دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > القصاص والحدود

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #7  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 05:10 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

كتا ب الحدود
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم ناس من عكل أو عرينة ، فاجتووا المدينة , فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح ، وأمرهم أن يشربوه , وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ، فانطلقوا ، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم ، فجاء الخبر أول النهار ، فبعث في آثارهم ، فلما ارتفع النهار جيء بهم ، فأمر بهم فقطعت أيديهم، وأرجلهم ، وسمرت أعينهم ، وتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون ، قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا ، وقتلوا ، وكفروا بعد إيمانهم ، وحاربوا الله ورسوله)) . أخرجه الجماعة .
اجتويت البلاد: إذا كرهتها وإن كانت موافقة . واستوبأتها: إذا لم توافق .
الشيخ:الحديث الأول في المحاربين , فيه حكم الحرابة ، وحكم المحاربين ، وقد ذُكر المحاربون في القرآن , قال تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا}... إلى آخر الآية ، قال ابن عباس رضي الله عنه: إن قتلوا وأخذوا المال قتلوا ثم صلبوا , وإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطع من كل واحد منهم يدمن جانب ورجل من جانب , وإن أخافوا السبيل نفوا من الأرض . وقيل: إن نفيهم الحبس , أن يسجنوا . وهم الذين يعترضون الناس في الطرق ، وفي البراري ، يعترضون المسافر ، فيقطعون عليه سيره ، فإما أن يقصدوا المال الذي معه ، ويقاتلونه لأجل أن يأخذوا ما معه من مال إن كان , وإما أن يقصدوا فعل جريمة الزنا بمحارمه إذا كان معه محارم , وهكذا فهذا هؤلاء هم المحاربون . وقد دخل فيهم أهل هذه القصة .
في هذه القصة أن هؤلاء قوم ، قيل عددهم ثمانية من قبيلتين: قبيلة عكل ، وقبيلة عرينة ، أي بعضهم من عكل وبعضهم من عرينة ، قبيلتان من قحطان وعدنان ، جاءوا إلى المدينة وأظهروا أنهم أسلموا , وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم, ولما أقاموا في المدينة أياما اصفرت ألوانهم , وتغيرت عليهم البيئة والمكان ، والطعام والشراب , وانتفخت بطونهم بمرض يسمى الجراء ، اجتووا المدينة ، فلما رأى تغير حالتهم رحمهم ، ورفق بهم ، وعرف أنهم كانوا أهل دواب وأهل أغنام وأهل إبل ، عاشوا عليها ,وأن أحسن حالهم أن يرجعوا إلى التغذي بألبان الإبل ونحوها ، فأرسلهم إلى إبل الصدقة ، إبل كانت ترعى في طرف المدينة ، أمرهم بأن يتغذوا بألبانها ، ويتعالجوا بأبوالها ، يشربوا الأبوال علاجا ودواء ، ويشربوا الألبان غذاء , ففعلوا , ذهبوا مع تلك الإبل ، واستمروا في هذا العمل يشربون ، ويتعالجون ، حتى صحوا وعادت إليهم صحتهم ، وسمنوا وقووا .
فعند ذلك خطر عليهم الكفر ، أن يكفروا بعد إسلامهم ، وأن يستبدوا بهذه الإبل ، التي وجدوا منها هذه المنفعة ، فقتلوا الراعي الذي كان يرعى تلك الإبل , راعيا مسلما ، ومثلوا به ، جدعوا أنفه ، وفقأوا عينيه ،مثلا , وبقروا بطنه، وقطعوا أطرافه ، ثم هربوا بالإبل محاربين لله ولرسوله .
جاء الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما فعلوه من هذا الجرم وكفران النعم ، فبعث في آثارهم من يردهم ، روي أن جرير بن عبد الله البجليكان أميرا على السرية التي بُعثت في آثارهم ، أدركهم الطلب في أثناء الطريق وهم هاربون مشتدون في الهرب ، فأسروهم وجاءوا بهم ، ولما جاءوا بهم وكانَتْ جريمتهم جريمة شنيعة عاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعقوبة شنيعة ، تماثل جريمتهم ، فقطع أيديَهم وأرجلَهم ، وترك الدم يسيل منهم ، لم يحسمهم حتى يتوقف الدم ، وأمر بمسامير من حديد فأحميت في النار فكحلت بها أعينهم ، وهومعنى[1]سمل أعينهم ، وكان ذلك عقابا لهم ؛ لأنهم فعلوا ذلك بالراعي ، وتركهم في الحرة حرة المدينة الشرقية ، يستسقون فلا يسقون ، حتى ماتوا وهم على تلك الحال ، هكذا جريمتهم . وبعد الأذان نتكلم على بعض الأحكام .
