مجلس مذاكرة القسم الأول من سورة آل عمران
اكتب رسالة مختصرة بأسلوب الحجاج تردّ فيها على النصارى الذين يعتقدون ألوهية عيسى عليه السلام، من خلال دراستك لتفسير صدر سورة آل عمران.
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ,وجعله ناسخا لكل ما سبق من الكتب , ومهيمنا عليها ,وجعله هاديا لكل مهتدي ,وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا, وشفاء لما في الصدور,من تمسك به قاده إلى جنة عرضها السموات والأرض ,ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكا, وجعل ذلك لكل من نهل منه من أبناء البشرية ,فلا غرو فهو المعجزة الربانية لكل زمام ومكان , ولذلك أنزل الله نيفا وثمانين آية من سورة آل عمران تفند اعتقادات النصارى الباطلة في عيسى ابن مريم ومقيما عليهم الحجة في دحض أباطيلهم,وهؤلاء النصارى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران فألحدوا في الله وغالوا في عيسى ابن مريم فحاجهم النبي صلى اللهعليه وسلم كما ورد في حديث المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {الم}، {اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم}، قال: إنّ النّصارى أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فخاصموه في عيسى ابن مريم، وقالوا له: من أبوه؟ وقالوا على اللّه الكذب والبهتان، لا إله إلاّ هو، لم يتّخذ صاحبةً ولا ولدًا. فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ألستم تعلمون أنّه لا يكون ولدٌ إلاّ وهو يشبه أباه؟ ))
قالوا: بلى, قال: ((ألستم تعلمون أنّ ربّنا حيٌّ لا يموت، وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟ ))قالوا: بلى ,
قال: ((ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّمٌ على كلّ شيءٍ يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ )) قال: بلى,قال: ((فهل يملك عيسى من ذلك شيئًا؟)) قالوا: لا, قال:(( أفلستم تعلمون أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السّماء؟)) قالوا: بلى,
قال: ((فهل يعلم عيسى من ذلك شيئًا إلاّ ما علّم؟ ))قالوا: لا, قال: ((فإنّ ربّنا صوّر عيسى في الرّحم كيف شاء، فهل تعلمون ذلك؟ )) قالوا: بلى, قال:(( ألستم تعلمون أنّ ربّنا لا يأكل الطّعام، ولا يشرب الشّراب، ولا يحدث الحدث؟))
قالوا: بلى, قال: ((ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته امرأةٌ كما تحمل المرأة، ثمّ وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثمّ غذّي كما يغذّى الصّبيّ، ثمّ كان يطعم الطّعام، ويشرب الشّراب، ويحدث الحدث؟ )) قالوا: بلى, قال: ((فكيف يكون هذا كما زعمتم؟.)) قال: ((فعرفوا ثمّ أبوا إلاّ جحودًا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {الم}، {اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم})).
فأبوا إلا الإعراض, فعرض عليهم المباهلة فأبوا, وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم قبول الجزية ,فقبلها منهم ثم انصرفوا إلى بلادهم, ذكره الطبري في جامع البيان, فهذه الآيات فيهم وفي غيرهم من المشركين , ففي قوله:( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) جاء بلفظ الجلالة (الله) لمهابة هذا الإسم العظيم عند سماعه , كيف لا وهو الإسم الذي لا يكون إلا لله تعالى ,ومن يساوي الله في اسمه ,ثم ثنى باسمين عظيمين لله تعالى ( الحي القيوم ) ليوقظ بذلك قلوب من ادعى ألوهية عيسى ابن مريم وهم يعتقدون موته ,فكيف يتساوى من له الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم, ولا يلحق بها موت بمن يزعمون موته , والقيوم القائم على أمور خلقه, فهوفي كل يوم في شأن, يرفع أقواما, ويضع آخرين, فكيف يتساوى ذلك بعيسى ابن مريم ,وهو ميت كما يزعمون ,ثم توعدهم الله عز وجل بالعذاب الشديد اذا استمروا في جحودهم فهم من جملة المكذبين بهذا الكتاب الذي يبطل إلهية عيسى عليه السلام ويثبت ألوهية الله عز وجل ,ثم أبطل الله عز وجل شبهتهم بدليل آخر فقال ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فهو المصور لكل شيء, وبأي كيفية فهو موجد الأسباب, وإن اختلفت ,فمن خلق بأب, ومن خلق من غير أب ,هو من خلق الله ,فكيف يكون إلها من خلق في الأرحام وتطور خلقه طور بعد طور, وأكل وشرب وتعرض لكل ما يتعرض له البشر من لوازم الحياة البشرية ,تعالى الله عما يصفون ,ثم يرد الله تعالى عليهم شبهتهم في كون القرآن نزل بإلوهية عيسى فقد ذكر فيه أن عيسى روح الله ,وأنه يحي الموتى, فرد الله عليهم بأن هذا القرآن منه آيات محكمات, وأخر متشابهات, فالمحكم الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا, والمتشابه الذي يحتمل أكثر من معنى ,فما هذه الآيات إلا من المتشابه الذي أخطأتم في فهمه وليس صحيحا , فعليكم الرجوع لمن يفهم كلام الله تعالى ,وبهذا لم يبقى لديهم حجة يحتجون بها في ادعاءاتهم الباطلة ,فقد ظهر الحق وزهق الباطل بهذا الكتاب المبين ومافيه من الحجج الواضحة البينة ,والتي لا يزيغ عنها إلا هالك ,أسأل الله أن يرينا الحق حقا ,ويرزقنا اتباعه ,ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
2. حرر القول في واحدة من المسائل التالية:
2: المراد بالآيات المحكمة والآيات المتشابهة، ومقصد أهل الزيغ من اتّباع متشابه القرآن.
أقوال العلماء في تفسير المحكم والمتشابه :
- قول ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: الْمُحْكَمَاتُ هِيَ الثَّلَاثُ آيَاتٍ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ قُلْ تَعالَوْا إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ، وَالْمُتَشَابِهَاتُ هِيَ الَّتِي تَشَابَهَتْ عَلَى الْيَهُودِ، وهي أسماء حروف الهجاء المذكور فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوَّلُوهَا عَلَى حِسَابِ الْجُمَّلِ فَطَلَبُوا أَنْ يَسْتَخْرِجُوا مِنْهَا مُدَّةَ بَقَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَاخْتَلَطَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ وَاشْتَبَهَ.ذكره الجرجاني والرازي والثعلبي والطبري وابن عطية.
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ النَّاسِخُ الذي يعمل به،,روي ذلك عن قتادة والربيع والضحاك والسدي, وَالْمُتَشَابِهُ هُوَ مَنْسُوخُةومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه الذي يؤمن به ولا يعمل به روي عن عطية عن ابن عباس ,ذكره الثعلبي في الكشف والبيان والطبري وابن عطية .
- وقيل المحكم الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه [يصدّق] بعضها بعضا» روي ذلكمجاهد، وعكرمة .
- روى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: المحكم: ما لا يحتمل من التأويل غير وجه واحد.
- والمتشابه: ما أحتمل من التأويل أوجها.
- وقيل من المحكم ما ذكر الله تعالى في كتابه من قصص الأنبياء (عليهم السلام) ، وفصلت وتنته لمحمد صلى الله عليه وسلّم وأمّته، كما ذكر قصة نوح في أربع وعشرين آية منها، وقصة هود في عشر آيات، وقصّة صالح في ثمان آيات، وقصة إبراهيم في ثمان آيات، وقصة لوط في ثمان آيات، وقصة شعيب في عشر آيات، وقصة موسى في آيات كثيرة.
وذكر [آيات] حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أربع وعشرين آية.
والمتشابه: هو ما أختلف به الألفاظ من قصصهم عند التكرير، كما قال في موضع من قصة نوح:( قُلْنَا احْمِلْ) وقال وفي موضع آخر:( فَاسْلُكْ )روي عن ابن زبير ذكره الثعلبي في الكشف والبيان والطبري وابن عطية .
- قول الْأَصَمُّ: الْمُحْكَمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ دَلِيلُهُ وَاضِحًا لَائِحًا، مِثْلَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ إنشاء الخلق في قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) وَقَوْلِهِ (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ )وَقَوْلِهِ( وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ) وَالْمُتَشَابِهُ مَا يُحْتَاجُ فِي مَعْرِفَتِهِ إِلَى التَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلِ نَحْوَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ تَعَالَى يَبْعَثُهُمْ بَعْدَ أَنْ صَارُوا تُرَابًا وَلَوْ تَأَمَّلُوا لَصَارَ الْمُتَشَابِهُ عِنْدَهُمْ مُحْكَمًا لِأَنَّ مَنْ قدر على الإنشاء أو لا قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَةِ ثَانِيًا.ذكره الرازي في مفاتيح الغيب
- أَنَّ كُلَّ مَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ جَلِيٍّ، أَوْ بِدَلِيلٍ خَفِيٍّ، فَذَاكَ هُوَ الْمُحْكَمُ، وَكُلُّ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ فَذَاكَ هُوَ الْمُتَشَابِهُ، وَذَلِكَ كَالْعِلْمِ بِوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَالْعِلْمِ بِمَقَادِيرِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِينَ كقَوْلُهُ تَعَالَى) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) ذكره الرازي في مفاتيح الغيب
والراجح مارجحه ابن كثير رحمه الله تعالى بقوله
وأحسن ما قيل الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَيْثُ قَالَ: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} فِيهِنَّ حُجَّةُ الرَّبِّ، وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ، وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ، لَيْسَ لَهُنَّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمَّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَالْمُتَشَابِهَاتُ فِي الصِّدْقِ، لَهُنَّ تَصْرِيفٌ وَتَحْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ، ابْتَلَى اللَّهُ فِيهِنَّ الْعِبَادَ، كَمَا ابْتَلَاهُمْ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَلَّا يَصْرِفْنَ إلى الباطل، ولا يحرّفن عن الحق. أه
مقصد أهل الزيغ من اتباع متشابه القرآن
لما وقع الهوى في نفوس بعض البشر مع قلة العلم لديهم فسروا القرآن بغير دليل من القرآن والسنه على حسب ما يوافق أهوائهم وهذا ما بينه الله تعالى قَوْلُهُ تَعَالَى:( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)وقد فصل الرازي القول في ذلك بقوله
فالأول :ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ والْفِتْنَةَ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِهْتَارُ بِالشَّيْءِ وَالْغُلُوُّ فِيهِ، يُقَالُ: فُلَانٌ مَفْتُونٌ بِطَلَبِ الدُّنْيَا، أَيْ قَدْ غَلَا فِي طَلَبِهَا وَتَجَاوَزَ الْقَدْرَ، وقَالَ الْأَصَمُّ: إِنَّهُمْ مَتَى أَوْقَعُوا تِلْكَ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي الدِّينِ، صَارَ بَعْضُهُمْ مُخَالِفًا لِلْبَعْضِ فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى التَّقَاتُلِ وَالْهَرْجِ وَالْمَرْجِ فَذَاكَ هُوَ الْفِتْنَةُ وَثَانِيهَا: أَنَّ التَّمَسُّكَ بِذَلِكَ الْمُتَشَابِهِ يُقَرِّرُ الْبِدْعَةَ وَالْبَاطِلَ فِي قَلْبِهِ فَيَصِيرُ مفتوناً بذلك الباطل عاكفاً عليه لا ينقطع عَنْهُ بِحِيلَةٍ الْبَتَّةَ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْفِتْنَةَ فِي الدِّينِ هُوَ الضَّلَالُ عَنْهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا فِتْنَةَ وَلَا فَسَادَ أَعْظَمُ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ وَالْفَسَادِ فِيهِ.
وَأَمَّا الْغَرَضُ الثَّانِي لَهُمْ: وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ والتَّأْوِيلَ هُوَ التَّفْسِيرُ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَرْجِعُ وَالْمَصِيرُ، مِنْ قَوْلِكَ آلَ الْأَمْرُ إِلَى كَذَا إِذَا صَارَ إِلَيْهِ،وَأَوَّلْتُهُ تَأْوِيلًا إِذَا صَيَّرْتَهُ إِلَيْهِ،وقَالَ تَعَالَى:(سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)
وَقَالَ تَعَالَى: وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَمَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِ اللَّفْظُ مِنَ الْمَعْنَى، وهؤلاء يَطْلُبُونَ التَّأْوِيلَ الَّذِي لَيْسَ عليه دليل في القرآن كاالتفسير بالرأي ، مِثْلُ محاولة معرفةْ وقت قيام السَّاعَةَ وَ مَقَادِيرَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لِكُلِّ مُطِيعٍ وَعَاصٍ كَمْ تَكُونُ؟ قَالَ الْرازي: هَؤُلَاءِ الزَّائِغُونَ قَدِ ابْتَغَوُا الْمُتَشَابِهَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْمِلُوهُ على غير الحق: وهـوالمراد مِنْ قَوْلِهِ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَالثَّانِي: أَنْ يَحْكُمُوا بِحُكْمٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا دَلِيلَ فِيهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ .أه
والحمد لله رب العالمين ,,,