسلمين. منكراً: اسم نكرة دال على كل ما لا يرضاه الله ويبغضه من قول أو فعل. فليغيره بيده: فعل أمر يدل على الوجوب وهو جواب الشرط. فإن لم يستطع إلى آخر الحديث: دليل على يسر الإسلام وأن أداء الواجبات مرتبط بالإستطاعة كما قال تعالى:"فاتقوا الله ما استطعتم" 2. مراتب إنكار المنكر 1- الإنكار باليد: لأن الغالب أن الأعمال باليد والمراد: بما كسبتم بأيديكم أو أرجلكم أو أعينكم أو آذانكم. 2- الإنكار باللسان: ويكون ذلك بالتوبيخ والزجر وما أشبه ذلك. 3- الإنكار بالقلب: أي يكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن وهو أضعف الإيمان. 3. شروط إنكار المنكر - التيقن بأنه منكر. - التحقق بأن يكون منكرا في حق الفاعل مثل المفطر في رمضان لسفر أو مرض. - لا إنكار في مسائل الإجتهاد المعتبر. - أن لا يترتب عن الإنكار ما هو أنكر من الذي سيُنهى عنه قال تعالى:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" الأنعام الآية 108. - الحكمة ومعرفة واقع الحال والقدرة قال تعالى:" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها". |
تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (من رأى منكم منكراً فليغيره...) عناصر الدرس: *تخريج حديث أبي سعيد *موضوع حديث أبي سعيد *منزلة حديث أبي سعيد *قصة حديث أبي سعيد *سبب إيراد أبي سعيد للحديث *بعض الأحاديث في معنى حديث أبي سعيد *شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً) -معنى الرؤية في الحديث -مرجع الضمير في قوله: (منكم) -معنى المنكر -شروط إنكار المنكر -من الآداب التي ينبغي مراعاتها أثناء الإنكار -الضابط في إنكار المنكر *مسألة: حكم الإنكار في المسائل الخلافية *مسألة: الإنكار متعلق بالرؤية *شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فليغيره بيده) -معنى التغيير -مراتب إنكار المنكر -حكم إنكار المنكر -الضابط في التغيير باليد *مسألة: الضابط في الإنكار على ولاة الأمر *شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبلسانه) -دل ظاهر الحديث أن وجوب التغيير مشروط بالاستطاعة -معنى التغيير باللسان -شروط التغيير باللسان *شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) -معنى التغيير بالقلب -السبب في كونه أضعف الإيمان *دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر *خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر *تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} *أحوال إنكار المنكر وحكم كل حالة *مسألة: وجوب الإنكار متعلق بالقدرة بالإجماع وغلبة ظن الانتفاع عند كثير من أهل العلم التلخيص: *تخريج حديث أبي سعيد -أخرجه البخاري ومسلم من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد. -وأخرجه مسلم أيضاً من رواية إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد. *موضوع حديث أبي سعيد -وجوب تغيير المنكر. *منزلة حديث أبي سعيد -نص على وجوب إنكار المنكر. *قصة حديث أبي سعيد -إن أول من خطب في العيد قبل الصلاة مروان بن الحكم، فأنكر عليه رجل فعله فأبى، فقال أبي سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول... وذكر الحديث. -وفي رواية البخاري أن الذي أنكر على مروان بن الحكم أبو سعيد رضي الله عنه. *سبب إيراد أبي سعيد للحديث -الإنكار على فعل مروان بن الحكم، لأنه أول من خطب قبل صلاة العيد كما ورد في القصة. *بعض الأحاديث في معنى حديث أبي سعيد 1-حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) أخرجه مسلم. 2-حديث جرير: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيرون، إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا) أخرجه ابن أبي الدنيا، أورد هذا الحديث والذي قبله ابن رجب. *شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً) -معنى الرؤية في الحديث فيه قولان: الأول: الرؤية البصرية، وهذا ما دل عليه ظاهر الحديث. الثاني: الرؤية العلمية اليقينية، وهذا ما دل عليه عموم الحديث، ورجحه ابن عثيمين، والسبب: أن لفظ الحديث عام فلا يقصر على رؤية العين. -مرجع الضمير في قوله: (منكم) يشمل جميع الأمة من المكلفين. -معنى المنكر ضد المعروف، فيشمل كل ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. -شروط إنكار المنكر 1-الإسلام. 2-التكليف. 3-الاستطاعة. 4-العلم بكونه منكراً. 5-رؤية المنكر. -من الآداب التي ينبغي مراعاتها أثناء الإنكار -استعمال الحكمة. -الرفق في الأمر والنهي. -الضابط في إنكار المنكر فيه أقوال: الأول: أن تتيقن أنه منكر. الثاني: أن يكون منكر في حق الفاعل. الثالث: أن يكون المنكر مجمع عليه ، مثاله: الربا، شرب الخمر، ترك الصلاة. *مسألة: حكم الإنكار في المسائل الخلافية -لا يجب إنكاره لمن فعله مجتهداً، أو مقلداً لمجتهد تقليداً سائغاً، ويستثنى من ذلك : ما كان الخلاف فيه ضعيف لا قيمة له وكان ذريعة لمحظور متفق عليه. مثاله: ربا النقد، ذريعة إلى ربا النسيئة المتفق على تحريمه . - أورده ابن رجب من قول: القاضي أبو يعلى، وقال بمثله ابن عثيمين. *مسألة: الإنكار متعلق بالرؤية فيه قولان: الأول: إذا كان المنكر مستوراً ولم يراه مع علمه بالمنكر، فلا يعرض له ولا يفتش عنه، وهذا القول عن أحمد واتفق الأئمة عليه مثل سفيان وغيره. مثاله: تسور الجدران لمن علم اجتماعهم على منكر. واستثنى القاضي أبو يعلى من هذا القول:أنه يجوز التجسس والبحث إذا غلب على ظنه انتهاك حُرمة يفوت استدراكها مثاله على ذلك :القتل. الثاني: إذا تحقق من المنكر وتثبت من وجوده وعلم موضعه، عليه إنكاره ، لأنه قد تحقق المنكر وعلم موضعه فهو كمن رآه. مثاله: سماع صوت الغناء. -والقولان كلهما عن الإمام أحمد ذكره ابن رجب. *شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فليغيره بيده) -معنى التغيير أي: يحوله ويبدله من صورته التي كان عليها إلى صورة أخرى أحسن وأفضل منها. -مراتب إنكار المنكر 1-الإنكار باليد. 2-الإنكار باللسان. 3-الإنكار بالقلب. -حكم إنكار المنكر الأصل: الوجوب على قدر الاستطاعة إذا كان الإنكار باليد أو اللسان. وعند التفصيل فيه حالتان: -الحالة الأولى: فرض كفاية. الدليل: قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وقيل في تفسيرها: أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، قاله ابن كثير وابن العربي، وأورده المسباح في شرحه للحديث. -مثاله: الرد على الفرق الباطنية وإبطال معتقداتها. -الحالة الثانية: فرض عين. وفيه أقوال: الأول: واجب على كل فرد على حسب الاستطاعة، قاله ابن كثير الثاني: واجب إذا علم المرء من نفسه صلاحية النظر والاستقلال، أو عرف عنه ذلك، قاله ابن العربي. الثالث: يتعين ذلك، إذا علم المنكر وكان قادراً على إزالته، قاله النووي. -حكم الإنكار بالقلب فرض عين، لا يسقط عن أحد، ذكره ابن رجب من قول ابن مسعود وهو متفق عليه. واستدل عليه بعدة أدلة منها: -قول ابن مسعود: (هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر). -حديث أبي هريرة: (من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها، ومن غاب عنها فأحبها فكأنه حضرها). -الضابط في التغيير باليد قيد الأمر: بالقدرة مع الأمن من الفتنة، فأن كان قادراً على تغييره ويخاف من الفتنة أو الضرر على نفسه وأهله فلا يغير. مثاله: التغيير على ولاة الأمر. *مسألة: الضابط في الإنكار على ولاة الأمر -إذا خاف من الفتنة فلا يغير. -واستدل ابن عثيمين على ذلك بقول الله تعالى: { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم} -إذا خاف على نفسه السيف أو الحبس أو النفي فلا يعرض له، قاله: الفضيل بن عياض ونص عليه الأئمة مالك وإسحاق وأحمد. -ذكره ابن رجب. -وأورد ابن رجب على ذلك عدة أقوال منها: 1-قول الإمام أحمد: (لا يتعرض للسلطان؛ فإن سيفه مسلول) 2-قال ابنُ شُبْرُمَةَ: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالجهاد، يجب على الواحد أن يصابر فيه الاثنين، ويحرم عليه الفرار منهما، ولا يجب عليهم مصابرة أكثر من ذلك) *شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبلسانه) -دل ظاهر الحديث أن وجوب التغيير مشروط بالاستطاعة والمعنى: إذا عجز عن تغيير المنكر بيده، غيره بلسانه سواء بالقول كالترغيب والترهيب، أو بالفعل كالكتابة ونحوها. الدليل: -من الكتاب: قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} -من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) -وحديث أبي سعيد: (فإن لم يستطع فبلسانه) -شروط التغيير باللسان 1- العجز عن التغيير باليد. 2-القدرة على التغيير . *شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) -معنى التغيير بالقلب بغض المنكر وكراهته واعتقاد أنه محرم ومنكر. -السبب في كونه أضعف الإيمان لأنه أقل درجات الإيمان فهو واجب على كل أحد. *دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - طلب الثواب والأجر من الله عز وجل. -الخوف من عقاب الله تعالى. -الغضب لله تعالى. -النصح للمؤمنين والرحمة بهم. -إجلال الله ومحبته وإعظامه. *خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -الطرد من رحمة الله عز وجل. -الهلاك في الدنيا. -عدم استجابة الدعاء. *تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} أورد ابن رجب عدة أقوال في تفسيرها منها: 1-قول ابن مسعود: (إذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه، حينئذ تأويل هذه الآية) 2-قول ابن عمر: (هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم) *مسألة: وجوب الإنكار متعلق بالقدرة بالإجماع وغلبة ظن الانتفاع عند كثير من أهل العلم فيه قولان: الأول: يجب الإنكار مع غلبة ظن الانتفاع، قاله ابن تيمية واتفق معه بعض العلماء. الثاني: يجب الإنكار مطلقاً سواء غلب على ظنه الانتفاع أو لم يغلب وحجة هذا القول: أن حق الله عز وجل لا يكون مع غلبة الظن بل يجب فيه الإنكار مطلقاً، وهذا قول الجمهور. -ذكره آل الشيخ في شرحه. * أحوال إنكار المنكر وحكم كل حالة الحالة الأولى: انتقال المنكر إلى منكر أعظم منه. الحالة الثانية: انتقاله إلى منكر آخر. -حكم الإنكار: محرم في الحالتين. الحالة الثالثة: انتقاله إلى منكر مساوي له. حكمها: محل اجتهاد. الحالة الرابعة: أن ينتقل إلى ما هو خير. حكمها: وجوب الإنكار. -قال هذا القول: ابن القيم، ذكره آل الشيخ في شرحه للحديث. |
الساعة الآن 02:32 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir