دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 09:00 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي إعراب جمع المذكر السالم وما يلحق به


وارْفَعْ بواوٍ وبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ =سالِمَ جمْعٍ عامرٍ ومُذْنِبِ
وشِبْهِ ذَيْنٍ وبهِ عِشْرُونَا= وبابُهُ أُلْحِقَ والأَهْلُونَا
أُولُو وعالَمُونَ عِلِّيُّونَا = وأَرَضُونَ شَذَّ والسُّنونَا
وبابُهُ ومثلَ حينٍ قدْ يَرِدْ = ذا البابُ وهْوَ عندَ قَوْمٍ يَطَّرِدْ
ونونَ مجموعٍ وما بهِ الْتَحَقْ =فافتَحْ وقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ
ونونُ ما ثُنِّيَ والْمُلْحَقُ بِهْ = بعَكْسِ ذاكَ استعمَلُوهُ فانْتَبِهْ


  #2  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 09:05 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

وارْفَعْ بواوٍ وبِيَا اجْرُرْ وَانْصِبِ = سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ ومُذْنِب ِ([1])
ذَكَرَ المصنِّفُ قِسْمَيْنِ يُعْرَبَانِ بالحروفِ: أحدُهما: الأسماءُ الستَّةُ، والثاني: المُثَنَّى، وقد تَقَدَّمَ الكلامُ عليهما.
ثمَّ ذَكَرَ في هذا البيتِ القِسْمَ الثالثَ، وهو جمعُ المذكَّرِ السالمُ وما حُمِلَ عليه، وإعرابُه بالواوِ رفعاً، وبالياءِ نصباً وجرًّا، وأشارَ بقولِه: (عَامِرٍ ومُذْنِبِ) إلى ما يُجْمَعُ هذا الجمعَ، وهو قِسمانِ: جامدٌ وصِفَةٌ.
فيُشْتَرَطُ في الجامدِ أنْ يكونَ عَلَماً لمذكَّرٍ عاقلٍ، خالِياً مِن تاءِ التأنيثِ ومِن التركيبِ، فإنْ لم يَكُنْ عَلَماً لم يُجْمَعْ بالواوِ والنونِ، فلا يُقالُ في (رجلٍ): رَجلُونَ)، نعمْ إِذَا صُغِّرَ جازَ ذلك، نحوُ: (رُجَيْلٌ ورُجَيْلُونَ)؛ لأنَّه وَصْفٌ ([2])، وإنْ كانَ عَلَماً لغيرِ مذكَّرٍ لم يُجْمَعْ بهما، فلا يُقالُ في (زَيْنَبَ): زَيْنَبُونَ، وكذا إنْ كانَ عَلَماً لمذكَّرٍ غيرِ عاقلٍ، فلا يُقالُ في (لاحِقٍ) – اسمِ فرسٍ -: لاحِقُونَ، وإنْ كانَ فيه تاءُ التأنيثِ فكذلك لا يُجْمَعُ بهما، فلا يُقالُ في (طَلْحَةَ): طَلْحُونَ، وأجازَ ذلكَ الكُوفِيُّونَ ([3])، وكذلك إذا كانَ مُرَكَّباً، فلا يُقالُ في (سِيبَوَيْهِ): سِيبَوَيْهُونَ، وأجَازَه بعضُهم.
ويُشْتَرَطُ في الصفةِ أنْ تكونَ صفةً لمذكَّرٍ عاقلٍ خاليةً مِن تاءِ التأنيثِ، لَيْسَتْ من بابِ أَفْعَلَ فَعْلاءَ، ولا مِن بابِ فَعْلانَ فَعْلَى، ولا ممَّا يَسْتَوِي فيه المذكَّرُ والمؤنَّثُ، فخَرَجَ بقَوْلِنا: (صِفَةً لمذكَّرٍ) ما كانَ صفةً لمؤنَّثٍ، فلا يُقالُ في حائضٍ: حَائِضُونَ، وخَرَجَ بقولِنا: (عاقلٍ) ما كانَ صفةً لمذكَّرٍ غيرِ عاقلٍ، فلا يُقالُ في (سابقٍ)- صفةِ فَرَسٍ -: سابقونَ.
وخَرَجَ بقولِنَا: (خاليةً من تاءِ التأنيثِ) ما كانَ صفةً لمذكَّرٍ عاقلٍ ولكنْ فيه تاءُ التأنيثِ، نحوُ: (علاَّمَةٍ) فلا يُقالُ فيه: عَلاَّمُونَ.
وخَرَجَ بقولِنَا: (لَيْسَتْ مِن بابِ أَفْعَلَ فَعْلاَءَ) ما كانَ كذلك، نحوُ: (أَحْمَرَ)؛ فإنَّ مُؤَنَّثَه حَمْرَاءُ، فلا يُقالُ فيه: أَحْمَرُونَ، وكذلك ما كانَ من بابِ فَعْلانَ فَعْلَى، نحوُ: (سَكْرَانَ وسَكْرَى)، فلا يُقالُ: سَكْرَانُونَ، وكذلك إذا اسْتَوَى في الوصفِ المذكَّرُ والمؤنَّثُ، نحوُ: (صَبُورٍ وجَرِيحٍ) فإنَّه يُقالُ: رجلٌ صَبُورٌ، وامرأةٌ صَبُورٌ، ورجلٌ جَرِيحٌ، وامرأةٌ جَرِيحٌ، فلا يُقالُ في جمعِ المذكَّرِ السالمِ: صَبُورُونَ ولا جَرِيحُونَ.
وأشارَ المصنِّفُ رَحِمَه اللهُ إلى الجامدِ الجامِعِ للشروطِ التي سَبَقَ ذِكْرُها بقولِهِ: (عَامِرٍ)؛ فإنَّه عَلَمٌ لمذكَّرٍ عاقلٍ خالٍ من تاءِ التأنيثِ ومِن التركيبِ، فيُقالُ فيه: عامِرُونَ.
وأشارَ إلى الصفةِ المذكورةِ أوَّلاً بقولِهِ: (ومُذْنِبِ)؛ فإنَّه صفةٌ لمذكَّرٍ عاقلٍ خاليةٌ من تاءِ التأنيثِ، ولَيْسَتْ مِن بابِ أَفْعَلَ فَعْلاَءَ، ولا من بابِ فَعْلاَنَ فَعْلَى، ولا ممَّا يَسْتَوِي فيه المذكَّرُ والمؤنَّثُ، فيُقالُ فيه: مُذْنِبُونَ.

وشِبْهِ ذَيْنِ وَبِهِ عِشْرُونَا = وبابُهُ أُلْحِقَ والأَهْلُونَا([4])
أُولُو وَعَالَمُونَ عِلِّيُّونَا = وأَرَضُونَ شَذَّ والسِّنُونَا([5])
وبابُهُ ومِثْلَ حِينٍ قَدْ يَرِدْ = ذا البابُ وهْوَ عِنْدَ قَوْمٍ يَطَّرِدْ([6])
أشارَ المصنِّفُ رَحِمَه اللهُ بقولِهِ: (وَشِبْهِ ذَيْنِ) إلى شِبْهِ عامرٍ، وهو كلُّ عَلَمٍ مُسْتَجْمِعٍ للشروطِ السابقِ ذِكْرُها؛ كمُحَمَّدٍ وإبراهيمَ، فتقولُ: مُحَمَّدُونَ وإبراهِيمُونَ، وإلى شِبْهِ مُذْنِبٍ، وهو كلُّ صفةٍ اجْتَمَعَ فيها الشروطُ؛ كالأفضلِ والضَّرَّابِ ونَحْوِهِما، فتقولُ: الأَفْضَلُونَ والضَّرَّابُونَ.
وأشارَ بقولِهِ: (وَبِهِ عِشْرُونَ) إلى ما أُلْحِقَ بجمعِ المذكَّرِ السالِمِ في إعرابِهِ بالواوِ رفعاً، وبالياءِ جرًّا ونَصْباً.
وجَمْعُ المذكَّرِ السالِمُ هو ما سَلِمَ فيه بناءُ الواحدِ، ووُجِدَ فيه الشروطُ التي سَبَقَ ذِكْرُها، فمَا لا واحِدَ له مِن لَفْظِه، أو له واحدٌ غيرُ مستكمِلٍ للشروطِ فليسَ بجَمْعِ مذكَّرٍ سالِمٍ، بل هو مُلْحَقٌ به، فعِشْرُونَ وبابُه وهو ثلاثونَ إلى تِسعينَ مُلْحَقٌ بجمعِ المذكَّرِ السالِمِ؛ لأنَّه لا واحدَ له مِن لَفْظِه؛ إذ لا يُقالُ: عِشْرٌ.
وكذلك (أَهْلُونَ) مُلْحَقٌ به؛ لأنَّ مفردَه وهو أهلٌ ليسَ فيه الشروطُ المذكورةُ ([7])؛ لأنَّه اسمُ جِنْسٍ جامدٌ كرجلٍ.
وكذلك (أُولُو)؛ لأنَّه لا واحدَ له مِن لَفْظِه، (وعَالَمُونَ) جمعُ عالمٍ, وعَالَمٌ كرجلٍ اسمُ جِنْسٍ جامدٌ، وعِلِّيُّونَ اسْمٌ لأعلَى الجنَّةِ، وليسَ فيه الشروطُ المذكورةُ؛ لكونِهِ لِمَا لا يُعْقَلُ. وأَرَضُونَ جمعُ أرضٍ وأرضٌ ([8]): اسمُ جِنْسٍ جامدٌ مؤنَّثٌ. والسِّنُونَ جَمْعُ سَنَةٍ، والسنَةُ اسمُ جِنْسٍ مُؤَنَّثٌ، فهذه كلُّها مُلْحَقَةٌ بالجمعِ المذكَّرِ؛ لِمَا سَبَقَ مِن أنها غيرُ مُسْتَكْمِلَةٍ للشروطِ.
وأشار بقولِهِ: (وَبَابُهُ) إلى بابِ سَنَةٍ، وهو كلُّ اسمٍ ثُلاثيٍّ حُذِفَتْ لامُه وعُوِّضَ عنها هاءَ التأنيثِ ولم يُكَسَّرْ، كمائةٍ ومِئِينَ، وثُبَةٍ وثُبِينَ، وهذا الاستعمالُ شائعٌ في هذا ونحوِه، فإنْ كُسِّرَ: كَشَفَةٍ وشِفَاهٍ لم يُسْتَعْمَلْ كذلك إلاَّ شُذُوذاً، كظُبَةٍ؛ فإنَّهم كَسَرُوه على ظُبَاةٍ، وجَمَعُوه أيضاً بالواوِ رفعاً، وبالياءِ نصباً وجرًّا، فقالوا: ظُبُونَ وظُبِينَ.
وأشارَ بقولِهِ: (ومِثْلَ حِينٍ قدْ يَرِدُ ذا البابُ) إلى أنَّ سِنِينَ ([9]) ونحوَه قد تَلْزَمُه الياءُ ويُجْعَلُ الإعرابُ على النونِ، فتقولُ: هذه سِنِينٌ، ورَأَيْتُ سِنِيناً، ومَرَرْتُ بِسِنِينٍ، وإنْ شِئْتَ حَذَفْتَ التنوينَ، وهو أقلُّ من إثباتِه، واخْتُلِفَ في اطِّرَادِ هذا، والصحيحُ أنه لا يَطَّرِدُ، وأنه مقصورٌ على السماعِ، ومنه قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِيناً كَسِنِينِ يُوسُفَ)) في إحدَى الروايتيْنِ، ومثلُه قولُ الشاعرِ:
7- دَعَانِيَ مِنْ نَجْدٍ فَإِنَّ سِنِينَهُ = لَعِبْنَ بِنَا شِيباً وَشَيَّبْنَنَا مُرْدَا ([10])
الشاهدُ فيه: إجراءُ السِّنِينَ مَجْرَى الحِينِ في الإعرابِ بالحركاتِ، وإلزامِ النونِ معَ الإضافةِ.
ونونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ = فافْتَحْ وقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ([11])
ونونُ ما ثُنِّيَ والمُلْحَقِ بِهْ = بعكسِ ذاكَ اسْتَعْمَلُوهُ فَانْتَبِهْ([12])
حقُّ نونِ الجمعِ وما أُلْحِقَ به الفتحُ، وقد تُكْسَرُ شُذُوذاً، ومنه قولُه:
8- عَرَفْنَا جَعْفَراً وَبَنِي أَبِيهِ = وأَنْكَرْنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ([13])
وقولُه:
9- أَكُلَّ الدَّهْرِ حِلٌّ وارْتِحَالٌ = أَمَا يُبْقِي عَلَيَّ ولا يَقِينِي
وماذا تَبْتَغِي الشُّعَرَاءُ مِنِّي = وقدْ جَاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينِ([14])
وليسَ كَسْرُها لغةً، خِلافاً لمَن زعَمَ ذلك.
وحقُّ نونِ المُثَنَّى والمُلْحَقِ به الكسرُ، وفَتْحُهَا لغةٌ، ومِنه قولُه:
10- على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً = فَمَا هِيَ إِلاَّ لَمْحَةٌ وتَغِيبُ([15])
وظاهِرُ كلامِ المصنِّفِ رَحِمَه اللهُ تعالى: أن فتحَ النونِ في التثنيَةِ ككسرِ نونِ الجمعِ في القِلَّةِ، وليسَ كذلك، بل كسرُها في الجمعِ شاذٌّ، وفَتْحُها في التثنيَةِ لغةٌ، كما قَدَّمْنَاهُ.
وهل يَخْتَصُّ الفتحُ بالياءِ أو يكونُ فيها وفي الألفِ؟ قولانِ، وظاهرُ كلامِ المصنِّفِ الثاني ([16]).
ومِن الفتحِ معَ الألفِ قولُ الشاعِرِ:
11- أَعْرِفُ مِنْهَا الْجِيدَ وَالْعَيْنَانَا = ومَنْخِرَيْنِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا([17])
وقد قِيلَ: إنه مصنوعٌ ([18]) فلا يُحْتَجُّ به.

([1]) (وَارْفَعْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (بواوٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بارْفَعْ، (وبِيَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باجْرُرِ الآتي، ولقولِه: انْصِبْ معمولٌ مِثْلُه حُذِفَ لدَلالةِ هذا عليه؛ أي: اجْرُرْ بياءٍ وانْصِبْ بياءٍ، (اجْرُرْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (وَانْصِبِ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً، وهو معطوفٌ بالواوِ على اجْرُرْ، (سَالِمَ) مفعولٌ به تَنَازَعَه كلٌّ مِن ارْفَعْ واجْرُرْ وانْصِبْ، وسالِمَ مضافٌ و(جمعِ) مضافٌ إليه، وجمعِ مضافٌ و(عامرٍ) مضافٌ إليه، و(مُذْنِبِ) معطوفٌ على عامرٍ.
([2]) وجاءَ من ذلك قولُ الشاعرِ:
زَعَمَتْ تُمَاضِرُ أَنَّنِي إِمَّا أَمُتْ = يَسْدُدْ أُبَيْنُوهَا الأَصَاغِرُ خَلَّتِي
مَحَلُّ الشاهدِ في قَوْلِهِ: ( أُبَيْنُوهَا)؛ فإنَّه جَمَعَ مُصَغَّرَ (ابنٍ) جَمْعَ مُذَكَّرٍ سَالِماً، ورَفَعَه بالواوِ نِيابةً عن الضمَّةِ، ولولا التصغيرُ لَمَا جازَ أنْ يَجْمَعَه هذا الجمعَ؛ لأنَّ ابناً اسمٌ جامدٌ وليسَ بعَلَمٍ، وإنما سَوَّغَ التصغيرُ ذلك لأنَّ الاسمَ المصغَّرَ في قوَّةِ الوصفِ، ألاَ تَرَى أنَّ رُجَيْلاً في قوةِ قولِكَ: رجلٌ صغيرٌ، أو حقيرٌ، وأنَّ أُبَيْناً في قوةِ قولِكَ: ابنٌ صغيرٌ؟
([3]) ذهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنه يَجُوزُ جمعُ العلمِ المذكَّرِ المختومِ بتاءِ التأنيثِ - كطَلْحَةَ وحَمْزَةَ - جَمْعَ مذكَّرٍ سالِماً بالواوِ والنونِ أو الياءِ والنونِ بعد حذفِ تاءِ التأنيثِ التي في المفردِ، ووَافَقَهُم على ذلكَ أبو الحسنِ بنُ كَيْسَانَ، وعلى ذلك يقولونَ: جاءَ الطَّلْحُونَ والحَمْزُونَ، ورأيتُ الطَّلْحِينَ والحَمْزِينَ، ولهم على ذلك ثلاثةُ أدلَّةٍ:
الأوَّلُ: أن هذا علمٌ على مذكَّرٍ، وإنْ كانَ لفظُه مؤنَّثاً، والعِبْرَةُ بالمعنى لا باللفظِ.
والثاني: أن هذه التاءَ في تقديرِ الانفصالِ؛ بدليلِ سُقُوطِها في جمعِ المؤنَّثِ السالِمِ في قَوْلِهِم: طَلَحَاتٍ، وحَمَزَاتٍ.
والثالثُ: أنَّ الإجماعَ منعقِدٌ على جوازِ جمعِ العَلَمِ المذكَّرِ المختومِ بألفِ التأنيثِ جمعَ مذكَّرٍ سالماً، فلو سَمَّيْنا رجلاً بحَمْرَاءَ أو حُبْلَى جازَ جَمْعُه على حَمْرَاوِينَ وحُبْلِينَ، ولا شكَّ أنَّ الاسمَ المختومَ بألفِ التأنيثِ أشدُّ تَمَكُّناً في التأنيثِ مِن المختومِ بتاءِ التأنيثِ، وإذا جازَ جمعُ الاسمِ الأشدِّ تَمَكُّناً في التأنيثِ جَمْعَ مذكَّرٍ سالماً فجَوَازُ جمعِ الاسمِ الأخفِّ تَمَكُّناً في التأنيثِ هذا الجمعَ جائزٌ من بابِ أَوْلَى.
واخْتَلَفَ النُّحاةُ في جمعِ العَلَمِ المُرَكَّبِ تركيباً مَزْجِيًّا، هل يُجْمَعُ جمعَ مذكَّرٍ سالماً؟
فقالَ الجمهورُ: لا. وقالَ قومٌ: نعمْ، ويُجْمَعُ صدرُه فيقالُ في جَمْعِ سِيبَوَيْهِ: سِيبُونَ. وقالَ قومٌ: نعمْ، وتُجْمَعُ جُمْلَتُه فيُقالُ: سِيبَوَيْهُونَ. أمَّا المُرَكَّبُ تَرْكِيباً إسناديًّا فقدْ أَجْمَعُوا على أنه لا يُجْمَعُ بالواوِ والنونِ أو الياءِ والنونِ.
([4]) (وشِبْهِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، شِبْهِ: معطوفٌ على عامرٍ ومُذْنِبِ، وشِبْهِ مضافٌ و(ذَيْنِ) مضافٌ إليه مبنيٌّ على الياءِ في محلِّ جرٍّ، (وبِهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: أُلْحِقَ الآتي، (عِشْرُونَا) مبتدأٌ، (وبابُهُ) الواوُ عاطفةٌ، بابُ: معطوفٌ على قولِه: عِشْرُونَ، وبابُ مضافٌ والهاءُ ضميرُ الغائبِ العائدُ إلى قولِه: عِشْرُونَا مضافٌ إليه، (أُلْحِقَ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى قولِهِ: (عِشْرُونَا)، والجملةُ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، (والأَهْلُونَ) معطوفٌ على قولِهِ: (عِشْرُونَ).
([5]) (أُولُو) و(عَالَمُونَ) و(عِلِّيُّونَ) و(أَرَضُونَ): كلُّهُنَّ معطوفٌ على قولِه: عِشْرُونَ، (شَذَّ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على المتعاطفاتِ كلِّها، والجملةُ من الفعلِ والفاعلِ لا مَحَلَّ لها؛ لأنَّها استئنافيَّةٌ، وقِيلَ: بل الجملةُ في محَلِّ رفعِ خبرٍ عن المتعاطفاتِ، والمتعاطفاتُ مبتدأٌ، وعلى هذا يكونُ قدْ أَخْبَرَ عن الأخيرِ مِنها فقطْ، (والسِّنُونَ) و(بابُهُ) معطوفانِ على قولِهِ: (عِشرونَ).
([6]) (ومِثْلَ) الواوُ عاطفةٌ أو للاستئنافِ، مثلَ: نُصِبَ على الحالِ من الفاعلِ المُسْتَتِرِ في قَوْلِهِ: (يَرِد) الآتي، ومثلَ مضافٌ و(حِينٍ) مضافٌ إليه، (قَدْ) حرفُ تقليلٍ، (يَرِدْ) فعلٌ مضارعٌ، (ذا) اسمُ إشارةٍ فاعلُ يَرِد، (البابُ) بَدَلٌ أو عطفُ بيانٍ أو نعتٌ لاسمِ الإشارةِ، (وهْوَ) مبتدأٌ، (عندَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بيَطَّرِدِ الآتِي، وعندَ مضافٌ و(قومٍ) مضافٌ إليه، (يَطَّرِدْ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الضميرِ المنفصِلِ الواقعِ مبتدأً، والجملةُ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، وتقديرُ البيتِ: وقد يَرِدُ هذا البابُ (وهو بابُ سِنِينَ) مُعرباً بحَرَكَاتٍ ظاهرةٍ على النونِ معَ لُزُومِ الياءِ، مثلُ إعرابِ (حِينٍ) بالضمَّةِ رفعاً، والفتحةِ نَصباً، والكسرةِ جَرًّا.
والإعرابُ بحركاتٍ ظاهرةٍ على النونِ معَ لزومِ الياءِ يَطَّرِدُ في كلِّ جمعِ المذكَّرِ وما أُلْحِقَ به عندَ قومٍ مِن النُّحاةِ أو من العربِ.
([7]) وقدْ جُمِعَ لفظُ (أهلٍ) جمعَ مذكَّرٍ سالِماً شُذُوذاً، وذلك كقولِ الشَّنْفَرَى:
وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُونَ سِيدٌ عَمَلَّسٌ = وأَرْقَطُ ذُهْلُولٌ وعَرْفَاءُ جَيْأَلُ
([8]) وقد جَمَعَ لفظَ (أرضٍ) جَمْعَ مذكَّرٍ سالماً ذلكَ الذي يقولُ:
لقدْ ضَجَّتِ الأَرْضُونَ إِذْ قَامَ مِنْ بَنِي = سَدُوسٍ خَطِيبٌ فوقَ أَعْوَادِ مِنْبَرِ.
([9]) اعْلَمْ أنَّ إعرابَ سِنِينَ وبابِه إعرابَ الجمعِ بالواوِ رفعاً، وبالياءِ نصباً وجرًّا هي لغةُ الحجازِ وعَلْيَاءِ قَيْسٍ. وأمَّا بعضُ بني تَمِيمٍ وبَنِي عامرٍ فيَجْعَلُ الإعرابَ بحَرَكَاتٍ على النونِ، ويَلْتَزِمُ الياءَ في جميعِ الأحوالِ، وهذا هو الذي أشارَ إليه المصنِّفُ بقولِهِ: (وَمِثْلَ حِينٍ)، وقد تَكَلَّمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه اللغةِ، وذلك في قَوْلِهِ يدعُو على المشركينَ من أهلِ مكَّةَ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِيناً كَسِنِينِ يُوسُفَ)).
وقد رُوِيَ هذا الحديثُ بروايةٍ أخرَى على لغةِ عامَّةِ العربِ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ)). فإمَّا أنْ يكونَ عليه الصلاةُ والسلامُ قد تَكَلَّمَ باللغتيْنِ جميعاً مرَّةً بهذه ومرةً بتلكَ؛ لأنَّ الدعاءَ مقامُ تَكرارٍ للمدعوِّ به، وهذا هو الظاهرُ، وإمَّا أنْ يكونَ قد تَكَلَّمَ بإحدَى اللغتيْنِ، ورَوَاهُ الرُّواةُ بهما جميعاً، كلٌّ مِنهم رَوَاهُ بلغةِ قبيلتِه؛ لأنَّ الروايةَ بالمعنى جائزةٌ عندَ المُحَدِّثِينَ، وعلى هذه اللغةِ جاءَ الشاهدُ رَقْمُ 7 الذي رَوَاهُ الشارحُ، كما جاءَ قولُ جَرِيرٍ:
أَرَى مَرَّ السِّنِينِ أَخَذْنَ مِنِّي = كما أَخَذَ السِّرَارُ مِن الهلالِ
وقولُ الشاعرِ:
أَلَمْ نَسُقِ الحَجِيجَ سَلِي مَعَدًّا = سِنِيناً ما تُعَدُّ لَنَا حِسَابَا
وقولُ الآخرِ:
سِنِينِي كُلَّهَا لاَقَيْتُ حَرْباً = أُعَدُّ معَ الصَّلاَدِمَةِ الذُّكُورِ
ومِن العربِ مَن يُلْزِمُ هذا البابَ الواوَ، ويفتَحُ النونَ في كلِّ أحوالِه، فيكونُ إعرابُه بحَرَكَاتٍ مقدَّرَةٍ على الواوِ مَنَعَ مِن ظُهُورِها الثِّقَلُ، ومِنهم مَن يُلْزِمُه الواوَ ويَجْعَلُ الإعرابَ بحركاتٍ ظاهرةٍ على النونِ؛ كإعرابِ زيتونٍ ونحوِه، ومنهم مَن يُجْرِي الإعرابَ الذي ذَكَرْنَاه أوَّلاً في جميعِ أنواعِ جمعِ المذكرِ وما أُلْحِقَ به، إجراءً له مُجْرَى المفردِ، ويَتَخَرَّجُ على هذه اللغةِ قولُ ذِي الإِصْبَعِ العَدْوَانِيِّ.
إنِّي أَبِيٌّ أَبِيٌّ ذُو مُحَافَظَةٍ = وابْنُ أَبِيٍّ أَبِيٍّ مِن أَبِيِّينِ
ويَجُوزُ في هذا البيتِ أنْ تُخْرِجَه على ما خَرَجَ عليه بَيْتُ سُحَيْمٍ (ش9) الآتي قريباً، فتَلَخَّصَ لكَ من هذا أنَّ ما ذَكَرْنَاهُ في سِنِينَ وبابِه أربعُ لغاتٍ، وأنَّ ما ذكرناه في الجمعِ عامَّةً لغتانِ.
([10]) البيتُ للصِّمَّةِ بنِ عبدِ اللهِ، أحدِ شُعَرَاءِ عصرِ الدولةِ الأُمَوِيَّةِ، وكانَ الصِّمَّةُ قد هَوِي ابنةَ عمٍّ له اسْمُها رَيَّا، فخَطَبَها، فرَضِيَ عمُّه أنْ يُزَوِّجَهَا له على أنْ يَمْهَرَهَا خمسينَ مِن الإبلِ، فذَكَرَ ذلكَ لأبيه، فساقَ عنه تِسعةً وأربعينَ، فأَبَى عمُّه إلاَّ أنْ يُكْمِلَهَا له خمسينَ، وأَبَى أَبُوه أنْ يُكْمِلَهَا، ولَجَّ العنادُ بينَهما، فلم يَرَ الصِّمَّةُ بُدًّا مِن فِرَاقِهِما جميعاً، فرَحَلَ إلى الشامِ، فكانَ وهو بالشامِ يَحِنُّ إلى نَجْدٍ أحياناً ويَذُمُّه أحياناً أُخرَى، وهذا البيتُ من قصيدةٍ له في ذلك.
اللغةُ: (دَعَانِيَ) أي: اتْرُكَانِي، ويُرْوَى في مكانِه (ذَرَانِيَ) وهما بمعنًى واحدٍ، (نَجْدٍ) بلادٌ بعينِها، أعلاها تِهَامَةُ واليمنُ، وأَسْفَلُها العراقُ والشامُ، و(الشِّيبُ) بكسرِ الشينِ، جمعُ أَشْيَبَ، وهو الذي وَخَطَ الشيبُ شَعَرَ رأسِه، و(المُرْدُ) بضمٍّ فسكونٍ ، جمعُ أَمْرَدَ، وهو مَن لم يَنْبُتْ بوجهِه شَعَرٌ.
الإعرابُ: (دَعَانِيَ) دعَا: فعلُ أمرٍ مبنيٌّ على حذفِ النونِ، وألفُ الاثنيْنِ فاعلٌ والنونُ للوقايةِ، والياءُ مفعولٌ به مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ نصبٍ، (مِن نَجْدٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بدعَانِيَ، (فإِنَّ) الفاءُ للتعليلِ، إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، (سِنِينَهُ) سِنِينَ: اسمُ إنَّ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ ـ وهو محلُّ الشاهدِ ـ وسنينَ مضافٌ والضميرُ العائدُ إلى نَجْدٍ مضافٌ إليه، وجملةُ (لَعِبْنَ) من الفعلِ وفاعلِه في محلِّ رفعِ خبرِ إنَّ، (بِنَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بلَعِبْنَ، (شِيباً) حالٌ مِن الضميرِ المجرورِ المحلِّ بالباءِ في بِنَا، وجملةُ (شَيَّبْنَنَا) من الفعلِ وفاعلِه ومفعولِه معطوفةٌ بالواوِ على جملةِ لَعِبْنَ، (مُرْداً) حالٌ مِن المفعولِ به في قَوْلِهِ: (شَيَّبْنَنَا).
الشاهدُ فيه: قولُه: (فَإِنَّ سِنِينَهُ) حيثُ نَصَبَه بالفتحةِ الظاهرةِ، بدليلِ بقاءِ النونِ معَ الإضافةِ إلى الضميرِ، فجعَلَ هذه النونَ الزائدةَ على بِنْيَةِ الكَلِمَةِ كالنونِ التي من أصلِ الكَلِمَةِ في نحوِ: مِسْكِينٍ وغِسْلِينٍ، ألا تَرَى أنَّكَ تقولُ: هذا مِسكينٌ، ولقد رأيتُ رجلاً مسكيناً، ووَقَعَتْ عَيْنِي على رجلٍ مِسْكِينٍ، وتقولُ: هذا الرجلُ مِسْكِينُكُم، فتكونُ حركاتُ الإعرابِ على النونِ سواءٌ أُضِيفَتِ الكَلِمَةُ أم لم تُضَفْ؛ لأنَّ مثلَها مثلُ الميمِ في غُلامٍ، والباءِ في كتابٍ، ولو أنَّ الشاعرَ اعْتَبَرَ هذه النونَ زائدةً معَ الياءِ للدَّلالةِ على أنَّ الكَلِمَةَ جمعُ مذكَّرٍ سالمٌ لوَجَبَ عليه هنا أنْ يَنْصِبَه بالياءِ ويَحْذِفَ النونَ، فيقولَ: (فإِنَّ سِنِيهِ) ومثلُ هذا البيتِ قولُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِيناً كَسِنِينِ يُوسُفَ)) والأبياتُ التي أَنْشَدْنَاهَا (في ص 40) وتَقَدَّمَ لنا ذِكْرُ ذلك.
([11]) (ونونُ) مفعولٌ مقدَّمٌ لافْتَحْ، و(نونَ) مضافٌ و(مجموعٍ) مضافٌ إليه، (وما) الواوُ عاطفةٌ، ما: اسمٌ موصولٌ معطوفٌ على مجموعٍ، مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ، (بِهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالْتَحَقَ الآتِي، (الْتَحَقْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على ما، والجملةُ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ الموصولِ، (فَافْتَحْ) الفاءُ زائدةٌ لتَزْيِينِ اللفظِ، وافْتَحْ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (وَقَلَّ) فعلٌ ماضٍ، (مَنْ) اسمٌ موصولٌ في مَحَلِّ رفعِ فاعلٍ بقَلَّ، (بِكَسْرِهِ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بنَطَقْ، وكسرِ مضافٌ والضميرُ العائدُ على النونِ مضافٌ إليه، (نَطَقْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى مَن، والجملةُ لا محلَّ لها من الإعرابِ صِلَةُ الموصولِ، وتقديرُ البيتِ: افْتَحْ نونَ الاسمِ المجموعِ والذي الْتَحَقَ به، وقَلَّ مِن العربِ مَن نَطَقَ بهذه النونِ مكسورةً؛ أي: في حالتَيِ النصبِ والجرِّ، أمَّا في حالةِ الرفعِ فلم يُسْمَعْ كسرُ هذه النونِ من أحدٍ مِنهم.
([12]) (ونونُ) الواوُ عاطفةٌ، نونُ: مبتدأٌ، ونونُ مضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه، (ثُنِّيَ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى ما، والجملةُ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ صِلَةُ ما، (وَالْمُلْحَقِ) معطوفٌ على ما، (بِهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالمُلْحَقِ، (بعَكْسِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باسْتَعْمَلُوهُ، وعكسِ مضافٌ وذا مِن (ذاكَ) مضافٌ إليه، والكافُ حرفُ خِطابٍ، (اسْتَعْمَلُوهُ) فعلٌ ماضٍ، والواوُ فاعلٌ، والهاءُ مفعولٌ به، والجملةُ في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو (نُونُ) في أوَّلِ البيتِ، (فَانْتَبِهْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، يُرِيدُ أنَّ لغةَ جمهورِ العربِ جاريَةٌ على أنْ يَنْطِقُوا بنونِ المثنَّى مكسورةً، وقليلٌ مِنهم مَن يَنطِقُ بها مفتوحةً.
([13]) هذا البيتُ لجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفِيِّ، مِن أبياتٍ خَاطَبَ بها فَضَالَةَ العُرَنِيَّ، وقبلَه قولُه:
عَرِينٌ مِنْ عُرَيْنَةَ لَيْسَ مِنَّا = بَرِئْتُ إِلَى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرِينِ
المفرداتُ: (جَعْفَرٌ) اسمُ رجلٍ مِن وَلَدِ ثَعْلَبَةَ بنِ يَرْبُوعٍ، (وبَنِي أَبِيهِ) إخوتُه، وهم عرينٌ وكُلَيْبٌ وعُبَيْدٌ، (زَعَانِفَ) جمعُ زِعْنِفَةٍ ـ بكسرِ الزايِ والنونِ بينَهما عينٌ مهملةٌ ساكنةٌ ـ وهم الأتباعُ، وفي القاموسِ (الزِّعْنِفَةُ ـ بالكسرِ والفتحِ ـ القصيرُ والقصيرةُ وجمعُه زعانِفُ، وهي أجنحةُ السمكِ، وكلُّ جماعةٍ ليسَ أصلُهم واحِداً). اهـ.
والزعانِفُ أيضاًً: أهدابُ الثوبِ التي تَنُوسُ مِنه؛ أي: تَتَحَرَّكُ، ويُقالُ لِلِئَامِ الناسِ ورُذالِهِم: الزعانِفُ.
الإعرابُ: (عَرَفْنَا) فعلٌ وفاعلٌ، (جعفراً) مفعولُه، (وبَنِي) معطوفٌ على جَعْفَرٍ، وبني مضافٌ وأبِي مِن (أبيهِ) مضافٌ إليه، وأَبِي مضافٌ وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى جعفرٍ مضافٌ إليه، (وأَنْكَرْنَا) الواوُ حرفُ عطفٍ، أَنْكَرْنَا: فعلٌ وفاعلٌ، (زَعَانِفَ) مفعولٌ به، (آخَرِينِ) صفةٌ له منصوبٌ بالياءِ نِيابةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه جمعُ مذكَّرٍ سالِمٌ، وجملةُ أَنْكَرْنَا ومعمولاتِه معطوفةٌ على جملةِ عَرَفْنَا ومعمولاتِه.
الشاهدُ فيه: كسرُ نونِ الجمعِ في قَوْلِهِ: (آخَرِينِ) بدليلِ أن القصيدةَ مكسورةُ حرفِ القافيةِ، وقد رَوَيْنَا لكَ البيتَ السابقَ على بيتِ الشاهدِ لِيَتَّضِحَ لكَ ذلكَ، وأوَّلُ الكَلِمَةِ قولُه:
أَتُوعِدُنِي وَرَاءَ بَنِي رِياحٍ = كَذَبْتَ لَتَقْصُرَنَّ يَدَاكَ دُونِي
([14]) هذانِ البيتانِ لسُحَيْمِ بنِ وَثِيلٍ الرِّيَاحِيِّ، مِن قصيدةٍ له يَمْدَحُ بها نفسَه ويُعَرِّضُ فيها بالأُبَيْرِدِ الرِّيَاحِيِّ ابنِ عَمِّه، وقَبْلَهُما:
عَذَرْتُ الْبُزْلَ إِنْ هِيَ خَاطَرَتْنِي = فَمَا بَالِي وَبَالُ ابْنَيْ لَبُونِ
وبعدَهما قولُه:
أخو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي = ونَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤُونِ
المفرداتُ: (يَبْتَغِي) معناه يَطْلُبُ، ويُرْوَى في مكانِه (يَدَّرِي) بتشديدِ الدالِ المهملةِ، وهو مضارعُ أَدَّرَاهُ، إذا خَتَلَه وخَدَعَه.
المعنى: يقولُ: كيفَ يَطْلُبُ الشعراءُ خَدِيعَتِي ويَطْمَعُونَ في خَتْلِي وقد بَلَغْتُ سِنَّ التَّجْرِبَةِ والاختبارِ التي تُمَكِّنُنِي من تقديرِ الأمورِ ورَدِّ كيدِ الأعداءِ إلى نُحُورِهِم؟! يُرِيدُ أنه لا تَجُوزُ عليه الحِيلَةُ، ولا يُمْكِنُ لعدوِّهِ أنْ يَخْدَعَه.
الإعرابُ: (أَكُلَّ) الهمزةُ للاستفهامِ، وكلَّ: ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مقدَّمٍ، وكلَّ مضافٌ و(الدَّهْرِ) مضافٌ إليه، (حِلٌّ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (وارْتِحَالٌ) معطوفٌ عليه، (أمَا) أصلُ الهمزةِ للاستفهامِ، وما نافيةٌ، وأمَا هنا حرفُ استفتاحِ، (يُبْقِي) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الدهرِ، (عَلَيَّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيُبْقِي، (ولاَ) الواوُ عاطفةٌ، ولا: زائدةٌ لتأكيدِ النفيِ، (يَقِينِي) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو، والنونُ للوقايةِ، والياءُ مفعولٌ به، (وماذا) ما: اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ، وذا: اسمٌ موصولٌ بمعنى الذي في محلِّ رفعِ خبرٍ، (تَبْتَغِي) فعلٌ مضارعٌ، (الشُّعَرَاءُ) فاعلُه، (مِنِّي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَبْتَغِي، والجملةُ من الفعلِ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ، والعائدُ ضميرٌ منصوبٌ بتَبْتَغِي، وهو محذوفٌ؛ أي: تَبْتَغِيهِ، (وقَدْ) الواوُ حَالِيَّةٌ، قد: حرفُ تحقيقٍ، (جَاوَزْتُ) فِعْلٌ وفاعلٌ، (حَدَّ) مفعولٌ به لجَاوَزَ، وحَدُّ مضافٌ و(الأَرْبَعِينِ) مضافٌ إليه، مجرورٌ بالياءِ المكسورِ ما قبلَها تحقيقاً المفتوحِ ما بعدَها تقديراً، وقيلَ: مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ؛ لأنَّه عُومِلَ معاملةَ (حِينٍ) في جَعْلِ الإعرابِ على النونِ، وسَنُوَضِّحُ ذلكَ في بيانِ الاستشهادِ بالبيتِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (الأربعينِ) حيثُ وَرَدَتِ الروايةُ فيه بكسرِ النونِ كما رأيتَ في أبياتِ القصيدةِ، فمِن العلماءِ مَن خَرَّجَه على أنه مُعْرَبٌ بالحركاتِ الظاهرةِ على النونِ على أنه عُومِلَ معاملةَ المفردِ مِن نحوِ: (حينٍ ومِسكينٍ وغِسْلِينٍ ويَقْطِينٍ)، ومنهم مَن خَرَّجَه على أنه جمعُ مذكَّرٍ سالمٌ معربٌ بالياءِ نيابةً عن الكسرةِ، ولكنَّه كَسَرَ النونَ، وعليه الشارِحُ هنا.
ونظيرُه بَيْتُ ذِي الإِصْبَعِ العَدْوَانِيِّ الذي رَوَيْنَاهُ لكَ (ص 40) وقولُ الفَرَزْدَقِ:
ما سَدَّ حَيٌّ ولا مَيْتٌ مَسَدَّهُمَا = إلاَّ الخلائِفُ مِن بعدِ النَّبِيِّينِ
([15]) البيتُ لحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ الهِلالِيِّ الصحابِيِّ، أحدِ الشعراءِ المُجِيدِينَ، وكانَ لا يُقَارِبُه شاعرٌ في وصفِ القَطَاةِ، وهو من أبياتِ قصيدةٍ له يَصِفُ فيها القَطَاةَ، وأوَّلُ الأبياتِ التي يَصِفُ فيها القَطَاةَ قولُه:
كمَا انْقَبَضَتْ كَدْرَاءُ تَسْقِي فِرَاخَهَا = بِشَمْظَةَ رِفْهاً وَالمِيَاهُ شُعُوبُ
غَدَتْ لَمْ تُصَعِّدْ فِي السماءِ وتَحْتَهَا = إذَا نَظَرَتْ أَهْوِيَّةٌ ولُهُوبُ
فجَاءَتْ وما جاءَ القَطَا، ثُمَّ قَلَّصَتْ = بمَفْحَصِها والوارداتُ تَنُوبُ
اللغةُ: (الأَحْوَذِيَّانِ) مثنَّى أَحْوَذِيٍّ، وهو الخفيفُ السريعُ، وأرادَ به هنا جَناحَ القَطَاةِ، يَصِفُها بالسرعةِ والخِفَّةِ، و(اسْتَقَلَّت) ارْتَفَعَتْ وطارَتْ في الهواءِ، و(العَشِيَّةُ) ما بينَ الزوالِ إلى المغربِ، و(هي) ضميرُ غائبةٍ يعودُ إلى القَطَاةِ على تقديرِ مضافيْنِ، وأصلُ الكلامِ: فما زمانُ رُؤْيَتِها إلاَّ لَمْحَةٌ وتَغِيبُ.
المعنى: يُريدُ أنَّ هذه القَطَاةَ قد طَارَتْ بجَنَاحَيْنِ سريعيْنِ، فليسَ يَقَعُ نَظَرُكَ عليها حينَ تَهُمُّ بالطيرانِ إلاَّ لحظةً يَسيرةً ثُمَّ تَغِيبُ عن نَاظِرَيْكَ فلا تعودُ تراها، يَقْصِدُ أنها شديدةُ السرعةِ.
الإعراب: (عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باسْتَقَلَّتْ، (اسْتَقَلَّتْ) اسْتَقَلَّ: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ على القَطَاةِ التي تَقَدَّمَ وَصْفُها، (عَشِيَّةً) ظرفُ زمانٍ منصوبٌ على الظرفيَّةِ مُتَعَلِّقٌ باسْتَقَلَّتْ، (فَمَا) الفاء عاطفةٌ، ما: نافيةٌ، (هي) مبتدأٌ بتقديرِ مضافيْنِ، والأصلُ: فما زمانُ مشاهَدَتِها إلاَّ لَمْحَةٌ وتَغِيبُ بعدَها، (إلاَّ) أداةُ استثناءٍ مُلغاةٌ لا عملَ لها، (لَمْحَةٌ) خبرُ المبتدأِ، (وتَغِيبُ) الواوُ عاطفةٌ، وتَغِيبُ فعلٌ مضارِعٌ فاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوَازاً تقديرُه هي يعودُ على القَطَاةِ، والجملةُ من الفعلِ والفاعلِ معطوفةٌ على جملةِ المبتدأِ والخبرِ.
الشاهدُ فيه: فتحُ نونِ المُثَنَّى من قولِه: (أَحْوَذِيَّيْنَ) وهي لغةٌ، ولَيْسَتْ بضرورةٍ؛ لأنَّ كسرَها يأتي معَه الوزنُ ولا يَفُوتُ به غَرَضٌ.
([16]) اعْلَمْ أنهم اتَّفَقُوا على زيادةِ نونٍ بعدَ ألفِ المثنَّى ويائِه، وبعدَ واوِ الجمعِ ويائِه، واخْتَلَفَ النُّحاةُ في تعليلِ هذه الزيادةِ على سَبْعَةِ أوجهٍ:
الأوَّلُ، وعليه ابنُ مالكٍ : أنها زِيدَتْ دَفْعاً لتوهُّمِ الإضافةِ في (رأَيتُ بنينَ كُرَمَاءَ)؛ إذ لو قلتُ: (رأيتُ بَنِي كُرَمَاءَ) لم يَدْرِ السامعُ الكرامَ هم البنونَ أم الآباءُ؟ فلما جاءَتِ النونُ عَلِمْنَا أنكَ إنْ قلتَ: (بني كُرَمَاءَ) فقد أَرَدْتَ وصفَ الآباءِ بالكرمِ، وأنَّ بني مضافٌ وكرماءَ مضافٌ إليه، وإنْ قلتَ: (بنينَ كرماءَ) فقد أَرَدْتَ وصفَ الأبناءِ أنفسِهم بالكَرَمِ، وأنَّ كرماءَ نعتٌ لبنينَ؛ وبُعداً عن تَوَهُّمِ الإفرادِ في (هذيْنِ)، ونحوِ: (الخَوْزَلاَنِ) و(المُهْتَدِينَ)؛ إذ لولا النونُ لالْتَبَسَتِ الصفةُ بالمضافِ إليه على ما عَلِمْتَ أوَّلاً ولالْتَبَسَ المفردُ بالمثنَّى أو بالجمعِ.
الثاني: أنها زِيدَتْ عِوَضاً عن الحركةِ في الاسمِ المفردِ، وعليه الزَّجَّاجُ.
والثالثُ: أنَّ زيادَتَها عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المفردِ، وعليه ابنُ كَيْسَانَ، وهو الذي يَجْرِي على أَلْسِنَةِ المُعْرِبِينَ.
والرابعُ: أنها عِوَضٌ عن الحركةِ والتنوينِ معاً، وعليه ابنُ وَلاَّدٍ والجَزُولِيُّ.
والخامسُ: أنها عِوَضٌ عن الحركةِ والتنوينِ فيما كانَ التنوينُ والحركةُ في مفردِه؛ كمُحَمَّدٍ وعلِيٍّ، وعن الحركةِ فقطْ فيما لا تَنْوِينَ في مفردِه كزَيْنَبَ وفاطمةَ، وعن التنوينِ فقطْ فيما لا حَرَكَةَ في مفردِه كالقاضي والفتَى، وليسَتْ عِوَضاً عن شيءٍ مِنهما فيما لا حركةَ ولا تنوينَ في مفردِه؛ كالحُبْلَى، وعليه ابنُ جِنِّيٍّ.
والسادسُ: أنها زِيدَتْ؛ فرقاً بينَ نصبِ المفردِ ورفعِ المثنَّى؛ إذ لو حَذَفْتَ النونَ مِن قولِكَ: (عَلِيَّانِ) لأَشْكَلَ عليكَ أمرُه، فلم تَدْرِ أهو مفردٌ منصوبٌ أم مثنًّى مرفوعٌ، وعلى هذا الفَرَّاءُ.
والسابعُ: أنها نَفْسُ التنوينِ حُرِّكَ للتخلُّصِ مِن الْتِقاءِ الساكنيْنِ.
ثم المشهورُ الكثيرُ أنَّ هذه النونَ مكسورةٌ في المثنَّى مفتوحةٌ في الجمعِ، فأمَّا مجرَّدُ حركتِها فيهما فلأجلِ التخلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ، وأما المخالفةُ بينَهما فلِتَمَيُّزِ كلِّ واحدٍ مِن الآخرِ، وأمَّا فتحُها في الجمعِ فلأنَّ الجمعَ ثقيلٌ؛ لدلالتِه على العددِ الكثيرِ، والمثنَّى خفيفٌ، فقُصِدَتِ المعادلةُ بينَهما؛ لئلا يَجْتَمِعَ ثقيلانِ في كَلِمَةٍ، ووَرَدَ العكسُ في الموضعيْنِ وهو فتحُها معَ المثنَّى وكسرُها معَ الجمعِ ضرورةً لا لغةً، ثمَّ قِيلَ: ذلك خاصٌّ بحالةِ الياءِ فيهما. وقيلَ: لا، بل معَ الألفِ والواوِ أيضاًً.
وذَكَرَ الشَّيْبَانِيُّ وابنُ جِنِّيٍّ أنَّ مِن العربِ مَن يَضُمُّ النونَ في المثنَّى، وعلى هذا يُنْشِدُون قولَ الشاعرِ:
يَا أَبَتَا أَرَّقَنِي القِذَّانُ = فالنوْمُ لا تَطْعَمُهُ العَيْنَانُ
وهذا إنما يَجِيءُ معَ الألفِ، لا معَ الياءِ، والقِذَّانُ: البراغيثُ، واحدُها قُذَذٌ بوزنِ صُرَدٍ. وسُمِعَ تشديدُ نونِ المثنَّى في تثنيةِ اسمِ الإشارةِ والموصولِ فقطْ، وقد قُرِئَ بالتشديدِ في قَوْلِهِ تعالى: (فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ)، وقولِه: (وَاللَّذَانِّ يَأْتِيَانِهَا)، وقولِه: (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِّ)، وقولِهِ سُبْحَانَهُ: (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَينِّ).
([17]) البيتُ لرجلٍ مِن ضَبَّةَ كما قالَ المُفَضَّلُ، وزعَمَ العَيْنِيُّ أنه لا يُعْرَفُ قائلُه، وقيلَ: هو لِرُؤْبَةَ، والصحيحُ الأوَّلُ، وهو مِن رَجَزٍ أَوَّلُه:
إِنَّ لِسَلْمَى عِنْدَنَا دِيوَانَا = يُخْزِي فُلاناً وابْنَهُ فُلانَا
كانَتْ عَجُوزاً عُمِّرَتْ زَمَانَا = وَهْيَ تَرَى سَيِّئَهَا إِحْسَانَا
اللغةُ: (الجِيدَ) العُنُقَ، (مَنْخِرَيْنِ) مثنَّى مَنْخِرٍ، بزِنَةِ مَسْجِدٍ، وأصلُه مكانٌ النَّخيرِ، وهو الصوتُ المنبعِثُ من الأنفِ، ويُسْتَعْمَلُ في الأنفِ نفسِه؛ لأنَّه مكانُه، واستعمالُه في الصوتِ مِن بابِ تَسْمِيَةِ الحالِّ في شيءٍ باسمِ مَحَلِّهِ، كإطلاقِ لفظِ القريةِ وإرادةِ سُكَّانِها، (ظَبْيَانَ) اسمُ رجلٍ، وقيلَ: مثنى ظَبْيٍ، وليسَ بشيءٍ، قالَ أبو زيدٍ: (ظَبْيَانُ: اسمُ رجلٍ، أرادَ: أَشْبَهَا مَنْخِرَي ظَبْيَانَ) فحَذَفَ، كما قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} يُريدُ أهلَ القريةِ. اهـ.
وتأويلُ أبي زَيْدٍ في القريةِ على أنه مجازٌ بالحذفِ، وهو غيرُ التأويلِ الذي ذَكَرْنَاهُ آنفاً.
الإعرابُ: (أَعْرِفُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تقديرُه أنا، (مِنْهَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَعْرِفُ، (الْجِيدَ) مفعولٌ به لأَعْرِفُ، (وَالْعَيْنَانَا) معطوفٌ على الجِيدِ منصوبٌ بفتحةٍ مقدَّرَةٍ على الألفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِها التعذُّرُ، (ومَنْخِرَيْنِ) معطوفٌ على الجِيدِ أيضاًً، ومنصوبٌ بالياءِ نِيابةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه مثنًّى، (أَشْبَهَا) أَشْبَهَ: فعلٌ ماضٍ، وألفُ الاثنيْنِ فاعلٌ، (ظَبْيَانَا) مفعولٌ به منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ على أنه مفردٌ كما هو الصحيحُ، فأمَّا على أنه مثنًّى فهو منصوبٌ بفتحةٍ مقدَّرةٍ على الألفِ؛ كما في قَوْلِهِ: (وَالْعَيْنَانَا) السابقِ، وذلك على لغةِ مَن يُلْزِمُ المثنَّى الألفَ، والجملةُ من الفعلِ وفاعلِه في مَحَلِّ نصبِ صفةٍ لمَنْخِرَيْنِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وَالْعَيْنَانَا) حيثُ فتَحَ نونَ المثنَّى، وقالَ جماعةٌ منهم الهَرَوِيُّ: الشاهدُ فيه في موضعيْنِ: أحدِهما ما ذَكَرْنَا، وثانيهما قولُه: (ظَبْيَاناَ)، ويَتَأَتَّى ذلك على أنه تَثْنِيَةُ ظَبْيٍ. وهو فاسدٌ من جهةِ المعنى، والصوابُ أنه مفردٌ، وهو اسمُ رجلٍ كما قَدَّمْنَا لكَ عن أبي زيدٍ، وعليه لا شاهدَ فيه، وزعَمَ بعضُهم أن نونَ (مَنْخِرَيْنَ) مفتوحةٌ، وأن فيها شاهداً أيضاًً، فهو نظيرُ قولِ حُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ: (عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ) الذي تَقَدَّمَ (ش رقم 10).
([18]) حكَى ذلك ابنُ هِشامٍ رَحِمَه اللهُ، وشُبْهَةُ هذا القِيلِ أنَّ الراجزَ قد جاءَ بالمثنى بالألفِ في حالةِ النصبِ، وذلكَ في قَوْلِهِ: (وَالْعَيْنَانَا) وفي قَوْلِهِ: (ظَبْيَانَا) عندَ الهَرَوِيِّ وجماعةٍ، ثمَّ جاءَ به بالياءِ في قَوْلِهِ: (مَنْخِرَيْنِ) فجَمَعَ بينَ لغتيْنِ مِن لغاتِ العربِ في بيتٍ واحدٍ، وذلك قَلَّمَا يَتَّفِقُ لعَرَبِيٍّ، ويَرُدُّ هذا الكلامَ شيئانِ:
أَوَّلُهُما: أنَّ أبا زيدٍ رَحِمَه اللهُ قد رَوَى هذه الأبياتِ، ونَسَبَها لرجلٍ مِن ضَبَّةَ، وأبو زيدٍ ثِقَةٌ ثَبَتٌ، حتَّى إنَّ سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ كانَ يُعَبِّرُ عنه في كتابِه بقولِهِ: (حَدَّثَنِي الثِّقَةُ) أو (أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ) ونحوِ ذلك، وثانيهما: أنَّ الروايةَ عندَ أبي زيدٍ في نوادِرِهِ:
* ومَنْخِرَانِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا *
بالألفِ في (مَنْخِرَيْن) أيضاًً، فلا يَتِمُّ ما ذَكَرُوه من الشُّبْهَةِ لادِّعاءِ أنَّ الشاهدَ مصنوعٌ. فافْهَمْ ذلك وتَدَبَّرْهُ.


  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 05:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

الْبَابُ الثَّالِثُ: بَابُ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمَ، كَالزَّيْدُونَ، وَالمُسْلِمُونَ، فَإِنَّهُ يُرْفَعُ بالواوِ، وَيُجَرُّ وَيُنْصَبُ بِالْيَاءِ المكسورِ مَا قَبْلَهَا المَفْتُوحِ مَا بَعْدَهَا.
وَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ مَا يُجْمَعُ هَذَا الْجَمْعَ ثَلاثَةُ شُرُوطٍ، أَحَدُهَا: الخُلُوُّ منْ تاءِ التأنيثِ، فَلا يُجْمَعُ نَحْوُ: (طَلْحَةَ) وَ (عَلاَّمَةَ). الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِمُذَكَّرٍ، فَلا يُجْمَعُ نَحْوُ: (زَيْنَبَ) وَ (حَائِضٍ). الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ لِعَاقِلٍ، فَلا يُجْمَعُ نَحْوُ: (وَاشِقٍ) عَلَماً لِكَلْبٍ، وَ (سَابِقٍ) صِفَةٌ لِفَرَسٍ.
ثُمَّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ إِمَّا عَلَماً غَيْرَ مُرَكَّبٍ تَرْكِيباً إِسْنَادِيًّا وَلا مَزْجِيًّا، فَلا يُجْمَعُ نَحْوُ: (بَرَقَ نَحْرُهُ) وَ (مَعْدِ يَكَرِبَ)، وَإِمَّا صِفَةٌ تَقْبَلُ التَّاءَ أَوْ تَدُلُّ عَلَى التفضيلِ نَحْوَ: (قَائِم) وَ (مُذْنِب) وَ (أَفْضَل) فَلا يُجْمَعُ نَحْوُ: (جَرِيح) وَ (صَبُور) وَ (سَكْرَان) وَ (أَحْمَر) ([1]).
فَصْلٌ: وَحَمَلُوا عَلَى هَذَا الْجَمْعِ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: أَسْمَاءُ جُمُوعٍ، وَهِيَ: أُولُو، وَعَالَمُونَ، وَعِشْرُونَ، وَبَابُهُ.
وَالثَّانِي: جُمُوعُ تَكْسِيرٍ، وَهِيَ: بَنُونَ، وَحَرُّونَ، وَأَرَضُونَ، وَسِنُونَ، وَبَابُهُ، فَإِنَّ هَذَا الْجَمْعَ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ ثُلاثِيٍّ حُذِفَتْ لامُهُ وَعُوِّضَ عَنْهَا هَاءُ التأنيثِ، وَلَمْ يُكَسَّرْ، نَحْوَ: عِضَةٍ وَعِضِينَ، وَعِزَةٍ وَعِزِينَ، وَثُبَةٍ وَثُبِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} ([2])، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}([3])، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ}([4]). وَلا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي نَحْوِ: ثَمَرَةٍ، لِعَدَمِ الْحَذْفِ، وَلا فِي نَحْوِ: (عِدَةٍ) وَ (زِنَةٍ)؛ لأَنَّ المحذوفَ الفاءُ، وَلا فِي نَحْوِ: (يَدٍ) وَ (دَمٍ) ([5])، وَشَذَّ: أَبُونَ وَأَخُونَ، وَلا فِي: اسْمٍ وَأُخْتٍ وَبِنْتٍ؛ لأَنَّ العِوَضَ غَيْرُ التَّاءِ، وَشَذَّ: بَنُونَ، وَلا فِي نَحْوِ: شَاةٍ، وَشَفَةٍ؛ لأنَّهُمَا كُسِّرَا: عَلَى شِيَاهٍ وَشِفَاهٍ.
والثالثُ: جُمُوعُ تَصْحِيحٍ لَمْ تَسْتَوْفِ الشُّرُوطَ: كَأَهْلُونَ وَوَابِلُونَ؛ لأَنَّ (أَهْلاً) وَ(وَابِلاً) لَيْسَا عَلَمَيْنِ وَلا صِفَتَيْنِ، ولأنَّ (وَابِلاً) لِغَيْرِ عَاقِلٍ.
والرابعُ: مَا سُمِّيَ بِهِ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ ([6]): كَعِلِّيُّونَ، وَزَيْدُونَ مُسَمًّى بِهِ، وَيَجُوزُ فِي هَذَا النوعِ أَنْ يُجْرَى مُجْرَى (غِسْلِينٍ) فِي لُزُومِ الْيَاءِ والإعرابِ بالحركاتِ عَلَى النُّونِ مُنَوَّنَةً، وَدُونَ هَذَا أَنْ يُجْرَى مُجْرَى عَرَبُونٍ فِي لُزُومِ الْوَاوِ والإعرابِ بالحركاتِ عَلَى النُّونِ مُنَوَّنَةً، كَقَوْلِهِ:

10 - وَاعْتَرَتْنِي الْهُمُومُ بِالْمَاطِرُونِ
وَدُونَ هَذِهِ أَنْ تَلْزَمَهُ الْوَاوُ وَفَتْحُ النُّونِ ([7])، وَبَعْضُهُمْ يُجْرِي (بَنِينَ) وَبَابَ (سِنِينَ) مُجْرَى (غِسْلِينٍ)، قَالَ:
11 - وَكَانَ لَنَا أَبُو حَسَنٍ عَلِيٌّ = أَباً بَرًّا وَنَحْنُ لَهُ بَنِينُ
وَقَالَ:
12 - دَعَانِيَ مِنْ نَجْدٍ فَإِنَّ سِنِينَهُ
وَبَعْضُهُمْ يَطْرُدُ هَذِهِ اللُّغَةَ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ وَكُلِّ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ، وَيُخَرِّجُ عَلَيْهَا قَوْلَهُ:
13 - لا يَزَالُونَ ضَارِبِينَ الْقِبَابِ
وَقَوْلَهُ:
14 - وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينِ
فَصْلٌ: نُونُ الْمُثَنَّى وَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ مَكْسُورَةٌ، وَفَتْحُهَا بَعْدَ الْيَاءِ لُغَةٌ، كَقَوْلِهِ:
15 - عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً
وَقِيلَ: لا يَخْتَصُّ بِالْيَاءِ، كَقَوْلِهِ:
16 - أَعْرِفُ مِنْهَا الْجِيدَ وَالْعَيْنَانَا
وَقِيلَ: الْبَيْتُ مَصْنُوعٌ.
وَنُونُ الْجَمْعِ مَفْتُوحَةٌ، وَكَسْرُهَا جَائِزٌ فِي الشِّعْرِ بَعْدَ الْيَاءِ، كَقَوْلِهِ:
17 - وَأَنْكَرْنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ
وَقَوْلِهِ:
وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينِ([8])


([1]) لَمْ يُعَرِّفِ المُؤَلِّفُ جَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمَ كَمَا عَرَّفَ الْمُثَنَّى فِي الفصلِ السابقِ، وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ: (ضَمُّ اسْمٍ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ وَلا تَوْكِيدٍ، ولم يَتَغَيَّرْ فِيهِ بِنَاءُ مُفْرَدِهِ)، فَإِذَا قُلْتَ: (زَيْدٌ وَزَيْدٌ وَزَيْدٌ) فَقَدْ ضَمَمْتَ اسْماً إِلَى أكثرَ مِنْهُ بِطَرِيقِ العطفِ.
وَإِذَا قُلْتَ: (زَيْدٌ زَيْدٌ زَيْدٌ)، فَقَدْ ضَمَمْتَ اسْماً إِلَى أكثرَ مِنْهُ بطريقِ التوكيدِ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ بِجَمْعٍ اصْطِلاحِيٍّ، وَقَوْلُنَا: (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فِيهِ بِنَاءُ مُفْرَدِهِ) لإِخْرَاجِ جَمْعِ التكسيرِ، نَحْوَ الرِّجَالِ وَالهُنُودِ؛ فَإِنَّ فِيهِ ضَمَّ اسْمٍ إِلَى أكثرَ مِنْهُ، لَكِنْ مُفْرَدُ جَمْعِ التَّكْسِيرِ لا بُدَّ أَنْ يَتَغَيَّرَ فِي الْجَمْعِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْماً.
وكلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الاسمِ الَّذِي يُرَادُ تَثْنِيَتُهُ يُشْتَرَطُ فِيمَا يُرَادُ جَمْعُهُ، وَانْظُرْ إِلَى قَوْلِكَ: (الزَّيْدُونَ) فِي جَمْعِ (زَيْدٍ) جَمْعَ مُذَكَّرٍ سَالِماً تَجِدِ الْحَرَكَاتِ الَّتِي عَلَى حُرُوفِ المفردِ وَتَرْتِيبَ هَذِهِ الحروفِ وَاتِّصَالَ بَعْضِهَا ببعضٍ هِيَ بِنَفْسِهَا فِي الْجَمْعِ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى جمعِهِ جَمْعَ تَكْسِيرٍ عَلَى (الزُّيُودِ) تَجِدِ التغييرَ وَاضِحاً، فَتُدْرِكِ الفَرْقَ بَيْنَ الجَمْعَيْنِ.
([2]) سُورَةُ المؤمنونَ، الآيَةُ: 112.
([3]) سُورَةُ الحجرِ، الآيَةُ: 91.
([4]) سُورَةُ المعارجِ، الآيَةُ: 37.
([5]) أَيْ: لِعَدَمِ التَّعْوِيضِ فِيهِمَا.
([6]) ذَكَرَ المُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِمَّا أُلْحِقَ بِجَمْعِ المُذَكَّرِ: مَا سُمِّيَ بِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا أُلْحِقَ بِالْمُثَنَّى: مَا سُمِّيَ بِهِ مِنْهُ، وَكَانَ خَلِيقاً بِأَنْ يَذْكُرَهُ، وَحَاصِلُ الْقَوْلِ فِيهِ: أَنَّهُ إِذَا سُمِّيَ شَخْصٌ أَوْ مَكَانٌ بِاسْمٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى علامةِ التثنيةِ مِثْلِ حَسَنَيْنِ وَزَيْدَيْنِ، فَإِنَّ هَذَا الاسمَ لَيْسَ مُثَنًّى حَقِيقَةً؛ لأَنَّ مَدْلُولَهُ فَرْدٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَلْحَقَهُ الْعَرَبُ بالمُثَنَّى، فَأَعْرَبُوهُ فِي أَشْهَرِ لُغَاتِهِمْ كَإِعْرَابِ الْمُثَنَّى بالألفِ رَفْعاً وبالياءِ نَصْباً وَجَرًّا، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُلْزِمُهُ الأَلِفَ فِي الأحوالِ كُلِّهَا، وَيُعْرِبُهُ بالحركاتِ الظاهرةِ عَلَى النُّونِ كإعرابِ مَا لا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَزِيَادَةِ الأَلِفِ والنونِ، وَإِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ أل جَرُّوهُ بالكسرةِ كَمَا فِي قَوْلِ ابْنِ أَحْمَرَ:
ألا يَا دِيَارَ الْحَيِّ بِالسَّبُعَانِ = أَمَلَّ عَلَيْهَا بِالْبِلَى الْمَلَوَانِ
10 - هَذَا عَجُزُ بَيْتٍ مِنَ الْخَفِيفِ، وَصَدْرُهُ قَوْلُهُ:
طَالَ لَيْلِي وَبِتُّ كَالْمَجْنُونِ
وفي كَلامِ الشيخِ خَالِدٍ مَا يُفِيدُ أَنَّ الجَوْهَرِيَّ قَدْ نَسَبَ هَذَا البيتَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ، وأنَّ ابْنَ بَرِّيٍّ قَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِي دَهْبَلٍ الجُمَحِيِّ، (وَوَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِهِ: لأبي ذُهْلٍ الخُزَاعِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ وَتَحْرِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ)، وَعَثَرْتُ عَلَى قصيدةٍ لأبي دَهْبَلٍ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ أُسَيْدٍ أَحَدِ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ البَيْتُ مَطْلَعَهَا فِي روايةٍ بَعْضِ الرواةِ، وَهَاكَ أَبْيَاتاً مِنْ أَوَّلِهَا:
طَالَ لَيْلِي وَبِتُّ كَالْمَحْزُونِ = وَمَلِلْتُ الثَّوَاءَ فِي جَيْرُونِ
وَأَطَلْتُ الْمُقَامَ بِالشَّامِ حَتَّى = ظَنَّ أَهْلِى مُرَجَّمَاتِ الظُّنُونِ
فَبَكَتْ خَشْيَةَ التَّفَرُّقِ جُمْلٌ = كَبُكَاءِ الْقَرِينِ إِثْرَ الْقَرِينِ
وهذهِ روايةُ الأُدَبَاءِ وَحَمَلَةِ الشِّعْرِ، وَرِوَايَةُ الشاهدِ عَلَى مَا فِي الأصلِ هِيَ روايةُ النُّحَاةِ.
اللُّغَةُ: (اعْتَرَتْنِي) نَزَلَتْ بِي، وَتَقُولُ: عَرَاهُ يَعْرُوهُ، وَاعْتَرَاهُ يَعْتَرِيهِ، (الْهُمُومُ) جَمْعُ: هَمٍّ، (الْمَاطِرُون) هُوَ فِي الأصلِ: جَمْعُ مَاطِرٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُجْمَعَ جَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمَ؛ لأَنَّهُ وَصْفٌ لِغَيْرِ عَاقِلٍ، وَلَكِنَّهُ جُمِعَ هَذَا الْجَمْعَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَوْضِعٌ بالشامِ، وَصَاحِبُ الصِّحَاحِ يَرْوِيهِ (النَّاطِرُون) بِالنُّونِ، عَلَى أَنَّهُ فِي الأصلِ جَمْعُ: نَاطِرٍ، وَهُوَ الَّذِي يَرْقُبُ وَيَحْفَظُ الأشياءَ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ، ولكنَّ المجدَ قَدْ خَطَّأَهُ فِي القاموسِ، فَقَالَ: (وَغَلِطَ الجَوْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: نَاطِرُون، مَوْضِعٌ بالشَّأْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَاطِرُون، بالمِيمِ) اهـ.
وَقَدْ أَنْشَدَ الأَزْهَرِيُّ بَيْتاً لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ يَتَغَزَّلُ فِيهِ بِنَصْرَانِيَّةٍ كَانَتْ قَدْ تَرَهَّبَتْ فِي دَيْرٍ خَرِبٍ عِنْدَ الْمَاطِرُونِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
وَلَهَا بِالْمَاطِرُونِ إِذَا = أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا
بالمِيمِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَاقُوتٌ الرُّومِيُّ فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ.
المَعْنَى: يَصِفُ طُولَ لَيْلِهِ، وَمَا صَارَ إِلَيْهِ مِن الحيرةِ والاضطرابِ، وَمَا نَزَلَ بِهِ مِن الأحزانِ والآلامِ، وَهُوَ فِي هَذَا المكانِ، بِسَبَبِ بُعْدِهِ عَنْ أُلاَّفِهِ وَأَحْبَابِهِ.
الإعرابُ: (طَالَ) فِعْلٌ مَاضٍ، (لَيْلِي) فَاعِلٌ مَرْفُوعٌ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى مَا قَبْلَ ياءِ المُتَكَلِّمِ، وَلَيْل: مُضَافٌ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، (وَبِتُّ) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، بَاتَ: فِعْلٌ ماضٍ تَامٌّ، وَتَاءُ المُتَكَلِّمِ فَاعِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضمِّ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، (كَالْمَجْنُونِ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ تَاءِ المُتَكَلِّمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاتَ فِعْلاً نَاقِصاً وَتَاءُ المُتَكَلِّمِ اسْمَهُ وَالجارُّ وَالمجرورُ مُتَعَلِّقاً بِمَحْذُوفٍ خَبَرُهُ، (وَاعْتَرَتْنِي) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، اعْتَرَى فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ علامةٌ عَلَى تأنيثِ الفَاعِلِ، والنونُ للوِقايةِ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ مَفْعُولٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، (الْهُمُومُ) فَاعِلُ اعْتَرَى، (بِالْمَاطِرُونَ) الْبَاءُ حَرْفُ جَرٍّ، وَالْمَاطِرُونَ مَجْرُورٌ بِهِ وَعَلامَةُ جَرِّهِ الكسرةُ الظاهرةُ، وَالجارُّ وَالمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِاعْتَرَى.
الشَّاهِدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (بِالْمَاطِرُونَ) فَإِنَّ الشَّاعِرَ قَدِ اسْتَعْمَلَ جَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمَ المُسَمَّى بِهِ بالواوِ فِي مَوْضِعِ الجرِّ، وَجَعَلَ إِعْرَابَهُ عَلَى النُّونِ فَجَرَّهُ بالكسرةِ الظاهرةِ، فمثلُهُ مثلُ الاسمِ الَّذِي آخِرُهُ واوٌ ونونٌ، مِثْلُ: زَيْتُون وَعَرَبُون، فَإِنَّهُ يُعْرَبُ فِي حالةِ الرفعِ بالضمَّةِ الظاهرةِ عَلَى آخرِهِ وَهُوَ النُّونُ، وَيُنْصَبُ بالفتحةِ وَيُجَرُّ بالكسرةِ كذلكَ، تَقُولُ: هَذَا زَيْتُونٌ جَيِّدٌ، وَهَذَا عَرَبُونٌ كَثِيرٌ، وَتَقُولُ: اشْتَرَيْتُ زَيْتُوناً جَيِّداً، وَدَفَعْتُ عَرَبُوناً كَثِيراً، وَتَقُولُ: أَكَلْتُ مِنْ زَيْتُونٍ جَيِّدٍ، وَأَخَذْتُ مِنْ عَرَبُونٍ كَثِيرٍ مَالاً قَلِيلاً.
([7]) مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُلْزِمُ هَذَا النوعَ، وَهُوَ جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ المُسَمَّى بِهِ، الْوَاوَ، وَيُلْزِمُهُ معَ ذَلِكَ فَتْحَ النُّونِ فِي الأحوالِ كُلِّهَا، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ السِّيْرَافِيُّ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ صحيحٌ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ، وَجَعَلَ النُّحَاةُ هَذِهِ اللغةَ نَظِيرَ اللغةِ الَّتِي تُلْزِمُ الْمُثَنَّى الأَلِفَ وَكَسْرَ النُّونِ فِي الأحوالِ كُلِّهَا، وعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ رَفْعُ جَمْعِ المُذَكَّرِ السالمِ ونصبُهُ وَجَرُّهُ بِضَمَّةٍ أَوْ فَتْحَةٍ أَوْ كَسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الْوَاوِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا الثِّقَلُ فِي الرَّفْعِ والجرِّ، وَمُعَامَلَةُ المَنْصُوبِ مُعَامَلَةَ المَرْفُوعِ وَالمَجْرُورِ فِي حَالَةِ النَّصْبِ، وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِاعْتِرَاضَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَقْدِيرُ الإعرابِ فِي وَسْطِ الكلمةِ.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ فِي الأسماءِ مَا آخِرُهُ وَاوٌ وَقَبْلَهَا ضَمَّةٌ تُقَدَّرُ عَلَيْهَا حَرَكَاتُ الإعرابِ، وَلا نَظِيرَ لِذَلِكَ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَبِحَسْبِكَ هَذَا.
11 - هَذَا بيتٌ مِنَ الوَافِرِ، وَقَدْ نَسَبَ النُّحَاةُ هَذَا البيتَ إِلَى أَحَدِ أَبْنَاءِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالبٍ، ولم يُعَيِّنُوهُ، وَالَّذِي ثَبَتَ عِنْدِي بَعْدَ البَحْثِ أَنَّهُ مِنْ كَلامِ أحدِ شِيعَةِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَقَائِلُهُ هُوَ سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ، يَقُولُهُ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَبْلَهُ قَوْلُهُ:
أَلا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ = وَرَجْمُ الغَيْبِ يَكْشِفُهُ اليَقِينُ
بِأَنَّا لا نَزَالُ لَكُمْ عَدُوًّا = طَوَالَ الدَّهْرِ مَا سُمِعَ الْحَنِينُ
اللغةُ: (رَجْمُ الغَيْبِ) أَرَادَ بِهِ الْكَلامَ الَّذِي تُلْقِيهِ عَلَى عَوَاهِنِهِ ظَنًّا وَتَخَرُّصاً، (يَكْشِفُهُ) أَرَادَ أَنَّهُ يُبَيِّنُ فَسَادَهُ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ دَخَلٍ، (عَدُوًّا) ذَوِي عَدَاوَةٍ، وَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ والاثنانِ والجمعُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ}. وَقَالَ جَلَّتْ حِكْمَتُهُ: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}. وَقَالَ سبحانَهُ: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}، (أَبَا حَسَنٍ) هِيَ كُنْيَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالبٍ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، كُنِّيَ بِابْنِهِ مِنْ فَاطِمَةَ الزهراءِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، (أَباً بَرًّا) يُرِيدُ أَنَّهُ عَامَلَنَا كَمَا يُعَامِلُ الآباءُ البَرَرَةُ الرُّحَمَاءُ أَبْنَاءَهُمْ.
المَعْنَى: يُنَدِّدُ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَيَذْكُرُ لَهُ أَنَّهُمْ لا يَزَالُونَ مُصِرِّينَ عَلَى عَدَاوَتِهِ وَبُغْضِهِ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ فَيَبْغَضُوا عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عنهُ؛ لأنَّهُم لا يَذْكُرُونَ لَهُ سَيِّئَةً تَحْمِلُهُمْ عَلَى بُغْضِهِ، فَقَدْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الأبِ الرَّحِيمِ مِنْ أبنائِهِ، يَعْطِفُ عَلَيْهِمْ، وَيَجْلُبُ لَهُم الْخَيْرَ مَا اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سبيلاً.
الإعرابُ: (كَانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، (لَنَا) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ قَوْلِهِ: (أَباً بَرًّا) الآتِي، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقاً بِكَانَ، (أَبُو) اسْمُ كَانَ مَرْفُوعٌ بالواوِ نِيَابَةً عَن الضمَّةِ؛ لأَنَّهُ مِن الأسماءِ الستَّةِ، وأبو مُضَافٌ، و (حَسَنٍ) مُضَافٌ إِلَيْهِ، (عَلِيٌّ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: أَبُو حَسَنٍ، مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (أَباً) خَبَرُ كَانَ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (بَرًّا) نَعْتٌ لِقَوْلِهِ: (أَباً)، مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (وَنَحْنُ) الْوَاوُ واوُ الحالِ، نَحْنُ: ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مُبْتَدَأٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضمِّ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، (لَهُ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ قَوْلِهِ: (بَنِينُ) الآتِي بَعْدُ، (بَنِينُ) خَبَرُ المُبْتَدَإِ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وَجُمْلَةُ المُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ فِي مَحَلِّ نَصْبِ حَالٍ.
الشَّاهِدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (بَنِينُ) فَإِنَّ الشاعرَ قَدْ جَاءَ بهذهِ الكلمةِ بالياءِ فِي مَوْضِعِ الرفعِ؛ لأَنَّ الكلمةَ واقعةٌ خَبراً عَن المبتدإِ كَمَا عَلِمْتَ فِي إعرابِ البيتِ، وَجَعَلَ الرفعَ بضمةٍ ظاهرةٍ عَلَى النُّونِ كَمَا يُنْبِئُ عنهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ أبياتِ كلمةِ الشاهدِ.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُجْرِي (بَنِينُ) - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَماً - مُجْرَى (غِسْلِينٍ) و (يَقْطِينٍ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ اسْمٍ مُفْرَدٍ آخِرُهُ نونٌ قَبْلَهَا يَاءٌ، فِي لزومِ الياءِ والإعرابِ بحركاتٍ ظاهرةٍ عَلَى النُّونِ، وَلا يُسْقِطُ هَذِهِ النُّونَ للإضافةِ، وَقَدْ حَكَى الفَرَّاءُ هَذِهِ اللغةَ عَنْ بَنِي عَامِرٍ وَبَنِي تَمِيمٍ، إِلاَّ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ بَنِي عَامِرٍ يُنَوِّنُونَ فِي الحركاتِ الثلاثِ.
فَيَقُولُونَ: هَؤُلاءِ بَنِينٌ بَرَرَةٌ، وَمَا رَأَيْتُ بَنِيناً بَرَرَةً كَبَنِينِ فُلانٍ، وَلَقَدْ أُعْجِبْتُ بِبَنِينٍ بَرَرَةٍ رَأَيْتُهُمْ عِنْدَ فُلانٍ، كَمَا يَقُولُونَ: هَذَا يَقْطِينٌ نَاضِرٌ، وَأَكَلْتُ يَقْطِيناً، وهذهِ شجرةُ يَقْطِينٍ، بالتنوينِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَذُكِرَ أَنَّ بَنِي تَمِيمٍ لَمْ [لعلها: لا] يُنَوِّنُونَ، بَلْ يَرْفَعُونَ بِضَمَّةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، وَهَلْ يَجُرُّونَ بِكَسْرَةٍ ظَاهِرَةٍ كَذَلِكَ؟
حَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ التَّسْهِيلِ فِي هَذِهِ الحالةِ أَنَّ الظاهرَ مِنْ كَلامِ ابْنِ مالكٍ أَنَّ بَنِي تَمِيمٍ يَجُرُّونَ هَذَا النوعَ بالكسرةِ الظاهرةِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، ولكنَّ كَلامَ الفَرَّاءِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُمْ يَجُرُّونَهُ بالفتحةِ نيابةً عَن الكسرةِ، وَيُعَامِلُونَهُ مُعَامَلَةَ الاسمِ الَّذِي لا يَنْصَرِفُ لِشَبَهِ العُجْمَةِ.
قالَ أَبُو رَجَاءٍ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ: وَإِذَا تَذَكَّرْتَ أَنَّ فَرْضَ الْكَلامِ أَنَّ هَذَا النوعَ مِن المُلْحَقِ بِجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ لَيْسَ عَلَماً عَلِمْتَ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ كَلامُ ابْنِ مَالِكٍ؛ لأَنَّ مَنْعَهُ مِن الصرفِ لِشَبَهِ العُجْمَةِ وَحْدَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لأَنَّ العُجْمَةَ نَفْسَهَا لا تَمْنَعُ الاسمَ مِن الصرفِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَماً، فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَتَدَبَّرْهُ.
وَعَلَى لُغَةِ بَنِي عَامِرٍ وَرَدَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِيناً كَسِنِينِ يُوسُفَ)) بِتَنْوِينِ ((سِنِيناً)) المَنْصُوبِ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِثْبَاتِ النُّونِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ فِي (سِنِينِ) المَجْرُورِ بالكَسْرَةِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ؛ لِكَوْنِهِ مُضَافاً إِلَى مَا بَعْدَهُ.
12 - هَذَا صَدْرُ بَيْتٍ مِنَ الطويلِ، وَعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
لَعِبْنَ بِنَا شِيباً وَشَيَّبْنَنَا مُرْدَا
وهذا البيتُ مِنْ كلمةٍ لِلصِّمَّةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ القُشَيْرِيِّ، وَكَانَ الصِّمَّةُ قَدْ خَطَبَ ابنةَ عَمِّهِ فَاشْتَطَّ عَلَيْهِ عَمُّهُ فِي المَهْرِ، وَرَغِبَ هُوَ إِلَى أَبِيهِ فِي أَنْ يَسُوقَ إِلَى عَمِّهِ المَهْرَ الَّذِي يَطْلُبُهُ فَبَخِلَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ مُغَاضِباً لأَبِيهِ وَعَمِّهِ، وَارْتَحَلَ إِلَى طَبَرِسْتَانَ، فَأَقَامَ بِهَا حَيَاتَهُ، فَهُوَ تَارَةً يَحِنُّ إِلَى نَجْدٍ؛ لأَنَّ بِهَا أَحِبَّاءَهُ، وَتَارَةً يَذِمُّ نَجْداً؛ لأَنَّهَا مَوْطِنُ هَذَيْنِ الشَّيْخَيْنِ اللَّذَيْنِ فَرَّطَا فِيهِ مِنْ أجلِ بُعْرَانٍ: هَذَا فَرَّطَ فِيهِ جَشَعاً وَطَمَعاً، وَذَلِكَ فَرَّطَ فِيهِ ضَنَانَةً وَبُخْلاً. وَأَوَّلُ هَذِهِ القصيدةِ الَّتِي مِنْهَا بيتُ الشاهدِ قَوْلُهُ:
خَلِيلَيَّ إِنْ قَابَلْتُمَا الْهَضْبَ أَوْ بَدَا = لَكُمْ سَنَدُ الوَرْكَاءِ أَنْ تَبْكِيَا جَهْدَا
سَلا عَبْدَ لَعْلَى حَيْثُ أَوْفَى عَشِيَّةَ = خَزَازَى وَمَدَّ الطَّرْفَ هَلْ أُنْسِيَ النَّجْدَا
فَمَا عَنْ قِلًى لِلنَّجْدِ أَصْبَحْتُ هَهُنَا إِلَى جَبَلِ الأَوْشَالِ مُسْتَخْبِياً بَرْدَا
اللغةُ: (دَعَانِي) مَعْنَاهُ اتْرُكَانِي، وَيُرْوَى فِي مَكَانِهِ (ذَرَانِي) وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، (نَجْدٍ) هُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ بلادِ الْعَرَبِ، وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنْ تِهَامَةَ إِلَى أَرْضِ العراقِ، وَمَا عَدَاهُ فَهُوَ الغَوْرُ - بفتحِ الغَيْنِ المُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ -، (سِنِينَهُ) جَمْعُ سَنَةٍ، وَهِيَ فِي الأصلِ العامُ، وَتُطْلَقُ السَّنَةُ عَلَى الجَدْبِ والقَحْطِ، (مُرْدَا) جَمْعُ أَمْرَدَ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْبُتِ الشعرُ بِوَجْهِهِ.
المَعْنَى: يَنْهَى صَاحِبَيْهِ عَنْ أَنْ يَذْكُرَا لَهُ نَجْداً؛ لأَنَّهُ إِذَا ذُكِرَ لَهُ تَذَكَّرَ مَا لَقِيَهُ مِن الجهدِ والعَنَتِ أَيَّامَ إِقَامَتِهِ فِيهِ.
الإعرابُ: (دَعَانِي) دَعَا فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حذفِ النُّونِ، وألفُ الاثْنَيْنِ فَاعِلُهُ، والنُّونُ للوقايةِ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ مَفْعُولٌ بِهِ، (مِنْ نَجْدٍ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِدَعَا، (فَإِنَّ) الفاءُ للتعليلِ، إِنَّ حَرْفُ تَوْكِيدٍ وَنَصْبٍ، (سِنِينَهُ) سِنِين: اسْمُ إِنَّ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وَهُوَ مُضَافٌ وَضَمِيرُ الْغَائِبِ العَائِدُ إِلَى نَجْدٍ مُضَافٌ إِلَيْهِ، (لَعِبْنَ) لَعِبَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ المُقَدَّرِ عَلَى آخِرِهِ، وَنُونُ النسوةِ فَاعِلُهُ، وَجُمْلَةُ الفِعْلِ وَالفاعلِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ إِنَّ، (بِنَا) جَارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِلَعِبَ، (شِيباً) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ المَجْرُورِ مَحَلاًّ بِالْبَاءِ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (وَشَيَّبْنَنَا) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، شَيَّبَ فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى فَتْحٍ مُقَدَّرٍ عَلَى آخرِهِ، وَنُونُ النسوةِ فَاعِلُهُ، وَنَا مَفْعُولٌ بِهِ، (مُرْداً) حالٌ مِنْ ضميرِ المُتَكَلِّمِ المَنْصُوبِ مَحَلاًّ بِشَيَّبَ، وَجُمْلَةُ الفعلِ وَفَاعِلِهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَطْفٌ بالواوِ عَلَى جملةِ الحالِ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (سِنِينَهُ) حيثُ نَصَبَهُ الشاعرُ بالفتحةِ الظاهرةِ عَلَى النُّونِ، فَجَعَلَ النُّونَ فِيهِ كالنَّونِ الَّتِي مِنْ أَصْلِ الكلمةِ وَقَبْلَهَا ياءٌ فِي نَحْوِ: مِسْكِينٍ وَغِسْلِينٍ، وَلَوْلا أَنَّهُ عَامَلَهُ هَذِهِ المعاملةَ لَحَذَفَهَا للإضافةِ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ النُّونَ الَّتِي تَلِي علامةَ الإعرابِ فِي الْمُثَنَّى وَالجمعِ الَّذِي عَلَى حَدِّهِ تُحْذَفُ للإضافةِ كَمَا يُحْذَفُ التنوينُ مِن الاسمِ المفردِ، وهذهِ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ مِنْهُمْ بَنُو عَامِرٍ وَبَنُو تَمِيمٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَكَ فِي شرحِ الشاهدِ السابقِ حكايةً عَن الفرَّاءِ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَالِكٍ فِي تَسْهِيلِهِ.
وَذَهَبَ ابْنُ جِنِّيٍّ وَابنُ عُصْفُورٍ إِلَى أَنَّ إِعْرَابَ هَذَا النوعِ مِن المُلْحَقِ بِجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ هَذَا الإعرابَ ضَرُورَةٌ مِنْ ضَرُورَاتِ الشعرِ، لا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا مُتَكَلِّمٌ فِي كَلامٍ مَنْثُورٍ.
وكلامُ الفرَّاءِ فِي هَذِهِ المسألةِ أَحَقُّ بأنْ تَأْخُذَ بِهِ، فَقَدْ أَثَرْنَا لَكَ فِي الشاهدِ السابقِ حَدِيثاً تَكَلَّمَ بِهِ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ اللغةِ.
13 - هَذَا عَجُزُ بَيْتٍ مِنَ الخَفِيفِ، وَصَدْرُهُ قَوْلُهُ:
رُبَّ حَيٍّ عَرَنْدَسٍ ذِي طَلالٍ
وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى نسبةٍ إِلَى قائلٍ مُعَيَّنٍ مَعَ كثرةِ مَنِ اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنَ النُّحَاةِ.
اللغةُ: (عَرَنْدَسٍ) بِزِنَةِ سَفَرْجَلٍ، هُوَ فِي الأصلِ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ، والأُنْثَى عَرَنْدَسَةٌ – بالهاءِ -، وَيُقَالُ: حَيٌّ عَرَنْدَسٌ، إِذَا أُرِيدَ وَصْفُهُمْ بالعِزِّ وَالمَنْعَةِ.
قالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: (طَلالٍ) - بِفَتْحِ الطاءِ المُهْمَلَةِ، بِزِنَةِ سَحَابٍ -، اسْمُ جَمْعٍ، وَاحِدُهُ طَلالَةٌ، بِالْهَاءِ، وَهِيَ الحالةُ الحَسَنَةُ وَالْهَيْئَةُ الجَمِيلَةُ، أَوْ هِيَ الفَرَحُ والسرورُ، أَوْ هِيَ الْحُسْنُ وَالرَّوْنَقُ وَالْمَاءُ، (ضَارِبِينَ الْقِبَابِ) الْقِبَاب: جَمْعُ قُبَّةٍ، وَهِيَ الخَيْمَةُ مُطْلَقاً، أَوْ خَاصَّةً بِمَا يُضْرَبُ عَلَى المُلُوكِ، وعلى الأوَّلِ هِيَ كنايةٌ عَنْ دوامِ إقامَتِهِم وَثَبَاتِهِم فِي بلادِهِم؛ لأنَّهُم لا يَحْتَاجُونَ إِلَى الظعنِ لِطَلَبِ الكلأِ؛ لِكَثْرَةِ الخصبِ والخيرِ والمالِ عِنْدَهُمْ، وعلى الثاني هِيَ كنايةٌ عَنْ عظمةِ شَأْنِهِمْ وَرِفْعَةِ قَدْرِهِم وَعُلُوِّ أَمْرِهِمْ وَأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الملوكِ، وَيُرْوَى فِي مكانِهِ (لا يَزَالُونَ ضَارِبِينَ الرِّقَابِ) فَهِيَ كِنَايَةٌ عَن الشَّجَاعَةِ.
الإعرابُ: (رُبَّ) حَرْفُ تَقْلِيلٍ وَجَرٍّ شَبِيهٌ بالزائدِ، (حَيٍّ) مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى آخرِهِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ المَحَلِّ بِحَرَكَةِ حَرْفِ الجَرِّ الشَّبِيهِ بالزَّائِدِ، (عَرَنْدَسٍ) صِفَةٌ لِحَيٍّ تَابِعَةٌ لَهُ فِي الجَرِّ نَظَراً إِلَى اللفظِ، (ذِي) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِحَيٍّ مَجْرُورَةٌ بالياءِ نِيَابَةً عَن الكسرةِ؛ لأَنَّهُ مِن الأسماءِ الستَّةِ، وَذِي مُضَافٌ، و (طَلالٍ) مُضَافٌ إِلَيْهِ، (لا) نَافِيَةٌ، (يَزَالُونَ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ نَاقِصٌ مَرْفُوعٌ بِثُبُوتِ النُّونِ، وَوَاوُ الجماعةِ اسْمُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، (ضَارِبِينَ) خَبَرُ الْفِعْلِ النَّاقِصِ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظَّاهِرَةِ وَضَارِبِينَ مُضَافٌ، وَ (الْقِبَابِ) مُضَافٌ إِلَيْهِ مَجْرُورٌ بِالكَسْرَةِ الظاهرةِ، وَجُمْلَةُ الفِعْلِ الناقصِ وَاسْمِهِ وَخَبَرِهِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ المُبْتَدَإِ الْمَجْرُورِ لَفْظاً بِحَرْفِ الجرِّ الشَّبِيهِ بالزَّائِدِ، وَهُوَ (حَيٍّ).
المَعْنَى: قليلٌ مِن الأحياءِ الأقوياءِ الأَشِدَّاءِ ذَوِي الهَيْئَاتِ الحسنةِ وَالرَّوْنَقِ البَهِيِّ اسْتَمَرَّتْ إِقَامَتُهُم فِي مَوْضِعِ نُزُولِهِم لِكَثْرَةِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ أسبابِ النعمةِ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (ضَارِبِينَ الْقِبَابِ) حَيْثُ نَصَبَ (ضَارِبِينَ) بالفتحةِ الظاهرةِ عَلَى النُّونِ، وَجَعَلَ النُّونَ فِي هَذِهِ الكلمةِ كالنونِ الَّتِي مِنْ أَصْلِ الكلمةِ وقَبْلَهَا ياءٌ فِي نَحْوِ: مَسَاكِينٍ وَمَجَانِينٍ، وَلَوْلا أَنَّهُ عَامَلَهَا هَذِهِ المعاملةَ لَكَانَ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَحْذِفَ هَذِهِ النُّونَ لإضافةِ هَذِهِ الكلمةِ إِلَى مَا بَعْدَهَا، وَإِمَّا أَنْ يَنْصِبَ مَا بَعْدَهَا عَلَى أَنَّهُ مفعولٌ بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ بالكلامِ عَلَى أحدِ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَامَلَ الكلمةَ مُعَامَلَةَ الاسمِ المُفْرَدِ الَّذِي آخِرُهُ نونٌ قَبْلَهَا يَاءٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ (ضَارِبِينَ) جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، فَلَيْسَ هُوَ مُلْحَقاً بِجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الأخصِّ مِن الأسماءِ الثلاثيَّةِ الَّتِي حُذِفَتْ لامَاتُهَا، ثُمَّ زِيدَتْ عليها الْوَاوُ والنونُ، فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِجَمْعِ المُذَكَّرِ السالمِ: كَسَنَةٍ وَسِنِينَ وَعِزَةٍ وَعِزِينَ وَثُبَةٍ وَثُبِينَ، وَقَدْ نَسَبَ المُؤَلِّفُ إِلَى بَعْضِ النُّحَاةِ - غَيْرَ مُعَيَّنٍ -، أَنَّهُ يَرَى إِلْزَامَ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ وَكُلِّ مَا أُلْحِقَ بِهِ الياءَ وَإِعْرَابَهُ بِحَرَكَاتٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى النُّونِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الأَشْمُونِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الأَلْفِيَّةِ بأنَّ هَذَا رَأْيُ الفَرَّاءِ، ولكنَّ الَّذِي يَقِفُ عَلَى كَلامِ الفرَّاءِ يُدْرِكُ أَنَّهُ لا يَرَى جَوَازَ هَذِهِ المُعَامَلَةِ إِلاَّ مَعَ نَحْوِ (سِنِينَ) وَبَابِهِ مِمَّا حُذِفَتْ لامُهُ؛ لأنَّهُم لَمَّا حَذَفُوا لامَهُ وَوَقَعَتْ هَذِهِ النُّونُ فِي مَكَانِ اللامِ تَوَهَّمُوا أَنَّهَا هِيَ اللامُ فَأَجْرَوُا الإعرابَ عَلَيْهَا، والفَرَّاءُ يَقُولُ فِي آخِرِ كلامِهِ: (أَلا تَرَى أنَّهُم لا يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي الصَّالِحِينَ وَالمُسْلِمِينَ وَمَا أَشْبَهَهُ؟!) اهـ. وَهَذَا كَلامٌ صريحٌ فِيمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ مَذْهَبِهِ.
وقالَ الأعلمُ الشَّنْتَمَرِيُّ: (هُوَ - يَعْنِي هَذَا الإعرابَ -، فِي السِّنِينَ والعُقُودِ أَمْثَلُ مِنْهُ فِي الْمُسْلِمِينَ) اهـ. وَيُرِيدُ بالسِّنِينَ: الثُّلاثِيَّ مَحْذُوفَ اللامِ الَّذِي سَبَق الاستشهادُ لِمَجِيئِهِ عَلَى هَذِهِ اللغةِ، وَيُرِيدُ بالعُقُودِ: العِشْرِينَ وَالتِّسْعِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِمَجِيءِ هَذِهِ اللغةِ فِي أوصافِ المُذَكَّرِينَ الَّتِي جُمِعَتْ جَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمَ بِالأبياتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَعَ الشاهدِ الآتي رَقْمِ 14.
والذي يَتَلَخَّصُ مِمَّا أَثَرْنَاهُ لَكَ مِنْ أقوالِ النُّحَاةِ وَمَا نَسَبُوهُ إِلَى الْعَرَبِ مِنَ اللُّغَاتِ: أَنَّ مَجْمُوعَ مَا وَرَدَ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السالمِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ خَمْسُ لُغَاتٍ:
الأُولَى: أَنْ يَكُونَ إِعْرَابُهُ بِالواوِ فِي حالةِ الرفعِ، وبالياءِ المكسورِ مَا قَبْلَهَا فِي حَالِ الجرِّ والنَّصْبِ، وَزِيَادَةَ نُونٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الْوَاوِ أَو الياءِ عِوَضاً عَنْ تنوينِ الاسمِ المفردِ، وَهَذِهِ أَعْلَى اللُّغَاتِ وَأَجْوَدُهَا وَأَجْرَاهَا عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ.
الثانيةُ: أَنْ يُؤْتَى بِهِ بالواوِ فِي الأحوالِ الثلاثةِ، وَإِلْحَاقِ النُّونِ مَفْتُوحَةً مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، فَيَكُونَ إِعْرَابُهُ بِحَرَكَاتٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الْوَاوِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي شَرْحِ الشاهدِرَقْمِ 10.
الثالثةُ: أَنْ يُؤْتَى بِهِ بالواوِ فِي الأحوالِ كُلِّهَا، وَيُجْعَلَ إِعْرَابُهُ بِحَرَكَاتٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى النُّونِ مع التَّنْوِينِ، فَتُضَمَّ النُّونُ فِي حالِ الرفعِ، وَتُكْسَرَ فِي حالِ الجرِّ، وَتُفْتَحَ فِي حالِ النَّصْبِ.
الرابعةُ: أَنْ يُؤْتَى بِهِ بالواوِ فِي جَمِيعِ الأحوالِ، وَبَعْدَهَا نُونٌ غَيْرُ مُنَوَّنَةٍ؛ فَيَكُونَ إِعْرَابُهُ بِحَرَكَاتٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى النُّونِ غَيْرِ المُنَوَّنَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي ص50.
الخامسةُ: أَنْ يُؤْتَى بِهِ بالياءِ فِي الأحوالِ الثلاثةِ، وَتُحَرَّكَ النُّونُ مُنَوَّنَةً بِحَرَكَاتِ الإعرابِ: الضَّمَّةِ فِي حالِ الرفعِ، والكَسْرَةِ فِي حالِ الجرِّ، والفتحةِ فِي حالِ النصبِ، وكأنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ مَخْتُومٌ بِيَاءٍ وَنُونٍ نَحْوَ: غِسْلِينٍ وَمِسْكِينٍ وَسِكِّينٍ.
وَقَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ كُلِّ لغةٍ مِنْ هَذِهِ اللغاتِ وَنِسْبَتَهَا.
14 - هَذَا عَجُزُ بَيْتٍ مِنَ الْوَافِرِ، وَصَدْرُهُ قَوْلُهُ:

وَمَاذَا تَبْتَغِي الشُّعَرَاءُ مِنِّي
وهذا بَيْتٌ لِسُحَيْمِ بْنِ وَثِيلٍ الرِّيَاحِيِّ، وَقَدْ أَنْشَدَهُ المُؤَلِّفُ مَرَّتَيْنِ فِي هَذَا البابِ.
اللغةُ: (تَبْتَغِي الشُّعَرَاءُ) يُرْوَى فِي مَكَانِهِ (يَدَّرِي الشُّعَرَاءُ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَهُوَ مُضَارِعُ: ادَّرَاهُ، وَمَعْنَاهُ: خَتَلَهُ وَخَدَعَهُ.
المَعْنَى: يَقُولُ: كَيْفَ يَطْمَعُ الشُّعَرَاءُ فِي خَدِيعَتِي، وَتَتَمَنَّى أَنْفُسُهم خَتْلِي، وَقَدْ بَلَغْتُ سِنَّ الحنكةِ والتجربةِ والاختبارِ؟!
الإعرابُ: (مَاذَا) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَفْعُولٌ بِهِ مُقَدَّمٌ لِتَبْتَغِي، (تَبْتَغِي) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الياءِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا الثِّقَلُ، (الشعراءُ) فَاعِلٌ مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (مِنِّي) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِتَبْتَغِي، (وَقَدْ) الْوَاوُ: وَاوُ الحالِ، قَدْ: حَرْفُ تَحْقِيقٍ، (جَاوَزْتُ) فِعْلٌ وَفَاعِلٌ، (حَدَّ) مَفْعُولٌ بِهِ لِجَاوَزَ، وَحَدّ: مُضَافٌ، وَ (الأَرْبَعِينِ) مُضَافٌ إِلَيْهِ مَجْرُورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (حَدَّ الأَرْبَعِينِ) فَإِنَّ الروايةَ قَدْ وَرَدَتْ فِي هَذِهِ الكلمةِ بِكَسْرِ النُّونِ مِنْ (الأَرْبَعِينِ)، وَقَد اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الروايةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الكسرةَ الَّتِي عَلَى النُّونِ هِيَ كسرةُ الإعرابِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا العاملُ، وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَسْمَاءَ العقودِ الَّتِي هِيَ العِشْرُونَ والتِّسْعُونَ وَمَا بَيْنَهُمَا يَجُوزُ فِيهَا أَنْ تَلْزَمَ الياءَ وَيُجْعَلَ الإعرابُ بِحَرَكَاتٍ ظاهرةٍ عَلَى النُّونِ؛ فَتَكُونُ مَرْفُوعَةً بالضمَّةِ الظاهرةِ، وَمَنْصُوبَةً بالفتحةِ الظاهرةِ، وَمَجْرُورَةً بالكسرةِ الظاهرةِ كَمَا فِي هَذَا البيتِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ الأخفشُ، والأَعْلَمُ الشَّنْتَمَرِيُّ، وَقَدْ جَاءَ المُؤَلِّفُ بِهَذَا البيتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِيُقَرِّرَ أَنَّ مِنَ النُّحَاةِ مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ عَلِمْتَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ مِنَ النُّحَاةِ مَنْ يَطْرُدُ هَذَا الإعرابَ فِي جمعِ المُذَكَّرِ السالمِ وَفِي كُلِّ الأنواعِ الَّتِي أُلْحِقَتْ بِهِ، وَلا يَخُصُّ بِهِ نَوْعاً وَلا نَوْعَيْنِ.
ومِنَ النُّحَاةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الكلمةَ مُعْرَبَةٌ إِعْرَابَ جَمْعِ المُذَكَّرِ السالمِ، فَهِيَ مجرورةٌ بالياءِ نيابةً عَن الكسرةِ؛ لأَنَّهُ مُلْحَقٌ بجمعِ المُذَكَّرِ السالمِ، وَاعْتَذَرَ عَنْ كسرِ النُّونِ بِأَنَّهَا كُسِرَتْ عَلَى مَا هُوَ الأصلُ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَبُو الفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ، وَذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ إِلَى أَنَّ كَسْرَ النُّونِ فِي هَذِهِ الحالةِ لُغَةٌ مِنْ لغاتِ الْعَرَبِ فِي إعرابِ جمعِ المُذَكَّرِ السالمِ، وَسَيُنْشِدُ المُؤَلِّفُ هَذَا البيتَ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذَا البابِ عَلَى هَذَا التخريجِ.
وقدْ جَاءَ لهذا البيتِ نَظَائِرُ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ فِي غَيْرِ بَابِ العقودِ وغيرِ جَمْعِ الاسْمِ المَحْذُوفِ اللامِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ذِي الإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيِّ فِي نُونِيَّتِهِ الطويلةِ:
إِنِّي أَبِيٌّ أَبِيٌّ ذُو مُحَافَظَةٍ = وَابْنُ أَبِيٍّ أَبِيٍّ مِنْ أَبِيِّينِ
وَمِن ذَلِكَ قَوْلُ الفَرَزْدَقِ:
ما سَدَّ مَيِّتٌ وعَلا حَيٌّ مَسَدَّهُمَا = إِلاَّ الْخَلائِفُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّينِ
وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا البابِ قَوْلُ الآخرِ:
وَلَقَدْ وَلَدْتَ بَنِينَ صِدْقٍ سَادَةً = وَلأَنْتَ بَعْدَ اللَّهِ كُنْتَ السَّيِّدَا
وَقَوْلُ الآخرِ:
وَإِنْ أَتَمَّ ثَمَانِيناً رَأَيْتَ لَهُ = شَخْصاً ضَئِيلاً وَكَلَّ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ
15 - هَذَا صَدْرُ بَيْتٍ مِنَ الطويلِ، وَعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
فَمَا هِيَ إِلاَّ لَمْحَةٌ وَتَغِيبُ
وهذا بَيْتٌ مِنْ كلمةٍ جَيِّدَةٍ لِحُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ الهِلالِيِّ يَصِفُ فِيهَا قَطَاةً.
اللغةُ: (أَحْوَذِيَّيْنَ) هُوَ مُثَنَّى: أَحْوَذِيٍّ، وَأَصْلُ الأَحْوَذِيِّ: السَّرِيعُ فِي سَيْرِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي السريعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخَذَ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الأَحْوَذِيُّ هُوَ الخَفِيفُ فِي الشيءِ يَحْذِقُهُ.
وفي ديوانِ الأدبِ: الأَحْوَذِيُّ: الرَّاعِي المُتَشَمِّرُ للرعايةِ الضَّابِطُ لِمَا وُلِّيَ.
وَأَرَادَ حُمَيْدٌ بالأَحْوَذِيَّيْنِ هَاهُنَا جَنَاحَيِ الْقَطَاةِ، (اسْتَقَلَّتْ) ارْتَفَعَتْ وَتَحَامَلَتْ وَعَلَتْ فِي الجَوِّ.
المَعْنَى: يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ القَطَاةَ قَدْ طَارَتْ بِجَنَاحَيْنِ سَرِيعَيْنِ، فَأَنْتَ لا تَقَعُ عَيْنُكَ عَلَيْهَا إِلاَّ مقدارَ لحظةٍ، ثُمَّ تَغِيبُ عَنْكَ، وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ سُرْعَتِهَا.
الإعرابُ: (عَلَى) حَرْفُ جَرٍّ، (أَحْوَذِيَّيْنَ) مَجْرُورٌ بِعَلَى، وَعَلامةُ جَرِّهِ الياءُ نِيَابَةً عَن الكسرةِ؛ لأَنَّهُ مُثَنًّى، وَالجَارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتَقَلَّ، (اسْتَقَلَّتْ) اسْتَقَلَّ: فِعْلٌ مَاضٍ، والتاءُ علامةٌ عَلَى تأنيثِ الفاعلِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هِيَ، يَعُودُ إِلَى القَطَاةِ، (عَشِيَّةً) ظَرْفُ زَمَانٍ مَنْصُوبٌ بِاسْتَقَلَّ، (فَمَا) الفاءُ عَاطِفَةٌ، مَا نَافِيَةٌ، (هِيَ) ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مُبْتَدَأٌ يَعُودُ إِلَى القَطَاةِ، (إِلاَّ) أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ مُلْغَاةٌ، (لَمْحَةٌ) خَبَرُ المبتدإِ، وَالكلامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافَيْنِ، وَتَقْدِيرُهُ: فَمَا زَمَانُ رُؤْيَتِهَا إِلاَّ لمحةٌ، (وَتَغِيبُ) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ، تَغِيبُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هِيَ، يَعُودُ إِلَى القَطَاةِ، وَجُمْلَةُ المُضَارِعِ وَفَاعِلِهِ مَعْطُوفَةٌ بالواوِ عَلَى جملةِ المُبْتَدَإِ والخبرِ، وَفِي عَطْفِ الجملةِ الفعليَّةِ عَلَى الجملةِ الاسميَّةِ خِلافٌ، قِيلَ: لا يَجُوزُ مُطْلَقاً، وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقاً، وَقِيلَ (يَجُوزُ إِنْ كَانَ العاطفُ هُوَ الْوَاوَ).
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (أَحْوَذِيَّيْنَ) فَإِنَّ الروايةَ فِيهِ بِفَتْحِ النُّونِ، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إِعْرَابُ هَذِهِ الكلمةِ بِحَرَكَةٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى النُّونِ؛ لأَنَّ الكلمةَ فِي مَوْضِعِ الجَرِّ، وَالنونُ مَفْتُوحَةٌ كَمَا عَلِمْتَ، فَإِعْرَابُهَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ بالياءِ نِيَابَةً عَن الكسرةِ.
وَقَد اخْتَلَفَ العلماءُ فِي الاعتذارِ عَنْ فتحِ النُّونِ، فَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ ضرورةٌ، وَلَيْسَ فِي مُكْنَتِكَ أَنْ تَقْبَلَ هَذَا؛ لأَنَّهُ لا مُحْوِجَ إِلَى هَذَا الفتحِ مِنْ قافيةٍ أَوْ وَزْنٍ، بَلْ يَسْتَقِيمُ البيتُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ فِيهِ أَصْلاً مَعَ الكسرِ الَّذِي هُوَ الغالبُ كَمَا اسْتَقَامَ مَعَ الفتحِ، وَمِنَ العلماءِ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ فتحَ نونِ الْمُثَنَّى بَعْدَ الياءِ لُغَةٌ مِنْ لغاتِ الْعَرَبِ، وَقَدْ نَقَلَهَا الفرَّاءُ عَنْ بَنِي أَسَدٍ، وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ؛ لِمَا قَدَّمْنَا.
16 - هَذَا بيتٌ مِنْ مشطورِ الرَّجَزِ، وَقَدْ نَسَبَ كَثِيرٌ مِن النُّحَاةِ هَذَا الشاهدَ إِلَى رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ نَاشِرُ دِيوَانِهِ فِي زِيَادَاتِهِ الَّتِي حَدَّثْتُكَ حَدِيثَهَا مِرَاراً، وَقَدْ أَنْشَدَهُ أَبُو زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ ضِمْنَ أَبْيَاتٍ (ص15) عَنِ المُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ وَنَسَبَهَا لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ، وَقَبْلَهُ فِي رِوَايَتِهِ قَوْلُهُ:
إِنَّ لِسُعْدَى عِنْدنَا دِيوَانَا = يُخْزِي فُلاناً وَابْنَهُ فُلانَا
كَانَتْ عَجُوزاً عَمَّرَتْ زَمَانَا = وَهيَ تَرَى سَيِّئَهَا إِحْسَانَا
أَعْرِفُ مِنْهَا الأَنْفَ وَالْعَيْنَانَا = وَمَنْخِرَانِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا
اللغةُ: (أَعْرِفُ مِنْهَا الجِيدَ) يُرْوَى فِي مَكَانِهِ (أَعْرِفُ مِنْهَا الأَنْفَ) كَمَا رَوَيْتُ فِي روايةِ أَبِي زَيْدٍ، والجِيدُ العُنُقُ، (مَنْخِرَيْنِ) بِفَتْحِ الميمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الخاءِ بِزِنَةِ مَجْلِسٍ وَمَسْجِدٍ، وَقَدْ تُكْسَرُ الميمُ إِتْبَاعاً لِكَسْرَةِ الخاءِ، أَصْلُهُ مَوْضِعُ النَّخِيرِ، وَهُوَ الصَّوْتُ المُنْبَعِثُ مِنَ الأنفِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ خَرْقُ الأَنْفِ، (ظَبْيَانَا) زَعَمَ جَمَاعَةٌ - مِنْهُم الهَرَوِيُّ - أَنَّهُ تَثْنِيَةُ ظَبْيٍ، وَهُوَ خَطَأٌ وَلا مَعْنًى لَهُ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّ ظَبْيَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَمٌ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: (ظَبْيَانُ اسْمُ رَجُلٍ، وَأَرَادَ مَنْخِرَيْ ظَبْيَانَ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، يُرِيدُ أَهْلَ القريةِ) اهـ.
الإعرابُ: (أَعْرِفُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أَنَا، (مِنْهَا) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْرِفُ، (الجِيدَ) مَفْعُولٌ بِهِ لأَعْرِفُ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (وَالْعَيْنَانَا) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، العَيْنَانَا: مَعْطُوفٌ عَلَى الجِيدِ، وَالمَعْطُوفُ عَلَى المنصوبِ مَنْصُوبٌ، وَعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى الأَلِفِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، والنونُ عِوَضٌ عَن التنوينِ فِي الاسمِ المفردِ، كذا قَالَ العلماءُ، وَسَتَعْرِفُ لَنَا رَأْياً فِي هَذَا الْكَلامِ فِي آخِرِ هَذِهِ الصفحةِ، (وَمَنْخِرَانِ) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، مَنْخِرَانِ: مَعْطُوفٌ عَلَى الجِيدَ مَنْصُوبٌ، وعلامةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى الأَلِفِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، والنونُ عِوَضٌ عَن التنوينِ فِي الاسمِ المفردِ، (أَشْبَهَا) أَشْبَهَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ لا مَحَلَّ لَهُ، وَأَلِفُ الاثْنَيْنِ فَاعِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، (ظَبْيَانَا) مَفْعُولٌ بِهِ لأَشْبَهَ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، والأَلِفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِنَ الفعلِ وفاعلِهِ وَمَفْعُولِهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: مَنْخِرَانِ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلامِ: وَمَنْخِرَانِ أَشْبَهَا مَنْخِرَيْ ظَبْيَانَ، وَلَكِنَّهُ حَذَفَ المضافَ وأَقَامَ المضافَ إِلَيْهِ مُقَامَهُ فَانْتَصَبَ انْتِصَابَهُ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (وَالْعَيْنَانَا) وَفِي هَذِهِ الكلمةِ شَاهِدَانِ للنُّحَاةِ، أَمَّا الأُولَى فَفِي مَجِيءِ الْمُثَنَّى بالألفِ فِي حالةِ النصبِ، وهذهِ لغةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعَرَبِ مِنْهُمْ كَنَانَةُ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو العَنْبَرِ، وَبَنُو الهُجَيْمِ، وَبُطُونٌ مِنْ رَبِيعَةَ، وَعَلَيْهَا وَرَدَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ))، وَعَلَيْهَا خَرَّجَ بَعْضُ العلماءِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}، وَعَلَيْهَا جَاءَ قَوْلُ المُتَلَمِّسِ - وَاسْمُهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمَسِيحِ -:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ رَأَى = مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وقولُ الآخرِ:
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ طَعْنَةً = دَعَتْهُ إِلَى هَابِي التُّرَابِ عَقِيمِ
وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ فِي صَدَدِ بَيْتِ المُتَلَمِّسِ: (هَكَذَا أَنْشَدَهُ الفَرَّاءُ: لِنَابَاهُ، عَلَى اللغةِ القديمةِ لِبَعْضِ الْعَرَبِ) اهـ.
وَأَمَّا الشَّاهِدُ الثَّانِي، فَفِي فَتْحِ نونِ الْمُثَنَّى بَعْدَ الأَلِفِ، وَمِنَ النُّحَاةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فَتْحَ نُونِ الْمُثَنَّى قَاصِرٌ عَلَى الَّذِينَ يُلْزِمُونَ الْمُثَنَّى الأَلِفَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا. وَلَيْسَ هَذَا الْكَلامُ بِمُسْتَقِيمٍ، فَقَدْ سَمِعْتُ فِي شَرْحِ بيتِ حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ، وَهُوَ الشاهدُ السابقُ، أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَفْتَحُ نُونَ الْمُثَنَّى بَعْدَ الياءِ.
هذا، وَاعْلَمْ أَنَّ أكثرَ النُّحَاةِ يَرْوُونَ فِي بيتِ الشاهدِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ (وَمَنْخِرَيْنِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا) بالياءِ عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بالياءِ نِيَابَةً عَن الفتحةِ كَلُغَةِ جَمْهَرَةِ الْعَرَبِ، وَنَحْنُ نَسْتَبْعِدُ كُلَّ الاستبعادِ أَنْ يَقُولَ الشَّاعِرُ فِي أَوَّلِ البيتِ: (وَالْعَيْنَانَا) بالألفِ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، ثُمَّ يَقُولَ فِي نَفْسِ البيتِ: (وَمَنْخِرَيْنِ) بالياءِ.
وَقَدْ نَصَّ العلماءُ عَلَى أَنَّهُ يَكَادُ يَكُونُ مِنَ المُحَالِ أَنْ يَأْتِيَ العَرَبِيُّ فِي بيتٍ وَاحِدٍ بِلُغَتَيْنِ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ فِي كلمةٍ واحدةٍ أَوْ فِيمَا يُشْبِهُهَا؛ فَإِنَّ العربيَّ القُحَّ لا يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ لغةِ قَبِيلَتِهِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ يَتَعَلَّمُونَ الْعَرَبِيَّةَ وَلَيْسَتْ لُغَتَهُمْ، ولأنَّ هَذَا الَّذِي أُنْكِرُهُ هُوَ روايةُ أَكْثَرِ النُّحَاةِ نَصَّ ابْنُ هِشَامٍ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا البيتَ مَصْنُوعٌ، وَنَحْنُ نَسْتَبْعِدُ أَنَّهُ مَصْنُوعٌ، وَنُحِيلُكَ عَلَى روايةِ أَبِي زَيْدٍ، وَهُوَ مِنَ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ، الَّتِي أَثَرْنَاهَا فِي صَدْرِ الْكَلامِ عَلَى هَذَا البيتِ، فَقَدِ اطَّرَدَتْ فِيهَا المُثَنَّيَاتُ عَلَى مَسَاقٍ وَاحِدٍ بالألفِ.
هذا وَقَدْ جَاءَتِ النُّونُ مَضْمُومَةً بَعْدَ الأَلِفِ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
فَلَمَّا تَقَضَّى اللَّيْلُ إِلاَّ أَقَلَّهُ = هَبَبْنَا وَنَادَى بِالرَّحِيلِ سِنَانُ
رَجَعْنَا وَلَمْ يَنْشُرْ عَلَيْنَا حَدِيثَنَا = عَدُوٌّ وَلَمْ تَنْطِقْ بِهِ شَفَتَانُ
وفي قَوْلِ الرَّاجِزِ:
يَا أَبَتَا أَرَّقَنِى الْقِذَّانُ = فَالنَّوْمُ لا تَطْعَمُهُ العَيْنَانُ
وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: (هُمَا خَلِيلانُ) بِضَمِّ النُّونِ، وَأَنْتَ لَوْ تَأَمَّلْتَ فِي هَذِهِ الشواهدِ الثلاثةِ وَجَدْتَ مَوْضِعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الرفعَ، فَإِنَّ (شَفَتَانُ) فِي كَلامِ عُمَرَ فَاعِلُ تَنْطِقُ، وَكَذَلِكَ (العَيْنَانُ) فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ فَاعِلُ تَطْعَمُ، وَ (خَلِيلانُ) فِيمَا حَكَاهُ أَبُو عَمْرٍو خَبَرُ المُبْتَدَإِ، فَتَدُلُّ هَذِهِ الشواهدُ، مَعَ فَتْحِ النُّونِ فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ مِنَ الشاهدِ 16: (وَالْعَيْنَانَا)، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ النصبِ -، عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ قَوْماً مِنَ الْعَرَبِ يُلْزِمُونَ الْمُثَنَّى الأَلِفَ وَيُعْرِبُونَهُ بِحَرَكَاتٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى النُّونِ، فَيَكُونُ نَصْبُ (وَالْعَيْنَانَا) بالفتحةِ الظاهرةِ، وَالرَّفْعُ فِي بَيْتَيْ عُمَرَ وَالرَّاجِزِ بالضَّمَّةِ.
17 - هَذَا عَجُزُ بَيْتٍ مِنَ الْوَافِرِ، وَصَدْرُهُ قَوْلُهُ:
عَرَفْنَا جَعْفَراً وَبَنِي أَبِيهِ
هذا البيتُ أحدُ أَبْيَاتٍ أَرْبَعَةٍ لِجَرِيرِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ الخَطَفَي، يُخَاطِبُ بِهَا فَضَالَةَ العُرَنِيَّ، وَقَبْلَهُ قَوْلُهُ:
عَرِينٌ مِنْ عُرَيْنَةَ لَيْسَ مِنَّا = بَرِئْتُ إِلَى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرِينِ
اللغةُ: (عَرِينٌ) بِفَتْحِ العينِ وكَسْرِ الراءِ، هُوَ عَرِينُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَهُوَ أحدُ آباءِ فَضَالَةَ العُرَنِيِّ، (عُرَيْنَة) بِضَمِّ العَيْنِ وفتحِ الراءِ، بَطْنٌ مِنْ بَجِيلَةَ، (جَعْفَراً) هُوَ جَعْفَرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ، أَخُو عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، (بَنِي أَبِيهِ) أَرَادَ إِخْوَتَهُ، وَهُمْ جَعْفَرٌ وَجَهُورٌ وَعُبَيْدٌ، أَبْنَاءُ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ.
وَيُرْوَى: عَرَفْنَا جَعْفَراً وَبَنِي عُبَيْدٍ، (زَعَانِفَ) جَمْعُ زِعْنِفَةٍ، بِكَسْرِ الزايِ وَالنونِ جَمِيعاً بَيْنَهُمَا عَيْنٌ سَاكِنَةٌ، وَهُم الأتباعُ والمُلْحَقُونَ، وَيُقَالُ لِلِئَامِ النَّاسِ وَرُذَالِهِمْ، وأصلُ الزِّعْنِفَةِ طَرَفُ الأَدِيمِ وَهُدْبُ الثوبِ الَّذِي يَتَحَرَّكُ مِنْهُ.
الإعرابُ: (عَرَفْنَا) فِعْلٌ وَفَاعِلٌ، (جَعْفَراً) مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (وَبَنِي) الْوَاوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، بَنِي: مَعْطُوفٌ عَلَى جَعْفَرٍ مَنْصُوبٌ بالياءِ نِيَابَةً عَن الفتحةِ؛ لأَنَّهُ جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، وَبَنِي: مُضَافٌ، وَأَبِي مِنْ (أَبِيهِ) مُضَافٌ إِلَيْهِ مجرورٌ بالياءِ نيابةً عَن الكسرةِ؛ لأَنَّهُ مِنَ الأسماءِ السِّتَّةِ، وَأَبِي: مُضَافٌ وَضَمِيرُ الغائبِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، (وَأَنْكَرْنَا) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، أَنْكَرَ فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى فَتْحٍ مُقَدَّرٍ، وَنَا: فَاعِلُهُ، (زَعَانِفَ) مَفْعُولٌ بِهِ لأَنْكَرَ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (آخَرِين) صِفَةٌ لِزَعَانِفَ مَنْصُوبَةٌ بِالياءِ لأَنَّهَا جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ.
الشَّاهِدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (آخَرِينِ) حَيْثُ أَعْرَبَهُ بالياءِ إِعْرَابَ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِم، ثُمَّ كَسَرَ النُّونَ بَعْدَهَا، وَهِيَ فِي لغةِ جَمْهَرَةِ الْعَرَبِ مَفْتُوحَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ فِي شرحِ شَاهِدٍ سَابِقٍ أَنَّ النُّحَاةَ يَخْتَلِفُونَ فِي كَسْرِ نونِ جمعِ المُذَكَّرِ السالمِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا لُغَةٌ مِنْ لغاتِ الْعَرَبِ، وَمِنْ هَؤُلاءِ ابْنُ مَالِكٍ صَاحِبُ الأَلْفِيَّةِ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِيمَا يَنْقُلُ. انْظُرْ: شَرْحَ الشاهدِ رَقْمِ 14.
([8]) قَدْ سَبَقَ الاستشهادُ بِهَذا البيتِ، وَأَعَادَهُ هُنَا لِيَذْكُرَ التخريجَ الأخيرَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي الْمَوْضِعِ الأوَّلِ، وَخُلاصَتُهُ: أَنَّ (الأَرْبَعِينِ) مَجْرُورٌ بالياءِ نِيَابَةً عَن الكسرةِ؛ لأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِجَمْعِ المُذَكَّرِ السالمِ، وَكَسْرُ النُّونِ ضرورةٌ أَوْ لُغَةٌ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِن اخْتِلافِ النُّحَاةِ.


  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 05:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

35- وَارْفَعَ بِوَاوٍ وَبِيَا اجْرُرْ وَانْصِـبْ = سَالِمَ جمعِ عَامِرٌ ومُذْنِبِ
(وَارْفَعَ بِوَاوٍ) نيابةً عن الضمَّةِ،(وَبيِاَ اجْرُرْ وَانْصِبْ) نيابةً عن الكسرةِ والفتحةِ( سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ) وجمعِ (مُذْنِبٍ) وهما عَامِرُونَ ومُذْنِبُونَ، ويُسَمَّى هذا الجمعُ جمعَ المذكَّرِ السالمِ؛ لسلامةِ بناءِ واحدِه، ويقالُ له: جمعُ السلامةِ لمذكَّرٍ، والجمعُ على حدِّ المثنَّى؛ لأن كَلاً منهما يُعْرَبُ بحرفِ عِلَّةٍ بعدَهُ نونٌ تسقطُ للإضافةِ.

36- وَشِبْهِ ذَينِ، وَبِه عِشْرُونَـا = وَبَابُهُ أُلْحِقَ، وَالأَهْلُونَــــا
37- أُولُو، وَعَالَمُونَ، عِلِّيُونَــا = وَأَرْضُونَ شَذَّ، وَالسِّنُونـَـــا
38- وَبَابُهُ وَمِثْلُ حِـينَ قَـدْ يَـرِدْ = ذَا البـابِ، وَهـُوَ عندَ قَـوْمٍ يَطَّرِدْ
وأشارَ بقولِه: (وشبهِ ذينِ) إلى أنَّ الذي يُجْمَعُ هذا الجمعُ اسمٌ وصفةٌ:
فالاسمُ ما كانَ كعامرٍ: عَلَمًا، لمذكَّرٍ، عاقلٍ، خاليًا مِنْ تاءِ التأنيثِ، ومِنَ التركيبِ، ومِنَ الإعرابِ بحرفينِ؛ فلا يُجمَعُ هذا الجمعُ ما كانَ مِنَ الأسماءِ غيرَ عَلَمٍ، كرجُلٍ، أو عَلَمًا لمؤنَّثٍ، كزينبَ، أو لغيرِ عاقلٍ ، كَلَاحِقٍ، عَلَمُ فرسٍ، أو فيه تاءُ التأنيثِ، كطلحةَ ، أو التركيبُ المزجيُّ، كمَعْدِ يَكْرِبَ، وأجازَه بعضُهم، أو الإسناديُّ، كبَرَقَ نَحْرُهُ، بالاتِّفَاقِ، أو الإعرابُ بحرفينِ، كالزيدينِ أو الزيدينَ عَلَمًا.
والصفةُ ما كانَ كمذنبٍ: صفةٌ، لمُذَكَّرٍ، عاقلٍ، خاليةً مِنْ تاءِ التأنيثِ، ليسَتْ مِنْ بابِ أفعلَ فَعْلَاءَ، ولا مِنْ بابِ فَعْلاَنَ فَعْلَى، ولا ممَّا يستوِي في الوصفِ به المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ، فلا يُجَمْعُ هذا الجَمْعُ ما كانَ مِنَ الصفاتِ لمؤنثٍ، كحائضٍ، أو لمذكَّرٍ غيرِعاقلٍ، كسابقٍ، صفةُ فَرَسٍ، أو فيه تاءُ التأنيثِ، كعلَّامَةٍ ونَسَّابَةٍ، أو كان مِنْ بابِ أَفْعَلَ فَعْلَاء؛ كأَحْمَرَ، وشذَّ قولُه [من الوافر]:
22- فَمَا وَجَدْتُ نِسَاءَ بَنِي تَمِيــمٍ = حَلَائِلَ أَسْوَدِينَ وَأَحْمَرِيـــــنَ
أو مِنْ بابِ فَعْلاَنَ فَعْلَى، كسَكْرَانَ؛ فإن مؤنَّثَهُ سَكْرَى، أو يَسْتَوِي في الوصفِ به المذكَّرُ والمؤنَّثُ، كصَبُورٍ وجريحٍ، فَإِنَّهُ يقالُ فيه: رجُلٌ صبُورٌ وجريحٌ، وامرأةٌ صبورٌ وجريحٌ.
تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ: أجازَ الكوفيُّونَ أنْ يُجْمَعَ نحوُ "طلحةَ" هذا الجمعُ.
الثاني: يُستَثْنَى ممَّا فيه التاءُ ما جُعِلَ علَمَاً مِنَ الثُلاَثِيِّ المعوَّضِ مِنْ فَائِهِ تاءُ التأنيثِ، نحوُ: "عِدَةٍ" أو مِنْ لامِهِ نحوُ "ثُبَةٍ"؛ فَإِنَّهُ يجُوزُ جمعُه هذا الجمعَ.
الثالثُ: يقومُ مقامَ الصفةِ التصغيرُ؛ فنحوُ: "رُجَيْلٍ" يقال فيه: رُجَيْلُونَ.
الرابعُ: لم يشترطِ الكوفيُّونَ الشرطَ الأخيرَ، مستدلِّينَ بقولِه [من البسيط]:
23- مِنَّا الَّذِي هُوَ مَا إِنْ طَرَّ شَارِبُهُ = وَالعَانِسُونَ وَمِنَّا المُرْدُ وَالشِّيَبُ
فالعَانِسُ: مِنَ الصفاتِ المشترَكةِ التي لا تقبلُ التاءَ عندَ قصْدِ التأنيثِ؛ لأنَّهَا تقَعُ للمذكَّرِ والمؤنَّثِ بلفظٍ واحدٍ؛ ولا حُجَّةَ لهم في البيتِ لشذُوذِهِ.
‌ (وَبِهِ) أي: وبالجمعِ السالمِ المذكَّرِ (عِشْرُونَ وَبَابُهُ) إلى التسعينَ (أُلْحِقَ) فِي الإعرابِ بالحرفينِ، وليسَ بجمعٍ، وإلا لزِمَ صحَّةَ انطلاقِ "ثلاثينَ" مثلاً على تسعةٍ، و"عشرينَ" على ثلاثينَ، وهو باطلٌ (و) أُلْحِقَ به أيضًا (الأهلونا) لأنَّهُ وإنْ كانَ جمعًا لأهلٍ فأهلٌ ليسَ بِعَلَمٍ وَلا صِفَةٍ، وأُلِحَقَ به(أُولُو) لأنَّهَا اسمُ جمعٍ لا جمعٍ (و) أُلْحِقَ بِهِ أيضًا (عالمُونَ) لأنَّهُ : إما أنْ لا يكونَ جمعًا لعَالَمٍ؛ لأنَّهُ أخصُّ منه؛ إذ لا يقالُ إلا على العقلاءِ، والعَالَمِ يقالُ على كلِّ ما سوى اللَّهِ، ويجِبُ كونُ الجمعِ أعمَّ مِنْ مفردِهِ، أو يكونُ جمعًا لُهُ باعتبارِ تغليبِ مَنْ يعقِلُ، فهو جمعٌ لغيرِ عَلَمٍ ولا صفةٍ، وأُلْحِقَ به (عِلِّيُونَا) لأنَّهُ ليسَ بجمعٍ، وإنما هو اسمٌ لأعلَى الجنَّةَ (وأَرَضُونَ)- بفتحِ الراءِ – جمعُ أَرْضٍ- بسكونِها – (شَذَّ) قياسًا؛ لأنَّهُ جمْعُ تكسيرٍ، ومفردُه مؤنَّثٌ بدليلِ "أُرَيْضَة"، وكذلك (السِّنُونَا)- بكسرِ السينِ- جمعُ سَنَةٍ- بفتحِها- (وبَابُه) كذلك شذَّ قياسًا، والمرادُ ببابِه: كلُّ كلمةٍ ثلاثيَّةٍ حُذِفَتْ لامُها وعُوِّضَتْ منها هاءُ التأنيثِ ، ولم تُكْسَرْ، فهذا البابُ اطَّرَدَ فيه الجمعُ بالواوِ والنونِ رفعًا، وبالياءِ والنونِ جَرًّا ونصبًا، نحوُ: "عِضَةٍ وعِضِينَ"، و"عِزَةٍ وعِزِين"، و"إِرَةٍ وإِرِينَ"، و"ثُبَةٍ وثُبِينَ"، و"قِلَّةٍ وقِلِينَ" قالَ اللَّهُ تعالى:{ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرِضِ عَدَدَ سِنِينَ}، {الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ}، {عِنِ اليَّمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ}وأصلُ سَنَةٌ سَنَوٌ أو سَنَةٌ، لقولِهم في الجمعِ: سَنَوَاتٌ، وسَنَهَاتٍ، وفي الفعلِ سَانَيْتُ وسَانَهْتُ، وأصلُ سَانَيْتُ سَانَوْتُ؛ قَلَبُوا الواوَ يَاءً حينَ جَاوَزَتْ-مُتَطَرِّفَةً- ثلاثةَ أحرُفٍ، وأصلُ عِضَةٍ عِضَوٌ مِنْ العُضْوِ واحدُ الأعضاءِ، أي: أنَّ الكُفَّارَ جَعَلُوا القُرْآنَ أعضاءً، أي:مُفَرَّقَا ، يقالُ : عَضَّيْتُهُ وعَضَّوْتُهُ تَعْضِيَةً، أي: فرَّقْتُه تَفْرِقَةً، قالَ ذو الرُّمَّةِ [من الرجز]:
24- وَلَيْسَ دِينُ اللَّهِ بِالمُعَضَّى
أي: بالمفرَّقِ؛ لأنَّهُم فرَّقُوا أقاويلَهم فيه، أو عَضَةٌ، مِنَ العَضْه، وهو البهتانُ، والعَضْه أيضًا: السِّحْرُ في لغةِ قريشٍ ، قالَ الشاعرُ [من المتقارب]:
25- أَعُوذُ بِرَبِّي مِنَ النَّافِثَا = تِ فِي عُقَدِ العَاضِِهِ المَعِْضهِ
وأصلُ عِزَة- وهي الفِرْقَةُ مِنَ الناسِ - عِزْوٌ، وأصلُ إِرَة- وهي موضِعُ النارِ- إِرَى، وأصلُ ثُبَة- وهي الجماعةُ- +ثبو، وقيل: ثُبِيٌّ، من ثَبَّيْتُ، أي: جمعَتُ، والأَوَّلُ أقوى وعليه الأكثرُ ؛ لأن ما حُذِفَ مِنَ اللامَاتِ أكثرُه واوٌ، وأصلُ قِلَةٌ- وهي عودان يلعَبُ بهما الصبيانِ- قلو.
ولايجُوزُ ذلك في نحوِ "تَمْرَةٍ" لعدمِ الحذفِ، وشذَّ إِضُونُ جمعُ أَضَاةِ كقَنَاةِ، وهي الغديرُ، و"حُرُونَ" جمعُ حِرَةٍ، و"إحرون" جمع إحرةٍ، والإحرةُ والحِرَّةُ: الأرضُ ذاتُ الحجارةِ السودِ، و"إِوَزُّون" جمعُ إِوَزَّةٍ، وهي البطَّةُ، ولا في نحوِ: "عِدَةٍ"، و"زِنَةِ" ؛ لأنَّ المحذوفَّ الفاءِ، وشذَّ رِقُونَ في جمعِ "رِقَةٍ"، وهي الفِضَّةُ، و"لِدُونَ" في جمع لِدَةٍ، وهي التِّرْبُ، و"حِشُونَ" في جمعِ حِشَةٍ، وهي الأرضُ الموحِشَةُ، ولا في نحو: "يدٍ"، و"دمٍ" لعدمِ التعويضِ، وشذَّ "أبُون"، و"أخُون" ولا في نحوِ "اسمٍ" و"أختٍ" ؛ لأنَّ المعوَّضَ غيرَ الهاءِ؛ إذ هو في الأَوَّلِ الهمزةِ، وفي الثاني التاءُ، وشذَّ "بَنُونَ" في جمعِ "ابنٍ"، وهو مثلُ "اسمٍ" ، ولا في نحوِ: "شَاةٍ"، و"شَفَةٍ"؛ لأنَّهُما كُسِرَا عَلَى "شِيَاهٍ" و"شِفَاهٍ" وشذَّ "ظُبُون" في جمعِ "ظُبَةٍ"، وهي حدُّ السهمِ والسيفِ، فَإِنَّهُم كسرُوه على ظُبْيٍ، بالضمِّ، وأَظْبٍ، ومع ذلك جمعُوه على ظِبِينَ.
تنبيهٌ : ما كانَ مِنْ بابِ سَنَةٍ- مفتوحَ الفاءِ- كُسِرَتْ فاؤُه في الجمعِ، نحوُ: "سِنِينَ"، ومَا كانَ مكسورَ الفاءِ لم يغيَّرْ في الجمعِ على الأفصحِ، نحوُ "مِئِينَ" وحكَي مُؤُونَ وسُنُونَ وعُزُوُن- بالضمِّ- وما كان مضمومَ الفاءِ ففيهِ وجهانِ: الكسرُ، والضمُّ، نحو: "ثِبِينَ"، و"قِلِينَ".
(ومِثْلُ حِينَ قَدْ يَرِدْ* ذَا البَابَ) فيكونُ مُعْرَبًا بِالحركاتِ الظاهرةِ على النونِ معَ لزومِ الياءِ، كقولِه [من الطويل]:
26- دَعَانِي مِنْ نَجْدٍ فَإِنَّ سِنِينَهُ = لَعَبْنَ بِنَا شِيبًا وَشَيَّبْنَنَا مُرْدَا
وفي الحديث: (( اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَا كَسِنِين يُوسُفَ)) في إحدى الروايتينِ (وهو) أي: مجيءُ الجمعِ مثلَ حينٍ (عند قومٍ) مِنَ النحاةِ منهم الفرَّاءُ (يطَّرِدُ) في جمعِ المذكَّرِ ومَا حُمِلَ عليه، وخرَّجُوا عليه قولُه [من الخفيف]:
27- رُبَّ حَيٍّ عَرَنْدَسٍ ذِي طَلاَلٍ = لاَيَزَالُونَ ضَارِبِينَ القِبَابَ
وقولُه [من الوافر]:
28- وَماذَا تَبْتَغِي الشعُرَاءُ مِنِّي = وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينَ
والصحيحُ أنَّهُ لا يَطَّرِدُ، بل يُقْتَصُرُ فيه على السمَّاعِ.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: قد عرَفتَ أنَّ إعرابَ المثنَّى والمجموعَ على حدِّه مخالفٌ للقياسِ من وجهينِ: (الأوَّلِ) من حيثُ الإعرابُ بالحروفِ، (والثاني) مِنْ حيثُ إنَّ رفْعَ المثنَّى ليسَ بالواوِ، ونصبَه ليسَ بالألفِ، وكذا نصْبَ المجموعِ.
أما العلَّةُ في مخالفتِهما القياسَ في الوجهِ الأَوَّلِ فلأنَّ المثَنَّى والمجموعَ فرعانٍ عن الآحادِ، والإعرابُ بالحروفِ فرعٌ عِنِ الإعرابِ بالحركاتِ، فجُعِلَ الفرعُ للفرعِ طلبًا للمناسبَةِ، وأيضٌا فقد أُعْرِبَ بعضُ الآحادِ – وهي الأسماءُ الستَّةُ- بالحروفِ، فلو لم يُجْعَلْ إعرابُهما بالحروفِ لزِمَ أنْ يكونَ للفرعِ مَزِيَّةٌ على الأصلِ، ولأنَّهُما لما كانا في آخرِهما حروفٌ- وهي علامةُ التثنيةِ والجمعِ- تصلُحُ أن تكونَ إعرابًا بقلبِ بعضِها إلى بعضٍ، فجعلَ إعرابَهما بالحروفِ؛ لأنَّ الإعرابَ بها بغيرِ حركةٍ أخفُّ منها مع الحركةِ.
وأما العلَّةُ في مخالفتِهما للقياسِ في الوجهِ الثاني فلأنَّ حروفَ الإعرابِ ثلاثةٌ، والإعرابُ ستَّةٌ: ثلاثةٌ للمثنَّى، وثلاثةٌ للمجموعِ، فلو جُعِلَ إعرابُهُمَا بها على حدِّ إعرابِ الأسماءِ الستَّةِ لالتبسِ المثنَّى بالمجموعِ في نحوِ: "رأيتُ زيدَاك"، ولو جُعِلَ إعرابُ أحدِهما كذلك دونَ الآخرِ بقِي الآخرُ بلا إعرابٍ، فوُزِّعَت عليهما، وأُعْطِي المثنَّى الألفَ لكونِها مدلولاً بها على التثنيةِ مع الفعلِ: اسمًا في نحوِ: "اضْرِبَا"، وحرفَا في نحوِ: "ضَرْبًا أخواك"، وأعطى المجموعَ الواوَ لكونِها مدلولاً بها على الجمعيَّةِ في الفعلِ: اسمًا في نحوِ: "اضربُوا"، وحرفًا في نحوِ: "أكلُوني البراغيثُ"، وجُرَّ بالياءِ على الأصلِ، وحُمِلَ النصبُ على الجرِّ فيهما، ولم يُحْمَلْ على الرفعِ لمناسبةِ النصبِ للجرِّ دونَ الرفعِ؛ لأنَّ كلًّا منهما فضلةٌ، ومن حيثُ المخرجُ؛ لأنَّ الفتحَ مِنْ أقصى الحلقِ، والكسرُ مِنْ وسطِ الفمِ، والضمُّ مِنَ الشفتينِ.
الثاني: ما أفهَمَه النظمُ وصرَّح به في (شرح التسهيلِ) مِنْ أنَّ إعرابَ المثنَّى والمجموعَ على حدِّهِ بالحروفِ- هو مذهبُ قُطْرُبٍ وطائفةٍ مِنَ المتأخِّرِينَ، ونُسِبَ إلى الزجَّاجِ والزجَّاجِيُّ، قيلَ: وهو مذهبُ الكوفيِّينَ، وذهبَ سيبويهِ ومَنْ وافقَه إلى أنَّ إعرابَهما بحركاتٍ مقدرَّةٍ على الأحرفٍ.
39- وَنُونُ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ التَحَــقْ = فَافْتَحْ، وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَـــــقْ
40- وَنُونُ مَا ثُنِّـيَ وَالمُلْحَقِ بِــهِ = بِعَكْسِ ذَاكَ اسْتَعْمَلُوهُ، فَانْتَبِـــــهْ
(وَنُونُ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ التَحَقْ) فِي إِعَرَابِهِ (فَافْتَحْ) طَلَبًا للخِفَّةِ مِنْ ثِقَلِ الجمعِ، وفرْقًا بينَه وبينَ نونِ المثنَّى (وقلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ) مِنَ العربِ، قالَ في (شرحِ التسهيلِ): يجُوزُ أنْ يكونَ كسرِ نونِ الجمعِ ومَا أُلِحَقَ بِهِ لغةً، وَجَزَمَ بِهِ فِي (شرحِ الكافيةِ)، وممَّا ورَدَ منه قولُه [من الوافر]:

29- عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبَنِــي أَبِيـهِ = وَأَنْكَرْنَا زَعَانِـفَ آخَرِيــــنَ
وقولُه:

وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينَ
(وَنُونُ مَا ثُنِّيَ وَالمُلْحَقْ بِهِ) وَهُوَ اثْنَانِ واثْنَتَاي وثِنْتَانِ (بعكسِ ذاكَ) النونُ (اسْتَعْمَلُوهُ) فكسَرُوهُ كثيرًا على الأصلِ في التقاءِ الساكنينِ، وفتحُوه قليلاً بعدَ الياءِ (فانتبِه) لذلك. وهذه اللغةُ حكَاها الكِسَائِيُّ والفرَّاءُ، كقولِه [من الطويل]:
30- عَلَى أَحْوَذِيَّيْنِ اسْتَقَلَّتْ عَشِيـَّةً = فَمَا هِيَ إِلاَّ لَمْحَةٌ وَتَغِيــبُ
وقيل: لا تختصُّ هذه اللغةُ بالياءِ، بل تكونُ مع الألفِ أيضًا، وهو ظاهرُ كلامِ الناظمِ، وبه صرَّحَ السِّيرَافِيُّ، كقولِه [من الرجز]:

31- أَعْرِفُ مِنْهَا الجِيدَ وَالعَيْنَانـَـا = وَمَنْخَرَيْنِ أَشْبَهَا ظِبْيـَـــانَــا
وحكَى الشيبانِيُّ ضمَّها مع الألفِ، كقولِ بعضِ العربِ: "هما خليلانِ".
وقولِه [من الرجز]:

32- يَا أَبَتَا أَرَّقَنِي القِــذَّانِ = فَالنَّوْمُ لَا تَأْلَفُـهُ العَيْنَـــــانِ
تنبيهٌ : قيلَ: لحِقَتِ النونُ المثنَّى والمجموعَ عوضًا عمَّا فاتَهُمَا مِنَ الإعرابِ بالحركاتِ ومِنْ دخولِ التنوينِ، وحُذِفَتِ مع الإضافةِ نظرًا إلى التعويضِ بها عن التنوينِ، ولم تُحْذَفْ معَ الألفِ واللام- وإنْ كانَ التنوينُ يحُذْفُ معهما- نظرًا إلى التعويضِ بها عنِ الحركةِ أيضًا.
وقيلَ: لحِقَتْ لدفعِ تَوَهُّمِ الإضافةِ في نحوِ: "جاءَنِي خليلانِ موسَى وعيَسى"، و"مررْتُ ببنينَ كرامٍ"، ودفْعِ توهُّمِ الإفرادِ في نحوِ: "جاءني هذانِ"، و"مررْتُ بالمهتدينَ"، وكُسِرَتْ مع المثنَّى على الأصلِ في التقاءِ الساكنينِ ؛ لأنَّهُ قبلَ الجمعِ، ثمَّ خُولِفَ بالحركةِ في الجمعِ طلبًا للفرقِ، وجُعِلَتْ فتحةٌ طلبٌا للخفَّةِ، وقدْ مرَّ ذلك، وَإِنَّمَا لَمْ يكتفِ بحركةِ مَا قبلَ الياءِ فارِقًا لتخلُّفِه في نحوِ: "المُصْطَفَيْنَ".


  #5  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 05:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

إعرابُ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السالِمِ
35- وارْفَعْ بواوٍ وبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ = سالِمَ جمْعِ عامرٍ ومُذْنِبِ

36- وشِبْهِ ذَيْنِ......... = ...............
هذا البابُ الثالثُ ممَّا يُعْرَبُ بالحروفِ، وهو جَمْعُ المذَكَّرِ السالِمِ، وتعريفُه: اسمٌ دالٌّ على أكْثَرَ مِن اثنيْنِ بزيادةٍ في آخِرِه، صالحٌ للتجريدِ، وعَطْفِ مِثْلِه عليه، نحوُ: (فَرِحَ الفائزونَ)، فهذا اسمٌ دالٌّ على أكثَرَ مِن اثنينِ، وفيه زيادةٌ في آخِرِه، وهي الواوُ والنونُ، وهو صالحٌ للتجريدِ مِن هذه الزيادةِ؛ ألاَ تَرَى أنك تَقولُ: فائزٌ، ويَصِحُّ عَطْفُ مثلِه عليه فتقولُ: جاءَ فائزٌ، وفائزٌ آخَرُ. والمرادُ بالسالِمِ: ما سَلِمَتْ فيه صِيغةُ الْمُفْرَدِ عندَ الْجَمْعِ، بأنْ يَبْقَى مُفْرَدُه بعدَ جَمْعِه لا يَدْخُلُ حروفَه تغييرٌ في نَوْعِها أو عَدَدِها أو حَرَكَاتِها إلاَّ عندَ الإعلالِ في نحوِ: (جاءََ الْمُصْطَفَوْنَ).
وحُكْمُه: الرفْعُ بالواوِ نِيَابةً عن الضَّمَّةِ، نحوُ: أَفْلَحَ الآمِرونَ بالمعروفِ، والنصْبُ والجَرُّ بالياءِ نِيَابةً عن الفَتحةِ والكسرةِ، نحوُ: شَجَّعْتُ الآمِرِينَ بالمعروفِ، سَلَّمْتُ على الآمِرينَ بالمعروفِ.
والذي يُجْمَعُ جَمْعَ مُذَكَّرٍ سالِمٍ نوعانِ: أحَدُهما: (الْجَامِدُ)، والآخَرُ: (الصفةُ)، فإنْ كان الاسْمُ جامِداً فيُشترَطُ لِجَمْعِه خَمسةُ شُروطٍ:
1- أنْ يكونَ عَلَماً، مثلَ: زيدٍ وخالدٍ، بخِلافِ: رجُلٍ، وغُلامٍ، إلا إنْ صُغِّرَ، نحوُ: رُجَيْلٍ، فإنه يُجْمَعُ؛ لأنه وَصْفٌ.
2- أنْ يكونَ لِمُذَكَّرٍ، بخِلافِ: زَيْنَبَ، وسُعادَ.
3- أنْ يكونَ لعاقِلٍ؛ أيْ: مِن جِنْسِ العُقلاءِ، فيَشمَلَ الصغيرَ والمجنونَ، بخِلافِ (كامِلٍ) عَلَمٌ على فَرَسٍ.
4- أنْ يكونَ خالياً مِن تاءِ التأنيثِ الزائدةِ، بخِلافِ: حَمْزَةَ، وطَلْحَةَ.
5- أنْ يكونَ خالياً مِن التركيبِ، بخِلافِ: سِيبَوَيْهِ؛ لأنه مُرَكَّبٌ.
ومِن الأمثلةِ الجامعةِ للشروطِ: فازَ العَلِيُّونَ، هَنَّأْتُ العَلِيِّينَ، مَرَرْتُ بالعَلِيِّينَ.
وإنْ كان الاسمُ صِفةً فيُشترَطُ في جَمْعِه سِتَّةُ شُروطٍ:
1- أنْ تكونَ الصفةُ لِمُذَكَّرٍ، بخِلافِ: حائضٍ، مُرْضِعٍ.
2- أنْ تكونَ الصفةُ لعاقِلٍ، بخِلافِ: صاهِلٍ؛ صِفةٌ للحِصانِ.
3- أنْ تكونَ خاليةً مِن التاءِ، بخِلافِ: قائمةٍ، وصائمةٍ.
4- ألاَّ تكونَ الصفةُ على وَزْنِ (أَفْعَلَ) الذي مُؤَنَّثُهُ (فَعْلاَءُ)، بخِلافِ: أخْضَرَ.
5- ألاَّ تكونَ الصفةُ على وزْنِ (فَعْلاَنَ) الذي مُؤَنَّثُه (فَعْلَى)، بخِلافِ: سَكْرَانَ.
6- ألاَّ تكونَ الصفةُ مما يَستَوِي فيه المُذَكَّرُ والمؤنَّثُ، بخِلافِ: صَبورٍ، وجَريحٍ.
ومِن الأمثلةِ الجامعةِ للشروطِ: أفْلَحَ الْمُسْتَغْفِرُونَ، أثابَ اللَّهُ المستغفرينَ، أَثْنَى اللَّهُ على المستغفرينَ، قالَ تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ}، وقالَ تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وقالَ تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}.
36- ........... وبه عِشْرُونَا = وبابُهُ أَلْحِقَ والأَهْلُونَا
37- أُولُو وعَالَمُونَ عِلِّيُّونَا = وأَرَضُونَ شَذَّ والسِّنُونَا
38- وبابُهُ ومثلَ حينٍ قد يَرِدْ = ذا البابُ وهو عندَ قومٍ يَطَّرِدْ
المُلْحَقُ بجَمْعِ المُذَكَّرِ السالِمِ: هو ما فَقَدَ وَصْفاً أو شَرْطاً مما يَجِبُ تَوَفُّرُه في الْجَمْعِ.
وأَشْهَرُ هذه الْمُلْحَقَاتِ:
1- كَلِمَاتٌ مَسموعةٌ تَدُلُّ على معنى الْجَمْعِ، ولا مُفْرَدَ لها مِن لَفْظِها ولا مِن مَعناها، وهي عِشرونَ وثلاثونَ إلى تسعينَ، قالَ تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}، وقالَ تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.
2- كَلِمَاتٌ مَسموعةٌ لم تَسْتَوْفِ بعضَ الشروطِ، مِثلُ (أهْلٍ)، فقالوا فيها: أَهْلُونَ، كما قالَ الشاعِرُ:
وما المالُ والأَهْلُونَ إلاَّ وَدَائِعُ = ولا بُدَّ يَوماً أنْ تُرَدَّ الودائِعُ
فجَمَعُوها معَ أنها ليسَتْ عَلَماً ولا صِفَةً.
3- كَلِمَاتٌ مَسموعةٌ تَدُلُّ على معنَى الْجَمْعِ، ولا مُفْرَدَ لها مِن لَفْظِها، مِثلُ كَلِمَةِ (أُولُو) قالَ تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}.
وكذلك لَفظةُ (عالَمُونَ)؛ فإنَّ مُفْرَدَها (عالَمٌ)، وهو اسمٌ لِمَا سِوَى اللَّهِ تعالى، وليسَ بعَلَمٍ ولا صِفَةٍ، فهي مُلْحَقَةٌ بالجمْعِ، قالَ تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
4- كَلِمَاتٌ مِن هذا الجمْعِ المُسْتَوْفِي للشروطِ، أو مِمَّا أُلْحِقَ به، سُمِّيَ بها المفرَدُ، وصارَتْ أعْلاماً، فمِثالُ الأوَّلِ الْمُسْتَوْفِي للشروطِ: خَلْدُونَ، زَيْدُونَ، ومِثالُ الثاني: عِلِّيُّونَ (اسمٌ لأَعْلَى الجنَّةِ) له مُفْرَدٌ: (عِلِّيٌّ)، وهو المكانُ العالِي، ولكنه لغيرِ العاقِلِ.
فأُعْرِبَ جَمْعُه إعرابَ جَمْعِ المُذَكَّرِ السالِمِ، قالَ تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ}.
5- كَلِمَاتٌ مسموعةٌ لها مُفْرَدٌ مِن لفْظِها، وهذا المُفْرَدُ لا يَسْلَمُ مِن التغييرِ عندَ جَمْعِه هذا الجمْعَ، فهو مِن جُموعِ التكسيرِ، ولكنَّها أُلْحِقَتْ بجَمْعِ المُذَكَّرِ السالِمِ في إعرابِها بالحروفِ، مِثلُ: أَرَضُونَ، وسِنونَ، وبابُه، فكَلِمةُ (أَرَضونَ) - بفتْحِ الراءِ - مُفْرَدُها (أرْضٌ) بسكونِ الراءِ، فتَغَيَّرَ بِناءُ المُفْرَدِ في الجمْعِ، ثم إنه مُفْرَدٌ لِمُؤَنَّثٍ غيرِ عاقِلٍ، وليسَ بعَلَمٍ ولا صِفةٍ.
وكَلمةُ (سِنونَ) مكسورةُ السينِ في الجمْعِ، مفْتُوحَتُها في المفرَدِ، وهو (سَنَةٌ)، ثم إنه مُفْرَدٌ مُؤَنَّثٌ لغيرِ العاقلِ، وليسَ بعَلَمٍ ولا صِفةٍ، قالَ تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ}.
والمرادُ ببابِ سِنينَ: كلُّ اسمٍ ثُلاثيٍّ حُذِفَتْ لامُه وعُوِّضَ عنها تاءُ التأنيثِ المربوطةُ، ولم يُعْرَفْ له عندَ العرَبِ جَمْعُ تكسيرٍ مُعْرَبٌ بالحركاتِ، مِثلُ: (عِضَةٍ) بمعنى كَذِبٍ وافتراءٍ وجَمْعُها (عِضونَ) بِكَسْرِ العينِ فيهما، وأصْلُ الْمُفْرَدِ: عِضَوٌ، فهو اسمٌ ثلاثيٌّ حُذِفَتْ لامُه وهي (الواوُ)، وعُوِّضَ عنها هاء [لعلها: بِهَاءِ] التأنيثِ، وليسَ له جَمْعُ تكسيرٍ، قالَ تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}، ومِثلُ ذلك: عِزَةٌ وعِزينَ، ومِائةٌ ومِئينَ، قالَ تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ}، فـ (عِزِينَ) حالٌ منصوبٌ بالياءِ؛ لأنه ملْحَقٌ بجمْعِ المُذَكَّرِ، والمعنى: أنهم جَماعاتٌ عن يمينِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وعن شِمَالِه.
وإعرابُ (سِنينَ وبابِه) إعرابُ جَمْعِ المُذَكَّرِ السالِمِ، هو لغةٌ مِن لُغاتِ العرَبِ، ومنهم مَن يُعْرِبُه بحَرَكاتٍ على النونِ مُنَوَّنَةً غالِباً، ويَلْتَزِمُ الياءَ في جميعِ الأحوالِ، فيقولُ: هذه سِنِينٌ مُجْدِبَةٌ، وأَقَمْتُ عندَه سِنيناً، ودَرَسْتُ النحوَ خَمْسَ سِنينٍ، قالَ الشاعرُ:
دَعَانِي مِنْ نَجْدٍ فَإِنَّ سِنِينَهُ = لَعِبْنَ بِنَا شِيباً وشَيَّبْنَنَا مُرْدَا
فإنَّ الشاعرَ نَصَبَه بالفَتحةِ: (فإنَّ سِنِينَهُ) ولم يَنْصِبْهُ بالياءِ؛ لأنه لم يَحذِفِ النونَ للإضافةِ.
ومِن العَرَبِ مَن يُجْرِي هذا الإعرابَ - وهو الإعرابُ بالحركاتِ معَ النونِ ولزومِ الياءِ - في جميعِ أنواعِ جَمْعِ المُذَكَّرِ وما أُلْحِقَ به؛ إجراءً له مَجْرَى الْمُفْرَدِ، نحوُ: جاءَ مُعَلِّمِينٌ، وكَلَّمْتُ مُعَلِّمِيناً، وسلَّمْتُ على مُعَلِّمِينٍ، وتقولُ في جَمْعٍ مُسَمًّى به: هذا مُحَمَّدِينٌ، ورأيتُ مُحَمَّدِيناً، ومَرَرْتُ بِمُحَمَّدِينٍ.
وهذا معنى قولِه: (وبه عِشرونَا... إلخ)؛ أيْ: أُلْحِقَ عِشرونَ وبابُه، والمرادُ به أَخَوَاتُ عِشرينَ إلى تسعينَ، أُلْحِقَ بجَمْعِ المُذَكَّرِ في إعرابِه، وكذلك أَهْلُونَ وأُولُو وعالَمُونَ وعِلِّيُّونَ.
ثم قالَ: إنَّ لفْظَ (أَرَضُونَ والسِّنونَ وبابَه شاذٌّ) وإنما صَرَّحَ بشذوذِ هذينِ معَ أنَّ جميعَ الْمُلْحَقَاتِ بجَمْعِ المُذَكَّرِ السالِمِ شاذَّةٌ، ما عَدَا النوعَ الرابعَ؛ لِأَنَّ الشذوذَ فيهما أَقْوَى؛ لفَقْدِ كلٍّ منهما أكْثَرَ الشروطِ، فكِلاهما اسمُ جِنْسٍ مؤَنَّثٌ، وغيرُ عاقِلٍ، ولم يَسْلَمْ مُفْرَدُه عندَ الجمْعِ.
ثم بَيَّنَ أنَ سِنينَ وبابَه، قد يُعْرَبُ إعرابَ (حِينٍ)، فتُلازِمُه الياءُ والنونُ، وتَظْهَرُ الحركاتُ على النونِ مُنَوَّنَةً غالِباً، وأنَّ مِن العرَبِ مَن يَطْرُدُ هذا الإعرابَ في كلِّ جَمْعٍ مُذَكَّرٍ سالِمٍ.
حرَكَةُ نونِ المُثَنَّى والجمْعِ

39- ونونَ مجموعٍ وما به الْتَحَقْ = فافتَحْ وقَلَّ مَن بِكَسْرِهِ نَطَقْ
40- ونونُ ما ثُنِّيَ والْمُلْحَقِ بِهْ = بعَكْسِ ذاكَ اسْتَعْمَلُوه فانْتَبِهْ
النونُ في جَمْعِ المُذَكَّرِ السالِمِ تكونُ مَفتوحةً، وكذا الحكْمُ فيما أُلْحِقَ به، في جميعِ أحوالِ إعرابِه؛ في الرفْعِ والنصْبِ والْجَرِّ، ولا عَلاقةَ لهذه النونِ بإعرابِه؛ لأنه مُعْرَبٌ بالحروفِ.
ومِن العرَبِ مَن يَكْسِرُ هذه النونَ بعدَ الياءِ؛ قالَ الشاعرُ:
عَرَفْنَا جَعْفَراً وبَنِي أَبِيهِ = وأَنْكَرْنَا زَعانِفَ آخَرِينِ
أمَّا نونُ المُثَنَّى وجميعُ مُلْحَقَاتِه فالأشْهَرُ فيها أنْ تكونَ مَكسورةً في جميعِ أحوالِ إعرابِه، وقليلٌ مِن العرَبِ مَن يَفْتَحُها، قالَ الشاعرُ:
أعْرِفُ منها الْجِيدَ والعَيْنَانَا = ومَنْخِرَيْنِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا
فالشاعِرُ نَصَبَ المُثَنَّى بالألِفِ - على لُغةِ بعضِ العرَبِ - وفتَحَ النونَ وذلك في قولِه: (والعَيْنَانَا)، أمَّا قولُه: (ظَبْيَانَا) فهو مُفْرَدٌ لا مُثَنًّى؛ لأنه اسْمُ رَجُلٍ؛ أيْ: أشْبَهَا مَنْخِرَيْ ظَبْيَانَ. قالَه أبو زيدٍ الأنصاريُّ في نَوَادِرِه.
وقالَ آخَرُ:
على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً = فَمَا هي إِلاَّ لَمْحَةٌ وتَغِيبُ
وهذا معنَى قولِهِ: (ونونَ مجموعٍ.. إلخ)؛ أيْ: فَتْحُ نونِ جَمْعِ المُذَكَّرِ السالِمِ والملْحَقِ به، وقَلَّ مِن العرَبِ مَن نَطَقَ بكَسْرِها. ونونُ المُثَنَّى والمُلْحَقِ به تكونُ مَكسورةً، وقد وَرَدَ فَتْحُها.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
جمع, إعراب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir