251 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَدْعُو فِي صلاتِهِ، وَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((عَجِلَهَذَا)). ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ والثلاثةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ والْحَاكِمُ.
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ: فَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَنِ الثلاثِ منْ أربعِ رِوَايَاتٍ مُتَّفِقَةِ الْمَعْنَى، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهَا اخْتِلافٌ، وَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ جَيِّدَةٌ، إِلاَّ إِحْدَى رِوَايَتَيِ التِّرْمِذِيِّ، فَفِيهَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَكِنَّ ضَعْفَهُ مُنْغَمِرٌ بِتِلْكَ الأسانيدِ الثلاثةِ الْجَيِّدَةِ.
قُلْتُ: رِشْدِينُ، بِكَسْرِ الراءِ وَسُكُونِ الشِّينِ المعجمةِ، ثُمَّ دالٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ، ثُمَّ يَاءٍ، آخِرُهُ نُونٌ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً فِي تَشَهُّدِ صَلاتِهِ الأخيرِ شَرَعَ يَدْعُو رَبَّهُ قَبْلَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَيُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّهِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَجِلَ هَذَا بِدُعَائِهِ)). حَيْثُ لَمْ يُقَدِّمْ قَبْلَ دُعَائِهِ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ الْهَامَّيْنِ.
2 - أَرْشَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ إِلَى أَدَبِ الدُّعَاءِ، فَقَالَ: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ والثناءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ منْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)). وَلَمْ يُقَيِّدْهُ، والأفضلُ الدُّعَاءُ بالمأثورِ.
3 - فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الوسائلِ بَيْنَ يَدَي المقاصدِ، وسورةُ الفاتحةِ مِثَالٌ كَرِيمٌ فِي ذَلِكَ، فَهِيَ بَدَأَتْ بتحميدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ، وإثباتِ الوحدانيَّةِ والعبادةِ لَهُ، وَإِثْبَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ بِطَلَبِ إِعَانَتِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُتَضَمِّنٌ لإثباتِ رِسَالَةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ الشروعِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، لِتَكُونَ وَسِيلَةً أَمَامَ الدُّعَاءِ.
4 - قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي (الْجَوَابِ الْكَافِي) الدُّعَاءُ منْ أَقْوَى الأسبابِ فِي دَفْعِ المَكْرُوهِ، وَحُصُولِ المطلوبِ، فَإِذَا صَادَفَ خُشُوعاً فِي الْقَلْبِ، وانكساراً بَيْنَ يَدَي الرَّبِّ، وَذُلاًّ وَتَفَرُّغاً وَرِقَّةً، وَاسْتَقْبَلَ الدَّاعِي الْقبْلَةَ، وَكَانَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ، وَبَدَأَ بِحَمْدِ اللَّهِ والثناءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ثَنَّى بالصلاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِهِ التَّوْبَةَ وَالاستغفارَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى اللَّهِ، وَأَلَحَّ فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَدَعَاهُ رَغْبَةً وَرَهْبَةً، وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَتَوْحِيدِهِ، وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ صَدَقَةً، فَإِنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لا يَكَادُ يُرَدُّ أَبَداً، لا سِيَّمَا إِذَا صَادَفَ الأَدْعِيَةَ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مَظَنَّةُ الإجابةِ. وَمِنَ الآفاتِ الَّتِي تَمْنَعُ تَرْتِيبَ أَثَرِ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْجِلَ الْعَبْدُ، وَيَسْتَبْطِئَ الإجابةَ، فَيَدَعَ الدُّعَاءَ.