دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:46 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي (غير) و(قبل) و(بعد)


واضْمُمْ بِنَاءً غَيْرًا إنْ عَدِمْتَ مَا = لهُ أُضيفَ ناوِيًا ما عُدِمَا
قَبْلُ كَغَيْرُ بعدُ حَسْبُ أَوَّلُ = ودُونُ والجهاتُ أَيْضًا وَعَلُ
وأَعْرَبُوا نَصْبًا إذا ما نُكِّرَا = قَبْلًا وما مِنْ بعدِهِ قدْ ذُكِرَا


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


واضْمُمْ بناءً غيراً انْ عَدِمْتَ مَا = لهُ أُضيفَ ناوِياً ما عُدِمَا ([1])
قَبْلُ كغَيْرُ بعدُ حَسْبُ أَوَّلُ = ودونُ والجهاتُ أَيْضاً وَعَلُ ([2])
وأَعْرَبُوا نَصْباً إذا ما نُكِّرَا = قَبْلاً وما مِن بعدِهِ قد ذُكِرَا ([3])

هذه الأسماءُ الْمَذكورةُ، وهي: غيرُ وقَبْلُ وبعْدُ وحسْبُ وأوَّلُ ودُونُ، والجهاتُ الستُّ، وهي: أمامَكَ وخلفَكَ وفوقَكَ وتَحتَكَ ويَمينَكَ وشِمَالَك، وعَلُ - لها أَربعةُ أحوالٍ؛ تُبْنَى في حالَةٍ مِنها، وتُعرَبُ في بَقِيَّتِها، فتُعرَبُ إذا أُضيفَتْ لفْظاً، نحوُ: "أَصَبْتُ دِرهماً لا غَيرَه، وجِئْتُ مِن قَبْلِ زَيدٍ"، أو حُذِفَ المضافُ إليه ونُوِيَ اللفْظُ؛ كقولِه:
235- ومِن قَبْلِ نَادَى كُلُّ مَوْلًى قَرَابَةً = فما عَطَفَتْ مَوْلًى عليهِ العَوَاطِفُ([4])
وتَبْقَى في هذه الحالةِ كالمضافِ لفْظاً، فلا تُنَوَّنُ إلاَّ إذا حُذِفَ ما تُضافُ إليه، ولم يُنْوَ لفْظُه ولا مَعناهُ، فتكونُ حِينَئِذٍ نَكِرَةً، ومنه قِراءةُ مَن قَرأَ: (لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ) بجَرِّ "قَبْلٍ وبَعدٍ" وتَنوينِهما، وكقولِه:
236- فَسَاغَ لِيَ الشرابُ وكُنْتُ قَبْلاً = أَكادُ أَغَصُّ بالماءِ الْحَميمِ ([5])
هذه الأحوالُ الثلاثةُ التي تُعْرَبُ فيها.
أمَّا الحالَةُ الرابعةُ التي تُبْنَى فيها، فهي إذا حُذِفَ ما تُضافُ إليه ونُوِيَ مَعناهُ دُونَ لفْظِه، فإنها تُبْنَى حِينَئذٍ علَى الضمِّ، نحوُ: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}، وقولِه:
237- أَقَبُّ مِن تَحْتُ عَرِيضٌ مِن عَلِ ([6])
وحَكَى أبو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: "ابْدَأْ بِذَا مِن أوَّلُ َِ" بضَمِّ اللامِ وفَتْحِها وكَسْرِها، فالضمُّ على البِناءِ لنِيَّةِ المضافِ إليه معنًى، والفتْحُ على الإعرابِ؛ لعَدَمِ نِيَّةِ المضافِ إليه لفْظاً ومعنًى، وإعرابِها إعرابَ ما لا يَنصرِفُ للصِّفَةِ ووَزْنِ الفعْلِ، والكسْرُ على نِيَّةِ المضافِ إليه لفْظاً.
فقَولُ الْمُصَنِّفِ: "واضمُمْ بِناءً" البيتَ، إشارةٌ إلى الحالةِ الرابِعَةِ.
وقولُه: "ناوِياً ما عُدِمَا" مُرادُه: أنَّك تَبْنِيها على الضمِّ إذا حَذَفْتَ ما تُضافُ إليه ونَوَيْتَه معنًى لا لفْظاً، وأَشارَ بقَولِهِ: "وأَعْرَبوا نَصْباً" إلى الحالَةِ الثالِثَةِ، وهي ما إذا حُذِفَ المضافُ إليه ولم يُنْوَ لفْظُه ولا معناه، فإنها تَكونُ حِينَئِذٍ نَكِرَةً مُعْرَبَةً.
وقولُه: "نَصْباً" مَعناه: أنها تُنْصَبُ إذا لم يَدْخُلْ عليها جارٌّ، فإنْ دَخَلَ عليها جُرَّتْ، نحوُ: "مِن قَبْلٍ ومِن بعْدٍ".
ولم يَتْعَرَّضِ الْمُصنِّفُ للحَالَتَيْنِ البَاقِيَتَيْنِ، أَعْنِي الأُولَى والثانيةَ؛ لأنَّ حُكمَهما ظاهِرٌ مَعلومٌ مِن أوَّلِ البابِ، وهو الإعرابُ وسُقوطُ التنوينِ، كما تَقَدَّمَ في كلِّ ما يُفعَلُ بكلِّ مُضافٍ مِثلِها.


([1]) (واضْمُمْ) فعلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (بِناءً) مَفعولٌ مطْلَقٌ على حذْفِ مُضافٍ؛ أي: اضْمُمْ ضَمَّ بِناءٍ، (غَيْراً) مَفعولٌ به لاضْمُمْ، (إنْ) شَرطيَّةٌ، (عَدِمْتَ) عَدِمَ: فعْلٌ ماضٍ فعْلُ الشرْطِ، وتاءُ المخاطَبِ فاعِلٌ، (ما) اسمٌ مَوصولٌ: مَفعولٌ به لعَدِمَ، (له) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: أُضيفَ الآتي، (أُضيفَ) فعْلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ للمَجهولِ، ونائِبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى غيرٍ، والجُملَةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، والعائِدُ الضميرُ الْمَجرورُ مَحَلاًّ باللامِ، (ناوِياً) حالٌ مِن فاعِلِ اضْمُمْ، وفِعْلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (ما) اسمٌ مَوصولٌ: مَفعولٌ به لناوٍ، وجُملةُ (عُدِمَا) مِن الفعْلِ الْمَبْنِيِّ للمَجهولِ ونائِبِ فاعلِه الْمُستَتِرِ فيه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الْمَوصولِ.

([2]) (قبْلُ) مُبتدَأٌ، (كغيرُ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرُ الْمُبتَدَأِ، (بعْدُ، حسْبُ، أوَّلُ، ودُونُ، والْجِهاتُ) مَعطوفاتٌ على (قَبْلُ) بعاطِفٍ مقَدَّرٍ في بعضِهِنَّ، (أيْضاً) مَفعولٌ مطلَقٌ لفعْلٍ مَحذوفٍ، (وعَلُ) معطوفٌ على (قَبْلُ).

([3]) (وأَعْرَبُوا) فعْلٌ وفاعِلٌ، (نَصْباً) حالٌ مِن الفاعِلِ؛ أيْ: نَاصِبِينَ، (إذا) ظرْفٌ تَضَمَّنَ معنَى الشرْطِ، (مَا) زائدةٌ، (نُكِّرَا) نُكِّرَ: فعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، والألِفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى الْمَذكورِ، والجُملَةُ في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافةِ إذا إليها،، (قَبْلاً) مَفعولٌ به لأَعْرَبُوا السابِقِ، (وما) الواوُ عاطِفَةٌ، ما: اسمٌ مَوصولٌ مَعطوفٌ على قولِه: (قَبْلاً)، (مِن بَعْدِه) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (ذُكِرَا) الآتي، وبَعْدِ مُضافٌ وضَميرُ الغائِبِ مُضافٌ إليه، (ذُكِرَا) ذُكِرَ: فعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، والألِفُ للإطلاقِ، ونائِبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ على (ما) الْمَوصولةِ، والجُملَةُ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةٌ.

([4]) 235 - هذا البيتُ مِن الشواهِدِ التي استَشْهَدَ بها النُّحاةُ ولم يَنْسِبُوها إلى قائِلٍ مُعَيَّنٍ.
الإعرابُ: (مِن قَبْلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه الآتي، (نَادَى) فعْلٌ ماضٍ، (كُلُّ) فاعِلُ نَادَى، وكلُّ: مُضافٌ و(مَوْلًى) مُضافٌ إليه، (قَرَابَةً) مَفعولٌ به لنَادَى، (فما) الفاءُ عاطِفَةٌ، وما: نَافِيَةٌ، (عَطَفَتْ) عَطَفَ: فعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتانيثِ، (مَوْلًى) مَفعولٌ به لعَطَفَتْ، (عليه) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بعَطَفَ، (العَوَاطِفُ) فاعِلُ عَطَفَتْ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مِن قَبْلِ) حيثُ أَعْرَبَ (قَبْلِ) مِن غيرِ تَنوينٍ؛ لأنه حذَفَ الْمُضافَ إليه ونَوَى لفْظَه، وكأنه قد قالَ: ومِن قَبْلِ ذلك، مَثَلاً، والمحذوفُ الْمَنْوِيُّ الذي لم يُقْطَعِ النظَرُ عنه مِثْلُ الثابِتِ، وهو لو ذَكَرَ هذا المحذوفَ لم يُنَوِّنْ.

([5]) 236 - البيتُ ليَزيدَ بنِ الصَّعِقِ، حدَّثَ أبو عُبيدةَ، قالَ: كانتْ بلادُ غَطَفانَ مُخْصِبَةً، فرَعَتْ بنو عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ ناحِيَةً منها، فأَغارَ الرَّبِيعُ بنُ زِيادٍ العَبْسِيُّ على يَزيدَ بنِ الصَّعِقِ، وكانَ يَزِيدُ في جماعةٍ مِن الناسِ، فلَم يَسْتَطِعْهُ الرَّبيعُ، فأَقْبَلَ على سُروحِ بني جَعْفَرٍ والوَحيدِ بنِ كِلابٍ، فأَخَذَ نَعْمَه، فحَرَّمَ يَزيدُ على نفْسِه النِّساءَ والطِّيبَ حتى يُغِيرَ عليه، فجمَعَ قَبائِلَ شَتَّى، فاستاقَ نَعْماً كثيرةً له ولغَيْرِه، وأصابَ عصافيرَ النُّعمانِ بنِ الْمُنذِرِ – وهي إبِلٌ مَعروفةٌ عندَهم – ففِي ذلك يَقولُ يَزيدُ بنُ الصَّعِقِ أَبياتاً منها بيتُ الشاهِدِ، ومنه قولُه:
أَلاَ أَبْلِغْ لَدَيْكَ أَبَا حُرَيْثٍ = وعاقِبَةُ الْمَلامَةِ للمُلِيمِ

فكيفَ تَرى مُعاقَبَتِي وسَعْيِي = بأَذوادِ القَصِيبَةِ والقَصِيمِ
وهذا دَليلٌ على أنَّ مَن رَوَى عَجُزَ البَيْتِ: (بالماءِ الفُراتِ) لم يُصِبْ.
اللُّغَةُ: "سَاغَ" سَهُلَ جَرَيانُه في الْحَلْقِ، (أغَصُّ) مُضارِعٌ مِن الغَصَصِ –بالتحريكِ- وهو اعتراضُ اللُّقْمَةِ ونحوِها في الحلْقِ حتى لا تَكادَ تَنْزِلُ، (الماءُ الحميمُ) هو هنا البارِدُ, وهو مِن الأَضْدَادِ, يُطْلَقُ على الحارِّ وعلى البارِدِ، (الْمُلِيمُ) الذي فعَلَ ما يُلامُ عليه.
المعنى: يَقولُ: لم يَكُنْ يَهْنَأُ لي طَعامٌ ولا يَلَذُّ لي شَرابٌ بِسَبَبِ ما كانَ لي مِن الثَّأْرِ عندَ هَؤلاءِ، فلَمَّا غَزَوْتُهم وأَطْفَأْتُ لَهيبَ صَدْرِي بالغَلَبَةِ عَليهم ساغَ شَرَابِي ولَذَّتْ حَياتِي.
الإعرابُ: (فسَاغَ) فِعْلٌ ماضٍ، (لي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بساغَ، (الشرابُ) فاعلُ ساغَ، (وكُنْتُ) الواوُ للحالِ، كانَ: فعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، والتاءُ ضَميرُ المتكلِّمِ اسمُه، (قَبْلاً) مَنصوبٌ على الظَّرفيَّةِ يتَعَلَّقُ بكانَ، (أَكادُ) فعْلٌ مُضارِعٌ، واسمُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنَا، (أَغَصُّ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنا، والجُملَةُ في مَحَلِّ نصْبٍ خبَرُ أَكادُ، وجُملةُ (أَكادُ) واسمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ نصْبٍ خَبَرُ (كانَ)، وجُملةُ كانَ واسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ نصْبٍ حالٌ، (بالماءِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (أَغَصُّ)، و(الْحَميمُ) صِفَةٌ للماءِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (قَبْلاً)؛ حيثُ أَعْرَبَه مُنَوَّناً؛ لأنه قَطَعَه عن الإضافَةِ لفْظاً ومَعْنًى.

([6]) 237 - هذا البيتُ لأبي النَّجْمِ العِجْلِيِّ يَصِفُ فيه الفَرَسَ، مِن أُرْجُوزَةٍ له يَصِفُ فيها أَشياءَ كثيرةً، وأوَّلُ هذه الأُرْجُوزَةِ قولُه:
الحمْدُ للهِ العَلِيِّ الأَجْلَلِ = الواسِعِ الفضْلِ الوَهُوبِ الْمُجْزِلِ
اللُّغَةُ: (أَقَبُّ) مَأخوذٌ مِن القَبَبِ، وهو دِقَّةُ الْخَصْرِ وضُمورُ البَطْنِ.
الإعرابُ: (أَقَبُّ) خَبَرٌ لِمُبتدأٍ مَحذوفٍ؛ أيْ: هو أَقَبُّ، (مِن) حرْفُ جَرٍّ، (تحتُ) ظَرْفٌ مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ بمِنْ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (أقَبُّ)، وقولُه: (عَريضٌ) خَبَرٌ ثانٍ، (مِن عَلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بعَريضٌ.
الشاهِدُ فيه: ذَكَرُوا أنَّ مَكانَ الاستشهادِ بهذا البيتِ في قولِه: (مِن تحتُ ومِن عَلِ)؛ حيثُ بُنِيَ الظَّرفانِ على الضمِّ؛ لأنَّ كُلاًّ مِنهما قد حُذِفَ منه لفْظُ المضافِ إليه ونُوِيَ معناه.
هكذا قالوا: وهو كَلامٌ خَالٍ عن التَّحقيقِ؛ لأنَّ قَوَافِيَ الأُرْجُوزَةِ كلَّها مَجرورةٌ كما رَأَيْتَ في البَيتيْنِ اللَّذَيْنِ أنْشَدْنَاهما في أوَّلِ الكلامِ على هذا الشاهِدِ، فيَكونُ قَولُه: (مِن عَلِ) مَجروراً لفْظاً بِمِن، ويَكونُ مِن الحالةِ الثانيةِ التي حُذِفَ فيها الْمُضافُ إليه ونُوِيَ لفْظُه، ويكونُ الاستشهادُ للحالةِ الرابعةِ بقولِه: (مِن تَحتُ) وحْدَه، فاحفَظْ ذلك، ولا تَكُنْ أَسيرَ التَّقليدِ.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


ومِنْهَا (غَيْرُ) وهو اسمٌ دَالٌّ على مُخَالَفَةِ مَا قَبْلَهُ لحَقِيقَةِ ما بَعْدَهُ([1]) ، وإذا وَقَعَ بَعْدَ (لَيْسَ) وعُلِمَ المُضَافُ إليهِ جَازَ ذِكْرُهُ كـ (قَبَضْتُ عَشْرَةً لَيْسَ غَيْرُهَا)([2]) وجازَ حَذْفُهُ لَفْظاً، فيُضَمُّ بغَيْرِ تَنْوِينٍ، ثُمَّ اختُلِفَ، فقَالَ المُبَرِّدُ: ضَمَّةُ بِنَاءٍ؛ لأنَّهَا كقَبْلُ في الإبْهَامِ فهي اسْمٌ أو خَبَرٌ، وقالَ الأَخْفَشُ: إِعْرَابٌ؛ لأنَّهَا اسْمٌ ككُلّ وبَعْض لا ظَرْفٌ كقَبْلُ وبَعْدُ، فهي اسمٌ لا خَبَرٌ، وجَوَّزَهُمَا ابْنُ خَرُوفٍ، ويَجُوزُ الفَتْحُ قَلِيلاً معَ التَّنْوِينِ ودُونَهُ، فهي خَبَرٌ، والحَرَكَةُ إِعْرَابٌ باتِّفَاقٍ كالضَّمِّ معَ التَّنْوِينِ([3]).
ومنها (قَبْلُ) و(بَعْدُ) ويَجِبُ إِعْرَابُهُمَا في ثَلاثِ صُوَرٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يُصَرَّحَ بالمُضَافِ إليهِ، كـ (جِئْتُكَ بَعْدَ الظُّهْرِ) و(قَبْلَ العَصْرِ) و(مِنْ قَبْلِهِ) و(مِنْ بَعْدِهِ).
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُحْذَفَ المُضَافُ إليه ويُنْوَى ثُبُوتُ لَفْظِهِ، فيَبْقَى الإعْرَابُ وتَرْكُ التَّنْوِينِ كما لو ذُكِرَ المُضَافُ إليهِ، كقَوْلِهِ:
344- وَمِنْ قَبْلِ نَادَى كُلُّ مَوْلَى قَرَابَةٍ([4])
أي: ومِن قَبْلِ ذلكَ، وقُرِئَ: (للَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ)([5]) بالجَرِّ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ؛ أي: مِنْ قَبْلِ الغَلَبِ ومِن بَعْدِهِ.
الثَّالِثَةُ: أن يُحْذَفَ ولا يُنْوَى شَيْءٌ، فيَبْقَى الإعرَابُ، ولكنْ يَرْجِعُ التَّنْوِينُ لزَوَالِ ما يُعَارِضُهُ في اللَّفْظِ والتَّقْدِيرِ، كقِرَاءَةِ بَعْضِهِم: (مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ) بالجَرِّ والتَّنْوِينِ، وقَوْلِهِ:
345- فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلاً([6])
وقَوْلِهِ:
346- فَمَا شَرِبُوا بَعْداً عَلَى لَذَّةٍ خَمْرَا([7])
وهما نَكِرَتَانِ في هذا الوَجْهِ لعَدَمِ الإضَافَةِ لَفْظاً وتَقْدِيراً، ولذلك نُوِّنَا، ومَعْرِفَتَانِ في الوَجْهَيْنِ قَبْلَهُ.
فإنْ نُوِيَ مَعْنَى المُضَافِ إليه دُونَ لَفْظِهِ بُنِيَا على الضَّمِّ([8]) ، نَحْوُ: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}([9]) في قِرَاءَةِ الجَمَاعَةِ.
ومِنْهَا (أَوَّلُ) و(دُونَ) وأَسْمَاءُ الجِهَاتِ كـ (يَمِين) و(شِمَال) و(وَرَاء) و(أَمَام) و(فَوْق) و(تَحْت) وهي على التَّفْصِيلِ المَذْكُورِ في قَبْل وبَعْد، تَقُولُ: (جَاءَ القَوْمُ وأَخُوكَ خَلْفُ) أو (أَمَامُ) تُرِيدُ خَلْفَهُم أو أَمَامَهُم، قالَ:
347- لَعْناً يُشَنُّ عَلَيْهِ مِنْ قُدَّامُ([10])
وقَوْلُهُ:
348- عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ([11])
وحَكَى أَبُو عَلِيٍّ (ابْدَأْ بِذَا مِنْ أَوَّل) بالضَّمِّ على نِيَّةِ مَعْنَى المُضَافِ إليهِ، وبالخَفْضِ على نِيَّةِ لَفْظِهِ، وبالفَتْحِ على نِيَّةِ تَرْكِهَا، ومَنْعِهِ مِن الصَّرْفِ للوَزْنِ والوَصْفِ.
ومِنْهَا (حَسْبُ) ولها استِعْمَالانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ بمَعْنَى كَافٍ، فتُسْتَعْمَلُ استِعْمَالَ الصِّفَاتِ فتَكُونُ نَعْتاً لنَكِرَةٍ، كـ (مَرَرْتُ برَجُلٍ حَسْبُكَ مِنْ رَجُلٍ)؛ أي: كَافٍ لكَ عَنْ غَيْرِهِ، وحَالاً لمَعْرِفَةٍ، كـ (هَذَا عَبْدُ اللَّهِ حَسْبُكَ مِنْ رَجُلٍ)، واستِعْمَالَ الأَسْمَاءِ، نَحْوُ: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ}([12]) {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ}([13]) (بحَسْبِكَ دِرْهَمٌ)([14]) ، وبهذا([15]) يُرَدُّ على مَن زَعَمَ أنَّهَا اسْمُ فِعْلٍ فإنَّ العَوَامِلَ اللَّفْظِيَّةَ لا تَدْخُلُ على أَسْمَاءِ الأفعَالِ باتِّفَاقٍ.
والثَّانِي: أنْ تَكُونَ بمَنْزِلَةِ (لا غَيْرَ) في المَعْنَى؛ فتُسْتَعْمَلُ مُفْرَدَةً، وهذه هي "حَسْبُ" المُتَقَدِّمَةُ، ولكنَّهَا عِنْدَ قَطْعِهَا عَن الإضَافَةِ تَجَدَّدَ لها إِشْرَابُهَا هذا المَعْنَى، ومُلازَمَتُهَا للوَصْفِيَّةِ أو الحَالِيَّةِ أو الابتِدَائِيَّةِ، وبِنَاؤُهَا على الضَّمِّ، تَقُولُ: (رَأَيْتُ رَجُلاً حَسْبُ) و(رَأَيْتُ زَيْداً حَسْبُ).
قالَ الجَوْهَرِيُّ: كأنَّكَ قُلْتَ: (حَسْبِي) أو (حَسْبُكَ) فأَضْمَرْتَ ذلك ولم تُنَوِّنْ، انتهى. وتَقُولُ: (قَبَضْتُ عَشَرَةً فحَسْبُ)؛ أي: فَحَسْبِي ذلك.
واقْتَضَى كَلامُ ابْنِ مَالِكٍ أنَّهَا تُعْرَبُ نَصْباً إذا نُكِّرَت كقَبْلُ وبَعْدُ.
قالَ أَبُو حَيَّانَ: ولا وَجْهَ لنَصْبِهَا؛ لأنَّهَا غَيْرُ ظَرْفٍ إلا إنْ نُقِلَ عَنْهُم نَصْبُها حَالاً إذا كَانَت نَكِرَةً، انتهى.
فإنْ أَرَادَ بكَوْنِهَا نَكِرَةً قَطْعَهَا عَن الإضَافَةِ اقتَضَى أنَّ استِعْمَالَهَا حِينَئِذٍ مَنْصُوبَةً شَائِعٌ، وأنَّهَا كَانَت معَ الإضَافَةِ مَعْرِفَةً، وكِلاهُمَا مَمْنُوعٌ، وإنْ أَرَادَ تَنْكِيرَهَا معَ الإضَافَةِ فلا وَجْهَ لاشتِرَاطِهِ التَّنْكِيرَ حِينَئِذٍ؛ لأنَّهَا لم تَرِدْ إلا كذلك، وأَيْضاً فلا وَجْهَ لتَوَقُّفِهِ في تَجْوِيزِ انتِصَابِهَا على الحَالِ حينئذٍ، فإنَّهُ مَشْهُورٌ حتَّى إِنَّهُ مَذْكُورٌ في كِتَابِ (الصِّحَاحِ)، قالَ: تَقُولُ: (هَذَا رَجُلٌ حَسْبُكَ مِنْ رَجُلٍ) وتَقُولُ في المَعْرِفَةِ: (هَذَا عَبْدُ اللَّهِ حَسْبَكَ مِنْ رَجُلٍ) فتَنْصِبُ حَسْبك على الحالِ، انتهى. وأَيْضاً فلا وَجْهَ للاعتِذَارِ عَن ابْنِ مَالِكٍ بذلك؛ لأنَّ مُرَادَهُ التَّنْكِيرُ الذي ذَكَرَهُ في قَبْلُ وبَعْدُ، وهو: أن تُقْطَعَ عن الإضافَةِ لَفْظاً وتَقْدِيراً.
وأمَّا (عَلُ) فإنَّهَا تُوَافِقُ (فَوْقَ) في مَعْنَاهَا، وفي بِنَائِهَا على الضَّمِّ، إذا كانت مَعْرِفَةً، كقَوْلِهِ:
349- وَأَتَيْتُ نَحْوَ بَنِي كُلَيْبٍ مِنْ عَلُ([16])
أي: مِن فَوْقِهِم، وفي إِعْرِابِهَا إذا كَانَت نَكِرَةً، كقَوْلِهِ:
350- كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ([17])
أي: مِنْ شَيْءٍ عَالٍ.
وتُخَالِفُهَا في أَمْرَيْنِ: أنَّهَا لا تُسْتَعْمَلُ إلا مَجْرُورَةً بمِن، وأنَّهَا لا تُسْتَعْمَلُ مُضَافَةً، كذا قالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم ابْنُ أَبِي الرَّبِيعِ، وهو الحَقُّ، وظَاهِرُ ذِكْرِ ابْنِ مَالِكٍ لها في عِدَادِ هذه الألفاظِ أنَّهَا يَجُوزُ إِضَافَتُهَا، وقد صَرَّحَ الجَوْهَرِيُّ بذلك، فقالَ: يُقَالُ: (أَتَيْتُهُ مِنْ عَلِ الدَّارِ) بكَسْرِ اللاَّمِ؛ أي: مِنْ عَالٍ، ومُقْتَضَى قَوْلِهِ([18]):
وَأَعْرَبُوا نَصْباً إِذَا مَا نُكِّرَا = قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا
أنَّهَا يَجُوزُ انتِصَابُهَا على الظَّرْفِيَّةِ أو غَيْرِهَا، ومَا أَظُنُّ شَيْئاً مِن الأَمْرَيْنِ مَوْجُوداً.
وإنَّمَا بَسَطْتُ القَوْلَ قَلِيلاً في شَرْحِ هَاتَيْنِ الكَلِمَتَيْنِ لأنِّي لم أَرَ أَحَداً وَفَّاهُمَا حَقَّهُمَا مِنَ الشَّرْحِ، وفيما ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ والحَمْدُ للَّهِ.


([1]) المرادُ بالحَقِيقَةِ ههنا المَفْهُومُ مِن اللَّفْظِ، فيَشْمَلُ قَوْلَنَا: (زَيْدٌ غَيْرُ عَمْرٍو)؛ لأنَّ مَفْهُومَ زَيْدٍ هو الذَّاتُ بما يَنْضَمُّ إليها مِن المُشَخَّصَاتِ، وكذلك المُرَادُ بعَمْرٍو، ولا شَكَّ أنَّ هذه الذَّاتَ بمُشَخَّصَاتِهَا مُخَالِفَةٌ لهذه الذَّاتِ بمُشَخَّصَاتِهَا، وإنَّمَا قُلْنَا ذلك؛ لأنَّ الحقيقَةَ بمَعْنَى المَاهِيَّةِ لا تَصِحُّ إرادَتُها ههنا؛ لأنَّ مَاهِيَّةَ زَيْدٍ – وهي الحَيَوَانُ النَّاطِقُ – هي حَقِيقَةُ عَمْرٍو ومَاهِيَّتُه، وقد مَثَّلُوا لِمَا يَكُونُ ما بَعْدَ غَيْر مُخَالِفاً لحَقِيقَةِ ما قَبْلَهَا بقَوْلِهِم: (زَيْدٌ غَيْرُ عَمْرٍو) فلو لم نَجْعَلِ الحقيقَةَ بمَعْنَى المفهومِ لم يَصِحَّ هذا المِثَالُ.

([2]) يجوزُ في (غَيْر) في هذا المِثَالِ الذي ذُكِرَ فيه المضافُ إليهِ: الضَّمُّ والنَّصْبُ؛ فإنْ ضَمَمْتَهُ فهو اسمُ لَيْسَ, وخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ, والتَّقْديرُ: ليسَ غَيْرُهَا مَقْبُوضاً, وإِنْ نَصَبْتَهُ فهو خَبَرُ لَيْسَ, واسمُهَا هو المَحْذُوفُ, والتَّقْدِيرُ: لَيْسَ المَقْبُوضُ غَيْرَهَا.

([3]) حاصلُ ما ذكرَهُ المؤلِّفُ في غَيْر التي لم يُذْكَرْ معَهَا المُضَافُ إليهِ، نَحْوُ (قَبَضْتُ عَشْرَةً لَيْسَ غَيْر) أنَّهُ يَجُوزُ في (غَيْر) هذه ثَلاثَةُ اعتِبَارَاتٍ:
الاعتبارُ الأوَّلُ: أنْ تكونَ مَقْطُوعةً عن الإضافَةِ لَفْظاً ومَعْنًى, نَعْنِي أنَّكَ لا تُقَدِّرُ معَهَا مُضَافاً إليه أَصْلاً، لا لَفْظَهُ ولا مَعْنَاهُ.
والاعتِبَارُ الثَّانِي: أنْ تُقَدِّرَهَا مَقْطُوعةً عن الإضافَةِ لَفْظاً فَقَطْ، ولكنْ تُقَدِّرُ مَعْنَى المُضَافِ إليه.
والاعتبارُ الثَّالِثُ: أنْ تَعْتَبِرَ لَفْظَ المُضَافِ مَحْذُوفاً للعِلْمِ به وهو مَنْوِيٌّ، فتَكُونُ كأنَّ (غَيْرَ) مُضَافٍ.
فأمَّا على الاعتبارِ الأوَّلِ – وهو تَقْدِيرُ قَطْعِ غَيْر عَن الإضَافَةِ لَفظاً ومَعْنًى – فإنَّ (غَيْر) حِينَئِذٍ اسمٌ مُعْرَبٌ، ويجوزُ فيها وَجْهَانِ: الضَّمُّ، والنَّصْبُ معَ التَّنوينِ، فإنْ رفَعْتَ فهي اسمُ لَيْسَ، وإنْ نَصَبْتَ فهي خَبَرُ ليسَ، والجُزْءُ الثَّانِي مِن مَعْمُولَيْ لَيْسَ على الوَجْهَيْنِ مَحْذُوفٌ.
وأمَّا على الاعتبارِ الثَّانِي – وهو تَقْدِيرُ غَيْر مَقْطُوعاً عن الإضافَةِ إلى لَفْظِ المُضَافِ إليه معَ أنَّهُ مضافٌ إلى مَعْنَى المُضَافِ إليه تَقْدِيراً – فإنَّ (غَيْر) حينئذٍ يُضَمُّ مِن غيرِ تَنْوِينٍ – وللنُّحَاةِ فيه حينئذٍ ثَلاثَةُ مَذَاهِبَ:
الأوَّلُ: – وهو مَذْهَبُ المُبَرِّدِ والجَرْمِيِّ وأَكْثَرِ المتأخِّرِينَ، ونَسَبُوه إلى سِيبَوَيْهِ – وحاصِلُه أنَّ (غَيْر) اسمٌ يُشْبِهُ قَبْلُ وبَعْدُ في الإبهامِ وفي القَطْعِ عن الإضافَةِ لَفظاً معَ نِيَّةِ مَعْنَاهُ، فهو مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ، ويجوزُ أنْ يكونَ في مَحَلِّ رفعٍ اسمَ لَيْسَ، وأنْ يكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ خَبَرَ لَيْسَ، والجُزْءُ الثَّانِي مِن مَعْمُولَيْ لَيْسَ مَحْذُوفٌ.
والمَذْهَبُ الثَّانِي: – وهو مَذْهَبُ الأخفَشِ – أنَّ (غَيْر) حينئذٍ اسمٌ غَيْرُ ظَرْفٍ مَنْوِيُّ الإضافَةِ مِثْلُ كُلٍّ وبَعْضٍ، فهو مُعْرَبٌ، وهذه الضَّمَّةُ ضَمَّةُ الإعرابِ، وحَذْفُ التَّنْوينِ؛ لأنَّ المُضافَ إليه مَنْوِيٌّ، وعليه يكونُ (غَير) اسمَ لَيْسَ مَرْفُوعاً بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، ولا يجوزُ أنْ يكونَ خبَرَ لَيْسَ.
والمَذْهَبُ الثَّالِثُ: – وهو مَذْهَبُ ابنِ خَرُوفٍ- وحاصِلُه أنَّهُ رَأَى أنَّ ما نُسِبَ إلى المُبَرِّدِ وسِيبَوَيْهِ أَمْراً مُحْتَمَلاً لَيْسَ عليه إِنْكَارٌ، وما نُسِبَ إلى الأخْفَشِ كذلك أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ ليس مِن قَبُولِهِ بُدٌّ، وعلى ذلك أجازَ أنْ تكُونَ هذه الضَّمَّةُ ضَمَّةَ بناءٍ؛ فيَكُونُ غَيرُ مَبْنِيًّا على الضَّمِّ في مَحَلِّ رفعٍ؛ لأنَّهُ اسمُ ليس، أو مَبنيًّا على الضَّمِّ في مَحَلِّ نصبٍ؛ لأنَّهُ خَبَرُ ليسَ، ويجوزُ أنْ تكونَ الضَّمَّةُ ضَمَّةَ إعرابٍ فيكونَ غَيْرُ اسمَ لَيْسَ مَرْفُوعاً بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ.
وعلى وَجْهِ الإجْمالِ نقُولُ: إنَّ ابنَ خَرُوفٍ رَأَى تَكَافُؤَ الأَدِلَّةِ في قَوْلِ المُبَرِّدِ وفي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ فلم يَتَخَيَّرْ أحَدَ القَوْلَيْنِ وأجازَ كُلَّ واحدٍ مِنْهُمَا.
وأمَّا على الاعتِبَارِ الثَّالِثِ – وهو تَقْدِيرُ (غَيْرُ) مُضَافةً إلى محذوفٍ يُرْشِدُ إليه المَقَامُ؛ فلا خِلافَ في أنَّ (غَيْر) في هذه الحَالِ اسمٌ مُعْرَبٌ، وفي أنَّ حَرَكَتَهُ حَرَكَةُ إعرابٍ، وفي أنَّ تَنْوِينَهُ يُحْذَفُ؛ لأنَّ المُضَافَ إليه مُقَدَّرٌ, ويجوزُ فيه الرَّفْعُ على أنَّهُ اسمُ لَيْسَ، والنَّصْبُ على أنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ، والجُزْءُ الثَّانِي مِن مَعْمُولَيْ لَيْسَ مَحْذُوفٌ.
بَقِيَ ممَّا يَتَعَلَّقُ بهذه المَسْأَلَةِ أنْ نَقُولَ لكَ: إنَّ المُؤَلِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَثَّلَ بقَوْلِهِ: (لَيْسَ غَيْر)، وقد صَرَّحَ في كِتَابِه (مُغْنِي اللَّبِيبِ) بأنَّهُ لا يُقَالُ: (لا غَيْر) بوَضْعِ لا مَوْضِعَ لَيْسَ، وبَالَغَ في بَعْضِ كُتُبِهِ في الإنكارِ على مَن يَقُولُ ذلك، لكنَّ هذا الإنكارَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لهُ، فإنَّ ابنَ مَالِكٍ حكَى في (شَرْحِ التَّسْهِيلِ) صِحَّةَ هذه العِبَارَةِ واستشهدَ لذلك، وحكاهُ أيضاً ابنُ الحاجبِ، وأقَرَّهُ على صِحَّتِهِ الرَّضِيُّ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، كما أقَرَّهُ المَجْدُ الفَيْرُوزُآبَادِيُّ في كتابِه (القَامُوسِ المُحِيطِ) (مادة غ ي ر) ومِن شواهِدِه قولُ الشَّاعرِ، وأنشدَهُ ابنُ مَالِكٍ في بابِ القَسَمِ مِن (شَرْحِ التَّسْهِيلِ):
جَوَاباً بِهِ اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنَا = لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ، لا غَيْرَ، تُسْأَلُ

([4]) 344- لم أَعْثُرْ لهذا الشَّاهدِ على نِسْبَةٍ إلى قائلٍ مُعيَّنٍ، وما ذكرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا صَدْرُ بيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعجُزُه قَوْلُه:
*فَمَا عَطَفَتْ مَوْلًى عَلَيْهِ العَوَاطِفُ*
اللُّغَةُ: (مِنْ قَبْلِ) يريدُ مِن قَبْلِ مَا نحنُ فيه الآنَ. (نَادَى) يريدُ استغَاثَ ودَعَا. (مَوْلَى قَرَابَةٍ) للمَوْلَى مَعَانٍ كثيرَةٍ: منها ابنُ العَمِّ، ومِنها السَّيِّدُ، ومنها المَسُودُ، ومنها النَّاصِرُ والمُعِينُ، ومنها القَرِيبُ، وهذا الأخيرُ هو المُرَادُ هنا، والقَرَابَةُ – بفَتْحِ القَافِ – مصدَرُ قَرُبَ فُلانٌ لفلانٍ, وفُلانٌ قَريبٌ مِن فُلانٍ، ومَعْنَاهُ أنَّ نَسَبَهُمَا دَانٌ مُتَّصِلٍ. (عَطَفَتْ) أَمَالَت أو رَقَّقَتْ. (العَوَاطِفُ) جَمْعُ عَاطِفَةٍ، وهي اسمُ فَاعِلٍ مِن عَطَفَ المَذْكُورِ قَبْلُ، والمُرَادُ أنَّ الصِّلاتِ والأوَاصِرِ التي مِن شَأْنِهَا أنْ تُمِيلَ بَعْضَ النَّاسِ إلى بَعْضٍ لم تَكُنْ في هذا المَوْضِعِ سَبباً في المَيْلِ أو الأخذِ بنَاصِرِ الدَّاعِي.
المَعْنَى: يَصِفُ الشَّاعِرُ شِدَّةً نَزَلَت بقَوْمٍ فاستغاثَ كُلٌّ بذَوِي قَرَابَتِهِ فلم يُغِيثُوه، واستَنْجَدَهُم لدَفْعِ ما عَرَضَ له فلم يُنْجِدُوه.
الإعرابُ: (مِن) حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (قَبْلِ) مَجْرُورٌ بمِن، وعلامَةُ جَرِّهِ الكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بقَوْلِه: نَادَى الآتِي، والمُضَافُ إليه محذوفٌ ولَفْظُهُ مَنْوِيٌّ. (نَادَى) فِعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على فتحٍ مُقَّدَرٍ على الألفِ منعَ مِن ظُهورِه التَّعَذُّرُ. (كُلُّ) فَاعِلُ نادَى مرفوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مضافٌ و(مَوْلَى) مضافٌ إليه مجرورٌ بكَسْرَةٍ مُقَدَّرةٍ على الألفِ منعَ مِن ظهورِهَا التَّعَذُّرُ، ويُرْوَى غَيْرَ مُنَوَّنٍ؛ فقَرَابَةٌ على هذا مَجْرُورٌ على أنَّ مَوْلَى مُضَافٌ وقَرَابَةً مُضَافٌ إليهِ، ويُرْوَى مَوْلًى مُنَوَّناً؛ فقَرَابَةٌ منصوبٌ على أنَّهُ مفعولٌ به لنادَى منصوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهرَة.ِ (فمَا) حرفُ عطفٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، ومَا: حَرْفُ نَفْيٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (عَطَفَتْ) عَطَفَ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، والتَّاءُ حَرْفٌ دَالٌّ على التَّأْنِيثِ. (مَوْلًى) مفعولٌ به لعَطَفَ مَنْصُوبٌ بفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ المَحذُوفَةِ للتَّخَلُّصِ مِن التقاءِ السَّاكِنَيْنِ منعَ مِن ظهورِهَا التَّعَذُّرُ. (عَلَيْهِ) علَى: حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وضميرُ الغائِبِ العائِدُ إلى كُلِّ مَوْلَى مَبْنِيٌّ على الكَسْرِ في مَحَلِّ جَرٍّ بعلى، ويجوزُ أنْ يكونَ قَوْلُهُ: مَوْلًى حَالاً مِن الضَّمِيرِ المَجْرُورِ مَحَلاًّ بعلى، وتقديرُ الكلامِ: فما عَطَفَت العَوَاطِفُ علَيْهِ حالَ كَوْنِه مَوْلًى؛ أي: قَرِيباً، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بعَطَفَ. (العَوَاطِفُ) فاعِلُ عَطَفَت، مرفوعٌ وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
الشَّاهِدُ فيهِ: الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُهُ: (وَمِنْ قَبْلِ) فإنَّ الرِّوَايَةَ بجَرِّ (قَبْلِ) مِن غَيْرِ تَنْوِينٍ: أمَّا الجَرُّ؛ فلأنَّهُ مُعْرَبٌ، وأمَّا تَرْكُ التَّنْوِينِ؛ فلأنَّ المُضَافَ إليه مَنْوِيٌّ ثُبُوتُ لَفْظِهِ؛ أي: ومِنْ قَبْلِ ذلك، على نَحْوِ ما في الكتابِ.

([5]) سورة الروم، الآية:4.

([6]) 345- نَسَبَ العَيْنِيُّ هذا الشَّاهِدَ إلى عَبْدِ اللَّهِ بنِ يَعْرُبَ، والصَّوَابُ أنَّهُ ليَزِيدَ بْنِ الصَّعِقِ، وما ذكرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا صَدْرُ بيتٍ مِن الوَافِرِ، وعَجُزُه قَوْلُه:
*أَكَادُ أَغَصُّ بالمَاءِ الحَمِيمِ*
وقَدْ رَوَى الأَشْمُونِيُّ في بابِ الإضافَةِ مُتَّبِعاً لجَمَاعَةٍ، منهُم المُؤَلِّفُ في بَعْضِ كُتُبِهِ "كالقَطْرِ" عَجُزَ البَيْتِ:
*أَكَادُ أَغَصُّ بِالمَاءِ الفُرَاتِ*
وهو غيرُ الصَّوَابِ (انظُرْ شَرْحَنَا على شَوَاهِدِ الأَشْمُونِيِّ وشَوَاهِدِ ابنِ عَقِيلٍ).
والدَّلِيلُ على صِحَّةِ ما ذكَرْنَاهُ – مِن أنَّ الرِّوَايَةَ (بالمَاءِ الحَمِيمِ) – أنَّ العُلَمَاءَ رَوَوْا قِطْعَةً فيها بَيْتُ الشَّاهِدِ ليَزِيدَ بْنِ الصَّعِقِ رَوِيُّهَا على حَرْفِ الميمِ، وقَبْلَ البيتِ المُسْتَشْهَدِ بصَدْرِهِ قَوْلُهُ:
أَلاَ أَبْلِغْ لَدَيْكَ أَبَا حُرَيْثٍ = وَعَاقِبَةُ المَلامَةِ للمُلِيمِ
فَكَيْفَ تَرَى مُعَاقَبَتِي وَسَعْيِي = بِأَذْوَادِ القُصَيْمَةِ وَالقَصِيمِ؟
وَمَا بَرِحَتْ قَلُوصِي كُلَّ يَوْمٍ = تَكِرُّ عَلَى المُخَالِفِ والمُقِيمِ
فَنِمْتُ اللَّيْلَ إِذْ أَوْقَعْتُ فِيكُمْ = قَبَائِلَ عَامِرٍ وَبَنِي تَمِيمِ
اللُّغَةُ: (أَبَا حُرَيْثٍ) هي كُنْيَةُ الرَّبِيعِ بنِ زِيَادٍ العَبْسِيِّ، وكانَ قد أغارَ على يَزِيدَ بْنِ الصَّعِقِ فاستَفَاءَ سُرُوحَ بَنِي جَعْفَرٍ والوَحِيدِ ابْنَيْ كِلابٍ، فحَرَّمَ يَزِيدُ على نَفْسِهِ الطِّيبَ والنِّسَاءَ حتَّى يُغِيرَ عليه، فجمَعَ جُمُوعاً شَتَّى ثُمَّ أغارَ بهِم فاستَاقَ نَعَماً لَهُم، وفي ذلك يقولُ هذه الكَلِمَةَ. (للمُلِيمِ) المُلِيمُ: اسمُ الفاعلِ مِن قَوْلِكَ: (أَلامَ فُلانٌ) إذا فعَلَ ما يُلامُ عليهِ. (القُصَيْمَةِ) بضَمِّ القافِ بزِنَةِ المُصَغَّرِ، و(القَصِيمِ) بفَتْحِ القافِ – اسمانِ لمَوْضِعَيْنِ. (المُخَالِفِ) هو الذي يُقِيمُ في الحَيِّ إذا خرجَ قَوْمُه للغَارَةِ، فعَطَفَ المُقِيمَ عليه للتَّفْسِيرِ. (سَاغَ لِيَ الشَّرَابُ) مَعْنَاهُ حَلا ولانَ وسَهُلَ مُرُورُه في الحَلْقِ، وأرادَ بالشَّرَابِ جِنْسَ ما يُشْرَبُ. (أَغَصُّ) مُضَارِعٌ مِن الغَصَصِ، وهو في الأصلِ انْحِبَاسُ الطَّعَامِ في المَرِّيءِ ووُقُوفُه في الحَلْقِ، واستَعْمَلَ الغَصَصَ ههنا في مَوْضِعِ الشَّرَقِ. (المَاءِ الحَمِيمِ) هو الذي تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ، ويُطْلَقُ في غَيْرِ هذا المَوْضُوعِ على المَاءِ الحَارِّ.
الإعرابُ: (سَاغَ) فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ. (لِيَ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بساغَ. (الشَّرَابُ) فَاعِلُ سَاغَ مرفوعٌ وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ. (وَكُنْتُ) الواوُ واوُ الحَالِ، كانَ: فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ يرفَعُ الاسمَ ويَنْصِبُ الخَبَرَ مَبْنِيٌّ على فتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِه لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وتاءُ المُتَكَلِّمِ اسمُهُ، مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رفعٍ. (قَبْلاً) ظرفُ زَمانٍ منصوبٌ بكانَ. (أكَادُ) فِعْلٌ مُضَارعٌ مَرْفُوعٌ لتَجَرُّدِه مِن النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعلامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ, وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تقديرُه أنا، وجُمْلَةُ الفِعْلِ المضارِعِ وفاعِلِه في مَحَلِّ نصبٍ خَبَرُ أكادُ, وجملةُ أكادُ واسمِهِ وخَبَرِه في مَحَلِّ نَصْبٍ خَبَرُ كانَ، وجملَةُ كانَ واسمِهِ وخَبَرِهِ في مَحَلِّ نَصْبٍ حالٌ. (بالمَاءِ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَغَصُّ. (الحَمِيمِ) صفةٌ للمَاءِ.
الشَّاهدُ فيه: قَوْلُه: (قَبْلاً) حيثُ قَطَعَهُ عَن الإضافَةِ بَتَّةً، فلم يَنْوِ لَفْظَ المضافِ إليه ولا مَعْنَاهُ، ولذلك أُعْرِبَ مُنَوَّناً، وهو هنا منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ، وهذا التَّنْوِينُ عند الجَمْهَرَةِ مِن النُّحَاةِ هو تَنْوِينُ التَّمْكِينِ اللاَّحِقُ للأسماءِ المُعْرَبَةِ، وقَبْلاً عندَهُم نَكِرَةٌ، ومَعْنَى قَوْلِهِ: (وَكُنْتُ قَبْلاً) وكُنْتُ في زَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ، ولا يَنْوِي تَقَدُّماً علَى شَيْءٍ بعَيْنِهِ، ولَكِنَّ المُرَادَ مُطْلَقُ التَّقَدُّمِ، بخِلافِه في حَالِ الإضافَةِ حيثُ يكونُ القَصْدُ إلى التَّقَدُّمِ على شَيْءٍ مُعَيَّنٍ, وكذا في حالِ نِيَّةِ الإضافَةِ.

([7]) 346- نَسَبُوا هذا الشَّاهِدَ لبَعْضِ بَنِي عُقَيْلٍ، ولم يُعَيِّنُوهُ، وأَكْثَرُ مَن استَشْهَدَ به مِن العُلَمَاءِ لم يَعْرُجْ على نِسْبَتِه. وما ذكرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصدرُه قَوْلُه:
*وَنَحْنُ قَتَلْنَا الأَسْدَ أَسْدَ شَنُوءَةٍ*
وهذا هو الصَّوَابُ في إِنْشَادِ صَدْرِ هذا البَيْتِ.
اللُّغَةُ: أَسْدَ شَنُوءَةٍ – بفَتْحِ الهَمْزَةِ – حَيٌّ مِن اليَمَنِ أَبُوهُم الأَزْدُ بنُ الغَوْثِ، ويُقَالُ فيه: الأَسْدُ بنُ الغَوْثِ، وهم فِرَقٌ، ففِرْقَةٌ يُقَالُ لها: أَزْدُ شَنُوءَةٍ، وفِرْقَةٌ يُقَالُ لها: أَزْدُ السُّرَاةِ، وفِرْقَةٌ يُقَالُ لها: أَزْدُ عُمَانَ، ومِن هنا تَعْلَمُ أنَّ رِوَايَةَ العَيْنِيِّ وغَيْرِه (وَنَحْنُ قَتَلْنَا الأَسْدَ أَسْدَ خَفِيَّةٍ) تَحْرِيفٌ واغْتِرارٌ بأنَّ خَفِيَّةً – بفَتْحِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ وكَسْرِ الفاءِ وتَشْدِيدِ الياءِ – مَأْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ مَشْهُورةٌ، ويَلْزَمُه تَحْرِيفٌ آخَرُ، وهو ضَمُّ الهَمْزَةِ مِن (الأَسْدَ) حيثُ حَسِبَهُ جَمْعَ أَسَدٍ، وقَدْ نَصَّ العُلَمَاءُ على أنَّهُ يُقَالُ في الأَزْدِ: الأَسْدُ وعَجُزُ البَيْتِ يُنَادِي بفَسَادِ رِوَايَةِ العَيْنِيِّ.
الإعرابُ: (نَحْنُ) ضَمِيرٌ مُنْفَصلٌ مبتدأٌ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفْعٍ. (قَتَلْنَا) قَتَلَ فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على فتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِه لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، ونَا: فاعِلُه مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رفعٍ، وجُمْلَةُ هذا الفِعْلِ وفاعِلِه في مَحَلِّ رَفْعٍ خبرُ المُبْتَدَأٍ. (الأَسْدَ) مفعولٌ به لقَتَلْنَا مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ. (أَسْدَ) بدلٌ مِن الأَسْدِ أو عَطْفُ بيانٍ عليه مَنْصُوبٌ بالفتحَةِ الظَّاهرَةِ, وهو مضافٌ و(شَنُوءَةٍ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهرَةِ. (فَمَا) الفاءُ حرفُ عطفٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، مَا: حرفُ نَفْيٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (شَرِبُوا) شَرِبَ: فِعْلٌ ماضٍ، وواوُ الجماعَةِ فاعِلُه مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رفعٍ. (بَعْداً) ظَرْفُ زمانٍ مَنْصُوبٌ بشَرِبَ. (علَى) حرفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ (لَذَّةٍ) مجرورٌ بعلَى وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بشَرِبَ. (خَمْراً) مفعولٌ به لشَرِبَ منصوبٌ وعَلامَةُ نصبِهِ الفَتْحَةُ الظَّاهِرَةُ.
الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُه: (بَعْداً) حيثُ وَرَدَت فيه كَلِمَةُ (بَعْداً) مُنَوَّنَةً مَنْصُوبةً على الظَّرْفِيَّةِ لانقِطَاعِهَا عَن الإضافَةِ لَفْظاً وتَقْدِيراً, وهو حِينئذٍ نَكِرَةٌ عندَ جَمْهَرَةِ النُّحَاةِ، على ما أشارَ إليه المُؤَلِّفُ في الكتابِ، وما بَيَّنَّاهُ في شَرْحِ الشَّاهِدِ السَّابقِ في كَلِمَةِ (قَبْل) أُخْتُ (بَعْد).

([8]) إِنْ قُلْتَ: ما المُرَادُ مِن قَوْلِكُم: (نِيَّةُ المُضَافِ إِلَيْهِ مَعْنًى) وهل تَجِدُونَ فَارِقاً بينَ نِيَّتِهِ لَفْظاً ونِيَّتِه مَعْنًى! فإنْ كُنْتُم تَجِدُونَ فَارِقاً بينَ الصُّورَتَيْنِ فبَيِّنُوهُ لي حتَّى أَكُونَ على يَقِينٍ مِنْهُ.
فالجَوَابُ عَن ذلك أنْ نَقُولَ لك: إنَّ المَقْصُودَ بنِيَّةِ المُضَافِ إليه مَعْنًى أنْ يَكُونَ مَعْنَى المضافِ إليه مُلاحظاً مَنْظُوراً إليهِ، مِن غَيْرِ نَظَرٍ إلى كَلِمَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَدُلُّ عليه، بل يكونُ المَقْصُودُ هو المُسَمَّى مُعَبَّراً عَنْهُ بلَفْظٍ أَيِّ لَفْظٍ كانَ، فخُصُوصُ اللَّفْظِ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إليه نِيَّةً، أمَّا نِيَّةُ لَفْظِ المضافِ إليه فمَعْنَاهَا أنْ يكُونَ اللَّفْظُ المُعَيَّنُ الدَّالُّ على مُسَمَّى هذا المضافِ إليه مَقْصُوداً بذَاتِه، بحيثُ لو جِئْتَ بلَفْظٍ آخَرَ يَدُلُّ عليه لم تَكُنْ جِئْتَ بلَفْظِ المُضَافِ إليه.
فإنْ قُلْتَ: فلماذا كانَتِ الإضافَةُ معَ إرادَةِ مَعْنَى المضافِ إليه غَيْرَ مُقْتَضِيَةٍ للإعرابِ! وكانَتِ الإضافَةُ معَ نِيَّةِ لفظِ المضافِ إليه مُقْتَضِيَةً للإعرابِ!.
فالجَوَابُ عَن ذلك أنْ نَقُولَ لكَ: لا شَكَّ أنَّكَ تُدْرِكُ أنَّ الإضافَةَ معَ إرادَةِ مَعْنَى المُضَافِ إليه ضَعِيفَةٌ، مِن قِبَلِ أنَّهُ لم يُعَيِّنْ فيها المُضَافَ إليه بلفظٍ ما، فأمَّا الإضافَةُ معَ نِيَّةِ لفظِ المضافِ إليه المُعَيَّنِ فإنَّهَا قَوِيَّةٌ، فلمَّا افترَقَ شَأْنُ إرادَةِ لفظِ المُضَافُ إليهِ وشَأْنُ إرادَةِ معنَاهُ لم يَكُنْ حُكْمُهُمَا واحِداً، ولمَّا كانَتِ الإضافَةُ القَوِيَّةُ هي التي تُعَارِضُ سَبَبَ البِنَاءِ بسبَبِ كَوْنِهَا مِن خَوَاصِّ الأسماءِ جَعَلْنَاهَا مُقْتَضِيَةً للإعرابِ، فكانَت الإضافَةُ معَ إرادَةِ لفظِ المضافِ إليه مُسْتَوْجِبَةً للإعرابِ، دونَ الإضافَةِ الضَّعِيفَةِ التي تَتَضَمَّنُ إرادَةَ مَعْنَى المضافِ إليهِ دُونَ لفظِهِ.

([9]) سورة الروم، الآية: 4.

([10]) 347-نسَبُوا هذا الشَّاهِدَ لبَعْضِ بَنِي تَمِيمٍ، ولم يُعَيِّنُوهُ، والذي ذَكَرَه المؤلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الكامِلِ، وصَدْرُه قَوْلُه:
*لَعَنَ الإِلَهُ تَعِلَّةَ بْنَ مُسَافِرٍ*
اللُّغَةُ: (لَعَنَ) اللَّعْنُ: الطَّرْدُ والإبعادُ. (تَعِلَّةَ) بفَتْحِ التَّاءِ وكَسْرِ العَيْنِ المُهْمَلَةِ وتَشْدِيدِ اللاَّمِ المَفْتُوحَةِ – اسمُ رَجُلٍ. (يُشَنُّ) مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمَجْهُولِ, وأَصْلُهُ قَوْلُهُم: (شَنَّ المَاءَ يَشُنُّهُ) إذا صَبَّهُ مُتَفَرِّقاً, ويُرْوَى في مَكَانِهِ (يُصَبُّ) وهما بمَعْنًى وَاحِدٍ. (مِنْ قُدَّامُ)؛ أي: مِن أَمَامِه.
الإعرابُ: (لَعَنَ) فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ. (الإِلَهُ) فَاعِلٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ. (تَعِلَّةَ) مفعولٌ به للَعَنَ مَنْصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهرَةِ. (بْنَ) نَعْتٌ لتَعِلَّةَ منصوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ و(مُسَافِرٍ) مضافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ. (لَعْناً) مفعولٌ مُطْلَقٌ مَنْصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهرَةِ. (يُشَنُّ) فعلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمَجْهُولِ مَرْفُوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِن النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهرَةِ، ونائِبُ فاعِلِه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يَعُودُ إلى اللَّعْنِ، والجُمْلَةُ مِن الفِعْلِ المُضَارعِ المَبْنِيِّ للمَجْهُولِ ونَائِبِ فاعِلِه في مَحَلِّ نَصْبٍ صفَةٌ للَعْنٍ. (عليه) جَارٌّ ومَجرورٌ متعلِّقٌ بيُشَنُّ. (مِنْ) حَرْفُ جرٍّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (قُدَّامُ) ظَرْفُ مكانٍ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جرٍّ بمِن، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بيُشَنُّ أَيضاً.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُه: (مِنْ قُدَّامُ)؛ فإنَّ الرِّوَايَةَ فيهِ بضَمِّ (قُدَّامُ)؛ لأنَّهُ حَذَفَ المضافَ إليه ولم يَنْوِ لَفْظَهُ بل نَوَى مَعْنَاهُ.
ونَظِيرُ هذا البَيْتِ الشَّاهِدُ التَّالِي (رَقْمُ 348)، وقَوْلُ الآخَرِ:
إِذَا أَنَا لَمْ أُومَنْ عَلَيْكَ وَلَمْ يَكُنْ = لِقَاؤُكَ إِلاَّ مِنْ وَرَاءُ وَرَاءُ
وقَوْلُ الآخَرِ:
لاَ يَحْمِلُ الفَارِسَ إِلاَّ المَلْبُونْ = المَحْضُ مِنْ أَمَامِهِ وَمِنْ دُونْ

([11]) 348-هذا الشَّاهِدُ مِن كلامِ مَعْنِ بْنِ أَوْسٍ، وما ذكرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدْرُه قَوْلُه:
*لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأَوْجَلُ*
وهذا البيتُ مَطْلَعُ قَصِيدَةٍ طَوِيلَةٍ أَنْشَدَ أَكْثَرَهَا أَبُو تَمَّامٍ في حَمَاسَتِهِ، وأَبُو عَلِيٍّ القَالِيُّ في أَمَالِيهِ، وبَعْدَ هذا البَيْتِ قَوْلُه:
وَإِنِّي أَخُوكَ الدَّائِمُ العَهْدِ لَمْ أَحُلْ = إِنَ ابْزَاكَ خَصْمٌ أَوْ نَبَا بِكَ مَنْزِلُ
اللُّغَةُ: (أَوْجَلُ) يجوزُ أنْ يكونَ وَصْفاً، ويجوزُ أنْ يكونَ فِعْلاً مُضَارِعاً مَبْدُوءاً بهَمْزَةِ المُتَكَلِّمِ, وأيًّا ما كانَ هو، فهو مَأْخُوذٌ مِن الوَجَلِ الذي هو الخَوْفُ. (تَعْدُو) يُرْوَى بالعَيْنِ المُهْمَلَةِ، فهو مُضَارِعُ عَدَا، وتقُولُ: عَدَا الأسَدُ على فُلانٍ، وذلك إذا اجْتَرَأَ فسَطَا عليه ووَثَبَ، ويُرْوَى (تَغْدُو) بالغَينِ المُعْجَمَةِ، فهو مُضَارِعُ غَدَا، وتقُولُ: غَدَا فُلانٌ، إذا جَاءَ غُدْوَةً، والرِّوَايَةُ الأُولَى أَرْجَحُ عندنا، لتَعَدِّيهِ بعَلَى في قَوْلِهِ: (علَى أَيِّنَا) والمَنِيَّةُ: المَوْتُ، وهي فَعِيلَةٌ بمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِن قَوْلِهِم: مَنَى اللَّهُ الشَّيْءَ يَمْنِيهِ، إذَا قَدَّرَهُ وهيَّأَ أَسْبَابَهُ. (أَوَّلُ) معنَاهُ سَابِقٌ، وللعُلَمَاءِ في وَزْنِه خِلافٌ طويلٌ، فقيلَ: وَزْنُه فَوْعَلٌ مِن وَأَلَ، وأَصْلُه على هذا وَوْأَلُ، وقِيلَ: وَزْنُه أَفْعَلُ مِن آلَ يَؤُولُ، فأَصْلُه أَأْوَلُ. وقيلَ: وَزْنُه أَفْعَلُ مِن أَوَلَ يَئِلُ, فأَصْلُه على هذا أَوْأَلُ، وسيَأْتِي لهذا الكلامِ مَزِيدُ بَحْثٍ في بابِ الإبدَالِ مِن قِسْمِ الصَّرْفِ.
الإعرابُ: (لَعَمْرُكَ) اللاَّمُ لامُ الابتداءِ حَرْفٌ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، عَمْرُ: مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ، وهو مُضَافٌ وضميرُ المُخَاطَبِ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وخَبَرُ المُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ وُجُوباً، والتَّقْدِيرُ: لَعَمْرُكَ قَسَمِي (مَا) حَرْفُ نَفْيٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (أَدْرِي) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لتَجَرُّدِه مِن النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِه ضَمَّةٌ مُقَدَّرَةٌ على اليَاءِ مَنَعَ مِن ظُهورِها الثِّقَلُ، وفَاعِلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنا. (وَإِنِّي) الواوُ وَاوُ الحَالِ، إِنَّ: حَرْفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ يَنْصِبُ الاسمَ ويَرْفَعُ الخَبَرَ، ويَاءُ المُتَكَلِّمِ اسمُ إِنَّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (لأَوْجَلُ) اللاَّمُ لامُ الابتِدَاءِ، أَوْجَلُ: خَبَرُ إِنَّ، والجُمْلَةُ مِن إِنَّ واسمِهَا وخَبَرِها في مَحَلِّ نَصْبٍ حَالٌ. (علَى) حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (أَيِّنَا) أَيِّ: مَجْرُورٌ بعلَى وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ، وهو مُضَافٌ ونَا: مُضَافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جرٍّ، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بتَعْدُو. (تَعْدُو) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ. (أَوَّلُ) ظَرْفُ زَمَانٍ مُتَعَلِّقٌ بتَعْدُو، مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ.
الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُه: (أَوَّلُ) فإنَّ الرِّوَايَةَ بضَمِّ هذه الكَلِمَةِ، وقَدْ خَرَّجَهُ العُلَمَاءُ على أنَّ القَائِلَ ِحذَفَ المُضَافَ إليه ونوَى مَعْنَاهُ.

([12]) سورة المجادلة، الآية: 8، ويَجُوزُ في هذه الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنْ يكونَ حَسْبُهُم مُبْتَدَأً وجَهَنَّمُ خَبَرَهُ، وأنْ يَكُونَ حَسْبُهُم خَبَراً مُقَدَّماً وجَهَنَّمُ مُبْتَدَأً مُؤَخَّراً.

([13]) سورة الأنفال، الآية: 62، ووُقُوعُ حَسْبُكَ في هذه الآيَةِ اسماً لإنَّ يُؤَيِّدُ أنَّ حَسْبُهُم في الآيَةِ السَّابِقَةِ مُبْتَدَأٌ؛ لأنَّ اسمَ إنَّ الأَصْلُ فيه أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً.

([14]) البَاءُ مِن (بِحَسْبِكَ) حَرْفُ جَرٍّ زائدٌ، وحَسْبِ: مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه منعَ مِن ظُهورِها اشتِغالُ المَحَلِّ بحركَةِ حرفِ الجَرِّ الزَّائِدِ، وضَمِيرُ المُخَاطَبِ مُضافٌ إليه، ودِرْهَمٌ: خَبَرُ المُبْتَدَأِ، ولا يجوزُ العَكْسُ؛ لأنَّ (دِرْهَمٌ) نَكِرَةٌ لا مُسَوِّغَ للابتداءِ بها؛ إذِ الخَبَرُ مُفْرَدٌ لا جُمَلْةٌ ولا شِبْهُ جُمْلَةٍ.

([15]) المُرادُ أنَّ دُخُولَ إِنَّ على حَسْبِكَ ودُخُولَ البَاءِ الزَّائِدَةِ عليها في (بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ) وتَأَثُّرَ حَسْبِ بإِنَّ حتَّى نُصِبَت وبالبَاءِ حتَّى جُرَّت يدُلُّ على أنَّ (حَسْب) لَيْسَت اسمَ فِعْلٍ كما زَعَمَ مَن أرادَ المُؤَلِّفُ الرَّدَّ عليهِ، والسِّرُّ في ذلك أنَّ أسماءَ الأفعالِ نَابَت عَن الفِعْلِ، والفِعْلُ لا تَدْخُلُ عليه هذه العَوَامِلُ، فيَجِبُ أنْ يكونَ النَّائِبُ عَن الفِعْلِ مِثْلَهُ في عَدَمِ دُخُولِ هذه العوَامِلِ عليه، فلمَّا وَجَدْنَا هذه العَوَامِلَ دَاخِلَةً على حَسْب في هذهِ الأمثِلَةِ وما أَشْبَهَهَا عَلِمْنَا أنَّهَا لَيْسَت اسمَ فِعْلٍ.

([16]) 349-هذا الشَّاهِدُ مِن كلامِ الفَرَزْدَقِ يَهْجُو فيه جَرِيراً، وما ذكرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الكَامِلِ، وصَدْرُه قَوْلُه:
*وَلَقَدْ سَدَدْتُ عَلَيْكَ كُلَّ ثَنِيَّةٍ*
اللُّغَةُ: (ثَنِيَّةٍ) بفَتْحِ الثَّاءِ المُثَلَّثَةِ وكَسْرِ النُّونِ وتَشْدِيدِ اليَاءِ مَفْتُوحَةً – وهي طِرِيقُ العَقَبَةِ، وتُجْمَعُ على ثَنَايَا، ومنه قولُ الشَّاعرِ:
أَنَا ابْنُ جَلاَ وَطَلاَّعُ الثَّنَايَا = مَتَى أَضَعِ العِمَامَةَ تَعْرِفُونِي
وقولُه: (سَدَدْتُ عَلَيْكَ كُلَّ ثَنِيَّةٍ) كِنَايَةٌ عن أنَّهُ لم يُمَكِّنْهُ مِن عَمَلٍ ما، وكأنَّهُ قالَ: أَخَذْتُ عليك جَمِيعَ الطُّرُقِ فلَسْت تَسْتَطِيعُ أنْ تَسْلُكَ سَبِيلِي، ورَوَى العَيْنِيُّ عَجُزَ البَيْتِ:
*وَأَتَيْتُ فَوْقَ بَنِي كُلَيْبٍ مِنْ عَلُ*
الإعرابُ: (لَقَدْ) اللاَّمُ مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ حَرْفٌ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، قَدْ: حَرفُ تحقيقٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (سَدَدْ) سَدَّ: فِعْلٌ مَاضٍ، وتاءُ المتكلِّمِ فَاعِلُه مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفْعٍ. (عَلَيْكَ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعَلِّقٌ بسَدَّ. (كُلَّ) مفعولٌ به لسَدَّ منصوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وكُلَّ مُضَافٌ و(ثَنِيَّةٍ) مضافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ. (وَأَتَيْتُ) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وأَتَى: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على فَتْحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِه لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وتاءُ المتكَلِّمِ فَاعِلُه مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفْعٍ. (نَحْوَ) ظَرْفُ مَكَانٍ بمَعْنَى جِهَةٍ مَنْصُوبٌ بأَتَى، وعَلامَةُ نَصْبِه الفتحَةُ الظَّاهرَةُ، ونَحْوَ مُضَافٌ و(بَنِي) مضافٌ إليه مَجْرُورٌ بالياءِ نِيَابَةً عَن الكَسْرَةِ؛ لأنَّهُ جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، وبَنِي مضافٌ و(كُلَيْبٍ) مضافٌ إليه مجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ. (مِنْ) حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (عَلُ) مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ بمِن، وهو ظَرْفُ مَكَانٍ بمَعْنَى فَوْقَ.
الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُه: (مِنْ عَلُ) حيثُ بَنَى (عَلُ) على الضَّمِّ لكَوْنِه مَعْرِفَةً، وقد حَذَفَ المُضَافَ إليه وهو يَنْوِي مَعْنَاهُ، والتَّقْدِيرُ: مِنْ عَلِهِم؛ أي: مِنْ فَوْقِهِم.

([17]) 350-هذا الشَّاهِدُ مِن كلامِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ في مُعَلَّقَتِه التي سَبَقَ الاستِشْهَادُ بعِدَّةِ أَبْيَاتٍ مِنْها في عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِن هذا الكِتَابِ، وما ذكرَهُ المؤلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدْرُه قَوْلُه:
*مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً*
وهذا البَيْتُ مِن أَبْيَاتٍ يَصِفُ فيها الفَرَسَ، وقَبْلَهُ قَوْلُه:
وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا = بِمُنْجَرِدِ قَيْدِ الأَوَابِدِ هَيْكَلِ
اللُّغَةُ: (أَغْتَدِي) أرادَ: أَخْرُجُ مِن وَقْتِ الغَدَاةِ. (وُكُنَاتِهَا) الوُكُنَاتُ: جَمْعُ وُكْنَةٍ بواوٍ مُثَلَّثَةِ الحَرَكَاتِ – وهي وَكْرُ الطَّائِرِ وعُشِّهِ. (بمُنْجَرِدِ) المُنْجَرِدُ: الفَرَسُ القَصِيرُ الشَّعْرِ. (قَيْدِ الأَوَابِدِ) يريدُ أنَّ هذا الفَرَسَ لسُرْعَةِ عَدْوِه وشِدَّةِ جَرْيِهِ يَلْحَقُ الوُحُوشَ ولا يُمَكِّنُها مِن الشِّرَادِ والتَّخَلُّصِ، فكأنَّهُ يُقَيِّدُها، والأَوَابِدِ: الوُحُوشُ، وَاحِدُها آبِدَةٌ. (مِكَرٍّ مِفَرٍّ) المِكَرِّ – بكَسْرِ الميمِ وفَتْحِ الكافِ – الذي يَكُرُّ عليهِ فَارِسُه، والمِفَرُّ – بكَسْرٍ ففَتْحٍ أَيضاً – الذي يَفِرُّ عليه فَارِسُه مِن وُجُوهِ أَعْدَائِهِ إنْ أَرَادَ (كجُلْمُودِ صَخْرٍ) الجُلْمُودُ – بضَمِّ الجيمِ وسُكُونِ اللاَّمِ – الصَّخْرَةُ الصَّلْبَةُ الشَّدِيدَةُ، والصَّخْرُ: الحِجَارَةُ، واحدُها صَخْرَةٌ (حَطَّهُ السَّيْلُ) أَلْقَاهُ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلُ.
الإعرابُ: (مِكَرٍّ) نَعْتٌ لمُنْجَرِدٍ المَذْكُورِ في البَيْتِ السَّابِقِ على بَيْتِ الشَّاهِدِ، مجرورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ. (مِفَرٍّ) نَعْتٌ ثَانٍ لمُنْجَرِدٍ. (مُقْبِلٍ) نَعْتٌ لمُنْجَرِدٍ أَيْضاً. (مُدْبِرٍ) نعتٌ لمُنْجَرِدٍ أيضاً. (معاً) ظَرْفٌ مُتعَلِّقٌ بمُقْبلٍ مُدْبِرٍ. (كجُلْمُودِ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ صِفَةٌ لمُنْجَرِدٍ، أو مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: هو كجُلْمُودِ، وجُلْمُودٌ مُضَافٌ و(صَخْرٍ) مضافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ. (حَطَّهُ) حَطَّ: فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وضميرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلى جُلْمُودِ صَخْرٍ مَفْعُولٌ به لحَطَّ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (السَّيْلُ) فاعِلُ حَطَّ مرفوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ. (مِنْ) حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (عَلِ) مَجْرُورٌ بمِن وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بحَطَّ.
الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُه (مِنْ عَلِ) حيثُ قَطَعَ (عَلِ) عَن الإضَافَةِ بَتَّةً، فلم يَنْوِ لَفْظَ المُضَافِ إليه ولا مَعْنَاهُ، ولهذا أَعْرَبَهُ ونَوَّنَهُ، وهو هنا مجرورٌ لفظاً بمِن، والدَّلِيلُ على أنَّهُ لم يَنْوِ لَفْظَ المضافِ ولا مَعْنَاهُ أنَّهُ لم يُرِدْ أنَّ الصَّخْرَ يَنْحَطُّ مِن أَعْلَى شَيْءٍ خَاصٍّ، بل أَرَادَ أنَّ السَّيْلَ يَحُطُّ الصَّخْرَ مِنْ أَعْلَى شَيْءٍ أيِّ شَيْءٍ كانَ؛ لأنَّ الغَرَضَ الدَّلالَةُ على السُّرْعَةِ، والصَّخْرُ إذا انْحَطَّ مِن أَعْلَى إلَى أَسْفَل كانَ سَرِيعَ الحُدُورِ بحيثُ يَصِلُ إلى المُسْتَقَرِّ في طَرْفَةِ عَيْنٍ، مِن غَيْرِ فَرْقٍ بينَ أنْ يَكُونَ الأَعْلَى الذي يَنْحَطُّ منه أَعْلَى جَبَلٍ أو أَعْلَى مَنْزِلٍ أو أَعْلَى تَلٍّ أو أَعْلَى شَيْءٍ آخَرَ، ولهذا تَجِدُ المُؤَلِّفُ قالَ: (أَيْ: مِن شَيْءٍ عَالٍ).
وبهذا التَّقْرِيرِ تَعْلَمُ أنَّ (عَلِ) نَكِرَةٌ، وأنَّ التَّنْوِينَ إنَّمَا حُذِفَ للوَقْفِ، وتَعْلَمُ ما في كلامِ العَلاَّمَةِ الصَّبَّانِ مِن التَّهَافُتِ حيثُ زَعَمَ أنَّ حَذْفَ التَّنْوِينِ كما يَصْلُحُ أنْ يكونَ لأجلِ الوَقْفِ يَصْلُحُ أنْ يكونَ لكَوْنِ الشَّاعِرِ قد نَوَى لفظَ المُضَافِ إليهِ؛ لأنَّ الشَّاعِرَ لا يُمْكِنُ أنْ يُرِيدَ لَفْظَ المضافِ إليه، وإلا فَسَدَ المَعْنَى الذي قَصَدَ إليه، فاعْرِفْ ذلك، ولا تَكُنْ مِمَّن يَعْرِفُ الحَقَّ بنِسْبَتِه إلى الرِّجَالِ.

([18]) هذا مِن كلامِ ابنِ مَالكٍ في (الأَلْفِيَّةِ).



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


410 - وَاضْمُمْ – بِنَاءً – "غَيْرًا" انْ عَدِمْتَ مَا = لَهُ أُضِيفَ نَاوِيًا مَا عُدِمَا
411 - قَبْلَ كَغَيْرٍ بَعْدَ حَسْبٍ أَوَّلٍ = وَدُونَ وَالجِهَاتُ أَيضًا وَعَلُ
412 - وَأَعْرَبُوا نَصْبًا إِذَا مَا نُكِّرَا = "قَبْلاً" وَمَا مِنْ بَعْدِه قَدْ ذُكِرَا
(وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْرًا انْ عَدِمْتَ مَا * لَهُ أُضِيفَ) لفظًا (نَاوِيًا مَا عُدِمَا) معنًى: أي: مِنَ الكلماتِ الملازمةِ للإضافةِ "غيرُ" وهو اسم ٌدالٌّ على مخالفةِ ما قبلَه لحقيقةِ ما بعده، وإذا وقَعَ بعدَ "ليس" وعُلِمَ المضافُ إليه – كـ"قبضْتُ عشرةً ليسَ غيرُها" – جاز حذفُه لفظًا فيضمَّ "غيرَ" بغيرِ تنوينٍ، ثُمَّ اخْتُلِفَ حينئذٍ: فقالَ المبرِّد:ُ ضمَّةُ بِنَاءٍ ؛ لِأَنَّهَا كـ"قَبْلُ" في الإبهامِ فهي اسمٌ أو خبرٌ، وهذا ما اختارَه الناظمُ على ما أفهَمَهُ كلامُه.
وقالَ الأخفشُ: إعرابٌ ؛ لأنَّها اسمٌ كـ"كلِّ" و"بعضٍّ" لا ظرفٌ كـ"قبلُ" و"بعدُ" فهي اسمٌ لا خبرَ وجوَّزَهُمَا ابنْ خَرُوفٍ، ويجوزُ قليلاً الفتحُ مع تنوينٍ ودونَه ؛ فهي خبرٌ، والحركةُ إعرابٌ باتِّفاقٍ، كالضمِّ مع التنوينِ.
تنبيهانِ: الأَوَّلُ يجوزُ أيضا على قِلَّةٍ الفتحُ بلا تنوينٍ على نيَّةِ ثبوتِ لفظِ المضافِ إليه قال في التوضيحِ فهي خبرٌ، والحركةُ إعرابٌ باتِّفَاقٍ، وفيما قالَه نظرٍ ؛ لأن المضافةَ لفظًا تُضَمُّ وتُفْتَحُ، فإِنْ ضُمَّتْ تعيَّنت للاسميَّةِ وإنْ فتحَتْ لا تتعيَّنُ للخبريَّةِ لاحتمالِ أن تكونَ الفتحةُ بناءٌ لإضافتِها إلى المبنيِّ.
الثاني: قالت طائفةٌ كثيرةٌ: لا يجوزُ الحذفُ بعد غيرٍ "ليس" مِنْ ألفاظِ الجَحْدِ فلا يقالُ: "قبضْتُ عشرةً لا غيرُ" وهم محجوجونَ قال في القاموسِ: وقولُهم "لا غيرُ لحنٌ" غيرُ جيدٍ ؛ لأنَّ "لا غيرُ" مسموعٌ في قولِ الشاعرِ [من الطويل]:
639 - جَوَابًا بِهِ تَنْجُو اعْتِمَدْ فَوَرَبِّنَا = لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لاَ غيرُ تسألُ
وقد احتجَّ ابنُ مالكِ في باب القَسَمِ مِنْ (شرحِ التسهيلِ) بهذا البيتِ، وكأنَّ قولَهم: "لحنٌ" مأخوذٌ من قولِ السِّيرَافِيِّ: الحذفُ إنما يُسْتَعْمَلُ إذا كانتْ غيرُ بعدَ "ليس" ولو كانَ مكانُ "ليس" غيرَها مِنْ ألفاظِ الجَحْدِ لم يجُزْ الحذفُ ولا يتجاوزُ بذلك موردَ السماعِ اهـ كلامُه وقد سُمِعَ. انتهى كلامُ صاحبِ القاموسِ.
والفتحةُ في "لا غيرَ" فتحةُ بناءٍ كالفتحةِ في "لا رجلَ" نقلَه في (شرحِ اللُّبَابِ) عنِ الكوفيينَ، و"بِنَاءً" مصدرٌ نُصِبَ على الحالِ أي: بَانِيًا و"غيرًا" مفعولٌ باضْمُمْ.
(قَبْلُ كَغَيْرِ) و(بَعْدُ) و(حَسْبُ) و(أَوَّلُ * وَدُونُ والجِهَاتُ) السِّتُّ (أيضا وعَلُ) في إنِّها ملازمةٌ للإضافةِ، وتقطعُ عنها لفظًا دونَ معنًى، فتُبْنَى على الضمِّ لشبهِهَا حينئذٍ بحروفِ الجوابِ: في الاستغناءِ بها عما بعدَها معَ ما فيها مِنْ شبهِ الحرفِ في الجمودِ والافتقارِ، نحوُ: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} في قراءةِ الجماعةِ، ونحوُ: "قبضْتُ عشرةً فحَسْبُ" أي: فحسبِي ذلك، وحكَى أبو عليٍّ الفارسيُّ: "ابدأْ بذا مِنْ أوَّلُ" بالضمِّ ومنه قولُه [من الطويل]:
640 - لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَلُ = عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
وتقولُ: "سِرْتُ مَعَ القَوْمِ وَدُونُ" أي: ودونَهم و"جاءَ القومُ وزيدٌ خَلْفُ – أو أمامُ". أي: خلفَهم أو أمامَهم ومنه قولُه [من الكامل]:
641 - لَعَنَ الْإِلَهُ تَعِلَّةَ بْنَ مُسَافِرٍ = لَعْنًا يُشَنُّ عَلَيْهِ مِنْ قُدَّامُ
وقولُه [من الرجز]:
642 - أَقَبُّ مِنْ تَحْتُ عَرِيضٌ مِنْ عَلِ
أَمَّا إِذَا نَوَى ثبوتَ لفظِ المضافِ إليه فإنَّها تُعْرَبُ مِنْ غيرِ تنوينٍ كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ به كقولِه [من الطويل]:
643 - وَمِنْ قَبْلُ نَادَى كُلُّ مَوْلًى قَرَابَةً فَمَا عَطَفَتْ مَوْلًى عَلَيْهِ العَوَاطِفٌ. أي: وَمِنْ قبلُ ذلكَ، وقُرِيءَ (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ) بالجرِّ مِنْ غَيْرِ تنوينٍ أي: مِنْ قبلِ الغَلَبِ ومِنْ بعدِه، وحكَى أبو عليٍّ: "ابْدَأْ بِذَا مِنْ أَوَّلِ" بالجرِّ مِنْ غيرِ تنوينٍ أيضًا.
فَإِنْ قُطِعَتْ عَنِ الإضافةِ لفظًا ومعنًى – أي: لم يُنْوِ لفظُ المضافِ إليه ولا معناه – أُعْرِبَتْ منوَّنة، ونُصِبَتْ ما لم يدخُلْ عليها جارٌّ، كما أشارَ إليه بقولِه:
(وَأَعْرَبُوا نَصْبًا إِذَا مَا نُكِّرَا = قَبْلًا وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا)
كقولِه [من الوافر]:
644 - فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلًا = أَكَادُ أَغَصُّ بالماءِ الفُرَاتِ
وكقوله [من الطويل]:
645 - وَنَحْنُ قَتَلْنَا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٌ = فَمَا شَرِبُوا بَعْدًا عَلَى لَذَّةٍ خَمْرًا
وكقولِه [من الطويل]:
646 - مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعَا = كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلٍ
وكقِرَاءةِ بعضِهِم (مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ) بالجرِّ والتنوينِ وحكَى أبو عليٍّ: " أَبْدَأَ بِذَا مِنْ أَوَّلَ"، بالنصبِ ممنوعًا مِنَ الصرفِ للوزنِ والوصفِ.
تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ اقتضى كلامُه أنَّ "حَسْبُ" مع الإضافةِ: أي: لفظًا أو نَوَى معناهَا أو لفظَها – معرِفةً ونكرةً إذا قُطعَتْ عنِ الإضافةِ: أي لفظًا ومعنًى ؛ إذ هي بمعنى: "كَافِيكَ" اسمُ فاعلٍ مرادًا به الحالَ، فتستعملُ استعمالَ الصفاتِ النكرةِ، فتكونُ نعتًا لنكرةٍ كـ"مررتُ برجلٍ حسبُكَ مِنْ رَجُلٍ"، وحالاً لمعرفةٍ كـ"هذا عبدُاللَّهِ حسبُكَ مِنْ رَجُلٍ " وتستعمَلُ استعمالَ الأسماءِ الجامدةِ، نحوُ: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ}، {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} "بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ" وهذا يردُّ على مَنْ زعَمَ أنها اسمُ فِعْلٍ، فإنَّ العواملَ اللفظيَّةَ لا تدخُلُ على أسماءِ الأفعالِ، وتُقْطَعُ عن الإضافةِ فيتجدَّدُ لها إشرابُها معنًى دالًّا على النفيِ، ويتجدَّدُ لها ملازمتُها للوصفيَّةِ أو الحاليَّةِ أو الابتداءِ والبناءِ على الضمِّ، تقولُ: "رأيْتُ رجُلا حَسْبُ" و"رأيتُ زيدًا حَسْبُ" قالَ الجَوْهَرِيُّ: كأنَّكَ قلْتَ: حَسْبِي أو حَسْبُكَ، فأضمرْتَ ذلك ولم تُنَوِّنْ. اهـ. وتقولُ في الابتداءِ: "قبضتُ عشرةً فحسبُ". أي: فحسبي ذلك.
الثاني: اقتضى كلامُه أيضا أنَّ "عل" تجوزُ إضافتُها وأنَّه يجوزُ أنْ تُنْصَبُ على الظرفيَّةِ أو الحاليَّةِ، وتُوَافِقُ "فوقَ" في معناها وتخالفُها في أمرينِ: أنها لا تُسْتَعْمَلُ إلا مجرورةً بـ"مِنْ" وأنها لا تُسْتَعْمَلُ مضافةً فلا يقالُ: "أخذْتُه مِنْ عَلِ السَّطْحِ" كما يقالُ: مِنْ عُلْوِهِ ومنِ فوقِه، وقد وَهِمَ في هذا جماعةٌ منهم الجَوْهَرِىُّ، وابنُ مالكٍ وأما قولُه [من الرجز]:
647 - يَا رَبِّ يَوْمَ لِي لاَ أُظَلِّلُهْ = أَرْمَضُ مِنْ تَحْتُ وَأَضْحَى مِنْ عَلُهْ
فالهاءُ فيه للسكتُ، بدليلِ أنه مبنيٌّ، ولا وجهَ لبنائِه لو كانَ مضافًا انتهى.
الثالث: قال في (شرحِ الكافيةِ) وقد ذَهَبَ بَعْضُ العلماءِ إلى أن "قَبْلاً" – في قولِه "وكُنْتُ قَبْلاً" – معرَّفَةٌ بِنِيَّةِ الإضافةِ، إلا أنَّه أُعْرِبَ ؛ لأنَّه جعَلَ ما لحِقَه مِنَ التنوينِ عِوَضًا مِنَ اللفظِ بالمضافِ إليه فعُومِلَ "قبلُ" مع التنوينِ – لكونِه عوضًا مِنَ المضافِ إليه – بما يعاملُ به مع المضافِ إليه كما فُعِلَ بـ "كُلٍّ" حينَ قُطِعَ عنِ الإضافةِ لحِقَه التنوينُ عِوَضًا وهذا القولُ عندي حسنٌ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:49 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


إضافةُ (قَبْلُ وَبَعْدُ وغَيْرُ) ونظائرِها
410- وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إنْ عَدِمْتَ مَا = لَهُ أُضِيفَ نَاوِياً مَا عُدِمَا
411- قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ أوَّلُ = وَدُونُ وَالْجِهَاتُ أيْضاً وَعَلُ
412- وَأعْرَبُوا نَصْباً إذَا مَا نُكِّرَا = قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا
ذَكَرَ مجموعةً مِن الأسماءِ التي تُضافُ، وهيَ: (غيرُ، وقبلُ، وبعدُ، وحسْبُ، وأوَّلُ، ودونُ، والجهاتُ السِّتُّ، وهيَ: أَمَامَكَ، وخلفَكَ، وفوقَكَ، وتحتَكَ، ويمينَكَ، وشمالَكَ، وَعَلُ).
وقدْ أَجْمَلَ الكلامَ فيها، فذَكَرَ أَحكاماً وتَرَكَ أُخرى، ولَمَّا كانت هذهِ الأسماءُ ممَّا يَحتاجُ إليهِ المُعْرِبِ، رأيتُ أنْ أَتَحَدَّثَ عنها بشيءٍ مِن التفصيلِ على الترتيبِ الذي ذَكَرَهُ ابنُ مالِكٍ، فهذهِ الأسماءُ المذكورةُ نَوعانِ:
الأوَّلُ: خالصُ الاسميَّةِ، فلا يُفيدُ معها ظَرفيَّةً زمانيَّةً ولا مَكانيَّةً، وهذا (غيرُ، وحسْبُ).
الثاني: ما يُفيدُ معَ الاسميَّةِ ظرفيَّةً زَمانيَّةً أوْ مكانيَّةً، وهوَ البقِيَّةُ، وإليكَ تفصيلُ القولِ فيها:
- غيرُ: اسمٌ مَحْضٌ لا ظَرفيَّةَ فيهِ، يَدُلُّ على مخالَفَةِ ما قَبْلَهُ لِمَا بَعْدَهُ ذاتاً أوْ عَرَضاً، فالأوَّلُ نحوُ: التُّفَّاحُ غيرُ البُرتقالِ؛ أيْ: ذاتُ التفاحِ وحقيقتُهُ مُخالِفَةٌ لذاتِ الْبُرتقالِ وحقيقتِهِ. والثاني نحوُ: خَرَجَ الفائزُ بوَجْهٍ غيرِ الَّذِي دَخَلَ بهِ، بمعنى أنَّ الوجهَ طَرَأَ عليهِ أمْرٌ عَرَضِيٌّ مِن السُّرورِ والإشراقِ.
وهيَ ملازِمَةٌ للإضافةِ في غالِبِ أحوالِها إمَّا لَفْظاً ومعنًى، أوْ معنًى فقطْ، فإنْ ذُكِرَ المضافُ إليهِ - بأنْ أُضِيفَتْ لَفْظاً ومعنًى - فهيَ مُعْرَبَةٌ على حَسَبِ حالةِ الجملةِ، ولا يَدْخُلُها التنوينُ، فتَقَعُ خبراً نحوُ: النُّحَاسُ غيرُ الحديدِ، وتَقَعُ صِفةً في مِثلِ قَوْلِهِ تعالى: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}، فـ ( غَيْرُ ) نَعْتٌ لـ ( عَمَلٌ )، وقولِهِ تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، فـ ( غَيْرِ ) صفةٌ للاسمِ الموصولِ ( الَّذِينَ ).
أمَّا إذا لم يُذْكَر المضافُ إليهِ فسيأتِي حُكْمُها في الكلامِ على (قبلُ وبعدُ) إنْ شاءَ اللَّهُ.
- قبلُ، بعدُ: ظَرفانِ مُتقابلانِ، الأوَّلُ يَدُلُّ على سَبْقِ شيءٍ على شيءٍ آخَرَ، وتَقَدُّمِهِ عليهِ في الزمانِ أو المكانِ، والثاني يَدُلُّ على تَأَخُّرِ شيءٍ عنْ آخَرَ في الزمانِ أو المكانِ، سواءٌ كانَ ذلكَ حِسِّيًّا أوْ مَعْنَوِيًّا، تقولُ: جِئْتُكَ بعدَ الظهْرِ وقَبلَ العصْرِ، وتقولُ: جاءَ خالدٌ قبلَ عاصِمٍ.


ولَهُما حالتانِ:
الأُولَى: الإعرابُ، وهوَ النصْبُ على الظرفيَّةِ، أو الْجَرُّ بِمِنْ، وذلكَ في ثلاثِ صُوَرٍ:
1- أنْ يُذْكَرَ المضافُ إليهِ؛ نحوُ: نَظِّفْ أسنانَكَ قبلَ النومِ وبعدَهُ، أوْ مِنْ قبلِ النومِ ومِنْ بعدِهِ، قالَ تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}، فـ ( قبلَ ): ظرْفُ زمانٍ منصوبٌ بالفتحةِ متعلِّقٌ بـ ( سَبِّحْ )، وقالَ تعالى: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ}، فـ ( بعدَ ): ظرْفُ زمانٍ منصوبٌ بالفتحةِ مُتَعَلِّقٌ بـ ( تُرَدَّ )، أوْ صِفَةٌ لـ(أَيْمَانٌ).
2- أنْ يُحْذَفَ المضافُ إليهِ ويُنْوَى لفْظُهُ نَصًّا دونَ غيرِهِ مِن الألفاظِ، فيَبْقَى الإعرابُ ويُحْذَفُ التنوينُ، كما لوْ كانَ المضافُ إليهِ مَذكوراً؛ نحوُ: يَبدأُ المعتَمِرُ بالطوافِ بالبيتِ قَبْلَ أوْ مِنْ قَبْلِ؛ أيْ: قبلَ السعيِ، فالمضافُ (قبلَ) منصوبٌ على الظرفيَّةِ، أوْ مجرورٌ بـ(مِن)، ولا يُنَوَّنُ؛ لأنَّهُ لا يَزالُ مُضافاً، والمضافُ إليهِ محذوفٌ بِمَنْزِلَةِ الموجودِ، مَنْوِيٌّ لفظُهُ دونَ غيرِهِ مِن الألفاظِ.
3- أنْ يُحْذَفَ المضافُ إليهِ، ولا يُنْوَى شيءٌ، فيَبقَى الإعرابُ، ويَرْجِعُ التنوينُ؛ لزوالِ الإضافةِ لَفْظاً وتَقديراً؛ نحوُ: عَرَفْتُ قِيمةَ الوقْتِ وكُنْتُ قَبْلاً مُضَيِّعاً لِوَقْتِي، فـ(قَبْلاً) ظَرْفُ زمانٍ مَنصوبٌ بـ(كانَ)، ويكونُ معنى (قبلُ وبعدُ) في هذهِ الصورةِ القَبْلِيَّةَ المُطْلَقَةَ والبَعديَّةَ المطلَقَةَ.
الحالةُ الثانيَةُ لـ(قبلُ وبعدُ) البناءُ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الظرفيَّةِ، أوْ مَحَلِّ جَرٍّ إنْ سَبَقَتْهُ (مِن)، وذلكَ إذا حُذِفَ المضافُ إليهِ، ونُوِيَ معناهُ دونَ لفْظِهِ؛ نحوُ: كانَ النجاحُ حَلِيفِي فَلِلَّهِ الشكْرُ مِنْ قبلُ ومِنْ بعدُ، قالَ تعالى: {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}، فـ ( قَبْلُ ): ظرْفُ زمانٍ مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، وقالَ تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}، وقالَ تعالى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}، فـ ( قَبْلُ ) و(بَعْدُ) ظرفانِ مَبْنِيَّانِ على الضمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ.
والفرْقُ بينَ نِيَّةِ المعنى ونِيَّةِ اللفْظِ، أنَّ نِيَّةَ اللفْظِ أنْ يُلاحَظَ اللفظُ المَنْوِيُّ معناهُ في نفْسِ المتكلِّمِ دونَ غيرِهِ مِن الألفاظِ، ونِيَّةُ المعنى أنْ يُلاحَظَ المعنى دونَ النظَرِ إلى لفْظٍ مُعَيَّنٍ.
وهذهِ الأحوالُ تَنْطَبِقُ على (غَيْرُ) الْمُتَقَدَّمِ ذِكْرُها إذا حُذِفَ المضافُ إليهِ في نحوِ: حَفِظْتُ مِن القرآنِ عَشرةَ أجزاءٍ ليسَ غَيْرُ، فيَجوزُ في (غَيْرُ) الأوْجُهُ الآتيَةُ:
1- الإعرابُ بدونِ تنوينٍ باعتبارِ أنَّها مُضافةٌ، والمضافُ إليهِ محذوفٌ قدْ نُوِيَ لفْظُهُ نَصًّا، فهيَ اسمُ (لَيْسَ)، والخبرُ محذوفٌ، والتقديرُ: ليسَ غَيْرُ العشرةِ مَحفوظاً. ويَجوزُ نَصْبُها (ليسَ غَيْرَ) باعتبارِها خبرَ (ليسَ)، والاسمُ محذوفٌ؛ أيْ: ليسَ المحفوظُ غيرَ العشرةِ.
2- الإعرابُ بتنوينِ (ليسَ غَيْرٌ أوْ غَيْراً)؛ لأنَّ المضافَ إليهِ محذوفٌ، ولم يُنْوَ لفْظُهُ ولا معناهُ، فهوَ اسمُ (ليسَ)؛ أيْ: ليسَ غيرٌ مَحفوظاً، أوْ خبرُ (ليسَ) والتقديرُ: ليسَ المحفوظُ غَيْراً.
3- البناءُ على الضمِّ في مَحَلِّ رفْعٍ باعتبارِها اسمَ ليسَ، والمضافُ إليهِ محذوفٌ قدْ نُوِيَ معناهُ فقطْ، والخبرُ محذوفٌ، والتقديرُ: ليسَ غيرُ المذكورِ محفوظاً.
حَسْبُ: وهوَ اسمٌ مَحْضٌ لا ظَرفيَّةَ فيهِ، ولهُ استعمالانِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ مُضافاً لَفْظاً ومعنًى، فيكونُ بمعنى (كَافٍ) اسمِ فاعلٍ مِنْ (كَفَى)، ويُستعمَلُ استعمالَ الصفاتِ المشتَقَّةِ، فيَقَعُ نَعتاً لنَكِرَةٍ؛ نحوُ: مَررْتُ برَجُلٍ حَسْبِكَ مِنْ رَجُلٍ؛ أيْ: كافٍ لكَ عنْ غيرِهِ، فـ(حسْبِ): صِفةٌ لـ(رجُلٍ) مجرورٌ بالكسرةِ، والكافُ: مضافٌ إليهِ. ولا يَستفيدُ تعريفاً بهذهِ الإضافةِ كما تَقَدَّمَ. ويَقَعُ حالاً مِنْ مَعْرِفَةٍ؛ نحوُ: هذا هشامٌ حَسْبَكَ مِنْ رجُلٍ، بنَصْبِ (حَسْبَ).
ويُستعمَلُ استعمالَ الأسماءِ الجامِدَةِ، فيَقَعُ مُبتدأً أوْ خَبراً أو اسمَ ناسِخٍ أوْ مجروراً بحرْفِ جَرٍّ زائدٍ، ولا يَقَعُ في موْقِعٍ إعرابيٍّ غيرِ ذلكَ، قالَ تعالى: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ}، وقالَ تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فَهُوَ حَسْبُهُ}، وقالَ تعالى: {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ}، وتقولُ: بِحَسْبِكَ العلْمُ؛ فإنَّهُ أفْضَلُ مِن المالِ.
الثاني: أنْ يكونَ (حَسْبُ) مُضافاً معنًى لا لَفظاً، (أَيْ يُحْذَفُ المضافُ إليهِ ويُنْوَى معناهُ)، فيُبْنَى على الضمِّ، ويكونُ بمعنى (ليسَ غَيْرُ) أوْ (لا غيرُ)، ويَقَعُ صِفةً لنَكِرَةٍ، أوْ حالاً مِنْ مَعْرِفَةٍ، أوْ مبتدأً بشَرْطِ اقترانِهِ بالفاءِ، أوْ خبراً، وليسَ لهُ مَوْقِعٌ إعرابيٌّ غيرُ ذلكَ؛ نحوُ: رَأَيْتُ في المدرسةِ طالباً حَسْبُ، فـ(حَسْبُ): صِفةٌ لطالِبٍ مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، وفي نحوِ: رَأَيْتُ في المدرسةِ خالِداً حَسْبُ، مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبِ حالٍ، والمعنى: لا غَيْرُ.
ونحوُ: حَفِظْتُ ثلاثةَ أجزاءٍ مِن القرآنِ فحَسْبُ، فالفاءُ زائدةٌ لِتَزْيِينِ اللفْظِ، و(حسْبُ): مُبتدأٌ مبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ رفْعٍ حُذِفَ خَبَرُهُ؛ أيْ: فحَسْبِي ذلكَ. وذُكِرَ هنا وهوَ ليسَ مِن الظروفِ؛ لأنَّهُ يُبْنَى إذا قُطِعَ عن الإضافةِ لَفْظاً لا معنًى، فهوَ داخِلٌ في حُكْمِ (قبلُ وبعدُ).
- أوَّلُ: ولهُ استعمالاتٌ، أشْهَرُها ثلاثةٌ:
1- أنْ يكونَ اسماً مَصروفاً لا ظَرْفِيَّةَ فيهِ، يُعْرَبُ حَسَبَ مَوْقِعِهِ مِن الْجُملةِ، ومعناهُ: إمَّا مَبدأُ الشيءِ الذي يُقابِلُ آخِرَهُ؛ نحوُ: أوَّلُ الغَيْثِ قَطْرٌ ثمَّ يَنْهَمِرُ، أوْ بمعنى كلمةِ (سَابِقٍ)؛ أيْ: (مُتَقَدِّمٍ) الدالَّةِ على الوصْفِ؛ نحوُ: تَنَقَّلْتُ في مَصايِفِ المملكةِ عاماً أوَّلاً؛ أيْ: عاماً سابِقاً أوْ مُتَقَدِّماً مِنْ غيرِ تَعيينٍ.
2- أنْ يكونَ صِفةً بمعنى أَفْعَلِ التفضيلِ، فيَأخُذُ حُكْمَهُ في مَنْعِ الصرْفِ، وعدَمِ تأنيثِهِ بالتاءِ، ودخولِ (مِن) عليهِ، ويكونُ بمعنى (الأسبَقِ)؛ نحوُ: أنتَ في الإحسانِ أوَّلُ مِنْ هَذَيْنِ؛ أيْ: أسبَقُ منهما.
3- أنْ يكونَ ظَرْفَ زمانٍ بمعنى (قبلُ)، فيُعْطَى حُكْمَها مِن الإعرابِ والبناءِ على ما تَقَدَّمَ بيانُهُ؛ نحوُ: أسرَعْتُ للمستغيثِ أوَّلَ المُستمعينَ، فـ(أوَّلَ): ظرْفُ زمانٍ منصوبٌ، قالَ تعالى: {وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، وكقولِ: أسْرَعْتُ للمستغيثِ أوَّلَ؛ لأنَّ المضافَ إليهِ محذوفٌ ومَنْوِيٌّ لفْظُهُ، وكقولِ: أسْرَعْتُ للمُستغيثِ أوَّلاً؛ لأنَّ المضافَ إليهِ محذوفٌ ولم يُنْوَ لفْظُهُ ولا معناهُ، وتقولُ: أسْرَعْتُ للمستغيثِ أوَّلُ، بالبناءِ على الضمِّ؛ لأنَّ المضافَ إليهِ محذوفٌ ومَنْوِيٌّ معناهُ.
- دُونَ: ظرْفُ مكانٍ منصوبٌ على الظرفيَّةِ في أكثرِ استعمالاتِهِ، أوْ مجرورٌ بـ(مِن)، وهوَ ملازِمٌ للإضافةِ في أكثرِ حالاتِهِ، ومعناهُ الدَّلالةُ على المكانِ الأقربِ إلى مكانِ المضافِ إليهِ، تقولُ: جَلَسْتُ دونَ المدرِّسِ؛ أيْ: في أقْرَبِ مكانٍ إليهِ. وقدْ تأتِي بمعنى (غَيْرٍ)؛ كقولِهِ تعالى: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً}، وهيَ على التفصيلِ المذكورِ في (قبلُ وبعدُ).
- الْجِهاتُ السِّتُّ، وهيَ: يمينٌ وشِمالٌ.. إلخ، وقدْ تَقَدَّمَتْ، وحُكْمُها حُكْمُ (قبلُ وبعدُ)، فتكونُ منصوبةً على الظرفيَّةِ، أوْ مجرورةً بـ(مِن)، أوْ تُبْنَى على الضمِّ إذا حُذِفَ المضافُ إليهِ ونُوِيَ معناهُ، تقولُ: جَلَسْتُ أمامَ المدرِّسِ، وقَفْتُ يمينَ الإمامِ.
قالَ تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}. وقالَ تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}. وقالَ تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ}. وقالَ تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}.
ومثالُ بِنَائِها على الضمِّ: الجبلُ عالٍ والنبْعُ يَخرجُ مِنْ تحتُ؛ أيْ: مِنْ تحتِ الجبلِ.
- عَلُ: ظَرْفُ مَكَانٍ بمعنى (فَوْقُ)، ولا يُستعمَلُ إلاَّ مجروراً بـ(مِن)، ولا يُضافُ، ومَعْنَاهُ الدَّلالةُ على أنَّ شيئاً أعْلَى مِن آخَرَ، وهوَ مُعْرَبٌ مُنَوَّنٌ إذا كانَ نَكِرَةً؛ (أيْ يَدُلُّ على عُلُوٍّ غيرِ مُعَيَّنٍ)، ولم يُضَفْ لا لَفْظاً ولا معنًى؛ نحوُ: سقَطَ الحجَرُ مِن عَلٍ؛ أيْ: مِن مكانٍ عالٍ، لا مِن فوقِ شيءٍ مخصوصٍ، فقدْ يكونُ المرادُ مِنْ فوقِ جبلٍ أوْ بيتٍ أوْ شجرةٍ....
ويُبْنَى على الضمِّ إذا كانَ معرِفةً؛ (أيْ: يَدُلُّ على عُلُوٍّ مُعَيَّنٍ)، وحُذِفَ المضافُ إليهِ ونُوِيَ معناهُ؛ نحوُ: تَمَتَّعْتُ بالربيعِ مِنْ أسْفَلِ الوادِي ومِنْ عَلُ، فـ(عَلُ): مَبنيَّةٌ على الضمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ؛ لأنَّها معرِفةٌ بسببِ دَلالتِها على عُلُوٍّ مُعَيَّنٍ؛ لأنَّ التقديرَ: ومِنْ عَلِ الوادِي، ولأنَّ المُضافَ إليهِ مَنْوِيٌّ معناهُ.
وإلى الأسماءِ المتقَدِّمَةِ أشارَ بقولِهِ: (واضْمُمْ بِناءً غَيراً.. إلخ)؛ أي: اضمُمْ (غَيْراً) ضَمَّةَ بِناءٍ، إنْ عَدِمْتَ ما أُضيفَ لهُ (غَيْرٌ)؛ أيْ: لم تَجِد المضافَ إليهِ في الكلامِ، وقولُهُ: (نَاوِياً ما عُدِمَا)؛ أيْ: ناوياً معنى المضافِ إليهِ المحذوفِ، معَ أنَّهُ لم يُصَرِّحْ بأنَّ الذي تَنْوِيهِ هوَ اللفْظُ أو المعنَى، لَكِنْ مِن المعلومِ أنَّ المرادَ المعنى (قَبْلُ كَغَيْرُ)؛ أيْ: أنَّ لفْظَ (قبلُ) مثلُ (غَيْرُ) في الحكْمِ السابقِ، وهوَ البِناءُ إذا حُذِفَ المضافُ إليهِ ونُوِيَ معناهُ.
ثمَّ ذَكَرَ الألفاظَ التي تَشْتَرِكُ معَ (قَبْلُ) في هذا، وعَطَفَها بالواوِ المذكورةِ والمحذوفةِ، ثمَّ ذَكَرَ أنَّ النُّحاةَ أعْرَبُوا لفظَ (قَبْلُ) وما بعدَهُ مِن الأسماءِ بالنَّصْبِ معَ التنكيرِ، والمرادُ بهِ حَذْفُ المضافِ إليهِ وعدَمُ نِيَّةِ لفظِهِ ولا معناهُ، وهذا الحُكْمُ لا يَنْطَبِقُ على الجميعِ، بلْ يَخرُجُ منهُ (حَسْبُ وَعَلُ) كما تَقَدَّمَ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
غير, وقبل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir