معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   مقدمة تفسير ابن جزيء الكلبي (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=299)
-   -   فنون العلم التي تتعلق بالقرآن (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=6643)

ساجدة فاروق 6 جمادى الأولى 1431هـ/19-04-2010م 08:04 PM

فنون العلم التي تتعلق بالقرآن
 
الباب الرابع في فنون العلم التي تتعلق بالقرآن اعلم أن الكلام على القرآن يستدعي الكلام في اثني عشر فنا من العلوم وهي التفسير والقراءات والأحكام والنسخ والحديث والقصص والتصوف وأصول الدين وأصول الفقه واللغة والنحو والبيان فأما التفسير فهو المقصود بنفسه وسائر هذه الفنون أدوات تعين عليه أو تتعلق به أو تتفرع منه ومعنى التفسير شرح القرآن وبيان معناه والإفصاح بما يقتضيه بنصه أو إشارته أو نجواه واعلم أن التفسير منه متفق عليه ومختلف فيه ثم إن المختلف فيه على ثلاثة أنواع الأول اختلاف في العبارة مع اتفاق في المعنى فهذا عده كثير من المؤلفين خلافا وليس في الحقيقة بخلاف لاتفاق معناه وجعلناه نحن قولا واحدا وعبرنا عنه بأحد عبارات المتقدمين أو بما يقرب منها أو بما يجمع معانيها الثاني اختلاف في التمثيل لكثرة الأمثلة الداخلة تحت معنى واحد وليس مثال منها على خصوصه هو المراد وإنما المراد المعنى العام التي تندرج تلك الأمثلة تحت عمومه فهذا عده أيضا كثير من المؤلفين خلافا وليس في الحقيقة بخلاف لأن كل قول منها مثال وليس بكل المراد ولم نعده نحن خلافا بل عبرنا عنه بعبارة عامة تدخل تلك تحتها وربما ذكرنا بعض تلك الأقوال على وجه التمثيل مع التنبيه على العموم المقصود الثالث اختلاف المعنى فهذا هو الذي عددناه خلافا ورجحنا فيه بين أقوال الناس حسبما ذكرناه في خطبة الكتاب فإن قيل ما الفرق بين التفسير والتأويل فالجواب أن في ذلك ثلاثة أقوال الأول أنهما بمعنى واحد الثاني أن التفسير للفظ والتأويل للمعنى الثالث وهو الصواب أن التفسير هو الشرح والتأويل هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر بموجب اقتضى أن يحمل على ذلك ويخرج على ظاهره وأما القراءات فإنها بمنزلة الرواية في الحديث فلا بد من ضبطها كما يضبط الحديث بروايته ثم إن القراءات على قسمين مشهورة وشاذة فالمشهورة هي القراءات السبع وما جرى مجراها كقراءة يعقوب وابن محيصين والشاذة ما سوى ذلك وإنما بنينا هذا الكتاب على قراءة نافع لوجهين أحدهما أنها القراءة المستعملة في بلادنا بالأندلس وسائر بلاد المغرب والأخرى اقتداء بالمدينة شرفها الله لأنها قراءة أهل المدينة وقال مالك بن أنس قراءة نافع سنة وذكرنا من سائر القراءة ما فيها فائدة في المعنى والإعراب وغير ذلك دون ما لا فائدة فيه زائدة واستغنينا عن استيفاء القراءات لكونها مذكورة في الكتب المؤلفة فيها وقد ألفنا فيها كتبا نفع الله بها وأيضا فإنا لما عزمنا في هذا الكتاب على الاختصار حذفنا منه ما لا تدعو إليه الضرورة وقد ذكرنا في هذه المقدمات بابا في قواعد أصول القراءات وأما أحكام القرآن فهي ما ورد فيه من الأوامر والنواهي والمسائل الفقهية وقال بعض العلماء إن آيات الأحكام خمسمائة آية وقد تنتهي إلى أكثر من ذلك إذا استقصى تتبعها في مواضعها وقد صنف الناس في أحكام القرآن تصانيف كثيرة ومن أحسن تصانيف المشارقة فيها تأليف إسماعيل القاضي وابن الحسن كباه ومن أحسن تصانيف أهل الأندلس تأليف القاضي الإمام أبي بكر بن العربي والقاضي الحافظ ابن محمد بن عبد المنعم بن عبد الرحيم المعروف بابن الفرس وأما النسخ فهو يتعلق بالأحكام لأنها محل النسخ إذ لا تنسخ الأخبار ولا بد من معرفة ما وقع في القرآن من الناسخ والمنسوخ والمحكم وهو ما لم ينسخ وقد صنف الناس في ناسخ القرآن ومنسوخه تصانيف كثيرة وأحسنها تأليف القاضي أبي بكر بن العربي وقد ذكرنا في هذه المقدمات بابا في قواعد النسخ وذكر ما تقرر في القرآن من المنسوخ وذكرنا سائره في مواضعه وأما الحديث فيحتاج المفسر إلى روايته وحفظه لوجهين الأول أن كثيرا من الآيات في القرآن نزلت في قوم مخصوصين ونزلت بأسباب قضايا وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوات والنوازل والسؤالات ولا بد من معرفة ذلك ليعلم فيمن نزلت الآية وفيما نزلت ومتى نزلت فإن الناسخ يبني على معرفة تاريخ النزول لأن المتأخر ناسخ للمتقدم الثاني أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كثير من تفسير القرآن فيجب معرفته لأن قوله عليه السلام مقدم على أقوال الناس وأما القصص فهي من جملة العلوم التي تضمنها القرآن فلا بد من تفسيره إلا أن الضروري منه ما يتوقف التفسير عليه وما سوى ذلك زائد مستغنى عنه وقد أكثر بعض المفسرين من حكاية القصص الصحيح وغير الصحيح حتى أنهم ذكروا منه ما لا يجوز ذكره مما فيه تقصير بمنصب الأنبياء عليهم السلام أو حكاية ما يجب تنزيههم عنه وأما نحن فاقتصرنا في هذا الكتاب من القصص ما يتوقف التفسير عليه وعلى ما ورد منه في الحديث الصحيح وأما التصوف فله تعلق بالقرآن لما ورد في القرآن من المعارف الإلهية ورياضة النفوس وتنوير القلوب وتطهيرها باكتساب الأخلاق الحميدة واجتناب الأخلاق الذميمة وقد تكلمت المتصوفة في تفسير القرآن فمنهم من أحسن وأجاد ووصل بنور بصيرته إلى دقائق المعاني ووقف على حقيقة المراد ومنهم من توغل في الباطنية وحمل القرآن على ما لا تقتضيه اللغة العربية وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي كلامهم في التفسير في كتاب سماه الحقائق وقال بعض العلماء بل في البواطل وإذا انتصفنا قلنا فيه حقائق وبواطل وقد ذكرنا هذا في كتاب ما يستحسن من الإشارات الصوفية دون ما يعترض أو يقدح فيه وتكلمنا أيضا على اثني عشر مقاما من مقام التصوف في مواضعها من القرآن فتكلمنا على الشكر في أم القرآن لما بين الحمد والشكر من الاشتراك في المعنى وتكلمنا على التقوى في قوله تعالى في البقرة {هدى للمتقين} وعلى الذكر في قوله فيها {فاذكروني أذكركم} وعلى الصبر في قوله تعالى: {وبشر الصابرين} وعلى التوحيد في قوله فيها: {وإلهكم إله واحد} وعلى محبة الله في قوله فيها {والذين آمنوا أشد حبا لله} وعلى التوكل في قوله في آل عمران {فإذا عزمت فتوكل على الله} وعلى المراقبة في قوله في النساء {إن الله كان عليكم رقيبا} وعلى الخوف والرجاء في قوله في الأعراف {وادعوه خوفا وطمعا} وعلى التوبة في قوله في النور {وتوبوا إلى الله جميعا} وعلى الإخلاص في قوله في لم يكن {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} وأما أصول الدين فيتعلق بالقرآن من طرفين أحدهما ما ورد في القرآن من إثبات العقائد وإقامة البراهين عليها والرد على أصناف الكفار والآخر أن الطوائف المختلفة من المسلمين تعلقوا بالقرآن وكل طائفة منهم تحتج لمذهبها بالقرآن وترد على من خالفها وتزعم أنه خالف القرآن ولا شك أن منهم المحق والمبطل فمعرفة تفسير القرآن أن توصل في ذلك إلى التحقيق مع التشديد والتأييد من الله والتوفيق وأما أصول الفقه فإنها من أدوات تفسير القرآن على أن كثيرا من المفسرين لم يشتغلوا بها وإنها لنعم العون على فهم المعاني وترجيح الأقوال وما أحوج المفسر إلى معرفة النص والظاهر والمجمل والمبين والعام والخاص والمطلق والمقيد وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب وشروط النسخ ووجوه التعارض وأسباب الخلاف وغير ذلك من علم الأصول وأما اللغة فلا بد للمفسر من حفظ ما ورد في القرآن منها وهي غريب القرآن وهي من فنون التفسير وقد صنف الناس في غريب القرآن تصانيف كثيرة وقد ذكرنا بعد هذه المقدمة مقدمة في اللغات الكثيرة الدوران في القرآن لئلا نحتاج أن نذكرها حيث وقعت فيطول الكتاب بكثرة تكرارها وأما النحو فلا بد للمفسر من معرفته فإن القرآن نزل بلسان العرب فيحتاج إلى معرفة اللسان والنحو ينقسم إلى قسمين أحدهما عوامل الإعراب وهي أحكام الكلام المركب والآخر التصريف وهي أحكام الكلمات من قبل تركيبها وقد ذكرنا في هذا الكتاب من إعراب القرآن ما يحتاج إليه من المشكل والمختلف أو ما يفيد فهم المعنى أو ما يختلف المعنى باختلافه ولم نتعرض لما سوى ذلك من الإعراب السهل الذي لا يحتاج إليه إلا المبتدئ فإن ذلك يطول بغير فائدة كبيرة وأما علم البيان فهو علم شريف تظهر به فصاحة القرآن وقد ذكرنا منه في هذا الكتاب فوائد فائقة ونكت مستحسنة رائقة وجعلنا في المقدمات بابا في أدوات البيان ليفهم به ما يرد منها مفرقا في مواضعه من القرآن.


الساعة الآن 01:03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir