القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
حكم من حمل السلاح على المسلمين
عن أبي موسى عبد الله بن قيس رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة , ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء , أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) .
الشيخ: الحديث الأول قوله صلى الله عليه وسلم: ((من حملَ علينا السلاحَ فليسَ منا)) . هذا من أحاديث الوعيد التي تجرى على ظاهرها ؛ ليكون أبلغ في الزجر . ولا شك أن المراد بحمل السلاح على المسلمين حمله للقتالِ ، أي من همَّ بقتال المسلمين ، أو أراد قتال المسلمين ، وتولى ذلك وفعله .
وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في حثه على ائتلاف المسلمين ، ونهيه عن اختلافهِم ، ونهيه عن قتالهم ، أو قتال بعضهم بعضا ، وإن كان قد أخبر بأنه سيقع في هذه الأمَّة قتال فيما بينهم وشجار فيما بينهم , ولكنه مع ذلك كان دائما ينهاهم عن هذا التقاتل ، ويأمرهم بالائتلاف ، ويحذرهم من أن يقاتل بعضهم بعضا ؛ ففي خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي هي آخر مجمع كبير اجتمع وتكلم فيه , أنه حُفظ عنه أنه قال في تلك الخطبة: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)) . فجعلهمْ إذا فعلوا ذلك في حكم الكفار , ((لا ترجعوا بعدي كفارا)) أي: لا تفعلوا ما هو كفر ، أو ما يسبب عمل الكفار ، من كونكم تتقاتلون , يقتل بعضكم بعضا , ويضرب بعضكم رقاب بعض ؛ فإن ذلك لا شك من أعمال الكفار ، وإن لم نحكم بكفره مطلقا .
وكذلك في تلك الخطبة حثَّصلى الله عليه وسلم على البعد عما يؤذي كل مسلمٍ , فسـألهم , ألقى عليهم سؤالا , فقال:((أي شهر هذا)) ؟ فقالوا: شهر حرام . وَفي رواية: إنه قال:((أليس شهر ذي الحجة , أي يوم هذا)) ؟. سكتوا , فقال:((أليس يوم الحج الأكبر ؟ أليس يوم النحر , أي: بلد هذا )) ؟ فسكتوا , فقال: ((أليس بلد الله الحرام)) ؟ ثم قال: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا , في بلدكم هذا)) .
لا شك أن هذا كله تحريض على الأخوة ، وحث على الأخوة فيما بين المسلمين ، ونهي لهم عن أن يعتدي بعضهم على بعض , أن يعتدي أحد على المسلمين بأخذ مال ، أو سفك دم ، أو انتهاك عرض ، أو نحو ذلك , مما يكون ضرره على المسلمينَ عموما . وكذلك أيضا ثبت عنه أنه قال: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النارِ)). قالوا: يا رسول الله , هذا القاتل فما بال المقتول؟ فقال:((إنه كان حريصًا على قتلِ صاحبِه)) . وهذا أيضا من أحاديث الوعيد .
ومع ذلك فإن المسلمين عليهم أن يحترموا المسلمين , أن يحترموا كل المسلمين ، ولا يجوز لهم أن يحملوا عليهم السلاح ، ولا أن يستحلوا دماءهم ، ولا أن يستحلوا محارمهم ، ولا أن يستحلوا أموالهم ، فلا يسفكوا الدماء ، ولا ينتهبوا الأموال ، ولا ينتهكوا الأعراض ، ولا يستحلوا المحارم ؛ حتى يكونوا بذلك إخوة مسلمين كما أمرهم الله بقوله: {فأصبحتم بنعمته إخوانا} , وبقوله: {فأصلحوا بين أخويكم} .
والأحاديث التي تحث على الأخوة وتحذر من التقاطع كثيرة , التي تحذر المسلم من أن يقاطع إخوته بقوله: ((لا تقاطعوا, لا تهاجروا, لا تدابروا, لا تحاسدوا ولا تنافسوا)) . ونحو ذلككثيرة , فيها حث المسلمين على أن يكونوا إخوة, وإذا كانوا إخوة فإنهم يكونون يدا واحدة على أعدائهم ، ويكونون جميعا من أولياء اللهِ ، الذين فعلوا ما أُمروا به ، وتركوا ما نُهوا عنه ، وأطاعوا الله وأطاعوا رسوله , وامتثلوا أمره , فأصبحوا مسلمين , لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين .
لا شك أن هذا يعم حمل السلاح على أفراد المسلمين ، وعلى جماعاتهم ، وعلى أئمتهم وولاة أمورهم , يعمهم قوله:((من حمل علينا السلاح فليس منا)) . فالفرد مثلا , الفرد من أفراد البشر , من أفراد الناس , إذا سل سيفه وأخذ يقاتل، أو أخذ بندقيته وصار يقاتل ، يقاتل , أو هم بالقتال ، وأشهر سلاحه وأعلنه أمام الناس , وهدفه أن يقاتل هؤلاء المسلمين ، أو يذعرهم ويخوفهم , دخل في حكم هذا الحديث:((من حمل علينا السلاح)) . توعده بمجرد الحمل .
كذلك أيضا إذا أراد أن يقاتل جماعة أو فئة أو طائفة أو دولة أو أهل بلدة , بأن اجتمع مجموعة وكان معهم قوة ومعهم عدة وأسلحة ، وأرادوا أن يقاتلوا أهل هذه البلدةِ ، أو يقاتلوا أهل هذه الدولة ، أويقاتلوا هذه القبيلة , وليس ذلك إلا لإرادة التجبر والتكبر عليهم- دخلوا في ذلك , دخلوا في أنهم قد حملوا السلاح على مسلمين من أهل الإسلام الصحيح , فيكونون بذلك متوعدين بهذا الوعيد:((فليس منا)) .
وكذلك لو كان لهم منعة وقوة وعدة وذخائر , ونزعوا يدهم من طاعة ولاة الأمور ، وأرادوا أن يقاتلوا ولاة الأمر، أو يقاتلوا من تحتَ ولاية الوالي ونحو ذلك- دخلوا في هذا الحديث , يصيرون ممن حمل السلاح على المسلمين , على المسلمين الذين هم أتباع السنة , فيكونون بذلك قد تُوعدوا بهذا الوعيد الشديد:((من حمل علينا السلاحفليس منا)) .
وهكذا إذا حملوا السلاح على المسلم الذي هو مسلم , إذا رأوا مثلا كل من هو مسلم متمسك بالإسلام ، وبالعقيدة وبالتوحيد , وطاردوه لأجل إسلامه ، أو لأجل تمسكه ، أو لأجل عقيدته ،أو لأجل ديانته , وطاردوه وحملوا عليه السلاح ، وتبعه بالسلاح واحد أو عدد- دخلوا في هذا الوعيد:((من حمل علينا السلاح فليس منا)) .
وهكذا أيضا يدخل في ذلك أفراد وجماعات يقطعون الطرق ، ويقصدون بذلك أخذ الأموال , يقفون في طرق الناس , فإذا مر بهم من يتهمونه بأنه معه مال أو معه محارم أشهروا السلاح معه ، وقالوا: أعطنا ما معك من المال , أو خل بيننا وبين محارمك ؛ لنفعل فيها من الفاحشة ، وإلا قتلناك ، شهروا السلاح عليه . لا شك أن ذلك أيضا داخل في هذا الحديث: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) .
وهكذا يدخل في ذلك البغاة الذين يكون لهم شبهة ، ويخرجون عن طاعة الإمام ، ويكون لهم قوة وجانب , كالحرورية الذين هم الخواج , الذين يقتلون أهل الإسلام ، ويتركون ، أو يدعون أهل المعاصي والكفر , هؤلاء دخلوا في هذا الحديث ؛ حيث أنهم حملوا السلاح على المسلمين فقط ، وتركوا غير المسلمين .
فعرفنا بذلك أن هذا وعيد شديد لكل من حمل السلاح على فرد ، أوعلى جماعة , سواء كان ذلك الحامل معه غيره ، أو كان وحده , وسواء كان قصده أن يستبد بالأمر أو قصده أن يذل ويهين المسلمين لأجل إسلامهم وعقيدتهم ، أو قصده أن يذل كل متدين ، وكل عبد صالح حتى يظهر الفسق ويعلو ، ويذل أهل الإيمان وينقمع , في زعمه , ويتهمهم بما يتهمهم به من الإرهاب ، أو من نزع يد الطاعة ، أو ما أشبه ذلك , ولو سماهم ما سماهم , لا شك أن هذا داخل في هذا الوعيد .
ثم لا يدخل في ذلك من ليس من المسلمين ، يعني إذا كان قتاله لمن يتسمون بمسلمين ، ولكن ليسوا بمسلمين ، وإنما معهم من الإسلام مجرد التسمي دون حقيقته , فإن هؤلاء لا يصلح أن يسموا مسلمين ؛ فالحديث ورد في الوعيد على حمل السلاح على المسلمين وحدهم ، لا على حمله على غيرهم , فإذا كان هؤلاء الذين تقاتلهم من المشركين الذين ظهر شركهم كأن يعبدوا القبور ، أو يعبدوا الصالحين , يعبدون غير الله ، ويدعون غير الله في الشدائد والملمات ، ويهتفون بأسماء المخلوقات ، ويدعونهم من دون الله تعالى ، ويسمون ذلك توسلا ، أو استشفاعا ، أو نحو ذلك ، فهؤلاء يقاتلون , ولو تسموا بأنهم مسلمون , كما قاتلهم الأئمة ، ومنهم أئمة هذه الدعوة ، ومعهم أمراء هذه الدولة أوائلهم , لقد قاتلوا في سبيل الله أناسا معهم اسم الإسلام وليس معهم حقيقته .
فلا يقال: إن ابن عبد الوهاب ومن معه حملوا السلاح على المسلمين ؛ فإن هذا ليس بصحيح ، وما ذكر من أنهم فعلوا ذلك لا يقال له .. ليس له صحة ، أو ما ذكر من أنهم يكفرون كل من على وجه الأرض ليس له صحة , كما يقول في ذلك ساكن لنجة ملة عمران يقول: عن الشيخ محمد
قالوا: يعم المسلمين جميعهم بالكفر ,قلنا: ليس ذا بمؤكد
وعابهم بعض أعدائهم حيث يقول في قصيدة له .. حيث يقول: (وإنما تجاريك في سفك الدما ليس بالقصد وتكفير أهل الأرض لست أقوله) , ولكن يقال لم يتجارى في سفك دماء المسلمين , وإنما في سفك دماء المشركين الذين شركهم صريح واضح , فإذا عرف أن هذه الطائفة من المشركين الذين يدعون غير الله تعالى لم ينفعهم تشهدهم ، ولم ينفعهم انتسابهم إلى الإسلام مادام أنهم يخالفونه مخالفة صريحة .
ولا شك أنه يلحق بهم كل مَن حكم بكفرهم ، فإذا قوتلوا فقتالهم قتال في سبيل الله , ليس قتالا لأجل منصب أو نحو ذلك , كقتال المحاربين ، وقتال البغاة , وقتال قطاع الطريق ، وقتال المتعصبين ونحوهم , إنما الذين يقاتلون المشركين لأجل شركهم هؤلاء يقاتلون في سبيل الله .