معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   صفحات الدراسة (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=1007)
-   -   صفحة الطالبة مضاوي الهطلاني ((لدراسة أصول التفسير)) (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=23642)

أمل عبد الرحمن 9 جمادى الآخرة 1436هـ/29-03-2015م 01:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مضاوي الهطلاني (المشاركة 186702)
موضوع الدرس: الحذف والتضمين
- التمهيد
- التضمين تابع للموضوع اللغوي . ط
- كون التضمين قاعدة عظيمة. ش
عناصر الدرس:
- المذاهب في حروف الجر مع الترجيح. ش ط
- معنى التضمين . ش ط
- هل التعدي في الفعل أم في حرف الجر . ث
- أمثلة على ذلك. ش ط
- فائدة التضمين . ش ط


تحرير المسائل:
- التمهيد :
-التضمين تابع للموضوعات اللغوية وهو لا يأتِ إلا مع حروف الجرِّ.
- التضمين قاعدة تحتاج إلى بيان مفصل لأنها من أنفع علوم التفسير .
عناصر الدرس:
- المذاهب في حروف الجر مع الترجيح

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مضاوي الهطلاني (المشاركة 186702)
هذه عبارة عامة، والمقصود شيء محدد، فنقول:
مذاهب النحويين في تعدية الفعل بحرف لا يعدى به في الجادة.

المذهبُ الأولُ: التعاقُبُ , وهو رأيُ الكوفيِّين .
وهو: إن الأحرف قد ينوب بعضها عن بعض، مثال: قال بعضهم في تفسير{لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} يقول (إلى) هنا بمعنى (مع).
لو فصّلت مسائل هذا العنصر كالتالي:
- معنى التعاقب
- أصحابه
- مثاله
- المآخذ عليه
وكذلك ما يتعلق بعنصر "التضمين"
والمذهبُ الثاني:التضمينُ , وهو رأيُ البصريِّين .
والصحيح قول البصريين.
وهو التحقيق وهو الصحيح وهو كثير جداً في القرآن .
فالتَّضمِينُ أبْلَغَ في اللغةِ من تعاقُبِ الحروفِ؛ لأنه يتضمَّنُ معنًى زائدًا على المعنى الأصلِيِّ للكلمَةِ، وإلا فإنَّ تعاقُبَ الحروفِ لمجرَّدِ التفنُّنِ في الكلامِ ليس له معنًى. الترجيح يكون بعد شرح العنصر كاملا، وهناك إضافة وهي أن التضمين يسد باب التأويل الذي يفتحه التعاقب.
- معنى التضمين
هو أن يتعدى الفعل بحرف جر لا يناسبه معناه فيضَّمن الفعل معنى فعل مناسبا يتعدى به .
أي : أن يثبت معنى الفعل الأصلي ومعه يثبت معنى فعل مضمن فيه في داخله يناسب حرف الجر،
- هل التجوز في الفعل أم في الحرف ؟
الراجح أن التجوز في الفعل فيتضمن الفعل معنى يتعدى بمثله إلى ماهو متعد إليه الآن .

- أمثلة على ذلك.
1- قال تعالى : {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه}
فالسؤال لا يتعدى ب(إلى) فقالوا : السؤال يتضمن معناه ومعنى فعل آخر يناسب حرف الجر (إلى) وهو الضم
فاصبح المعنى : سأله نعجة وضمها إلى نعاجه
2- قال تعالى :({ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
العادة أن أراد تتعدى بنفسها تقول أردتُ الشيء، أردت الذهاب، أردت الظلم، أردت الحق، فلم عداه بالباء؟
هذا معناه أنه أراد معنى الإرادة ومع معنى الإرادة معنى فعل آخر يستنتج بهذا الحرف المذكور ولهذا قال السلف في تفسيرها مثلاً: { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} قال: أراد هاماً بظلم،
3- قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} هل إلى بمعنى (على)؟
الأصل أنها تعدى بـ(على) (استويت أنت ومن معك على الفلك)، (لتستووا على ظهوره)
{ثم استوى إلى السماء} هنا عداها بـ (إلى) فمعنى ذلك أنه أراد الاستواء الذي هو بمعنى العلو أولاً ثم أراد فيه مع الاستواء الذي هو العلو فعل آخر يناسبه التعدية بـ (إلى) الذي هو القصد والعمد فيكون المعنى أنه – جل وعلا– علا على السماء قاصداً عامداً علا وقصد وعمد بخلاف المؤولين فأنهم يقولون: (استوى إلى السماء) بمعنى قصد ويزلون معنى العلو وهذا غير طريقة أهل السنة فأهل السنة في باب التضمين يقولون المعنى الأول مراد ومعه المعنى الثاني الذي يناسبه التعدية ما يتعلق بطريقة أهل السنة يفصل، وهو تابع لسبب ترجيح القول بالتضمين، ويذكر معه هذا المثال.
4- {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ} أي: لَيُزِيغُونَك ويَصُدُّونَك؛ لأنَّكَ تقولُ: فتَنْتُه بكذا. ولا تقولُ: فتَنْتُه عن كذا. إلا إذا ضَمَّنْتَه معنى التزييغِ والصُّدودِ، فكُلُّ فِعلٍ مِن هذه الأفعالِ قد ضُمِّنَ معنى فِعلٍ آخَرَ فجِيءَ بحرفٍ يناسبُه.


- فائدة التضمين .
- التَّضمِينُ أبْلَغَ في اللغةِ من تعاقُبِ الحروفِ؛ لأنه يتضمَّنُ معنًى زائدًا على المعنى الأصلِيِّ للكلمَةِ، وإلا فإنَّ تعاقُبَ الحروفِ لمجرَّدِ التفنُّنِ في الكلامِ ليس له معنًى.
- لأجل عدم التكرير لأن مبنى اللغة على الاختصار، فالعرب عمدة كلامها على الاختصار، والقرآن العظيم كلام الله – جل وعلا – الذي أعجز الخلق أن يؤتوا بمثله ولو اجتمعوا جميعاً هذا فيه من أسرار التضمين الشيء الكثير، التضمين علمٌ مهم
قد سبق تكرار هذا الكلام في أول الحديث عن التضمين




أحسنت أختي بارك الله فيك ونفع بك.
التلخيص جيد لكن كان يحتاج إلى تقسيم وفصل للأقوال أوضح من ذلك، وهذا نموذج لقائمة عناصر الدرس:

الحذف والتضمين
عناصر الدرس:
موضوع الدرس
● تمهيد:
.. - تعدية الفعل بنفسه وبالحرف.
مذاهب النحويين في تعدية الفعل بحرف لا يُعدّى به في الجادّة.
.. المذهب الأول: التعاقب
... - معناه
... - أصحابه
... - مثاله

. المذهب الثاني: التضمين
... - شرطه
... - معناه
... - أصحابه
... - مثاله

المذهب الراجح

● علاقة التضمين باختلاف التنوع
لماذا كانت قاعدة التضمين من أنفع قواعد التفسير؟
● خلاصة الدرس.


تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 26
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 16
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 15 / 14
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15

= 91 %
وفقك الله

مضاوي الهطلاني 5 شعبان 1436هـ/23-05-2015م 07:22 AM

ثبوت النسخ والردّ على من أنكره
عناصر الموضوع:
● بيان جواز النسخ
...-المراد بالنسخ في القرآن
...- إجماع العلماء على أن في القرآن نسخاً
....- أدلة جواز النسخ
● هل النسخ من خصائص هذه الأمة؟
● أقوال طوائف اليهود في النسخ
● كشف شبهات منكري النسخ
● بيان جواز النسخ عقلاً وشرعاً
... - الدليل على جواز النسخ عقلاً
... - الدليل على جواز النسخ شرعاً
● الفرق بين النسخ والبداء
● اضطراب الأشاعرة في مسألة النسخ
خلاصة كلام العلماء في ثبوت النسخ
- بيان جواز النسخ للقرآن
- المراد بالنسخ في القرآن
يأتي النسخ على معاني منها:
١- إذا أزاله فلم يبق له أثراً من قولهم: نسخت الرّيح الآثار، إذا أزالتها فلم يبق لواحدٍ منهما أثر.
مثاله:
}وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي إلاّ إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيّته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته}.
فبين أن الله ينسخ ما يلقي الشيطان في تلاوة النبي أو الرسول.
- دلالة الآية:
وهذا إنّما يدلّ على جواز النسخ فيما يزيد الشيطان في تلاوة النبي أو الرّسول من الباطل خاصةً،
فهو من النسخ الذي بمعنى أزاله ولم يبق له أثر .
وليس يدل على جواز النّسخ فيما ينزله الله ويأمر به، فلا حجة فيه لمن استدل به على جواز نسخ ما هو من عند الله من الحق
٢- قوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}: فهذا إنما يراد به إذهاب ما لا يجوز نسخه من الأخبار وغيرها. وما لا يجوز نسخه لو شاء الله لأذهب حفظه كله من القلوب بغير عوض.
ومنه ما روي مما رفع من سورة الأحزاب وغيرها.
وهو من قولهم: نسخت الريح الآثار، أي أزالتها، فلا الريح بقيت ولا الآثار بقيت ) . [ذكره القيسي في الإيضاح لناسخ القرآن
وليس هذا هو المراد بالنسخ في القرآن
٢- إذا أزاله وحل محله من قولهم: نسخت الشمس الظل، إذا أزالته وحلت محله. كقوله تعالى: {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ والله أعلم بما ينـزّل قالوا إنّما أنت مفترٍ}. زوال حكم آيةٍ ووضع أخرى (موضعها).
وهذا النسخ من قولهم: نسخت الشمس الظل، إذا أزالته وحلت محله.
وهو المراد بالنسخ في القرآن
- إجماع العلماء على أن في القرآن نسخاً
أجمع المسلمون على جواز النسخ في القرآن ، ذكره السيوطي في الإتقان في علوم القرآن:
وبه قال ابن الجوزي قال:انعقد إجماع العلماء على أن في القرآن نسخاً إلا أنّه قد شذّ من لا يلتفت إليه فحكى أبو جعفرٍ النّحّاس أنّ قومًا قالوا: ليس في القرآن ناسخٌ ولا منسوخٌ. وهؤلاء قومٌ لا يقرّون، لأنّهم خالفوا نصّ الكتاب، وإجماع الأمّة .ذكره ابن الجوزي في نواسخ القرآن
الأدلة على ذلك
- قال الله عز وجل: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها}.
- عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في قوله تعالى: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: في النّاسخ والمنسوخ"
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} يقول: (يبدّل اللّه ما يشاء من القرآن فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدّله، وما يبدّل وما يثبت كلّ ذلك في كتاب).
- عن عكرمة في قوله: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: (ينسخ الآية بالآية فترفع، وعنده أمّ الكتاب، أصل الكتاب) -عن محمّد ابن كعب في قوله عز وجل: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: (نزلت في النّاسخ والمنسوخ).
- عن محمّد بن سيرين {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} يرفعه، ويثبت ما يشاء فيدعه مقرًّا له.
- عن قتادة: ({منه آياتٌ محكماتٌ} قال: المحكمات النّاسخ الّذي يعمل به).
- عن السدي: ({يمحو اللّه ما يشاء ويثبت} ما يشاء من المنسوخ ويثبت من النّاسخ).
قال: وحدّثنا... {منه آياتٌ محكماتٌ} قال:... لم تنسخ). ورواه سفيان عن سلمة عن الضحاك، قال: (المحكمات الناسخ).
-عن وكيعٌ عن سلمة بن نبيطٍ عن الصّحابة قال: (المتشابه ما قد نسخ، والمحكمات ما لم ينسخ).
- وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: "أبيٌّ أعلمنا بالمنسوخ"). ذكره ابن الجوزي في [نواسخ القرآن:84- 90]
- الأدلة على جواز النسخ
١- قال الله – جلَّ ذكره -: {يمحو الله ما يشاء ويثبت}.
معنى الآية
قال ابن عباسٍ وغيره: معناه: يمحو ما يشاء من أحكام كتابه (فينسخه) ببدلٍ أو بغير بدل، ويثبت ما يشاء فلا يمحوه ولا ينسخه،[ثم قال]: {وعنده أم الكتاب}.
قال ابن عباس: معناه: عنده ما ينسخ ويبدّل من الآي والأحكام، وعنده ما لا ينسخ ولا يبدّل، كلٌّ في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ.
ومثل هذا المعنى (قال) قتادة وابن جريج وغيرهم في هذه الآية.
وقد قيل غير ذلك. ذكره القيسي في كتاب الايضاح
وفي رواية لابن عباس رضي الله عنه في معنى الآية قال:( في النّاسخ والمنسوخ)ذكره ابن الجوزي في نواسخ القرآن
وفي رواية لابن عباس يقول: (يبدّل اللّه ما يشاء من القرآن فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدّله، وما يبدّل وما يثبت كلّ ذلك في كتاب).ذكره ابن الجوزي في نواسخ القرآن
- عن قتادة عن عكرمة في قوله: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: (ينسخ الآية بالآية فترفع، وعنده أمّ الكتاب، أصل الكتاب)ذكره ابن الجوزي في نواسخ القرآن
- دلالة الآية
هذا يدل على جواز النسخ بنص القرآن.ذكره القيسي في كتاب الايضاح
٢- ويدلّ على جواز النسخ للقرآن أيضًا قوله تعالى: {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ والله أعلم بما ينـزّل قالوا إنّما أنت مفترٍ}.
- دلالة الآية
هذا نصٌ ظاهر في (جواز) زوال حكم آيةٍ ووضع أخرى (موضعها). ذكره القيسي في كتاب الايضاح
٣-ويدل على جواز النسخ للقرآن أيضًا قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها}. فهذا نص ظاهر في جواز النّسخ للقرآن بالقرآن.
معنى الآية
المعنى على قراءة الجماعة: أن الله –جل ذكره- يخبر (عن) نفسه يقول: ما نرفع من حكم آيةٍ ونبقي تلاوتها أو ننسكها يا محمد فلا تحفظ تلاوتها نأت بخير منها لكم، أي نأت بآيةٍ أخرى هي (أصلح لكم وأسهل) في التعبّد، أو نأت بمثلها في العمل وأعظم في الأجر، فهذا قول صحيح معروف.
وقد قيل: إن معناها: ما نرفع من حكم آيةٍ وتلاوتها نأت بخير منها، أي أصلح لكم منها.
قال ابن زيد: إنساؤها: محوها وتركها. ذكره القيسي في الايضاح
٤- ويدلّ على جواز النسخ أيضًا قوله تعالى: {لكلٍ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا}، فمعلومٌ أن شريعة كل رسولٍ نسخت شريعةً من كان قبله. من أبين ما يدلّ على جواز النسخ للشرائع: أن جميع الأنبياء لم يكونوا أنبياء في أوّل أمرهم، ثم كانوا أنبياء، وأن ذرية آدم تناسلوا من الأخ مع أخته شريعةً أباحها الله تعالى له ثم نسخ ذلك فحرّمه. ذكره القيسي في الايضاح لناسخ القرآن ومنسوخه
- هل النسخ من خصائص هذه الأمة؟
النسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم منها التيسير. ذكره السيوطي
في الإتقان في علوم القرآن ،وذكره الزركشي في.البرهان في علوم القرآن
أقوال طوائف اليهود في النسخ
أنكر اليهود النسخ وقالوا إنه يؤذن بالغلط والبراء.
وانقسموا في ذلك ثلاثة أقسامٍ:
فالقسم الأوّل: قالوا: لا يجوز عقلا ولا شرعًا، وزعموا أنّ النسخ هو عين البداء.
والقسم الثّاني: قالوا: يجوز عقلا وإنّما منع الشّرع من ذلك زعموا أنّ موسى عليه السّلام قال إنّ شريعته لا تنسخ من بعده، وإنّ ذلك في التّوراة.
ومن هؤلاء من قال: لا يجوز النّسخ إلا في موضعٍ واحدٍ، وهو أنّه يجوز نسخ عبادةٍ أمر اللّه بها بما هو أثقل على سبيل العقوبة لا غير.
والقسم الثّالث: قالوا: يجوز شرعًا لا عقلا، واختلف هؤلاء في عيسى ومحمّدٍ صلّى اللّه عليهما، فمنهم من قال: لم يكونا نبيين لأنهمالم يأتيا بمعجزةٍ، وإنّما أتيا بما هو من جنس الشّعوذة.
ومنهم من قال: كانا نبيّين صادقين، غير أنّهما لم يبعثا بنسخ شريعة موسى ولا بعثا إلى بني إسرائيل إنّما بعثا إلى العرب والأميين). ذكره ابن الجوزي في [نواسخ القرآن:78]
كشف شبهات منكري النّسخ
١ - أمّا قول من قال: لا يجوز النّسخ إلا على وجه العقوبة فليس بشيءٍ، لأنّه إذا أجاز النّسخ في الجملة جاز أن يكون للرّفق بالمكلّف، كما جاز للتّشديد عليه.
٢- وأمّا دعوى من ادّعى أنّ موسى عليه السّلام أخبر أنّ شريعته لا تنسخ فمحالٌ.
ويقال: إنّ ابن الرّاونديّ علمّهم أن يقولوا: إنّ موسى قال: (لا نبيّ بعدي).
ويدلّ عليه: أنّه لو صحّ قولهم لما ظهرت المعجزات على يد عيسى عليه السّلام، لأنّ اللّه تعالى لا يصدّق بالمعجزة مَن كذَّبه موسى؛ فإن أنكروا معجزة عيسى لزمهم ذلك في معجزة موسى، فإن اعترفوا ببعض معجزاته، لزمهم تكذيب من نقل عن موسى عليه السّلام أنّه قال: (لا نبيّ بعدي)
٣- وممّا يدلّ على كذبهم فيما ادّعوا أنّ اليهود ما كانوا يحتجّون على نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بكلّ شيءٍ.
وكان نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم مصدّقًا لموسى عليه السّلام، وحكم عليهم بالرّجم عملا بما في شريعة موسى صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فهلا احتجّوا عليه بذلك، ولو احتجّوا لشاع نقل ذلك، فدلّ على أنّه قولٌ ابتدع بعد نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
٤- وأمّا قول من قال: إن عيسى ومحمداً عليهما السّلام كانا نبيّين لكنّهما لم يبعثا إلى بني إسرائيل فتغفيلٌ من قائله، لأنّه إذا أقرّ بنبوّة نبيٍّ فقد أقرّ بصدقه، لأنّ النّبيّ لا يكذب، وقد كان عيسى عليه السّلام يخاطب بني إسرائيل، ونبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ((بعثت إلى النّاس كافّةً)) ويكاتب ملوك الأعاجم). ذكره ابن الجوزي في[نواسخ القرآن:
- بيان جواز النسخ عقلاً وشرعاً
١- الدليل على جواز النسخ عقلاً
أمّا الدّليل على جواز النّسخ عقلا، فهو أنّ التّكليف لا يخلو أن يكون موقوفًا على مشيئة المكلّف أو على مصلحة المكلّف، فإن كان الأوّل؛ فلا يمتنع أن يريد تكليف العباد عبادةً في مدّةٍ معلومةٍ ثمّ يرفعها ويأمر بغيرها.فللآمر أن يأمر بما شاء
وإن كان الثّاني فجائزٌ أن تكون المصلحة للعباد في فعل عبادة زمانٍ دون زمانٍ. ويوضّح هذا أنّه قد جاز في العقل تكليف عبادةٍ متناهيةٍ كصوم يومٍ، وهذا تكليفٌ انقضى بانقضاء زمانٍ،
ولأن النفس إذا مرنت على أمر ألفته فإذا نقلت عنه إلى غيره شق عليها لمكان الاعتياد المألوف فظهر منها بإذعان الانقياد لطاعة الأمر
ثمّ قد ثبت أنّ اللّه تعالى ينقل من الفقر إلى الغنى، ومن الصّحّة إلى السّقم، ثمّ قد رتّب الحرّ والبرد، واللّيل والنّهار، وهو أعلم بالمصالح وله الحكم).خلاصة قول ابن حزم في الناسخ والمنسوخ وقول ابن الجوزي في[نواسخ القرآن:وفي المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ
الدليل على جواز النسخ شرعاً
الدّليل على جواز النّسخ شرعاً، أنه قد ثبت أنّ من دين آدم عليه السّلام وطائفةٍ من أولاده، جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم، والعمل في يوم السّبت، ثمّ نسخ ذلك في شريعة موسى، وكذلك الشّحوم كانت مباحةً، ثمّ حرّمت في دين موسى، فإن ادّعوا أنّ هذا ليس بنسخٍ فقد خالفوا في اللّفظ دون المعنى). ذكره ابن حزم في[الناسخ والمنسوخ ]و ابن الجوزي في [نواسخ القرآن]وفي المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ
الفرق بين النَّسْخِ والبَدَاءِ
الفرق بين النّسخ والبداء، من وجهين:
أحدهما: أنّ النّسخ (تغيير) يكون بإزالة حكم ببدل أو بغير بدل مع تقدم العلم من الله –جل ذكره- بفرضه للناسخ ورفعه لحكم المنسوخ كل واحدٍ منهما في وقته الذي علمه وقدره قبل أمره بالأول بلا أمد.
كتحويل العباد من شيءٍ قد كان حلالًا فيحرّم أو كان حرامًا فيحلّل أو كان مطلقًا فيحظر أو كان محظورًا فيطلق أو كان مباحًا فيمنع أو ممنوعًا فيباح إرادة الصّلاح للعباد.
وقد قيل: إن النسخ إنما هو تبيين انقضاء مدة التعبّد الأول وابتداء التعبد الثاني مع علم الله –جل ذكره- لذلك كله قبل كل شيء، وهو معنى ما ذكر أولاً.
مثال
فالصّلاة كانت إلى بيت المقدس إلى وقتٍ بعينه ثمّ حظرت فصيّرت إلى الكعبة وكذا قوله جلّ وعزّ {إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً} [المجادلة: 12] قد علم اللّه جلّ وعزّ أنّه إلى وقتٍ بعينه ثمّ نسخه في ذلك الوقت، وكذا تحريم السّبت كان في وقتٍ بعينه على قومٍ ثمّ نسخ وأمر قومٌ آخرون بإباحة العمل فيه، وكان الأوّل المنسوخ حكمةً وصوابًا ثمّ نسخ وأزيل بحكمةٍ وصوابٍ كما تزال الحياة بالموت وكما تنقل الأشياء فلذلك لم يقع النّسخ في الأخبار لما فيها من الصّدق والكذب. خلاصة كلام النحاس في الناسخ والمنسوخ وقول القيسي في الايضاح لناسخ القرآن وابن الجوزي في نواسخ القرآن
- أما البداء: هو أن ينتقل عما أمر به أو أراد بأمر حادث لا بعلم سابق فيظهر له رأيٍ محدث لم يظهر قبل. كالذي يرى الرأي ثم يبدو له
كقولك: امض إلى فلانٍ اليوم ثمّ تقول: لا تمض إليه فيبدو لك عن القول الأوّل، وهذا يلحق البشر لنقصانهم وكذا إن قلت: ازرع كذا في هذه السّنة ثمّ قلت: لا تفعل، فهذا البداء.
وهذا شيءٌ يلحق البشر لجهلهم بعواقب الأمور وعلم الغيوب، والله يتعالى عن ذلك علوا كبيرًا؛ لأنه يعلم عواقب الأمور ولا يغيب عنه شيء من علم الغيوب، فمحالٌ أن يبدو له رأيٌ لم يكن يبدو له قبل ذلك. هذا من صفات المخلوقين المربوبين).هذا خلاصة قول النحاس في الناسخ والمنسوخ وقول وابن القيسي في [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:] وابن الجوزي في نواسخ القرآن وفي المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ والسيوطي في الإتقان في علوم القرآن
والثّاني: أنّ (سبب) النّسخ لا يوجب إفساد الموجب لصحّة الخطاب الأوّل، والبداء يكون (سببه) دالًّا على إفساد الموجب، لصحّة الأمر الأوّل، مثل أن يأمره بعملٍ يقصد به مطلوباً فيتبين أن المطلوب لا يحصل بذلك الفعل (فيبدو) له ما يوجب الرّجوع عنه، وكلا الأمرين يدلّ على قصور في العلم والحق عز وجل منزه عن ذلك) . ذكره ابن الجوزي في[نواسخ القرآن]

اضطراب الأشاعرة في مسألة النسخ
قال السخاوي : قولنا : ناسخ ومنسوخ أمر يختص بالتلاوة. وأما المتلو فلا يجوز ذلك فيه، وكذلك المجاز: أمر يختص بالتلاوة.
وكلام الله عز وجل قديم، لم يزل موجودا، وكان قبل إيجاد الخلق غير مكتوب ولا مقروء، ثم بالإنزال كان مقروءا ومكتوبا ومسموعا، ولم ينتقل بذلك من حال إلى حال. كما أن الباري عز وجل قبل خلق العباد لم يكن معبودا وإنما عبد بعد إيجاد العباد ولم يوجب ذلك له تغيرا سبحانه ). ذكره السخاوي في [جمال القراء]

مضاوي الهطلاني 8 شعبان 1436هـ/26-05-2015م 07:58 AM

المراسيل
المسائل :
- شروط الصدق في النقل
= في الرواية الواحدة
= النقل المتعدد الذي تكون افراده غير كافية لاثبات الصدق
= مثال على المراسيل
= الخطأ في الرواية
= غالبا الخطأ يقع في القصص الطوال
- - أمثلة لطريقة التعامل مع مرويات السلف في التفسير
تلخيص مسائل الدرس
- شروط الصدق في النقل
١- في الرواية الواحدة
الصدق في النقل يكون بتحقيق أمرين معاً:
1- ألا يكون صاحبه تعمد الكذب فيه.
2- أن يكون صاحبه لم يخطئ فيه.
لأنه إذا لم يتعمد الكذب ولم يخطئ فليس ثم إلا الثالث وهو أن يكون صادقاً فيه.
٢- النقل المتعدد الذي تكون افراده غير كافية لاثبات الصدق
إذا تعددت الروايات ولكن أفراده غير كافية لاثبات الصدق فإن بعضها يعضد بعض وهي تسمى ( المراسيل )ولكن بشروط:
- أن يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب
- و يستحيل أن يجتمعوا على الخطأ
فيعضد بعضها بعض لان اسانيد التفسير مبناها على المسامحة ليست كالحديث
مثال
مثلاً رواية في التفسير أو في الحديث أو في الأحكام تكون مرسلة يرسلها سعيد بن المسيب ويأتي رواية أخرى مثلاً في الأحكام يرسلها عامر بن شراحيل الشعبي ثم تأتي رواية ثالثة في الأحكام يرسلها قتادة ونحو هؤلاء فهؤلاء ينظر فيهم هل يقال إنهم تواطأوا جميعاً على هذا يعني اجتمعوا وأخرجوا هذه الرواية جميعاً فإذا كان تواطأوا عليها هذا يحتمل أن يكون ثمّ خطأٌ أو كذب في ذلك.
وإما أن يقال إنهم لم يتواطؤوا عليها وهذا هو الظن بهم ولذلك تكون رواية الشعبي مثلاً عاضدة لرواية سعيد ابن المسيب ورواية قتادة عاضدة لرواية الشعبي ورواية سعيد فيكون الجميع من تحصيل هذه المراسيل العلم أن النقل هذا نقل صحيح مصدق لأنه يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب ويستحيل أيضاً أن يجتمعوا على الخطأ إلا إذا قيل إن الثلاثة أخذوا من شخص واحد فهذا يكون من الخطأ لأنهم أخذوا من شخص واحد لكن إن كان مأخذهم متعدد مثل الأمثلة التي ذكرت فإن سعيد بن المسيب في المدينة وعامر بن شراحيل الشعبي في الكوفة وقتادة في البصرة فيبعد أن يأخذ هذا عن هذا أو يأخذ الجميع عن شخص واحد فمعنى ذلك أنه يشعر بالتعدد بأن النقل مصدق.
فالتفسير فيه مسامحة والفقهاء كثير منهم يجعلون المراسيل يقوي بعضها بعضاً إذا تعددت مخارجها فبعضها يقوي بعضاً وهذا هو الصحيح الذي عليه عمل الفقهاء وعمل الأئمة الذين احتاجوا إلى الروايات المرسلة في الأحكام والاستنباط.
- الخطأ في الرواية
قد يعرض على النقل المصدق الخطأ يعني أن احتمال الخطأ في رواية الراوي الذي يروي التفسير
وهذا لا يعني أن تفسيره غير مقبول لأن الذي يرد أن يكون ممن تعمد الكذب وأكثر الذين يروون التفسير فإنهم لا يتعمدون الكذب خاصةً من الصحابة فالتابعين وكثير ممن تبع التابعين هؤلاء لا يتعمدون الكذب.
أما الخطأ فقد يجوز على أحدهم أن يخطئ والخطأ والنسيان عرضة لابن آدم
- غالبا الخطأ يقع في القصص الطوال
غالبا يقع الخطأ في القصص الطواللكن هذا الخطأ والنسيان في القصص الطوال إذا نقل التابعي قصة طويلة في التفسير أو صحابي نقلها ثم نقلها الآخر فإن العلم بحصول أصل هذه القصة يحصل من اتفاق النقلين لكن قد تختلف ألفاظ هذا وألفاظ هذا فيكون البحث في بعض الألفاظ من جهة الترجيح يعني هل يرجح هذا على هذا إذا اختلفت الروايتان أما أصل القصة فقد اجتمعوا عليه.
: مثال
قصة بيع جابر جمله على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وهذه الرواية وما فيها من الاختلاف من حيث الشروط والألفاظ بعضها مطولة وبعضها مختصرة عند أهل العلم هذه الحادثة معلومة يقيناً أن جابراً باع جمله على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بثمن وأن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لما ذهب إلى المدينة رد عليه الجمل والثمن وهذا علم حصر لأنه نقله الكثير، تفاصيل القصة اختلفوا فيه فإذاً يريد أن الاختلاف في بعض الألفاظ في الأحاديث الطوال لا يعني أن أصل القصة غير صحيح بل كثير من القصص الطوال إذا اجتمع عليها أكثر من واحد في النقل في التفسير وفي غيره فهذا يشعر بأن أصل القصة واقع صحيح لأنهم لا يجتمعون على الكذب بيقين ثم إن الخطأ يبعد أن يتفق اثنان في خطأ لم يتواطأا عليه ولم يجتمعا عليه، قد يخطئ بعضهم في بعض الألفاظ هذا وارد ولهذا يؤخذ بما اجتمعوا عليه وأما ما اختلفوا فيه فيطلب ترجيحه من جهة أخرى وهذا كثير من جهة النقل.
- أمثلة لطريقة التعامل مع مرويات السلف في التفسير
- قولُه تعالى: {وَالْبَيتِ المَعْمُورِ}
أقوالٍ السلف في معنى البيتِ المعمورِ،
١- بيتٌ في السماءِ بِحِذاءِ الكعبةِ تَعمُرُه الملائكةُ، يَدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه، ويقالُ له: الضُّراحُ. وَردَ عن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه
٢- بيتٌ بحذاءِ العَرشِ. ورَدَ عن ابنِ عباسٍ من طريقِ العوفيِّ
٣- بيتٌ في السماءِ يُقالُ له: الضُّراحُ. ورد عن مجاهدٍ من طريقِ ابنِ أبي نَجِيحٍ
٤- بيتٌ في السماءِ بحيالِ الكعبةِ. ورد عن عكرمةَ
٥- يزعُمون أنه يَروحُ إليه سبعونَ ألفَ ملَكٍ من قَبيلِ إبليسَ, يقالُ لهم: الحِنُّ. ورد عن الضحَّاكِ من طريقِ عُبيدٍ
٦- أنه بيتٌ في السماءِ, وأنه يَدخُلُه في اليومِ سبعون ألفَ ملَكٍ لا يعودون إليه. رَواه قتادةُ وابنُ زيدٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مُرسلًا
٧- البيتَ المعمورَ يُرادُ به الكعبةُ. ذَكرَ ابنُ حجَرٍ أنه وَردَ عن الحسَنِ ومحمدِ بنِ عبَّادِ بنِ جعفرٍ
- سبب الخلاف
هل المرادُ بالبيتِ المعمورِ البيتُ الذي في السماءِ أو البيتُ الذي في الأرضِ الذي هو الكعبةُ؟
- نوع الخلاف
التواطؤُ، وهو من قبيلِ الوصفِ الذي حُذِفَ موصوفُه، فوَصْفُ (المعمورِ) صالحٌ للكعبةِ وللبيتِ الذي في السماءِ.
الترجيحِ :
المرادِ به البيتَ الذي في السماءِ أولى؛ لأنه قولُ الجمهورِ, وهو المشهورُ، ويدلُّ عليه حديثُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الذي ذَكرَ فيه أنه رأى إبراهيمَ عليه السلامُ مُسنِدًا ظَهرَه إلى البيتِ المعمورِ، فذكرَ أنه بيتٌ يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه.
هذا البيتُ الذي في السماءِ لا شكَّ أنه من عِلمِ الغيبِ، وما دام الأمرُ كذلك فإنه يَحتاجُ إلى أثَرٍ صحيحٍ، وقد ورد في ذلك الحديثُ السابقُ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ, وهو حديثٌ صحيحٌ.
فكونُ هذا البيتِ في السماءِ السابعةِ، وكونُ إبراهيمَ مُسنِدًا ظهرَه إليه، وأنه يدخُلُه سبعون ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه، هذه الأوصافُ الثلاثةُ كلُّها ثابتةٌ؛ لأنها وردتْ في الحديثِ الصحيحِ، أما الأوصافُ التي ذكرَها السَّلفُ فيه:
أنه بحِذاءِ الكعبةِ؛ وهذا مرويٌّ عن عليٍّ وعكرمةَ.
وإنه بحِذاءِ العَرشِ؛ وهذا مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ.
وأنَّ اسمَهُ الضُّراحُ؛ وهو مرويٌّ عن عليٍّ ومجاهِدٍ.
وأنَّ الذين يَدخلُونه يقالُ لهم: الحِنُّ. وهم من قَبِيلِ إبليسَ، وهذا انفرد به الضحَّاكُ.
فإذا نظرتَ إلى هذه الأقوالِ وجدتَها أشبَهَ بالمراسِيلِ التي ذَكرَها شيخُ الإسلامِ التي تتَّفِقُ في أصلِ القصةِ وتختلفُ في تفاصيلِها.
فقد اتَّفقَتْ هذه الرواياتُ على أنه بيتٌ في السماءِ، واختلفتْ في أوصافِه.
وكونُ هذا البيتِ الذي في السماءِ بحذاءِ الكعبةِ وردَ عن اثنينِ لا يمكنُ أن يتواطآ على الكذِبِ، وهما عليٌّ وعكرمةُ، واحتمالُ أن يكونَ عكرمةُ أخَذَه من عليٍّ فيه ضعفٌ، فينبغي قبولُ هذه الروايةِ؛ لأنها مرويَّةٌ عن صحابيٍّ، وعضَّدَها مُرْسَلٌ .
وكونُه اسمُه الضراحُ أيضًا مرويٌّ عن اثنينِ هما عليٌّ ومجاهِدٌ، ولم يَرِدْ أنَّ مجاهدًا رواه عن عليٍّ، فيكونُ أيضًا من بابِ تعدُّدِ الرواياتِ.
وبناءً عليه فلو قلتَ: إنَّ هذا البيتَ بحذاءِ الكعبةِ , وإنه يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ , وإنه يسمَّى الضراحَ يكونُ مقبولًا لتعدُّدِ الرواياتِ به عن الصحابةِ والتابِعينَ, وبناءً على قبولِ قولِ الصحابيِّ في الأمورِ الغيبيةِ.
ولكن كونُ الذين يدخُلُونه من قبيلِ الحِنِّ، هذا لا يُقبلُ؛ لأنه تفرَّد به الضحَّاكُ. فيُتوقَّفُ فيه.
والمقصودُ أن يُنظَرَ ما اتَّفقَتْ فيه الرواياتُ فيُقبلَ، وما الذي افترقتْ فيه فيُتوقَّفَ فيه حتى يَرِدَ دليلٌ آخـرُ.
مثالٌ آخَرُ:
- قولُه تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}.
- في وصفِ هذه الخيامِ أقوالٌ عن السَّلفِ:
= فقال بعضُهم: دُرٌّ مجوَّفٌ، وهذا واردٌ عن عُمرَ بنِ الخطابِ وابنِ مسعودٍ, وبه قال سعيدُ بنُ جبيرٍ ومجاهدٌ وعمرُ بنُ ميمونٍ والضحَّاكُ والحسَنُ، وكذلك رواه أبو مِجلَزٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مُرسلًا، ورواه الضحَّاكُ عن ابنِ مسعودٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، وفيه انقطاعٌ بينَ الضحَّاكِ وابنِ مسعودٍ.
= وزاد بعضُهم: الخيمةُ في الجنَّةِ دُرَّةٌ مجوَّفةٌ, فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ, لها أربعةُ آلافِ مِصرَاعٍ، وهذا واردٌ عن ابنِ عباسٍ.
=: الخيمةُ دُرَّةٌ مجوَّفةٌ، فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ، لها أربعةُ آلافِ مِصْراعٍ من ذهبٍ. وردعن الأحوص
=وبعضُهُم قال بأنَّها من لُؤْلؤٍ، وهذا أيضًا واردٌ عن ابنِ عباسٍ ومجاهدٍ وعنِ ابنِ زيدٍ، وكذلك عن خُلَيْدٍ العصريِّ.
= أنها الحِجالُ، والحِجالُ جَمعُ حَجَلةٍ، وهي المكانُ المهيَّأُ والمُزَيَّنُ للعروسِ. وَردَ عن محمدِ بنِ كعبٍ والرَّبيعِ بنِ أنسٍ
فإذا نظرتَ في هذه الأقوالِ وجدتَ أنه ليس بينَ مَن فسَّرَ الخيامَ بأنها مِن الدُّرِّ أو اللُّؤلؤِ سوى اختلافِ التعبيرِ، وإن كان الدُّرُّ يختصُّ بكبارِ اللؤلؤِ، ففي هذا التفسيرِ تقريبُ عبارةٍ كما ذكر شيخُ الإسلامِ في النوعِ الرابعِ من أنواعِ اختلافِ السَّلفِ. فإِذَنْ هذه الخيامُ من لؤلؤٍ أو من دُرٍّ.
كونُ هذا اللؤلؤِ مجوَّفاً اتَّفقتْ عليه الأقوالُ كلُّها. فإذا جئتَ تُفسِّرُ {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}، فإنك تقولُ بأنَّ الخيامَ من دُرٍّ مجوَّفٍ؛ لأن هذه الرواياتِ كلَّها اتَّفقتْ على هذا التفسيرِ.
كونُ هذه الخيامِ مُربَّعةَ الشكْلِ بمقدارِ فرسخٍ في فرسخٍ وَردَ عن ابنِ عباسٍ وعن أبي الأحوصِ. فهذا أيضًا مما يمكنُ أن يَخرُجَ عن التواطُؤِ. كذلك كونُ مصارِيعِها – أي: أبوابِها – من ذهبٍ، وأنَّ عدَدَها أربعةُ آلافٍ هذا مرويٌّ عن ابنِ عباسٍ وأبي الأحوصِ، وخالَفَهُم خليدٌ فقال: إنها سبعونَ مِصراعًا.
هنا اختلفتِ التفاصيلُ، فيُنظَرُ أيُّ الروايَتَيْنِ أكثرُ عددًا،، وإذا نَظَرتَ وجدتَ أنَّ ابنَ عباسٍ وأبا الأحوصِ اثنانِ، فيُقدَّمانِ على روايةِ خُليدٍ، فضلًا عن كونِ ابنِ عباسٍ صحابيًّا يُخبِرُ عن أمرٍ غيبِيٍّ .
كذلك كونُ هذه الخيامِ من فضةٍ، هذا واردٌ عن مجاهدٍ وقد انفردَ به فيُتوقَّفُ فيه. .
- قولُه تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ}...
=في العتيقِ أربعةُ أقوالٍ،
الأولُ والثالثُ والرابعُ تَرْجِعُ كلُّها إلى معنًى واحدٍ وهو العِتقُ، سواءٌ كان العِتقُ بمعنى أنه لم يَملِكْ قطُّ، أو بمعنى أنه أُعتِقَ من الغَرقِ، أو بمعنى أنه مُعتقٌ من الجبابرةِ، فكلُّها ترجعُ إلى معنى العتقِ.
أما القولُ الثاني فإنه من عَتُقَ الشيءُ إذا صار قديمًا، فاختلفَ في دلالَتِه عن الأقوالِ الأخرى.
فصار الخلافُ إذًا يرجعُ إلى قولَيْنِ :
/أحدُهما أنه مُشتَقٌّ من العِتقِ ضدِّ العبوديةِ،
/والثاني أنه مشتَقٌّ من العَتَاقةِ وهي القِدَمُ.
سبب الخلاف
فسببُ الخلافِ إذًا يرجعُ إلى اللغةِ، وهو أنَّ لَفظَ (العِتقِ) لفظٌ مُشترَكٌ يحتملُ هذا المعنى ويَحتملُ ذلك المعنى الآخَرَ، وهذا يُسمَّى بالاشتراكِ اللغويِّ.
وهذا الخلافُ يَدخلُ في اختلافِ التنوُّعِ؛ لأنَّ القولَيْنِ ليس بينَهما تعارُضٌ، فالبيتُ مُعتَقٌ من الجبابرةِ وغيرِهم, وهو في نفسِ الوقتِ قديمٌ.
والآيةُ تحتملُ التفسيرَيْنِ معًا، وإذا احتملَتِ الآيةُ تفسيرَيْنِ صحيحَيْنِ متغايِرَيْن فإنها تكونُ بمثابةِ الآيتَيْنِ، فتُفسَّرُ مرَّةً بهذا الوجهِ ومرَّةً بهذا الوجهِ الآخَرِ، وكِلاهما صحيحٌ.
وقد يَذهبُ بعضُهم إلى أنَّ القولَ الأولَ أرجحُ؛ لأنَّ فيه روايةً مُسندَةً عن رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وإن كان فيها ضعفٌ، كما أنه من قولِ مجاهدٍ وهو إمامُ التابِعين في التفسيرِ, وعَضَّدَهُ قولُ قتادةَ، فهو أشْبَهُ بقولِ الجمهورِ، فمِثلُ هذا الترجيحِ يُقبلُ؛ لأنه من بابِ التقديمِ الأوْلَى، وإن كانت الآيةُ محتمِلةً للقولَين معًا.
وينبغي أن يُلاحَظَ أنَّ مجاهدًا وَرَدَ عنه قولان: القولُ الأولُ والقولُ الثالثُ، وبما أنَّ هذين القولَين يرجعانِ إلى قولٍ واحدٍ، فإنَّ هذا يكونُ من بابِ اختلافِ العبارةِ.
= قولُه تعالى: {الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغَيْبِ}
/في المرادِ بالغيبِ هاهنا ستةُ أقوالٍ...
هذه الأقوالُ السِّتَّةُ التي ذَكرَها ابنُ الجوزيِّ يُلاحَظُ عليها التشابُهُ، فالغيبُ هو كلُّ ما غاب عَنكَ، وهذا ما وردتِ الإشارةُ إليه في القولِ الرابعِ وحدَّدَ بعضَ الأمثلةِ له، أما الأقوالُ الأخرى فهي أمثلةٌ للغيبِ؛ أي: إنَّها ذُكِرتْ على سبيلِ المثالِ، وليس على سبيلِ الحصْرِ. فالغيبُ لفظٌ عامٌّ وما ذُكرَ في هذه الأقوالِ أمثلةٌ للغيبِ.
فكلُّ واحدٍ من هذه الأقوالِ يُعتبرُ غيبًا، ولكنَّ الغيبَ لا يَنحصرُ في واحدٍِ منها دونَ غيرِه، فالسَّلفُ في هذه الأقوالِ يُمثِّلُونَ ولا يُخصِّصون فتُحملُ عباراتُهم على التمثيلِ.
وهذه الأقوالُ كلُّها تَرجعُ إلى معنًى واحدٍ، وهو أنَّ كلَّ ما غاب عنك فهو غيبٌ.
وهذا الاختلافُ يَرجِعُ إلى اختلافِ تنوُّعٍ لا اختلافِ تضادٍّ.
= ثالثاً: قولُه تعالى: {وأمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بالطَّاغِيَةِ}
فأما الطاغيةُ ففيها ثلاثةُ أقوالٍ...
هذا مثالٌ آخَرُ لاختلافِ السَّلفِ،
ما هو سببُ الاختلافِ؟
إذا رجعتَ إلى هذه الأقوالِ وَجدتَ أنَّ سببَ الخلافِ هو ما المقصودُ بالطاغيةِ؟ هل المقصودُ بالطاغيةِ هو الفِعلةُ الطاغيةُ التي هي كُفرُهم وطغيانُهم؟ أو أنَّ المرادَ بالطاغيةِ الصَّيْحةُ الطاغيةُ التي أُهلِكوا بها فطغَتْ على كلِّ صيحةٍ؟ أو أنَّ الطاغيةَ المرادُ بها الرجُلُ الطاغيةُ الذي هو عاقِرُ الناقةِ؟
فلفظُ (الطاغية) في الآيةِ وصفٌ حُذِفَ موصوفُه، فيحتملُ أن يكونَ هذا المحذوفُ هو أحَدَ المعاني الثلاثةِ المذكورةِ، وإذا كان الاختلافُ راجعًا إلى وصفٍ حُذِفَ مَوصوفُه فإنه يكونُ من بابِ المتواطئِ كما تقدَّمَ.
وهذا الاختلافُ يرجِعُ إلى معنى واحدٍ وهو الطغيانُ، ولكنه يَرجِعُ إلى أكثرَ من ذاتٍ، فقد يكونُ راجعًا إلى العذابِ, أو إلى الفِعلِ المعذَّبِ بِسَبَبِه, أو إلى الرجُلِ الذي عَقرَ الناقةَ.
ويُلاحَظُ أنه إذا فُسِّرت الآيةُ على أحدِ الأقوالِ فإنَّ معنى (الباء) في قولِه (بالطاغيةِ) يختلفُ من قولٍ إلى قولٍ، فتكونُ بمعنى السببيَّةِ، إذا قلتَ: (فأُهْلِكُوا بالطاغيةِ)؛ أي: بسببِ كُفرِهم وطغيانِهم، وتكونُ بمعنى الواسطةِ إذا قلتَ: (فأُهلِكوا بالطاغيةِ)؛ أي: بالصَّيحةِ الطاغيةِ، وتكونُ بمعنى السببيةِ إذا قُلنا: (فأُهلكوا بالطاغيةِ)؛ أي: بسببِ عاقرِ الناقةِ.
وهذه المعاني متنوعةٌ, ليس بينها تناقُضٌ, فهي تَرجعُ على اختلافِ التنوُّعِ. فهي كلُّها محتمَلةٌ؛ لأنَّ لفظَ الآيةِ يحتمِلُها جميعًا، ويمكنُ أن يفسَّرَ بها من جهةِ المعنى, ومن جهةِ السياقِ.
ويمكنُ أن تُرَجَّحَ أحدُ هذه الأقوالِ بدليلٍ خارجيٍّ, وهو قولُه تعالى في آيةٍ أُخْرَى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}. أي: بسببِ طُغيانِها، فتُجْعَلَ هذه الآيةُ تفسِّرُ الأخرى، فيكونُ القولُ الأولُ – وهو قولُ ابنِ عباسٍ ومجاهدٍ ومقاتِلٍ وأبي عبيدةَ وابنِ قتيبةَ– هو الراجِحَ، لوجودِ نظيرٍ له في القرآنِ في موضِعٍ آخَرَ.
ويمكنُ أن يقالَ أيضًا: إنَّ السياقَ يدلُّ على أن المرادَ بالطاغيةِ العذابُ؛ لأنه لما وَصفَ عذابَ عادٍ بالريحِ وَصفَ عذابَ ثمودَ بالطاغيةِ. والترجيحُ بابُه واسعٌ. وليس المرادُ هنا ترجيحَ أحدِ الأقوالِ، ولكنَّ المرادَ هو التمثيلُ لاختلافِ التنوُّعِ واختلافِ التضادِّ.
= رابعًا: قولُه تعالى: {وَأنَّهُ كان يَقولُ سفِيهُنَا على اللَّهِ شطَطًا} فيه قولان...
-(سفيهنا) وصفٌ حُذِفَ موصوفُه، فوَصفُ السَّفَهِ يُطلقُ على إبليسَ ويُطلق على الكافرِ؛ لأنَّ كلاًّ منهما غيرُ رشيدٍ، فيحتملُ أن يكونَ المعنى (يقولُ سفيهُنا) أي: كافرُنا، ويحتملُ أن يكونَ (يقولُ سفيهُنا) إبليسُ لَعنَه اللَّهُ.
سبب الخلاف :
الاختلاف في المراد بسفيهنا
نوع الاختلاف :
يدخُلُ في بابِ المتواطئِ؛ لأنه وصفٌ حُذِفَ موصوفُه، وهو اختلافٌ يرجعُ إلى أكثرَ من معنًى، وإلى أكثرَ من ذاتٍ؛ لأن إبليسَ غيرُ الكافرِ.
=خامسًا:قولُه تعالى: {فَذَرْنِي والمُكذِّبينَ أُولِي النَّعمَةِ}...
فيه ثلاثةُ أقوالٍ,
وقد اتَّفقتْ على أن المرادَ بـ (المكذِّبين أُولي النَّعمَةِ) قومٌ موصوفون بأنهم أصحابُ نَعمةٍ، ولكنها اختلفتْ في تعيينِهم؛ فمنهم مَن قال: نزلتْ في المطعِمين من كفارِ قريشٍ الذين كانوا يُطعِمون في غزوةِ بدرٍ، ومنهم مَن قال: نَزلتْ في بني المغيرةِ بنِ عبدِ اللَّهِ، ومنهم مَن قال: نزلتْ في المستهزِئين الذين هم صناديدُ قريشٍ.
سبب الخلاف
المراد ب المكذبين أولي النعمة
نوع الخلاف
وإذا نظرتَ إلى هذه الأقوالِ وجدتَها تدخُلُ تحتَ اللَّفظِ العامِّ الذي تُذكرُ له أمثلةٌ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من هؤلاءِ المذكورين يَدخلُ في عمومِ المكذِّبين أولي النَّعمةِ، لكن هذا العمومَ لا ينحصرُ في هؤلاءِ المذكورين فقط، بل يشملُ غيرَهم.
والعامُّ الذي تُذكرُ له أمثلةٌ يَدخلُ تحتَ بابِ اختلافِ التنوُّعِ؛ لأنه يَرجعُ إلى معنًى واحدٍ.
= قولُه تعالى: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ}...
هذه أربعةُ أقوالٍ في المرادِ بقولِه تعالى: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ}،
- فالغُصَّةُ: هي الذي لا يَسوغُ في الحَلْقِ، فلا يَستطيعُ الإنسانُ أن يأكلَه لسوءِ طَعمِه، فيَزْدَرِدُهُ لكَراهِيَتِه. قاله ابنُ الجوزيِّ
فهذا الطعامُ الموصوفُ بأنه (ذا غُصَّةٍ) هل هو الزَّقُّومُ؟ أو هو الضَّريعُ؟ أو هو الغِسلِينُ؟ أو هو الشَّوكُ الذي يقفُ في الحَلقِ؟
نوع الخلاف:
فهذه المذكوراتُ أمثلةٌ لأنواعٍ من المأكولاتِ يَنطبقُ على كلٍّ منها وصفُه بأنَّه (ذا غُصَّةٍ) فرجَعَ الخلافُ إلى الوصفِ الذي حُذفَ موصوفُه فاحتملَ كلَّ ما ذُكِرَ من الموصوفاتِ.
ويمكنُ أيضًا أن يَرجعَ الخلافُ إلى اللفظِ العامِّ الذي ذُكِرَتْ له أمثلةٌ، فتكونُ هذه المذكوراتُ من بابِ التمثيلِ, لا من بابِ التخصيصِ.
= قولُه تعالى: {ولَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}....)
إذا نظرتَ إلى هذه الأقوالِ وجدتَها تَرجعُ إلى معنَيَيْن كُلِّيَّيْن، فهي إما أن تَرجعَ إلى المِنَّةِ من قولِهم: مَنَّ فلانٌ بما أعطى. أو إلى المَنِّ الذي هو الضَّعفُ، من قولِهم: حَبلٌ مَنينٌ؛ أي: ضَعيفٌ.
فالقولُ الأولُ: لا تُعطي عطيةً تلتمسُ بها أفْضلَ منها، هذا يَدخلُ في المِنَّةِ.
والقولُ الثاني: ولا تَمنُنْ بعمَلِك تَستكْثِرُه على ربِّكَ، أيضًا يَدخلُ في المِنَّةِ.
أما مَن قال بأن المرادَ: لا تَضْعُفْ عن الخيرِ أنْ تستكْثِرَ منه، فهذا القولُ راجعٌ إلى مادَّةٍ أخرى هي الضَّعفُ.
وأما القولُ بأن معنى هذه الآيةِ لا تَمنُنْ على الناسِ بالنُّبوَّةِ لتأخُذَ عليها منهم أجْرًا فهذا أيضًا راجعٌ إلى المِنَّةِ.
فرجعتْ هذه الأقوالُ إلى المعنَيَيْن الكُلِّيَّين السابقَين.
وهذا الاختلافُ يرجعُ إلى الاشتراكِ اللُّغويِّ، لأنَّ المِنَّةَ في اللغةِ تُطلقُ على كِلا المعنيَين، فسواءٌ قلتَ: إن المرادَ النهيُ عن المِنَّةِ بالعطاءِ أو بالعَملِ أو النهيُ عن الضَّعفِ، فيكونُ في الآيةِ تأديبٌ للرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، والأصلُ في التأديبِ له صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ أنه تأديبٌ لأتباعِه إلا إذا دلَّ الدليلُ على خصوصِه.
وهذه الأقوالُ كلُّها محتملَةٌ، والخلافُ خلافُ تنوُّعٍ، وليس خلافَ تضادٍّ.
والأقوالُ ترجعُ إلى أكثرَ مِن معنى، وإن كانت في النهايةِ تَرجعُ إلى ذاتٍ واحدةٍ, وهي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ المخاطَبُ بالآيةِ.
ويمكنُ ترجيحُ أحدِ الأقوالِ بناءً على دليلٍ أو علَّةٍ أخرى؛ لأنَّ الترجيحَ بابُه واسـعٌ.
=قولُه تعالى: {إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}....)
مَن قال بأنَّ المرادَ بالذي بِيَدِه عُقدةُ النِّكاحِ هو أبو البِكْرِ، فإنه يرجعُ إلى معنى الوليِّ؛ لأنَّ الوليَّ غالبًا ما يكونُ أبًا، فيكونُ عندَك في الآيةِ قولان:
أحدُهما: أنَّ الذي بيدِه عقدةُ النكاحِ هو الزوجُ، والثاني: أنه وليُّ المرأةِ.
وهذان القولانِ يرجعانِ إلى أكثرَ مِن معنًى كما هو واضحٌ؛ لأنه إما أن يكونَ المرادُ بالذي بيَدهِ عُقدةُ النكاحِ الزوجَ، وإما أن يكونَ المرادُ وليَّ المرأةِ.
نوع الاختلاف
هذان المعنَيانِ متضادَّانِ؛ لأنه لا يمكنُ اجتماعُهما في وقتٍ واحدٍ، فإذا قلتَ: إن الذي بيَدِه عُقدةُ النكاحِ هو الزوجُ امتنعَ أن يكونَ المرادُ هو الوليَّ، وإذا قلتَ بأنه الوليُّ امتنعَ أن يكونَ المرادُ هو الزوجَ.
وإذا كان القولان لا يمكنُ اجتماعُهما في المفسَّرِ فيكونُ الخلافُ إذًا من اختلافِ التضادِّ. وهو يَرجعُ إلى أكثرَ مِن معنًى وإلى أكثرَ من ذاتٍ.
ويُلاحَظُ أنَّ كلَّ الأمثلةِ السابقةِ من بابِ اختلافِ التنوُّعِ، أما هذا المثالُ فهو من بابِ اختلافِ التضادِّ.
= قولُه تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} - في سَببِ نُزولِها قولانِ...

القولُ الأولُ في سببِ نـزولِ الآيةِ: أنها نَزلتْ في حقِّ طُعمةَ بنِ أُبَيْرِقٍ لمَّا هرَبَ من مكَّةَ, ومات على الشِّركِ، فمَقطعُ الآيةِ {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ينطبقُ على هذا الرجُلِ.
وكذلك الرجُلُ الآخَرُ من الأعرابِ الذي قيل: إنه سببُ نزولِها يَنطبقُ عليه جزءٌ من الآيةِ, وهو قولُه تعالى: {ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}. فهو يقولُ: أنا لم أُشرِكْ باللَّهِ, لكنِّي ارتكبتُ معاصِيَ فهلْ يَغفِرُ اللَّهُ لي؟ فنزلتِ الآيةُ.
وقولُ ابنِ عباسٍ: فنـزلت الآيةُ لا يَلزمُ أن يكونَ ما ذَكرَ هو سببَ النزولِ، بل يجوزُ أن يكونَ المرادُ: هذا الرجُلُ يَدخلُ في معنى الآيةِ، كما أنَّ طُعمةَ قد لا يكونُ سببَ نـزولِها المباشرَ أيضًا. ولكن يَدخلُ في معنى الآيةِ.
نوع الاختلاف
هذا اختلافٌ في سببِ النـزولِ، وهو عائِدٌ إلى التَّمثيلِ للمعنى العامِّ، وكلٌّ من القولَين يَنطبِقُ عليه معنى الآيةِ، والعِبرةُ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السببِ.
الاختلاف في رواية الحديث
كما أن هذا يُوجدُ في التفسيرِ فإنه يُوجدُ أيضًا في الحديثِ الواحدِ اختلافُ الصحابةِ فيه مع كونِ القصَّةِ واحدةً، ولكن وقَعَ اختلافٌ بينَهم في تفاصِيلِها.
مثال
ذَكرَ مثالًا واحدًا وهو حديثُ جابِرٍ الذي رواه البخاريُّ،
ِ طريقةَ التعامُلِ مع هذا الاختلافِ فيما يلي:
إن الرواياتِ اختلفتْ في مقدارِ الثَّمنِ مع أنَّ القصَّةَ واحدةٌ.
فقد باع جابرٌ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ جَملًا, واشترطَ أن يَحمِلَه الجَملُ إلى أهلِه ثم يُعطِيهِ لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، واختلَفوا في مقدارِ الثَّمنِ في هذا البيعِ, هل هو أوقيةٌ أو غيرُ ذلك؟
فهذا الاختلافُ في مقدارِ الثَّمنِ لا يَجعلُ الحديثَ باطلًا؛ لأنَّ هذا من التفاصيلِ التي يَتوهَّمُ أو يَغلَطُ فيها الواحدُ من الرواةِ.
وقَطعًا إنَّ جابرًا باعَه بثَمنٍ معيَّنٍ، لكنَّ بعضَ الرواةِ لم يضبطْ هذا الثَّمنَ فحَكى في الثَّمنِ قولًا آخَرَ.
فنأخُذُ من هذا أنَّ حديثَ جابرٍ وبيعَه الجَملَ للنبيِّ صلى اللَّه وعليه وسلم صحيحٌ بلا إشكالٍ. وأن الاختلافَ الوارِدَ في الرواياتِ الصحيحةِ لا يَطعَنُ في صحَّةِ الحديثِ.
ويُلاحَظُ أنَّ كلَّ هذه الرواياتِ اتَّفقتْ على الإشارةِ إلى كرَمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ؛ لأنه زادَ جابِرًا على الثَّمنِ الذي اشتَرى منه الجَملَ به.
إذًا فأصلُ البيعِ ثابتٌ، والخلافُ في التفاصيلِ لا يَضُرُّ في صحَّةِ أصلِ القصَّةِ، وإن كان أحدُ هذه الأثمانِ المذكورةِ صحيحًا، والآخَرُ غيرَ صحيحٍ.
هذه نفْسُ القضيةِ السابقةِ المتعلِّقةِ بالمُقَايَسَةِ بينَ المراسيلِ، وكيفيةِ جَمعِ ما اتَّفقتْ عليه هذه المراسيلُ، وتَركِ ما اختلفتْ فيه.
_______________

مضاوي الهطلاني 8 شعبان 1436هـ/26-05-2015م 04:50 PM

الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال
= سبب ندرة الغلط في تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم
= انقسم المتأخرين في تفاسيرهم إلى قسمين
- قوم راعوا المعاني
- قوم راعوا الألفاظ
= جهات الغلط في تفاسير المتأخرين
1ـ من جهة المعاني
أمثلة على ذلك
-بما يكون خطؤهم
1- يكون في الدليل والمدلول
2- في المدلول
-المراد بالدليل والمدلول
2- من جهة الألفاظ
-أقسام خطؤهم من جهة الألفاظ
أمثلة
= حكم هاتين الجهتين من التفسير
تلخيص المسائل
= سبب ندرة الغلط في تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم
التفاسير المنقولة عن الصحابة، وعن التابعين، وعن تبع التابعين، يقل أو يندر فيها الغلط وذلك لأنهم فسروا القرآن راعوا فيه أمور منها :
لمتكلم به وهو الله – جل جلاله –، وراعوا به المخاطب به؛ وهو النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وراعوا فيه المخاطبين به أيضاً وهم العرب قريش ومن حولهم في أول الأمر، أو العرب بعمومهم وأيضاً وراعوا فيه السياق، ولهذا تجد أن تفاسيرهم قد تبتعد في بعض الألفاظ عن المشهور في اللغة لكنها توافق السياق، وراعوا اللغة وراعوا أسباب النزول ...
= انقسم المتأخرين في تفاسيرهم إلى قسمين
- قوم راعوا المعاني . لم يَنظروا إلى ما تَستحِقُّه ألفاظُ القرآنِ من الدلالةِ والبيانِ.
- تارةً يَسلُبون لفظَ القرآنِ ما دلَّ عليه وأُرِيدَ به،
- وتارةً يَحمِلُونه على ما لم يَدلَّ عليه ولم يُرَدْ به
- قوم راعوا الألفاظ ، راعَوْهُ كمجرَّدِ لفظٍ عربيٍّ، فلم يَنظروا إلى ما يَصلُحُ للمتكلِّمِ ولا إلى سياقِ الكلامِ.

= جهات الغلط في تفاسير المتأخرين
كان الغلط في تفاسيرهم من جهتين :
1ـ من جهة المعاني : فالقوم الذين راعوا المعاني اعتقَدوا معانِيَ , ثم أرادوا حَملَ ألفاظِ القرآنِ عليها؛ أي: إنهم يعتقدون معنًى , فإذا مَرَّتْ آيةٌ لا تُوافِقُ معتقدَهم يصرِفون الآيةَ عن ظاهرِها، ويُحرِّفُونها لتوافِقَ معتقدَهم، أو يَنفونُ دلالَتَها على المعنى الصحيحِ المخالِفِ لمعتقَدِهم. كحال أصحاب الفرق الضالة إما المجسمة كمقاتل، أو المرجئة، أو المؤولة، أو المنكرين للصفات كالجهمية، والمعتزلة، ومن شابه هؤلاء تجد أنهم فسروا القرآن ونزلوه على وفق ما يعتقدون. وكذلك من جهه الفقة : يفسر الآيات التي فيها الأحكام على ما يعتقد من المذهب الفقهي ففي المذاهب الفقهية تجد أحكام القرآن للبيهقي مثلاً أحكام القرآنللجصاص الحنفي، أحكام القرآن لابن العربي المالكي، أحكام القرآن لابن عادل الحنبلي مثلاً إلى آخره. (هؤلاء راعوا المعاني)
= أمثلة على ذلك:
- الجهمي مثلاً يفسر أسماء الله – جل وعلا – التي جاءت في القرآن بأثر تلك الأسماء المنفصل في ملكوت الله – جل وعلا -.
- يأتي المرجئ فيفسر آيات الوعيد على نحو ما يعتقد.
- مثل قوله تعالى: {والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً} يفسرون الشجرة الملعونة بأنها معاوية – رضِي اللهُ عَنْه – وذريته، هذا تفسير الرافضة وهذا كله من التفسير بالرأي المذموم؛ لأنه تفسير عن هوى اعتقد اعتقادات ثم حمل القرآن عليه هذا من جهة العقيدة.
= بما يكون خطؤهم :
1- يكون في الدليل والمدلول
مثال على ذلك:
- قولُه تعالى: {وُجوهٌ يومَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّهَا ناظِرَةٌ} فمدلولُ هذه الآيةِ أنَّ اللَّهَ تعالى يُـرى يومَ القيامةِ، لكنَّ المعتزلةَ – وتَبِعَهم على ذلك الرافضةُ والزَّيْديَّةُ – إذا جاءوا إلى هذهِ الآيةِ يسلُبُون المعنى الذي دلَّ عليه القرآنُ، فيَنفون الرُّؤْيةَ، ويُحرِّفُون معنى الآيةِ {إلى رَبِّهَا ناظِرَةٌ} من معنى النظَرِ بالعَيْنِ إلى معنًى آخَرَ؛ إلى النظَرِ بمعنى الانتظارِ، مع أنَّ مادَّةَ (نَظَر) إذا عُدِّيَتْ بـ (إلى) لا تكونُ بمعنى الانتظارِ في اللغةِ العربيةِ، وإنما تكونُ بمعنى النظَرِ بالعَينِ.
- و تارةً يحمِلُون اللفظَ على ما لم يدلَّ عليه ولم يُرَدْ به: قولُه تعالى: {لَنْ تَرَانِي} فهم يَحمِلُونه على ما لم يدلَّ عليه مِن نفيِ الرُّؤْيةِ في القيامةِ، مع أنَّ اللفظَ لا يدلُّ على ذلك.
- فتلاحِظُ أنهم في الآيةِ الأولى التي تدلُّ على إثباتِ الرُّؤيةِ سَلبُوها معناها وما دلَّتْ عليه وأُريدَ بها، وفي الآيةِ الثانيةِ التي لا تدلُّ على نفيِ الرُّؤيةِ حَملُوها على ما لم يُرَدْ بها ولم تدلَّ عليه في نفيِ الرُّؤْية.ِ
- قال: " فيكونُ خطؤُهم في الدليلِ والمدلولِ ". فخطَؤُهم في المثالَيْن السَّابِقَين في الدليلِ , وهو (لَنْ تَرانِي)؛ لأنها لا تدلُّ على نفيِ الرُّؤْيةِ، وفي المدلولِ , وهو قولُهم: إنَّ (لن) للتأبِيدِ، وكذلك (إلى رَبِّها نَاظِرَةٌ) فسَّروا النظَرَ هنا بالانتظارِ، وهذا خطأٌ في الدليلِ والمدلولِ؛ لأنَّ الآيةَ لا تدلُّ على الانتظارِ، وإنما تدلُّ على النظَرِ إلى اللَّهِ تعالى.
2-يكون في الدليل لا في المدلول
يعني أن ما فسَّروا به الآيةَ قد يكونُ حقًّا في ذاتِه، لكنَّ خطَأَهم في الدليلِ وهو كونُ الآيةِ دلَّتْ عليه، لا في المدلولِ الذي هو ذاتُ الكلامِ.
مثال على ذلك :
- : قولُه تعالى: {إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} فسَّرَه بعضُ المتصوِّفَةِ بقولِه: هذا مَثلٌ ضربَه اللَّهُ للدُّنيا، ثم قسَّمَ الناسَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: فالهالِكُون في الدنيا هم الذين شَرِبُوا من النَّهَرِ، والذين خَلَطُوا عملًا صالحًا وآخَرَ سيِّئًا هم الذين غَرَفُوا غُرْفةً بأيديهم، والمتَّقُون الأبرارُ هم الذين لم يَشرَبُوا منه.
فهذا الكلامُ في حدِّ ذاتِه صحيحٌ، لكنَّ الخطأَ في الدليلِ؛ أي: إنَّ الآيةَ لا تدلُّ على هذا.
= المراد بالدليل والمدلول :
- فالدليلُ يُرادُ به الرابطُ بينَ الآيةِ وما فُسِّرَتْ به،
- والمدلولُ هو النتيجةُ التي تُفسَّرُ بها الآيةُ.
ـ من جهة الألفاظ : قومٌ جَعلوا القرآنَ مجرَّدَ كلامٍ عربيٍّ، ففسَّروه على هذا النحوِ دون النظَرِ إلى ما يمكنُ أن يقالَ عنه: إنه ملابساتُ نـزولِ القرآنِ، وكونِ المتكلِّمِ به اللَّهَ سبحانه والمخاطَبِ به هو الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وأصحابَه , فلم يُراعِ ذلك عندَ تفسيرِه للقرآنِ فوقَعَ في الخطأِ.
- أقسام خطؤهم من جهة الألفاظ
1- عدم مراعاتهم لمعنى اللفظة في القرآن
القرآن العظيم ترد فيه بعض الألفاظ في أكثر القرآن أو في كله على معنى واحد هذا يكون بالاستقراء فتحمل الآية التي فيها اللفظ على معهود القرآن لا يحتمل على احتمالات بعيدة لهذا صنف العلماء في ذلك مصنفات في الوجوه والنظائر لبيان هذا الأصل
- أمثلة على ذلك
- الخير في القرآن يقول العلماء الأصل فيه أنه المال {وإنه لحب الخير لشديد } يعني لحب المال. وقال: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} يعني طريقاً لتحصيل المال، وهكذا فإذا أتى في آية استعمال لفظ الخير فأول ما يتبادر للذهن أن المراد بالخير المال فإذا لم يناسب للسياق صرف إلى المعنى الآخر هذا يسمى المعهود معهود استعمال القرآن.
- (الزينة) الزينة في القرآن أخص من الزينة في لغة العرب،
: الزينة في لغة العرب : كل ما يتزين به وقد يكون :
من الذات وقد لا يكون من الذات يعني إذا تزين المرء بالأخلاق سمي متزيناً .
الزينة في القرآن : أطلقت واستعملت في أحد المعنيين دون الآخر ألا هو الزينة الخارجة عن الذات التي جلبت لها الزينة لهذا قال جل وعلا: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} فإذاً الزينة ليست من ذات الأرض وإنما هي مجلوبةٌ إلى الأرض: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الزينة خارجة عن ذات ابن آدم فهي شيء مجلوب ليتزين به {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} زينها – جل وعلا – بزينة هذه الزينة من ذاتها أو خارجة عنها؟ قال: {زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } فالكواكب هي خارجة عن ذات السماء وهي في السماء فجعلها الله – جل وعلا- زينة لخروج.
فإذا أتت آية مشكلة مثل آية النور في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} يأتي لفظ الزينة هنا هل يحمل على كل المعهود في اللغة؟ أو يحمل على المعهود في القرآن؟
لاشك أن الأولى كما قال شيخ الإسلام في تأصيله أن يراعى معهود المتكلم به، والمخاطب، والمخاطبين والحال فهنا في أحد هذه فالقرآن فيه أن الزينة خارجةٌ عن الذات شيء مجلوب إلى الذات فإذا أتى أحد وقال: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} أن ما ظهر من الزينة هو الوجه هذا فسر الزينة بأنه شيء في الذات، وهذا معناه أنه فسرها بشيء غير معهود في استعمال القرآن للفظ الزينة لهذا كان الصحيح التفسير المشهور عن الصحابة عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن الزينة هي القُرط مثلاً والكحل واللباس ونحو ذلك، {لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} فإذاً لا تبدي الزينة لكن ما ظهر منها ما ظهر من الزينة ما ظهر من الشيء المجلوب للتزين به فلا حرج على المرأة في ذلك.
فإذاً لا يفسر الزينة هنا بأنها الوجه، لماذا؟
لأن تفسير الزينة بأنها الوجه تفسير للزينة بشي في الذات وهذا مخالف لما هو معهود من معنى الزينة في القرآن وهذا له أمثلة كثيرة.
2- تفسر الآية باحتمال لغوي لكن هذا الاحتمال ليس بواردٍ على حال المخاطبين.
مثال على ذلك
قـولـه تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} فيأتي من يأتي من المفسرين بالرأي فيجعلون سؤالهم عن الأهلة سؤالاً فلكياً معقداً، وهم إنما سألوا عن الهلال لم يبدو في أول الشهر صغيراً ثم يكبر ثم يكبر؟ وكان سؤالاً بسيطاً؛ لأن هذا حال العرب لم يكن عندهم من علم الفلك العلم المعقد إنما سألوا عن أمر ظاهر بين فتفسيـر سؤالهم بأنه سؤال عن أمرٍ فلكي معقد هذا لم يرع فيه حال أولئك وإنما فسر بغرائب الأهلة: {يسألونك عن الأهلة} فيأتـي المفسر مثل الرازي وغيره يأتون ينطلقون في الأحوال الفلكية في ذلك، هذا ليس من المعهود ولا من المعروف في حال الذين سألوا ولا حال العرب الذين نزل القرآن ليخاطبهم أول الأمر.
= حكم هاتين الجهتين من التفسير
هاتان الجهتان لاشك أن الغلط واقع فيهما وكلا الجهتين من التفسير بالرأيلكن الأولى من التفسير بالرأي المذموم الذي توعد فاعله، والثانية من التفسير بالرأي الذي أخطأ من ذهب إليه.
فيكون الضابط في التفسير بالرأي: أنه إذا اتبع هواه في التفسير صار ذلك من التفسير بالرأي المذموم المردود الذي جاء الوعيد على من قال به.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((من تكلم بالقرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار)) وفي لفظ آخر: ((من قال في القرآن برأيه أخطأ ولو أصاب)) وهي أحاديث وأسانيدها ضعيفة لكن بمجموعها لعلها تبلغ مرتبة الحسن.






أمل عبد الرحمن 10 شعبان 1436هـ/28-05-2015م 07:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مضاوي الهطلاني (المشاركة 204401)
ثبوت النسخ والردّ على من أنكره
عناصر الموضوع:
● بيان جواز النسخ
...-المراد بالنسخ في القرآن
...- إجماع العلماء على أن في القرآن نسخاً
....- أدلة جواز النسخ
● هل النسخ من خصائص هذه الأمة؟
● أقوال طوائف اليهود في النسخ
● كشف شبهات منكري النسخ
● بيان جواز النسخ عقلاً وشرعاً
... - الدليل على جواز النسخ عقلاً
... - الدليل على جواز النسخ شرعاً
● الفرق بين النسخ والبداء
● اضطراب الأشاعرة في مسألة النسخ
خلاصة كلام العلماء في ثبوت النسخ
- بيان جواز النسخ للقرآن
- المراد بالنسخ في القرآن
يأتي النسخ على معاني منها:
١- إذا أزاله فلم يبق له أثراً من قولهم: نسخت الرّيح الآثار، إذا أزالتها فلم يبق لواحدٍ منهما أثر.
مثاله:
}وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي إلاّ إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيّته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته}.
فبين أن الله ينسخ ما يلقي الشيطان في تلاوة النبي أو الرسول.
- دلالة الآية:
وهذا إنّما يدلّ على جواز النسخ فيما يزيد الشيطان في تلاوة النبي أو الرّسول من الباطل خاصةً،
فهو من النسخ الذي بمعنى أزاله ولم يبق له أثر .
وليس يدل على جواز النّسخ فيما ينزله الله ويأمر به، فلا حجة فيه لمن استدل به على جواز نسخ ما هو من عند الله من الحق
٢- قوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}: فهذا إنما يراد به إذهاب ما لا يجوز نسخه من الأخبار وغيرها. وما لا يجوز نسخه لو شاء الله لأذهب حفظه كله من القلوب بغير عوض.
ومنه ما روي مما رفع من سورة الأحزاب وغيرها.
وهو من قولهم: نسخت الريح الآثار، أي أزالتها، فلا الريح بقيت ولا الآثار بقيت ) . [ذكره القيسي في الإيضاح لناسخ القرآن
وليس هذا هو المراد بالنسخ في القرآن
٢- إذا أزاله وحل محله من قولهم: نسخت الشمس الظل، إذا أزالته وحلت محله. كقوله تعالى: {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ والله أعلم بما ينـزّل قالوا إنّما أنت مفترٍ}. زوال حكم آيةٍ ووضع أخرى (موضعها).
وهذا النسخ من قولهم: نسخت الشمس الظل، إذا أزالته وحلت محله.
وهو المراد بالنسخ في القرآن
- إجماع العلماء على أن في القرآن نسخاً
أجمع المسلمون على جواز النسخ في القرآن ، ذكره السيوطي في الإتقان في علوم القرآن:
وبه قال ابن الجوزي قال: انعقد إجماع العلماء على أن في القرآن نسخاً إلا أنّه قد شذّ من لا يلتفت إليه فحكى أبو جعفرٍ النّحّاس أنّ قومًا قالوا: ليس في القرآن ناسخٌ ولا منسوخٌ. وهؤلاء قومٌ لا يقرّون، لأنّهم خالفوا نصّ الكتاب، وإجماع الأمّة .ذكره ابن الجوزي في نواسخ القرآن
الأدلة على ذلك
- قال الله عز وجل: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها}.
- عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في قوله تعالى: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: في النّاسخ والمنسوخ"
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} يقول: (يبدّل اللّه ما يشاء من القرآن فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدّله، وما يبدّل وما يثبت كلّ ذلك في كتاب).
- عن عكرمة في قوله: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: (ينسخ الآية بالآية فترفع، وعنده أمّ الكتاب، أصل الكتاب) -عن محمّد ابن كعب في قوله عز وجل: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: (نزلت في النّاسخ والمنسوخ).
- عن محمّد بن سيرين {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} يرفعه، ويثبت ما يشاء فيدعه مقرًّا له.
- عن قتادة: ({منه آياتٌ محكماتٌ} قال: المحكمات النّاسخ الّذي يعمل به).
- عن السدي: ({يمحو اللّه ما يشاء ويثبت} ما يشاء من المنسوخ ويثبت من النّاسخ).
قال: وحدّثنا... {منه آياتٌ محكماتٌ} قال:... لم تنسخ). ورواه سفيان عن سلمة عن الضحاك، قال: (المحكمات الناسخ).
-عن وكيعٌ عن سلمة بن نبيطٍ عن الصّحابة قال: (المتشابه ما قد نسخ، والمحكمات ما لم ينسخ).
- وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: "أبيٌّ أعلمنا بالمنسوخ"). ذكره ابن الجوزي في [نواسخ القرآن:84- 90]
- الأدلة على جواز النسخ
١- قال الله – جلَّ ذكره -: {يمحو الله ما يشاء ويثبت}.
معنى الآية
قال ابن عباسٍ وغيره: معناه: يمحو ما يشاء من أحكام كتابه (فينسخه) ببدلٍ أو بغير بدل، ويثبت ما يشاء فلا يمحوه ولا ينسخه،[ثم قال]: {وعنده أم الكتاب}.
قال ابن عباس: معناه: عنده ما ينسخ ويبدّل من الآي والأحكام، وعنده ما لا ينسخ ولا يبدّل، كلٌّ في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ.
ومثل هذا المعنى (قال) قتادة وابن جريج وغيرهم في هذه الآية.
وقد قيل غير ذلك. ذكره القيسي في كتاب الايضاح
وفي رواية لابن عباس رضي الله عنه في معنى الآية قال:( في النّاسخ والمنسوخ)ذكره ابن الجوزي في نواسخ القرآن
وفي رواية لابن عباس يقول: (يبدّل اللّه ما يشاء من القرآن فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدّله، وما يبدّل وما يثبت كلّ ذلك في كتاب).ذكره ابن الجوزي في نواسخ القرآن
- عن قتادة عن عكرمة في قوله: {يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت} قال: (ينسخ الآية بالآية فترفع، وعنده أمّ الكتاب، أصل الكتاب)ذكره ابن الجوزي في نواسخ القرآن
- دلالة الآية
هذا يدل على جواز النسخ بنص القرآن.ذكره القيسي في كتاب الايضاح
٢- ويدلّ على جواز النسخ للقرآن أيضًا قوله تعالى: {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ والله أعلم بما ينـزّل قالوا إنّما أنت مفترٍ}.
- دلالة الآية
هذا نصٌ ظاهر في (جواز) زوال حكم آيةٍ ووضع أخرى (موضعها). ذكره القيسي في كتاب الايضاح
٣-ويدل على جواز النسخ للقرآن أيضًا قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها}. فهذا نص ظاهر في جواز النّسخ للقرآن بالقرآن.
معنى الآية
المعنى على قراءة الجماعة: أن الله –جل ذكره- يخبر (عن) نفسه يقول: ما نرفع من حكم آيةٍ ونبقي تلاوتها أو ننسكها يا محمد فلا تحفظ تلاوتها نأت بخير منها لكم، أي نأت بآيةٍ أخرى هي (أصلح لكم وأسهل) في التعبّد، أو نأت بمثلها في العمل وأعظم في الأجر، فهذا قول صحيح معروف.
وقد قيل: إن معناها: ما نرفع من حكم آيةٍ وتلاوتها نأت بخير منها، أي أصلح لكم منها.
قال ابن زيد: إنساؤها: محوها وتركها. ذكره القيسي في الايضاح
٤- ويدلّ على جواز النسخ أيضًا قوله تعالى: {لكلٍ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا}، فمعلومٌ أن شريعة كل رسولٍ نسخت شريعةً من كان قبله. من أبين ما يدلّ على جواز النسخ للشرائع: أن جميع الأنبياء لم يكونوا أنبياء في أوّل أمرهم، ثم كانوا أنبياء، وأن ذرية آدم تناسلوا من الأخ مع أخته شريعةً أباحها الله تعالى له ثم نسخ ذلك فحرّمه. ذكره القيسي في الايضاح لناسخ القرآن ومنسوخه
يوجد تكرار في ذكر الأدلة، فقد ذكرتيها عند حكاية الإجماع، ثم ذكرتيها منفصلة، وليس هناك داع إلا ما يتعلق بالاستدلال على جوازه من الشرائع السابقة فيفصل.
- هل النسخ من خصائص هذه الأمة؟
النسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم منها التيسير. ذكره السيوطي
في الإتقان في علوم القرآن ،وذكره الزركشي في.البرهان في علوم القرآن
أقوال طوائف اليهود في النسخ
أنكر اليهود النسخ وقالوا إنه يؤذن بالغلط والبراء.
وانقسموا في ذلك ثلاثة أقسامٍ:
فالقسم الأوّل: قالوا: لا يجوز عقلا ولا شرعًا، وزعموا أنّ النسخ هو عين البداء.
والقسم الثّاني: قالوا: يجوز عقلا وإنّما منع الشّرع من ذلك زعموا أنّ موسى عليه السّلام قال إنّ شريعته لا تنسخ من بعده، وإنّ ذلك في التّوراة.
ومن هؤلاء من قال: لا يجوز النّسخ إلا في موضعٍ واحدٍ، وهو أنّه يجوز نسخ عبادةٍ أمر اللّه بها بما هو أثقل على سبيل العقوبة لا غير.
والقسم الثّالث: قالوا: يجوز شرعًا لا عقلا، واختلف هؤلاء في عيسى ومحمّدٍ صلّى اللّه عليهما، فمنهم من قال: لم يكونا نبيين لأنهمالم يأتيا بمعجزةٍ، وإنّما أتيا بما هو من جنس الشّعوذة.
ومنهم من قال: كانا نبيّين صادقين، غير أنّهما لم يبعثا بنسخ شريعة موسى ولا بعثا إلى بني إسرائيل إنّما بعثا إلى العرب والأميين). ذكره ابن الجوزي في [نواسخ القرآن:78]
كشف شبهات منكري النّسخ
١ - أمّا قول من قال: لا يجوز النّسخ إلا على وجه العقوبة فليس بشيءٍ، لأنّه إذا أجاز النّسخ في الجملة جاز أن يكون للرّفق بالمكلّف، كما جاز للتّشديد عليه.
٢- وأمّا دعوى من ادّعى أنّ موسى عليه السّلام أخبر أنّ شريعته لا تنسخ فمحالٌ.
ويقال: إنّ ابن الرّاونديّ علمّهم أن يقولوا: إنّ موسى قال: (لا نبيّ بعدي).
ويدلّ عليه: أنّه لو صحّ قولهم لما ظهرت المعجزات على يد عيسى عليه السّلام، لأنّ اللّه تعالى لا يصدّق بالمعجزة مَن كذَّبه موسى؛ فإن أنكروا معجزة عيسى لزمهم ذلك في معجزة موسى، فإن اعترفوا ببعض معجزاته، لزمهم تكذيب من نقل عن موسى عليه السّلام أنّه قال: (لا نبيّ بعدي)
٣- وممّا يدلّ على كذبهم فيما ادّعوا أنّ اليهود ما كانوا يحتجّون على نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بكلّ شيءٍ.
وكان نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم مصدّقًا لموسى عليه السّلام، وحكم عليهم بالرّجم عملا بما في شريعة موسى صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فهلا احتجّوا عليه بذلك، ولو احتجّوا لشاع نقل ذلك، فدلّ على أنّه قولٌ ابتدع بعد نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
٤- وأمّا قول من قال: إن عيسى ومحمداً عليهما السّلام كانا نبيّين لكنّهما لم يبعثا إلى بني إسرائيل فتغفيلٌ من قائله، لأنّه إذا أقرّ بنبوّة نبيٍّ فقد أقرّ بصدقه، لأنّ النّبيّ لا يكذب، وقد كان عيسى عليه السّلام يخاطب بني إسرائيل، ونبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ((بعثت إلى النّاس كافّةً)) ويكاتب ملوك الأعاجم). ذكره ابن الجوزي في[نواسخ القرآن:
بقي الكلام على ادعائهم أن النسخ هو بداء، وهي أهم شبههم، ولا داعي لفصلها في موضع آخر من الملخص.

- بيان جواز النسخ عقلاً وشرعاً
١- الدليل على جواز النسخ عقلاً
أمّا الدّليل على جواز النّسخ عقلا، فهو أنّ التّكليف لا يخلو أن يكون موقوفًا على مشيئة المكلّف أو على مصلحة المكلّف، فإن كان الأوّل؛ فلا يمتنع أن يريد تكليف العباد عبادةً في مدّةٍ معلومةٍ ثمّ يرفعها ويأمر بغيرها.فللآمر أن يأمر بما شاء
وإن كان الثّاني فجائزٌ أن تكون المصلحة للعباد في فعل عبادة زمانٍ دون زمانٍ. ويوضّح هذا أنّه قد جاز في العقل تكليف عبادةٍ متناهيةٍ كصوم يومٍ، وهذا تكليفٌ انقضى بانقضاء زمانٍ،
ولأن النفس إذا مرنت على أمر ألفته فإذا نقلت عنه إلى غيره شق عليها لمكان الاعتياد المألوف فظهر منها بإذعان الانقياد لطاعة الأمر
ثمّ قد ثبت أنّ اللّه تعالى ينقل من الفقر إلى الغنى، ومن الصّحّة إلى السّقم، ثمّ قد رتّب الحرّ والبرد، واللّيل والنّهار، وهو أعلم بالمصالح وله الحكم).خلاصة قول ابن حزم في الناسخ والمنسوخ وقول ابن الجوزي في[نواسخ القرآن:وفي المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ
الدليل على جواز النسخ شرعاً
الدّليل على جواز النّسخ شرعاً، أنه قد ثبت أنّ من دين آدم عليه السّلام وطائفةٍ من أولاده، جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم، والعمل في يوم السّبت، ثمّ نسخ ذلك في شريعة موسى، وكذلك الشّحوم كانت مباحةً، ثمّ حرّمت في دين موسى، فإن ادّعوا أنّ هذا ليس بنسخٍ فقد خالفوا في اللّفظ دون المعنى). ذكره ابن حزم في[الناسخ والمنسوخ ]و ابن الجوزي في [نواسخ القرآن]وفي المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ
الفرق بين النَّسْخِ والبَدَاءِ
الفرق بين النّسخ والبداء، من وجهين:
أحدهما: أنّ النّسخ (تغيير) يكون بإزالة حكم ببدل أو بغير بدل مع تقدم العلم من الله –جل ذكره- بفرضه للناسخ ورفعه لحكم المنسوخ كل واحدٍ منهما في وقته الذي علمه وقدره قبل أمره بالأول بلا أمد.
كتحويل العباد من شيءٍ قد كان حلالًا فيحرّم أو كان حرامًا فيحلّل أو كان مطلقًا فيحظر أو كان محظورًا فيطلق أو كان مباحًا فيمنع أو ممنوعًا فيباح إرادة الصّلاح للعباد.
وقد قيل: إن النسخ إنما هو تبيين انقضاء مدة التعبّد الأول وابتداء التعبد الثاني مع علم الله –جل ذكره- لذلك كله قبل كل شيء، وهو معنى ما ذكر أولاً.
مثال
فالصّلاة كانت إلى بيت المقدس إلى وقتٍ بعينه ثمّ حظرت فصيّرت إلى الكعبة وكذا قوله جلّ وعزّ {إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً} [المجادلة: 12] قد علم اللّه جلّ وعزّ أنّه إلى وقتٍ بعينه ثمّ نسخه في ذلك الوقت، وكذا تحريم السّبت كان في وقتٍ بعينه على قومٍ ثمّ نسخ وأمر قومٌ آخرون بإباحة العمل فيه، وكان الأوّل المنسوخ حكمةً وصوابًا ثمّ نسخ وأزيل بحكمةٍ وصوابٍ كما تزال الحياة بالموت وكما تنقل الأشياء فلذلك لم يقع النّسخ في الأخبار لما فيها من الصّدق والكذب. خلاصة كلام النحاس في الناسخ والمنسوخ وقول القيسي في الايضاح لناسخ القرآن وابن الجوزي في نواسخ القرآن
- أما البداء: هو أن ينتقل عما أمر به أو أراد بأمر حادث لا بعلم سابق فيظهر له رأيٍ محدث لم يظهر قبل. كالذي يرى الرأي ثم يبدو له
كقولك: امض إلى فلانٍ اليوم ثمّ تقول: لا تمض إليه فيبدو لك عن القول الأوّل، وهذا يلحق البشر لنقصانهم وكذا إن قلت: ازرع كذا في هذه السّنة ثمّ قلت: لا تفعل، فهذا البداء.
وهذا شيءٌ يلحق البشر لجهلهم بعواقب الأمور وعلم الغيوب، والله يتعالى عن ذلك علوا كبيرًا؛ لأنه يعلم عواقب الأمور ولا يغيب عنه شيء من علم الغيوب، فمحالٌ أن يبدو له رأيٌ لم يكن يبدو له قبل ذلك. هذا من صفات المخلوقين المربوبين).هذا خلاصة قول النحاس في الناسخ والمنسوخ وقول وابن القيسي في [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:] وابن الجوزي في نواسخ القرآن وفي المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ والسيوطي في الإتقان في علوم القرآن
والثّاني: أنّ (سبب) النّسخ لا يوجب إفساد الموجب لصحّة الخطاب الأوّل، والبداء يكون (سببه) دالًّا على إفساد الموجب، لصحّة الأمر الأوّل، مثل أن يأمره بعملٍ يقصد به مطلوباً فيتبين أن المطلوب لا يحصل بذلك الفعل (فيبدو) له ما يوجب الرّجوع عنه، وكلا الأمرين يدلّ على قصور في العلم والحق عز وجل منزه عن ذلك) . ذكره ابن الجوزي في[نواسخ القرآن]

اضطراب الأشاعرة في مسألة النسخ
قال السخاوي : قولنا : ناسخ ومنسوخ أمر يختص بالتلاوة. وأما المتلو فلا يجوز ذلك فيه، وكذلك المجاز: أمر يختص بالتلاوة.
وكلام الله عز وجل قديم، لم يزل موجودا، وكان قبل إيجاد الخلق غير مكتوب ولا مقروء، ثم بالإنزال كان مقروءا ومكتوبا ومسموعا، ولم ينتقل بذلك من حال إلى حال. كما أن الباري عز وجل قبل خلق العباد لم يكن معبودا وإنما عبد بعد إيجاد العباد ولم يوجب ذلك له تغيرا سبحانه ). ذكره السخاوي في [جمال القراء]

بارك الله فيك ونفع بك أختي.
وقد وقفت على جميع مسائل الموضوع، وحررتيها تحريرا جيدا، لكن الملاحظات على خطوة الترتيب.
وكما اتفقنا سابقا أن العناصر الموجودة في موقع الجمهرة رتبت كتصنيف للمشاركات المنقولة وليست نهائية في الترتيب.
وترتيب المسائل ترتيبا موضوعيا له دور مهم جدا في تيسير وصولها وفهمها للقاريء والسامع.
وأرجو أن يتضح لك ذلك من خلال مطالعة نموذج الإجابة على هذا الرابط:
http://www.afaqattaiseer.net/vb/show...528#post200528


تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 14
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 16
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 15 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15

= 90 %
وفقك الله


أمل عبد الرحمن 10 شعبان 1436هـ/28-05-2015م 09:45 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مضاوي الهطلاني (المشاركة 205010)
المراسيل
المسائل :
- شروط الصدق في النقل
= في الرواية الواحدة
= النقل المتعدد الذي تكون افراده غير كافية لاثبات الصدق
= مثال على المراسيل
= الخطأ في الرواية
= غالبا الخطأ يقع في القصص الطوال
- - أمثلة لطريقة التعامل مع مرويات السلف في التفسير
تلخيص مسائل الدرس
- شروط الصدق في النقل
١- في الرواية الواحدة
الصدق في النقل يكون بتحقيق أمرين معاً:
1- ألا يكون صاحبه تعمد الكذب فيه.
2- أن يكون صاحبه لم يخطئ فيه.
لأنه إذا لم يتعمد الكذب ولم يخطئ فليس ثم إلا الثالث وهو أن يكون صادقاً فيه.
٢- النقل المتعدد الذي تكون افراده غير كافية لاثبات الصدق
إذا تعددت الروايات ولكن أفراده غير كافية لاثبات الصدق فإن بعضها يعضد بعض وهي تسمى ( المراسيل ) ولكن بشروط:
- أن يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب
- و يستحيل أن يجتمعوا على الخطأ
فيعضد بعضها بعض لان اسانيد التفسير مبناها على المسامحة ليست كالحديث
الحديث المرسل هو ما يرسله التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابي الذي لم يسمع منه، فالتابعي مؤكد لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حدث عنه فطبيعي أن يكون هناك صحابي واسطة بينهما لم يذكر في السند، فهذه الرواية حكمها الضعف عند أهل العلم.
مثال
مثلاً رواية في التفسير أو في الحديث أو في الأحكام تكون مرسلة يرسلها سعيد بن المسيب ويأتي رواية أخرى مثلاً في الأحكام يرسلها عامر بن شراحيل الشعبي ثم تأتي رواية ثالثة في الأحكام يرسلها قتادة ونحو هؤلاء فهؤلاء ينظر فيهم هل يقال إنهم تواطأوا جميعاً على هذا يعني اجتمعوا وأخرجوا هذه الرواية جميعاً فإذا كان تواطأوا عليها هذا يحتمل أن يكون ثمّ خطأٌ أو كذب في ذلك.
وإما أن يقال إنهم لم يتواطؤوا عليها وهذا هو الظن بهم ولذلك تكون رواية الشعبي مثلاً عاضدة لرواية سعيد ابن المسيب ورواية قتادة عاضدة لرواية الشعبي ورواية سعيد فيكون الجميع من تحصيل هذه المراسيل العلم أن النقل هذا نقل صحيح مصدق لأنه يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب ويستحيل أيضاً أن يجتمعوا على الخطأ إلا إذا قيل إن الثلاثة أخذوا من شخص واحد فهذا يكون من الخطأ لأنهم أخذوا من شخص واحد لكن إن كان مأخذهم متعدد مثل الأمثلة التي ذكرت فإن سعيد بن المسيب في المدينة وعامر بن شراحيل الشعبي في الكوفة وقتادة في البصرة فيبعد أن يأخذ هذا عن هذا أو يأخذ الجميع عن شخص واحد فمعنى ذلك أنه يشعر بالتعدد بأن النقل مصدق.
فالتفسير فيه مسامحة والفقهاء كثير منهم يجعلون المراسيل يقوي بعضها بعضاً إذا تعددت مخارجها فبعضها يقوي بعضاً وهذا هو الصحيح الذي عليه عمل الفقهاء وعمل الأئمة الذين احتاجوا إلى الروايات المرسلة في الأحكام والاستنباط.
- الخطأ في الرواية
قد يعرض على النقل المصدق الخطأ يعني أن احتمال الخطأ في رواية الراوي الذي يروي التفسير
وهذا لا يعني أن تفسيره غير مقبول لأن الذي يرد أن يكون ممن تعمد الكذب وأكثر الذين يروون التفسير فإنهم لا يتعمدون الكذب خاصةً من الصحابة فالتابعين وكثير ممن تبع التابعين هؤلاء لا يتعمدون الكذب.
أما الخطأ فقد يجوز على أحدهم أن يخطئ والخطأ والنسيان عرضة لابن آدم
- غالبا الخطأ يقع في القصص الطوال
غالبا يقع الخطأ في القصص الطوال لكن هذا الخطأ والنسيان في القصص الطوال إذا نقل التابعي قصة طويلة في التفسير أو صحابي نقلها ثم نقلها الآخر فإن العلم بحصول أصل هذه القصة يحصل من اتفاق النقلين لكن قد تختلف ألفاظ هذا وألفاظ هذا فيكون البحث في بعض الألفاظ من جهة الترجيح يعني هل يرجح هذا على هذا إذا اختلفت الروايتان أما أصل القصة فقد اجتمعوا عليه.
: مثال
قصة بيع جابر جمله على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وهذه الرواية وما فيها من الاختلاف من حيث الشروط والألفاظ بعضها مطولة وبعضها مختصرة عند أهل العلم هذه الحادثة معلومة يقيناً أن جابراً باع جمله على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بثمن وأن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لما ذهب إلى المدينة رد عليه الجمل والثمن وهذا علم حصر لأنه نقله الكثير، تفاصيل القصة اختلفوا فيه فإذاً يريد أن الاختلاف في بعض الألفاظ في الأحاديث الطوال لا يعني أن أصل القصة غير صحيح بل كثير من القصص الطوال إذا اجتمع عليها أكثر من واحد في النقل في التفسير وفي غيره فهذا يشعر بأن أصل القصة واقع صحيح لأنهم لا يجتمعون على الكذب بيقين ثم إن الخطأ يبعد أن يتفق اثنان في خطأ لم يتواطأا عليه ولم يجتمعا عليه، قد يخطئ بعضهم في بعض الألفاظ هذا وارد ولهذا يؤخذ بما اجتمعوا عليه وأما ما اختلفوا فيه فيطلب ترجيحه من جهة أخرى وهذا كثير من جهة النقل.

- أمثلة لطريقة التعامل مع مرويات السلف في التفسير
- قولُه تعالى: {وَالْبَيتِ المَعْمُورِ}
أقوالٍ السلف في معنى البيتِ المعمورِ،
١- بيتٌ في السماءِ بِحِذاءِ الكعبةِ تَعمُرُه الملائكةُ، يَدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه، ويقالُ له: الضُّراحُ. وَردَ عن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه
٢- بيتٌ بحذاءِ العَرشِ. ورَدَ عن ابنِ عباسٍ من طريقِ العوفيِّ
٣- بيتٌ في السماءِ يُقالُ له: الضُّراحُ. ورد عن مجاهدٍ من طريقِ ابنِ أبي نَجِيحٍ
٤- بيتٌ في السماءِ بحيالِ الكعبةِ. ورد عن عكرمةَ
٥- يزعُمون أنه يَروحُ إليه سبعونَ ألفَ ملَكٍ من قَبيلِ إبليسَ, يقالُ لهم: الحِنُّ. ورد عن الضحَّاكِ من طريقِ عُبيدٍ
٦- أنه بيتٌ في السماءِ, وأنه يَدخُلُه في اليومِ سبعون ألفَ ملَكٍ لا يعودون إليه. رَواه قتادةُ وابنُ زيدٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مُرسلًا
٧- البيتَ المعمورَ يُرادُ به الكعبةُ. ذَكرَ ابنُ حجَرٍ أنه وَردَ عن الحسَنِ ومحمدِ بنِ عبَّادِ بنِ جعفرٍ
- سبب الخلاف
هل المرادُ بالبيتِ المعمورِ البيتُ الذي في السماءِ أو البيتُ الذي في الأرضِ الذي هو الكعبةُ؟
- نوع الخلاف
التواطؤُ، وهو من قبيلِ الوصفِ الذي حُذِفَ موصوفُه، فوَصْفُ (المعمورِ) صالحٌ للكعبةِ وللبيتِ الذي في السماءِ.
الترجيحِ :
المرادِ به البيتَ الذي في السماءِ أولى؛ لأنه قولُ الجمهورِ, وهو المشهورُ، ويدلُّ عليه حديثُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الذي ذَكرَ فيه أنه رأى إبراهيمَ عليه السلامُ مُسنِدًا ظَهرَه إلى البيتِ المعمورِ، فذكرَ أنه بيتٌ يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه.
هذا البيتُ الذي في السماءِ لا شكَّ أنه من عِلمِ الغيبِ، وما دام الأمرُ كذلك فإنه يَحتاجُ إلى أثَرٍ صحيحٍ، وقد ورد في ذلك الحديثُ السابقُ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ, وهو حديثٌ صحيحٌ.
فكونُ هذا البيتِ في السماءِ السابعةِ، وكونُ إبراهيمَ مُسنِدًا ظهرَه إليه، وأنه يدخُلُه سبعون ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه، هذه الأوصافُ الثلاثةُ كلُّها ثابتةٌ؛ لأنها وردتْ في الحديثِ الصحيحِ، أما الأوصافُ التي ذكرَها السَّلفُ فيه:
أنه بحِذاءِ الكعبةِ؛ وهذا مرويٌّ عن عليٍّ وعكرمةَ.
وإنه بحِذاءِ العَرشِ؛ وهذا مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ.
وأنَّ اسمَهُ الضُّراحُ؛ وهو مرويٌّ عن عليٍّ ومجاهِدٍ.
وأنَّ الذين يَدخلُونه يقالُ لهم: الحِنُّ. وهم من قَبِيلِ إبليسَ، وهذا انفرد به الضحَّاكُ.
فإذا نظرتَ إلى هذه الأقوالِ وجدتَها أشبَهَ بالمراسِيلِ التي ذَكرَها شيخُ الإسلامِ التي تتَّفِقُ في أصلِ القصةِ وتختلفُ في تفاصيلِها.
فقد اتَّفقَتْ هذه الرواياتُ على أنه بيتٌ في السماءِ، واختلفتْ في أوصافِه.
وكونُ هذا البيتِ الذي في السماءِ بحذاءِ الكعبةِ وردَ عن اثنينِ لا يمكنُ أن يتواطآ على الكذِبِ، وهما عليٌّ وعكرمةُ، واحتمالُ أن يكونَ عكرمةُ أخَذَه من عليٍّ فيه ضعفٌ، فينبغي قبولُ هذه الروايةِ؛ لأنها مرويَّةٌ عن صحابيٍّ، وعضَّدَها مُرْسَلٌ .
وكونُه اسمُه الضراحُ أيضًا مرويٌّ عن اثنينِ هما عليٌّ ومجاهِدٌ، ولم يَرِدْ أنَّ مجاهدًا رواه عن عليٍّ، فيكونُ أيضًا من بابِ تعدُّدِ الرواياتِ.
وبناءً عليه فلو قلتَ: إنَّ هذا البيتَ بحذاءِ الكعبةِ , وإنه يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ , وإنه يسمَّى الضراحَ يكونُ مقبولًا لتعدُّدِ الرواياتِ به عن الصحابةِ والتابِعينَ, وبناءً على قبولِ قولِ الصحابيِّ في الأمورِ الغيبيةِ.
ولكن كونُ الذين يدخُلُونه من قبيلِ الحِنِّ، هذا لا يُقبلُ؛ لأنه تفرَّد به الضحَّاكُ. فيُتوقَّفُ فيه.
والمقصودُ أن يُنظَرَ ما اتَّفقَتْ فيه الرواياتُ فيُقبلَ، وما الذي افترقتْ فيه فيُتوقَّفَ فيه حتى يَرِدَ دليلٌ آخـرُ.
مثالٌ آخَرُ:
- قولُه تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}.
- في وصفِ هذه الخيامِ أقوالٌ عن السَّلفِ:
= فقال بعضُهم: دُرٌّ مجوَّفٌ، وهذا واردٌ عن عُمرَ بنِ الخطابِ وابنِ مسعودٍ, وبه قال سعيدُ بنُ جبيرٍ ومجاهدٌ وعمرُ بنُ ميمونٍ والضحَّاكُ والحسَنُ، وكذلك رواه أبو مِجلَزٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مُرسلًا، ورواه الضحَّاكُ عن ابنِ مسعودٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، وفيه انقطاعٌ بينَ الضحَّاكِ وابنِ مسعودٍ.
= وزاد بعضُهم: الخيمةُ في الجنَّةِ دُرَّةٌ مجوَّفةٌ, فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ, لها أربعةُ آلافِ مِصرَاعٍ، وهذا واردٌ عن ابنِ عباسٍ.
=: الخيمةُ دُرَّةٌ مجوَّفةٌ، فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ، لها أربعةُ آلافِ مِصْراعٍ من ذهبٍ. وردعن الأحوص
=وبعضُهُم قال بأنَّها من لُؤْلؤٍ، وهذا أيضًا واردٌ عن ابنِ عباسٍ ومجاهدٍ وعنِ ابنِ زيدٍ، وكذلك عن خُلَيْدٍ العصريِّ.
= أنها الحِجالُ، والحِجالُ جَمعُ حَجَلةٍ، وهي المكانُ المهيَّأُ والمُزَيَّنُ للعروسِ. وَردَ عن محمدِ بنِ كعبٍ والرَّبيعِ بنِ أنسٍ
فإذا نظرتَ في هذه الأقوالِ وجدتَ أنه ليس بينَ مَن فسَّرَ الخيامَ بأنها مِن الدُّرِّ أو اللُّؤلؤِ سوى اختلافِ التعبيرِ، وإن كان الدُّرُّ يختصُّ بكبارِ اللؤلؤِ، ففي هذا التفسيرِ تقريبُ عبارةٍ كما ذكر شيخُ الإسلامِ في النوعِ الرابعِ من أنواعِ اختلافِ السَّلفِ. فإِذَنْ هذه الخيامُ من لؤلؤٍ أو من دُرٍّ.
كونُ هذا اللؤلؤِ مجوَّفاً اتَّفقتْ عليه الأقوالُ كلُّها. فإذا جئتَ تُفسِّرُ {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}، فإنك تقولُ بأنَّ الخيامَ من دُرٍّ مجوَّفٍ؛ لأن هذه الرواياتِ كلَّها اتَّفقتْ على هذا التفسيرِ.
كونُ هذه الخيامِ مُربَّعةَ الشكْلِ بمقدارِ فرسخٍ في فرسخٍ وَردَ عن ابنِ عباسٍ وعن أبي الأحوصِ. فهذا أيضًا مما يمكنُ أن يَخرُجَ عن التواطُؤِ. كذلك كونُ مصارِيعِها – أي: أبوابِها – من ذهبٍ، وأنَّ عدَدَها أربعةُ آلافٍ هذا مرويٌّ عن ابنِ عباسٍ وأبي الأحوصِ، وخالَفَهُم خليدٌ فقال: إنها سبعونَ مِصراعًا.
هنا اختلفتِ التفاصيلُ، فيُنظَرُ أيُّ الروايَتَيْنِ أكثرُ عددًا،، وإذا نَظَرتَ وجدتَ أنَّ ابنَ عباسٍ وأبا الأحوصِ اثنانِ، فيُقدَّمانِ على روايةِ خُليدٍ، فضلًا عن كونِ ابنِ عباسٍ صحابيًّا يُخبِرُ عن أمرٍ غيبِيٍّ .
كذلك كونُ هذه الخيامِ من فضةٍ، هذا واردٌ عن مجاهدٍ وقد انفردَ به فيُتوقَّفُ فيه. .
- قولُه تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ}...
=في العتيقِ أربعةُ أقوالٍ،
الأولُ والثالثُ والرابعُ تَرْجِعُ كلُّها إلى معنًى واحدٍ وهو العِتقُ، سواءٌ كان العِتقُ بمعنى أنه لم يَملِكْ قطُّ، أو بمعنى أنه أُعتِقَ من الغَرقِ، أو بمعنى أنه مُعتقٌ من الجبابرةِ، فكلُّها ترجعُ إلى معنى العتقِ.
أما القولُ الثاني فإنه من عَتُقَ الشيءُ إذا صار قديمًا، فاختلفَ في دلالَتِه عن الأقوالِ الأخرى.
فصار الخلافُ إذًا يرجعُ إلى قولَيْنِ :
/أحدُهما أنه مُشتَقٌّ من العِتقِ ضدِّ العبوديةِ،
/والثاني أنه مشتَقٌّ من العَتَاقةِ وهي القِدَمُ.
سبب الخلاف
فسببُ الخلافِ إذًا يرجعُ إلى اللغةِ، وهو أنَّ لَفظَ (العِتقِ) لفظٌ مُشترَكٌ يحتملُ هذا المعنى ويَحتملُ ذلك المعنى الآخَرَ، وهذا يُسمَّى بالاشتراكِ اللغويِّ.
وهذا الخلافُ يَدخلُ في اختلافِ التنوُّعِ؛ لأنَّ القولَيْنِ ليس بينَهما تعارُضٌ، فالبيتُ مُعتَقٌ من الجبابرةِ وغيرِهم, وهو في نفسِ الوقتِ قديمٌ.
والآيةُ تحتملُ التفسيرَيْنِ معًا، وإذا احتملَتِ الآيةُ تفسيرَيْنِ صحيحَيْنِ متغايِرَيْن فإنها تكونُ بمثابةِ الآيتَيْنِ، فتُفسَّرُ مرَّةً بهذا الوجهِ ومرَّةً بهذا الوجهِ الآخَرِ، وكِلاهما صحيحٌ.
وقد يَذهبُ بعضُهم إلى أنَّ القولَ الأولَ أرجحُ؛ لأنَّ فيه روايةً مُسندَةً عن رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وإن كان فيها ضعفٌ، كما أنه من قولِ مجاهدٍ وهو إمامُ التابِعين في التفسيرِ, وعَضَّدَهُ قولُ قتادةَ، فهو أشْبَهُ بقولِ الجمهورِ، فمِثلُ هذا الترجيحِ يُقبلُ؛ لأنه من بابِ التقديمِ الأوْلَى، وإن كانت الآيةُ محتمِلةً للقولَين معًا.
وينبغي أن يُلاحَظَ أنَّ مجاهدًا وَرَدَ عنه قولان: القولُ الأولُ والقولُ الثالثُ، وبما أنَّ هذين القولَين يرجعانِ إلى قولٍ واحدٍ، فإنَّ هذا يكونُ من بابِ اختلافِ العبارةِ.
= قولُه تعالى: {الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغَيْبِ}
/في المرادِ بالغيبِ هاهنا ستةُ أقوالٍ...
هذه الأقوالُ السِّتَّةُ التي ذَكرَها ابنُ الجوزيِّ يُلاحَظُ عليها التشابُهُ، فالغيبُ هو كلُّ ما غاب عَنكَ، وهذا ما وردتِ الإشارةُ إليه في القولِ الرابعِ وحدَّدَ بعضَ الأمثلةِ له، أما الأقوالُ الأخرى فهي أمثلةٌ للغيبِ؛ أي: إنَّها ذُكِرتْ على سبيلِ المثالِ، وليس على سبيلِ الحصْرِ. فالغيبُ لفظٌ عامٌّ وما ذُكرَ في هذه الأقوالِ أمثلةٌ للغيبِ.
فكلُّ واحدٍ من هذه الأقوالِ يُعتبرُ غيبًا، ولكنَّ الغيبَ لا يَنحصرُ في واحدٍِ منها دونَ غيرِه، فالسَّلفُ في هذه الأقوالِ يُمثِّلُونَ ولا يُخصِّصون فتُحملُ عباراتُهم على التمثيلِ.
وهذه الأقوالُ كلُّها تَرجعُ إلى معنًى واحدٍ، وهو أنَّ كلَّ ما غاب عنك فهو غيبٌ.
وهذا الاختلافُ يَرجِعُ إلى اختلافِ تنوُّعٍ لا اختلافِ تضادٍّ.
= ثالثاً: قولُه تعالى: {وأمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بالطَّاغِيَةِ}
فأما الطاغيةُ ففيها ثلاثةُ أقوالٍ...
هذا مثالٌ آخَرُ لاختلافِ السَّلفِ،
ما هو سببُ الاختلافِ؟
إذا رجعتَ إلى هذه الأقوالِ وَجدتَ أنَّ سببَ الخلافِ هو ما المقصودُ بالطاغيةِ؟ هل المقصودُ بالطاغيةِ هو الفِعلةُ الطاغيةُ التي هي كُفرُهم وطغيانُهم؟ أو أنَّ المرادَ بالطاغيةِ الصَّيْحةُ الطاغيةُ التي أُهلِكوا بها فطغَتْ على كلِّ صيحةٍ؟ أو أنَّ الطاغيةَ المرادُ بها الرجُلُ الطاغيةُ الذي هو عاقِرُ الناقةِ؟
فلفظُ (الطاغية) في الآيةِ وصفٌ حُذِفَ موصوفُه، فيحتملُ أن يكونَ هذا المحذوفُ هو أحَدَ المعاني الثلاثةِ المذكورةِ، وإذا كان الاختلافُ راجعًا إلى وصفٍ حُذِفَ مَوصوفُه فإنه يكونُ من بابِ المتواطئِ كما تقدَّمَ.
وهذا الاختلافُ يرجِعُ إلى معنى واحدٍ وهو الطغيانُ، ولكنه يَرجِعُ إلى أكثرَ من ذاتٍ، فقد يكونُ راجعًا إلى العذابِ, أو إلى الفِعلِ المعذَّبِ بِسَبَبِه, أو إلى الرجُلِ الذي عَقرَ الناقةَ.
ويُلاحَظُ أنه إذا فُسِّرت الآيةُ على أحدِ الأقوالِ فإنَّ معنى (الباء) في قولِه (بالطاغيةِ) يختلفُ من قولٍ إلى قولٍ، فتكونُ بمعنى السببيَّةِ، إذا قلتَ: (فأُهْلِكُوا بالطاغيةِ)؛ أي: بسببِ كُفرِهم وطغيانِهم، وتكونُ بمعنى الواسطةِ إذا قلتَ: (فأُهلِكوا بالطاغيةِ)؛ أي: بالصَّيحةِ الطاغيةِ، وتكونُ بمعنى السببيةِ إذا قُلنا: (فأُهلكوا بالطاغيةِ)؛ أي: بسببِ عاقرِ الناقةِ.
وهذه المعاني متنوعةٌ, ليس بينها تناقُضٌ, فهي تَرجعُ على اختلافِ التنوُّعِ. فهي كلُّها محتمَلةٌ؛ لأنَّ لفظَ الآيةِ يحتمِلُها جميعًا، ويمكنُ أن يفسَّرَ بها من جهةِ المعنى, ومن جهةِ السياقِ.
ويمكنُ أن تُرَجَّحَ أحدُ هذه الأقوالِ بدليلٍ خارجيٍّ, وهو قولُه تعالى في آيةٍ أُخْرَى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}. أي: بسببِ طُغيانِها، فتُجْعَلَ هذه الآيةُ تفسِّرُ الأخرى، فيكونُ القولُ الأولُ – وهو قولُ ابنِ عباسٍ ومجاهدٍ ومقاتِلٍ وأبي عبيدةَ وابنِ قتيبةَ– هو الراجِحَ، لوجودِ نظيرٍ له في القرآنِ في موضِعٍ آخَرَ.
ويمكنُ أن يقالَ أيضًا: إنَّ السياقَ يدلُّ على أن المرادَ بالطاغيةِ العذابُ؛ لأنه لما وَصفَ عذابَ عادٍ بالريحِ وَصفَ عذابَ ثمودَ بالطاغيةِ. والترجيحُ بابُه واسعٌ. وليس المرادُ هنا ترجيحَ أحدِ الأقوالِ، ولكنَّ المرادَ هو التمثيلُ لاختلافِ التنوُّعِ واختلافِ التضادِّ.
= رابعًا: قولُه تعالى: {وَأنَّهُ كان يَقولُ سفِيهُنَا على اللَّهِ شطَطًا} فيه قولان...
-(سفيهنا) وصفٌ حُذِفَ موصوفُه، فوَصفُ السَّفَهِ يُطلقُ على إبليسَ ويُطلق على الكافرِ؛ لأنَّ كلاًّ منهما غيرُ رشيدٍ، فيحتملُ أن يكونَ المعنى (يقولُ سفيهُنا) أي: كافرُنا، ويحتملُ أن يكونَ (يقولُ سفيهُنا) إبليسُ لَعنَه اللَّهُ.
سبب الخلاف :
الاختلاف في المراد بسفيهنا
نوع الاختلاف :
يدخُلُ في بابِ المتواطئِ؛ لأنه وصفٌ حُذِفَ موصوفُه، وهو اختلافٌ يرجعُ إلى أكثرَ من معنًى، وإلى أكثرَ من ذاتٍ؛ لأن إبليسَ غيرُ الكافرِ.
=خامسًا:قولُه تعالى: {فَذَرْنِي والمُكذِّبينَ أُولِي النَّعمَةِ}...
فيه ثلاثةُ أقوالٍ,
وقد اتَّفقتْ على أن المرادَ بـ (المكذِّبين أُولي النَّعمَةِ) قومٌ موصوفون بأنهم أصحابُ نَعمةٍ، ولكنها اختلفتْ في تعيينِهم؛ فمنهم مَن قال: نزلتْ في المطعِمين من كفارِ قريشٍ الذين كانوا يُطعِمون في غزوةِ بدرٍ، ومنهم مَن قال: نَزلتْ في بني المغيرةِ بنِ عبدِ اللَّهِ، ومنهم مَن قال: نزلتْ في المستهزِئين الذين هم صناديدُ قريشٍ.
سبب الخلاف
المراد ب المكذبين أولي النعمة
نوع الخلاف
وإذا نظرتَ إلى هذه الأقوالِ وجدتَها تدخُلُ تحتَ اللَّفظِ العامِّ الذي تُذكرُ له أمثلةٌ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من هؤلاءِ المذكورين يَدخلُ في عمومِ المكذِّبين أولي النَّعمةِ، لكن هذا العمومَ لا ينحصرُ في هؤلاءِ المذكورين فقط، بل يشملُ غيرَهم.
والعامُّ الذي تُذكرُ له أمثلةٌ يَدخلُ تحتَ بابِ اختلافِ التنوُّعِ؛ لأنه يَرجعُ إلى معنًى واحدٍ.
= قولُه تعالى: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ}...
هذه أربعةُ أقوالٍ في المرادِ بقولِه تعالى: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ}،
- فالغُصَّةُ: هي الذي لا يَسوغُ في الحَلْقِ، فلا يَستطيعُ الإنسانُ أن يأكلَه لسوءِ طَعمِه، فيَزْدَرِدُهُ لكَراهِيَتِه. قاله ابنُ الجوزيِّ
فهذا الطعامُ الموصوفُ بأنه (ذا غُصَّةٍ) هل هو الزَّقُّومُ؟ أو هو الضَّريعُ؟ أو هو الغِسلِينُ؟ أو هو الشَّوكُ الذي يقفُ في الحَلقِ؟
نوع الخلاف:
فهذه المذكوراتُ أمثلةٌ لأنواعٍ من المأكولاتِ يَنطبقُ على كلٍّ منها وصفُه بأنَّه (ذا غُصَّةٍ) فرجَعَ الخلافُ إلى الوصفِ الذي حُذفَ موصوفُه فاحتملَ كلَّ ما ذُكِرَ من الموصوفاتِ.
ويمكنُ أيضًا أن يَرجعَ الخلافُ إلى اللفظِ العامِّ الذي ذُكِرَتْ له أمثلةٌ، فتكونُ هذه المذكوراتُ من بابِ التمثيلِ, لا من بابِ التخصيصِ.
= قولُه تعالى: {ولَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}....)
إذا نظرتَ إلى هذه الأقوالِ وجدتَها تَرجعُ إلى معنَيَيْن كُلِّيَّيْن، فهي إما أن تَرجعَ إلى المِنَّةِ من قولِهم: مَنَّ فلانٌ بما أعطى. أو إلى المَنِّ الذي هو الضَّعفُ، من قولِهم: حَبلٌ مَنينٌ؛ أي: ضَعيفٌ.
فالقولُ الأولُ: لا تُعطي عطيةً تلتمسُ بها أفْضلَ منها، هذا يَدخلُ في المِنَّةِ.
والقولُ الثاني: ولا تَمنُنْ بعمَلِك تَستكْثِرُه على ربِّكَ، أيضًا يَدخلُ في المِنَّةِ.
أما مَن قال بأن المرادَ: لا تَضْعُفْ عن الخيرِ أنْ تستكْثِرَ منه، فهذا القولُ راجعٌ إلى مادَّةٍ أخرى هي الضَّعفُ.
وأما القولُ بأن معنى هذه الآيةِ لا تَمنُنْ على الناسِ بالنُّبوَّةِ لتأخُذَ عليها منهم أجْرًا فهذا أيضًا راجعٌ إلى المِنَّةِ.
فرجعتْ هذه الأقوالُ إلى المعنَيَيْن الكُلِّيَّين السابقَين.
وهذا الاختلافُ يرجعُ إلى الاشتراكِ اللُّغويِّ، لأنَّ المِنَّةَ في اللغةِ تُطلقُ على كِلا المعنيَين، فسواءٌ قلتَ: إن المرادَ النهيُ عن المِنَّةِ بالعطاءِ أو بالعَملِ أو النهيُ عن الضَّعفِ، فيكونُ في الآيةِ تأديبٌ للرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، والأصلُ في التأديبِ له صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ أنه تأديبٌ لأتباعِه إلا إذا دلَّ الدليلُ على خصوصِه.
وهذه الأقوالُ كلُّها محتملَةٌ، والخلافُ خلافُ تنوُّعٍ، وليس خلافَ تضادٍّ.
والأقوالُ ترجعُ إلى أكثرَ مِن معنى، وإن كانت في النهايةِ تَرجعُ إلى ذاتٍ واحدةٍ, وهي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ المخاطَبُ بالآيةِ.
ويمكنُ ترجيحُ أحدِ الأقوالِ بناءً على دليلٍ أو علَّةٍ أخرى؛ لأنَّ الترجيحَ بابُه واسـعٌ.
=قولُه تعالى: {إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}....)
مَن قال بأنَّ المرادَ بالذي بِيَدِه عُقدةُ النِّكاحِ هو أبو البِكْرِ، فإنه يرجعُ إلى معنى الوليِّ؛ لأنَّ الوليَّ غالبًا ما يكونُ أبًا، فيكونُ عندَك في الآيةِ قولان:
أحدُهما: أنَّ الذي بيدِه عقدةُ النكاحِ هو الزوجُ، والثاني: أنه وليُّ المرأةِ.
وهذان القولانِ يرجعانِ إلى أكثرَ مِن معنًى كما هو واضحٌ؛ لأنه إما أن يكونَ المرادُ بالذي بيَدهِ عُقدةُ النكاحِ الزوجَ، وإما أن يكونَ المرادُ وليَّ المرأةِ.
نوع الاختلاف
هذان المعنَيانِ متضادَّانِ؛ لأنه لا يمكنُ اجتماعُهما في وقتٍ واحدٍ، فإذا قلتَ: إن الذي بيَدِه عُقدةُ النكاحِ هو الزوجُ امتنعَ أن يكونَ المرادُ هو الوليَّ، وإذا قلتَ بأنه الوليُّ امتنعَ أن يكونَ المرادُ هو الزوجَ.
وإذا كان القولان لا يمكنُ اجتماعُهما في المفسَّرِ فيكونُ الخلافُ إذًا من اختلافِ التضادِّ. وهو يَرجعُ إلى أكثرَ مِن معنًى وإلى أكثرَ من ذاتٍ.
ويُلاحَظُ أنَّ كلَّ الأمثلةِ السابقةِ من بابِ اختلافِ التنوُّعِ، أما هذا المثالُ فهو من بابِ اختلافِ التضادِّ.
= قولُه تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} - في سَببِ نُزولِها قولانِ...

القولُ الأولُ في سببِ نـزولِ الآيةِ: أنها نَزلتْ في حقِّ طُعمةَ بنِ أُبَيْرِقٍ لمَّا هرَبَ من مكَّةَ, ومات على الشِّركِ، فمَقطعُ الآيةِ {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ينطبقُ على هذا الرجُلِ.
وكذلك الرجُلُ الآخَرُ من الأعرابِ الذي قيل: إنه سببُ نزولِها يَنطبقُ عليه جزءٌ من الآيةِ, وهو قولُه تعالى: {ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}. فهو يقولُ: أنا لم أُشرِكْ باللَّهِ, لكنِّي ارتكبتُ معاصِيَ فهلْ يَغفِرُ اللَّهُ لي؟ فنزلتِ الآيةُ.
وقولُ ابنِ عباسٍ: فنـزلت الآيةُ لا يَلزمُ أن يكونَ ما ذَكرَ هو سببَ النزولِ، بل يجوزُ أن يكونَ المرادُ: هذا الرجُلُ يَدخلُ في معنى الآيةِ، كما أنَّ طُعمةَ قد لا يكونُ سببَ نـزولِها المباشرَ أيضًا. ولكن يَدخلُ في معنى الآيةِ.
نوع الاختلاف
هذا اختلافٌ في سببِ النـزولِ، وهو عائِدٌ إلى التَّمثيلِ للمعنى العامِّ، وكلٌّ من القولَين يَنطبِقُ عليه معنى الآيةِ، والعِبرةُ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السببِ.
الاختلاف في رواية الحديث
كما أن هذا يُوجدُ في التفسيرِ فإنه يُوجدُ أيضًا في الحديثِ الواحدِ اختلافُ الصحابةِ فيه مع كونِ القصَّةِ واحدةً، ولكن وقَعَ اختلافٌ بينَهم في تفاصِيلِها.
مثال
ذَكرَ مثالًا واحدًا وهو حديثُ جابِرٍ الذي رواه البخاريُّ،
ِ طريقةَ التعامُلِ مع هذا الاختلافِ فيما يلي:
إن الرواياتِ اختلفتْ في مقدارِ الثَّمنِ مع أنَّ القصَّةَ واحدةٌ.
فقد باع جابرٌ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ جَملًا, واشترطَ أن يَحمِلَه الجَملُ إلى أهلِه ثم يُعطِيهِ لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، واختلَفوا في مقدارِ الثَّمنِ في هذا البيعِ, هل هو أوقيةٌ أو غيرُ ذلك؟
فهذا الاختلافُ في مقدارِ الثَّمنِ لا يَجعلُ الحديثَ باطلًا؛ لأنَّ هذا من التفاصيلِ التي يَتوهَّمُ أو يَغلَطُ فيها الواحدُ من الرواةِ.
وقَطعًا إنَّ جابرًا باعَه بثَمنٍ معيَّنٍ، لكنَّ بعضَ الرواةِ لم يضبطْ هذا الثَّمنَ فحَكى في الثَّمنِ قولًا آخَرَ.
فنأخُذُ من هذا أنَّ حديثَ جابرٍ وبيعَه الجَملَ للنبيِّ صلى اللَّه وعليه وسلم صحيحٌ بلا إشكالٍ. وأن الاختلافَ الوارِدَ في الرواياتِ الصحيحةِ لا يَطعَنُ في صحَّةِ الحديثِ.
ويُلاحَظُ أنَّ كلَّ هذه الرواياتِ اتَّفقتْ على الإشارةِ إلى كرَمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ؛ لأنه زادَ جابِرًا على الثَّمنِ الذي اشتَرى منه الجَملَ به.
إذًا فأصلُ البيعِ ثابتٌ، والخلافُ في التفاصيلِ لا يَضُرُّ في صحَّةِ أصلِ القصَّةِ، وإن كان أحدُ هذه الأثمانِ المذكورةِ صحيحًا، والآخَرُ غيرَ صحيحٍ.
هذه نفْسُ القضيةِ السابقةِ المتعلِّقةِ بالمُقَايَسَةِ بينَ المراسيلِ، وكيفيةِ جَمعِ ما اتَّفقتْ عليه هذه المراسيلُ، وتَركِ ما اختلفتْ فيه.
_______________


بارك الله فيك ونفع بك
هذه قائمة بمسائل الدرس أضعها لك للفائدة.

المراسيل في التفسير


عناصر الدرس:
موضوع الدرس
● تمهيد:
- أكثر الأخبار المنقولة في التفسير ليست مرفوعة وإنما أغلبها موقوفا.
- ما كان من هذه الأخبار مرفوعا يكون مرسلا على الغالب
- مجيء الحديث والأسانيد على هذا النحو ليس موجبا لردّه.
- التعامل مع أسانيد التفسير ليس كالتعامل مع الأسانيد في الحديث
- يقبل النقل إذا صدق فيه صاحبه.


شروط الحكم على صدق النقل
..1- انتفاء الكذب العمد
..2- انتفاء الخطأ

أولا: التحقق من انتفاء الكذب في النقل
..1- تعدد طرقه
. .2- خلوه من المواطأة والاتفاق
- غالب من يروي أسانيد التفسير لا يتعمّدون الكذب خاصة من الصحابة والتابعين وكثير من تابعي التابعين، لكن قد يعرض لهم الخطأ والنسيان.

ثانيا: التحقق من انتفاء الخطأ في النقل
- اتفاق الروايات في أصل الخبر يجزم بصحته
- اختلاف الروايات في التفاصيل يُحتاج فيه إلى ترجيح بطرق أخرى مستقلة.

- مثال: قصة جمل جابر رضي الله عنه

● تعريف المرسل
● ضابط الحكم على صحة المرسل.
. .1- تعدد طرقه
. .2- خلوه من المواطأة والاتفاق
...3- تلقّي العلماء له بالقبول

أمثلة للتعامل مع مرويات السلف في التفسير
طريقة التعامل مع الروايات تطبّق على المراسيل وعلى غيرها بل يستفاد منها في التاريخ والأدب وغير ذلك.
خلاصة الدرس.



تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 28
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 16
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 15 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15

= 92 %
وفقك الله

أمل عبد الرحمن 10 شعبان 1436هـ/28-05-2015م 10:03 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مضاوي الهطلاني (المشاركة 205112)
الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال
= سبب ندرة الغلط في تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم
= انقسم المتأخرين في تفاسيرهم إلى قسمين
- قوم راعوا المعاني
- قوم راعوا الألفاظ
= جهات الغلط في تفاسير المتأخرين
1ـ من جهة المعاني
أمثلة على ذلك
-بما يكون خطؤهم
1- يكون في الدليل والمدلول
2- في المدلول
-المراد بالدليل والمدلول
2- من جهة الألفاظ
-أقسام خطؤهم من جهة الألفاظ
أمثلة
= حكم هاتين الجهتين من التفسير
تلخيص المسائل
= سبب ندرة الغلط في تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم
التفاسير المنقولة عن الصحابة، وعن التابعين، وعن تبع التابعين، يقل أو يندر فيها الغلط وذلك لأنهم فسروا القرآن راعوا فيه أمور منها :
لمتكلم به وهو الله – جل جلاله –، وراعوا به المخاطب به؛ وهو النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وراعوا فيه المخاطبين به أيضاً وهم العرب قريش ومن حولهم في أول الأمر، أو العرب بعمومهم وأيضاً وراعوا فيه السياق، ولهذا تجد أن تفاسيرهم قد تبتعد في بعض الألفاظ عن المشهور في اللغة لكنها توافق السياق، وراعوا اللغة وراعوا أسباب النزول ...
= انقسم المتأخرين في تفاسيرهم إلى قسمين
- قوم راعوا المعاني . لم يَنظروا إلى ما تَستحِقُّه ألفاظُ القرآنِ من الدلالةِ والبيانِ.
- تارةً يَسلُبون لفظَ القرآنِ ما دلَّ عليه وأُرِيدَ به،
- وتارةً يَحمِلُونه على ما لم يَدلَّ عليه ولم يُرَدْ به
- قوم راعوا الألفاظ ، راعَوْهُ كمجرَّدِ لفظٍ عربيٍّ، فلم يَنظروا إلى ما يَصلُحُ للمتكلِّمِ ولا إلى سياقِ الكلامِ.
ليس كل المتأخرين فسروا القرآن خطأ، وإنما نبه الشيخ على الجهتين اللتين يحصل منهما الخطأ في التفسير الذي حصل عند بعض المتأخرين.

= جهات الغلط في تفاسير المتأخرين
كان الغلط في تفاسيرهم من جهتين :
1ـ من جهة اعتقاد المعاني : فالقوم الذين راعوا المعاني اعتقَدوا معانِيَ , ثم أرادوا حَملَ ألفاظِ القرآنِ عليها؛ أي: إنهم يعتقدون معنًى , فإذا مَرَّتْ آيةٌ لا تُوافِقُ معتقدَهم يصرِفون الآيةَ عن ظاهرِها، ويُحرِّفُونها لتوافِقَ معتقدَهم، أو يَنفونُ دلالَتَها على المعنى الصحيحِ المخالِفِ لمعتقَدِهم. كحال أصحاب الفرق الضالة إما المجسمة كمقاتل، أو المرجئة، أو المؤولة، أو المنكرين للصفات كالجهمية، والمعتزلة، ومن شابه هؤلاء تجد أنهم فسروا القرآن ونزلوه على وفق ما يعتقدون. وكذلك من جهه الفقة : يفسر الآيات التي فيها الأحكام على ما يعتقد من المذهب الفقهي ففي المذاهب الفقهية تجد أحكام القرآن للبيهقي مثلاً أحكام القرآن للجصاص الحنفي، أحكام القرآن لابن العربي المالكي، أحكام القرآن لابن عادل الحنبلي مثلاً إلى آخره. (هؤلاء راعوا المعاني)
= أمثلة على ذلك:
- الجهمي مثلاً يفسر أسماء الله – جل وعلا – التي جاءت في القرآن بأثر تلك الأسماء المنفصل في ملكوت الله – جل وعلا -.
- يأتي المرجئ فيفسر آيات الوعيد على نحو ما يعتقد.
- مثل قوله تعالى: {والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً} يفسرون الشجرة الملعونة بأنها معاوية – رضِي اللهُ عَنْه – وذريته، هذا تفسير الرافضة وهذا كله من التفسير بالرأي المذموم؛ لأنه تفسير عن هوى اعتقد اعتقادات ثم حمل القرآن عليه هذا من جهة العقيدة.
= بما يكون خطؤهم : نقول: نوع الخطأ من حيث الدليل والمدلول.
وقبل الكلام عن الخطأ في الدليل والمدلول نتكلم أن هؤلاء القوم على صنفين:
من سلبوا اللفظ معناه وما دل عليه، مثل تفسيرهم لقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}
ومن حمل اللفظ ما لم يرد به وما لا يدل عليه، مثل تفسيرهم لقوله تعالى: {قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني}
((أرجو مراجعة هذا التقسيم من الدرس الأساسي وهو موجود في كلام ابن تيمية رحمه الله))
1- يكون في الدليل والمدلول
مثال على ذلك:
- قولُه تعالى: {وُجوهٌ يومَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّهَا ناظِرَةٌ} فمدلولُ هذه الآيةِ أنَّ اللَّهَ تعالى يُـرى يومَ القيامةِ، لكنَّ المعتزلةَ – وتَبِعَهم على ذلك الرافضةُ والزَّيْديَّةُ – إذا جاءوا إلى هذهِ الآيةِ يسلُبُون المعنى الذي دلَّ عليه القرآنُ، فيَنفون الرُّؤْيةَ، ويُحرِّفُون معنى الآيةِ {إلى رَبِّهَا ناظِرَةٌ} من معنى النظَرِ بالعَيْنِ إلى معنًى آخَرَ؛ إلى النظَرِ بمعنى الانتظارِ، مع أنَّ مادَّةَ (نَظَر) إذا عُدِّيَتْ بـ (إلى) لا تكونُ بمعنى الانتظارِ في اللغةِ العربيةِ، وإنما تكونُ بمعنى النظَرِ بالعَينِ.
- و تارةً يحمِلُون اللفظَ على ما لم يدلَّ عليه ولم يُرَدْ به: قولُه تعالى: {لَنْ تَرَانِي} فهم يَحمِلُونه على ما لم يدلَّ عليه مِن نفيِ الرُّؤْيةِ في القيامةِ، مع أنَّ اللفظَ لا يدلُّ على ذلك.
- فتلاحِظُ أنهم في الآيةِ الأولى التي تدلُّ على إثباتِ الرُّؤيةِ سَلبُوها معناها وما دلَّتْ عليه وأُريدَ بها، وفي الآيةِ الثانيةِ التي لا تدلُّ على نفيِ الرُّؤيةِ حَملُوها على ما لم يُرَدْ بها ولم تدلَّ عليه في نفيِ الرُّؤْية.ِ
- قال: " فيكونُ خطؤُهم في الدليلِ والمدلولِ ". فخطَؤُهم في المثالَيْن السَّابِقَين في الدليلِ , وهو (لَنْ تَرانِي)؛ لأنها لا تدلُّ على نفيِ الرُّؤْيةِ، وفي المدلولِ , وهو قولُهم: إنَّ (لن) للتأبِيدِ، وكذلك (إلى رَبِّها نَاظِرَةٌ) فسَّروا النظَرَ هنا بالانتظارِ، وهذا خطأٌ في الدليلِ والمدلولِ؛ لأنَّ الآيةَ لا تدلُّ على الانتظارِ، وإنما تدلُّ على النظَرِ إلى اللَّهِ تعالى.
2-يكون في الدليل لا في المدلول
يعني أن ما فسَّروا به الآيةَ قد يكونُ حقًّا في ذاتِه، لكنَّ خطَأَهم في الدليلِ وهو كونُ الآيةِ دلَّتْ عليه، لا في المدلولِ الذي هو ذاتُ الكلامِ.
مثال على ذلك :
- : قولُه تعالى: {إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} فسَّرَه بعضُ المتصوِّفَةِ بقولِه: هذا مَثلٌ ضربَه اللَّهُ للدُّنيا، ثم قسَّمَ الناسَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: فالهالِكُون في الدنيا هم الذين شَرِبُوا من النَّهَرِ، والذين خَلَطُوا عملًا صالحًا وآخَرَ سيِّئًا هم الذين غَرَفُوا غُرْفةً بأيديهم، والمتَّقُون الأبرارُ هم الذين لم يَشرَبُوا منه.
فهذا الكلامُ في حدِّ ذاتِه صحيحٌ، لكنَّ الخطأَ في الدليلِ؛ أي: إنَّ الآيةَ لا تدلُّ على هذا.
= المراد بالدليل والمدلول :
- فالدليلُ يُرادُ به الرابطُ بينَ الآيةِ وما فُسِّرَتْ به،
- والمدلولُ هو النتيجةُ التي تُفسَّرُ بها الآيةُ.

جهة الخطأ الثانية:
ـ من جهة الألفاظ : قومٌ جَعلوا القرآنَ مجرَّدَ كلامٍ عربيٍّ، ففسَّروه على هذا النحوِ دون النظَرِ إلى ما يمكنُ أن يقالَ عنه: إنه ملابساتُ نـزولِ القرآنِ، وكونِ المتكلِّمِ به اللَّهَ سبحانه والمخاطَبِ به هو الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وأصحابَه , فلم يُراعِ ذلك عندَ تفسيرِه للقرآنِ فوقَعَ في الخطأِ.
- أقسام خطؤهم من جهة الألفاظ
1- عدم مراعاتهم لمعنى اللفظة في القرآن
القرآن العظيم ترد فيه بعض الألفاظ في أكثر القرآن أو في كله على معنى واحد هذا يكون بالاستقراء فتحمل الآية التي فيها اللفظ على معهود القرآن لا يحتمل على احتمالات بعيدة لهذا صنف العلماء في ذلك مصنفات في الوجوه والنظائر لبيان هذا الأصل
- أمثلة على ذلك
- الخير في القرآن يقول العلماء الأصل فيه أنه المال {وإنه لحب الخير لشديد } يعني لحب المال. وقال: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} يعني طريقاً لتحصيل المال، وهكذا فإذا أتى في آية استعمال لفظ الخير فأول ما يتبادر للذهن أن المراد بالخير المال فإذا لم يناسب للسياق صرف إلى المعنى الآخر هذا يسمى المعهود معهود استعمال القرآن.
- (الزينة) الزينة في القرآن أخص من الزينة في لغة العرب،
: الزينة في لغة العرب : كل ما يتزين به وقد يكون :
من الذات وقد لا يكون من الذات يعني إذا تزين المرء بالأخلاق سمي متزيناً .
الزينة في القرآن : أطلقت واستعملت في أحد المعنيين دون الآخر ألا هو الزينة الخارجة عن الذات التي جلبت لها الزينة لهذا قال جل وعلا: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} فإذاً الزينة ليست من ذات الأرض وإنما هي مجلوبةٌ إلى الأرض: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الزينة خارجة عن ذات ابن آدم فهي شيء مجلوب ليتزين به {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} زينها – جل وعلا – بزينة هذه الزينة من ذاتها أو خارجة عنها؟ قال: {زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } فالكواكب هي خارجة عن ذات السماء وهي في السماء فجعلها الله – جل وعلا- زينة لخروج.
فإذا أتت آية مشكلة مثل آية النور في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} يأتي لفظ الزينة هنا هل يحمل على كل المعهود في اللغة؟ أو يحمل على المعهود في القرآن؟
لاشك أن الأولى كما قال شيخ الإسلام في تأصيله أن يراعى معهود المتكلم به، والمخاطب، والمخاطبين والحال فهنا في أحد هذه فالقرآن فيه أن الزينة خارجةٌ عن الذات شيء مجلوب إلى الذات فإذا أتى أحد وقال: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} أن ما ظهر من الزينة هو الوجه هذا فسر الزينة بأنه شيء في الذات، وهذا معناه أنه فسرها بشيء غير معهود في استعمال القرآن للفظ الزينة لهذا كان الصحيح التفسير المشهور عن الصحابة عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن الزينة هي القُرط مثلاً والكحل واللباس ونحو ذلك، {لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} فإذاً لا تبدي الزينة لكن ما ظهر منها ما ظهر من الزينة ما ظهر من الشيء المجلوب للتزين به فلا حرج على المرأة في ذلك.
فإذاً لا يفسر الزينة هنا بأنها الوجه، لماذا؟
لأن تفسير الزينة بأنها الوجه تفسير للزينة بشي في الذات وهذا مخالف لما هو معهود من معنى الزينة في القرآن وهذا له أمثلة كثيرة.
2- تفسر الآية باحتمال لغوي لكن هذا الاحتمال ليس بواردٍ على حال المخاطبين.
مثال على ذلك
قـولـه تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} فيأتي من يأتي من المفسرين بالرأي فيجعلون سؤالهم عن الأهلة سؤالاً فلكياً معقداً، وهم إنما سألوا عن الهلال لم يبدو في أول الشهر صغيراً ثم يكبر ثم يكبر؟ وكان سؤالاً بسيطاً؛ لأن هذا حال العرب لم يكن عندهم من علم الفلك العلم المعقد إنما سألوا عن أمر ظاهر بين فتفسيـر سؤالهم بأنه سؤال عن أمرٍ فلكي معقد هذا لم يرع فيه حال أولئك وإنما فسر بغرائب الأهلة: {يسألونك عن الأهلة} فيأتـي المفسر مثل الرازي وغيره يأتون ينطلقون في الأحوال الفلكية في ذلك، هذا ليس من المعهود ولا من المعروف في حال الذين سألوا ولا حال العرب الذين نزل القرآن ليخاطبهم أول الأمر.
= حكم هاتين الجهتين من التفسير
هاتان الجهتان لاشك أن الغلط واقع فيهما وكلا الجهتين من التفسير بالرأيلكن الأولى من التفسير بالرأي المذموم الذي توعد فاعله، والثانية من التفسير بالرأي الذي أخطأ من ذهب إليه.
فيكون الضابط في التفسير بالرأي: أنه إذا اتبع هواه في التفسير صار ذلك من التفسير بالرأي المذموم المردود الذي جاء الوعيد على من قال به.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((من تكلم بالقرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار)) وفي لفظ آخر: ((من قال في القرآن برأيه أخطأ ولو أصاب)) وهي أحاديث وأسانيدها ضعيفة لكن بمجموعها لعلها تبلغ مرتبة الحسن.

أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.
لوحظ فقط في بعض الملخصات الأخيرة الإكثار من النسخ الحرفي لأقوال الشراح، والأولى أن نكون قد استغنينا عنه بدرجة كبيرة في هذا المستوى إن شاء الله فينتبه لذلك.
وهذه قائمة بمسائل الدرس للفائدة، زادك الله من فضله.


الاختلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال

عناصر الدرس:
موضوع الدرس
● تمهيد:
- حكم التفسير بالرأي.
- فضل تفاسير الصحابة والتابعين


● جهات الخطأ في الاستدلال
.. أ:
جهة الاعتقاد
..ب: جهة الاحتمال اللغوي للفظ القرآني

أولا: الخطأ الواقع في التفسير من جهة الاعتقاد
- أصحابه
- أنواعه:
.. 1- النوع الأول
.. مثاله
. .2- النوع الثاني:
.. مثاله

- نوع الخطأ من حيث الدليل والمدلول.
- حكم هذا النوع من التفسير


ثانيا: الخطأ الواقع في التفسير من جهة الاحتمال اللغوي للفظ القرآني
- أصحابه
- مثاله
- حكم هذا النوع من التفسير


● خلاصة الدرس.

تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 28
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 16
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 15 /15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15

= 94%
وفقك الله

مضاوي الهطلاني 2 شوال 1436هـ/18-07-2015م 05:08 PM

محاضرة : بلغة المفسر من علم الحديث
عناصر المحاضرة:
- الفرق بين الإنشاء والخبر.
- - كيفية التعامل مع ما ورد في كتب التفسير من مرويات.
- قواعد تفسير القرآن .
- - عناية السلف برواية الأقوال في تفسير الآيات بالأسانيد.
- الدليل على أنه لابد من التثبت في المرويات في التفسير .
- مثال.
- متى تطبق قواعد المحدثين على المرويات التفسيرية.؟
-متى يكون التساهل في مرويات التفسير؟
- شروط التدبر .
تحرير عناصر المحاضرة.
- الفرق بين الإنشاء والخبر
الإنشاء هو :الكلام الذي لا يحتاج إلى مبدأ التثبت فهو لا يفتقر لعلوم الآلة التي وضعت لقبول الأخبار وردها.
والخبر هو : الذي يحتاج إلى ما يضبطه لنعلم هل هو صحيح أو غير صحيح هل هو مقبول أو مردود ، هل هو صدق أو كذب
- كيفية التعامل مع ما ورد في كتب التفسير من مرويات
ما ورد في كتب التفسير إما إنشاء أو خبر
1- الإنشاء : ينظر اليه وفق ما وضعه المفسرون من ضوابط لقبول التفسير .
مثلا : إذا كان موافقاً للغة العرب ولم يكن شيء يعترض عليه فإنه يكون مقبولا لا يحتاج للتثبت .
مثال : قوله تعالى :( ريح فيه صرّ )
قيل ان الصرّ : البْرد وقيل : البٓرد أو انه الصوت والحركة أو أنه النار .
هذا كله من باب الإنشاء وليس من باب الخبر.
2- الخبر : الاخبار تحتاج إلى التثبت . لذلك وضع المفسرون قواعد لتفسير القرآن.
- قواعد تفسير القرآن
/تفسير القرآن بالقرآن
وهذا يكون بآيات محدودة .
مثال : كتفسير النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الظلم بالشرك .
/تفسير القرآن بالسنة .
نجد العديد من الأحاديث التي تعين في تفسير الآيات.
/ تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
/ تفسير القرآن بأقوال التابعين .
/ تفسير القرآن بلغة العرب.
- عناية السلف برواية الأقوال في تفسير الآيات بالأسانيد .
اعتنى علماء السلف عناية شديدة بإيراد روايات التفسير بالاسانيد مما يدل على أن التعامل مع تفسير كتاب الله كالتعامل مع باقي القضايا الشرعية التي يعنى فيها المحدثون بالاسانيد .أي نحتاج للتثبت فيها .
- مثال على ذلك:
تفسير عبد الرزاق، و تفسير سفيان الثوري، و تفسير ابن جرير الطبري، و تفسير ابن المنذر، و تفسير سعيد بن منصور، و تفسير ابن أبي حاتم، و غير ذلك من كتب التفسير المسندة، وأيضاً ما نجده في الكثير من كتب الحديث حينما تفرد كتابًا بأكمله للتفسير؛ فصحيح البخاري فيه كتاب بأكمله للتفسير، كذلك في صحيح مسلم، كذلك في جامع الترمذي، كذلك في السنن الكبرى للنسائي وغيرها.
- الدليل على أنه لابد من التثبت في المرويات في التفسير
1- إن علماء السلف كانوا يتعبون أنفسهم ويعتنون بإيراد هذه الأسانيد مع أنهم بحاجة إلى الورق، وبحاجة إلى الأقلام، وبحاجة إلى الأحبار التي يكتبون بها، وبحاجة إلى الوقت، وما إلى ذلك من أدوات الكتابة التي كان فيها صعوبة خاصة في العصور الأولى، فما الذي يحوجهم لهذا الترف إذا لم يكن له تلك القيمة؟ إلا أنه لابد ان ننظر في هذه المرويات ومن التثبت فيها.فما كان صحيحاً قبلناه وإلا تريثنا بالحكم عليه .ونطبق عليه منهج المحدثين.
2- ما نجده في كتب العلل من جعل مرويات التفسير أسوة لبقية الأحاديث التي تروى في جميع أبواب الدين؛ لا فرق بين هذا وذاك.
والدليل على هذا ما نجده مثلاً في كتاب العلل لابن أبي حاتم، فابن أبي حاتم أفرد كتابًا بأكمله في داخل كتاب العلل بعنوان "علل أخبار رويت في القرآن وتفسير القرآن" ثم نجد أن هناك أحاديث مرفوعة، وأحاديث موقوفة، وبل ومن آثار التابعين يعني من أقوال التابعين وكلها يتطرق إليها التعليل، مثلها مثل غيرها من أبواب الدين.
مثال:
مثال في كتاب العلل المسألة رقم (1659) يقول فيها ابن أبي حاتم: وسألت أبي عن حديثٍ رواه يوسف بن موسى قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب امرأة فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق في يومٍ مطير فإذا هو بامرأة -يعني بتلك المرأة- على غدير ماءٍ تغتسل فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة ذهب يحرك ذكره فإذا هو كأنه هُدبة -يعني كأنه هُدبة ثوب- فذكر ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أربع ركعاتٍ" يعني صلي أريع ركعاتفأنزل الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} لما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، قال أبوه: هذا خطأ.
- حدثنا ابن أبي عمر؛ قال: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، يعني أن الحديث صار مرسلاً؛ فصار فيه اختلاف على سفيان بن عيينة في إسناده، فمنهم من يرويه بإسناد على شرط الشيخين، مثل ما جاء في رواية عبيد الله بن موسى عن سفيان ابن عيينة، ومنهم من يرويه على أنه عن يحيى بن جعدة مرسلاً مثل ما رواه ابن أبي عمر وغيره.
نجد أن للعلماء كلامًا في هذا الحديث يصل إلى حد التكذيب فالإمام أحمد رحمه الله كما في كتاب العلل لابنه عبد الله يقول: "ما أرى هذا إلا كذاب -أو كذب-"، وأنكره جداً،
وهذه العناية من العلماء بالرواية التفسيرية والحكم عليها والتشديد في ذلك حتى إن الإمام أحمد حكم عليها بأنها كذب تدل على أنه لابد من تطبيق قواعد المحدثين على المرويات التفسيرية.
- متى تطبق قواعد المحدثين على المرويات التفسيرية.
1- إذا كانت الرواية تتضمن حكما فإن كان هذا الحكم مبين بآية أخرى فهذا يقبل وإن كان هذا الحكم يستفاد من حديث أو من قول صحابي أو من قول تابعي فإن هذا الحكم لا بد من تطبيق قواعد المحدثين عليه.

2- الروايات التفسيرية التي تتعلق بأبواب الاعتقاد، إما في أسماء الله وصفاته، أو في غير ذلك من أبواب الاعتقاد، فهذه أيضًا لا بد معها من التثبت .
3- المرويات الاسرائلية
أحيانًا تروى وكأنها أحاديث أو تروى على أنها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو على أنها من أقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم،
- مثال :
ما نجده في تفسير قول الله جل وعلا: {ببابل هاروت وماروت} والقصة طويلة جداً.
فمثل هذه تحتاج أن يطبق عليها قواعد المحدثين .
فقد رويت في مسند الإمام أحمد، وقد اجتهد الحافظ ابن حجر رحمه الله في محاولة الدفاع عن هذا على الأقل ليثبت أن له أصلاً ولو عن الصحابي الذي روي عنه هذا الحديث إما عن عبد الله بن عمر، أو عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما،
وابن كثير ذكر أنها من الاسرائليات
رجح الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى على أنه من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما يوم اليرموك لأن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في وقعة اليرموك كان قد غنم زاملتين عليهما أحمال من كتب أهل الكتاب فصار يقرأ من هذه الكتب ويحدث بها، بطبيعة الحال عبد الله بن عمرو بن العاص كان يحدث على أساس وضوح الضوابط الشرعية في عصره لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمون قال: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد"

-متى يكون التساهل في مرويات التفسير؟
يتساهل فيما يندرج تحت لغة العرب فهذا أمر واسع لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين . والقرآن معظمه يدرك بلغة العرب .
- شروط التدبر
إذا كان مبنيًا على أساس سليم من لغة العرب ومن الأفهام السليمة لا يتعارض مع شيء من القواعد التي نحتاجها، كالقواعد التي في أبواب الاعتقاد، أو في باب أصول الفقه، أو حتى عند المحدثين ونحو ذلك..
فالتدبر هنا لا بأس به، وهذا من الأمور التي دعا إليها كتاب الله جل وعلا نفسه {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}
أما إذا كان هذا التدبر سيفضي إلى القول على الله بغير علم، أو إلى الإتيان بأقوال شنيعة مستبشعة ليس هناك ما يدل على أصلها، وليس لها أصل ثابت
- مثال :
يفسر مثلاً البقرة بأنها عائشة {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}– إن الله يأمركم أن تذبحوا عائشة – نعوذ بالله من هذا القول
-حكم من فعل هذا : يستتاب، فإن تاب وإلا طبق عليه الحد الشرعي من قبل الإمام الذي يملك ذلك.

أمل عبد الرحمن 7 شوال 1436هـ/23-07-2015م 10:23 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مضاوي الهطلاني (المشاركة 210258)
محاضرة : بلغة المفسر من علم الحديث
عناصر المحاضرة:
- الفرق بين الإنشاء والخبر.
- - كيفية التعامل مع ما ورد في كتب التفسير من مرويات.
- قواعد تفسير القرآن .
- - عناية السلف برواية الأقوال في تفسير الآيات بالأسانيد.
- الدليل على أنه لابد من التثبت في المرويات في التفسير .
- مثال.
- متى تطبق قواعد المحدثين على المرويات التفسيرية.؟
-متى يكون التساهل في مرويات التفسير؟
- شروط التدبر .
تحرير عناصر المحاضرة.
- الفرق بين الإنشاء والخبر من حيث الخضوع إلى مبدأ التثبت (فنحن لا نعرف الإنشاء والخبر إنما نفرق بينهما من هذا الجانب)
الإنشاء هو :الكلام الذي لا يحتاج إلى مبدأ التثبت فهو لا يفتقر لعلوم الآلة التي وضعت لقبول الأخبار وردها.
والخبر هو : الذي يحتاج إلى ما يضبطه لنعلم هل هو صحيح أو غير صحيح هل هو مقبول أو مردود ، هل هو صدق أو كذب
- كيفية التعامل مع ما ورد في كتب التفسير من مرويات
ما ورد في كتب التفسير إما إنشاء أو خبر
1- الإنشاء : ينظر اليه وفق ما وضعه المفسرون من ضوابط لقبول التفسير .
مثلا : إذا كان موافقاً للغة العرب ولم يكن شيء يعترض عليه فإنه يكون مقبولا لا يحتاج للتثبت .
مثال : قوله تعالى :( ريح فيه صرّ )
قيل ان الصرّ : البْرد وقيل : البٓرد أو انه الصوت والحركة أو أنه النار .
هذا كله من باب الإنشاء وليس من باب الخبر.
2- الخبر : الاخبار تحتاج إلى التثبت . لذلك وضع المفسرون قواعد لتفسير القرآن.
- قواعد تفسير القرآن
/تفسير القرآن بالقرآن
وهذا يكون بآيات محدودة كما ورد إلينا .
مثال : كتفسير النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الظلم بالشرك .
/تفسير القرآن بالسنة .
نجد العديد من الأحاديث التي تعين في تفسير الآيات.
/ تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
/ تفسير القرآن بأقوال التابعين .
/ تفسير القرآن بلغة العرب.
- عناية السلف برواية الأقوال في تفسير الآيات بالأسانيد .
اعتنى علماء السلف عناية شديدة بإيراد روايات التفسير بالاسانيد مما يدل على أن التعامل مع تفسير كتاب الله كالتعامل مع باقي القضايا الشرعية التي يعنى فيها المحدثون بالاسانيد .أي نحتاج للتثبت فيها .
- مثال على ذلك:
تفسير عبد الرزاق، و تفسير سفيان الثوري، و تفسير ابن جرير الطبري، و تفسير ابن المنذر، و تفسير سعيد بن منصور، و تفسير ابن أبي حاتم، و غير ذلك من كتب التفسير المسندة، وأيضاً ما نجده في الكثير من كتب الحديث حينما تفرد كتابًا بأكمله للتفسير؛ فصحيح البخاري فيه كتاب بأكمله للتفسير، كذلك في صحيح مسلم، كذلك في جامع الترمذي، كذلك في السنن الكبرى للنسائي وغيرها.
- الدليل على أنه لابد من التثبت في المرويات في التفسير
1- إن علماء السلف كانوا يتعبون أنفسهم ويعتنون بإيراد هذه الأسانيد مع أنهم بحاجة إلى الورق، وبحاجة إلى الأقلام، وبحاجة إلى الأحبار التي يكتبون بها، وبحاجة إلى الوقت، وما إلى ذلك من أدوات الكتابة التي كان فيها صعوبة خاصة في العصور الأولى، فما الذي يحوجهم لهذا الترف إذا لم يكن له تلك القيمة؟ إلا أنه لابد ان ننظر في هذه المرويات ومن التثبت فيها.فما كان صحيحاً قبلناه وإلا تريثنا بالحكم عليه .ونطبق عليه منهج المحدثين.
2- ما نجده في كتب العلل من جعل مرويات التفسير أسوة لبقية الأحاديث التي تروى في جميع أبواب الدين؛ لا فرق بين هذا وذاك.
والدليل على هذا ما نجده مثلاً في كتاب العلل لابن أبي حاتم، فابن أبي حاتم أفرد كتابًا بأكمله في داخل كتاب العلل بعنوان "علل أخبار رويت في القرآن وتفسير القرآن" ثم نجد أن هناك أحاديث مرفوعة، وأحاديث موقوفة، وبل ومن آثار التابعين يعني من أقوال التابعين وكلها يتطرق إليها التعليل، مثلها مثل غيرها من أبواب الدين.
مثال:
مثال في كتاب العلل المسألة رقم (1659) يقول فيها ابن أبي حاتم: وسألت أبي عن حديثٍ رواه يوسف بن موسى قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب امرأة فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق في يومٍ مطير فإذا هو بامرأة -يعني بتلك المرأة- على غدير ماءٍ تغتسل فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة ذهب يحرك ذكره فإذا هو كأنه هُدبة -يعني كأنه هُدبة ثوب- فذكر ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أربع ركعاتٍ" يعني صلي أريع ركعاتفأنزل الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} لما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، قال أبوه: هذا خطأ.
- حدثنا ابن أبي عمر؛ قال: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، يعني أن الحديث صار مرسلاً؛ فصار فيه اختلاف على سفيان بن عيينة في إسناده، فمنهم من يرويه بإسناد على شرط الشيخين، مثل ما جاء في رواية عبيد الله بن موسى عن سفيان ابن عيينة، ومنهم من يرويه على أنه عن يحيى بن جعدة مرسلاً مثل ما رواه ابن أبي عمر وغيره.
نجد أن للعلماء كلامًا في هذا الحديث يصل إلى حد التكذيب فالإمام أحمد رحمه الله كما في كتاب العلل لابنه عبد الله يقول: "ما أرى هذا إلا كذاب -أو كذب-"، وأنكره جداً،
وهذه العناية من العلماء بالرواية التفسيرية والحكم عليها والتشديد في ذلك حتى إن الإمام أحمد حكم عليها بأنها كذب تدل على أنه لابد من تطبيق قواعد المحدثين على المرويات التفسيرية.
- متى تطبق قواعد المحدثين على المرويات التفسيرية.
1- إذا كانت الرواية تتضمن حكما فإن كان هذا الحكم مبين بآية أخرى فهذا يقبل وإن كان هذا الحكم يستفاد من حديث أو من قول صحابي أو من قول تابعي فإن هذا الحكم لا بد من تطبيق قواعد المحدثين عليه.

2- الروايات التفسيرية التي تتعلق بأبواب الاعتقاد، إما في أسماء الله وصفاته، أو في غير ذلك من أبواب الاعتقاد، فهذه أيضًا لا بد معها من التثبت .
3- المرويات الاسرائلية
أحيانًا تروى وكأنها أحاديث أو تروى على أنها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو على أنها من أقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم،
- مثال :
ما نجده في تفسير قول الله جل وعلا: {ببابل هاروت وماروت} والقصة طويلة جداً.
فمثل هذه تحتاج أن يطبق عليها قواعد المحدثين .
فقد رويت في مسند الإمام أحمد، وقد اجتهد الحافظ ابن حجر رحمه الله في محاولة الدفاع عن هذا على الأقل ليثبت أن له أصلاً ولو عن الصحابي الذي روي عنه هذا الحديث إما عن عبد الله بن عمر، أو عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما،
وابن كثير ذكر أنها من الاسرائليات
رجح الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى على أنه من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما يوم اليرموك لأن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في وقعة اليرموك كان قد غنم زاملتين عليهما أحمال من كتب أهل الكتاب فصار يقرأ من هذه الكتب ويحدث بها، بطبيعة الحال عبد الله بن عمرو بن العاص كان يحدث على أساس وضوح الضوابط الشرعية في عصره لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمون قال: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد"

-متى يكون التساهل في مرويات التفسير؟
يتساهل فيما يندرج تحت لغة العرب فهذا أمر واسع لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين . والقرآن معظمه يدرك بلغة العرب . ويتسامح كذلك فيما يتعلق بالترغيب والترهيب.
- شروط التدبر
إذا كان مبنيًا على أساس سليم من لغة العرب ومن الأفهام السليمة لا يتعارض مع شيء من القواعد التي نحتاجها، كالقواعد التي في أبواب الاعتقاد، أو في باب أصول الفقه، أو حتى عند المحدثين ونحو ذلك..
فالتدبر هنا لا بأس به، وهذا من الأمور التي دعا إليها كتاب الله جل وعلا نفسه {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}
أما إذا كان هذا التدبر سيفضي إلى القول على الله بغير علم، أو إلى الإتيان بأقوال شنيعة مستبشعة ليس هناك ما يدل على أصلها، وليس لها أصل ثابت
- مثال :
يفسر مثلاً البقرة بأنها عائشة {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}– إن الله يأمركم أن تذبحوا عائشة – نعوذ بالله من هذا القول
-حكم من فعل هذا : يستتاب، فإن تاب وإلا طبق عليه الحد الشرعي من قبل الإمام الذي يملك ذلك.

بارك الله فيك وأحسن إليك.
يلاحظ حصول اختصار في بعض المسائل وإغفال المسائل الواردة في الأسئلة التي عرضت آخر المحاضرة كأسانيد القراءات والمراسيل في التفسير والإسناد المعنعن وغيرها وهي من الأهمية بمكان.
وننبه على عدم النسخ الحرفي لكلام الشارح أو المحاضر والاجتهاد في التلخيص بأسلوب الطالب حتى تنمو لديه القدرة على الكتابة والإنشاء بإذن الله.
هذا تقييم الملخص الحالي والدرجة ستكون منخفضة بالطبع للأسباب المذكورة والفرصة متاحة للتحسين إن شاء الله.

التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 23/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 19/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 17/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 14/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 88/100
وفقك الله

مضاوي الهطلاني 13 شوال 1436هـ/29-07-2015م 04:36 PM

- الإجابة على أسئلة محاضرة ( البناء العلمي):
س1: بيّن أهميّة البناء العلمي في مسيرة طالب العلم ، ومثل لعناية العلماء به.
ج: مرحلة البناء العلمي هي لب مراحل طلب العلم وهي أهم مراحل الطلب بعد مرحلة التأسيس فهي مرحلة لب التأصيل العلمي ولقد كان للعلماء عناية حسنة وبالغة بالبناء العلمي وإن لم تكن تسمى بهذا المسمى لكن كان للعلماء أصولهم العلمية الخاصة بهم كلاً حسب علمه الذي يطلبه فأهل الحديث لهم أصولهم الخاصة بهم فمثلاً الإمام أحمد رحمه الله قال :"انتقيت المسند من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث " أي كان له أصل علمي يكتب فيه هذه الاحاديث ثم كتب المسند واستخرج من هذا الاصل الذي لديه الذي يتضمن سبعمائة ألف حديث استخرج المسند الذي كان بنحو ثلاثين ألف حديث .
وكذلك اسحاق بن راهوية يقول:" كأني انظر إلى مئة ألف حديث في كتبي وثلاثين ألف اسردها سرداً" فهو له أصل يرجع إليه ويكثر التردد عليه والنظر فيه ومراجعته.
وأبو داود السجستاني كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخب منها ما كتب في كتابه السنن.
كذلك مي التفسير هذا شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله يسرد أقوال السلف في التفسير مع انه في وقته لم يكن هناك كتب جامعة في أقوال السلف فهو متقدم على ابن القيم وابن كثير والسيوطي وابن حجر الذي جمعوا الموسوعات في الحديث فقد كان له أصل ذكرابن رشيق المغربي أن شيخ الاسلام وقف على خمسة وعشرون تفسيرا مسندا .
فكتب نقول السلف مجردة من الاسناد على جميع القرآن . إذا جعلها أصلا لديه.
وكذلك اللغويون فهذا ابو العباس ( الثعلب) من أئمة أهل اللغة أقبل على كتب الفراء وحذقها ولم يبلغ الخامسة والعشرون وهو لم يدرك الفراء فهو شيخ شيوخه. فهو جعل له أصل علمي.
وكذلك في الفقة فهذا أبو بكر الخلال لم يدرك الإمام أحمد لكنه أقبل على جميع مسائل الامام أحمد وتلاميذه وتصنيفها وترتيبها والتحقق من صحتها حتى صار إمام ذا شأن فاصبح كتبه أهم مراجع الحنابلة.
وكذلك ابن مفاح له براعة في جمع مسائل الامام أحمد ومعرفة روايات الامام. حتى اصبح مرجع في عصره لمسائل فقة الامام أحمد وكان شيخ الاسلام يرجع إليه وهو شيخه.
وكذلك ابن فرحون المالكي قال: لازمت تفسير ابن عطية حتى كدت احفظه . جعله اصلا علميا له.

س2: الأصول العلمية على أنواع اذكرها ، ومثّل لكل نوع بمثال.
ج: الأصول العلمية هي :
1- أن يخذ الطالب أصلا للعلم الذي يدرسه سواء في الفقة او التفسير ويدمن قراءته حتى يكاد يحفظه مع مراجعته والتعليل وزيادة الامثلة والإيضاح . مثل ابن فرحون المالكي قال : لازمت تفسير ابن عطية حتى كدت احفظه.
ومثل الشيخ : عبدالرزاق عفيفي رحمه الله كان نائب رئيس هيئة كبار العلماء يذكر أن كتبه قليلة ولكنه كان حسن القراءة ومجيدا لها.
وكذلك ابن عثيمين رحمه الله كان صاحب قراءة حسنة وكثرة مراجعة حتى يكاد يحفظ بعض الكتب فقد حفظ الزاد عن ظهر قلب .
2- أن ينشيء الطالب بنفسه أصلا وهذا أنواع:
- أن يبني أصله من كتب عالم من العلماء واسع المعرفة والاطلاع والفهم فيقبل على كتبه ويلخصها ويعتني بها عناية كبيرة كما فعل ثعلب في كتب الفراء وكما فعل الشيخ محمد بن عبدالوهاب والشيخ السعدي فإنهم اقبلوا على كتب ابن تيمية وابن القيم اقبلوا عليها حتى فهموا مقاصدها ودرسوها دراسة حسنة .
وكذلك بعض المعاصرين اقبل على كتب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ولخصها ودرسها دراسة جيدة حتى استفاد من ذلك فائدة جيدة.
- أن يتخذ أصلاً من كتب متعددة كما فعل السبكي في جمع الجوامع فقد لخصه من مئتي كتاب في أصول الفقة وكما لخص ابن تيمية أقوال السلف في التفسير .

س3: ما هي مراحل بناء الأصل العلمي؟
المراحل:
1- دراسة مختصرة في هذا العلم .
الغرض من ذلك: ان يعرف كيف يدرس المسائل العلمية في ذلك العلم وان يكون على إلمام عام بمسائل ذلك العلم على وجه الإجمال .
مثال : دراسة كتاب أصول التفسير لابن عثيمين رحمه الله.
2- دراسة كتاب أوسع في هذا العلم حتى يستفيد مراجعة الأصل الذي درسه بطريقة أخرى وزيادة التفصيل عليها
مثال: يدرس مقدمة التفسير لابن تيميه.
3- تكميل جوانب التأسيس فبعد الدراسة سيجد الطالب أن بعض العلوم يحتاج ان يدرسها ولو مختصرا
مثال : يجد عنده ضعف في البلاغة مثلاً فيدرس كتاب مختصر في البلاغة او ضعف في حروف المعاني فيدرس كتاب مختصر فيها ليكمل ما عنده من نقص في الجانب العلمي.
4-قراءة كتاب جامع في ذلك العلم او اتخاذ اصل مرجعي والزيادة عليه .
مثال في علوم القرآن بعد المراحل المتقدمة لو قرأ الاتقان للسيوطي او البرهان للزركشي وجمع ما يستفيده من مسائل ويلخصها فيكون قد درس دراسة وافية في مسائل علوم القرآن.
5- القراءة المبوبة : بعد ان اتخذ اصلا اما كتاب ويزيد عليه او ملخص شامل للعلم الذي يدرسه ويزيد عليه سيجد ان العلم الذي يدرسه فيه أبواب مثال علوم القرآن فيه ابواب مثل سور القرآن او الناسخ والمنسوخ وهكذا فقد يجد في باب من هذه الأبواب مؤلف جيد قيّم لهذا الباب فيقرأه قراءة حسنة ويلخص مسائله ويضيفها الو أصله ثم قراءة باب آخر وهكذا .فبعد سنوات يجد انه قد قرأ كتب قيمة في أبواب متفرقة . في هذه المرحلة تكون القفزات العلمية كبيرة لطالب العلم لانه قد يقف على مؤلف قيم يختصر له كثير من المسائل التي يريد دراستها مثال : الاستفادة من الدراسات الموسوعية مثل موسوعة الاستاذ محمد عبد الخالق عظيمة في اساليب القرآن في أحد عشر مجلدا .

مضاوي الهطلاني 11 ربيع الثاني 1437هـ/21-01-2016م 09:46 AM

مجلس مذاكرة أصول التفسير
المجموعة الأولى:
س1: ما معنى أصول التفسير؟
ج: الأصول: جمع أصل وهو ما يبنى عليه الشيء.
وأصول التفسير هي المسائل التي يبنى عليها علم التفسير ، وتشمل جميع مراحل دراسة أصوال التفسير
منذ بداية التعرف على المسائل التفسير ودراستها إلى ما يصل إليه طالب العلم من نتائج لتلك المسائل وطريقة آداءه التفسير للمتلقين .


س2: ما سبب عناية علماء أهل السنة بتقرير البيان الإلهي للقرآن؟

لتبصير طالب العلم بأصول متينة راسخة مستمدة من الكتاب والسنة
لتحصنه من ضلالات الطوائف المنحرفة المخالفة من هذا الباب من الفلاسفة والمتكلمة والباطنية والروافض والصوفية وغيرها الذين انتشرت ضلالاتهم التي يحاولون فيها الطعن ببيان القرآن ودلالة اليقين في أبواب الدين ، لينشروا تأويلاتهم
الباطلة الخاضعة لاهوائهم وباطلهم.
فمنهم من زعم ان نصوص الكتاب والسنة لفظية لايمكن فهم المراد منها إلا بالتحاكم إلى القواطع العقلية ، حتى اجترؤوا على القول بتقديم العقل على النقل.


س3: ما سبب قلة الرواية عن بعض أكابر الصحابة وكثرتها عن صغارهم؟
ج:قلت الرواية عن أكابر الصحابة لأنهم هلكوا رضي الله عنهم قبل أن يحتاج لهم فقد الصحابة متوافرون في وقتهم ونقل عن عمر وعلى رضي الله عنهما لانهما حكما وكانا يقضيان ويستفتونهم الناس ،وإلا كل الصحابة رضي الله عنهم أئمة يقتدى بهم.
وكثرت الرواية عن صغارهم لأنهم قل الصحابة في عهدهم واحتيج لعلمهم رضي الله عنهم.

س4: عدد أنواع ما بلغنا من الإسرائيليات على وجه الإجمال.
أنواع الإسرائيليات:
1-ماذكره الله في كتابه قال الله تعالى: {إنّ هذا القرآن يقصّ على بني إسرائيل أكثر الذين هم فيه يختلفون}.
وما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذان يجب التصديق بهما .
2-ما يحدث به بعض أهل الكتاب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وهو ثلاثة أقسام:
-أقره الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يجب التصديق به.
كما في قصة الحبر الذي جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وذكر ان عندهم أن الله يضع السموات على اصبع والاراضين على اصبع ....وفي آخر الحديث فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه حتى بدت نواجذه وذكر ان مصداق ذلك قوله تعالى ( وما قدروا الله حق قدره والأرض قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه )
-سكت عنه صلى الله عليه وسلم وهذا لا يصدق ولا يكذب روي انه جاءه رجل من اليهود فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ قال: الله أعلم، قال اليهودي: أنا أشهد أنها تتكلم.
فقال صلى الله عليه وسلم ((إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم، وإن كان باطلا لم تصدقوهم))
-كذبه الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا كذب كما في قصة اليهودي الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وذكر أن الرجل اذا جاء امرأته وهي مجباه جاء الولد أحول ، قال كذبت يهود ثم نزلت{نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم}).
3-ما كان يحدّث به بعض الصحابة الذين قرؤوا كتب أهل الكتاب، ومنهم: عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عمرو بن العاص.وذلك لانهم سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم قوله:( حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج) ولكن لم يكونوا مكثرين من الرواية عنهم.
4-ما كان يرويه بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين لم يقرؤوا كتب أهل الكتاب وإنما يروونها عمن قرأها من الصحابة . ومن هؤلاء أبو هريرة وابن عباس وأبو موسى الاشعري.
5-ما رواه بعض التابعين ممن قرأ كتب أهل الكتاب
ومنهم: كعب بن ماتع الحميري، ووهب بن منبّه ونوفل البكالي
6- ما كان يحدّث به بعض ثقات التابعين عمَّن قرأ كتب أهل الكتاب.
ومن هؤلاء الثقات: سعيد بن المسيّب، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وطاووس بن كيسان، ومحمد بن كعب القرظي، وقتادة، وغيرهم.
منهم من يصرح بالتحديث ومنهم من لا يصرح.
7- ما يروية بعض الثقات ولكن لا يتثبت فيروي الضعيف والغث والسمين وهذا مما أدى إلى كثرة المرويات الاسرائيلية في التفسير ، من هؤلاء الضحاك وعطاء والسدي الكبير ومحمد بن اسحاق.
8-ما يرويه بعض شديدي الضعف والمتّهمين بالكذب ممن لهم تفاسير قديمة في القرن الثاني الهجري.
ومن هؤلاء : محمد بن السائب الكلبي، ومقاتل بن سليمان البلخي، وموسى بن عبد الرحمن الثقفي، وأبو الجارود زياد بن المنذر.
9-مايروية أصحاب التفاسير المشتهرة كابن جرير وابن ابي حاتم وغيرهم يروونها باسانيدهم عن من تقدم.
10-ما يذكره بعض المتأخرين من المفسّرين في تفاسيرهم من الإسرائيليات؛ كالثعلبي والماوردي والواحدي.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أنه لا إله إلا أنت

مضاوي الهطلاني 11 ربيع الثاني 1437هـ/21-01-2016م 10:35 PM

مجلس مذاكرة مقاصد تفسير ابن كثير.

أجب عما يلي:
1: اذكر المقاصد الرئيسة التي اشتملت عليها مقدمة تفسير ابن كثير.

المقصد العام للمقدّمة: بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير وعلوم القرآن لتكون مقدّمة ينتفع بها من يقرأ التفسير.
المقاصد الفرعية:
أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير
ب: بيان فضل القرآن
ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف
د: نزول القرآن على سبعة أحرف
هـ: آداب تلاوة القرآن وأحكامها
و: ذكر فوائد متفرّقة


2: اذكر حكم التفسير، وبيّن فضله.
حكم التفسير واجب على العلماء فقد ذكر ابن كثير أنه يجب على العلماء تفسير القرآن والكشف عن معانية من مضانه وتعلم ذلك وتعليمه .
قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}. .
فضله:
ندب الله عباده لتفهم القرآن وتدبره ففيه البركة والهداية والرشد والسعادة في الدنيا والآخرة فقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [ النساء: 82]، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29]، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد: 24].
فالقرآن حياة القلوب وهو الصراط المستقيم والهادي للجنة ويكون ذلك بمعرفه معانية ومراد الله من خطابه وهذا يكون بتفسيره كما أنه سبحانه ذم أهل الكتاب لاعراضهم عن كتابه وانشغالهم في أمور دنياهم ، وفي نفس الوقت تنبيه لهذه الأمة وتحذير أن تكون مثلهم فتترك كتاب ربها الذي فيه خير الدنيا والآخرة وتنشغل بدنياها .، قال الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون} وفي الآية بين الله أنه كما يحيي الأرض بعد موتها لما ينزل عليها الغيث كذلك القلوب المجدبة التي رانت عليها تحييها آيات الكتاب الله ومعانيه.


3: ما هي أحسن طرق التفسير؟
وكيف نفسّر ما لا نجده في الوحيين ولا في أقوال الصحابة؟

أحسن طرق التفسير:
/تفسير القرآن بالقرآن.
/تفسير القرآن بالسنة النبوية.
/تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
/تفسير القرآن بأقوال التابعين.
/تفسير القرآن بلغة العرب.
إذا لم نجد تفسير له في الوحيين ولا في أقوال الصحابة نفسره بأقوال التابعين وبلغة العرب
فمن التابعين من شهد لهم بتفسير القرآن مجاهد بن جبر فقد عرض القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات يسأله عن كل آية وقد رؤي وهو يكتب التفسير عن ابن عباس .وغيره كعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم .
وأقوال التابعين قد يوجد بينها تباين يحسبها من لا يعرف فيها اختلاف وإنما هي اختلاف تنوع كلها ترجع لمعنى واحد لكن احدهما يعبر عن المعنى بلازمه واحد بنظيره ولكن أقوالهم ليست حجة على من بعدهم . إما إذا اتفقوا على معنى واحد فهم حجة.


4: تكلّم باختصار عن فضل القرآن.
للقرآن فضائل عظيمة منها:
/ قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} الآية [فاطر: 32]، فالقرآن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن أخذ منه أخذ بحظ وافر.
/ان درجة صاحب القرآن بالجنة على قدر ما معة من آيات الله ،عن أبي سعيد قال: قال نبي الله عليه الصلاة والسلام: ((يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)).
/ عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائي أعطيته أفضل ثواب السائلين)).
/أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ،عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس)). قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)) ".
/ القلب الخالي من القرآن خراب،عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)).


5: تكلّم باختصار عن مراحل جمع القرآن.
مراحل جمع القرآن: كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه تنزل الآيات فيأمر كتبة الوحي أن يكتبوه كل آية حسب مكانها في السورة يقول : ضعوا آية كذا في سورة كذا في مكان كذا أو كما قال. فكتب القرآن إلى آخر آية مفرقا في الرقاع والاكتاف والعسب وحفظا في الصدور. وكان ينهى أن يكتب شيء غير القرآن ،وفي خلافة إبي بكر رضي الله عنه عندما استحر القتل في القراء اشار عليه عمر رضي الله عنه أن يجمع القرآن في مصحف واحد فطلب من زيد بن ثابت أن يجمع ما كتب في في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه في مصحف واحد فأخذ يجمعه من الاكتاف والعسب والرقاع ومن صدور الرجال وكتب في مصحف واحد وكان عند ابي بكر في حياته ثم عمر ثم ابنته حفصة رضي الله عنهم أجمعين وفي خلافة عثمان رضي الله عنه لا حظ حذيفة رضي الله عنه اختلاف الناس في القراءة وتكفير بعضهم لبعض وذلك عندما كان في القتال في ارمينيا. فاشار على عثمان ان يجمعه على حرف واحد ، فاخذ عثمان المصحف من حفصة وطلب من زيد أن يكتب القرآن على حرف واحد ثم نسخ منه قيل خمس مصاحف وقيل أكثر وارسلها في الآفاق وطلب أن يحرق ماسواها ، فجمع الناس على قراءة واحده وكان سبب من اخماد فتنة عظيمة . رضي الله عنهم اجمعين.


6: ما المقصود بالأحرف السبعة، وما معنى نزول القرآن على سبعة أحرف؟

المقصود بالاحراف السبعة:
اختلف العلماء في المعنى الاحرف السبعة الى خمسة وثلاثون قولا ذكر منها ابن كثير خمسة أقوال وهي:
1-سبعة أوجه من المعاني المتقاربة لكن بألفاظ تختلف مثل : هلم وتعال وأقبل واذهب .لحديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل".
2-انها سبع لغات من لغات العرب ولا يعنى أن الحرف من القرآن يقرأ بالسبع لغات بل هي مفرقة بالقرآن وبعض اللغات اسعد من غيرها لكثرتها بالقرآن.ويشمل جميع لغات العرب حجازها يمنها ولكن اغلبه من لغة قريش فقد قال عثمان لزيد رضي الله عنها اذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش فبها نزل. أي معظمه نزل بلغة قريش وليس كله.بدليل انا ابن عباس لا يعرف معنى (فاطر السموات والارض )حتى سمع رجل يقول في بئر ابتدأحفرها أنا فطرتها.
3-أن اللغات السبع التي في القرآن خاصة في مضر فهي قبيلة قريش فهم بنو النضر بن حارث ، وذلك لقول عثمان رضي الله عنه اكتبوه بلغة قريش .
ولكن هذا يخالف ما وجد في القرآن فقريش لا تهمزء ووجد في القرآن الهمز وكذلك كان ابن عباس قريشي ومع ذلك لم يكن يعرف معنى ( فاطر السموات والارض) حتى سمع رجل يقول في بئر ابتدأ حفرها أنا فطرتها.

4- ان وجوه القراءات ترجع الى سبعة اشياء وهي:
/ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه( ويضيقُ صدري)( يضيقٓ)
/لا تتغير صورته ويختلف معناه بالحرف( باعِد بين اسفارنا)(باعٓد)
/قد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها}و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش}[القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش"
/أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود"
/أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"،
/أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".
ولكن القراءات ليست هي الاحرف السبعة فالقراءات ما زالت موجود الى الآن .
5- أنها معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني .

معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
أي سبعة أوجه أي سبع لغات مفرقة في القرآن وليس معناها الحرف الواحد من القرآن يقرأ بسبعة أوجه
من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة مثل هلم وتعال وأقبل واذهب
مالم يختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآيةرحمة.
وهي للتخفيف على الأمة في بداية الدعوة فمنهم الضعيف والكبير فيسر لهم حفظ القرآن بهذه الاحرف.


7: بيّن فضل تلاوة القرآن، واذكر أهم الآداب الواجبة أثناء التلاوة.
ج: فضل تلاوة القرآن
1-تلاوة كتاب الله هو تجارة رابحة لن تبور وتكسد لقوله تعالى : ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ( 29 ) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ( 30 ) )

2-هيمنة القرآن على ما قبله من الكتب
قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.
- عن ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: (المهيمن: الأمين). قال: (القرآن أمين على كل كتاب قبله). وفي رواية: (شهيدا عليه).رواه ابن جرير وعلقه البخاري
-عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)). رواه البخاري.
طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما.
-يشفع لصاحبه للحديث(الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما)
-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال: (وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا). رواه البخاري.
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه))،

آداب القرآن
-الاخلاص وعدم الرياء
عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا قوم يقرؤون القرآن فقال: ((اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله -عز وجل- من قبل أن يأتي بقوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه)).
-ترتيل القرآن
لقول الله عز وجل: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: 4]، وقوله: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} [الإسراء: 106]، يكره أن يهذ كهذ الشعر، يفرق: يفصل، قال ابن عباس: {فرقناه}: فصلناه.
-تحسين الصوت بالقراءة
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن)). ابن المحرر ضعيف.
-التحزن عند تلاوته
عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحسن الناس قراءة من قرأ القرآن يتحزن به)).

-التغني بالقرآن
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))،

-يقال لقارئ القرآن حسبك لينهي القراءة
عن عبد الله قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). فقلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((نعم))، فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

-أن يقرأ ما ائتلف عليه قلبه
قوله صلى الله عليه وسلم:((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا)).

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أنه لا إله إلا أنت استغفرك واتوب اليك


الساعة الآن 10:06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir