620- الاخْتِصَاصُ: كَنِدَاءٍ دَوْنَ يَا = كـ "أيُّهَا الفَتَى" بِإِثْرِ "ارْجُوْنِيَا"
(الاختصاصُ) قصرُ الحُكْمِ عَلَى بعضِ أفرادِ المذكورِ، وهو خبرٌ (كنداءٍ) أيْ: جَاءَ علَى صورةِ النداءِ لفْظًا تَوَسُّعًا، كَمَا جَاءَ الخبرُ عَلَى صُورةِ الأمرِ، والأمرُ علَى صورةِ الخبرِ، والخبرُ عَلَى صورةِ الاسْتِفْهَامِ، والاسْتِفْهَامِ عَلَى صورةِ الخبرِ، ولكنَّهُ يُفَارِقُ النداءَ فِي ثَمَانِيَةِ أحْكَامٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ يكونُ (دُوْنَ يَا) وَأَخَوَاتِهَا لفْظًا وَنِيَّةٍ.
الثانِي: أنَّهُ لا يَقَعُ فِي أوَّلِ الكلامِ، بَلْ فِي أثنائِهِ، وقدْ أشَارَ إليهِ بقولِهِ: (كَأَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا)
الثالثُ: أنَّهُ يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ المُقَدَّمُ عليهِ اسْمًا بمعناهُ
والرابعُ والخامسُ: أنَّهُ يَقِلُّ كونُهُ عَلَمًا، وَأَنْ يُنْصَبَ معَ كونِهِ مُفْرَدًا.
والسادسُ: أنَّهُ يكونُ،بـ "ألْ" قَياسُهُ، كمَا سيأتِي أمثلةُ ذلكَ.
السابعُ: أنَّ "أيَا" تُوْصَفُ فِي النداءِ باسْمِ الإشارةِ, وهنَا: لا تُوْصَفُ بِهِ.
الثامنُ: أنَّ المَازِنِيَّ أجَازَ نَصْبَ تَابِعِ "أيْ" فِي النداءِ، ولَمْ يَحْكُوا هنا خِلافًا فِي وُجُوْبِ رَفْعِهِ، وفِي (الارْتِشَافِ): لا خلافَ في تَابِعِهَا أنَّهُ مرفوعٌ.
واعْلمْ أنَّ المخصوصَ ـ وهو الاسمُ الظاهرُ الواقعُ بعدَ ضميرٍ يَخُصُّهُ أو يُشَارِكُ فيهِ ـ عَلَى أربعةِ أنواعٍ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ "أيُّهَا" و"أَيَّتُهَا" فَلَهُمَا حكمُهُمَا فِي النداءِ وهو الضمُّ، ويلزمُهُمَا الوصفُ باسْمٍ مُحَلَّى بـ (ألْ) لازَمَ الرفعَ نحوَ: "أنَا أفْعَلُ كذَا أيُّهَا الرَّجُلُ" و"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنَا أيَّتُهَا العِصَابَةُ"
والثانِي: أنْ يكونَ مُعَرَّفًا بـ"ألْ" وإليهِ الإشارةُ بقولِهِ:
621- (وَقَدْ يُرَى ذَا أيٍّ تِلْوَ ألْ = كَمِثْلِ نحنُ العربَ أسْخَى مَنْ بَذَلْ"
بالذَّالِ المُعْجَمَةِ أيْ: أَعْطَى
والثالثُ: أنْ يكونَ مُعَرَّفًا بالإضافةِ كقولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: ((نحنُ مَعَاشِرَ الأنْبِيَاءِ لا نُوْرَثُ)) وقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
933- نَحْنُ بَنِي ضَبَّةَ أصْحَابُ الجَمَلْ = نَنْعِي ابْنَ عَفَّانَ بأطْرَافِ الأَسَلْ
قالَ سِيْبَوَيْهُ وَأَكْثَرُ الأسْماءِ دُخولًا فِي هذَا البابِ "بَنُو فُلَانٍ" و"مَعْشَر" مُضَافًا و"أهْلُ البيتِ" و"آلُ فُلَانٍ"
والرابعُ: أنْ يكونَ عَلَمًا، وهو قليلٌ، ومنهُ قولُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
934- بِنَا تَمِيْمَا يُكْشَفُ الضَّبَابَ
ولا يدخلُ فِي هَذَا البابِ نكرةٌ، ولا اسمُ إشَارةٍ
تنبيهٌ: لا يقعُ المُختصُّ مَبْنِيًا علَى الضمِّ إلا بلفظِ "أيُّها" و"أيَّتُها" وأمَّا غيرُهُما فمنصوبٌ وناصبُهُ فعْلٌ واجبُ الحذفِ، تقديْرُهُ أَخُصُّ، واخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِ "أَيُّهَا" و"أَيَّتُهَا" فمذهبُ الجمهورِ أنَّهُمَا فِي مَوْضِعِ نصبٍ بـ "أَخُصُّ" أيضًا، وَذَهَبَ الأخْفَشُ إلى أنَّهُ مُنَادَى، ولا يُنْكِرُ أنْ يُنَادِي الإنسانُ نَفْسَهُ ألا تَرَى إلى قولِ عُمَرَ رضْي اللهُ عنهُ: "كلُّ الناسِ أفقهُ منكَ يَا عُمَرُ"، وذَهَبَ السِّيْرَافِيُّ إلى أنَّ "أيَا" فِي الاختصاصِ مُعْرَبَةٌ، وزَعَمَ أنَّهَا تَحْتَمِلُ وجهينِ: أنْ تَكونَ خَبَرًا لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: أنَا أَفْعَلُ كَذَا هُوَ أيُّهَا الرَّجُلُ أي المخصوصُ بهِ وأنْ تكونَ مبتدأً، والخبرُ محذوفٌ والتقديرُ: أيُّهَا الرَّجُلُ المخصوصُ أنَا المذكورُ.
خَاتِمَةٌ: الأكثرُ فِي المُخْتَصِّ أنْ يَلِي ضميرَ مُتَكلمٍ كمَا رأيتَ، وقدْ يَلِي ضميرَ مُخَاطَبٍ كقولِهِم: "بِكَ اللهَ نرجُوا الفضلَ" و"سُبْحَانَكَ اللهَ العظيمَ" ولا يكونُ بعدَ ضميرِ غائبٍ.