روي أن الحجاجَ أمير العراق المشهور لما سمع هذا الحديث أخذ يستدل به على عقوبته لبعض المجرمين ،ويقولُ: انظروا إلى عقوبةِ النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأشخاصِ ، وما ذنبهم إلا أنهم أخذوا زودا من الإبلِ لا تساوي إلا عدة دنانير ، عاقبَهم بهذه العقوبةِ الشنيعة . حتى أنهم لاموا بعض المحدثين الذين حدثوا الحجاج بهذا الحديث ، وبهذه القصة ؛ لأنه سار يستدل بها على سفكه ، سفكه للدماء ، وتجاريه فيها بأدنى شبهة.
ولما اشتهر استدلاله بذلك اعتذر عن هذا الحديث أبو قلابة, الذي روى هذا الحديث عن أنس ، فقال: هؤلاء - يعني هؤلاء الذين أذنبوا هذا الذنب - سرقوا ، أي سرقوا الإبل ، وقتلوا ذلك الراعي ، وحاربوا الله ورسولَه ، أي نصبوا الحرب للرسولِعليه الصلاة والسلام ,وارتدوا بعد إسلامهم ، أي كفروا ؛ لأن فعلهم هذا ردَّة حيث أنهم هربوا إلى الكفار، ففعلهم هذا ردة ، لا أنهم هربوا للمسلمين ، أي لم يبقوا على إسلامهم ، فكانت هذه عقوبة لهم .
وبلا شك أن المحاربَ الذي يقطع الطريق على المسلمين ويقتل لأجل أخذ المال ، وينهب المال بقوة ، ويفعل ما يقدر عليه- أن رده وصده واجب على المسلمين ؛ حتى لا تكثر الفوضى ، وحتى لا تشتد المنكرات ، وحتى لا يكون الضعيف نهبة للقوي ، وحتى لا تسفك دماء المسلمين وتنتهك أعراضهم ، ويفعل الزنا والفواحش وما أشبهها ، فلأجل ذلك يؤخذ على أيدي هؤلاء المحاربين ، ويعاقبون بما يرتدعون به ، ومن ذلك عقوبة هؤلاء المحاربين الذين في هذا الحديث ، فإن من عقوبتهم القتل ؛ لأنهم قتلوا , لما أنهم قتلوا ذلك الراعي بغير حق قتلوا .
وقد اجتمع أو اتفق جمهور العلماء على أن الجماعة إذا قتلوا واحدا قتلوا كلهم ، هؤلاء ثمانية قتلوا واحدا، وهو الراعي ، فقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم به قصاصا ، وإن كانوا قُتلوا لأجل أنهم مرتدون ، ولكن لما كان فيهم هذا القتل قتلوا ، ومثل بهم . المثلة قد ورد النهي عنها ، ولكن الصحيح أنها تجوز على وجه المقابلة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة((اغزوا ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا)) . أي لا تمثلوا بالقتلى ، أي لا تشوهوا منظر القتيل بقطع أنفه مثلا ، أو بشق شدقيه ، أو بفقأ عينيه ، أو بقطع مذاكيره ، أو ببقر بطنه ، أو بإخراج حشوته ، أو نحو ذلك , ما دام أنه قتل ومات فلا تمثلوا به هذا التمثيل .
ولكن إذا رؤي أن في ذلك زجر لأمثالهم ، إذا رأوا هذا الفعل بهم انزجر أمثالهم فلا يفعلون كفعلهم ، جاز بقدر الحاجة ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا مثل بهم أي فقأ أعينهم بهذا الحديد المحمى ، وكذلك قطع أيديهم وأرجلهم ، أي قطع من كل منهم يدا ورجلا ، أو يدين ورجلينِ ، وكذلك لم يحسمهم , لم يحسمهم ، الحسم: هو أن يكوى طرف اليد المقتولة ؛ حتى يتوقف الدم ، بأن يغلى زيت , وإذا غلي واشتد حره غمست فيه اليد بعدما تقطع , تقطع اليد من المفصل ، وتغمس في ذلك الزيت ؛ حتى يتوقف الدم ؛ لأنها إذا لم تحسم استمر خروج الدم إلى أن يموت الذي قطعت يده ، بخلاف ما إذا حسمت ، فهو عليه السلام ما حسمهم , كذلك تركهم في الحرة يستسقون ، يطلبون ماء ويطلبون طعاما ، فلم يسقوا وتركوا تجري دماؤهم إلى أن ماتوا .
ولا شك أن هذه العقوبة البشعة الشنيعة دليل على عظم جرمهم ، فيمكن أنها عقوبة على خيانتهم ، أو على حربهم لله ورسوله ، أو على قتلهم إنسانا بريئا محسنا إليهم ، أو على ردتهم وارتدادهم عن الإسلام ، وتبديدهم دينهم ، فيدخلون في قوله صلى الله عليه وسلم:((من بدل دينه فاقتلوه)) هؤلاء جمعوا بين هذه الأمور ، ففعلت بهم هذه الأفعال ، جمعوا بين كونهم حاربوا الله ورسوله ، وأصبحوا حربا ، صاروا من المحاربين {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا} , كذلك ارتدوا عن الإسلام ، وردتهم تعتبر كفرا ، وتبديلا للدين ، كذلك كفروا المعروف ، وكفروا العشير ،وكفروا الإحسان وكفروا الفضل والخير الذي حصل لهم ، وجازوا الإحسان إساءة ، فكان ذلك ما يستحقونه من هذه العقوبة.
ولا شك أن الجزاء من جنس العمل ،وأن من فعل مثل هذه الأفعال ، أو قرب منها, يجازى بذلك ، فإذا قدر على هؤلاء السراق الذين ينتهبون أموال الناس في الطرق ، أو قدر على هؤلاء القطاع الذين يقفون في الطرق ، ويخدعون بعض الناس حتى ينخدع معهم ، ويطلبون منه ما معه من المال , أو نحو ذلك ، ويهددونه بالسلاح , وما أشبه ذلك ، إذا قدر عليهم فيجوز للحاكم أن يقتلهم , سيما إذا قامت القرائن على خيانتهم ، وعلى شرهم ، وعلى ضررهم بالمسلمين ، واعترفوا أو قامت قرائن على اعترافهم أنهم يخيفون السبل ، ويخيفون الآمنين ، وأنهم يحاولون الاعتداء بأخذ المال ، وبقتل المسلم بغير حق ؛ ليتمكنوا من ماله ، أو ما أشبه ذلك .
أما إذا حصل ذلك منهم ، فإن عقوبته مثلما قلنا ، إن كان أخذ المال على وجه المغالبة وعلى وجه القهريَّة ، بأن يقولوا: أعطنا ما معك من المال: من النقود مثلا ، أو من الذهب ، أو ما أشبه ذلك ، وإلا قتلناك ، ويخرجون السلاح ويهددونه بإطلاق النار , حتى يعطيهم ليكف شرهم ، فعقوبتهم إذا قدر عليهم: أن يقطع من كل منهم يد ورجل ، ويحسموا حتى لا يموتوا ؛ لأن ذنبهم لا يصل إلى القتل ؛ لكونهم لم يقتلوا , مع استرجاع الأموال التي أخذوها بالمغالبة .
أما إذا كان اعتداؤهم على الأعراض ، بأن فعلوا الفاحشة: جريمة الزنا أو لواط , وقامت البينة على ذلك منهم باعترافهم ، أو بوجود العلامات الظاهرة ، فيقام عليهم الحد , فحد اللواط هو القتل لقوله عليه السلام:((اقتلوا الفاعل والمفعول به)) . يعني المفعول به إذا كان مختارا , وأما حد الزنا فهو الحد المعروف: جلد مائة وتغريب عام إن كان غير محصن، إن كان بكرا . والرجم إذا كان قد تزوج . وهو الذي دلت عليه الأحاديث . والحديث الذي في رجم الزاني ...

[1]قال القارئ: سمرت أعينهم . بالراء .


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحدود, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir