1. عامّ لجميع الطلاب)
اذكر الفوائد التي استفدتها من قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} الآية.
- من طبيعة البشر الفرار من الموت ؛ لقوله تعالى: { خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت }
- الآية فيها بيان لعظيم قدرة الله عزوجل؛.. بإماتة الحيّ ، وإحياء الميت ؛ لقوله تعالى : { موتوا } ؛ فماتوا بدليل قوله تعالى : { ثم أحياهم } .
-لا ملجأ من اللّه إلّا إليه، فإنّ هؤلاء فرّوا من الوباء طلبًا لطول الحياة فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعًا في آنٍ واحدٍ.
-الإِماتة إنما هي بيد الله لا بيد غيره ، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر . خرجوا من ديارهم خوفا من الموت فأماتهم الله ثم أحياهم حتى يعلموا أن وعد الله بالموت حق ، وأن الحذر لا يغني من القدر ، وأن الآجال والأعمار محدودة فهي لا تنقص ولا تزيد.
- ينبغي للإنسان أن يستعد للذي يحذر منه وهو لا يدري متى يفجؤه
- من رحمة الله و فضله على عباده أنه يقص عليهم قصص الأمم السابقة حتى يعتبروا..فالله قص على مشركي العرب قصص بني إسرائيل ليرتدع المشركون عما هم فيه من الضلال وإنكار البعث.
- من رحمة الله بعباده وعظيم فضله أن يقيم لهم الأدلة و البراهين والحجج الواضحات حتى يتبن الحق فيهدي من يريد الهداية و يهلك من هلك عن بينة ...فالله عزوجل أماتهم ثم أحياهم ليدل ذلك على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة.
- الله نوع فيه كتابه أدلة البعث وفصل فيها وأعاد وكرر..ليدل أن أدلة البحث كثيرة مشهورة..
- من رحمة الله بعباده أنه يحثهم ويعينهم على بعض الأحكام التي يكون فيها شيء من الصعوبة والثقل على النفوس....فهؤلاء صعب عليهم الجهاد ففروا منهم فأماتهم ثم أحياهم ليعلمهم أن الأمر كله بيد الله وأن الموت لا يدفع بالهرب منه ففي ذلك حث على الجهاد والترغيب في الشهادة
- قد يستفاد من القصة أن أوامر الله وأحكامه الشرعية كلها خير فهؤلاء لو خرجوا للجهاد و ماتوا لكان خيرا لأنهم يموتون شهداء.
- {ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون} أكثر الناس لا يقومون بشكر ما أنعم اللّه به عليهم في دينهم ودنياهم...فليحرص العبد أن يكون من القلة .." وقليل من عبادي الشكور".
-{ إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون }
أن الله تعالى لصاحب تفضل دائم على الناس في جميع أحوالهم ..ومع جميع أحكامه وأوامره وقضاءه وقدره
-سبحانه وتعالى يمدح نفسه بما أنعم به على عباده ؛ لقوله تعالى : { إن الله لذو فضل على الناس}؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا أحد أحب إليه المدح من الله»؛ فهو سبحانه وتعالى يحب أن يُمدح ، ويُحمد ؛ لأن ذلك صدق ، وحق ؛ فإنه سبحانه وتعالى أحق من يُثنى عليه ، وأحق من يُحمَد ؛ وهو سبحانه وتعالى يحب الحق . أفاده ابن عثيمين رحمه الله تعالى
و أختم هذه الفوائد بجميل ما قاله السيد القطب. قال : " إن الحذر من الموت لا يجدي ، وإن الفزع والهلع لا يزيدان الحياة ولا يمدان أجلا ولا يردان قضاء ، وإن الله هو واهب لحياة وهو آخذ الحياة وأنه متفضل في الحالتين حين يهب ، وحين يسترد ، والحكمة الإلهية الكبرى كامنة خلف الهبة وخلف الاسترداد ، وأن مصلحة الناس متحققة في هذا وذك ، وأن فضل الله متحقق في الأخذ والمنح سواء " .
والحمد لله رب العالمين
******
المجموعة الرابعة
:
1. حرّر القول في المراد بالصلاة الوسطى.
أمر الله بالحفاظ على إقامة الصلوات في أوقاتها و بجميع شروطها ؛ وخص الصلاة بالوسطى بالذكر وقد دخلت قبل في عموم قوله الصلوات لأنه قصد تشريفها وبيان مزيد فضله وعظيم شأنها .. كما قال: عز وجل: {من كان عدوّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال}فذكرا مخصوصين لفضلهما على الملائكة
وكما في قوله عزّ وجلّ: {فيهما فاكهة ونخل ورمّان} قال يونس النحوي إنما خص النخل والرمان وقد ذكرت الفاكهة لفضلها على سائرها.
وفي معنى "الوسطى" قولان:
أولا : من الوسَط؛ و الْوَسَطِ هُوَ الْعَدْلُ وَالْخِيَارُ وَالْفَضْلُ ..
الوسطى الفُضْلَى بمعنى التفضيل؛ .مؤنث أوسط؛ و أوْسَطُ الشيءِ أَعْدَلُه وأمثله
كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } وقَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ } يَعْنِي : الْأَفْضَلَ فِي الْآيَتَيْنِ.
ثانياقيل من الوسط أي التوسط .
الوَسَطَ، بالتَّحْرِيكِ: اسمٌ لِمَا بَيْنَ طَرَفَي الشَّيْءِ، وهُوَ مِنْهُ، كقَوْلِكَ: قَبَضْتُ وَسَطَ الحَبْلِ، وكَسَرْتُ وَسَطَ الرُّمْحِ
و في توسطها من أي شيء قولان
قيل : وسط في الترتيب و الوقت
وقيل :وسط في العدد
وعليه يكون معنى وصف الصلاة بالوسطى أوجه
أحدها : لأنها أوسط الصلوات الخمس محلاً ..
والثاني : لأنها أوسط الصلاة عدداً.
والثالث : لأنها أفضل الصلوات ووسط الشيء ووسطاه أفضله .
اختلف أهل العلم في المراد بالصلاة الوسطى على أقوال:
أولا : صلاة الغداة
وهو قول عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وعُبَيد بْنِ عُمَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ. حَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عنهم.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ
وحكاه في موطأه بلاغا عن علي وابن عباس
وَنَقَلَهُ الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ عَلَى خِلَافٍ مِنْهُمْ، وَأَبِي مُوسَى، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ.
قال ابن عاشو : وَهُوَ قول جمهور فقهاء المدينة ...
وذكره المفسرون الثلاثة
الدليل:
-قَالَ هُشَيْمٌ، وَابْنُ عُليَّة، وغُنْدَر، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وشَريك وَغَيْرُهُمْ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيُّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفَجْرَ، فقنتَ فِيهَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي أُمِرْنَا أَنْ نَقُومَ فِيهَا قَانِتِينَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
و عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، فَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَقَالَ: هَذِهِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ
-وعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الصُّبْحِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ
وقيل أن صلاة الغداة كانت وسطى لكونها أوسط الصلوات وعلى هذا يراد بالوسطى الترتيب...قبلها صلاتين و بعدها صلاتين
-و لأنها قبلها صلاتا ليل يجهر فيهما، وبعدها صلاتا نهار يسر فيهما.
-وأيضا توسطت بين صلاتا جمع قبلها وصلاتا جمع بعدها وهي لا تجمع على غيرها. قال ابن عطية وهذا مما قوى به مالك كونها صلاة الغداة
وقيل: هِيَ الْوُسْطَى بِاعْتِبَارٍ أَنَّهَا لَا تُقْصَرُ، وَهِيَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ رُبَاعِيَّتَيْنِ مَقْصُورَتَيْنِ. ويرد على هذا القول بصلاة المغرب فهي أيضا لا تقصر.
- وقيل بل صلاة الغداة الوسطى باعتبارها الوسطى في عدد الركعات
فعدد ركعاتها اثنان وهى وسط بين الصلاة الثلاثة و الصلاة الرباعية
-وقيل أن صلاة الغداة كانت وسطى لما خصت من الفضائل ؛ فيكون الوسطى على هذا بمعنى الفضلى .
-قال الله تعالى( إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً)
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا»، وقال: «إنهما أشدّ الصلوات على المنافقين».
وفضلت صلاة الصبح لأنها كقيام ليلة لمن شهدها والعتمة نصف ليلة.
ونَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}..من حيث أن الله عزوجل أعقبها بالقنوت الذي هو طول القيام والدعاة في الصلاة كلاهما مختص بصلاة الصبح
ثانيا: هي صلاة الظهر
وهو قول أبي سعيد الخدري ؛وعبد الله بن عمر؛ ، وَعَائِشَةَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمْ.
وعروة ابن الزبيرو زيد ابن ثابت وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ. وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وذكره المفسرون الثلاثة
ودليل هذا القول
-ما رواه أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ قال : حَدَّثَنَا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو -عَنْ زُهْرَةَ -يَعْنِي ابْنَ مَعْبَدٍ -قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى أُسَامَةَ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالَ: هِيَ الظُّهْرُ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّيهَا بِالْهَجِيرِ .مسند الطيالسي
وَ بما رواه الْإِمَامُ أَحْمَدُ قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عمْرو بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، سَمِعْتُ الزِّبْرِقَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشُدُّ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وَقَالَ: "إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ .
-قَالَ شُعْبَةُ وَهُمَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الظُّهْرِ.
-قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ شُعْبَةَ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى هِيَ الظُّهْرُ.
-وقيل أن صلاة الظهر هي الوسطى لأنها توسطت بين الصلوات
فإِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ.... أو لأنها توسطت النهار.
- وقيل أن الوسطى بمعنى الفضلى ..فهي أول صلاة صليت في الإسلام.
- وأيضا روي أنها كانت أشق الصلوات على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كانت تجيء في الهاجرة،..فَلَا يَكُونُ وَرَاءَ النبي صلى اله عليه وسلم إِلَّا الصَّفُّ وَالصَّفَّانِ، وَالنَّاسُ فِي قَائِلَتِهِمْ وَفِي تِجَارَتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليَنْتَهيَنَّ رِجَالٌ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ"رواه الإمام أحمد
- وأيضا مما يدل على ذلك ما قالته حفصة وعائشة حين أملتا: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر، فهذا اقتران الظهر والعصر.
ثالثا : هي صلاة العصر
حكى الدمياطي أنه قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي أيوب وعبد الله ابن عمرو وسمرة ابن جندب وأبي هريرة وأبي سعيد وحفصة و أم حبيبة و أم سلمة .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ عَلَى الصَّحِيحِ عَنْهُمْ.
وَبِهِ قَالَ عَبِيدَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالْكَلْبِيُّ، وَمُقَاتِلٌ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
قَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ: وَالشَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وهو اختيار الزجاج و ابن عطية .وابن كثير
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَثَرِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الناس. .
دليلهم:
1- ما جاء من أثار في تعين الصلاة الوسطى
- عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "صَلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ" رواه الإمام أحمد.
- وعن قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وَسَمَّاهَا لَنَا أَنَّهَا هِيَ: صَلَاةُ الْعَصْرِ رواه الإمام أحمد.
- وعن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ". . رواه ابن جرير قال ابن كثير إِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
- وعَنْ مُرَّة الهَمداني، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ " رواه الترمذي ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
- وعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ"رواه ابن جرير
2- ما جاء من أحديث "شغلونا عن الصلاة الوسطى"
ما رواه الشيخان في الصحيح
عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الخَنْدَقِ: «مَلَأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ»
ورواه أيضا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَسَانِدِ وَالسُّنَنِ، وَالصِّحَاحِ مِنْ طُرُقٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا. قاله ابن كثير
وبما رواه مسلم في صححيه..
عن شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى، سَمِعَ عَلِيًّا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فُرْضَةٍ مِنْ فُرَضِ الْخَنْدَقِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ»، أَوْ قَالَ: «قُبُورَهُمْ وَبُطُونَهُمْ نَارًا»
وما رواه الإمام مسلم في صحيحه وأحمد والنسائي
.. عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا»، ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : «كنا نراهاصلاة الصبح أو صلاة الفجر حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَأَجْوَافَهُمْ -أَوْ بُيُوتَهُمْ -نَارًا" رواه ابن أبي حاتم.
3- وقيل الوسطى أي الفضلى لما لها من فضائل وميزات وقد ورد من الآثار ما يدل الأمر بالحفاظ عليها ودلك مطابقة لما نصت عليه الآية
- فعن الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وَتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ رواه مسلم
-و روى البخاري في صحيحه. قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي المَلِيحِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ العَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ»
-و عن الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ بُرَيدة بْنِ الحُصَيْب، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ".رواه ابن ماجة في سننه .
و..عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ»، وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ.ورواه مسلم في صحيحه والإمام أحمد في سنده
4- صلاة العصر هي الوسطى لأنها توسطت الصلوات
فهي تقع في وسط الصلوات الخمس ، فقبلها اثنان وبعدها اثنان ، ولأنها وسط بين صلاتي النهار وصلاتي الليل
اعتراض
ومما يعترض على هذا القول ما جاء في مصحف عائشة وحفصة
رضي الله عنهما «والصلاة الوسطى و صلاة العصر».
وروي في ذلك أثارا
-عَنْ أَبِي يُونُسَ، مَوْلَى عَائِشَةَ، أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، وَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: " {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} "، قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...رواه مسلم وأحمد
-و عَنْ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ ؛ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ مُصْحَفاً لِحَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هذِهِ الآيَةَ فَآذِنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلَوةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتينَ} فَلَمَّا بَلَغْتُهَا، آذَنْتُهَا. فَأَمْلَتْ عَلَيَّ - حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ. رواه مالك في الموطأ
-قَالَ نَافِعٌ: فَقَرَأْتُ ذَلِكَ الْمُصْحَفَ فَرَأَيْتُ فِيهِ "الْوَاوَ" ....رواه ابن جرير.
- ووجه الاعتراض بهذه الآثار .أَنَّهُ عَطَفَ صَلَاةَ الْعَصْرِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوُسْطَى بِوَاوِ الْعَطْفِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، إذ الشيء لا يعطف على نفسه ؛ فدل ذلك أن الصلاة الوسطى هي غير صلاة العصر.
وهذا الحديث ينظر إليه بنظريين أو باعتبارين ..باعتبار أنه خبر والآخر باعتبار أنه روي قرانا
أولا : باعتبار كون الحديث خبرا
يجاب عليه بِوُجُوهٍ:
- أحدها أنه قد ورد من الروايات من يدل على إسقاط الواو
و عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ". ..رواه ابن جرير
-قال ابن عطية قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي، وفي إملاء حفصة أيضا «والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر».
قال الدمياطي في كتابه كشف المغطى:... أن ثبوت الواو رواه واحد؛وأسقطها جماعة تقرب روايتهم من حد التواتر؛بل قد زعم بعض السلف أنها متواترة؛ والأخذ بأكثر العدد في باب الترجيح أولى.
الثاني : حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه الذي روي في الصحيح أَصَحُّ وَأَصْرَحُ مِنْهُ.. وهو من المتفق عليه." عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ.." أما حديث عائشة فقد انفراد به الإمام مسلم
وتقديم الأصح الأصرح المتفق عله أولى في باب الترجيح
الثالث : يحتمل أن تكون الواو في " والصلاة والوسطى وصلاة العصر "
زائدة .. وهو أسلوب عربي .
كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الْأَنْعَامِ:55] ،
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الْأَنْعَامِ:75] ،
أَوْ تَكُونَ لِعَطْفِ الصِّفَاتِ لَا لِعَطْفِ الذَّوَاتِ... كما تقول جاءني زيد الكريم والعاقل..
وَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ جَوَازِ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَرَرْتُ بِأَخِيكَ وَصَاحِبِكَ، وَيَكُونُ الصَّاحِبُ هُوَ الْأَخَ نَفْسَهُ.
وهذا من الأساليب العربية الكثير الاستعمال.. وقد ورد في القران
كَقَوْلِ الله تعالى : {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .
وَكَقَوْلِهِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} .
ومما يؤيده من لسان العرب
قَالَ الشَّاعِرُ:
إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ ... وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ ...
وَقَالَ أَبُو دُؤَادٍ الْإِيَادِيُّ:
سَلَّطَ الْمَوْتَ وَالْمَنُونَ عَلَيْهِمْ ... فَلَهُمْ فِي صَدَى الْمَقَابِرِ هَامُ.
وَالْمَوْتُ هُوَ الْمَنُونُ.
قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْعَبَّادِيُّ:
فَقَدَّمْتُ الْأَدِيمَ لِرَاهِشِيهِ ... فَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا .
وَالْكَذِبُ: هُوَ الْمَيْنُ.
ثانيا : باعتبار كون الحديث روي قرآنا
أولا:حديث عائشة خالف التلاوة التي قامت بها الحجة؛ لما فيها من الزيادة ما يخالف ما عليه مصاحف الأم
ثانيا:أن حديث عائشة خبر آحاد لم يتواتر فلا يثبت بمثله القران؛.لهذا لم يثبته أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه في الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ، وَلَا قَرَأَ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ تَثْبُتُ الْحُجَّةُ بِقِرَاءَتِهِمْ، لَا مِنَ السَّبْعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ.
ثالثا:
وعلى فرض صحتها فقد ورد ما يدل على نسخها
-عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللهُ، فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} " فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقِ لَهُ: هِيَ إِذَنْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقَالَ الْبَرَاءِ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ، وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ "، قَالَ مُسْلِمٌ: وَرَوَاهُ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَرَأْنَاهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا بِمِثْلِ حَدِيثِ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ...رواه مسلم
قال ابن كثيرا تعلقا على هذا الأثر : ..فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ التِّلَاوَةُ، وَهِيَ تِلَاوَةُ الْجَادَّةِ، نَاسِخَةً لِلَفْظِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَلِمَعْنَاهَا، إِنْ كَانَتِ الْوَاوُ دَالَّةً عَلَى الْمُغَايَرَةِ، وَإِلَّا فَلِلَفْظِهَا فَقَطْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رابعا صلاة المغرب
قال ابن كثير: وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ.
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَمِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صلاة الوسطى المغرب. روه ابن أبي حاتم..قال ابن كثير في إسناده نظر
-عن إسحاق بن أبي فروة، عن رجل عن قبيصة بن ذؤيب قال: الصلاة الوسطى صلاة المغرب، ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها، ولا تقصر في السفر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها؟ رواه ابن جرير
*وقيل صلاة المغرب الوسطى لأنها وسْطَى فِي الْعَدَدِ بَيْنَ الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّنَائِيَّةِ.
ولأنها وتر النهار؛ولا تنقص في السفر من الثلاث
وأيضا لما جاء فيها من الفضيلة
خامسا.: هي.صلاة العشاء
وهو اختيار عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ..
وحكاه ابن عبد البر عن فرقة .ولم يسم
وصلاة العشاء هي الوسطى لأنها وسط صلاة الليل ..بين المغرب والعشاء
وأيضا فقبلها صلاتان وبعدها صلاتان.
أو الوسطى بمعنى الفضلى لما جاء في فضلها وكونها أشد الصلوات على المنافقين لمجيئها في وقت نوم .ويستحب تأخيرها فيتحقق بذلك المشقة فجاء النص و التأكيد على المحافظة عليها.
السادس:...لم يعينها الله
وَيُحْكَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالرَّبِيعِ بْنِ خيثم، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَاخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ فِي نِهَايَتِهِ
الصّلاة الوسطى لم يعينها الله تعالى لنا، هِيَ وَاحِدَةٌ مِنَ الْخَمْسِ، لَا بِعَيْنِهَا،، أبْهِمَتْ فِيهِنَّ، كَمَا أُبْهِمَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْحَوْلِ أَوِ الشَّهْرِ أَوِ الْعَشْرِ.
فعل الله ذلك لتقع المحافظة على الجميع..... حَكَى فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلًا عَنْ جَمْعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثابت، وربيع ابن خيثم: أَنَّهَا لَمْ يَرِدْ بَيَانُهَا، وَإِنَّمَا أُرِيدَ إِبْهَامُهَا، كَمَا أُبْهِمَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَوَقْتُ الْمَوْتِ عَلَى الْمُكَلَّفِ؛ لِيَكُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مُسْتَعِدًّا، وَكَذَا أُبْهِمَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَنْزِلُ فِيهَا مِنَ السَّمَاءِ وَبَاءٌ لِيَحَذَرَهَا النَّاسُ، وَيُعْطُوا الْأُهْبَةَ دَائِمًا، وَكَذَا وَقْتُ السَّاعَةِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ؛ فَلَا تَأْتِي إِلَّا بَغْتَةً..ذكره ابن كثير
السابع هي الصلاة المكتوبة
.فقوله تعالى أولا "حافظوا على الصّلوات "يعم النفل والفرض، ثم خص الفرض بالذكر،بقوله "والصلاة الوسطى"
قال ابن عطية.:ويجري مع هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم: «شغلونا عن الصلاة الوسطى».
.ذكره ابن عطية وابن كثير وقال هو اختيار الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري ..وتعقبه بأنه اختيار ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة و لا أثر
وَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ...قال ابن كثير وَفِي صِحَّتِهِ أَيْضًا نَظَرٌ
وقيل الصلاة المكتوبة الوسطى ؛ لأن كل واحدة من الخمس وسطى ، لأن قبل كل واحدة منهن صلاتين ، وبعدها صلاتين.
أو "الوسطى" أي" الفضلى" لما في أداء الصلاة على وجهها والقيام بحقها من فضل عظيم وأمر كبير.." وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ"
الثامن :هي صلاة العشاء وصلاة الفجر
ذكره ابن كثير ولم يعزه إلى أحد
التاسع: هي صلاة الجمعة
ذكره ابن كثير وابن عطية وقال ذكره ابن حبيبومكي.
صلاة الجمعة الصلاة الوسطى أي فضلى، لما خصت به من الجمع والخطبة وجعلت عيدا، فلكونها اختصت بشروط دل على شرفها وفضلها
العاشر :
ذكر ابن كثر جملة من الأقوال ولم ينسبها إلى أحد
قال :
وَقِيلَ: بَلْ هِيَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ.
. وَقِيلَ: صَلَاةُ الْخَوْفِ.
وَقِيلَ: بَلْ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ.
وَقِيلَ: بَلْ صَلَاةُ عِيدِ الْأَضْحَى.
وَقِيلَ: الْوِتْرُ.
وَقِيلَ: الضُّحَى.
مذهب التوقف
وَتَوَقَّفَ فِيهَا آخَرُونَ لَمَّا تَعَارَضَتْ عِنْدَهُمُ الْأَدِلَّةُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَجْهُ التَّرْجِيحِ. ذكره ابن كثير
وَلَمْ يَقَعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، بَلْ لَمْ يَزَلِ التَّنَازُعُ (4) فِيهَا موجودا من زمن الصحابة وإلى الآن.
الترجيح
الناظر في أقوال أهل العلم في تعيين المراد بالصلاة الوسطى يظهر له أن لهم اتجاهان
اتجاه الجمهور :.
وهو أن الصلاة الوسطى واحدة من الخمس الصلوات المفروضة وإن اختلفوا في تعيينها ، وكان النظر في معنى الوسطى على أغلب تلك الأقوال بمعنى التوسط . لِأَنَّ كل صلاة من الصلوات الخَمْسُ تَكْتَنِفُهَا اثْنَتَانِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ .
وأكثرهم قال هي صلاة العصر ، لوصف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بأنها الوسطى. ، ولأنها تقع في وسط الصلوات الخمس ، فقبلها اثنان وبعدها اثنان ، ولأنها وسط بين صلاتي النهار وصلاتي الليل ، فمعنى التوسط فيها واضح ، وخصت بالمحافظة عليها ، لأنها مظنة التفريط.
وثان الأقوال كثرة وقوة من قال هي صلاة الغداة؛..لأنها توسطت بين صلاتا جمع قبلها وصلاتا جمع بعدها وهي لا تجمع على غيرها؛ وهى وسط بين صلاتي الليل وصلاتي النهار .فالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي النَّهَارِ ، وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فِي اللَّيْلِ ، وَالصُّبْحُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ
وهي وسطى باعتبارها عدد الركعات.فعدد ركعاتها اثنان وهى وسط بين الصلاة الثلاثة و الصلاة الرباعية.
وهي وسطى لما خصت من الفضائل . فَهِيَ كَثِيرًا مَا تَفُوتُ النَّاسَ وَيَنَامُونَ عَنْهَا
لهذا خصت بمزيد الأمر بالحفاظ عليها
اتجاه غير الجمهور
الصلاة الوسطى هي غير الصلوات المكتوبة ثم اختلفوا أيضا في تعيينها. والوسطى على هذا الاتجاه ليس معناها المتوسطة ، بل الوسطى معناها الفضلى .
فقيل أنها صلاة الجمعة لما تميزت واختصت بشروط تجعلها أفضل من غيرها ....وقيل صلاة العيد وقيل الوتر وقيل غير ذلك
وقد رجح المفسرون الثلاثة صلاة العصر لمجيء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
ورجح ابن عاشور أنها صلاة الغداة لأنه قول أهل المدينة فهم أعلم الناس بما يروى عن رسول الله من قول أو فعل أو قرينة حال..وعضد مذهبه بحديث عائشة " الصلاة الوسطى وصلاة العصر" لأنها أسندته إلى النبي صلى الله عليه سلم ؛ فتعذر بذلك أن يكون صلاة العصر الصلاة الوسطى لأن العطف يقتضى المغايرة فتعين أن يكون صلاة الغداة الصلاة الوسطى .
..
و هذه المسألة من المسائل التي اشتد فيها النزاع من عصر الصحابة وليزال قائما .. .
.قال ابن كثير.. وَلَمْ يَقَعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، بَلْ لَمْ يَزَلِ التَّنَازُعُ فِيهَا موجودا من زمن الصحابة وإلى الآن.
ومما يدل على ذلك ما رواه ابن جرير .عن شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَلِفِينَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى هَكَذَا، وشَبَّك بَيْنَ أَصَابِعِهِ .
والله أعلم
2. بيّن الحكم في فَطم الرضيع قبل تمام الحولين.
قال الله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة..}
هذا إرشادٌ من اللّه تعالى للوالدات: أن يرضعن أولادهنّ كمال الرّضاعة، وهي سنتان.
ثم أذن الله عزوجل من أراد أن يفطم قبل ذلك بقوله تعالى :{
فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا..}
يخاطب الله الوالدين .إن أرادا أن يفطما ولدهما عن الرضاع قبل إتمام الحولين فلا جناح عليهما شريطة أن لا يضرا بوالديهما ويتحقق ذلك بالتشاور بينهما والنظر في أي الأمرين أرفق لولدهما ؛ فإذا ظهر من حاله الاستغناء عن اللبن قبل تمام الحولين فلا جناح على الأبوين في فصاله، وأن تحققا وظهرا لهما أنه لا يمكنه
الاستغناء عن اللبن فلا يجوز لهما أن يفطماه لان ذلك مدخل ضرر على الولد.
فصار حكم فصل الرضيع قبل تام الحول جائز بشروط
- اتفاق الأب والأم على فطامه قبل الحولين وتشاورا في ذلك وأجمعا عليه.
فيؤخذ منه: أنّ انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحدٍ منهما أن يستبدّ بذلك من غير مشاورة الآخر.
- أن يكون في ذلك مصلحة للرضيع
- عدم إلحاق الضرر بالرضيع
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتحرير القول في هذا أن فصله قبل الحولين لا يصح إلا بتراضيهما وأن لا يكون على المولود ضرر.