14/1193 - وَعَن الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِن الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ، فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: ((هُمْ مِنْهُمْ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَن الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ): تَقَدَّمَ ضَبْطُهما فِي الْحَجِّ، (قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ ابْن حِبَّانَ السَّائِلُ هُوَ الصَّعْبُ، وَلَفْظُهُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَاقَهُ بِمَعْنَى ما هُنَا، (عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِن الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ): بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ؛ مِنْ بَيَّتَهُ، مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، (فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَفِي لَفْظٍ للْبُخَارِيِّ: عَنْ أَهْلِ الدَّارِ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ. وَالتَّبْيِيتُ: الإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ فِي اللَّيْلِ عَلَى غَفْلَةٍ مَعَ اخْتِلاطِهِمْ بِصِبْيَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَيُصَابُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِقَتْلِهِم ابْتِدَاءً.
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ، وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ نَهَى عَنْهُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهِيَ مُدْرَجَةٌ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ زِيَادَةٌ فِي آخِرِهِ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
وَيُؤَيِّدُ أَنَّ النَّهْيَ فِي حُنَيْنٍ مَا فِي الْبُخَارِيِّ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَدِهِمْ: ((الْحِقْ خَالِداً فَقُلْ لَهُ: لا تَقْتُلْ ذُرِّيَّةً، وَلا عَسِيفاً)).
وَأَوَّلُ مَشَاهِدِ خَالِدٍ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ، كَذَا قِيلَ. وَلا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتْحَ مَكَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ، فَقَالَ: ((مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ))، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ.
وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا؛ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ إلَى جَوَازِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَانِ؛ عَمَلاً بِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ، وَقَوْلِهِ: ((هُمْ مِنْهُمْ))؛ أَيْ: فِي إبَاحَةِ الْقَتْلِ تَبَعاً لا قَصْداً، إذَا لَمْ يُمْكِن انْفِصَالُهُمْ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ بِحَالٍ، حَتَّى إذَا تَتَرَّسَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، أَوْ تَحَصَّنُوا بِحِصْنٍ أَوْ سَفِينَةٍ هُمَا فِيهِمَا مَعَهُمْ، لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ، وَلا تَحْرِيقُهُمْ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ، إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي التَّتَرُّسِ: يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ حَيْثُ جُعِلُوا تُرْساً، وَلا يَجُوزُ إذَا تَتَرَّسُوا بالمُسْلِمِينَ، إلاَّ مَعَ خَشْيَةِ الاسْتِئْصَالِ. وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْجَمِيعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْدِ إلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؛ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.
وَفِي قَوْلِهِ: ((هُمْ مِنْهُمْ)) دَلِيلٌ بِإِطْلاقِهِ لِمَنْ قَالَ: هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ ثَالِثُ الأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الصِّبْيَانِ، وَالأَوْلَى الْوَقْفُ.