دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > المعلقات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 02:04 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي معلقة زهير بن أبي سلمى

أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ = بِحَوْمَانَةِ الدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
دِيَارٌ لَهَا بِالرَّقْمَتَيْنِ كَأَنَّهَا = مَرَاجِعُ وَشْمٍ في نَوَاشِرِ مِعْصَمِ (1)
بِهَا العَيْنُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً = وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِن كُلِّ مِجْثِمِ
وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّةً = فَلَأَيًا عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
أَثَافِيَّ سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ = وَنُؤْيًا كَجِذْمِ الحَوْضِ لَمْ يَتَثَلَّمِ (2)
فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا = أَلَا أَنْعِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ (3)
تَبَصَّرْ خَلِيلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍ = تَحَمَّلْنَ بِالعَلْيَاءِ مِن فَوْقِ جُرْثُمِ
جَعَلْنَ القَنَانَ عَنْ يَمِينٍ وَحَزْنَهُ = وَكَمْ بِالقَنَانِ مِن مُحِلٍّ وَمُحْرِمِ (4)
وَعَالَيْنَ أَنْمَاطًا عِتَاقًا وَكِلَّةً = وِرَادِ الحَوَاشِي لَوْنُهَا لَوْنُ عَنْدَمِ (5)
ظَهَرْنَ مِنَ السُّوبَانِ ثُمَّ جَزَعْنَهُ = عَلَى كُلِّ قَيْنِيٍّ قَشِيبٍ وَمُفْأَمِ (1)
وَوَرَّكْنَ فِي السُّوبَانِ يَعْلُونَ مَتْنَهُ = عَلَيْهِنَّ دَلُّ النَّاعِمِ المُتَنَعِّمِ
كَأَنَّ فُتَاتَ العِهْنِ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ = وَقَفْنَ بِهِ حَبُّ الفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ (2)
بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ = فَهُنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَاليَدِ فِي الفَمِ (3)
فَلَمَّا وَرَدْنَ المَاءَ زُرْقًا جِمَامُهُ = وَضَعْنَ عِصِيَّ الحَاضِرِ المُتَخَيِّمِ (4)
وَفِيهِنَّ مَلْهًى لِلطَّيْفِ وَمَنْظَرٌ = أَنِيقٌ لِعَيْنِ النَّاظِرِ المُتَوَسِّمِ (5)
سَعَى سَاعِيًا غَيْظُ بْنُ مُرَّةَ بَعْدَمَا = تَبزل ما بين العشيرة بالدم (6)
فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الذِي طَافَ حَوْلَهُ = رِجَالٌ بَنَوْهُ مِن قُرَيْشٍ وَجُرْهُمِ
يَمِينًا لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدْتُمَا = عَلَى كُلِّ حَالٍ مِن سَحِيلٍ وَمُبْرَمِ (7)
تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَا = تَفَانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُم عِطَرَ مَنْشِمِ
وَقَدْ قُلْتُمَا: إِنْ نُدْرِكِ السَّلْمَ وَاسِعًا = بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِن القَوْلِ نَسْلَمِ
فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَلَى خَيْرِ مَوْطِنٍ = بَعِيدَيْنِ فِيهَا مِن عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ
عَظِيمَيْنِ فِي عُلْيَا مَعِدٍّ هُدِيتُمَا = وَمَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزًا مِن المَجْدِ يَعْظُمِ (1)
وَأَصْبَحَ يَحْدِي فِيكُمْ مِنْ إِفَالِهَا = مَغَانِمُ شَتَّى مِن إِفَالٍ مُزَنَّمِ (2)
تُعَفَّى الكُلُومُ بِالمِئَيْنِ فَأَصْبَحَتْ = يَنَجِّمُهَا مَن لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ
يُنَجِّمُهَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ غَرَامَةً = وَلَمْ يُهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلْءَ مِحْجَمِ
أَلَا أَبْلِغ الأَحْلَافَ عَنِّي رِسَالَةً = وَذُبْيَانَ هَلْ أَقْسَمْتُمُ كُلَّ مُقْسَمِ (3)
فَلَا تَكْتُمُنَّ اللَّهَ مَا فِي صُدُورِكُمْ = لِيَخْفَى وَمَهْمَا يُكْتَم اللَّهُ يَعْلَمِ (4)
يُؤَخَّرُ فَيُوضَعُ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ = لِيَوْمِ الحِسَابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ
وَمَا الحَرْبُ إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ = وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً = وَتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ (5)
فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا = وَتَلْقَحْ كِشَافًا ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ
فَتُنْتِجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشَأَمَ كُلَّهُمْ = كَأَحْمَرَ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
فَتُغْلِلْ لَكُمْ مَا لَا تَغِلُّ لِأَهْلِهَا = قُرًى بِالْعِرَاقِ مِن قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ
لِحَيِّ حِلَالٍ يَعْصِمُ النَّاسَ أَمْرُهُمْ = إِذَا نَزَلَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ
كِرَامٍ فَلَا ذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبَلَهُ = وَلَا الجَارِمُ الجَانِي عَلَيْهِمْ بِمُسْلَمِ (6)
رَعَوْا ظِمْأَهُمْ حَتَّى إِذَا تَمَّ أَوْرَدُوا = غِمَارًا تَسِيلُ بِالسِّلَاحِ بِالدَّمِ (1)
فَقَضَّوْا مَنَايَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَصْدَرُوا = إِلَى كَلَأٍ مُسْتَوْبِلٍ مُتَوَخِّمِ
لَعَمْرِي لَنِعْمَ الحَيِّ جَرَّ عَلَيْهِمُ = بِمَا لَا يُوَاتِيهِمْ حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَمِ (2)
وَكَانَ طَوَى كَشْحًا عَلَى مُسْتَكِنَّةٍ = فَلَا هُوَ أَبْدَاهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمِ (3)
وَقَالَ: سَأَقْضِي حَاجَتِي ثُمَّ أَتَّقِي = عَدُوِّي بِأَلْفٍ مِن وَرَائِي مُلْجِمِ (4)
فَشَدَّ وَلَمْ يُنْظِرْ بُيُوتًا كَثِيرَةً = لَدَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ (5)
لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلَاحِ مُقَاذِفٍ = لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ (6)
جَرِئٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ = سَرِيعًا وَإِلَّا يُبْدَ بِالظُّلْمِ يَظْلِمِ
لَعَمْرُكَ مَا جَرَّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهُمْ = دَمَ ابْنِ نَهِيكٍ أَوْ قَتِيلِ المُثَلَّمِ
وَلَا شَارَكَتْ فِي الحَرْبِ فِي دَمِ نَوْفَلٍ = وَلَا وَهَبٍ فِيهَا وَلَا ابْنِ المُحَزَّمِ (7)
فَكُلًّا أَرَاهُمْ أَصْبَحُوا يَعْقِلُونَهُ = &عَلَالة أَلْفٍ بَعْدَ أَلْفٍ مُصَتَّمِ (1)
وَمَنْ يَعْصِ أَطْرَافَ الزِّجَاجِ فَإِنَّهُ = مُطِيعُ العَوَالِي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْذَمِ (2)
وَمَنْ يُوفِ لَا يُذْمَمْ وَمَنْ يَفِضْ قَلْبُهُ = إِلَى مُطْمَئِنِّ البِرِّ لَا يَتَجَمْجَمِ
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنَايَا يَنِلْنَهُ = وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ (3)
وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ = عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ
وَمَنْ لَا يَزَلْ يَسْتَرْحِلِ النَّاسُ نَفْسَهُ = وَلَا يُعْفِهَا يَوْمًا مِنَ الذُّلِّ يَنْدَمِ (4)
وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُوًّا صَدِيقَهُ = وَمَنْ لَا يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لَا يُكَرَّمِ
وَمَنْ لَا يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلَاحِهِ = يَهَدَّمْ وَمَنْ لَا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ (1)
وَمَنْ لَا يُصَانِعْ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ = يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسِمِ (2)
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِن دُونِ عِرْضِهِ = يَفِرْهُ وَمَن لَا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ (3)
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ = ثَمَانِينَ حَوْلًا لَا أَبَا لَكَ يَسْأَمِ
رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ = تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ = وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ (4)
وَأَعْلَمُ مَا فِي اليَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ = وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِى



(1)وَيُرْوَى (وَدَارٌ لَهَا بِالرَّقْمَتَيْنِ).
وَيُرْوَى (مَرَاجِيعُ وَشْمٍ) شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (73).

(2)وَيُرْوَى (كَحَوْضِ الجَرِّ)، وَيُرْوَى &(كَحَوْضِ الجَدِّ) شَرْحُ ابنِ الأَنْبَارِيِّ (243).

(3)وَرَوَى الأَصْمَعِيُّ (أَلَآ عَمْ صَبَاحًا) شَرْحُ ابنِ الأَنْبَارِيِّ (244)،
وَشَرْحُ التِّبْرِيزِيِّ (166).

(4)وَرَوَى الأَصْمَعِيُّ (وَمَنْ بِالقَنَانِ) شَرْحُ ابنِ الأَنْبَارِيِّ (245).
وَشَرْحُ التِّبْرِيزِيِّ (168).

(5)وَيُرْوَى:
&عَلَوْنَ بِأَنْمَاطٍ عِتَاقٍ وَكِلَّةٍ = وِرَادٍ حَوَاشِيهَا مُشَاكَهَةِ الدَّمِ
شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (76)، وَدِيوَانُ زُهَيْرٍِ شُرْحُ الشَّنْتَمَرِيِّ (4)، والجَمْهَرَةُ (156).
وَرَوَى الأَصْمَعِيُّ:
&عَلَوْنَ بِأَنْطَاكِيَّةَ فَوْقَ عَقْمَةٍ = وِرَادٍ حَوَاشِيهَا مُشَاكَهَةِ الدَّمِ
شَرْحُ الشَّنْقِيطِيِّ (113).

(1)هُوَ البَيْتُ (15) عِنْدَ الزُّوزَنِيِّ.

(2)وَيُرْوَى (فِي كُلِّ مَنْزِلٍ نَزَلْنَ بِهِ). شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (77).
وَشَرْحُ التِّبْرِيزِيِّ (170)، والدِّيوَانُ.

(3)وَيُرْوَى (فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ).

(4)وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ بَيْتَ زُهَيْرٍ التَّالِي فِي الجَمْهَرَةِ (106)
تُذَكِّرُنِي الأَحْلَامُ لَيْلِي وَمَنْ تَطُفْ = عَلَيْهِ خَيَالَاتُ الأَحِبَّةِ يَحْلُمِ

(5)وَيُرْوَى (مَلْهَى للصَدِيقِ وَمَنْظَرٌ). الجَمْهَرَةُ (157).

(6)لَمْ يَرْوِهِ الزُّوزَنِيُّ وَرَوَاهُ ابنُ الأَنْبَارِيِّ وَالتِّبْرِيزِيُّ.

(7)وَيُرْوَى قَبْلَهُ قَوْلُهُ:
وَبِاللَّاتِ وَالْعُزَّى الَّتِي يَعْبُدُونَهَا = بِمَكَّةَ وَالبَيْتِ العَتِيقِ المُكْرَمِ
حَاشِيَةُ التِّبْرِيزِيِّ (174).

(1)وَيُرْوَى (يَعْظُمِ).

(2)وَيُرْوَى (وَأَصْبَحَ يَحْدِي فِيكُمْ مِنْ تِلَادِكُمْ). الجَمْهَرَةُ (107).
وَيُرْوَى (فَأَصْبَحَ يَجْرِي). شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (80) وَاللِّسَانُ (أَفَلَ).
وَيُرْوَى (مِنْ إِفَالِ المُزَنَّمِ).

(3)وَرَوَى الأَصْمَعِيُّ (فَمَنْ مُبْلِغُ الأَحْلَافِ عَنِّي). شَرْحُ التِّبْرِيزِيِّ (179).
وَالجَمْهَرَةُ (164) تَحْقِيقُ البَجَاوِيِّ.

(4)وَيُرْوَى (مَا فِي نُفُوسِكُمْ) شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (81) وَالجَمْهَرَةُ (165).

(5)وَيُرْوَى (دَمِيمَةً) بِالدَّالِ.

(6)وَيُرْوَى (..... فَلَا ذُو التِّبْلِ يُدْرِكُ تَبَلَهُ = لَدَيْهِمْ وَلَا الجَانِي عَلَيْهِمْ بِمُسْلَمِ)
شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (119)، وَيُرْوَى (ذُو الوَّتْرِ يُدْرِكُ وَتْرَهُ).

(1)وَيُرْوَى:
&رَعَوْا مَا رَعَوْا مِن ظَمَئِهِمْ ثُمَّ أَوْرَدُوا = غِمَارًا تَفْرِي بِالسِّلَاحِ وَبِالدَّمِ
شَرْحُ التِّبْرِيزِيِّ (186).

(2)وَيُرْوَى (بِمَا لَا يُمَالِئُهُمْ).

(3)وَيُرْوَى (وَلَمْ يَتَجَمْجَمِ).

(4)وَيُرْوَى (مُلْجَمِ) بِفَتْحِ الجِيمِ.

(5)وَيُرْوَى (فَلَمْ يُفْزِعْ بِيُوتًا كَثِيرَةً).
شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (83). واللِّسَانُ (قَشْعَمَ).

(6)وَيُرْوَى (مُقْذِفٍ).
شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (84). وَالدِّيوَانُ (10).

(7)وَيُرْوَى (وَلَا شَارَكُوا فِي القَوْمِ فِي دَمِ نَوْفَلٍ).
وَيُرْوَى (وَلَا شَارَكَتْ فِي المَوْتِ).
وَيُرْوَى (المُخَزَّمِ).

(1)وَيُرْوَى (صَحِيحَاتِ أَلْفٍ بَعْدَ أَلْفٍ مُصَتَّمِ) اللِّسَانُ (صَتَمَ).
وَيُرْوَى (صَحِيحَاتِ مَالٍ طَالِعَاتِ بِمَخْرَمِ) شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (85).
وَمَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ (322)، وَالجَمْهَرَةُ (109).
وَيُرْوَى بعدَ البَيْتِ السَّابِقِ:
تُسَاقُ إِلَى قَوْمٍ لِقَوْمٍ غَرَامَةٌ = صَحِيحَاتُ مَالٍ طَالِعَاتُ بِمَخْرَمِ
شَرْحُ التِّبْرِيزِيِّ (192)، الحَاشِيَةُ رقم (3). وَخَالَفَ صَاحِبُ الجَمْهَرَةِ فَرَوَاهُ:
تُسَاقُ إِلَى قَوْمٍ لِقَوْمٍ غَرَامَةٌ = &علالة أَلْفٍ بَعْدَ أَلْفٍ مُصَتَّمِ
الجَمْهَرَةُ ص (109).

(2)وَيُرْوَى (يُطِيعُ العَوَالِي) الصِّنَاعَتَيْنِ (367).

(3)وَيُرْوَى:
وَمَنْ يَبْغِ أَطْرَافَ الرِّمَاحِ يَنِلْنَهُ = وَلَوْ رَامَ أَنْ يَرْقَى السَّمَاءَ بِسُلَّمِ
شَرْحُ ابنِ الأَنْبَارِيِّ (283).
وَيُرْوَى (وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ). شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (87).

(4)لَمْ يَرْوِهِ الزُّوزَنِيُّ، وَرَوَاهُ ابنُ الأَنْبَارِيِّ والتِّبْرِيزِيُّ.
وَيُرْوَى:
وَمَنْ لَا يَزَلْ يِسْتَحْمِلِ النَّاسُ نَفْسَهُ = وَلَا يُغْنِهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ يَسْأَمِ
مَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ (325) الحَاشِيَةُ رقم (60) وَالدِّيوَانُ (15). وَأَنْكَرَ ابْنُ العَلَاءِ أَنْ يَكُونَ هَذَا البَيْتُ مِنَ المُعَلَّقَةِ.
شَرْحُ التِّبْرِيزِيِّ (196). وابْنُ الأَنْبَارِيِّ (285).

(1)وَيُرْوَى (وَمَنْ لَمْ يَذِدْ). شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (88).

(2)وَيُرْوَى (وَمَنْ لَمْ يُصَانِعْ). شَرْحُ الزُّوزَنِيِّ (87).

(3)بَعْدَهُ فِي الجَمْهَرَةِ:
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ = يَكُنْ حَمْدُهُ ذَمًّا عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ

(4)وَيُرْوَى بَعْدَهُ الأَبْيَاتُ الأَرْبَعَةُ التَّالِيَةُ:
وَكَاءٍ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجَبٍ = زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ
لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ = فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ (أ)
وَإِنَّ سَفَاهَ الشَّيْخِ لَا حِلْمَ بَعْدَهُ = وَإِنَّ الفَتَى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُمِ (ب)
سَأَلْنَا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُدْنَا فَعُدْتُمْ = وَمَنْ أَكْثَرَ التَّسْآلَ يَوْمًا سَيُحْرَمِ
رَوَاهَا الزُّوزَنِيُّ وَأَبُو زَيْدٍ.
أ – وَيُرْوَى قَبْلَهُ:
لَأَنَّ لِسَانَ المَرْءِ مُفْتَاحُ قَلْبِهِ = إِذَا هُوَ أَبْدَى مَا يَقُولُ مِنَ الفَمِ
الجَمْهَرَةُ (178).
ب – وَيُرْوَى (رَأَيْتُ سَفَاهَ الشَّيْخِ لَا حِلْمَ عِنْدَهُ). الجَمْهَرَةُ (173).

  #2  
قديم 15 ذو الحجة 1429هـ/13-12-2008م, 09:19 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح القصائد السبع الطوال لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري

....................

  #3  
قديم 15 ذو الحجة 1429هـ/13-12-2008م, 11:05 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح المعلقات العشر للخطيب: محمد بن عبد الله التبريزي

وقالَ زُهَيْرُ بنُ أَبِي سُلْمَى
وليسَ في العربُِلْمَى) بضمِّ السينِ غيرُهُ.وأَبُو سُلْمَى هوَ رَبِيعَةُ بنُ رِيَاحِ بنِ قُرَّةَ بنِ الحارِثِ بنِ مازِنِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ بُرْدِ بنِ لاطِمِ بنِ عُثْمَانَ بنِ مُزَيْنَةَ بنِ أُدِّ بنِطَابِخَةَ بنِ الياسِ بنِ مُضَرَ. وآلُ أَبِي سُلْمَى حُلفاءُ في بني عبدِ اللَّهِ بنِ غَطَفَانَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَيْلانَ بنِ مُضَرَ.
وكانَ وَرْدُ بنُ حَابِسٍ العَبْسِيُّ قَتَلَ هَرِمَ بنَ ضَمْضَمٍ المُرِّيِّ الذي يقولُهُ لهُ عَنْتَرَةُ:
ولَقَدْ خَشِيتُ بأَنْ أَمُوتَ ولم تَكُنْ = لِلحَرْبِ دائرةٌ على ابْنَيْ ضَمْضَمِ
قَتَلَهُ في حَرْبِ عَبْسٍ وذُبْيَانَ، قَبِلَ الصُّلْحَ، ثمَّ اصْطَلَحَت الناسُ، ولم يَدْخُلْ حُصَيْنُ بنُ ضَمْضَمٍ أَخوهُ في الصلحِ، فحَلَفَ لا يَغْسِلُ رَأْسَهُ حتَّى يَقْتُلَ وَرْدَ بنَ حَابِسٍ، أوْ رَجُلاً منْ بني عَبْسٍ، ثمَّ مِنْ بني غالِبٍ، ولم يُطْلِعْ على ذلكَ أَحَداً، وقدْ حَمَلَ الحَمَالَةَ الحارِثُ بنُ عَوْفِ بنِ أبي حَارِثَةَ، وهَرِمُ بْنُ سِنانِ بنِ أبي حَارِثَةَ.
فأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بني عَبْسٍ، ثمَّ أحدُ بَني مَخْزُومٍ، حتَّى نَزَلَ بحُصَيْنِ بنِ ضَمْضَمٍ، فقالَ: مِمَّنْ أَنْتَ أيُّها الرَّجُلُ؟ فقالَ: عَبْسِيٌّ، قالَ: مِنْ أيِّ عَبْسٍ؟ فلم يَزَلْ يَنْتَسِبُ حتَّى انْتَسَبَ إلى غالِبٍ.فقَتَلَهُ حُصَيْنٌ، فبَلَغَ ذلكَ الحارِثَ بنَ عَوْفٍ وهَرِمَ بنَ سِنانٍ، فاشْتَدَّ ذلكَ عَلَيْهِمَا، وبَلَغَ بني عَبْسٍ، فرَكِبُوا نحوَ الحارِثِ.
فلَمَّا بَلَغَ الحَارِثَ رُكُوبُ بني عَبْسٍ، وما قد اشْتَدَّ عليهم منْ قَتْلِ صاحِبِهم، وإنَّما أَرَادَتْ بَنُو عَبْسٍ أنْ يَقْتُلُوا الحارِثَ بَعَثَ إليهم بمِائَةٍ من الإبلِ معَها ابْنُهُ، وقالَ للرَّسُولِ: قُلْ لَهُم: اللَّبَنُ أَحَبُّ إليكم أمْ أَنْفُسُكم؟ وأَقْبَلَ الرَّسُولُ حتَّى قالَ لهم ما قالَ، فقالَ رَبِيعُ بنُ زِيَادٍ: إنَّ أَخَاكُم قدْ أَرْسَلَ إلَيْكُم: الإبلُ أَحَبُّ إليكم أم ابْنُهُ تَقْتُلُونَهُ؟ فقَالُوا: بلْ نَأْخُذُ الإِبِلَ ونُصَالِحُ قَوْمَنَا، ويَتِمُّ الصُّلْحُ. فقالَ زُهَيْرٌ يَمْدَحُ الحارِثَ بنَ عَوْفٍ وهَرِمَ بنَ سِنَانٍ:
1- أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ = بِحَوْمَانَةِ الدَّرَّاجِ فالمُتَثَلَّمِ
التقديرُ: أَمِنْ دِمَنِ أُمِّ أَوْفَى دِمنةٌ؛ لأنَّ (مِن) ههنا للتبعيضِ، فأَخْرَجَ الدِّمْنَةَ مِن الدِّمَنِ.
(لم تَكَلَّمِ)؛ أيْ: لم تُبَيِّنْ.والعربُ تقولُ لكلِّ ما بَيَّنَ منْ أَثَرٍ وغيرِهِ: تَكَلَّمَ؛ أيْ:مَيَّزَ فَصَارَ بمنزلةِ المتكلِّمِ.ورُوِيَ أنَّ بعضَ المُتَقَدِّمِينَ وَقَفَ على مَعاهِدَ، فقالَ: أَيْنَ مَنْ شَقَّ أَنْهَارَكَ، وغَرَسَ أشجارَكَ، وجَنَى ثِمَارَكَ. ثُمَّ قالَ: إنْ لم تَتَكَلَّمْ حِواراً تَكَلَّمَت اعتباراً. وقالَ أهلُ النَّظَرِ في قولِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: َقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}:إنَّهُ إنَّما كانَتْ إرادةً فَكَانَتْ على ما أرادَ.
و(الدِّمْنَةُ): آثارُ الناسِ وما سَوَّدُوا بالرمادِ وغيرِهِ. فإذا اسْوَدَّ المكانُ قِيلَ: قدْ دُمِّنَ.والدِّمْنُ: البَعَرُ والسِّرْجِينُ. و(الحَومانةُ): المكانُ الغليظُ المنقَادُ. وقيلَ: الحَوْمَانَةُ: القطعةُ من الرملِ، وجَمْعُها: الحَوْمَانُ والحَوَامِينُ. و(الدَُّرَّاجُ): بفتحِ الدالِ وضمِّها.وحَوْمَانَةُ الدَّرَّاجِ والمُتَثَلَّمُ: مَوْضِعَانِ بالعالِيَةِ مُنْقَادَانِ.
2- دِيَارٌ لها بالرَّقْمَتَيْنِ كَأَنَّهَا = مَرَاجِعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ
قالَ الأَصْمَعِيُّ: (الرَّقْمَتَانِ) إحدَاهما قُرْبَ المدينةِ، والأُخْرَى قربَ البَصرةِ، ومعناهُ: بَيْنَهُمَا. وقالَ الكلابيُّ: (الرَّقْمَتَانِ) بَيْنَ جُرْثُمَ وبينَ مَطْلِعِ الشمسِ بأرضِ بني أَسَدٍ، وهُمَا أَبْرقانِ مُخْتَلِطَانِ بالحجارةِ والرملِ.والرَّقْمَتَانِ أيضاً حِذاءَ سَاقِ الفَرْوِ. وساقُ الفَرْوِ: جبلٌ في أرضِ بني أَسَدٍ. والرَّقْمَتَانِ أيضاً: بِشَطِّ فَلْجٍ، أَرْضِ بَنِي حَنْظَلَةَ.
وقولُهُ: (مَرَاجِعُ وَشْمٍ) يعني: ما رُجِّعَ وكُرِّرَ. وفلانٌ يُرَجِّعُ صَوْتَهُ؛ أيْ: يُكَرِّرُهُ. و(الوَشْمُ): الخُضْرَةُ التي تَحْدُثُ مِنْ غَرْزِ الإبرةِ.و(النَّوَاشِرُ): عُرُوقُ ظَاهِرِ الذراعِ. وقيلَ: النواشِرُ: عَصَبُ الذراعِ منْ باطِنِها وظاهِرِها.
و(المِعْصَمُ): مَوْضِعُ السِّوَارِ. شَبَّهَ الآثارَ في الديارِ بمراجِعِ الوَشْمِ. ويُرْوَى: (وَدَارٌ لَهَا بالرَّقْمَتَيْنِ).
3- بها العِينُ والأَرْآمُ يَمْشِينَ خِلْفةً =وأَطلاؤُها يَنْهَضَنْ مِنْ كُلِّ مَجْثِمِ
(العِينُ): البَقَرُ، واحِدُها: أَعْيَنُ وعَيْنَاءُ.قِيلَ لها ذلكَ؛ لِكِبَرِ عُيُونِها.والأصلُ أنْ يُجْمَعَ على (فُعْلٍ) كأَحْمَرَ وحُمْرٍ، إلاَّ أنَّ العَيْنَ كُسِرَتْ لمجاورَتِها الياءَ.
و(الأَرْآمُ): الظِّبَاءُ.و(أَطْلاؤُها): أَوْلادُها، الواحِدُ: طَلاً. و(المَجْثِمُ): المَوْضِعُ الذي يُجْثَمُ فيهِ؛ أيْ: يُقَامُ فيهِ.
وِلْفَةٌ): فَوْجٌ بعدَ فَوْجٍ.وقيلَ: (خِلْفَةٌ): مُخْتَلِفَةٌ، هذهِ مُقْبِلَةٌ وهذهِ مُدْبِرَةٌ، وهذهِ صاعِدَةٌ وهذهِ نَازِلَةٌ. و(خِلْفَةً) في مَوْضِعِ الحالِ، بمعنى مُخْتَلِفَاتٍ.
4-وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّةً = فَلأْياً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
(الحِجَّةُ): السَّنَةُ. يُقَالُ: حَجٌّ وَحِجٌّ، فإذا جِئْتَ بالهاءِ كَسَرْتَ لا غَيْرُ.وقالَ أهلُالنَّظَرِ بالإعرابِ: الحِجَّةُ: السَّنَةُ، والحَجَّةُ: الفَعْلَةُ مِن الحَجِّ.و(اللأْيُ): البُطْءُ. قالُوا: المعنى: فَبَعْدَ لأْيٍ كأنَّهُم يُقَدِّرُونَهُ على الحَذْفِ، والأَجْوَدُ أنْ يكونَ المعنى: فعَرَفْتُ الدَّارَ لأْياً. يكونُ قولُهُ: (لأْياً) في موضِعِ الحالِ، والمعنى: مُبْطِئاً، فهذا بغيرِ حذفٍ.
ومعنى البيتِ: أنَّ عَهْدِي بهذهِ الدارِ قدْ قَدُمَ، حتَّى أَشْكَلَتْ عَلَيَّ.
5- أَثَافِيَّ سُفْعاً فِي مُعرَّسِ مِرْجَلٍ = ونُؤْياً كَجِذْمِ الحَوْضِ لم يَتَثَلَّمِ
(الأثافِيُّ): الحِجَارَةُ التي تُجْعَلُ عليها القِدْرُ، الواحِدَةُ: أُثْفِيَّةٌ. و(السُّفْعُ): السُّودُ. فأمَّا قولُهُ تعالى: َنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ}، فمعناهُ: لَنَأْخُذَنْ.يُقالُ: سَفَعْتُ بِنَاصِيَتِهِ، إذا أَخَذْتُ بها.و(المُعَرَّسُ) هنا: الموضِعُ الذي يكونُ فيهِ المِرْجَلُ، وكلُّ مَوْضِعٍ يُقامُ فيهِ يُقالُ لهُ: مُعَرَّسٌ.
و(المِرْجَلُ): كلُّ قِدْرٍ يُطْبَخُ فيها، مِنْ حِجَارةٍ أوْ حديدٍ أوْ خَزَفٍ.وقيلَ: لا يكونُ المِرْجَلُ إلاَّ منْ حديدٍ أوْ نُحاسٍ. و(النُّؤْيُ): حاجِزٌ يُجْعَلُ حَوْلَ الخِباءِ، يَمْنَعُ مِن السَّيْلِ.
و(جِذْمُ الحَوْضِ): بَقِيَّتُهُ.ومعنى قولِهِ: (لمْ يَتَثَلَّمِ)؛ أيْ: قدْ ذَهَبَ أَعْلاهُ ولم يَتَثَلَّمْ بَاقِيهِ.
ويُرْوَى: (أَثَافِيَ سُفْعاً) بتخفيفَِثَافٍ).والتخفيفُ أَكْثَرُ، وإنْ كانَ الأصلُ التثقيلَ؛ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهم إِيَّاها. وقولُهُ: (أَثَافِيَّ سُفعاً) منصوبٌ بقولِهِ: بعدَ تَوَهُّمٍ أَثَافِيَّ سُفعاً.ويُرْوَى: (ونُؤْياً كَجُدِّ الحَوْضِ).والجُدُّ: البِئْرُ العَتِيقَةُ. والجُدُّ: الطريقُ في الماءِ.ويُقالُ للمَوْضِعِ الذي تُرْفَأُ فيهِ السُّفُنُ: جُدٌّ. ويُقَالُ لهُ: جُدَّةٌ أيضاً.
6- فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا =أَلا انْعَمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ
(الرَّبْعُ): المَنْزِلُ في الرَّبِيعِ.ثُمَّ كَثُرَ استعمالُهم إيَّاهُ، حتَّى قِيلَ لكلِّ مَنْزِلٍ: رَبْعٌ.
وقولُهُ:َلا انْعَمْ صَبَاحاً)؛ أيْ: كُنْ في نَعْمَةٍ، يَدْعُو لهُ أَلاَّ يَدْرُسَ. ورَوَى الأَصْمَعِيُّ: (أَلا عِمْ صَبَاحاً)، ومعناهُ:انْعَمْ صَباحاً، وقالَ: هكذا يُنْشِدُهُ عَامَّةُ العربِ.وتقديرُ الفعلِ الماضي مِنهُ: وَعَمَ يَعِمُ، ولا يُنْطَقُ بهِ.
قالَ الفَرَّاءُ: وقدْ يَتَكَلَّمُونَ بالأفعالِ المستقبَلَةِ، ولا يَتَكَلَّمُونَ بالماضي مِنها، فمِنْ ذلكَ قَوْلُهُم: عِمْ صَباحاً، ولا يقولونَ: وَعَمَ، ويَقُولُونَ: ذَرْ ذَا، وَدَعْهُ، ولا يقولونَ: وَذَرْتُهُ، ولا وَدَعْتُهُ. ويَتَكَلَّمُونَ بالفعلِ الماضِي، ولا يَتَكَلَّمُونَ بالمستقبَلِ، فمِنْ ذلكَ:عَسَيْتُ أنْ أَفْعَلَ ذاكَ، ولا يقولونَ: أَعْسِي، ولا عَاسٍ، وكذلكَ يقولونَ: لَسْتُ أَقُومُ، ولا يَتَكَلَّمُونَ منهُ بمُسْتَقْبَلٍ ولا دَائِمٍ.و(صباحاً) منصوبٌ على الظرفِ.
7- تَبَصَّرْ خَلِيلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائنٍ =تَحَمَّلْنَ بالعَلْيَاءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُمِ؟
(الظَّعَائِنُ): النِّسَاءُ في الهَوَادِجِ، واحِدَتُها: ظَعِينَةٌ. ويُقالُ للمرأةِ وهيَ في بَيْتِها: ظَعِينَةٌ. وسُمِّيَتْ ظَعِينَةً؛ لأنَّها يُظْعَنُ بِهَا؛ أيْ: يُسَافَرُ. وأَكْثَرُ أهلِ اللغةِ يَقُولُ لَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهم لِهَذَا سَمَّوُا المَرْأَةَ ظَعِينَةً، وسَمَّوُا الهَوْدَجَ ظَعِينَةً.
وقالَ أبو الحَسَنِ بنُ كَيْسَانَ: هذا من الأسماءِ التي وُضِعَتْ على شَيْئَيْنِ، إذا فَارَقَ أَحَدُهما صاحِبَهُ لم يَقَعْ لهُ ذلكَ الاسمُ، لا يُقالُ للمرأةِ: ظَعِينَةٌ، حتَّى تَكونَ في الهَوْدَجِ، ولا يُقالُ للْهَوْدَجِ: ظَعِينَةٌ، حتَّى تكونَ فيهِ المرأةُ.كما يُقالُ: جِنازةٌ للمَيِّتِ إذا كانَ على النَّعْشِ، ولا يُقالُ للمَيِّتِ وَحْدَهُ: جِنازةٌ، ولا للنعشِ وَحْدَهُ: جِنازةٌ.وكما يُقالُ للقَدَحِ الذي فيهِ الخَمْرُ: كَأْسٌ، ولا يُقالُ للقَدَحِ وَحْدَهُ: كَأْسٌ، ولا للخَمْرِ وَحْدَها: كَأْسٌ.
وقالَ الأَصْمَعِيُّ: (مِنْ) في قَوْلِهِ: (مِنْ ظعائنٍ) زائدةٌ،يُرِيدُ أنَّها زَائِدَةٌ للتوكيدِ.وتَحْتَمِلُ أنْ تكونَ غيرَ زائدةٍ، وتكونَ للتبعيضِ. و(العَلْيَاءُ): بَلَدٌ، و(جُرْثُمُ): ماءَةٌ لِبَنِي أَسَدٍ.
8- جَعَلْنَ القَنَانَ عَنْ يَمِينٍ وحَزْنَهُ = وكَمْ بِالْقَنانِ مِنْ مُحِلٍّ ومُحْرِمِ
ورَوَى الأَصْمَعِيُّ: (ومَنْ بِالقَنانِ). و(القَنانُ): جَبَلٌ لبني أَسَدٍ.و(الحَزْنُ) والحَزْمُ سَوَاءٌ، وهوَ المَوْضِعُ الغَلِيظُ.و(المُحِلُّ): الذي لَيْسَتْ لهُ ذِمَّةٌ تَمْنَعُ ولا حُرْمَةٌ.
و(المُحْرِمُ): الذي لهُ حُرْمَةٌ تَمْنَعُ منهُ.هذا قولُ أكثرِ أهلِ اللغةِ. وقالَ أبو العبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيدَ: المُحِلُّ والمُحْرِمُ هنا: الدَّاخِلانِ في الأَشْهُرِ الحُرُمِ، وفي الأَشْهُرِ التي لَيْسَتْ بحُرُمٍ،يُقالُ: أَحْرَمَ، إذا دَخَلَ في الشهرِ الحرامِ، وأَحَلَّ: إذا خَرَجَ منهُ، وقدْ حَلَّ مِنْ إحرامِهِ يَحِلُّ حِلاًّ فهوَ حَلالٌ، ولا يُقالُ: حَالٌّ. وقدْ أَحْرَمَ بالحَجِّ يُحْرِمُ إِحْرَاماً، فهوَ مُحْرِمٌ وحَرَامٌ.والمعنى: كَمْ بالقَنانِ منْ عَدُوٍّ وصَدِيقٍ لنا.يَقُولُ: حَمَلْتُ نَفْسِي في طَلَبِ هذهِ الظُّعُنِ على شِدَّةٍ، أَمُرُّ بمَوْضِعٍ فيهِ أَعْدَائِي، لوْ ظَفِرُوا بي لَهَلَكْتُ.
9- وَعَالَيْنَ أَنْمَاطاً عِتاقاً وَكِلَّةً =وِرادَ الْحَواشِي لَوْنُهَا لَوْنُ عَنْدَمِ
ورَوَى الأَصْمَعِيُّ:
عَلَوْنَ بِأَنْطَاكِيَّةٍ فَوْقَ عِقْمَةٍ = وِرَادٍ حَوَاشِيها مُشَاكِهَةِ الدَّمِ
قولُهُ:(وَعَالَيْنَ)؛ أيْ: رَفَعْنَ الأنماطَ والكِلَلَ على الإبلِ التي رَكِبَها الظُّعُنُ.و(العِتَاقُ): الكِرَامُ.و(الوِرَادُ): التي لَوْنُها إلى الحُمْرَةِ.وأرادَ أنَّهُ أَخْلَصَ الحاشيَةَ بلوْنٍ واحدٍ، لم يَعْمَلْهَا بغيرِ الحُمْرَةِ. و(الأَنْطَاكِيَّةُ): أنماطٌ تُوضَعُ على الخُدُورِ، نَسَبَها إلى أَنْطَاكِيَّةَ، وكُلُّ شيءٍ جاءَ من الشامِ فهوَ عندَهم أَنْطَاكِيٌّ.
و(عِقْمَةٌ): جَمْعُ عَقْمٍ، مِثْلُ شِيخَةٍ وشَيْخٍ.والعَقْمُ: أنْ تُظْهِرَ خُيُوطَ أَحَدِ النِّيرَيْنِ، فيَعْمَلَ العامِلُ بهِ، وإذا أرادَ أنْ يَشِيَ بغيرِ ذلكَ اللونِ لَوَاهُ وغَمَّضَهُ وأَظْهَرَ ما يُرِيدُ عَمَلَهُ. و(المُشَاكَهَةُ) والمُشَابَهَةُ والمُشَاكَلَةُ سَوَاءٌ.
10- ظَهَرْنَ مِن السُّوبانِ ثُمَّ جَزَعْنَهُ = عَلَى كُلِّ قَيْنِيٍّ قَشِيبٍ وَمُفْأَمِ
َهَرْنَ) معناهُ: خَرَجْنَ منهُ. و(جَزَعْنَهُ): قَطَعْنَهُ. ومعنى قولِهِ:ُمَّ جَزَعْنَهُ): عَرَضَ لَهُنَّ مرَّةً أُخْرَى فقَطَعْنَهُ.و(السُّوبَانُ): وَادٍ.و(قَيْنِيٌّ): مَنْسُوبٌ إلى بَنِي القَيْنِ.و(قَشِيبٌ): جَدِيدٌ. و(مُفْأَمٌ): واسِعٌ، وأَرَادَ غَبِيطاً. والغَبِيطُ يكونُ تحتَ الرَّحْلِ، والقَتَبُ تحتَ المَتَاعِ.
11- وَوَرَّكْنَفِي السُّوبَانِ يَعْلُونَ مَتْنَهُ = عَلَيْهِنَّ دَلُّ النَّاعِمِ المُتَنَعِّمِ
َرَّكْنَ فِيهِ) معناهُ: مِلْنَ فيهِ.ويقالُ: وَرَّكْتُ مَوْضِعَ كذا، ووَرَّكَت الإبلُ مَوْضِعَ كذا وكذا، إذَا خَلَّفَتْهُ وَرَاءَ أَوْرَاكِهَا. و(المَتْنُ): ما غَلُظَ من الأرضِ وارْتَفَعَ.
وقولُهُ: (عَلَيْهِنَّ) معناهُ: على الظعائِنِ.والتقديرُ: وَوَرَّكْنَ في السُّوبَانِ عَالِيَاتٍ مَتْنَهُ؛ أيْ: في هذهِ الحالِ.
22- كَأَنَّ فُتَاتَ الْعِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ = نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الْفَنَا لم يُحَطَّمِ
ويُرْوَى: (في كلِّ مَوْقِفٍ وَقَفْنَ بِهِ). و(العِهْنُ): الصُّوفُ المصبوغُ، شَبَّهَ ما تَفَتَّتَ من العِهْنِ الذي عُلِّقَ على الهَوْدَجِ إذا نَزَلْنَ مِنهُ مَنْزِلاً بحَبِّ الفَنَا.و(الفَنَا): شَجَرٌ ثَمَرُهُ حَبٌّ أَحْمَرُ وفيهِ نُقَطٌ سُودٌ.وقالَ الفَرَّاءُ: هوَ عِنَبُ الثَّعْلَبِ.
وقولُهُ: (لم يُحَطَّمِ) أرادَ: أَنَّ حَبَّ الْفَنَا صَحِيحٌ؛ لأنَّهُ إذا كُسِرَ ظَهَرَ لهُ لونٌ غيرُ الحُمْرَةِ. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: (العِهْنُ): الصوفُ صُبِغَ أوْ لم يُصْبَغْ، وهوَ هنا المصبوغُ.
13- بَكَرْنَ بُكُوراً وَاسْتَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ = فَهُنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ فِي الْفَمِ
ويُرْوَى: (فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كالْيَدِ لِلْفَمِ).و(الرَّسُّ): ماءٌ ونَخْلٌ لِبَنِي أَسَدٍ. والرُّسَيْسُ حِذَاءَهُ. ومعنى (كَالْيَدِ لِلْفَمِ)؛ أيْ: لا يُجَاوِزْنَ هذا الوادِيَ؛ أيْ: لا يُخْطِئْنَهُ، كما لا تَتَجَاوَزُ اليدُ الفَمَ.
14- فَلَمَّا وَرَدْنَ الْمَاءَ زُرْقاً جِمامُهُ =وَضَعْنَ عِصِيَّ الْحَاضِرِ الْمُتَخَيِّمِ
يُقالُ: ماءٌَزْرَقُ)؛ إذا كانَ صَافِياً.و(جِمامٌ): جَمْعُ جَمٍّ وجَمَّةٍ، وهوَ الماءُ المجتمِعُ، يُقالُ: جَمَّ يَجُمُّ جُمُوماً، ويُسَمَّى الماءُ نَفْسُهُ جَمًّا.و(الحاضِرُ): النازِلُ على الماءِ. و(المُتَخَيِّمُ): المُقِيمُ، وأصلُهُ مِنْ تَخَيَّمَ؛ إذا نَصَبَ الخَيْمَةَ. ويُقالُ: وَضَعَ عَصَاهُ؛ إذا تَرَكَ السَّيْرَ. و(عِصِيٌّ): جَمْعُ عَصاً، وكانَ يَجِبُ أنْ يُقالَ: عُصُوٌّ، فأَبْدَلَ من الواوِ ياءً؛ لأنَّها طَرَفٌ، ليسَ بَيْنَها وبينَ الضَّمَّةِ إلاَّ حَرْفٌ ساكنٌ، والجمْعُ بابُ تغييرٍ، ثمَّ كُسِرَت الصادُ منْ أجلِ الياءِ التي بَعْدَها.
وَصَفَ أَنَّهُنَّ في أَمْنٍ ومَنَعَةٍ، فإذا نَزَلْنَ آمناتٍ كنُزُولِ مَنْ هُوَ في أهلِهِ ووطنِهِ. ونَصَبَ (زُرْقاً) على أنَّهُ حالٌ للماءِ.وصَلَحَ أنْ يكونَ حَالاً لهُ؛ لأنَّهُ قدْ عَادَتْ عليهِ الهاءُ في قَوْلِهِ: ِمَامُهُ).ويَرْتَفِعُ (جِمَامُهُ) بقولِهِ: ُرْقاً).ويكونُ المعنى: يَزْرَقُّ جِمَامُهُ. وجازَ أنْ يقولَ: ُرْقاً) وإنْ كانَ بمعنَى الفعلِ؛ لأنَّهُ جَمْعٌ مُكَسَّرٌ، فقدْ خَالَفَ الفعلَ منْ هذهِ الجهةِ، كما تقولُ: هذا رَجُلٌ كِرَامٌ قومُهُ، وكما قالَ:
بَكَرْتُ عَلَيْهِ غُدْوَةً فوَجَدْتُهُ =فُعُوداً لَدَيْهِ بِالصَّرِيمِ عَوَاذِلُهْ
ولوْ كانَ في غيرِ الشعرِ لجازَ أنْ يقولَ: قَاعِداً.
ومَنْ رَوَى: (زُرْقٌ جِمَامُهُ) رَفَعَ (زُرْقاً) على أنَّهُ خَبَرُ الابتداءِ، ويَنْوِي بهِ التأخيرَ. و(جِمَامُهُ) مرفوعٌ بالابتداءِ.والمعنى: فلَمَّا وَرَدْنَ الماءَ جِمَامُهُ زُرْقٌ.ويَجُوزُ في غيرِ الشعرِ: أَزْرَقُ جِمَامُهُ؛ لأنَّهُ بمعنى الفعلِ، يُقالُ: ازْرَقَّ جِمَامُهُ، كما تقولُ: أزْرَقُ جِمَامُهُ، وجازَ: أَزْرَقُ جِمَامُهُ، على أنَّ التقديرَ: جِمَامُهُ أَزْرَقُ؛ كما تقولُ: الجيشُ مُقْبِلٌ.
15- وفِيهِنَّ مَلْهًى لِلَّطِيفِ ومَنْظَرٌ =أَنِيقٌ لِعَيْنِ النَّاظِرِ المُتَوَسِّمِ
َلْهًى) ولَهْوٌ واحِدٌ، وهوَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ بالابتداءِ، وإنْ شِئْتَ بالصِّفَةِ.و(اللَّطِيفُ): المُتَلَطِّفُ الذي ليسَ معَهُ جَفاءٌ.وقيلَ: عَنَى بـ(اللَّطِيفِ) نَفْسَهُ؛ أيْ:يَتَلَطَّفُ في الوُصُولِ إليهنَّ. و(أَنيقُ) بمعنى: مُؤْنِقٌ؛ أيْ: مُعْجِبٌ.و(المُتَوَسِّمُ): الناظِرُ بِتَفَرُّسٍ.وقيلَ: (المُتَوَسِّمُ): الطالِبُ الوَسَامَةَ، وهيَ الحُسْنُ.ورُوِيَ عنْ مُجَاهِدٍ أنَّهُ قالَ في قولِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} قالَ: هيَ الحَسَنَةُ. و(المُتَوَسِّمُ): المُتَثَبِّتُ.
16- سَعَى سَاعِيَا غَيْظِ بنِ مُرَّةَ بَعْدَمَا =تَبَزَّلَ مَا بَيْنَ الْعَشِيرَةِ بِالدَّمِ
(السَّاعِيَانِ): الحارِثُ بنُ عَوْفٍ، وهَرِمُ بنُ سِنَانٍ.وقيلَ: الحارِثُ بنُ عَوْفٍ، وخَارِجَةُ بنُ سِنَانٍ، سَعْياً في الدِّيَاتِ.وقيلَ: معنى (سَعَيَا) عَمِلا عَمَلاً صالِحاً.و(غَيْظُ بنُ مُرَّةَ) مِنْ وَلَدِ عبدِ اللَّهِ بنِ غَطَفَانَ. ومعنى (تَبَزَّلَ): تَشَقَّقَ.وهذا تمثيلٌ؛ أيْ: كانَ بينَهم صُلْحٌ فتَشَقَقَّ بالدَّمِ، فسَعَى سَاعِيَا غَيْظِ بنِ مُرَّةَ فأَصْلَحَاهُ.ويُقالُ: تَبَزَّلَ الجُرْحُ إذا تَشَقَّقَ فخَرَجَ ما فيهِ. وتَبَزَّلَ جِلْدُ فُلانٍ، إذا عَرِقَ.وبَزَلَ نابُ البَعِيرِ؛ أيْ: مَوْضِعُ نَابِهِ، وذلكَ في السَّنَةِ التاسعةِ.
17- فأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الذي طَافَ حَوْلَهُ =رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُمِ
يعني بـ(البيتِ): الكعبةَ. و(جُرْهُمٌ) كَانُوا وُلاةَ البيتِ قبلَ قُريشٍ، وبَغَوْا بمَكَّةَ واستَحَلُّوا حُرْمَتَها وأَكَلُوا مالَ الكعبةِ الذي يُهْدَى لها، ثمَّ لم يَتَنَاهَوْا حتَّى جَعَلَ الرجلُ منهم إذا لم يَجِدْ مكاناً يَزْنِي فيهِ دَخَلَ الكعبةَ فَزَنَى، وكانَتْ مَكَّةُ لا بَغْيَ ولا ظُلْمَ فيها، ولا يَسْتَحِلُّ حُرْمَتَها مَلِكٌ إلاَّ هَلَكَ مكانَهُ، فكانَتْ تُسَمَّى (النَّاسَّةَ)، وتُسَمَّى (بَكَّةَ)؛ لأنَّها تَبُكُّ أَعْنَاقَ البَغَايَا إذا بَغَوْا فيها. وقيلَ: سُمِّيَتِ النَّاسَّةَ؛ لأنَّ أَهْلَهَا كأنَّهُم يُبَّسٌ مِن العَطَشِ، كما قالَ:
* وَبَلَدٍ تُمْسِي قَطَاهُ نُسَّسَا *
18- يَمِيناً لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وَجِدْتُمَا =عَلَى كُلِّ حالٍ مِنْ سَحِيلٍ ومُبْرَمِ
أيْ: نِعْمَ السيِّدانِ وُجِدْتُمَا حينَ تُفَاجَآنِ لأمرٍ قدْ أَبْرَمْتُمَاهُ، وأَمْرٍ لم تُبْرِمَاهُ ولم تُحْكِمَاهُ؛ أيْ: على كلِّحالٍ مِنْ شِدَّةِ الأمرِ وسُهولتِهِ.
وأصلُ (السَّحِيلِ والمُبْرَمِ) أنَّ المُبْرَمَ يُفْتَلُ خيطيْنِ حتَّى يَصِيرَا خَيْطاً واحِداً.والسِّحِيلُ:خَيْطٌ واحدٌ لا يُضَمُّ إليهِ آخَرُ.
19- تَدَارَكْتُمَا عَبْساً وذُبْيَانَ بَعْدَمَا =تَفَانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَمِ
قالُوا: (مَنْشَمُ):امْرَأَةٌ عَطَّارَةٌ، فتَحَالَفَ قومٌ فأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُم في عِطْرِهَا لِيَتَحَرَّمُوا بهِ، ثمَّ خَرَجُوا إلى الحَرْبِ، فَقُتِلُوا جميعاً، فتَشَاءَمَت العربُ بها. يقولُ: فَصَارَ هؤلاءِ بمنزلةِ أولئكَ في شِدَّةِ الأمرِ. وقالَ أبو عَمْرِو بنُ العَلاءِ: (عِطْرُ مَنْشَمِ) إنَّما هوَ من التَّنْشِيمِ في الشرِّ. ومنهُ قولُهم: لَمَّا نَشَّمَ الناسُ في عُثمانَ.وقالَ أبو عُبَيْدَةَ: مَنْشَمٌ، اسمٌ وُضِعَ لِشِدَّةِ الحربِ، وليسَ ثَمَّ امرأةٌ؛ كقولِهِم: جَاؤُوا على بَكْرَةِ أَبِيهِم، وليسَ ثَمَّ بَكْرَةٌ. وقالَ أبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: مَنْشَمُ: امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ كانَتْ تَبِيعُ عِطْراً، فإذا حَاربُوا اشْتَرَوْا منها كَافُوراً لِمَوْتَاهُم، فتَشَأَّمُوا بِهَا. وقالَ ابنُ الكَلْبِيِّ: مَنْشَمُ ابنةُ الوَجِيهِ الحِمْيَرِيِّ.
20- وقَدْ قُلْتُمَا: إنْنُدْرِك السِّلْمَ وَاسِعاً =بِمَالٍ ومَعْرُوفٍ مِن الْقَوْلِ نَسْلَمِ
ويُرْوَى: (مِنَ الأَمْرِ نَسْلَمِ).ومعنى (واسِعٍ): مُمْكِنٌ. يقولُ: نَبْذُلُ فيهِ الأموالَ ونَحُثُّ عليهِ.وقولُهُ: (نَسْلَمِ)؛ أيْ: نَسْلَمْ مِن الحربِ. و(السِّلْمُ) بكسرِ السينِ وفَتْحِها: الصُّلْحُ، ويُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ. قالَ الشاعِرُ:
فَلا تَضِيقَنَّ إِنَّ السِّلْمَ آمِنَةٌ = مَلْسَاءُ لَيْسَ بِهَا وَعْثٌ ولا ضِيقُ
21- فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَلَى خَيْرِ مَوْطِنٍ = بَعِيدَيْنِ فِيهَا مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ
ِنْهَا): من الحربِ؛ أيْ: لم تَرْكَبَا مِنها ما لا يَحِلُّ لَكُمَا. ونَصَبََعِيدَيْنِ) على الحالِ. وخبرَُصْبَحْتُمَا): (على خَيْرٍ). و(العُقُوقُ): قَطِيعةُ الرَّحِمِ.
22- عَظِيمَيْنِ فِي عُلْيَا مَعَدٍّ هُدِيتُمَا = ومَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزاً مِن الْمَجْدِ يُعْظَِمِ
وَ: (يَعْظُمِ). ُلْيَا مَعَدٍّ) وعلياءُ مَعَدٍّ: أَرْفَعُها. و(يُعْظِمِ)؛ أيْ:يَأْتِي بأمرٍ عظيمٍ. و(يَعْظُمِ): يَصِيرُ عَظِيماً. و(يُعْظَمُ)؛ أيْ: يُعَظِّمُهُ الناسُ.
23- وأَصْبَحَ يُحْدَى فِيهِم مِنْ تِلادِكُمْ = مَغانِمُ شَتَّى مِنْ إِفَالٍ مُزَنَّمِ
ويُرْوَى: (فأَصْبَحَ يَجْرِي فيهم مِنْ تِلادِكُم). و(يُحْدَى): يُسَاقُ.و(التِّلادُ): ما وُلِدَ عندَهم. هذا أصلُهُ، ثُمَّ كَثُرَ استعمالُهم إيَّاهُ، حتَّى قِيلَ لِمُلْكِ الرَّجُلِ كُلِّهِ:تِلادُهُ. و(شَتَّى): مُتَفَرِّقَةٌ. يقولُ: صِرْتُم تَغْرَمُونَ لهم مِنْ تِلادِكُم.
وقالَ أبو جَعْفَرٍ: قولُهُ:(مِنْ تِلادِكُم) معناهُ: مِنْ كَرَمِ سَعْيِكُم الذي سَعَيْتُمْ لهُ، حتَّى جَمَعْتُم لهم الحَمَالَةَ. ورَوَاهُ: مِنْ نِتَاجٍ مُزَنَّمِ.
و(الإفالُ): الفُصْلانُ، الواحِدُ: أَفْيَلُ، والأُنْثَى: أَفِيلَةٌ. و(التَّزْنِيمُ): علامةٌ كانَتْ تُجْعَلُ على ضَرْبٍ مِن الإِبِلِ كِرامٍ، وهوَ أنْ يُسَحَّى ظاهرُ الأُذُنِ؛ أيْ: تُقْشَرَ جِلْدَتُهُ، ثمَّ تُفْتَلَ فتَبْقَى زَنَمةٌ تَنُوسُ؛ أيْ: تَضْطَرِبُ.ورَوَى أبو عُبَيْدَةَ: مِنْ إفالِ المُزَنَّمِ، قالَ: وهوَ فَحْلٌ معروفٌ.
24- تُعَفَّى الكُلُومُ بِالْمِئِينَ فأَصْبَحَتْ = يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ
(تُعَفَّى)؛ أيْ: تُمْحَى الجِرَاحُ بالمِئِينَ مِن الإبلِ، تُؤَدَّى يَجْعَلُونها نُجوماً.وقولُهم: عفا اللَّهُ عنكَ؛ أيْ: مَحَاعنكَ ذُنُوبَكَ.واسْتَعْفَى فلانٌ مِنْ كذا؛ سَأَلَ ألاَّ يكونَ لهُ فيهِ أَثَرٌ.
و(يُنَجِّمُهَا): يَجْعَلُ لأَدَائِها وَقْتاً. ومعنى قولِهِ: (يُنَجِّمُها مَنْ ليسَ فيها بمُجْرِمِ)؛ أيْ: يَغْرَمُها مَنْ لم يُجْرِمْ فيها.
25- يُنَجِّمُهَا قومٌ لِقَوْمٍ غَرَامَةً =ولم يُهَرِيقُوا بينَهم مِلْءَ مِحْجَمِ
ِلْءُ الشيءِ): مِقْدَارُ ما يَمْلَؤُهُ.والملْءُ المَصْدَرُ، وهذا البيتُ تفسيرٌ للَّذِي قبلَهُ.
26- أَلا أَبْلِغِ الأَحْلافَ عنِّي رِسَالَةً = وذُبْيَانَ: هَلْ أَقْسَمْتُمُ كُلَّ مُقْسَمِ
(الأَحْلافُ): أَسَدٌ وغَطَفَانُ هنا، واحِدُهم حِلْفٌ. وفلانٌ حِلْفُ بني فلانٍ: إذا مَنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ منهُ أَنْفُسَهم، وأنْ يكونَ معَهم يَداً على غيرِهم. ويقالُ: ذُبْيَانُ وذِبْيَانُ، والضمُّ أَكْثَرُ، والأصلُ ذُبَّانُ، فأُبْدِلَ من الباءِياءٌ، كما قَالُوا: تَقَصَّيْتُ.
ومعنى: (هَلْ أَقْسَمْتُمْ كلَّ مُقْسَمِ)؛ أيْ: هلْ أَقْسَمْتُمْ كلَّ إقسامٍ إنَّكُم تَفْعَلُونَ ما لا يَنْبَغِي؟ ورَوَى الأصمعيُّ: (فَمَنْ مُبْلِغُ الأَحْلافَ عَنِّي) يُرِيدُ: مُبْلِغٌ الأحلافَ، على أنْ يَحْذِفَ التنوينَ لالتقاءِ الساكنيْنِ.وحُكِيَ عنْ عُمَارَةَ أنَّهُ قَرَأَ: َلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارَ}.
27- فَلا تَكْتُمُنَّ اللَّهَ مَا فِي صُدُورِكُمْ =لِيَخْفَىومَهْمَا يُكْتَمِ اللَّهُ يَعْلَمِ
ويُرْوَى: (ما فِي نُفُوسِكُم). يقولُ: لا تَكْتُموا اللَّهَ ما صِرْتُم إليهِ مِن الصُّلْحِ وتَقُولُوا: إنَّا لم نَكُنْ نَحتاجُ إلى الصُّلْحِ، وإنَّا لم نَسْتَرْخِ من الحربِ؛ فإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مِنْ ذلكَ ما تَكْتُمُونهُ.
وقالَ أبو جَعْفَرٍ: معنى البيتِ: لا تُظْهِرُوا الصُّلْحَ وفي أنْفُسِكم أنْ تَغْدِرُوا كما فعَلَحُصَيْنُ بنُ ضَمْضَمٍ؛ إذْ قَتَلَ وَرْدَ بنَ حابِسٍ بعدَ الصُّلْحِ؛ أيْ: صَحِّحُوا الصُّلْحَ.
28- يُؤَخَّرْ فيُوضَعْ فِي كِتابٍ فيُدَّخَرْ = لِيَوْمِ الحِسابِ أوْ يُعَجَّلْ فيُنْقَمِ
أيْ: لا تَكْتُمُنَّ اللَّهَ ما في نفوسِكم، فيُؤَخَّرْ ذلكَ إلى يومِ الحسابِ فتُحَاسَبُوا بهِ، أوْ يُعَجَّلْ في الدُّنيا لكم النِّقمةُ بهِ.وقالَ بعضُ أهلِ اللغةِ: (يُؤَخَّرْ) بَدَلٌ مِنْ (يَعْلَمِ)؛ كما قالَ اللَّهُ جَلَّ وعَزَّ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، وكما قالَ الشاعرُ:
مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا = تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وناراً تَأَجَّجَا
فأَبْدَلَُلْمِمْ) مِنْ (تَأْتِنَا).
وأَنْكَرَ بعضُ النَّحْوِيِّينَ هذا، وقالَ: لا يُشْبِهُ هذا قولَهُ:َمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ}؛ لأنَّ مُضاعفةَ العذابِ هوَ لُقِيُّ الأثامِ، وليسَ التَّأْخِيرُ العِلْمَ، ألا تَرَى أنَّكَ تقولُ: إنْ تُعْطِنِي تُحْسِنْ إليَّ أَشْكُرْكَ، فتُبْدِلُ (تُحْسِنْ) مِنْ (تُعْطِنِي)؛ لأنَّ العَطِيَّةَ إِحسانٌ، ولا يَجُوزُ أنْ تقولَ: إنْ تَجِئْنِي تَتَكَلَّمْ أُكْرِمْكَ، إلاَّ على بَدَلِ الغَلَطِ؛ لأنَّ التَّكَلُّمَ ليسَ هوَ المَجِيءَ، وبَدَلُ الغَلَطِ لا يَجُوزُ أنْ يَقَعَ في الشعرِ.وأجازَ سِيبَوَيْهِ إسكانَ الفعلِ للشاعرِ إذا اضْطُرَّ، يَرُدُّهُ إلى أَصْلِهِ، فيَجُوزُ على مذهَبِ سِيبَوَيْهِ أنْ يكونَ قولُهُ: (يُؤَخَّرْ) مَرْدُوداً إلى أصلِ الأفعالِ، يعني:أنَّهُ مرفوعٌ إلاَّ أنَّهُ سَكَّنَ الراءَ مِنْ (يُؤَخَّرْ) تَشْبِيهاً بقولِهِ:
* فَالْيَوْمَ أَشْرَبْ غيرَ مُسْتَحْقِبِ*
يُرِيدُ: أَشْرَبُ غيرَ مُسْتَحْقِبٍ، فسَكَّنَ الباءَ.وهذا الإسكانُ إنَّما هوَ إِشْمَامٌ، لا سُكُونٌ خالِصٌ، ولا ضَمٌّ خالِصٌ.
وقالَ بعضُ النَّحْوِيِّينَ: (يُؤَخَّرْ) جوابُ النهيِ، والمعنى: فلا تَكْتُمُنَّ اللَّهَ ما في نُفُوسِكُم يُؤَخَّرْ، وأجازَ: لا تَضْرِبْ زَيْداً يَضْرِبْكَ.
29- وما الحَرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وذُقْتُمُ =وما هُوَ عنها بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
يقولُ: ما الحَرْبُ إلاَّ ما جَرَّبْتُم وذُقْتُمُوهُ، فإيَّاكم أنْ تَعُودُوا إلى مِثْلِها.وقولُهُ: (وما هُوَ عَنْهَا)؛ أيْ: ما العِلْمُ عنها بالحديثِ؛ أيْ: ما الخبرُ عنها بحديثٍ يُرَجَّمُ فيهِ بالظنِّ. فقولُهُ: (هُوَ) كنايَةٌ عن العِلْمِ؛ لأنَّهُ لَمَّا قالَ: (إلاَّ ما عَلِمْتُمْ) دَلَّ على العِلْمِ. قالَ اللَّهُ تعالى: َلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ} المعنى: أنَّهُ لَمَّا قالَ: َبْخَلُونَ) دَلَّ على البُخْلِ، كقولِهِم: مَنْ كَذَبَ كانَ شَرًّا لهُ؛ أيْ: كانَ الكَذِبُ شَرًّا لهُ.و(المُرَجَّمُ): الذي ليسَ بمُسْتَيْقَنٍ.
30- مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً = وتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ
َبْعَثُوها): تُثِيرُوها، و(ذَمِيمَةٌ): مذمومةٌ.وقالَ بعضُ أهلِ اللغةِ: (فَعِيلٌ) إذا كانَ بمعنى (مفعولٍ) كانَ بغيرِ هاءٍ، كقولِكَ: (قَتِيلٌ) بمعنى: مقتولٍ.وهذا إنَّما يَقَعُ للمؤنَّثِ بغيرِ هاءٍ إذا تَقَدَّمَ الاسمُ، كقولِكَ: مَرَرْتُ بامرأةٍ قَتِيلٍ؛ أيْ: مَقْتُولَةٍ.فإنْ قُلْتَ: مَرَرْتُ بقَتِيلَةٍ، لم يَجُزْ بحذفِ الهاءِ؛ لأنَّهُ لا يُعْرَفُ أنَّهُ مؤنَّثٌ.ويُرْوَى: (دَمِيمَةً)؛ أيْ: حقيرةً. و(تَضْرَ): تَعَوَّدْ وتَدْرَبْ، يُقَالُ: ضَرِيَ ضَرَوَاةً.ومعنى (تَضْرَمُ): تَشْتَعِلُ.

  #4  
قديم 15 ذو الحجة 1429هـ/13-12-2008م, 11:11 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع)شرح المعلقات العشر للخطيب: محمد بن عبد الله التبريزي


31- فَتَعْرُكْكُمُ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا =وتَلْقَحْ كِشافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتئِمِ
(الثِّفَالُ): جِلْدٌ يُجْعَلُ تحتَ الرَّحَى. وأرادَ: عَرْكَ الرَّحَى ومعَها ثِفَالُها؛ أيْ: عَرْكَ الرَّحَى طاحنةً.قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ُنْبِتُ بِالدُّهْنِ} المعنى: ومعَها الدُّهْنُ.كما تقولُ: جاءَ فُلانٌ بالسيفِ؛ أيْ: ومعَهُ السيفُ. ويقالُ: لَقِحَت الناقةُ كِشافاً؛ إذا حُمِلَ عليها كُلَّ عامٍ، وذلكَ أَرْدَأُ النِّتَاجِ.
والمحمودُ عندَهم أنْ يُحْمَلَ عليها سنَةً، وتُجَمَّ سَنَةً. ويقالُ: ناقةٌ كَشُوفٌ؛ إذا حُمِلَ عليها كلَّ سَنَةٍ. وإنَّما شَبَّهَ الحربَ بالناقةِ؛ لأنَّهُ جَعَلَ ما يُحْلَبُ منها من الدماءِ بمنزلةِ ما يُحْلَبُ من الناقةِ من اللبنِ. وقيلَ: شَبَّهَ الحربَ بالناقةِ إذا حَمَلَتْ ثمَّ أَرْضَعَتْ ثمَّ فَطَمَتْ؛ لأنَّ هذهِ الحربَ تَطُولُ، وهوَ أَشْبَهُ بالمَعْنَى.
و(تُتْئِمُ): تَأْتِي بِتَوْأَمَيْنِ، الذَّكَرُ: تَوْأَمٌ، والأُنْثَى: تَوْأَمَةٌ.وقيلَ في قَوْلِهِ: ِشَافاً)؛ أيْ: يُعَجَّلُ عليكم أَمْرُها بلا وَقْتٍ.ويقالُ: أَكْشَفَ القومُ؛ إذا فُعِلَ بإبِلِهم ذلكَ.
32- فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُمْ =كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
يقالُ: نُتِجَت الناقةُُنْتَجُ)، ولا يُقَالُ: نَتَجَتْ وأَنْتَجَتْ إذا اسْتَبَانَ حَمْلُها، فهيَ نَتُوجٌ، ولا يُقالُ: مُنْتِجٌ، وهوَ القياسُ.
و(أَشْأَمُ) فيهِ قولانِ: أَحَدُهما: أنَّهُ بمعنى المصدرِ، كأنَّهُ قالَ: غِلْمَانَ شُؤْمٍ. وأَشْأَمُ هوَ الشُّؤْمُ بعينِهِ، يُقَالُ: كانَتْ لهم بِأَشْأَمَ، يريدُ: بشُؤْمٍ،فلمَّا جُعِلَ (أَفْعَلُ) مَصْدراً لم يَحْتَجْ إلى (مِنْ)، ولوْ كانَ (أَفْعَلُ) غيرَ مصدرٍ لم يَكُنْ لهُ بُدٌّ مِنْ (مِنْ). والقولُ الآخَرُ: أنْ يكونَ المعنى: غِلْمانَامْرِئٍ أَشْأَمَ؛ أيْ: مَشْؤُومٍ.
و(كُلُّهُمْ) مرفوعٌ بالابتداءِ، ولا يَجُوزُ أنْ يكونَ تَوْكِيداً لـ(أَشْأَمَ) ولا لـ(غِلْمَانَ)؛ لأنَّهما نَكِرَتَانِ، والنَّكِرَةُ لا تُؤَكَّدْ. وما بعدَ (كُلُّهُمْ) خبرُ المبتدأِ، كأنَّهُ قالَ: كُلُّهم مثلُ أحمرِ عادٍ. و(أَحْمَرُ عادٍ) يُرِيدُ: عاقِرَ الناقةِ، واسمُهُ قُدَارٌ. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: أَخْطَأَ زُهَيْرٌ في هذا؛ لأنَّ عاقرَ الناقةِ ليسَ مِنْ عادٍ، وإنَّما هوَ مِنْ ثَمُودَ، فغَلِطَ فجَعَلَهُ مِنْ عادٍ.
وقالَ أبو العبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيدَ: هذا ليسَ بغَلَطٍ؛ لأنَّ ثَمُودَ يقالُ لها: عادٌ الآخِرَةُ، ويقالُ لقومِ هُودٍ: عادٌ الأُولَى.والدليلُ على هذا قولُهُ: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى}.
33- فتُغْلِلْ لَكُمْ ما لا تُغِلُّ لأَهْلِهَا =قُرًى بِالْعِرَاقِ مِنْ قَفِيزٍ ودِرْهَمِ
قالَ الأصمعيُّ: يُرِيدُ: أنَّها تُغِلُّ لهم دَماً وما يَكْرَهُونَ، ولَيْسَتْ تُغِلُّ لهم ما تُغِلُّ قُرَى العراقِ مِنْ قَفِيزٍ ودِرْهَمٍ. وقالَ يعقوبُ: هذا تَهَكُّمٌ وهُزْءٌ،لا يَأْتِيكُم منها ما تُسَرُّونَ بهِ، مِثْلُ ما يَأْتِي أهلَ القُرَى من الطعامِ والدراهمِ، ولكِنْ غَلَّةُ هذا عَلَيْكُمْ ما تَكْرَهُونَ.
وقالَ أبو جَعْفَرٍ: معناهُ:أنَّكُم تُقْتَلُونَ وتُحْمَلُ إليكم دِيَاتُ قَوْمِكُم، فافْرَحُوا؛ فَهَذِهِ لَكُمْ غَلَّةٌ.
34- لِحَيٍّ حِلالٍ يَعْصِمُ الناسَ أَمْرُهُمْ =إِذَا طَرَقَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ
(الحِلالُ): الكثيرُ، والحِلَّةُ: مِائَتَا بيتٍ. وقيلَ: حَيٌّ حِلالٌ: إذا نزَلَ بعضُهم قريباً مِنْ بعضٍ. واللامُ في قَوْلِهِ: ِحَيٍّ) متعلِّقَةٌ بقولِهِ:َعَى سَاعِيَا غَيْظِ بنِ مُرَّةَ... ) لِحَيٍّ حِلالٍ.
وقيلَ: المعنى: أَذْكُرُ هذا لِحَيٍّ حِلالٍ؛ أيْ: هذهِ الإبلُ التي تُؤْخَذُ في الدِّيَةِ لِحَيٍّ كَثيرٍ، وإنَّما أرادَ أنْ يُكَثِّرَهُم لِيَكْثُرَ العَقْلُ.
وقولُهُ: (يَعْصِمُ النَّاسَ أَمْرُهُمْ) معناهُ:إذا ائْتَمَرُوا أَمْراً كانَ عِصْمَةً للناسِ.و(طَرَقَتْ): أَتَتَ لَيْلاً.ومعنى (يَعْصِمُ): يَمْنَعُ.
35- كِرَامٍ فَلا ذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَهُ =ولا الجَارِمُ الجَانِي عَلَيْهِمْ بمُسْلَمِ
ويُرْوَى:
فلا ذُو التَّبْلِ يُدْرِكُ تَبْلَهُ = لَدَيْهِمْ ولا الْجَانِي عليهم بمُسْلَمِ
و(التَّبْلُ): الثأرُ. و(الجارِمُ): الذي أَتَى بالجُرْمِ، وهوَ الذَّنْبُ. ويقالُ: جَرَمَ وأَجْرَمَ، و(أَجْرَمَ): أَفْصَحُ. ويُقَالُ: جَرَمَ الشيءُ، إذا حَقَّ وثَبَتَ، كما قالَ:
ولَقَدْ طَعَنْتُ أَبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً = جَرَمَتْ فَزَارَةَ بَعْدَهَا أنْ يَغْضَبُوا
وقالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}؛ أيْ: حَقَّ ذلكَ.
36- رَعَوْا مَا رَعَوْا مِنْ ظِمْئِهِمْ ثُمَّ أَوْرَدُوا = غِمَاراً تَفَرَّى بالسِّلاحِ وبالدَّمِ
(الظِمْءُ) في الأصلِ: العَطَشُ، وهوَ هنا: ما بينَ الشَّرْبَتَيْنِ، وإنَّما يُرِيدُأنَّهُم تَرَكُوا الحربَ مُدَّةً، ثمَّ رَجَعُوا فحَارَبُوا، ألا تَرَاهُ قالَ: َوْرَدُوا * غِمَاراً). و(الغِمَارُ): جمعُ غَمْرٍ، وهوَ الماءُ الكثيرُ.و(تَفَرَّى): تَكَشَّفُ وتَفَتَّحُ، وأصلُهُ تَتَفَرَّى.ويُرْوى: (رَعَوْا ظِمْأَهُم حَتَّى إذا تمَّ أَوْرَدُوا).
37- فقَضَّوْا مَنَايَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَصْدَرُوا = إلى كَلأٍ مُسْتَوْبَلٍ مُتَوَخَّمِ
(الكَلأُ): العُشْبُ. و(المُسْتَوْبَلُ):المُسْتَثْقَلُ.و(المُتَوَخَّمُ): مِثْلُهُ. ومعنى قولِهِ: (ثُمَّ أَصْدَرُوا * إِلَى كَلأٍ)؛ أيْ: إلى أَمْرٍ اسْتَوْخَمُوا عَاقِبَتَهُ، وهذا مَثَلٌ.
38- لَعَمْرِي لَنِعْمَ الْحَيُّ جَرَّ عَلَيْهِمِ = بِمَا لا يُوَاتِيهِمْ حُصَيْنُ بنُ ضَمْضَمِ
َعَمْرِي) في موضِعِ رفعٍ بالابتداءِ، والخبرُ محذوفٌ، كأنَّهُ قالَ: لَعَمْرِي الذي أُقْسِمُ بهِ. و(جَرَّ عليهم) بمعنى: جَنَى عليهم، من الجَرِيرَةِ.
وقولُهُ: (بما لا يُوَاتِيهِمْ)؛ أيْ: بما لا يُوَافِقُهُم.ويُرْوَى: (بما لا يُمَالِيهِمْ حُصَيْنُ بنُ ضَمْضَمِ)؛ أيْ: يُمَالِئُهم عليهِ.والمُمَالأَةُ: المُتَابَعَةُ.وكانَ حُصَيْنٌ مِنْ بَنِي مُرَّةَ، أَبَى أَنْ يَدْخُلَ في صُلْحِهِم، فلَمَّا اجْتَمَعُوا للصُّلْحِ شَدَّ على رَجُلٍ مِنهم فقَتَلَهُ.
39- وَكَانَ طَوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنَّةٍ = فلا هُوَ أَبْدَاهَا ولمْ يَتَقَدَّمِ
(الكَشْحُ): الجَنْبُ.ومعناهُ:كانَ طَوَى كَشْحَهُ على فَعْلَةٍ، أَكَنَّها في نفسِهِ فلم يُظْهِرْها.ويُرْوَى: (ولم يَتَجَمْجَمِ)؛ أيْ: ولم يَدَعِ التَّقَدُّمَ على ما أَضْمَرَ. وكانَ هَرِمُ بنُ ضَمْضَمٍ قَتَلَهُ وَرْدُ بنُ حَابِسٍ، فقَتَلَهُ أَخُوهُ حُصَيْنٌ بهِ.و(المُسْتَكِنَّةُ): الغَدْرَةُ.
وقولُهُ: (وكانَ طَوَى كَشْحاً)، قالَ أبو العبَّاسِ: هذا بإضمارِ (قَدْ)، والمعنى: وكانَ قدْ طَوَى كَشحاً؛ لأنَّ (كانَ) فعلٌ ماضٍ، فلا يُخْبَرُ عنها إلاَّ باسمٍ أوْ بما ضَارَعَ الاسمَ.وأيضاً فإنَّهُ لا يَجُوزُ: كانَ زيدٌ قامَ؛ لأنَّ قولَكَ: (زيدٌ قامَ) يُغْنِيكَ عنْ (كانَ).
وخَالَفَهُ أصحابُهُ في هذا، فقالُوا: الفعلُ الماضي قدْ ضَارَعَ أيضاً، فهوَ يَقَعُ خبراً لـ(كَانَ) كما يَقَعُ الاسمُ والفعلُ المستقبَلُ.فأمَّا قولُهُ: إنَّ قَوْلَكَ: (زيدٌ قامَ) يُغْنِي عنْ (كانَ)؛ فإنَّهُ إنَّما جِيءَ بـ(كانَ) لِتُؤَكِّدَ أنَّ الفعلَ لِمَا مَضَى.
وقولُهُ: (على مُسْتَكِنَّةٍ)؛ أيْ: على حالةٍ مُسْتَكِنَّةٍ.وقولُهُ: (فلا هُوَ أَبْدَاهَا) المعنى: فلم يُبْدِهَا؛ أيْ: لم يُظْهِرْها.
وقالَ اللَّهُ جلَّ وعزَّ: َلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى}؛ أيْ: لم يُصَدِّقْ ولم يُصَلِّ.ولا يُجِيزُ النَّحْوِيُّونَ: ضَرَبْتُ زيداً لاضَرَبْتُ عَمْراً؛ لِئَلاَّ يُشْبِهَ الثاني الدُّعَاءَ. ولا يَجُوزُ أنْ يكونَ المعنى: ضَرَبْتُ زيداً لم أَضْرِبْ عَمْراً؛ لأنَّ هذا إنَّما يكونُ إذا كانَ في الكلامِ دليلٌ عليهِ؛ كما قالَ جلَّ وعزَّ: َلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}، فمَجِئُ (لَكِنْ) يَدُلُّ على أنَّ (لا) في قَوْلِهِ: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى}، بمعنى: لم يُصَدِّقْ ولم يُصَلِّ.
40- وقالَ: سَأَقْضِي حَاجَتِي ثُمَّ أَتَّقِي = عَدُوِّي بِأَلْفٍ مِنْ وَرَائِي مُلْجِمِ
يُرْوَى: (مُلْجَمِ) ومُلْجِمِ.مَنْ رَوَى (مُلْجَمِ) بفتحِ الجيمِ أرادَ: بألفِ فرسٍ مُلْجَمٍ.
ومَنْ رَوَى: (مُلْجِمِ) بكسرِ الجيمِ؛ أيْ: بألفِ فارِسٍ مُلْجِمِ.
و(المُلْجِمُ) نعتُ (الأَلْفِ)، والأَلْفُ مُذَكَّرٌ، فإنْ رَأَيْتَهُ في شِعْرٍ مُؤَنَّثاً فإنَّما يُذْهَبُ بِتَأْنِيثِهِ إلى تَأْنِيثِ الجمعِ. (وحاجتُهُ): قَتْلُ وَرْدِ بنِ حَابِسٍ.
41- فَشَدَّ ولم يُنْظِرْ بُيُوتاً كَثِيرةً =لَدَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّقَشْعَمِ
ُنْظِرُ): يُؤَخِّرُ.ويُرْوَى: (ولَمْ تُفْزَعْ بُيوتٌ كثيرةٌ)؛ أيْ: لم يُفْزَعْ أهلُ بيوتٍ، ثمَّ حَذَفَ.يقولُ: شَدَّ على عَدُوِّهِ وَحْدَهُ فقَتَلَهُ، ولم تَفْزَع العامَّةُ بِطَلَبٍ واحدٍ، وإنَّما قَصَدَ لِثَأْرِهِ.وقيلَ: معنى: (وَلَمْ تُفْزَعْ بيوتٌ كثيرةٌ)؛ أيْ: لم يَعْلَمُوا بهِ. قالَ أَبُو جعفرٍ: قولُهُ: (ولم يُنْظِرْ بُيُوتاً كثيرةً) معناهُ: ولم يُؤَخِّرْ أهلَ بيتِ وَرْدٍ في قتلِهِ، لكنَّهُ عَجِلَ فَقَتَلهُ.
ومَنْ رَوَى: (تُفْزَعْ بُيُوتٌ كثيرةٌ)، أرادَ أنَّهُ لم يَسْتَعِنْ عليهِ بأحدٍ. وموضِعَُيْثُ) جَرٌّ بـ(لَدَى).
و (أُمُّ قَشْعَمٍ) وقَشْعَمٌ قيلَ: هيَ المَنِيَّةُ.وقيلَ: هيَ الحربُ، ألا تَرَى إلى قولِهِ:(حيثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا)؛ أيْ: مَوْضِعَ شِدَّةِ الأمرِ؟
وقالَ أبو عُبَيْدَةَ: أُمُّ قَشْعَمٍ: العَنْكَبُوتُ. والمعنى: فشَدَّ على صاحِبِ ثَأْرِهِ بمَضْيَعَةٍ من الأرضِ. وقَشْعَمٌ فَعْلَمٌ، الميمُ زائدةٌ، هُوَ مِنْ: قَشَعَت الريحُ الترابَ فانْقَشَعَ.وأَقْشَعَ القومُ عن الشيءِ وتَقَشَّعُوا، إذا تَفَرَّقُوا عنهُ وتَرَكُوهُ.
42- لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلاحِ مُقَاذِفٍ =لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ
ويُرْوَى: (مُقَذَّفٍ)، وهوَ: الغَلِيظُ اللَّحْمِ. و(مُقَاذِفٌ): مُرَامٍ. و(اللِّبَدُ): جمعُ لِبْدَةٍ، وهيَ الشعَرُ المُتَرَاكِبُ على زُبْرَةِ الأسدِ، وهوَ ما بينَ الكَتِفَيْنِ مِن الشعَرِ، وقدْ تَلَبَّدَ عليهِ.
وقولُهُ: (أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ) معناهُ:أنَّهُ تامُّ السلاحِ حَديدُهُ، واللفظُ للأسدِ والمرادُ بهِ الجيشُ.
و(شَاكِي السِّلاحِ) معناهُ:سِلاحُهُ ذُو شَوْكَةٍ. وأَصْلُ (شَاكِي) شَائِكٌ،فقُلِبَ؛كَقَوْلِهم: جُرُفٌ هَارٍ؛ أيْ:هَائِرٌ، هذا هوَ القَلْبُ الصحيحُ عندَ البَصْرِيِّينَ. فأمَّا ما يُسَمِّيهِ الكُوفِيُّونَ القَلْبَ، نَحْوُ: جَذَبَ وجَبَذَ، فليسَ بقَلْبٍ عندَ البصريِّينَ، إنَّما هُمَا لُغَتَانِ، وليسَ بمنزلةِ: شاكٍ وشَائِكٍ. وإنَّما يَصِفُ شِدَّةَ الحربِ.
43- جَرِيءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ = سريعاً وإِلاَّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ
ويُرْوَى: (جَرِئٌ)؛ أيْ: هوَ جَرِئٌ، يعني الأسدَ، ومعناهُ: أنَّ هذا الجيشَ متىتَكُنْ لهُ تِرَةٌ في قومٍ طَلَبَها، وإنْ لم تَكُنْ لهُ تِرَةٌ وَتَرَ. و(يُظْلَمْ) مجزومٌ بالشرطِ، و(يُعَاقِبْ) جوابُهُ. و(سريعاً) يَجُوزُ أنْ يكونَ منصوباً على الحالِ، وأنْ يكونَ نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، كأنَّهُ قالَ: يُعَاقِبُ عِقَاباً سَريعاً.
وقولُهُ: (وإلاَّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ)، الأصلُ فيهِ الهمزُ، مِنْ: بدَأَ يَبْدَأُ، إلاَّ أنَّهُ لَمَّا اضْطُرَّ أَبْدَلَ من الهمزةِ أَلِفاً، ثمَّ حَذَفَ الألفَ للجزمِ، وهذا منْ أَقْبَحِ الضَّرُورَاتِ.
وحُكِيَ عنْ سِيبَوَيْهِ أنَّ أبا زَيْدٍ قالَ لهُ: مِن العربِ مَنْ يقولُ: قَرَيْتُ في: قَرَأْتُ. فقالَ سِيبَوَيْهِ: فكيفَ أَقُولُ في المستقبَلِ؟ قالَ: تقولُ: أَقْرَا. فقالَ سِيبَوَيْهِ: كانَ يَجِبُ أنْ تقولَ: أَقْرِي؛ حتَّى يكونَ مثلَ رَمَيْتُ أَرْمِي.
وإنَّما أَنْكَرَ سِيبَوَيْهِ هذا لأنَّهُ إنَّما يَجِيءُ فَعَلْتُ أَفْعَلُ إذا كانَتْ لامُ الفعلِ أوْ عَيْنُهُ منْ حروفِ الحَلْقِ، ولا يَكَادُ يكونُ هذا في الألِفِ، إلاَّ أنَّهُم قدْ حَكَوْا: أَبَى يَأْبَى، فجاءَ على فَعَلَ يَفْعَلُ.قالَ أبو إسحاقَ: قالَ إسماعيلُ بنُ إسحاقَ: إنَّما جاءَ هذا في الألفِ لِمُضَارَعَتِها حُرُوفَ الحَلْقِ، فشُبِّهَتْ بالهمزةِ، يعني: فشُبِّهَتْ بقَوْلِهم: قَرَأَ يَقْرَأُ وما أَشْبَهَهُ.
44- لَعَمْرُكَ مَا جَرَّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهُمْ = دَمَ ابْنِ نَهِيكٍ أَوْ قَتِيلِ المُثَلَّمِ
ويُرْوَى: (أَوْ دَمَ ابنِ المُهَزَّمِ). و(جَرَّتْ): جَنَتْ، مِن الجَرِيرَةِ. يقولُ: ما حَمَلُوا دَمَ ابنِ نَهِيكٍ ودمَ ابْنِ المُهَزَّمِ؛ لأنَّ رِمَاحَهم كانَتْ جَرَّتْ عليهم، ولكنَّهم تَبَرَّعُوا بذلكَ؛لِيُصْلِحَ ما بينَ عَشِيرَتِهم.
وقالَ أبو جَعْفَرٍ: المعنى: أن هؤلاءِ قُتِلُوا قبلَ هذهِ الحربِ، فلَمَّا شَمِلَتْهُم هذهِ الحربُ أَدْخَلُوا كلَّ قتيلٍ كانَ لهم في هذهِ الحربِ، فطَالَبُوا بهم حَمالاتٍ وَقَوَداً، حتَّى اصْطَلَحُوا.
45- ولا شَارَكَتْ في الحربِ في دَمِ نَوْفَلٍ = ولا وَهَبٍ فيها ولا ابنِ المُحَزَّمِ
رَوَى يَعْقُوبُ وجماعةٌ مِن الرُّوَاةِ: (المُحَزَّمِ) بالحاءِ غيرَ مُعْجَمَةٍ.ورَوَى أبو جَعْفَرٍ: (المُخَزَّمِ) بالخاءِ مُعْجَمَةً.وفاعلَُارَكَتْ) مُضْمَرٌ فيهِ مِنْ ذِكْرِ الرِّمَاحِ.ويُرْوَى: (ولا شَارَكَتْ في الموتِ).

46- فكُلاًّ أَرَاهُمْ أَصْبَحُوا يَعْقِلُونَهُ = عُلالَةَ أَلْفٍ بَعْدَ أَلْفٍ مُصَتَّمِ
َعْقِلُونَهُ)؛ أيْ: يُؤَدُّونَ عَقْلَهُ؛ أيْ: دِيَتَهُ.و(العُلالَةُ): الزيادةُ هنا، وأصلُهُ مِن العَلَلِ، وهوَ الشُّربُ الثاني، كأنَّهُ فاضِلٌ عن الشُّرْبِ الأوَّلِ.والعربُ تقولُ: عَرَضْتُ عيهِ عَرْضَ عَالَةٍ.و(فُعَالَةٌ) يكونُ للشيءِ اليَسِيرِ، نَحْوُ: القُلامَةِ، وما أَشْبَهَهَا.و(المُصَتَمُّ): التَّامُّ، ويُرْوَى: (صَحِيحاتِ أَلْفٍ).
و(كُلاًّ) منصوبٌ بإضمارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ ما بعدَهُ، كأنَّهُ قالَ: فأَرَى كُلاًّ. ويَجُوزُ الرفعُ على ألاَّ تُضْمِرَ، إلاَّ أنَّ النصبَ أَجْوَدُ؛ لِتَعْطِفَ فِعْلاً على فِعْلٍ؛ لأنَّ قَبْلَهُ: (ولا شَارَكَتْ في الحربِ)، فصارَ كقولِهِ:
أَصْبَحْتُ لا أَحْمِلُ السلاحَ ولا = أَمْلِكُ رَأْسَ البَعِيرِ إنْ نَفَرَا
والذِّئْبَ أَخْشَاهُإنْ مَرَرْتُ بِهِ =وَحْدِي وأَخْشَى الرِّيَاحَ والمَطَرَا
47- ومَنْ يَعْصِ أَطْرَافَ الزِّجَاجِ فإنَّهُ =مُطِيعُ العَوَالِي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْذَمِ
ويُرْوَى: (يُطِيعُ العَوَالِي).و(الزِّجَاجُ): جمعُ زُجٍّ، وهوَ أَسْفَلُ الرُّمْحِ. و(العَوَالِي): جمعُ عَالِيَةٍ، وهوَ أَعْلَى الرُّمْحِ.و(اللَّهْذَمُ): الحادُّ.وهذا تمثيلٌ؛ أيْ: مَنْ لا يَقْبَلُ الأمرَ الصغيرَيَضْطَرُّهُ إلى أنْ يَقْبَلَ الأمرَ الكبيرَ.وقالَ أبو عُبَيْدَةَ: معنى هذا: أنَّ مَنْ لا يَقْبَلُ الصُّلْحَ، وهوَ الزُّجُّ الذي لا يُقاتَلُ بهِ، فإنَّهُ يُطِيعُ الحَرْبَ، وهوَ السِّنَانُ الذي يُقَاتَلُ بهِ.
48- وَمَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ ومَنْ يُفْضِ قَلْبُهُ = إلى مُطْمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ
يقالُ: وَفَى، و(أَوْفَى) أَكْثَرُ.وقولُهُ: (ومَنْ يُفْضِ قَلْبُهُ)؛ أيْ: يَصِيرُ.و(مُطْمَئِنُّ البِرِّ): خالِصُهُ.و(لا يَتَجَمْجَمِ)؛ أيْ: لا يَتَرَدَّدُ في الصُّلْحِ. و(يُوفِ) مجزومٌ بالشرطِ، والجوابُ قولُهُ: (لا يُذْمَمْ). ولم تَفْصِلْ (لا) بينَ الشرطِ وجوابِهِ كما لم تَفْصِلْ بينَ النعتِ والمنعوتِ في قولِكَ: مَرَرْتُ برجلٍ لا جالسٍ ولا قائمٍ.وإنَّما خُصَّتْ (لا) بهذا؛ لأنَّها تُزادُ للتأكيدِ، كما قالَ جلَّ وعَزَّ: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} المعنى: أنْ تَسْجُدَ.
49- وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ =ولوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
ويُرْوَى:
ومَنْ يَبْغِ أَطْرَافَ الرِّمَاحِ يَنَلْنَهُ =ولوْ رَامَ أنْ يَرْقَى السماءَ بِسُلَّمِ
يقولُ: مَنْ تَعَرَّضَ للرماحِ نَالَتْهُ. و(رامَ) معناهُ: حَاوَلَ. و(الأسبابُ): النَّوَاحِي، وإنَّما عَنَى بها مَنْ يَهَابُ كَراهةَ أنْ تَنَالَهُ؛ لأنَّ المَنايَا تَنَالُ مَنْ يَهَابُها ومَنْ لا يَهَابُها.ونظيرُ هذا قولُهُ عَزَّ وجَلَّ: ُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ}، والموتُ يُلاقِي مَنْ فَرَّ ومَنْ لم يَفِرَّ.فيُقالُ: كيفَ خُوطِبُوا بهذا، وأنتَ إذا قُلْتَ: الذي يَجِيئُكَ فأَكْرِمْهُ، فإنَّما يَقَعُ الإكرامُ مِنْ أَجْلِ المجيءِ؟ والجوابُ عنْ هذا: أنَّهُ إنَّما عَنَى بهِ: مَنْ يَفِرُّ لِئَلاَّ يُلاقِيَهِ الموتُ. وهذا معنى قولِ سِيبَوَيْهِ.
50- وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ =عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُويُذْمَمِ
َكُ) مجزومٌ بالشرطِ، وحذَفَ النونَ -والأصلُ يَكُنْ- لكثرةِ الاستعمالِ، وأنَّها مُضارِعَةٌ لحروفِ المدِّ واللِّينِ؛ ألا تَرَاها تُحْذَفُ في التثنيَةِ والجمعِ، كما تُحْذَفُ حُرُوفُ المدِّ واللِّينِ، في قولِكَ: لم يَضْرِبَا، ولم يَضْرِبُوا؟ فكذلكَ حُذِفَتْ في قَوْلِهِ: (ومَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ). وقولُهُ: (فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ) معطوفٌ على (يَكُ)، والجوابُ في قَوْلِهِ: ُسْتَغْنَ عنهُ). و(يُذْمَمِ) معطوفٌ عليهِ.
51- ومَنْ لا يَزَلْ يَسْتَرْحِلُ الناسَ نَفْسَهُ = ولا يُعْفِهَا يَوْماً مِن الذُّلِّ يَنْدَمِ
ويُرْوَى: (ومَنْ لا يَزَلْ يَسْتَحْمِلُ الناسَ نَفْسَهُ).فمَنْ رَوَى: َسْتَرْحِلُ) أرادَ: يَجْعَلُ نفسَهُ كالراحِلَةِ للناسِ يَرْكَبُونَهُ ويَذُمُّونَهُ. ومَنْ رَوَاهُ: (يَسْتَحْمِلُ الناسَ) أرادَ: يَحْمِلُ الناسَ على عَيْبِهِ. قالَ المَازِنِيُّ: قالَ لي أَبُو زَيْدٍ: قَرَأْتُ هذهِ القصيدةَ على أبي عَمْرِو بنِ العلاءِ، فقالَ لي: قَرَأْتُ هذهِ القصيدةَ مُذْ خَمْسُونَ سَنَةً، فلم أَسْمَعْ هذا البيتَ إلاَّ مِنْكَ.
52- ومَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُوًّا صَدِيقَهُ =ومَنْ لا يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لا يُكَرَّمِ
َغْتَرِبُ): يَبْعُدُ عنْ قومِهِ، يُقالُ: رجلٌ غَرِيبٌ وغُرُبٌ، ورجُلٌ جانِبٌ وجَنِيبٌ، ويقالُ: غَرِيبٌ أَجْنَبِيٌّ، ومعناهُ:تَضْطَرُّهُ الحاجةُ إلى البَعِيدِ منهُ.
53- وَمَنْ لا يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ =يُهَدَّمْ ومَنْ لا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ
َذُدْ): يَدْفَعْ ويَطْرُدْ. قيلَ: المعنى: مَنْ لا يَمْنَعْ عنْ عَشِيرَتِهِ يَذِلَّ. قالَ الأَصْمَعِيُّ: مَنْ مَلأَ حَوْضَهُ، ثمَّ لم يَمْنَعْ منهُ، غُشِيَ وهُدِّمَ. وهوَ تمثيلٌ؛ أيْ: مَنْ لانَ للناسِ ظَلَمُوهُواسْتَضَامُوهُ.
54- ومَنْ لا يُصَانِعْ في أُمُورٍ كَثِيرَةٍ = يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ ويُوطَأْ بِمَنْسِمِ
ُصَانِعُ): يَتَرَفَّقُ ويُدَارِي.و(يُضَرَّسُ): يُمَضَّغُ بِضَرْسٍ. و(يُوطَأْ بمَنْسِمِ) معناهُ:يَذِلُّ.
55- ومَنْ يَجْعَل المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ = يَفِرْهُ ومَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ
َفِرْهُ)؛ أيْ: يُتِمَّهُ ولا يَنْقُصْهُ،يُقالُ: وَفَرْتُهُ أَفِرُهُ وَفَارَةً ووَفْراً وَفِرَةً.
56- سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الحَيَاةِ ومَنْ يَعِشْ =ثَمَانِينَحَوْلاً لا أَبَالَكَ يَسْأَمِ
يُقالُ: عَلَيَّ في هذا الأمرِ تَكْلِفَةٌ؛ أيْ: مَشَقَّةٌ؛ أيْ:سَئِمْتُ ما تَجِيءُ بهِ الحياةُ مِن المَشَقَّةِ، ويُقالُ: سَئِمَ سَآمَةً وسَأْمَةً، ورَؤُفَ رَآفَةً ورَأْفَةً، وكَآبةً وكَأْبَةً. واللامُ في (لا أَبَالَكَ) زائدةٌ، والتقديرُ: لا أَبَاكَ، ولَوْلا أنَّها زائدةٌلكانَ: لا أَبَ لَكَ؛ لأنَّ الألِفَ إنَّما تَثْبُتُ معَ الإضافةِ، والخبرُ محذوفٌ، والتقديرُ: لا أَبَالَكَ موجودٌ، أوْ بالحضْرَةِ.
57- رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ = تُمِتْهُ ومَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
(الخَبْطُ): ضَرْبُ اليَدَيْنِ والرجليْنِ، وإنَّما يُرِيدُ أنَّ المَنايا تَأْتِي على غيرِ قَصْدٍ. وليسَ كما قالَ؛ لأنَّها تأتي بقَضَاءٍ وقَدَرٍ. ويُقَالُ: (عَشَا) يَعْشُو، إذا أَتَى على غَيْرِ قَصْدٍ، كأنَّهُ يَمْشِي مِشْيَةَ الأَعْشَى.
58- ومَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ = ولوْ خَالَهَا تَخْفَى على الناسِ تُعْلَمِ
(الخَلِيقَةُ) والطبيعةُ واحدٌ.قالَ الخَلِيلُ: مَهْمَا أصلُهُ مَامَا، و(مَا) الأُولَى للشرطِ، والثانيَةُ للتوكيدِ، فاسْتَقْبَحُوا الجمْعَ بينَهما، ولفظُهما واحدٌ، فأَبْدَلُوا مِن الألفِ هاءً.
59- وأَعْلَمُ مَا في اليومِ والأمسِ قَبْلَهُ = ولَكِنَّنِي عنْ عِلْمِ ما في غَدٍ عَمِي
أيْ: أَعْلَمُ ما مَضَى في أمسِ، وما أنا فيهِ اليومَ؛ لأنَّهُ شيءٌ قدْ رَأَيْتُهُ، فأمَّا ما في غَدٍ فلا عِلْمَ لي بهِ؛ لأَنِّي لم أَرَهُ.

  #5  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 01:34 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح القصائد السبع للقاضي: الحسين بن أحمد الزوزني

زهير بن أبي سلمى
هو (زهير بن أبي سلمى) واسم أبي سلمى (ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن) وينتهي نسبه إلى (مضر بن نزار بن معد بن عدنان)
وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء وإنما اختلفوا في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه، وأما الثلاثة فلا اختلاف فيهم، وهم (امرؤ القيس) و(زهير) و(النابغة الذبياني).
وكان من حديث (زهير) وأهل بيته أنهم كانوا من (مزينة) إحدى قبائل مضر. وكان يقيم هو وأبوه وولده في منازل بني (عبد الله بن غطفان) بالحاجز من (نجد) ولذلك كان يذكر في شعره بني (مرة وغطفان) ويمدحهم.
نشأ (زهير) فيهم وهناك قال قصيدته المعلقة يذكر فيها قتل (ورد بن حابس) العبسي (هرم بن ضمضم) المري، ويمدح فيها (هرم بن سنان بن أبي حارثة) و(الحارث بن عوف) و(سعد بن ذبيان) المريين لأنهما احتملا ديته من مالهما.
وكان (زهير) بعد ذلك يكثر من مدح (هرم) وأبيه (سنان) وله فيهما قصائد غر. فحلف (هرم) أن لا يمدحه إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه ولا يسلم عليه إلا أعطاه عبدا أو وليدة أو فرسا. فاستحيا (زهير) من كثرة بذله له على كل حال. وجعل يتجنب مقابلته.
وكان إذا رآه في محفل قال: (عموا صباحا غير (هرم) وخيركم استثنيت).
كان (زهير) قد رأى في منامه في آخر عمره أن آتيا أتاه فحمله إلى السماء حتى كاد يمسها بيده، ثم تركه فهوى إلى الأرض، فلما احتضر قص رؤياه على ولده (كعب) ثم قال: (إني لا أشك أنه كائن من خبر السماء بعدي، فإن كان فتمسكوا به وسارعوا إليه) ثم توفي قبل مبعث النبي عليه الصلاة السلام بسنة.
وكانت وفاته سنة (631) لميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام.
امتاز (زهير) بما نظمه من منثور الحكمة البالغة، وكثرة الأمثال وسني المدح، وتجنب وحشي الكلام وعدم مدح أحد إلا بما فيه، وقد كان أحسن الشعراء شعرا، وأبعدهم عن سخف الكلام، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من اللفظ.
وكان لزهير أخلاق عالية، ونفس كبيرة، مع سعة صدر وحلم وورع، فرفع القوم منزلته وجعلوه سيدا، وكثر ماله واتسعت ثروته. وكان مع ذلك عريقا في الشعر.
وكان لشعره تأثير كثير في نفوس العرب. وهو واسطة عقد الفحول من شعراء الطبقة الأولى.
وكان (زهير) شديد العناية بتنقيح شعره، حتى ضرب به المثل، وسميت قصائده بالحوليات، نسبة إلى الحول؛ أي: السنة، وذلك لأنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، ويهذبها بنفسه في أربعة اشهر، ويعرضها على أصحابه الشعراء في أربعة أشهر، فلا يشهرها حتى يأتي عليها حول كامل.
معلقة (زهير) أشعر شعره. وقد جمعت ما أشبه كلام الأنبياء، وحكمة الحكماء، ففيها الحكمة البالغة، والموعظة الحسنة، والأخلاق الفاضلة، والمعاني العالية، والأغراض النبيلة، أضف إلى ذلك ما حوته من الأساليب البليغة، والكلام الجزل.
وقد أنشأها يمدح بها (الحارث بن عوف) و(هرم بن سنان) المريين، ويذكر سعيهما بالصلح بين (عبس وذبيان) وتحملها ديته من مالهما.

معلقة زهير
1 - أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحومانة الدراج فالمتثلم
الدمنة: ما اسود من آثار الدار بالبعر، والرماد وغيرهما، والجمع الدمن، والدمنة الحقد، والدمنة السرجين. وهي في البيت بمعنى الأول. حومانة الدراج والمتثلم: موضعان. وقوله: أمن أم أوفى يعني أمن منازل الحبيبة المكناة بأم أوفى دمة لا تجيب؟ وقوله: لم تكلم، جزم بلم ثم حرك الميم بالكسر لأن الساكن إذا حرك كان الأحرى تحريكه بالكسر. ولم يكن بد ههنا من تحريكه ليستقيم الوزن ويثبت السجع، ثم أشبعت الكسرة بالإطلاق لأن القصيدة مطلقة القوافي.
يقول: أمن منازل الحبيبة المكناة بأم أوفى دمنة لا تجيب سؤالها بهذين الموضعين. أخرج الكلام في معرض الشك ليدل بذلك على أنه لبعد عهده بالدمنة وفرط تغيرها لم يعرفها معرفة قطع وتحقيق.
2 - ودار لها بالرقمتين كأنها مراجيع وشم في نواشر معصم
الرقمتان: حرتان إحداهما قريبة من البصرة والأخرى قريبة من المدينة. المراجيع: جمع المرجوع، من قولهم: رجعه رجعا، أراد الوشم المجدد والمردد. نواشر المعصم: عروقه، الواحد: ناشر، وقيل ناشرة. والمعصم: موضع السوار من اليد، والجمع المعاصم.
يقول: أمن منازلها دار بالرقمتين؟ يريد أنها تحل الموضعين عند لانتجاع ولم يرد أنها تسكنهما جميعا لأن بينهما مسافة بعيدة ثم شبه رسوم دارها بهما بوشم في المعصم قد ردد وجدد بعد انمحائه شبه رسوم الدار عد تجديد السيول إياها بكشف التراب عنها بتجديد الوشم.
وتلخيص المعنى: أنه أخرج الكلام في معرض الشك في هذه الدار أهي لها أم لا.
ثم شبه رسومها بالوشم المجدد في المعصم، وقوله: ودار لها بالرقمتين، يريد: وداران لها بهما، فاجتزأ بالواحد عن التثنية لزوال اللبس إذ لا ريب في أن الدار الواحدة لا تكون قريبة من البصرة والمدينة، وقوله: كأنها، أراد كأن رسومها وأطلالها فحذف المضاف.
3 - بها العين والأرآم يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
قوله: بها العين، أي البقر العين، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه، والعين: الواسعات العيون، والعين سعة العين. الأرآم: جمع رئم وهو الظبي الأبيض خالص البياض، وقوله: خلفة؛ أي: يخلف بعضها بعضا إذا مضى قطيع منها جاء قطيع آخر، ومنه قوله تعالى {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} يريد أن كلا منهما يخالف صاحبه فإذا ذهب النهار جاء الليل وإذا ذهب الليل جاء النهار.
الأطلاء: جمع الطلا وهو ولد الظبية والبقرة الوحشية، ويستعار لولد الإنسان ويكون هذا الاسم للولد من حين يولد إلى شهر أو أكثر منه.
الجثوم: للناس والطير والوحوش بمنزلة البروك للبعير والفعل جثم يجثم والمجثم موضع الجثوم، والمجثم الجثوم، فالمفعل من باب فعل يفعل، إذا كان مفتوح العين كان مصدرا وإذا كان مكسور العين كان موضعا، نحو: المضرب بالفتح والمضرب بالكسر.
يقول: بهذه الدار بقر وحش واسعات العيون وظباء بيض يمشين بها خالفات بعضها بعضا، وتنهض أولادها من مرابضها لترضعها أمهاتها.
4 - وقفت بها من بعد عشرين حجة فلأيا عرفت الدار بعد توهم
الحجة: السنة، والجمع الحجج. اللأي: الجهد والمشقة.
يقول: وقفت بدار أم أوفى بعد مضي عشرين سنة من بينها، وعرفت دارها بعد التوهم بمقاساة جهد ومعاناة مشقة، يريد أنه لم يثبتها إلا بعد جهد ومشقة لبعد العهد بها ودروس أعلامها.
5 -أثافي سفعا في معرس مرجل ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
الأثفية والإثفية: جمعها الأثافي والأثافي بتثقيل الياء وتخفيفها، وهي حجارة توضع القدر عليها، ثم إن كانت من الحديد سمي منصبا، والجمع المناصب، ولا يسمى أثفية. السفع: السود، والأسفع مثل الأسود والسفاع مثل السواد. المعرس: أصله المنزل، من التعريس وهو النزول في وقت السحر، ثم استعير للمكان الذي تنصب فيه القدر، المرجل: القدر عند (ثعلب) من أي صنف من الجواهر كانت النؤي نهير يحفر حول البيت ليجري فيه الماء الذي ينصب من البيت عند المطر، ولا يدخل البيت، والجمع الآناء والنئي الجذم: الأصل، ويروى: كحوض الجد، والجد: البئر القريبة من الكلإ وقيل بل هي البئر القديمة.
يقول: عرفت حجارة سودا تنصب عليها القدر، وعرفت نهيرا كان حول بيت أم أوفي بقي غير متثلم كأنه أصل حوض، نصب أثافي على البدل من الدار في قوله: عرفت الدار، يريد أن هذه الأشياء دلته على أنها دار أم أوفى.
6 - فلما عرفت الدار قلت لربعها: إلا انعم صباحا أيها الربع واسلم
كانت العرب تقول في تحيتها: انعم صباحا أي نعمت صباحا، أي طاب عيشك في صباحك، من النعمة وهي طيب العيش، وخص الصباح بهذا الدعاء لأن الغارات والكرائه تقع صباحا، وفيها أربع لغات: انعم صباحا، بفتح العين، من نعم ينعم مثل علم يعلم.
والثانية: انعم، بكسر العين، من نعم ينعم، مثل حسب يحسب، ولم يأت على فعل يفعل من الصحيح غيرهما، وقد ذكر سيبويه أن بعض العرب أنشده قول امرئ القيس: [الطويل]
إلا انعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي؟
بكسر العين من ينعم. والثالثة عم صباحا من وعم يعم مثل وضع يضع، والرابعة عم صباحا ومن وعم يعم مثل وعد يعد.
يقول: وقفت بدار أم أوفى فقلت لدارها محييا إياها وداعيا لها: طاب عيشك في صباحك وسلمت.
7- تبصر خليلي هل ترى من ظعائن تحملن بالعلياء من فوق جرثم
الظعائن: جمع ظعينة، لأنها تظعن من زوجها، من الظعن والظعن وهو الارتحال بالعلياء أي بالأرض العلياء أي: المرتفعة، جرثم: ماء بعينه.
يقول: فقلت لخليلي: انظر يا خليلي هل ترى بالأرض العالية من فوق هذا الماء نساء في هوادج على إبل؟ يريد أن الوجد برح به والصبابة ألحت عليه حتى ظن المحال لفرط ولهه، لأن كونهن بحيث يراهن خليله بعد مضي عشرين سنة محال. التبصر: النظر. التحمل: الترحل.
8 - جعلن القنان عن يمين وحزنه وكم بالقنان من محل ومحرم
القنان: جبل لبني أسد. عن يمين: يريد الظعائن. الحزن: ما غلظ من الأرض وكان مستوياً والحزن ما غلظ من الأرض وكان مرتفعا. من محل ومحرم، يقال: حل الرجل من إحرامه وأحل.
وقال الأصمعي: من محل ومحرم، يريد من له حرمة ومن لا حرمة له، وقال غيره: ويريد دخل في أشهر الحل ودخل في أشهر الحرم.
يقول: مررت بهم أشهر الحل وأشهر الحرم.
9 - علون بأنماط عتاق وكلة وراد حواشيها مشاكهة الدم
الباء في قوله علون بأنماط للتعدية، ويروى: وعالين أنماطا، ويروى: وأعلين، وهما بمعنى واحد، والمعالاة قد تكون بمعنى الإعلاء ومنه قول الشاعر: [الرجز]
عاليت أنساعي وجلب الكور على سراة رائح ممطور
أنماط: جمع نمط وهو ما يبسط من صنوف الثياب. العتاق: الكرام، الواحد عتيق. الكلة: الستر الرقيق، والجمع الكلل. الوراد: جمع ورد وهو الأحمر والذي يضرب لونه إلى الحمرة المشاكهة: المشابهة، ويروى وراد الحواشي لونها لون عندم. العندم: البقم، والعندم: دم الأخوين.
يقول: وأعلين أنماطا كراما ذات أخطار أو ستراً رقيقا, أي ألقينها على الهوادج وغشينها بها, ثم وصف تلك الثياب بأنها حمر الحواشي يشبه ألوانها الدم في شدة الحمرة أو البقم أو دم الأخوين.
10 - ووركن في السوبان يعلون متنه عليهن دل الناعم المتنعم
السوبان: الأرض المرتفعة اسم علم لها. التوريك: ركوب أوراك الدواب الدل والدلال والدالة واحد، وقد أدلت المرأة وتدللت النعمة: طيب العيش. والتنعم: تكلف النعمة.
يقول: وركبت هؤلاء النسوة أوراك ركابهن في حال علوهن متن السوبان، وعليهن دلال الإنسان الطيب العيش الذي يتكلف ذلك.
11 - بكرن بكورا واستحرن بسحرة فهن ووادي الرس كاليد للفم
بكر وابتكر وبكر وأبكر: سارة بكرة. استحر: سار سحرا، سحرة: اسم للسحر، ولا تصرف سحرة وسحر إذا عنيتهما من يومك الذي أنت فيه، وإن عنيت سحرا من الأسحار صرفتهما، وادي الرس: واد بعينه.
يقول: ابتدأن السير وسرن سحرا وهن قاصدات لوادي الرس لا يخطئنه كاليد القاصدة للفم لا تخطئه.
12 - وفيهن ملهى للطيف ومنظر أنيق لعين الناظر المتوسم
الملهى: اللهو وموضعه. اللطيف: المتأنق الحسن المنظر. الأنيق: المعجب فعيل بمعنى المفعل كالحكيم بمعنى المحكم، والسميع بمعنى المسمع، والأليم بمعنى المؤلم، ومنه قوله عز وجل: {عذاب أليم}.ومنه قول ابن معد يكرب: [الوافر]
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع
أي: المسمع. والإيناق: الإعجاب. التوسم: التفرس. ومنه قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}.وأصله من الوسام والوسامة، وهما الحسن كأن التوسم تتبع محاسن الشيء، وقد يكون من الوسم فيكون تتبع علامات الشيء وسماته.
يقول: وفي هؤلاء النسوان لهو أو موضع لهو للمتأنق الحسن المنظر ومناظر معجبة لعين الناظر المتتبع محاسنهن وسمات جمالهن.
13 - كأن فتات العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم
الفتات: اسم لما انفت من الشيء أي تقطع وتفرق، وأصله من الفت وهو التقطيع والتفريق، والفعل منه فت يفت، والمبالغة التفتيت، والمطاوع الانفتات والتفتت. الفنا: عنب الثعلب. التحطم: التكسر. والحطم: الكسر. العهن. الصوف المصبوغ والجمع العهون.
يقول: كأن قطع الصوف المصبوغ الذي زينت به الهوادج في كل منزل نزلته هؤلاء النسوة حب عنب ثعلب في حال كونه غير محطم، لأنه إذا حطم زايله لونه، شبه الصوف الأحمر بحب عنب الثعلب قبل حطمه.
14 - فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم
الزرقة: شدة الصفاء، ونصل أزرق وماء أزرق إذا اشتد صفاؤهما، والجمع زرق، ومنه زرقة العين. الجمام: جمع جم الماء وجمته وهو ما اجتمع منه في البئر والحوض أو غيرهما. وضع العصي: كناية عن الإقامة، لأن المسافرين إذا أقاموا وضعوا عصيهم. التخيم: ابتناء الخيمة.
يقول: فلما وردت هؤلاء الظعائن الماء وقد اشتد صفاء ما جمع منه في الآبار والحياض، عزمن على الإقامة كالحاضر المبتني الخيمة.
15 - ظهرن من السوبان ثم جزعنه على كل قيني قشيب ومفأم
الجزع: قطع الوادي، والفعل جزع يجزع، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
وآخر منهم جازع نجد كبكب
أي قاطع. القين: كل صانع عند العرب، فالحداد قين، والجزار قين، فالقين هنا الرحال، وجمع القين قيون مثل بيت وبيوت، وأصل القين الإصلاح، والفعل منه قان يقين، ثم وضع المصدر موضع اسم الفاعل وجعل كل صانع قينا لأنه مصلح ومنه قول الشاعر [الطويل]
ولي كبد مجروحة قد بدا بها صدوع الهوى لو أن قينا يقينها
أي لو أن مصلحا يصلحها. ويروى: على كل حيري، منسوب إلى الحيرة، وهي بلدة، القشيب: الجديد، المفأم: الموسع.
يقول: علون من وادي السوبان ثم قطعنه مرة أخرى لأنه اعترض لهن في طريقهن مرتين وهن على كل رحل حيري أو قيني جديد موسع.
16 - فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم
يقول: حلفت بالكعبة التي طاف حولها من بناها من القبيلتين. جرهم: قبيلة قديمة تزوج فيهم إسماعيل عليه السلام فغلبوا على الكعبة والحرم بعد وفاته عليه السلام، وضعف أمر أولاده، ثم استولى عليها بعد جرهم خزاعة إلى أن عادت إلى قريش، وقريش اسم لولد النضر بن كنانة.
17 - يمينا لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم
السحيل: المفتول على قوة واحدة، المبرم: المفتول على قوتين أو أكثر، ثم يستعار السحيل للضعيف والمبرم للقوي.
يقول: حلفت يمينا، أي حلفت حلفا، نعم السيدان وجدتما على كل حال ضعيفة وحال قوية، لقد وجدتما كاملين مستوفيين لخلال الشرف في حال يحتاج فيها إلى ممارسة الشدائد وحال يفتقر فيها إلى معاناة النوائب، وأراد بالسيدين هرم بن سنان والحارث بن عوف، مدحهما لإتمامهما الصلح بين عبس وذبيان وتحملهماأعباء ديات القتلى.
18 - تداركتما عبسا وذبيان بعد ما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
التدارك: التلافي، أي تداركتما أمرهما. التفاني: التشارك في الفناء منشم، قيل فيه: إنه اسم امرأة عطارة اشترى قوم منها جفنة من العطر وتعاقدوا وتحالفوا وجعلوا آية الحلف غمسهم الأيدي في ذلك العطر، فقاتلوا العدو الذي تحالفوا على قتاله فقتلوا عن آخرهم فتطير العرب بعطر منشم وسار المثل به، وقيل: بل كان عطارا يشترى منه ما يحنط به الموتى فسار المثل بعطره.
يقول: تلافيتما أمر هاتين القبيلتين بعدما أفنى القتال رجالهما وبعد دقهم عطر هذه المرأة، أي بعد إتيان القتال على آخرهم كما أتى على آخر المتعطرين بعطر منشم.
19- وقد قلتما: إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من القول نسلم
السلم: الصلح، يذكر ويؤنث.
يقول: وقد قلتما: إن أدركنا الصلح واسعا، أي إن اتفق لنا إتمام الصلح بين القبيلتين ببذل المال وإسداء معروف من الخير سلمنا من تفاني العشائر.
20 - فأصبحتما منها على خير موطن بعيدين فيها من عقوق ومأثم
العقوق: العصيان، ومنه قوله عليه السلام: ((لا يدخل الجنة عاق لأبويه)) المأثم: الإثم، يقال: أثم الرجل يأثم إذا أقدم على إثم، وأثّّمه الله يؤثمه إثاما وإثما إذا جازاه بإثمه، وآثمه إيثاما صيره ذا إثم، وتأثم الرجل تأثما إذا تجنب الإثم، مثل تحرج وتحنث وتحوب إذا تجنب الحرج والحنث والحوب.
يقول: فأصبحتما على خير موطن من الصلح بعيدين في إتمامه من عقوق الأقارب والإثم، بقطيعة الرحم.
وتلخيص المعنى: إنكما طلبتما الصلح بين العشائر ببذل الأعلاق وظفرتما به وبعدتما عن قطيعة الرحم. والضمير في منها يعود إلى السلم، يذكر ويؤنث.
21 - عظيمين في عليا معد هديتما ومن يستبح كنزا من المجد يعظم
العليا: تأنيث الأعلى، وجمعها العليات والعلى مثل الكبرى في تأنيث الأكبر والكبريات والكبر في جمعها وكذلك قياس الباب. وقوله: هديتما، دعاء لهما. الاستباحة: وجود الشيء مباحا، وجعل الشيء مباحا، والاستباحة الاستئصال. ويروى يعظم من الإعظام بمعنى التعظيم، ونصب عظيمين على الحال.
يقول: ظفرتما بالصلح في حال عظمتكما في الرتبة العليا من شرف معد وحسبها ثم دعا لهما فقال: هديتما إلى طريق الصلاح والنجاح والفلاح، ثم قال: ومن وجد كنزا من المجد مباحا واستأصله عظم أمره أو عظم فيما بين الكرام.
22 - تعفى الكلوم بالمعين فأصبحت ينجمها من ليس فيها بمجرم
الكلوم والكلام: جمع كلم وهو الجرح، وقد يكون مصدرا كالجرح، التعفية: التمحية، من قولهم: عفا الشيء يعفو إذا أنمحى ودرس، وعفاه غيره يعفيه وعفاه أيضا عفوا، ينجمها أي يعطيها نجوما، يقول: تمحى وتزال الجراح بالمئين من الإبل، فأصبحت الإبل يعطيها نجوما من هو بريء الساحة بعيد عن الجرم في هذه الحروب، يريد أنهما بمعزل عن إراقة الدماء وقد ضمنا إعطاء الديات ووفيا به وأخرجاها نجوما، وكذلك تعطى الديات.
23 - ينجما قوم لقوم غرامة ولم يهريقوا بينهم ملء محجم
أراق الماء والدم يريقه وهراقه يهريقه وأهراقه يهريقه لغات، والأصل اللغة الأولى. والهاء في الثانية بدل من الهمزة في الأولى، وجمع في الثالثة بين البدل والمبدل توهما أن همزة أفعل لم تلحقه بعد. المحجم: آلة الحجام، والجمع المحاجم.
يقول: ينجم الإبل قوم غرامة لقوم، أي ينجمها هذان السيدان غرامة للقتلى، لأن الديات تلزمهم دونهما، ثم قال: وهؤلاء الذين ينجمون الديات لم يريقوا مقدار ما يملأ محجما من الدماء، والملء مصدر ملأت الشيء، والملء مقدار الشيء الذي يملأ الإناء وغيره، وجمعه أملاء يقال: أعطني ملء القدح وملئيه وثلاثة أملائه.
24 - فأصبح يجري فيهم من تلادكم مغانم شتى من إفال مزنم
التلاد والتليد: المال القديم الموروث، المغانم: جمع المغنم وهو الغنيمة شتى أي متفرقة، الإفال: جمع أفيل وهو الصغير السن من الإبل المزنم المعلم بزنمة.
يقول: فأصبح يجري في أولياء المقتولين من نفائس أموالكم القديمة الموروثة غنائم متفرقة من إبل صغار معلمة، وخص الصغار لأن الديات تعطى من بنات اللبون والحقاق والأجذاع ولم يقل المزنمة وإن كان صفة الإفال حملا على اللفظ لأن فعالا من الأبنية التي اشترك فيها الآحاد والجموع وكل بناء انخرط في هذا السلك ساغ تذكيره حملا على اللفظ.
25 - ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
الأحلاف والحلفاء: الجيران، جمع حليف على أحلاف كما جمع نجيب على أنجاب وشريف على أشراف، وشهيد على أشهاد، أنشد يعقوب: [الرجز]
قد أغتدي لفتية أنجاب وجهمه الليل إلى ذهاب
أقسم أي حلف، وتقاسم القوم أي تحالفوا والقسم الحلف، والجمع الأقسام وكذلك القسيمة، هل أقسمتم أي قد أقسمتم ومنه قوله تعالى {هل أتى على الإنسان} أي قد أتى، وأنشد سيبويه [البسيط]
سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم
أي قد رأونا لأن حرف الاستفهام لا يلحق حرف الاستفهام.
يقول: أبلغ ذبيان وحلفاءها وقل لهم قد حلفتم على إبرام حبل الصلح كل حلف فتحرجوا من الحنث وتجنبوا.
26 - فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يقول: لا تخفوا من الله ما تضمرون من الغدر ونقض العهد ليخفى على الله، ومهما يكتم من شيء يعلمه الله، يريد أن الله عالم بالخفيات والسرائر ولا يخفى عليه شيء من ضمائر العباد، فلا تضمروا الغدر ونقض العهد فإنكم إن أضمرتموه علمه الله، وقوله: يكتم الله، أي يكتم من الله.
27 - يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينقم
أي يؤخر عقابه ويرقم في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل العقاب في الدنيا قبل المصير إلى الآخرة فينتقم من صاحبه، يريد لا مخلص من عقاب الذنب آجلا أو عاجلا.
28 - وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم
الذوق: التجربة. الحديث المرجم: الذي يرجم فيه بالظنون أي يحكم فيه بظنونها.
يقول: ليست الحرب إلا ما عهدتموها وجربتموها ومارستم كراهتها وما هذا الذي أقول بحديث مرجم عن الحرب، أي هذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون.
29 - متى تبعثوها تبعثوها ذميمة وتضر إذا ضريتموها فتضرم
الضرى: شدة الحرب واستعار نارها، وكذلك الضراوة، والفعل ضري يضرى، والإضراء والتضرية الحمل على الضراوة ضرمت النار تضرم ضرما واضطرمت وتضرمت: التهبت، وأضرمتها وضرمتها: ألهبتها.
يقول: متى تبعثوا الحرب تبعثوها مذمومة أي تذمون على إثارتها، ويشتد ضرمها إذا حملتموها على شدة الضرى فتلتهب نيرانها.
وتلخيص المعنى: إنكم إذا أوقدتم نار الحرب ذممتم، ومتى أثرتموها ثارت وهيجتموها هاجت. يحثهم على التمسك بالصلح ويعلمهم سوء عاقبة إيقاد نار الحرب.
30 - فتعرككم عرك الرحى بثفالها وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم
ثفال الرحى: خرقة أو جلدة تبسط تحتها ليقع عليها الطحين. والباء في قوله بثفالها بمعنى مع. اللقح واللقاح: حمل الولد، يقال: لقحت الناقة، والإلقاح جعلها كذلك. الكشاف: أن تقلح النعجة في السنة مرتين. أنتجت الناقة إنتاجا: إذا ولدت عندي، ونتجت الناقة تنتج نتاجا. الإتآم: أن تلد الأنثى توأمين، وامرأة – متآم إذا كان ذلك دأبها، والتوأم يجمع على التؤام ومنه قول الشاعر: [الرجز]
قالت لنا ودمعها تؤام كالدر إذ أسلمه النظام
يقول: وتعرككم الحرب عرك الرحى الحب مع ثفاله، وخص تلك الحالة لأنه لا يبسط إلا عند الطحن، ثم قال: وتلقح الحرب في السنة مرتين وتلد توأمين، جعل إفناء الحرب إياهم بمنزلة طحن الرحى الحب، وجعل صنوف الشر تتولد من تلك الحروب بمنزلة الأولاد الناشئة من الأمهات، وبالغ في وصفها باستتباع الشر شيئين: أحدهما جعله إياها لاقحة كشافا، والآخر إتآمها.
31 - فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
الشؤم: ضد اليمن، ورجل مشؤوم ورجال مشائيم كما يقال رجل ميمون ورجال ميامين. والأشأم أفعل من الشؤم وهو مبالغة المشؤوم وكذلك الأيمن مبالغة الميمون، وجمعه الأشائم، وأراد بأحمر عاد أحمر ثمود وهو عاقر الناقة واسمه قدار بن سالف.
يقول: فتولد لكم أبناء في أثناء تلك الحروب كل واحد منهم يضاهي في الشؤم عاقر الناقة ثم ترضعه الحروب وتفطمهم، أي تكون ولادتهم ونشوؤهم في الحروب فيصبحون مشائيم على آبائهم.
32 - فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها قرى بالعراق من قفيز ودرهم
أغلت الأرض تغل إذا كانت لها غلة، أظهر تضعيف المضاعف في محل الجزم والبناء على الوقف، يتهكم ويهزأ بهم.
يقول: فتغل لكم الحروب حينئذ ضروبا من الغلات لا تكون تلك الغلات لقرى من العراق التي تغل الدراهم بالقفيزات، وتلخيص المعنى أن المضار المتولدة من هذه الحروب تربي على المنافع المتولدة من هذه القرى، كل هذا حث منه إياهم على الاعتصام بحبل الصلح، وزجر عن الغدر بإيقاد نار الحرب.
33 - لعمري لنعم الحي جر عليهم بما لا يؤاتيهم حصين بن ضمضم
جر عليهم: جنى عليهم، والجريرة الجناية، والجمع الجرائر. يؤاتيهم: يوافقهم وهذه المؤاتاة قتل ورد بن حابس العبسي هرم بن ضمضم قبل هذا الصلح، فلما اصطلحت القبيلتان عبس وذبيان استتر وتوارى حصين بن ضمضم لئلا يطالب بالدخول في الصلح، وكان ينتهز الفرصة حتى ظفر برجل من عبس بواء بأخيه فشد عليه فقتله فركبت عبس فاستقر الأمر بين القبيلتين على عقل القتيل.
يقول: أقسم بحياتي لنعمت القبيلة جنى عليهم حصين بن ضمضم، وإن لم يوافقوه في إضمار الغدر ونقض العهد.
34 - وكان طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم
الكشح: منقطع الأضلاع، والجمع كشوح، والكاشح المضمر العداوة في كشحه، وقيل بل هو من قولهم: كشح يكشح كشحا إذا أدبر وولى، وإنما سمي العدو كاشحا لإعراضه عن الود والوفاق، ويقال: طوى كشحه على كذا أي أضمر في صدره الاستكنان: طلب الكن، والاستكنان الاستتار وهو في البيت على المعنى الثاني. فلا هو أبداها أي فلم يبدها. ويكون لا مع الفعل الماضي بمنزلة لم مع الفعل المستقبل في المعنى، كقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى}.أي: فلم يصدق ولم يصل، وقوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة}.أي: لم يقتحمها وقال أمية بن أبي الصلت: [الرجز]
إن تغفر اللهم فاغفر جما وأي عبد لك لا ألما
أي لم يلم بالذنب. وقال الراجز:
وأي أمر سيء لا فعله.
أي لم يفعله
يقول: وكان حصين أضمر في صدره حقدا وطوى كشحه على نية مستترة فيه ولم يظهرها لأحد ولم يتقدم عليها قبل إمكانه الفرصة.
يقول: لم يتقدم لما أخفى فيعجل به، ولكن أخره حتى يمكنه.
35 - وقال سأقضي حاجتي ثم أتقي عدوي بألف من ورائي ملجم
يقول: وقال حصين في نفسه: سأقضي حاجتي من قتل قاتل أخي أو قتل كفؤ له، ثم أجعل بيني وبين عدوي ألف فارس ملجم فرسه أو ألفا من الخيل ملجما.

  #6  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 01:36 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع) شرح القصائد السبع للقاضي: الحسين بن أحمد الزوزني

36 - فشد فلم يفزع بيوتا كثيرة لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم
الشدة: الحملة، وقد شد عليه يشد شدا، الإفزاع: الإخافة، أم قشعم: كنية المنية.
يقول: فحمل حصين على الرجل الذي رام أن يقتله بأخيه ولم يفزع بيوتا كثيرة أي لم يتعرض لغيره عند ملقى رحل المنية، وملقى الرحل: المنزل لأن المسافر يلقى به رحله، أراد عند منزل المنية. وجعله منزل المنية لحلولها ثم بمن قتله حصين
37 - لدى أسد شاكي السلاح مقذف له لبد أظفاره لم تقلم
شاكي السلاح وشائك السلاح وشاك السلاح أي تام السلاح، كله من الشوكة وهي العدة والقوة، مقذف أي يقذف به كثيرا إلى الوقائع والتقذيف مبالغة القذف، اللبد: جمع لبدة الأسد وهي ما تلبد من شعره على منكبيه.
يقول: عند أسد تام السلاح يصلح لأن يرمى به إلى الحروب والوقائع يشبه أسدا له لبدتان لم تقلم براثنه، يريد أنه لا يعتريه ضعف ولا يعيبه عدم شوكة كما أن الأسد لا يقلم براثنه، والبيت كله من صفة حصين.
38 - جريء متى يظلم يعاقب بظلمه سريعا وإلا يبد بالظلم يظلم
الجرأة والجراءة: الشجاعة، والفعل جرؤ يجرؤ وقد جرأته عليه. بدأت بالشيء أبدأ به مهموز فقلبت الهمزة ألفا ثم حذفت للجازم.
يقول: وهو شجاع متى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعا وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهارا لغنائه وحسن بلائه، والبيت من صفة أسد في البيت الذي قبله وعنى به حصينا ثم أضرب عن قصته ورجع إلى تقبيح صورة الحرب والحث على الاعتصام بالصلح.
39 - رعوا ظمأهم حتى إذا تم أوردوا غمارا تفرى بالسلاح وبالدم
الرعي يقتصر على مفعول واحد: رعت الماشية الكلأ، وقد يتعدى إلى مفعولين نحو: رعيت الماشية الكلأ ورعى الكلأ نفسه. الظمء: ما بين الوردين والجمع الأظماء. الغمار: جمع غمر وهو الماء الكثير. التفري: التشقق.
يقول: رعوا إبلهم الكلأ حتى إذا تم الظمء أوردوها مياها كثيرة، وهذا كله استعارة والمعنى أنهم كفوا عن القتال وأقلعوا عن النزال مدة معلومة كما ترعى الإبل مدة معلومة ثم عاودوا الوقائع كما تورد الإبل بعد الرعي، فالحروب بمنزلة الغمار ولكنها تنشق عنهم باستعمال السلاح وسفك الدماء.
40 - فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا إلى كلإ مستوبل متوخم
قضيت الشيء وقضيته: أحكمته وأتممته، أصدرت: ضد أوردت استوبلت الشيء: وجدته وبيلا، واستوخمته وتوخمته، وجدته وخيما: والوبيل والوخيم: الذي لا يستمرأ.
يقول: فأحكموا وتمموا منايا بينهم، أي قتل كل واحد من الحيين صنفا من الآخر، فكأنهم تمموا منايا قتلاهم ثم أصدروا إبلهم إلى كلإ وبيل وخيم، أي ثم أقلعوا عن القتال والقراع واشتغلوا بالاستعداد له ثانيا كما تصدر الإبل فترعى إلى أن تورد ثانيا، وجعل اعتزامهم على الحرب ثانية والاستعداد لها بمنزلة كلإ وبيل وخيم، جعل استعدادهم للحرب أولا وخوضهم غمراتها وإقلاعهم عنها زمانا وخوضهم إياها ثانية بمنزلة رعي الإبل أولا وإيرادها وإصدارها ورعيها ثانيا، وشبه تلك الحال بهذه الحال، ثم أضرب عن هذا الكلام وعاد إلى مدح الذين يعقلون القتلى ويدونها.
41 - لعمرك ما جرت عليهم رماحهم دم ابن نهيك أو قتيل المثلم
يقول: أقسم ببقائك وحياتك أن رماحهم لم تجن عليهم دماء هؤلاء المسمين أي لم يسفكوها ولم يشاركوا قاتليهم في سفك دمائهم، والتأنيث في شاركت للرماح يبين براءة ذممهم عن سفك دمهم ليكون ذلك أبلغ في مدحهم بعقلهم القتلى.
42 - ولا شاركت في الموت في دم نوفل ولا وهب منها ولا ابن المخزم
مضى شرح هذا البيت في أثناء شرح البيت الذي قبله.
43 - فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه صحيحات مال طالعات بمخرم
عقلت القتيل: وديته، وعقلت عن الرجل أعقل عنه أديت عنه الدية التي لزمته، وسميت الدية عقلا لأنها تعقل الدم عن السفك أي تحقنه وتحبسه، وقيل بل سميت عقلا لأن الوادي كان يأتي بالإبل إلى أفنية القتيل فيعقلها هناك بعقلها فعقل على هذا القول بمعنى المعقول ثم سميت الدية عقلا وإن كانت دنانير ودراهم، والأصل ما ذكرنا. طلعت الثنية وأطلعتها: علوتها، المخرم: منقطع أنف الجبل والطريق فيه، والجمع المخارم.
يقول: فكل واحد من القتلى أرى العاقلين يعقلونه بصحيحات إبل تعلو في طرق الجبال عند سوقها إلى أولياء المقتولين.
44 - لحي حلال يعصم الناس أمرهم إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم
حلال: جمع حال مثل صاحب وصحاب وصائم وصيام وقائم وقيام. يعصم: يمنع. الطروق: الإتيان ليلا، والباء في قوله بمعظم يجوز كونه بمعنى مع وكونه للتعدية. أعظم الأمر أي سار إلى حال العظم، كقولهم: أجز البر وأجد التمر وأقطف العنب، أي يعقلون القتلى لأجل حي نازلين يعصم أمرهم جيرانهم وحلفاءهم إذا أتت إحدى الليالي بأمر فظيع وخطب عظيم، أي إذا نابتهم نائبة عصموهم ومنعوهم.
45 - كرام فلا ذو الضغن يدرك تبله ولا الجارم الجاني عليهم بمسلم
الضغن والضغينة واحد: وهو ما استكن في القلب من العداوة، والجمع الأضغان والضغائن. التبل: الحقد، والجمع التبول، الجارم والجاني واحد، والجارم: ذو الجرم، كاللابن والتامر بمعنى ذي اللبن وذي التمر. الإسلام: الخذلان.
يقول: لحي كرام لا يدرك ذو الوتر وتره عندهم ولا يقدر على الانتقام منهم من ظلموه وجنى عليهم من فتيانهم وحلفائهم وجيرانهم.
46 - سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
سئمت الشيء سآمة: مللته، التكاليف: المشاق والشدائد، لا أبا لك: كلمة جافية لا يراد بها الجفاء وإنما يراد بها التنبيه والإعلام.
يقول: مللت مشاق الحياة وشدائدها ومن عاش ثمانين سنة مل الكبر لا محالة.
47 - وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عم
يقول: وقد يحيط علمي بما مضى وما حضر، ولكني عمي القلب عن الإحاطة بما هو منتظر متوقع.
48 – رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
الخبط: الضرب باليد، والفعل خبط يخبط. العشواء: تأنيث الأعشى، وجمعها عشو، والياء في عشي منقلبة عن الواو كما كانت في رضي منقلبة عنها، والعشواء: الناقة التى لا تبصر ليلا، ويقال في المثل: هو خابط خبط عشواء، أي قد ركب رأسه في الضلالة كالناقة التي لا تبصر ليلا فتخبط بيديها على عمى، فربما تردت في مهواة وربما وطئت سبعا أو حية أو غير ذلك.
قوله: ومن تخطئ أي ومن تخطئه فحذف المفعول وحذفه سائغ كثير في الكلام والشعر والتنزيل. التعمير: تطويل العمر.
يقول: رأيت المنايا تصيب الناس على غير نسق وترتيب وبصيرة، كما أن هذه الناقة تطأ على غير بصيرة، ثم قال: من أصابته المنايا أهلكته ومن أخطأته أبقته فبلغ الهرم.
49 - ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
يقول: ومن لم يصانع الناس ولم يدارهم في كثير من الأمور قهروه وغلبوه وأذلوه وربما قتلوه كالذي يضرس بالناب ويوطأ بالمنسم، الضرس: العض على الشيء بالضرس، والتضريس مبالغة. المنسم للبعير: بمنزلة السنبك للفرس والجمع المناسم.
50 - ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
يقول: ومن جعل معروفه ذابا ذم الرجال عن عرضه، وجعل إحسانه واقيا عرضه وفر مكارمه، ومن لا يتق شتم الناس إياه شتم، يريد أن من بذل معروفه صان عرضه، ومن بخل بمعروفه عرض عرضه للذم والشتم، وفرت الشيء أفره وفرا: أكثرته، ووفرته فوفر وفورا.
51 - ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يستغن عنه ويذمم
يقول: من كان ذا فضل ومال فبخل به استغني عنه وذم. فأظهر التضعيف على لغة أهل الحجاز، لأن لغتهم إظهار التضعيف في محل الجزم والبناء على الوقف.
52 - ومن يوف لا يذمم ومن يهد قلبه إلى مطمئن البر لا يتجمجم
وفيت بالعهد أفي به وفاء، وأوفيت به إيفاء، لغتان جيدتان والثانية أجودهما، لأنها لغة القرآن قال الله تعالى: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} ويقال: هديته الطريق وهديته إلى الطريق وهديته للطريق.
يقول: ومن أوفى بعهده لم يلحقه ذم، ومن هدي قلبه إلى بر يطمئن القلب إلى حسنه ويسكن إلى وقوعه موقعه، لم يتتعتع في إسدائه وإيلائه.
53 - ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وإن يرق أسباب السماء بسلم
رقي في السلم يرقى رقيا: صعد فيه، ورقى المريض يرقيه رقية، ويروى: ولو رام أسباب السماء.
يقول: ومن خاف وهاب أسباب المنايا نالته، ولم يجد عليه خوفه وهيبته إياها نفعا ولو رام الصعود إلى السماء فرارا منها.
54 - ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذما عليه ويندم
يقول: ومن وضع أياديه في غير من استحقها، أي من أحسن إلى من لم يكن أهلا للإحسان إليه والامتنان عليه، ذمه الذي أحسن إليه ولم يحمده وندم المحسن الواضع إحسانه في غير موضعه.
55 - ومن يعص أطراف الزجاج فإنه يطيع العوالي ركبت كل لهذم
الزجاج، جمع زج الرمح: وهو الحديد المركب في أسفله، وإذا قيل: زج الرمح، عني به ذلك الحديد والسنان. اللهذم: السنان الطويل. عالية الرمح ضد سافلته والجمع العوالي إذا التقت فئتان من العرب سددت كل واحدة منهما زجاج الرماح نحو صاحبتها وسعى الساعون في الصلح، فإن أبتا إلا التمادي في القتال قلبت كل واحدة منهما الرماح واقتتلتا بالأسنة.
يقول: ومن عصى أطراف الزجاج أطاع عوالي الرماح التي ركبت فيها الأسنة الطوال. وتحرير المعنى: من أبى الصلح ذللته الحرب ولينته، وقوله: يطيع العوالي، كان حقه أن يقول: يطيع العوالي بفتح الياء، ولكنه سكن الياء لإقامة الوزن، وحمل النصب على الرفع والجر، لأن هذه الياء مسكنة فيهما، ومثله قول الراجز: [الرجز]
كأن أيديهن بالقاع القرق أيدي جوار يتعاطين الورق
56 - ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
الذود: الكف والردع.
يقول: ومن لا يكف أعداءه عن حوضه بسلاحه هدم حوضه، ومن كف عن ظلم الناس ظلمه الناس، يعني من لم يحم حريمه استبيح حريمه، واستعار الحوض للحريم.
57 - ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ومن لم يكرم نفسه لم يكرم
يقول: من سافر واغترب حسب الأعداء أصدقاء، لأنه لم يجربهم فتوقفه التجارب على ضمائر صدورهم، ومن لم يكرم نفسه بتجنب الدنايا لم يكرمه الناس.
58 - ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
يقول: ومهما كان للإنسان من خلق فظن أنه يخفى على الناس علم ولم يخف. والخلق والخليقة واحد، والجمع الأخلاق والخلائق. وتحرير المعنى: أن الأخلاق لا تخفى والتخلق لا يبقى.
59 - وكائن ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم
في كائن ثلاث لغات: كأين وكائن وكأي، مثل كعين وكاعن وكيع الصمت والصمات والصموت واحد، والفعل صمت يصمت.
يقول: وكم صامت يعجبك صمته فتستحسنه وإنما تظهر زيادته على غيره ونقصانه عن غيره عند تكلمه.
60 - لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
هذا كقول العرب: المرء بأصغريه لسانه وجنانه.
61 - وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده وإن الفتى بعد السفاهة يحلم
يقول: إذا كان الشيخ سفيها لم يرج حلمه، لأنه لا حال بعد الشيب إلا الموت، والفتى وإن كان نزقا سفيها أكسبه شيبه حلما ووقارا، ومثله قول صالح بن عبد القدوس: [الرجز]
والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه
62- سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتم ومن أكثر التسآل يوما سيحرم
يقول: سألناكم رفدكم ومعروفكم فجدتم بهما، فعدنا إلى السؤال وعدتم إلى النوال، ومن أكثر السؤال حرم يوما لا محالة. والتسآل: السؤال، وتفعال من أبنية المصادر.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معلقة, زهير

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir