دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 02:25 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي سورة المدثر (الآيات: 1-10)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 07:16 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تَفسيرُ سُورةِ الْمُدَّثِّرِ
وهي مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ * ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ * كَلاَّ وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لَلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً * كَلاَّ بَلْ لاَ يَخَافُونَ الآخِرَةَ * كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
(1 -7) {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.
تَقَدَّمَ أنَّ الْمُزَّمِّلَ والْمُدَّثِّرَ بمعنًى واحدٍ، وأنَّ اللَّهَ أمَرَ رسولَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ بالاجتهادِ في عِبادةِ اللَّهِ القاصرةِ والْمُتَعَدِّيَةِ.
فتَقَدَّمَ هناكَ الأمْرُ له بالعباداتِ الفاضلةِ القاصِرَةِ، والصبْرِ على أَذَى قَوْمِه، وأَمَرَه هنا بإعلانِ الدعوةِ والصدْعِ بالإنذارِ، فقالَ: {قُمْ}؛ أي: بجِدٍّ ونَشاطٍ، {فَأَنْذِرْ} الناسَ بالأقوالِ والأفعالِ، التي يَحْصُلُ بها المقصودُ وبَيانُ حالِ الْمُنْذَرِ عنه؛ ليكونَ ذلك أَدْعَى لتَرْكِه.
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}؛ أي: عَظِّمْهُ بالتوحيدِ، واجْعَلْ مَقْصِدَكَ في إنذارِكَ وَجْهَ اللَّهِ، وأنْ يُعَظِّمَه العبادُ ويَقوموا بعِبادتِه.
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} يَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ بثِيابِه أعمالُه كلُّها، وبتَطْهِيرِها تَخْلِيصُها والنُّصْحُ بها، وإيقاعُها على أكمَلِ الوُجوهِ، وتَنْقِيَتُها عن الْمُبْطِلاتِ والْمُفْسِداتِ والْمُنْقِصَاتِ؛ مِن شِرْكٍ ورِياءٍ ونِفاقٍ وعُجْبٍ وتَكَبُّرٍ وغَفْلَةٍ وغيرِ ذلك ممَّا يُؤْمَرُ العبدُ باجتنابِه في عِباداتِه.
ويَدْخُلُ في ذلك تَطهيرُ الثيابِ مِن النجاسةِ؛ فإنَّ ذلكَ مِن تَمامِ التطهيرِ للأعمالِ خُصوصاً في الصلاةِ، التي قالَ كثيرٌ مِن العُلماءِ: إنَّ إزالةَ النجاسةِ عنها شَرْطٌ مِن شُروطِ الصلاةِ.
ويَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ بثِيابِه الثيابُ المعروفةُ، وأنَّه مأمورٌ بتَطهيرِها عن جميعِ النَّجاساتِ، في جميعِ الأوقاتِ خُصوصاً في الدُّخولِ في الصلواتِ، وإذا كانَ مَأموراً بتَطهيرِ الظاهرِ فإنَّ طَهارةَ الظاهِرِ مِن تَمامِ طَهارةِ الباطِنِ.
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} يَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ بالرُّجْزِ الأصنامُ والأوثانُ، التي عُبِدَتْ معَ اللَّهِ فأَمَرَه بتَرْكِها والبَراءَةِ مِنها وممَّا نُسِبَ إليها مِن قَولٍ أو عمَلٍ.
ويَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ بالرُّجْزِ أعمالُ الشَّرِّ كلُّها وأقوالُه، فيكونُ أمْراً له بتَرْكِ الذنوبِ؛ صغيرِها وكبيرِها ظاهِرِها وباطنِها، فيَدْخُلُ في ذلك الشِّرْكُ وما دُونَه.
{وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}؛ أي: لا تَمْنُنْ على الناسِ بما أَسْدَيْتَ إليهم مِن النِّعَمِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، فتَسْتَكْثِرَ بتلكَ المِنَّةِ، وتَرَى لكَ الفَضْلَ عليهم بإحسانِكَ الْمِنَّةَ، بل أَحْسِنْ إلى الناسِ مهما أمْكَنَكَ، وانْسَ عندَهم إحسانَكَ، ولا تَطْلُبْ أجْرَه إلاَّ مِن اللَّهِ تعالى، واجعَلْ مَن أَحْسَنْتَ إليه وغيرَه على حَدٍّ سَواءٍ.
وقد قِيلَ: إنَّ معنَى هذا: لا تُعْطِ أَحَداً شيئاً وأنتَ تُريدُ أنْ يُكافِئَكَ عليه بأكثرَ منه. فيكونُ هذا خاصًّا بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.
{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}؛ أي: احْتَسِبْ بصَبْرِكَ، واقْصِدْ به وَجْهَ اللَّهِ تعالى. فامتَثَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لأَمْرِ رَبِّه، وبادَرَ إليه، فأَنْذَرَ الناسَ وأَوْضَحَ لهم بالآياتِ البَيِّنَاتِ جميعَ الْمَطَالِبِ الإلهيَّةِ وعَظَّمَ اللَّهَ تعالى، ودعا الخلْقَ إلى تَعظيمِه، وطَهَّرَ أعمالَه الظاهرةَ والباطنةَ مِن كلِّ سُوءٍ، وهَجَرَ كلَّ ما يُبْعِدُ عن اللَّهِ مِن الأصنامِ وأَهْلِها، والشرِّ وأهلِه.
وله الْمِنَّةُ على الناسِ - بعدَ مِنَّةِ اللَّهِ - مِن غيرِ أنْ يَطلُبَ منهم على ذلك جزاءً ولا شُكوراً، وصَبَرَ لِلَّهِ أكْمَلَ صَبْرٍ، فصَبَرَ على طاعةِ اللَّهِ وعن معاصي اللَّهِ وعلى أقدارِ اللَّهِ الْمُؤْلِمَةِ، حتى فاقَ أُولِي العزْمِ مِن المُرْسَلِينَ، صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه وعليهم أَجْمَعِينَ.
(8 -10) {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}؛ أي: فإذا نُفِخَ في الصُّورِ للقيامِ مِن القُبورِ, وجُمِعَ الخَلْقُ للبَعْثِ والنُّشورِ ـ{فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ}؛ لكثرةِ أهوالِه وشَدائدِه {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٌ}؛ لأنهم قدْ أَيِسُوا مِن كُلِّ خيرٍ، وأَيْقَنُوا بالهلاكِ والبَوَارِ.
ومفهومُ ذلكَ أنَّه على المؤمنينَ يَسيرٌ؛ كما قالَ تعالى: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 03:02 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر

سُورةُ الْمُدَّثِّرِ
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ * ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ * كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً * كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ * كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاء ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}.
قالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا بُدِئَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالوَحْيِ أَتاهُ جِبريلُ فَرآهُ رَسولُاللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ على سَريرٍ بينَ السماءِ والأرضِ كالنورِ الْمُتَلأْلِئِ, ففَزِعَ ووقَعَ مغْشِيًّا عليه، فلَمَّا أَفاقَ دَخَلَ على خَديجةَ ودَعَا بماءٍ فصَبَّهُ عليه، وقالَ: ((دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي)). فدَثَّرُوهُ بقَطيفةٍ.
1-{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} يا أيُّها الذي قد تَدَثَّرَ بثِيابِه، أيْ: تَغَشَّى بها.
2-{قُمْ فَأَنذِرْ} أي: انْهَضْ فخَوِّفْ أهْلَ مكَّةَ وحَذِّرْهُم العذابَ إنْ لم يُسْلِمُوا.
3-{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أيْ: واختَصَّ سَيِّدَكَ ومَالِكَك ومُصْلِحَ أمُورِكَ بالتكبيرِ، وهو وَصْفُه سُبحانَه بالكبرياءِ والعظمَةِ، وأَنه أكْبَرُ مِن أنْ يَكونَ له شَريكٌ.
4- {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أمَرَه اللهُ سُبحانَه بتَطهيرِ ثِيابِه وحِفْظِها عن النَّجَاساتِ. وقالَ قَتادةُ: نفْسَكَ فطَهِّرْها مِن الذنْبِ.
5- {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} أيْ: اتْرُكِ الأصنامَ والأوثانَ فلا تَعْبُدْها, فإنها سببُ العذابِ.
6- {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} لا تَمْنُنْ على ربِّكَ بما تَتَحَمَّلُه مِن أعباءِ النبوَّةِ, كالذي يَستكثِرُ ما يَتحَمَّلُه بسببِ الغيرِ. وقيلَ: المعنى: إذا أَعْطَيْتَ أَحَداً عَطِيَّةً فأَعْطِها لوجْهِ اللهِ, ولا تَمُنَّ بعَطِيَّتِكَ على الناسِ.
7- {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} أي: حُمِّلْتَ أمْرًا عَظيمًا ستُحَارِبُكَ العرَبُ عليه والعَجَمُ, فاصْبِرْ عليه للهِ.
8- {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} المرادُ هنا النفْخُ في الصُّورِ, كأنه قِيلَ: اصبِرْ على أَذاهُم, فبَيْنَ أيْدِيهِم يومٌ هائلٌ يَلْقَوْنَ فيه عاقِبَةَ أمْرِهم.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 03:05 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ


{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ * ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ * كَلاَّ وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً * كَلاَّ بَلْ لاَ يَخَافُونَ الآخِرَةَ * كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}.

تفسيرُ سورةِ الْمُدَّثِّرِ
وهي مَكِّيَّةٌ

وذَكَرَ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ أنها أَوَّلُ سُورةٍ أُنزِلَتْ مِن القُرآنِ.
ورُوِيَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْراً، فَلَمَّا نَزَلْتُ وَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ نُودِيتُ: يَا مُحَمَّدُ. فَنَظَرْتُ مِنْ قُدَّامِي وَخَلْفِي وَيَمِينِي وَشِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَداً، فَنُودِيتُ ثُمَّ نُودِيتُ ثُمَّ نُودِيتُ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا هُوَ فِي الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ- يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقاً، فَرَجَعْتُ إِلَى الْبَيْتِ وَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، دَثِّرُونِي)).
وفي رِوايةٍ: ((صُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِداً، ثُمَّ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ})). ومِن المعروفِ أنَّ أوَّلَ ما نَزَلَ مِن القرآنِ سُورةُ "اقْرَأْ"، ونُبَيِّنُ مِن بعدُ، ويُمكِنُ الجمْعُ بينَ الرِّوايتينِ فيُقالُ: إنَّ سُورةَ "اقْرَأْ" أوَّلُ مَا نَزَلَ مِن القُرآنِ حينَ بُدِئَ بالْوَحْيِ، وسورةَ "الْمُدَّثِّرِ" أوَّلُ ما نَزَلَ بعدَ فُتورِ الوَحْيِ، واللهُ أعلَمُ.
قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} معناه: يا أيُّها الْمُتَدَثِّرُ؛ مِثلُ قولِه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} أي: الْمُتَزَمِّلُ، والفرْقُ بينَ الشِّعارِ والدِّثارِ، أنَّ الشعارَ هو الثوبُ الذي يَلِي جِلْدَ الإنسانِ، والدِّثارَ هو الثوْبُ الذي فَوْقَ ذلك.
وقد رَوَى مَعْمَرٌ عن الزُّهْرِيِّ عن أبي سَلمةَ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ قالَ: سَمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحَدِّثُ عن فَترةِ الوحيِ، فقالَ في حديثِه: ((بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ رُعْباً، فَرَجَعْتُ وَقُلْتُ: زَمِّلُونِي دَثِّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ})). وهذا خَبَرٌ مُتَّفَقٌ على صِحَّتِه.
قالَ رَضِيَ اللهُ عنه: أَخْبَرَنا به أبو محمَّدٍ عبدُ اللهِ بنُ محمَّدِ بنِ أحمدَ، أخْبَرَنا أبو سَهلٍ عبدُ الصمَدِ بنُ عبدِ الرحمنِ الْبَزَّارُ، أخْبَرَنا أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا العذافريُّ أخْبَرنا إسحاقُ بنُ إبراهيمَ الدَّبَرِيُّ أخْبَرَنا عبدُ الرزَّاقِ عن مَعْمَرٍ... الخبرَ.
قولُه تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ} قالَ أبو الحسينِ بنُ فارِسٍ: القِيامُ في لُغةِ العرَبِ على وَجهينِ: قِيامُ جِدٍّ وعَزْمٍ، وقِيامُ انتصابٍ؛ فقِيامُ الانتصابِ معلومٌ، وقِيامُ الْجِدِّ والعزْمِ فهو مِثلُ قولِ الشاعِرِ:
قد رَضِينَاهُ فقُمْ فَسَمِّهِ
قالَه لبعضِ الْخُلفاءِ في بعضِ وُلاةِ العهْدِ. وقالَ الضحَّاكُ: كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائماً فنَزَلَ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} أي: النائمُ.
{قُمْ فَأَنْذِرْ} أيْ: قُمْ مِن النومِ وأَنْذِرِ الناسَ.
وقولُه: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أيْ: عَظِّمْهُ، ودَخَلَتِ الفاءُ بمعنى جوابِ الجزاءِ، وقيلَ: ربَّكَ فكَبِّرْ، أيْ: قُلِ: اللهُ أكْبَرُ.
وقولُه: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قالَ مُجاهِدٌ وقَتادةُ: معناه: لا تَلْبَسْهَا على غَدْرٍ وفُجورٍ. وقالَ السُّدِّيُّ: وعَمَلَكَ فأَصْلِحْ.
وقالَ الشاعرُ في القولِ الأوَّلِ:
وإِنِّي بحمْدِ اللهِ لا ثَوْبَ فَاجِرٍ لَبِسْتُ ولا مِن غَدرةٍ أَتَقَنَّعُ.
وقالَ السُّدِّيُّ: تقولُ العرَبُ: فُلانٌ نَقِيُّ الثيابِ، إذا كانتْ أعمالُه صالحةً، وفُلانٌ دَنِسُ الثيابِ، إذا كانتْ أعمالُه خَبيثةً، وقيلَ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أيْ: قَلْبَكَ فأَصْلِحْ.
قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
فإنْ يَكُ قد ساءَتْكِ مِنِّي خَليقَةٌ فَسُلِّي ثَيِابِي مِن ثِيابِكِ تَنْسُلِ
وقالَ طاوُسٌ: {وَثِيابَكَ فطَهِّرْ} أيْ: قَصِّرْ، فإنَّ الثوبَ إذا طالَ انْجَرَّ على الأرضِ فيُصيبُه ما يُنْجِسُه. وقالَ عُمرُ في رَجلٍ يَجُرُّ ثِيابَه: قَصِّرْ مِن ثِيابِكَ فإنه أَتْقَى وأَنْقَى وأَتْقَى. وعن ابنِ سِيرينَ في قولِه: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي: اغْسِلْها مِن النجاساتِ. وهو قولٌ مُختارٌ عندَ الفُقهاءِ، وذكَرَ الزَّجَّاجُ أنَّ التطهيرَ هو التقصيرُ على ما ذَكَرْنَا عن طاوُسٍ.
وقيلَ: ونِساءَكَ فأَصْلِحْ، أيْ: تَزَوَّجِ المؤمناتِ العَفيفاتِ، وقد بَيَّنَّا أنَّ اللِّباسَ يُكَنَّى به عن النساءِ، فكذلك يَجوزُ في الثيابِ.
وقولُه: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قالَ مُجاهِدٌ وإبراهيمُ: معناه: فاهْجُرْ، أي: ابْعُدْ، والقولُ الثاني: في الأَوثانِ فاهْجُرْ، وهو قولٌ مَعروفٌ.
وقد قُرِئَ: (والرِّجْزَ فاهْجُرْ) لهذا المعنى، وقالَ الفرَّاءُ: الرُّجْزُ والرِّجْزُ بمعنًى واحدٍ، وقيلَ: الرجْزُ هو الرِّجْسُ، يعني: اجتَنِبِ الرَّجاساتِ والنَّجاساتِ، وعلى هذا القولِ أُبْدِلَتِ السينُ بالزايِ، ويُقالُ: الرُّجْزُ هو العذابُ، والمعنى: اجتَنِبْ ما يُؤَدِّي إلى العذابِ.
وقولُه: {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} وقرأَ ابنُ مسعودٍ: (ولا تَمْنُنْ أنْ تَستكثرَ) قالَ الكِسائيُّ: سَقَطَتْ (أنْ) فارْتَفَعَ. وقالَ الحسَنُ: معناه: لا تَمُنَّ بعَطَائِكَ على أَحَدٍ.
وذَكَرَ الاستكثارَ لأنه إنما يَمُنُّ إذا رآه كَثيراً، والقولُ المعروفُ: لا تُعْطِ أحداً لتُعْطَى أكثرَ مما تُعْطِي. قالَ إبراهيمُ: وهذا في حَقِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاصَّةً؛ لأنَّ اللهَ تعالى أمَرَه بأشرَفِ الآدابِ وأجَلِّ الأخلاقِ، فأمَّا في حَقِّ غيرِه فلا بَأْسَ به. رَوَاه الْمُغيرةُ بنُ مِقْسَمٍ الضَّبِّيُّ عن إبراهيمَ، وقد حُكِيَ هذا الذي قُلناهُ عن غيرِ إبراهيمَ.
وقولُه: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} قالَ مُجاهِدٌ: على ما أُوذِيتَ، وقيلَ: على الحقِّ وإبلاغِ الرسالةِ. وعن إبراهيمَ قالَ: ولربِّكَ فاصْبِرْ؛ حتى تُثابَ على عمَلِكَ. أوْرَدَه النحَّاسُ عنه.
قولُه تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} أي: الصُّورِ، ويُقالُ: هو النفخَةُ الأُولى، ويُقالُ: هو الثانيةُ. وقد رُوِيَ أنَّ زُرارةَ بنَ أبي أَوْفَى كان يُصَلِّي بقومٍ فقَرأَ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} فخَرَّ مَغشِيًّا عليه، وقيلَ: إنه شِبْهُ البُوقِ.
وقولُه: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} أيْ: شديدٌ، {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} أيْ: غيرُ هَيِّنٍ ولا لَيِّنٍ.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 12:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة المدّثّر وهي مكّيّةٌ.
ثبت في صحيح البخاريّ [من حديث يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سلمة] عن جابرٍ أنّه كان يقول: أوّل شيءٍ نزل من القرآن: {يا أيّها المدّثّر}
وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أنّ أوّل القرآن نزولًا قوله تعالى: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق} كما سيأتي [بيان] ذلك هناك.
قال البخاريّ: حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيع، عن عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثيرٍ قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرّحمن عن أوّل ما نزل من القرآن، قال: {يا أيّها المدّثّر} قلت: يقولون: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}؟ فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد اللّه عن ذلك، وقلت له مثل ما قلت لي، فقال جابرٌ: لا أحدّثك إلّا ما حدّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "جاورت بحراء، فلمّا قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا. فرفعت رأسي فرأيت شيئًا، فأتيت خديجة فقلت: دثّروني. وصبّوا عليّ ماءً باردًا. قال: فدثّروني وصبّوا عليّ ماءً باردًا قال: فنزلت {يا أيّها المدّثّر قم فأنذر وربّك فكبّر}
هكذا ساقه من هذا الوجه. وقد رواه مسلمٌ من طريق عقيل، عن ابن شهابٍ، عن أبي سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد اللّه: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحدّث عن فترة الوحي: "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السّماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراءٍ قاعدٌ على كرسيٍّ بين السّماء والأرض، فجثثت منه حتّى هويت إلى الأرض، فجئت إلى أهلي، فقلت: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوني، فأنزل اللّه {يا أيّها المدّثّر قم فأنذر} إلى: {فاهجر} - قال أبو سلمة: والرّجز: الأوثان -ثمّ حمي الوحي وتتابع".
هذا لفظ البخاريّ وهذا السّياق هو المحفوظ، وهو يقتضي أنّه قد نزل الوحي قبل هذا، لقوله: "فإذا الملك الّذي جاءني بحراءٍ"، وهو جبريل حين أتاه بقوله: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق خلق الإنسان من علقٍ اقرأ وربّك الأكرم الّذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم} ثمّ إنّه حصل بعد هذا فترةٌ، ثمّ نزل الملك بعد هذا. ووجه الجمع أنّ أوّل شيءٍ نزل بعد فترة الوحي هذه السّورة، كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا ليث، حدّثنا عقيل، عن ابن شهابٍ قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرّحمن يقول: أخبرني جابر بن عبد اللّه: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "ثمّ فتر الوحي عنّي فترةً، فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السّماء، فرفعت بصري قبل السّماء، فإذا الملك الّذي جاءني [بحراءٍ الآن] قاعدٌ على كرسيٍّ بين السّماء والأرض، فجثت منه فرقًا، حتّى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت لهم: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوني، فأنزل اللّه: {يا أيّها المدّثّر قم فأنذر وربّك فكبّر وثيابك فطهّر والرّجز فاهجر} ثمّ حمي الوحي [بعد] وتتابع". أخرجاه من حديث الزّهريّ، به.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عليّ بن شعيبٍ السّمسار، حدّثنا الحسن بن بشرٍ البجلي، حدّثنا المعافى بن عمران، عن إبراهيم بن يزيد، سمعت ابن أبي مليكة يقول: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: إنّ الوليد بن المغيرة صنع لقريشٍ طعامًا، فلمّا أكلوا. قال: ما تقولون في هذا الرّجل؟ فقال بعضهم: ساحرٌ. وقال بعضهم ليس بساحرٍ. وقال بعضهم: كاهنٌ. وقال بعضهم: ليس بكاهنٍ. وقال بعضهم: شاعرٌ. وقال بعضهم ليس بشاعرٍ. وقال بعضهم: [بل] سحرٌ يؤثر. فأجمع رأيهم على أنّه سحرٌ يؤثر. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فحزن وقنع رأسه، وتدثّر، فأنزل اللّه {يا أيّها المدّثّر قم فأنذر وربّك فكبّر وثيابك فطهّر والرّجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربّك فاصبر}.
فقوله {قم فأنذر} أي: شمّر عن ساق العزم، وأنذر النّاس. وبهذا حصل الإرسال، كما حصل بالأوّل النّبوّة.
{وربّك فكبّر} أي: عظّم.
وقوله: {وثيابك فطهّر} قال الأجلح الكنديّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّه أتاه رجلٌ فسأله عن هذه الآية: {وثيابك فطهّر} قال: لا تلبسها على معصيةٍ ولا على غدرة. ثمّ قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثّقفيّ:
فإني بحمد اللّه لا ثوب فاجر = لبست ولا من غدرة أتقنّع
وقال ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ [في هذه الآية] {وثيابك فطهّر} قال: في كلام العرب: نقي الثّياب. وفي روايةٍ بهذا الإسناد: فطهّر من الذّنوب. وكذا قال إبراهيم، الشعبي، وعطاءٌ.
وقال الثّوريّ، عن رجلٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {وثيابك فطهّر} قال: من الإثم. وكذا قال إبراهيم النّخعيّ.
وقال مجاهدٌ: {وثيابك فطهّر} قال: نفسك، ليس ثيابه. وفي روايةٍ عنه: {وثيابك فطهّر} عملك فأصلح، وكذا قال أبو رزين. وقال في روايةٍ أخرى: {وثيابك فطهّر} أي: لست بكاهنٍ ولا ساحرٍ، فأعرض عمّا قالوا.
وقال قتادة: {وثيابك فطهّر} أي: طهّرها من المعاصي، وكانت العرب تسمّي الرّجل إذا نكث ولم يف بعهد اللّه إنّه لمدنس الثّياب. وإذا وفّى وأصلح: إنّه لمطهّر الثّياب.
وقال عكرمة، والضّحّاك: لا تلبسها على معصيةٍ.
وقال الشّاعر
إذا المرء لم يدنس من اللّؤم عرضه = فكلّ رداء يرتديه جميل...
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وثيابك فطهّر} [يعني] لا تك ثيابك الّتي تلبس من مكسبٍ غير طائبٍ، ويقال: لا تلبس ثيابك على معصيةٍ.
وقال محمّد بن سيرين: {وثيابك فطهّر} أي: اغسلها بالماء.
وقال ابن زيدٍ: كان المشركون لا يتطهّرون، فأمره اللّه أن يتطهّر، وأن يطهّر ثيابه.
وهذا القول اختاره ابن جريرٍ، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب، فإنّ العرب تطلق الثّياب عليه، كما قال امرؤ القيس:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل = وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي...
وإن تك قد س ـاءتك منّي خليقةٌ = فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل
وقال سعيد بن جبيرٍ: {وثيابك فطهّر} وقلبك ونيتك فطهر.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظيّ، والحسن البصريّ: وخلقك فحسّن.
وقوله: {والرّجز فاهجر} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {والرّجز} وهو الأصنام، فاهجر. وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة، والزّهريّ، وابن زيدٍ: إنّها الأوثان.
وقال إبراهيم، والضّحّاك: {والرّجز فاهجر} أي: اترك المعصية.
وعلى كلّ تقديرٍ فلا يلزم تلبّسه بشيءٍ من ذلك، كقوله: {يا أيّها النّبيّ اتّق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1] {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين} [الأعراف: 142].
وقوله: {ولا تمنن تستكثر} قال ابن عبّاسٍ: لا تعط العطيّة تلتمس أكثر منها. وكذا قال عكرمة، ومجاهدٌ، وعطاءٌ، وطاوسٌ، وأبو الأحوص، وإبراهيم النّخعيّ، والضّحّاك، وقتادة، والسّدّيّ، وغيرهم.
وروي عن ابن مسعودٍ أنّه قرأ: "ولا تمنن أن تستكثر".
وقال الحسن البصريّ: لا تمنن بعملك على ربّك تستكثره. وكذا قال الرّبيع بن أنسٍ، واختاره ابن جريرٍ. وقال خصيفٌ، عن مجاهدٍ في قوله: {ولا تمنن تستكثر} قال: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قال تمنن في كلام العرب: تضعف.
وقال ابن زيدٍ: لا تمنن بالنّبوّة على النّاس، تستكثرهم بها، تأخذ عليه عوضًا من الدّنيا.
فهذه أربعة أقوالٍ، والأظهر القول الأوّل، واللّه أعلم.
وقوله: {ولربّك فاصبر} أي: اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربّك عزّ وجلّ، قاله مجاهدٌ. وقال إبراهيم النّخعيّ: اصبر عطيّتك للّه تعالى.
وقوله: {فإذا نقر في النّاقور فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ على الكافرين غير يسيرٍ} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ والشّعبيّ، وزيد بن أسلم، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، وابن زيدٍ: {النّاقور} الصّور. قال مجاهدٌ: وهو كهيئة القرن.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، عن مطرّف، عن عطيّة العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فإذا نقر في النّاقور} فقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر فينفخ؟ " فقال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فما تأمرنا يا رسول اللّه؟ قال: "قولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل، على اللّه توكّلنا".
وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباطٍ، به ورواه ابن جريرٍ عن أبي كريب، عن ابن فضيلٍ وأسباطٍ، كلاهما عن مطرّفٍ، به. ورواه من طريقٍ أخرى، عن العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، به.
وقوله: {فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ} أي: شديدٌ.
{على الكافرين غير يسيرٍ} أي: غير سهلٍ عليهم. كما قال تعالى {يقول الكافرون هذا يومٌ عسرٌ} [القمر: 8].
وقد روينا عن زرارة بن أوفى -قاضي البصرة-: أنّه صلّى بهم الصّبح، فقرأ هذه السّورة، فلمّا وصل إلى قوله: {فإذا نقر في النّاقور فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ على الكافرين غير يسيرٍ} شهق شهقةً، ثمّ خرّ ميّتًا، رحمه اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 8/260-265]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المدثر, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir