المجلس الثاني: مجلس مذاكرة القسم السادس من تفسير سورة آل عمران
 

اختلف أهل التأويل في المراد بالرباني في قوله تعالى: (( وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ )) على ثلاثة أقوال :.

القول الأول:. كونوا حكماء علماء فقهاء.
وهو قول أبو رزين ، ومجاهد ، وقتادةوالسدي ، وابن عباس ، والضحاك ،
واستدلوا بما أخرجه الطبري في تفسيره (6/405) وأسنده عنهم ،وأخرجه عبدالرزاق في تفسيره(399/1) من طريقه عن أبي رزين ، وأخرجه ابن ابي حاتم في تفسيره (691/2) بسنده عن أبي رزين ،وعن ابن عباس ،وعن الحسن بألفاظ متقاربة.

وذكر الزجاج في المعاني (435/1) :"والربانيون أرباب العلم والبيان ، أي :كونوا أصحاب علم ،وإنما زيادة الألف والنون للمبالغة في النسب".

القول الثاني:. الحكماء الأتقياء.
وهو قول :سعيد بن جبير ،
واستدل على ذلك بما أخرجه الطبري في تفسيره (542/6) بسنده عن طريق يحيى بن طلحة.

القول الثالث:. ولاة الناس وقادتهم .
وهو قول :ابن زيد ،
واستدلوا بما أخرجه الطبري في تفسيره (543/6) من طريقه عن يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب ، قال :سمعت ابن زيد يقول في قوله "كونوا ربانين "،قال : الربانيون :الذين يربون الناس ، ولاة هذا الأمر يربونهم : يلونهم .

-الترجيح بين الأقوال:
رجح الطبري في تفسيره ( 543/6) :أنهم جمع ربانيّ ، والربانيّ منسوب إلى الربّان ، الذي يربي الناس ، وهو الذي يصلح أمورهم ويربها ، ويقوم بها .
والربانيّ: هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفت ، وكان العالم

بالفقه والحكمة من المصلحين ، يرب أمور الناس ، بتعليمه إياهم الخير ،ودعائهم إلى مافيه مصلحتهم ، فالربّانيون هم : عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا ،

والرباني : الجامع إلى العلم والفقه: البصر بالسّياسة والتّدبير والقيام بأمور الرّعيّة، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم ،
وذكر ابن عطية في تفسيره (462/1)

فجملة مايقال في الربّاني إنه العالم بالرب والشرع ،المصيب في التقدير من الأقوال والأفعال التي يحاولها في الناس .
وبين القرطبي في تفسيره (122/4)
والربّانيون : واحدهم ربانيّ ، منسوب إلى الرب ، والرباني : الذي يربي الناس بصغار

العلم قبل كباره ، وكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور ".
وعلّق أبو حيان في البحر (232/3) بعدما ساق الأقوال السابقة وغيرها ،بقوله : "وهذه أقوال متقاربة".

ورجح أبو السعود في الإرشاد (52/2) أن المراد " وهو الكامل في العلم والعمل ،الشديد التمسك بطاعة الله عز وجلّ ودينه ".

وأضاف ابن عاشور في التحرير والتنوير (295/3) "أي: كونوا منسوبين للرب ، وهو الله تعالى ،لأن النسب إلى الشيء إنما يكون لمزيد اختصاص المنسوب بالمنسوب إليه ، ومعنى ذلك أن يكونوا مخلصين لله دون غيره ".

قال الراغب في المفردات (184) : والربّاني : قيل :منسوب إلى الربّان ، وقيل :هو منسوب إلى الرب الذي هو

المصدر ، وهو الذي يربّ العلم كالحكيم ، وقيل :منسوب إليه ،معناه :يرب نفسه بالعلم ، وكلاهما في التحقيق متلازمان ،لأن من رب نفسه بالعلم ،فقد رب العلم،

ومن رب العلم :فقد ربّ نفسه به ، وقيل :هو منسوب إلى الرب ،أي: إلى الله تعالى ،..

قال أبو عبدالله :.
والمتأمل في الأقوال الواردة في بيان معنى :الربّانيون يجد أنها لا تعدو إلا أن تكون أوصافاً مختلفة متقاربة ،كما نصّ

على ذلك أبو حيان ، فجملة تلك الأوصاف تعطي معنى الرباني ،
فهم : حكماء ، علماء فقهاء ، ولاة الناس وقادتهم ، ولا تعارض بين الأقوال فكل قول عبّر عن وصف من أوصافهم .

ثم إنّ الرباني منسوب إلى الرب ،من حيث الإخلاص في العمل لله ،ومعرفة دين الله ،والعلم بأحكام الدين والشرع ،سواء تعلمها أو تعليمها للناس ، ومن اتصف بذلك فهو جدير بأن يظفر بكونه ربّاني ،
ثمّ إن السياق القبلي يشعر بما ينبغي

أن يكون عليه الرباني من حيث العلم بالكتاب المنزل والفقه فيه ، ثم العمل بما فيه ،وحكم الناس من خلاله ،واقتفاء أثر النبوة والعمل بما نصت عليه.

وكذلك السياق البعدي يعطى دلالة على معنى الربّاني من حيث أن من يحوزُها هو من علّم الكتاب الإلهي للناس وجاهد في

ذلك ودرَس، أي :أدمن قراءة الكتاب وكرره ،او بمعنى تُدرِّسون غيركم ،كما نص عليه ابن عطية رحمه الله،
هذا ماكان والله المستعان وعليه التكلان.

تقويم مجلس مذاكرة القسم السادس


عبد الكريم الشملان أ+
أحسنت نفع الله بك.