دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > سير المفسرين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 ربيع الثاني 1437هـ/17-01-2016م, 01:31 AM
ندى علي ندى علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 311
افتراضي حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد
ففيما يلي هذه المقدمة القصيرة بحث يسير في سيرة إمام التفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنه فقيه العصر ذو العلم الغزير والفهم العميق رضي الله عنه وأرضاه

اسمه ونسبه:
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الهاشمي، صحابي جليل , وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم , كني بأبو العباس وهو أكبر ولده , لقب بالبحر والحبر ؛ لسعة علمه وحدة فهمه , وبترجمان القرآن ؛ لأنه فسر القرآن وبينه فأجاد وأحسن بيانه ,وفي اللغة ترجم الكلام إذا بينه ووضحه [1], وأبو الخلفاء وهو والد الخلفاء العباسيين ، ففي ولده كانت الخلافة العباسية.
وأمه: أم الفضل لبابة بنت الحارث بْن حزن بْن بجير الهلالية، أخت ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلّم, وهو ابن خالة خالد بن الوليد.
وهو أخو إخوة عشرة ذكور هم الفضل، وعبيد الله، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن، وكثير، والحارث، وعون، وتمام .
وله من الولد: العباس وعبيد الله والفضل وعلي وكان علي يدعى السجاد لكثرة صلاته،ومن الإناث لبابة وأسماء وهي لأم ولد.
أما زوجته فهي زرعة بنت مشرح بن معدي كرب[2].

صفته :
كان جميلا أبيض طويلا، مشربا صفرة، جسيما إذا قعد أخذ مقعد رجلين ، وسيما، صبيح الوجه وتطلق في اللغة على الجمال[3] وعلى الحمرة [4], وكان فصيحا. وكان يصفر لحيته، , له وفرة وهي الشعر إذا جاوز شحمة الأذنين [5], يخضب بالحناء وقيل بالسواد، وقال محمد بن عثمان بن أبي خيثمة في تاريخه حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق: رأيت ابن عباس رجلا جسيما قد شاب مقدم رأسه
وكان حسن الوجه يلبس حسنا ويكثر من الطيب بحيث إنه كان إذا مر في الطريق يقول النساء هذا ابن عباس أو رجل معه مسك، و وَقد كف بَصَره فِي أَوَاخِر عمره فلما عمي اعترى لونه صفرة يسيرة[6].

مولده ونشأته:
ولد والنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بالشعب من مكة، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين , وقيل بخمس والأول أثبت،[7] وهو يقارب ما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس، قال: (أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار...الحديث)[8] , وقال الواقدي: لا خلاف عند أئمتنا أنه ولد بالشعب حين حصرت قريش بني هاشم، وأنه كان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة.
وعن مجاهد قال: قال ابن عباس: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته في الشعب، أتى أبي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، ما أرى أم الفضل إلا قد اشتملت على حمل، قال: (لعل الله أن يقر أعيننا منها بغلام) ، فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في خرقتي، فحنكني[9].
وفي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير، قال: سئل ابن عباس: مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: (أنا يومئذ مختون) قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك[10].

مواليه:
مواليه رضي الله عنه كثير , تتلمذ بعضهم على يديه حتى برزوا وعلا شأنهم , فكان منهم أئمة يقتدى بهم ويؤخذ عنهم شتى العلوم الشرعية , وأبرزهم : عكرمة، وكريب، وأبو معبد نافذ، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وعبيد بن عمير، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين، وأبو الزبير، ومحمد بن كعب، وطاوس، ووهب بن منبه، وأبو الضحى، وخلق كثير غير هؤلاء[11].

شيوخه وتلاميذه :
تتلمذ ابن عباس رضي الله عنه على أيدي كبار الصحابة وسار على نهجهم واهتدى بهدي النبوة فحاز العلم ونال الشرف والرفعة , وأبرز شيوخه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وزيد , قال أحمد: عن عبد الرزاق عن معمر قال: عامة علم ابن عباس من ثلاثة، من عمر وعلي وأبي ابن كعب.
وقال طاوس عن ابن عباس أنه قال: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد من ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما تلاميذه: فقد تتلمذ على يديه كثير وقرأ عليه كثير منهم طاوس ومُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير والأعرج وَعِكْرِمَة وعطية وغيرهم[12]


طلبه للعلم:
طلب ابن عباس رضي الله عنه العلم بقلب صادق محب للعلم وأهله , ولاقى في سبيل طلبه المشقة , لكنه صبر رضي الله عنه حتى آتاه الله علما واسعا , ونفع بعلمه الأمة أجمع رض الله عنه وأرضاه .
ففي حياة النبي صلى الله عليه وسلم بات ليلة عند خالته ميمونة ليرى هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلم منه ويقتدي به فقد ورد عن ابن عباس، أنه سكب للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: (من وضع هذا؟) فقالت: ابن عباس. فقال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل .
ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم سارع إلى طلب العلم من الصحابة رضي الله عنهم فعن ابن عباس، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنهم اليوم كثير. قال فقالوا عجبا لك! أترى الناس يفتقرون إليك؟ قال: فترك ذلك وأقبلت أسأل، فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث. فعاش الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني, فقال: هذا الفتى كان أعقل مني.
كما كان رضي الله عنه متأدبا بآداب طالب العلم موقرا للعلم , متواضعا .
عن الشعبي، قال: ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه، فقال: لا تفعل يا ابن عم رسول الله. فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا. فقبل زيد بن ثابت يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا[14].


من روى عنهم :
روى ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كثيرا، وعن جماعة من الصحابة، وأخذ عنه خلق من الصحابة وأمم من التابعين، وله مفردات ليست لغيره من الصحابة لاتساع علمه وكثرة فهمه وكمال عقله وسعة فضله ونبل أصله، رضي الله عنه وأرضاه
روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم , وعن أبي بكر و عمر, وعثمان وعلي, وأبي، وأبيه العباس، وأبي سفيان بن حرب، ومعاذ بن جبل, وأبي ذر وغيرهم[23]

من روى عنه :
روى عن ابن عباس خلق كثير جدا لا يتسع المجال لحصرهم ,منهم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبو الطفيل عامر بن واثلة وثعلبة بن الحكم وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وأخوه كثير بن عباس وابنه علي بن عبد الله وابن أخيه عبد الله بن معبد بن عباس , ومواليه عكرمة وأبو معبد نافذ وكريب وعوسجة وأبو عبد الله شعبة ومقسم أبو القاسم وعطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر وعبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة وعمرو بن دينار وعبد الله بن أبي يزيد ومحمد بن عباد بن جعفر المخزومي , وروى عنه أبو صالح باذام مولى أم هانئ و وعكرمة بن خالد المخزومي المكنون وسعيد بن المسيب ونافع بن جبير بن مطعم وحميد وأبو مسلمة ابنا عبد الرحمن بن عوف وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار وسعيد بن يسير أبو الحباب وطلحة بن عبد الله بن عوف ,وعروة بن الزبير بن العوام وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن كعب القرظي وطاوس بن كيسان ووهب بن منبه وعامر الشعبي وسعيد بن وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي والنضر بن أنس بن مالك الأنصاري وأبو العالية رفيع الرياحي وأبو إدريس الخولاني والضحاك بن مزاحم وعطاء بن أبي مسلم الخراسانيان وغيرهم كثير [24].


آثاره:
ورد عنه كثير من الآثار منها [15]:
· قال مغيرة عن الشعبي قال: قيل لابن عباس: أنى أصبت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول.
· وعن عبد الله بن بريدة، قال: شتم رجل ابن عباس، فقال: إنك لتشتمني وفي ثلاث: إني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأحبه، ولعلي لا أقاضي إليه أبدا، وإني لأسمع بالغيث يصيب البلاد من بلدان المسلمين فأفرح به وما لي بها سائمة ولا راعية، وإني لآتي على آية من كتاب الله تعالى فوددت أن المسلمين كلهم يعلمون منها مثل ما أعلم.
· وكان قد عمي في آخر عمره، فقال في ذلك:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل وفي فمي صارم كالسيف مأثور
· عن ابن عباس، قال: " نحن أهل البيت شجرة النبوة، ومختلف الملائكة، وأهل بيت الرسالة، وأهل بيت الرحمة، ومعدن العلم "
· وعن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله.
· وجاء إليه رجل يقال له جندب فقال له: أوصني، فقال: أوصيك بتوحيد الله والعمل له، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فان كل خير آتيه أنت بعد ذلك
منك مقبول، وإلى الله مرفوع، يا جندب إنك لن تزدد من موتك إلا قربا، فصل صلاة مودع. وأصبح في الدنيا كأنك غريب مسافر، فإنك من أهل القبور، وابك على ذنبك وتب من خطيئتك، ولتكن الدنيا عليك أهون من شسع نعلك، فكأنك قد فارقتها وصرت إلى عدل الله، ولن تنتفع بما خلفت، ولن ينفعك إلا عملك.
· وقال بعضهم: أوصى ابن عباس بكلمات خير من الخيل الدهم، قال: لا تكلمن فيما لا يعنيك حتى ترى له موضعا، ولا تمار سفيها ولا حليما فإن الحليم يغلبك والسفيه يزدريك، ولا تذكرن أخاك إذا توارى عنك إلا بمثل الذي تحب أن يتكلم فيك إذا تواريت عنه، واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالإحسان مأخوذ بالإجرام. فقال رجل عنده: يا ابن عباس! هذا خير من عشرة آلاف. فقال ابن عباس: كلمة منه خير من عشرة آلاف.
· وقال ابن عباس: تمام المعروف تعجيله وتصغيره وستره- يعني أن تعجل العطية للمعطى، وأن تصغر في عين المعطي- وأن تسترها عن الناس فلا تظهرها! فإن في إظهارها فتح باب الرياء وكسر قلب المعطى، واستحياءه من الناس.
· وقال ابن عباس: أعز الناس على جليس لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت، وقال أيضا: لا يكافئ من أتاني يطلب حاجة فرآني لها موضعا إلا الله عز وجل، وكذا رجل بدأني بالسلام أو أوسع لي في مجلس أو قام لي عن المجلس، أو رجل سقاني شربة ماء على ظمأ، ورجل حفظني بظهر الغيب.


أقوال العلماء فيه وبيان سعة علمه :
لقد كان ابن عباس رضي الله عنه نابغا منذ صغره وتميز بسعة علمه وحدة فهمه , فبرز على أقرانه بل وسبق كثيرا من كبار الصحابة , حتى أن عمر رضي الله عنه كان يقربه في مجلسه ,ويسأله عما استشكل فهمه .
وهنا بعضٌ مما قيل فيه[13] :
· ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يجلس ابن عباس مع مشايخ الصحابة ويقول: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وكان إذا أقبل يقول عمر: جاء فتى الكهول، وذو اللسان السؤول، والقلب العقول.
· عن عبد الله بن دينار- أن رجلا سأل ابن عمر عن قوله تعالى: (كانتا رتقا ففتقناهما )[الأنبياء: 30] فقال: اذهب إلى ذلك الشيخ فسله ثم تعال فأخبرني, فذهب إلى ابن عباس، فسأله، فقال: كانت السموات رتقاء لا تمطر، والأرض رتقاء لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات. فرجع الرجل فأخبر ابن عمر، فقال: لقد أوتي ابن عباس علما صدقا، هكذا، لقد كنت أقول ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه قد أوتي علما.
· قال عمرو بن حبشي سألت ابن عمر عن آية، فقال: انطلق إلى ابن عباس فاسأله، فإنه أعلم من بقي بما أنزل الله تعالى على محمد.
· قال علي في ابن عباس إنا لننظر إلى الغيث من ستر رقيق لعقله وفطنته.
· عن ابن مسعود، قال: "نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس" .
· عن محمد بن أبي بن كعب، عن أبيه، أنه سمعه يقول- وكان عنده ابن عباس فقام: قال هذا يكون حبر هذه الأمة أوتي عقلا وجسما.
· وقالت عائشة رضي الله عنها : هو أعلم الناس بالحج.
· عن هشام بن عروة: سألت أبي عن ابن عباس، فقال: ما رأيت مثل ابن عباس قط.
· وعن مجاهد قال كان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه.
· عن مسروق، قال: قال عبد الله- هو ابن مسعود. أما إن ابن عباس لو أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد.
· قال عطاء: ما رأيت قط أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقها، وأعظم خشية، إن أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده، يصدرهم كلهم من واد واسع.
· عن مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، فإذا نطق قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث قلت: أعلم الناس.
· عن سعيد بن جبير:كنت أسمع الحديث من ابن عباس فلو يأذن لقبلت رأسه.
· قال عمر لابن عباس إنك لأصبح فتياننا وجها، وأحسنهم عقلا، وأفقهم في كتاب الله عز وجل.
· قال ابن تيمية: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم


نماذج من تفسيره :
يحسن في هذا المقام الإشارة إلى أنه كتبت في هذا الموضوع رسالة جُمع فيها تفسير ابن عباس رضي الله عنه ودرست فيه مدى صحة نسبته إليه فكان مما ورد عنه ما هو صحيح النسبة ومنها ما لا يصح[16] وهاهنا نماذج من تفسيره رضي الله عنه :
· عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " كانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم، فنزلت: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} [البقرة: 198]. في مواسم الحج "
[17]
· عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ترون هذه الآية نزلت {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب} [البقرة: 266] ؟ قالوا الله أعلم فغضب عمر، فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم
فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء فقال: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل فقال عمر أي عمل. قال ابن عباس: لرجل يعمل لطاعة الله ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله[18]
· عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ " فأنزل الله فيهم هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}[المائدة: 101][19]
· عن ابن عباس رضي الله عنهما: {الذين جعلوا القرآن عضين} [الحجر: 91] قال: هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه[20]
· عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] قال: " نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ولا تجهر بصلاتك} [الإسراء: 110] أي بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] عن أصحابك فلا تسمعهم، {وابتغ بين ذلك سبيلا} [الإسراء: 110] "[21]

من أخباره و فضائله :
صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولزمه، وأخذ عنه وحفظ وضبط الأقوال والأفعال والأحوال ودعا له فنال من بركة دعوته ما نال من فضل وعلم:

عن ابن عمر قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس فقال: "اللهم بارك فيه وانشر منه"
و عن ابن عباس قال انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل فقال له جبريل: إنه كائن حبر هذه الأمة فاستوص به خيرا.

ابن عباس قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه، فلما أقبل على صلاته خنست. فلما انصرف قال لي: «ما شأنك؟» فقلت: يا رسول الله، أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك، وأنت رسول الله! فدعا لي أن يزيدني الله علما وفهما.
عن ابن عباس: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمسح على ناصيتي وقال: «اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب» .

عن ابن عباس، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف "
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر فأسند ألفا وستمائة وسبعين حديثا والله سبحانه وتعالى أعلم.
رأى جبريل عليه السلام مرتين :
وقال ابن سعد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار، عن عكرمة، قال: أرسل العباس عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق، ثم جاء، فقال: رأيت عنده رجلا لا أدري من هو فجاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بالذي قال عبد الله، فدعاه، فأجلسه في حجره ، ومسح رأسه، ودعا له بالعلم.
عن ابن عباس: " أنه رأى جبريل مرتين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم مرتين
كان مقربا عند عمر رضي الله عنه مقدما على غيره عنده:

عن الزهري، قال: قال المهاجرون لعمر: ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذاكم فتى الكهول، له لسان سئول، وقلب عقول.

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عمر كان إذا جاءته الأقضية المعضلة، قال لابن عباس: " إنها قد طرت لنا أقضية وعضل، فأنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله، وما كان يدعو لذلك أحدا سواه "
وأخرج البخاري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا إن لنا أبناء مثله فقال: عمر إنه ممن علمتم ودعاهم ذات يوم فأدخله معهم فما رئيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال: ما تقولون في قول الله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح} فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال لي: أكذلك تقول يا بن عباس؟ فقلت لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه به، قال: إذا جاء نصر الله والفتح فذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول! "
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب جلس في رهط من المهاجرين من الصحابة فذكروا ليلة القدر فتكلم كل بما عنده فقال عمر: مالك يا بن عباس صامت لا تتكلم! تكلم ولا تمنعك الحداثة قال ابن عباس: فقلت يا أمير المؤمنين، إن الله وتر يحب الوتر فجعل أيام الدنيا تدور على سبع وخلق أرزاقنا من سبع وخلق الإنسان من سبع وخلق فوقنا سموات سبعا وخلق تحتنا أرضين سبعا وأعطى من المثاني سبعا ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع وقسم الميراث في كتابه على سبع ونقع في السجود من أجسادنا على سبع وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة سبعا وبين الصفا والمروة سبعا ورمى الجمار بسبع فأراها في السبع الأواخر من شهر رمضان فتعجب عمر، وقال: وما وافقني فيها أحد إلا هذا الغلام الذي لم تستو شؤون، رأسه ثم قال: يا هؤلاء من يؤديني في هذا كأداء ابن عباس!
كان يؤخذ بقوله رضي الله عنه ويرجع إليه الصحابة والتابعين من بعد :
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر كان يأخذ بقول ابن عباس في العضل، قال: وعمر عمرا.

وعند ابن سعد من طريق ليث بن أبي سليم، عن طاوس: رأيت سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تدارءوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس.
وعند البغوي من وجه آخر، عن طاوس: أدركت خمسين أو سبعين من الصحابة إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابن عباس لا يقومون حتى يقولوا هو كما قلت، أو صدقت.
كان داعيا إلى الله عز وجل يتأثر الناس بقوله ودعوته واستأمره عثمان رضي الله عنه على الحج :
وفي رواية خطب ابن عباس، وهو على الموسم، فجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول: لو سمعته فارس والروم لأسلمت, وزاد ابن أبي شيبة، من طريق عاصم، عن أبي وائل: سنة قتل عثمان، وكان أمره على الحج تلك السنة.
ولاه علي رضي الله عنه على البصرة فكان يعلم الناس ويفقههم :
ذكر خليفة أن عليا ولاه
وكان أهل البصرة مغبوطين به، يفقههم ويعلم جاهلهم، ويعظ مجرمهم، ويعطي فقيرهم
وأخرج الزبير بسند له- أن ابن عباس كان يغشى الناس في رمضان وهو أمير البصرة، فما ينقضي الشهر حتى يفقههم, وروى أبو الحسن المدائني عن سحيم بن حفص، عن أبي بكرة، قال: قدم علينا ابن عباس البصرة وما في العرب مثله جسما وعلما وثيابا وجمالا وكمالا.
أوتي رضي الله عنه فهما عميقا , فكان يقضي حوائج الناس ويجيب عن تساؤلاتهم :

أخرج الطبراني، من طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن النعمان- أن حسان بن ثابت قال: كانت لنا عند عثمان أو غيره من الأمراء حاجة فطلبناها إليه: جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وكانت حاجة صعبة شديدة، فاعتل علينا، فراجعوه إلى أن عذروه وقاموا إلا ابن عباس، فلم يزل يراجعه بكلام جامع حتى سد عليه كل حاجة، فلم ير بدا من أن يقضي حاجتنا، فخرجنا من عنده وأنا آخذ بيد ابن عباس، فمررنا على أولئك الذين كانوا عذروا وضعفوا فقلت: كان عبد الله أولاكم به قالوا: أجل. فقلت أمدحه :


إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه ... رأيت له في كل مجمعه فضلا
إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما في الصدور ولم يدع ... لذي إربة في القول جدا ولا هزلا
سموت إلى العليا بغير مشقة ... فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا
جاهد رضي الله عنه :
قال الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه قال: نظر أبي إلى ابن عباس يوم الجمل يمشي بين الصفين، فقال: أقر الله عين من له ابن عم مثل هذا، وقد شهد مع علي الجمل وصفين وكان أميرا على الميسرة، وشهد معه قتال الخوارج
وقال ابن يونس: غزا إفريقية مع عبد الله بن سعد سنة سبع وعشرين.
جمع رضي الله عنه من مختلف العلوم ونفع الله بعلمه:

وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم، ونسب، ونائل، وما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا بقضاء أبي بكر، وعمر، وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن، ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أثقب رأيا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يوما ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويوما التأويل، ويوما المغازي، ويوما الشعر، ويوما أيام العرب، ولا رأيت عالما قط جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلا قط سأله إلا وجد عنده علما.
وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلسه- يعنى ابن عباس- الحلال والحرام وتفسير القرآن والعربية والشعر والطعام. وقال مجاهد: ما رأيت أعرب لسانا من ابن عباس
عن أبي صالح: قال لقد رأيت من ابن عباس مجلسا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها به الفخر، لقد رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب، قال: فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال لي: ضع لي وضوءا، قال: فتوضأ وجلس وقال: اخرج فقل لهم: من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أريد منه فليدخل. قال: فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل، قال فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله أو أكثر، ثم قال إخوانكم فخرجوا، ثم قال اخرج فقل: من كان يريد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها، فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم وزادهم مثله أو أكثر، ثم قال: إخوانكم فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من كان يريد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، ثم قال إخوانكم فخرجوا، قال أبو صالح، فلو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان فخرا، فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس.
كان رضي الله عنه شديد الخشية بكّاء كثير العبادة شديد الورع:

عن شعيب بن درهم، قال: كان هذا المكان، وأومأ إلى مجرى الدموع من خدية، من خدي ابن عباس مثل الشراك البالي، من كثرة البكاء.

وقال ابن أبي مليكة: صحبت ابن عباس من المدينة إلى مكة، وكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب ويقرأ (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) .
وقال غيره: كان يصوم يوم الاثنين والخميس، وقال: أحب أن يرتفع عملي وأنا صائم.
وقال أبو القاسم البغوي: ثنا علي بن الجعد ثنا شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه وقع في عينيه الماء فقال له الطبيب: ننزعك من عينيك الماء على أن لا تصلي سبعة أيام، فقال: لا! إنه من ترك الصلاة وهو يقدر عليها لقي الله وهو عليه غضبان، وفي رواية أنه قيل له: نزيل هذا الماء من عينيك على أن تبقى خمسة أيام ولا تصلي إلا على عود، وفي رواية إلا مستلقيا، فقال: لا والله ولا ركعة واحدة، إنه من ترك صلاة واحدة متعمدا لقي الله وهو عليه غضبان. [22]


منهجه في الفتيا :
عند الدارمي وابن سعد بسند صحيح، عن عبيد الله بن أبي يزيد: كان ابن عباس إذا سئل فإن كان في القرآن أخبر به، فإن لم يكن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر به، فإن لم يكن وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن قال برأيه, وفي رواية ابن سعد: اجتهد رأيه[25].

موقفه رضي الله عنه من الفتن ونصحه لأئمة المسلمين :
كان رضي الله عنه ناصحا لأئمة المسلمين , قويا في قول الحق , لا تأخذه في الله لومة لائم ,حريصا على اجتماع المسلمين نابذا للفرقة , متجنبا للفتن ويتجلى ذلك بعرض بعض مواقفه رضي الله عنه ومن ذلك :
· ما ورد عن ابن عباس، قال: قدم على عمر رجل فسأله عن الناس، فقال: قرأ منهم القرآن كذا وكذا. فقال ابن عباس: ما أحب أن يسأل عن آي القرآن. قال: فزبرني عمر ، فانطلقت إلى منزله، فقلت: ما أراني إلا قد سقطت من نفسه، فبينا أنا كذلك إذ جاءني رجل فقال: أجب. فأخذ بيدي ثم خلا بي، فقال: ما كرهت مما قال الرجل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت أسأت فأستغفر الله. قال: لتحدثني. قلت: إنهم متى تنازعوا اختلفوا، ومتى اختلفوا اقتتلوا, فقال: لله أبوك! لقد كنت أكتمها الناس.
· وعن عكرمة- أن عليا حرق ناسا، فبلغ ابن عباس، فقال: لم أكن لأحرقهم ... الحديث.
· ولما مات معاوية ورام الحسين الخروج إلى العراق نهاه ابن عباس أشد النهي، وأراد ابن عباس أن يتعلق بثياب الحسين- لأن ابن عباس كان قد أضر في آخر عمره- فلم يقبل منه، فلما بلغه موته حزن عليه حزنا شديدا ولزم بيته، وكان يقول: يا لسان قل خيرا تغنم، واسكت عن شر تسلم، فإنك إن لا تفعل تندم.
· و قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي، حدثني الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة العوفي القاضي، عن أبيه، عن جده، قال: " لما وقعت الفتنة بين عبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، ارتحل عبد الله بن عباس، ومحمد بن الحنفية، بأولادهما، ونسائهما، حتى نزلوا مكة، فبعث عبد الله بن الزبير إليهما: تبايعان؟ فأبيا، وقالا: أنت وشأنك، لا نعرض لك ولا لغيرك، فأبى وألح عليهما إلحاحا شديدا، فقال لهما فيما يقول: لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار، فبعثا أبا الطفيل إلى شيعتهم بالكوفة، وقالا: إنا لا نأمن هذا الرجل، فانتدب أربعة آلاف، فدخلوا مكة، فكبروا تكبيرة سمعها أهل مكة، وابن الزبير، فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة، ويقال: تعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ بالبيت، قال: ثم ملنا إلى ابن عباس، وابن الحنفية وأصحابهما، وهم في دور قريب من المسجد، قد جمع الحطب، فأحاط بهم حتى بلغ رءوس الجدر، لو أن نارا تقع فيه ما رؤي منهم أحد، فأخرناه عن الأبواب، وقلنا لابن عباس: ذرنا نريح الناس منه، فقال: لا، هذا بلد حرام، حرمه الله، ما أحله عز وجل لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فامنعونا وأجيزونا، قال: فتحملوا، وإن مناديا ينادي في الخيل: غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية، إن السرايا تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا، فخرجوا بهم حتى أنزلوهم مني، فأقاموا ما شاء الله، ثم خرجوا بهم إلى الطائف، فمرض عبد الله بن عباس، فبينا نحن عنده إذ قال في مرضه: إني أموت في خير عصابة على وجه الأرض، أحبهم إلى الله، وأكرمهم عليه، وأقربهم إلى الله زلفى، فإن مت فيكم فأنتم هم، فما لبث إلا ثماني ليال بعد هذا القول حتى توفي رضي الله عنه[26]

وفاته:
مات رضي الله عنه بالطائف سنة ثمان وستين ، ويقال سنة تسع وستين, وهو ابن سبعين سنة، وقيل: إحدى وسبعين سنة ، وصلى عليه محمد بن الحنفية , وقيل أنه لما مات أقبل طائر أبيض، فدخل في أكفانه، فما خرج منها حتى دفن معه , عن سعيد بن جبير قال: " مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته، فجاء طائر لم ير على خلقته حتى دخل في نعشه، ثم لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر، لا يرى من تلاها {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} [الفجر: 28] .[27]
أثر موته رضي الله عنه وأقوال العلماء في ذلك:
أصيبت الأمة بموته رضي الله عنه بمصاب جلل فقد فقدت منبعا للعلم ومرجعا يربطها بهدي النبي صلى الله عليه وسلم
· عن يعقوب بن زيد عن أبيه قال سمعت جابر بن عبد الله يقول حين بلغه موت ابن عباس وصفق بإحدى يديه على الأخرى: مات اليوم أعلم الناس وأحلم الناس، وقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق.
· لما توفي ابن عباس قال محمد بن الحنفية : " الْيَوْم مَاتَ باني الْعلم " وقال : "مات والله اليوم حبر هذه الأمة " .
· وقال الزبير بن بكار: حدثت عن عمرو بن دينار، قال: :"لما مات عبد الله بن العباس قال مات رباني هذه الأمة".
· و عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. قال: لما مات ابن عباس قال رافع ابن خديج: مات اليوم من كان يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم.
· و عن عكرمة قال: سمعت معاوية يقول مات والله أفقه من مات ومن عاش[28].

خاتمة
خير ما يختم به عمل الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, والحمد لله على فضله وتيسيره وتوفيقه , فقد كان لهذا البحث أثر وفائدة عظيمة على الباحث ومن ذلك تجلي مناقب هذا الصحابي الإمام الفقيه المفسر وفضائله , أسأل الله أن يحشرنا في زمرته ويجعلنا ممن سار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ,وأسأل الله الإخلاص والقبول والنفع به ,ثم أعتذر للقاريء على الإطالة ولعل سبب ذلك الحرص على جمع ما تحصل به الفائدة للقاريء مع مراعاة عدم التكرار ورغم الاجتهاد في ذلك إلا أن مالم يذكر عن ابن عباس رضي الله عنه من أخبار وفضائل كثير والله المستعان .

[1] المعجم الوسيط - مادة ترجم (1/83)
[2] انظر الطبقات الكبرى (1/111) وتاريخ دمشق (29/285)
[3] الصحاح – مادة صبح (1/380)
[4] مقاييس اللغة – مادة صبح (3/328)
[5] الصحاح – مادة وفر (2/847)
[6] انظر سير أعلام النبلاء (3ـ336) و أسد الغابة (3/291)
[7] انظر تاريخ الإسلام (2/658) و أسد الغابة ( 3/291) و الإصابة في تمييز الصحابة (4/122)
[8] أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب العلم – باب متى يصح سماع الصغير –رقم الحديث (76) – (1/26)
[9] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير –باب العين-أحاديث ابن عباس – رقم الحديث (10566) –(10/233)
[10] أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الاستئذان - باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط - رقم الحديث (6299) – ( 8/66)
[11] انظر البداية والنهاية ( 8/307) و أسد الغابة (3/291)
[12] انظر سير أعلام النبلاء (3/332) وأسد الغابة (3/291)
[13] انظر الإصابة في تمييز الصحابة ( 4/127)
[14] انظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/125)
[15] انظر البداية والنهاية (8/304) و الإصابة في تمييز الصحابة (4/129)
[16] الرسالة بعنوان تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة للدكتور عبد العزيز الحميدي
[17] أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب تفسير القرآن – باب قوله تعالى (ليس عليكم جنا أن تبتغوا فضلا من ربكم)
[18] أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب تفسير القرآن –باب قوله تعالى (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب) – برقم (4538) – ( 6/31)
[19] أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب تفسير القرآن – باب قوله تعالى ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) – برقم (4622) – ( 6/ 54)
[20] أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب تفسير القرآن –باب قوله تعالى (الذين جعلوا القرآن عضين ) – برقم (4705) – (6/81)
[21] أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب تفسير القرآن – باب قوله تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) – برقم (4722)- ( 6/87)
[22] انظر البداية والنهاية (8/301) وتاريخ دمشق لابن عساكر( 73/198) وسير أعلام النبلاء (3 /350)
[23] انظر تاريخ الإسلام ( 2/658) و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/285)
[24] المصدر السابق
[25] الإصابة في تمييز الصحابة (4/129)
[26] انظر تاريخ دمشق لابن عساكر (73/188) وسير أعلام النبلاء (3/349)
[27] فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل – باب فضائل ابن عباس رضي الله عنه – (2/962)- برقم (4519)- (6/27)
[28] انظر صفة الصفوة (1/299) و البداية والنهاية (8/300)

المراجع :
·أسد الغابة في معرفة الصحابة لأبو الحسن الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ)-تحقيق علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود-دار الكتب العلمية-الطبعة الأولى - 1415هـ - 1994 م
·الإصابة في تمييز الصحابة- أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)- تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض- دار الكتب العلمية – بيروت- الطبعة: الأولى - 1415 هـ
·البداية والنهاية- أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (المتوفى: 774هـ)- دار الفكر-عام النشر: 1407 هـ - 1986 م
·تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام - شمس الدين أبو عبد الله الذهبي (المتوفى: 748هـ)- تحقيق الدكتور بشار عوّاد معروف- دار الغرب الإسلامي- الطبعة: الأولى، 2003 م
·تاريخ دمشق - أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571هـ)- تحقيق عمرو بن غرامة العمروي - دار الفكر - 1415 هـ - 1995 م
·الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه صحيح البخاري- محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي- تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر- دار طوق النجاة -الطبعة الأولى، 1422هـ
·سير أعلام النبلاء- شمس الدين أبو عبد الله الذهبي (المتوفى : 748هـ) - مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط- مؤسسة الرسالة الطبعة : الثالثة ، 1405 هـ / 1985 م
·الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية- أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفى: 393هـ)- تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار- دار العلم للملايين – بيروت- الطبعة الرابعة 1407 هـ‍ - 1987 م
·صفة الصفوة- جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)-تحقيق أحمد بن علي- دار الحديث، القاهرة - الطبعة: 1421هـ/2000م
·الطبقات الكبرى الجزء المتمم لطبقات ابن سعد - أبو عبد الله محمد الهاشمي البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230هـ)- تحقيق: محمد بن صامل السلمي- مكتبة الصديق – الطائف - الطبعة الأولى، 1414 هـ - 1993 م
·فضائل الصحابة- أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (المتوفى: 241هـ)- تحقيق وصي الله محمد عباس- مؤسسة الرسالة – بيروت- الطبعة الأولى، 1403 - 1983
·المعجم الكبير- سليمان بن أحمد الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360هـ)- تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي- مكتبة ابن تيمية – القاهرة- الطبعة الثانية
·المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية بالقاهرة- (إبراهيم مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار)- دار الدعوة
·معجم مقاييس اللغة- أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ)-تحقيق عبد السلام محمد هارون- دار الفكر- عام النشر: 1399هـ - 1979م.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 ربيع الثاني 1437هـ/20-01-2016م, 08:31 PM
ندى علي ندى علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 311
افتراضي تعديل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت قد أسقطت سهواً النشأة فأعدت كتابتها مع تهذيب يسير لبعض الأمور
ولاحظت تغير التنسيق بشكل مخِّل في بعض المواضع عند نقل البحث إلى المنتدى فأرفقته

الملفات المرفقة
نوع الملف: pdf حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه.pdf‏ (392.8 كيلوبايت, المشاهدات 32)
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأمة, خبر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:28 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir