دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو الحجة 1441هـ/28-07-2020م, 01:46 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عقيلة زيان مشاهدة المشاركة
قال الله تعالى :" ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء : 56]

§ علوم الآية

u مناسبة الآية لما قبلها:
بعدما ذكر الله عزوجل صفات الطغاة والمردة من بني إسرائيل وبين أفعالهم وصفاتهم؛ ذكر في هذه الآية ما يؤول حالهم يوم القيامة و ما ينتظرهم من عذاب لهم ولمن اتصف بفعلهم. ذكره عطية

u مقصد الآية
دوام عقوبة ونكال الكفار عموما واليهود خاصة في النار يوم القيامة؛ وفي ذلك تهديد ووعيد لهم

§ المسائل التفسيرية

u إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا
[حبذا لو قلتِ: المراد بالذين كفروا، المراد بالآيات]
إن الذين جحدوا ما أنزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من آيات تنزيله ووحي كتابه ؛ وهي آيات ودلائل و حجج دالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم.

u سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا
· معنى نصليهم : نُصليهم : بضم النون من الفعل "أصلى" ؛ و الفعل " أَصْلَى " : يحتمل أَن ْ تكونَ الهمزةُ فيه للدخول في الشيء ، فيتعدَّى لواحد ؛ كما أنه يحتمل أن تكونَ للتعديةِ ؛ فيتعدى إلى مفعولين؛ كما في الآية فالمفعول الأول الضمير "هم" ؛ والمفعول الثاني نارا .
وصَلِي كرضي إذا قاسى حرّ النار بشدّة ؛ و أصليت ومعناه قربت من النار وألقيت فيها
قال ابن سيده: صَلَى اللَّحمَ صَلْياً شَوَاهُ والصِّلاءُ الشِّواءُ صلَى اللَّحْمَ في النارِ وأصْلاَه أَلْقاهُ للاحْتِراقِ " اهـ
فــــــــــ "الصلي" يأتي على معنى مقاساة حر النار؛ وعلى معنى الدخول والاحتراق فيها
قال الشاعر: فَتَنَوَّرْتُ نَارَهَا مِنْ بَعيدٍ ... بِخَزَازَى هَيْهَاتَ مِنْك الصِّلاءُ
الصلاء مصدر صَلْيِ النَّار، وصَلِيَ بالنار يصلى صِلَىً وَصِلَاءً إذا احترق بها أو ناله حرّها.

وحملها الزجاج في هذا الموضع على الاحتراق قال : (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) أي نَشْويهم في نار" ...واحتج لقوله بما روي.في الحديث أن يهودية أهدت إِلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شاة مَصْلِيَّة أي مشويَّةً.

ولعل مما يقوى ما ذهب إليه الزجاج لفظ "نضجت" ؛ فهو يدل على تمام الاحتراق ونهايته
وهذا يقتضى تمام دخولهم في النار حتى تصبح محيطة بهم فلا تترك لهم أي جزء من أجسادهم إلا وأحرقته لهذا قال ابن كثير :" أَيْ نُدْخِلُهُمْ نَارًا دُخُولًا يُحِيطُ بِجَمِيعِ أَجْرَامِهِمْ، وَأَجْزَائِهِمْ."

u كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا

· "كلما " ظرفُ زمانٍ [متضمن معنى الشرط] يفيد التكرار، والعاملُ فيها " بَدَّلْناهم
وفي قوله " كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْر" كناية أن عذابهم في النار مستمر دائم لا ينقطع

· معنى نضجت
النضج :بلوغ نهاية الشيء ؛ يقال : نضج الشِّواء إذا بلغ حدّ الشيّ ، ويقال : نضج الطبيخ إذا بلغ حدّ الطبخ.

· معنى نضجت جلودهم
احترقت فلغت نهاية الاحتراق ، فلم يبق فيها حياة وإحساس.

· المراد بتبديل الجلود
في المراد بالتبديل الجلود قولان:

الأول:
تبدل بجلود غيرها حقيقة.. ويكون معنى التبديل حقيقي : نزع شيء ووضع شيء آخر مكانه ؛ والمعنى كلما احترقت جلودهم وأكلتها النار وأفنتها جدد الله لهم جلوداً أخرى .وهو قول جماهير السلف: ابن عمر( 74) والضحاك ( 105) والحسن البصري (110) وقتادة ( 117) والسدي(127) والربيع بن أنس (139)و مقاتل(150) ويحي بن سلام (200) وهو اختيار الزجاج [لا أفهم ما معنى هذه الأرقام؟]


قال مقاتل : { سوف نصليهم نارا كلما نضجت } ، يعني احترقت { جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } ، جددنا لهم جلودا غيرها ، وذلك أن النار إذا أكلت جلودهم بدلت كل يوم سبع مرات على مقدار كل يوم من أيام الدنيا.اهـ

قال يحيى بن سلام : بلغنا أنها تأكل كل شيء حتى تنتهي إلى الفؤاد ، فيصيح الفؤاد فلا يريد الله أن تأكل أفئدتهم ، فإذا لم تجد شيئا تتعلق به منهم ، خبت ، أي سكنت ، ثم يعادون خلقا جديدا ، فتأكلهم كلما أعيد خلقهم. ..كما في تفسير ابن أبي زمنين
× وقد يعترض على هذا القول : كيف بدلت جلود التذت بالمعاصي بجلود ما التذت .

فيقال : أن الألم والعذاب يصل إلى النفس إلى الإنسان ؛أما الجلود فلا تألم في ذاتها؛ و إنما هي آلة في إيصال العذاب إليهم كما كانت آلة في إيصال اللذة ، وهم المعاقبون لا الجلود ؛ فالجلود تبدل ليذوقوا تجديد العذاب.

& تخريج الأقوال

قول عبد الله بن عمر
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ثوير عنه قال رضي الله عنه : إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلودا بيضا أمثال القراطيس .
قول الضحاك
رواه ابن المنذر من طريق جويبر عنه قال : تأخذ النار فتأكل جلودهم حتى تكشطها عن اللحم ، حتى تفضي النار
إلى العظام ، ويبدلون جلودا غيرها ، فيذيقهم الله شديد العذاب ، فذلك دائم لهم أبدا بتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكفرهم بآيات الله .
قول الحسن
رواه ابن جرير من طريق هشام بن حسان عنه قال : تنضج النار كل يوم سبعين ألف جلد ، وغلظ جلد الكافر أربعون ذراعا ، والله أعلم بأيّ ذراع .
قول قتادة
رواه ابن جرير من طريق سعيد عنه قال كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها
قول السدي
ذكره الثعلبي والبغوي معلقا بدون إسناد
قال ( السدّيّ ) : إنما تبدل الجلود جلوداً غيرها من لحم الكافر ، يعيد الجلد لحماً ويخرج من اللحم جلداً آخر لم يبدّل بجلد لم يعمل خطيئة .
قول الربيع بن أنس
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر عنه قال سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأوّل أن جلد أحدهم أربعون ذراعا ، وسنّه سبعون ذراعا ، وبطنه لو وضع فيه جبل لوَسِعَهُ ، فإذا أكلت النار جلودهم بُدّلوا جلودا غيرها .

& توجيه القول

وجه هذا القول اللغة والنظر
-من جهة اللغة:أن حقيقة الإبدال :التنحية تنحية جسم وجعل مكانه جِسماً غيرَه، فالتبديل يقتضي المغايرة..؛ يقال : أبدَلْتُ الْخَاتم بالحلْقَة: إِذا نَحَّيْتَ هَذَا وَجعلت الحلقة مَكَانَهُ.
قال الله جلّ وعزّ: {فَأُوْلَائِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي؛ قد أَزَال السيئاتِ وَجعل مَكَانهَا حسناتٍ
فالمراد بالتبديل تبديل الذوات ..تنحية ذات ووضع ذات أخرى مكانها ؛وهو بمعنى تجديد الجلود .
و قوله { غيرها } تأكيد لما دلّ عليه فعل التبديل
-من جهة النظر أن حقيقة العذاب واقع على الأنفس لا على الجلود ؛ بدليل قوله تعالى : { لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ }..فالعذاب واقع على الأنفس ومن قصَد تعذيب النفس لا يعذب الجلود .

الثاني:
وقيل المعنى هو إعادة نفس تلك الجلود بعينها التي كانت في الدنيا ؛ فالجلود لما تأكلها النار وتحترق يُعاد إنشاؤها مرة أخرى جلودا غير محترقة لتجدد العذاب عليهم ؛ و هكذا دأبا لا نهاية لها...ذكر هذا القول ابن جرير ولم ينسبه إلى أحد وكذا ذكره ابن عطية دون نسبة
لكن الذي يظهر-والله أعلم - أن هذا القول هو مقتضى كلام الحسن البصري
قال الحسن رحمه الله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } قال : تأكلهم كل يوم سبعين ألف مرّة كلّما أكلتهم فأنضجتهم قيل لهم : عودوا فيعودون كما كانوا .اهـ
فقوله عودوا فيعودون كما كانوا..يقتضى أن تلك الجلود هي التي رجعت إلى ما كانت عليه.؛ولم ينشئ جلودا أخرى.

& تخريج الأقوال
قول الحسن
رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق هشام بن حسان عنه
وعبد بن حميد كما عند السيوطي

& توجيه القول:
وجه هذا القول اللغة والنظر
- من جهة اللغة أن المراد بالتبديل هو تبديل الصفات مع بقاء نفس الجوهر؛ كما تقول العرب : بدل من خاتمي هذا خاتماً وهي فضته بعينها ، و كما تقول أيضا : صغت من خاتمي خاتما غيره ، وإن كان الثاني إعادة للأول ؛ فالبدل إنما وقع في تغيير الصفات. وهذا المعنى معروف مستعمل في اللغة
-من جهة النظر أن هذا المعنى يشبه إعادة النفس بعدما صارت ترابها لا شيء ثم الله يحييها هي لا غيرها ؛ فكذلك هنا الجلد الجديد هو الجلد الأول ولكنه إذا أحرق أعيد إلى الحال الأول

الثالث :
أن المراد بالجلود في هذا الموضع : سرابيلهم ، أي جعلت السرابيل القطران لهم جلودا
والمعنى بدلناهم سرابيل من قطران غيرها .ذكره بن جرير ولم يسنده إلى أحد ونسبه الثعلبي والبغوي إلى عبد العزيز بن يحي .

-قال عبد العزيز بن يحيى : إن الله عز وجل يلبس أهل النار جلوداً لا تألم ، فيكون زيادة عذاب عليهم ، كلما احترق جلد بدلهم جلداً غيره . كما قال : { سرابيلهم من قطران } [ إبراهيم :50 ] فالسرابيل تؤلمهم وهي لا تألم .اهـ
--وتعقب ابن كثير هذا القول بقوله: "وهو ضعيف لأنه خلاف الظاهر"

& توجيه القول

ووجه هذا القول اللغة والنظر
- من جهة اللغة ؛يقال للشيء الخاصّ بالإنسان : هو جلدة ما بين عينيه ووجهه لخصوصه به . قالوا : فكذلك سرابيل القطران التي قال الله في كتابه : { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النّارُ } لما صارت لهم لباسا لا تفارق أجسامهم جُعلت لهم جلودا ، فقيل : كلما اشتعل القطران في أجسامهم واحترق بدّلوا سرابيل من قطران آخر .

-و أما من جهة النظر ؛ أن الكفار أهل النار لا يلحقهم فناء ولا يتوقف عليهم العذاب بل ولا يخفف عنهم؛ فلو كانت جلودهم تبدل بعد احتراقها للزم من ذلك فناء تلك الجلود من حال احتراقها إلى إعادتها وفي ذلك راحة لهم وقد أخبر الله تعالى : لا يخفف عنهم العذاب .
كما يلزم أيضا أنه إذا كان الفناء جائزا على الجلود ؛جاز ذلك في جميع الأجزاء، وإذا جاز ذلك وجب أن يكون جائزا عليهم الفناء ثم الإعادة والموت ثم الإحياء ، وقد أخبر الله عنهم أنهم لا يموتون
فقالوا : وفي خبره عنهم أنهم لا يموتون دليل واضح أنه لا يموت شيء من أجزاء أجسامهم ، والجلود أحد تلك الأجزاء .
فلهذا كله قال أن يُكسون سرابيل من قطران يعذبون بها .

النقاش:
-يستعبد القول الثالث لأنه يخالف ظاهر اللفظ كما ذكر ذلك ابن كثير؛ فالجلود لا يطلق عليه السرابيل
يبقى القول الأول والثاني هما محل النظر والبحث ؛وكلاهما تحتمله الآية.
فلفظ التبديل يطلق على تغير الجوهر الشيء كما أنه يطلق على تغيير الصفات مع بقاء الجوهر .

جاء في تهذيب اللغة
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وحقيقتُه أنَّ التَّبديلَ تغييرُ الصُّورَة إِلَى صُورَة أُخْرَى، والجوهرةُ بِعَينهَا، والإبدال تَنْحِيَةُ الْجَوْهَرَة واستئنافُ جَوْهَرَة أُخْرَى..اهـ
وكذا لفظ " غير " يطلق على ضربين : غير تضاد و تناف ، وغير تبديل.
فكلا القولين محتمل ؛ وكأن في عبارة السدي جمع بين القولين
قال السدي: إنما تبدل الجلود جلوداً غيرها من لحم الكافر ، يعيد الجلد لحماً ويخرج من اللحم جلداً آخر لم يبدّل بجلد لم يعمل خطيئة.اهـ

تبدل الجلود المحترقة إلى جلود أخرى ناشئة من لحم الكافر ؛ فهي ناشئة عن الجلد الأول وليس جديدة خارجة عن طبيعة وحقيقة الجلد الأول

قال ابن عاشور في بيان هذا المعنى وتعليله : ولأنّه ناشىء -يقصد الجلد الجديد - عن الجلد الأوّل كما أنّ إعادة الأجسام في الحشر بعد اضمحلالها لا يوجب أن تكون أناساً غير الذين استحقّوا الثواب والعقاب لأنّها لمّا أُودعت النفوسَ التي اكتسبت الخيرَ والشرّ فقد صارت هي هي ولا سيما إذا كانت إعادتها عن إنبات من أعجاب الأذناب ، حسبما ورد به الأثر ، لأنّ الناشىء عن الشيء هو منه كالنخلة من النواة .اهـ
فيكون الجلد الجديد ليس هو عين الأول لكن ناشي عن الأول ؛ أو ناشئ من لحم الكافر ؛ ولا يستبعد هذا عن قدرة الله عزوجل.
[حبذا لو خصصتِ مسألة في بيان المراد بالجلود بداية]


u لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ

· معنى اللام
اللام للتعليل ؛تعليل لقوله "بدلناهم " .
وقوله "ليذوقوا العذاب" أي ليدوم لهم ذوق العذاب ولا ينقطع إلا فهم ذائقون مستمرون عليه.

· دلالة التعبير بالفعل "ذاق"
وعبر بالفعل " يذوقوا" الذي يدل على إدراك شيء يسير من المذوق ؛ والحال أنهم في أشد العذاب وأعظمه كما أخبر الله تعالى ؛ وذلك لبيان أن إحساسهم بالعذاب مستمر في كل حال وحين لا ينقص ولا يزول بسبب الاحتراق ..ذكره الرازي

· الحكمة من تبديل الجلود
- الجلد مركز الإحساس ؛ موصل إحساس العذاب إلى النفس ؛فلو لم يبدّل الجلد بعد احتراقه لما أمكن وصول عذاب النار إلى النفس. وهذا معروف مشاهد في طبيعة خلقة الناس ؛ لما يموت أو يخدر الجلد يصبح فاقد الإحساس؛ فلا يشعر به صاحبه؛ فمهما أوذي في ذلك الموضع أو ضرب لا يشعر بألم . لهذا قبل إجراء العلمية الجراحية للعبد يخدر المكان أو الجزء المريض المراد علاجه

u إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا
· معنى عزيز حكيما
-عزيزا في نقمته إذا انتقم قاله أبو العالية ومقاتل.
أخرج قول أبي العالية ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عنه
عزيزا في نصرته ممن كفر إذا شاء قاله محمد ابن إسحاق
أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سلمة عنه
حكيما " حكم لهم بالنار قاله مقاتل

مناسبة ختم الآية بصفتي العزة والحكمة
. وحسن ذكر صفتي العزة والحكم بعد ذكر عذاب أهل الكفار المكذبين بآيات الله ؛لبيان أن الله لا يغالبه مغالب إلا غلبه الله ، وهو مع ذلك لا يفعل شيئاً إلا بحكمة وإصابة ، لا إله إلا هو تبارك وتعالى . فكأن فيه رد عن سؤال: كيف يقع العذاب ؛أو كيف يعذب الله الكفار ؛ أو كيف يمكن بقاء الإنسان في النار الشديدة الحرارة أبد الآباد ؛فيقال : أن الله قادر عليهم وهم تحت قبضته لا يعجزه أمرهم ؛ و أن ما يصيبهم من العذاب هو لحكمة أرادها سبحانه وتعالى
-قال ابن عاشور:" فالعزّة يتأتى بها تمام القدرة في عقوبة المجترىء على الله ، والحكمة يتأتّى بها تلك الكيفية في إصلائهم النار.اهـ


قال الله تعالى :
( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا) [النساء : 57]

§ علوم الآية

u مناسبة الآية لما قبلها
-لما ذكر الله وعيد الكفار، عقب بوعد المؤمنين بالجنة على الإيمان والأعمال الصالحة.

u وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
الذين أمنوا بالله عزوجل وبرسوله وبكل ما يجب الإيمان به من آياته الشرعية والكونية وغير ذلك ؛ وعملوا الأعمال الصالحات تقربا إلى الله عزوجل امتثالا لأمر واجتنابا لنهيه

u سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا

· تجري من تحتها الأنهار
تجري من تحتها الأنهار أيتجري من تحتها مياه الأنهار، لأن الجاري على الحقيقة الماء.
وهذه الأنهار تجري في جميع فجاجها ومحالها وأرجائها حيث شاؤوا وأين أرادوا .

· خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
خلود أبدي سرمدي ؛ أي نعيم الجنة دائم مستمر لا انقطاع له أبدا ؛ وهم خالدون فيها باقون لا يموتون و لا يحولون عنها ولا يزولون ولا يبغون عنها حولا . فنعيم الجنة خالد أبدا وهو خالدون أبدا

u لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا
· المراد ب أزواج مطهرة
في المراد بمطهرة قولان : مطهرة طهارة حسية و مطهرة طهارة معنوية
- 1 طهارة حسية
وفي تعين متعلق الطهارة أقول :
أولا :مطهرة من القذر والأذى وهو قول ابن عباس(68)

& التخريج
رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .
ثانيا: مطهرة من الحيض والبول والنخام والبزاق والمني والولد . وهو قول مجاهد وروى عن عطاء والحسن والضحاك ، والنخعي وأبي صالح ، وعطية والسدي نحو قول ابن عباس .

& التخريج
قول مجاهد رواه ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
و أما باقي الأقوال فقد ذكرها ابن أبي حاتم معلقة بدون سند
الثالث مطهرة من الأذى والمآثم.وهو قول قتادة

& التخريج
قول قتادة أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد وأبان عن قتادة به
الرابع مطهرة : ولا حيض ولا كلف .وهو قول قتادة

& التخريج
قول قتادة أخرجه ابن أبي حاتم من طريق خليد عن قتادة به
.
. -2 طهارة معنوية
مطهرة من الأخلاق الرذيلة ، والصفات الناقصة . ذكره ابن كثير
ويدخل فيه الطهارة من الذنوب والمآثم كمال قال قتادة
روى ابن أبي حاتم بسنده من سعيد وأبان ، عن قتادة { لهم فيها أزواج مطهرة } قيل : مطهرة من الأذى والمآثم .

الترجيح
وجميع هذه الأقوال متفقة لا تبان بينها فنساء الجنة مطهرة من جميع أقذار الدنيا و عيوبها ونقائصها المعنوية الحسية
[وكلمة الأذى في قول ابن عباس مفهومها عام قد يراد به أذى حسي، أو معنوي أو كلاهما]

u وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا

· معنى الظل
الظِّلُ: عتَمَةٌ تَغْشَى مكانًا حَجَبَ عنه أَشِعَّةً ضوئيّةً حاجزٌ غيرُ شفَّاف.

· معنى ظليل
ظليل نعت للظل وهو مشتق من لفظه ؛ لتوكيد معناه و للدلالة على المبالغة ؛ وهو أسلوب عربي مشهور يأتون بالوصف بلفظ الموصوف لتأكيد الموصوف.

قد يأتون هذا الوصف بوزن فعيل : كما هنا ، وقولهم : داء دويُّ ، ويأتون به بوزن أفْعل : كقولهم : لَيْلٌ ألْيَل ؛ ويَوْم أيْوَم ، ويأتون بوزن فَاعل : كقولهم شمس شامس شِعْر شاعر ، ونَصَب نَاصِب وكل ذلك مبالغة في الوصف
قال ابن عاشور :" ووصف بالظليل وصفاً مشتقّاً من اسم الموصوف للدلالة على بلوغه الغاية في جنسه .اهـ
وقال أبو مسلم كما عند أبي حيان :" الظليل : هو القوي المتمكن .

· المراد بالظل الظليل
في ذلك أقوال:

1-ظل ظليل أي؛ يقي الحر والبرد و هو اختيار الزجاج .

قال الزجاج :" أعلم الله - عزَّ وجلَّ - أن ظِل أهل الجنَّة ظليل لا حَرَّ مَعَه ولا بَرْدَ" ..وقال أيضا :"وليس كل ظل كذلك."
2-ظل ظليل أي ؛ ظل دائم لا يستحيل ولا ينتقل، كما يفعل ظل الدنيا، وهو قول الحسن البصري

&تخريج القول
قول الحسن البصري ذكره يحي بن سلام كما في تفسير ابن أبي زمنين.

3- ظل ظليل أي؛ ظل ممدود ؛ فوصف بظليل لامتداده ذكره ابن عطية دون نسبة لأحد

& توجيه القول
واحتج له ابن عطية بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها» .رواه أحمد
4- ظل ظليل أي كثيف؛لأنه لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك.. وهو قول الحسن كما عند القرطبي
وعبر عنه وعبر عنه ابن جرير بقوله :" وندخلهم ظلا كَنينًا".
5- وقيل هو ظل عرش الرحمان الذي لا يزول وهو قول الربيع ابن أنس

& تخريج القول
روى ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر عن الربيع بن أنس في قوله { وندخلهم ظلا ظليلا } قال : هو ظل العرش الذي لا يزول .

& توجيه القول:
ولعل وجه هذا القول :
- أن العرش هو أعلى المخلوقات وأرفعها، وكل المخلوقات دونه، وهو سقف الجنة؛ كما ثبت ذلك نصوص السنة فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..: (فإذا سألتُم الله، فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة ) رواه البخاري

- و ثبت أيضا أن للعرش ظل
كمال جاء في الحديث عن ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله ). رواه أحمد غيره والحديث صحيح صححه جمع من أهل العلم
وحديث:"( من نَفَّسَ عن غريمه أو محا عنه؛ كان في ظل العرش يوم القيامة) رواه أحمد وغيره وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))
- قال الذهبي في ((العلو)): (بلغ في ظل العرش أحاديث تبلغ التواتر) اهـ.
- والأمر الآخر أن ظل الجنة لا يفنى ولا يبيد؛ لعدم فناء الجنة ؛ و كذلك العرش باق لا يفنى ولا يبيد لهذا قال الربيع ظل العرش الذي لا يزول.
- وأيضا لما ثبت لعرش الرحمان من صفات المجد والكرم والعظمة فكانت صفاته بالغة الحسن والكمال ؛ فيكون ظله كذلك هو أكمل الظل و أحسنه وأدومه.

فإذا كان للعرش ظل وهو سقف الجنة أمكن أن يكون الظل الذي في الجنة هو ظل العرش – والعلم عند الله-

وقد يكون مراد الربيع بظل العرش ؛ الظل الذي يكون يوم القيامة في أرض المحشر يوم تدنو الشمس على رؤوس الخلائق
حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ؛ فإن الله يضل من يشاء من عباده بظل عرشه.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)
وفي رواية "عند سعيد بن منصور (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه..))
لكن هذا يشكل عليه أمور من أهمها أن الحديث وارد في أناس اتصفوا بخصال مخصوصة ؛ فهؤلاء الذين استحقوا أن يظلهم الله ؛ أما الآية فهي عامة في كل من أمن وعمل صالحا.

الترجيح
ومما سبق ذكره من الأقوال في المراد بالظل الظليل كلها معاني صحيحة ؛ لا تعارض بينها وهى بمجموعها تعطي وصفا جامعا للظل الجنة ؛ وأنه قد بلغ الغاية والكمال فيما يدل عليه معنى الظل


× فالعبد يتطلب الظل لما فيه من اعتدل الجو وهذا مقتضى من قال ظل ظليل: أي لا حر ولا بارد وهذا لبلوغ كمال ونهاية اعتداله.فلا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم

×و يطلب الظل أيضا إذا كان دائما بحيث لا يخاف زواله وانحلاله ونسخ الشمس له ؛ وهذا مقتضى من قال ظل ظليل أي دائم و هذا لبلوغ الغاية والكمال في دوامه.

× ويطلب الظل أيضا إذا كان متصلاً لا فرج فيه وهذا مقتضى من قال ظل ظليل: أي كثيف غزير و هذا لبلوغ الغاية والكمال في اتصاله وكثافته وتراكم بعضه على بعض

× ويطلب الظل إذا كان منبسطاً لا ضيق معه وهذا مقتضى من قال ظل ظليل أي ممدود وذلك بلوغ الغاية والكمال في امتداده

فظل الجنة لا يزول. فهو لا ينسخ، ولا ينسلخ، ولا يضمحل، ولا يتدرج، بل هو دائم
لهذا كانت عبارات بعض المفسرين جامعة لهذه المعاني كلها

قال الراغب في المفردات : وظِلٌّ ظَلِيلٌ: فائض. اهـ.
أي فاض هذا الظل في صفاته؛ زادت صفاته حتى بلغت نهايتها وغايتها ؛ كما يقال فاضت صفات الرجل المحمودة ؛ أي عمت عليه وبلغت غايته حتى أصبح لا يكاد يظهر للصفات المذمومة عين.

قال الزمخشري :" وهو ما كان فينانا لا جوب فيه ، ودائماً لا تنسخه الشمس ، وسجسجاً لا حرّ فيه ولا برد ، وليس ذلك إلا ظل الجنة ."اهـ

وقال ابن كثير :" ظَلَّا عَمِيقًا كَثِيرًا غَزِيرًا طَيِّبًا أَنِيقًا.


وإذا ثبت قول الربيع ابن أنس يكون ظل الجنة هو ظل العرش ؛ و ظل العرش بلغ الحسن غايته وكماله؛ لما للعرش من صفات الجلال والجمال والعظمة والكرم والمجد وهو بالغ حسنى غايته ؛ وهو دائم لا يفنى ولا يبيد فكذلك ظله دائم لا يفنى ولا يبيد
نسأل الله أن يجعلنا من أهلها السابقين مع النبيين والصدّيقين .

.
u وجه الاقتصار على لذة الجنة و لذة النساء في بيان نعيم الآخرة
قال ابن عاشور:واقتصر من نعيم الآخرة على لذّة الجنّات والأزواج الصالحات ، لأنّهما أحبّ اللذّات المتعارفة للسامعين ، فالزوجة الصالحة آنس شيء للإنسان ، والجنّات مَحّل النعيم وحُسن المنظر "اهـ

u وجه المنة والنعمة بذكر الظل الظليل
ما وجه المنة التي يمتن الله بها على عباده بذكر ظلال الجنة ؛ وفي الجنة نور و لا شمس فيها
يقال أن العبد إذا كان داخل النور ؛والنور محاط به من كل جوانبه لا يقدر على التميز في النظر والتمتع بالأنوار ؛ لكن إذا كان في ظل تميز النور عن الظل فتمتع بالنظر إلى الأنوار.
وهذا أمر مشاهد في الدنيا فنحن نتمتع بالنظر إلى القمر و لا نتمتع بالنظر إلى الشمس وليس ذلك إلا بسبب الظل الذي يكون مع القمر و لا يكون مع الشمس..
وكذلك أهل الجنة يجدون تمتعا بالنظر إلى الأنوار ولا يحصل لهم ذلك إلا بوجود الظل...

والله أعلم








التقويم: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيك ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثامن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:09 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir