القول في حكم من بعد الصحابة وذكر الشرائط التي توجب قبول روايته
قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيبُ البغدادي (ت: 463هـ): (لابد لمن لزم قبول خبره من أن يكون على صفات قد تقدم ذكرها مجملا، ونحن نفصلها إن شاء الله تعالى، ونشرح ما يتعلق بها؛ فأولها أن يكون وقت تحمل الحديث وسماعه مميزا ضابطا؛ لأنه متى لم يكن كذلك كان غير عالم بما تحمله وقت الأداء ولا ذاكر له، ووجب أن يكون حاله فيما يؤديه كحاله في جميع ما يحكيه من أفعاله الواقعة منه في حال نقصه، ومع عدم تمييز وعلمه وبمثابة ما يحكيه المجنون والمغلوب مما يعرف أنه وقع منه حال الغلبة على عقله فلا خلاف أن ما هذه سبيله لا يصبح ذكره، والعلم به والفصل بينه وبين غيره، فوجب لذلك كون المتحمل وقت تحمله عالما بما يسمعه واعيا ضابطا له؛ حتى تصح منه معرفته بعينه عند التذكر له كما عرفه وقت التحمل له فيؤديه كما سمعه بلفظه إن كان ممن يؤدي الحديث بلفظه.
وإن كان ممن يؤديه على المعنى فحاجته إلى مراعاة الألفاظ والنظر في معانيها أشد من حاجة الراوي على اللفظ دون المعنى، هذا إذا كان تعويله في تحمله على حفظه .
فأما إذا كان سيء الحفظ فقد ذهب قوم من أهل العلم إلى أن الضبط وقت التحمل ليس بشرط في صحة السماع، لكنه إذا اصغى وهو مميز صح سماعه، وإن لم يحفظ المسموع ويقيده بالكتاب.
وأرى حجتهم في ذلك ما أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أنا أبو سهل -أحمد بن محمد بن عبد الله القطان-، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا على -يعني- بن عبد الله المديني، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، قال حدثني يحيى بن أبى كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: لما فتح الله على رسوله مكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى وأما أن يقتل))، فقام رجل يقال له أبو شاه من أهل اليمن فقال: يا رسول الله اكتبوا لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اكتبوا لأبي شاه))، فقام العباس، أو قال العباس يا رسول الله: إلا الأذخر فإنه لقبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إلا الأذخر))، قال الوليد فقلت للأوزاعي: ما قوله اكتبوا لأبي شاه؟، قال: يقول: (اكتبوا خطبته التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، فأبو شاه ممن لم يكن يحفظ، غير أنه لما كان مميزا واصغى إلى خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم صح سماعه إياها، وأمر بكتبها له).وقد اختلف أهل العلم أيضا في التحمل قبل البلوغ فمنهم من صحح ذلك، ومنهم من دفع صحته.). [الكفاية في علوم الرواية: ؟؟]