دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > أساليب التفسير

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1437هـ/21-09-2016م, 02:04 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس الثالث: الأسلوب الوعظي

الدرس الثالث: الأسلوب الوعظي

الأسلوب الوعظي هو الأسلوبُ الذي يكون غرضُ المتكلم به وعظ المتلقّين وتبصيرهم بالهدى وتذكيرهم بآيات الله، وترقيق القلوب، وتزكية النفوس، والحث على التقوى والإحسان، والتحذير من الفتن والأهواء، وغير ذلك من مقاصد الوعظ التي تقوم على التبصير والتذكير، والترغيب والترهيب، والبشارة والنذارة.

وهو من أنفع الأساليب وأحسنها أثراً، وأعظمها ثمرة إذا كان قائماً على أصول علمية صحيحة، وقد بيّن الله تعالى أن من مقاصد إنزال القرآن الكريم وعظَ المؤمنين وتذكيرَهم؛ فقال تعالى: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
وقال تعالى: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}
وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ}.
وقال تعالى: { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}
وقال تعالى: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}

بل لعظمة هذا المقصد وحُسْنِ أثره ذُكر بصيغة الحصر المنبّهة على تقديمه والعناية به؛ فقال تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)}

وقال الله تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وهذا فيه أمرٌ بخطاب الوعظ والتذكير، وتنبيهٌ على أهميته وحاجة الأمة إليه، وفيه أيضاً تنبيه على أنّ الوعظ منه حسن ومنه غير حسن، والمأمور به هو الوعظ الحسن، وهو الذي يُتّبع فيه هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيكون قائماً على العلم ورعاية المصلحة الشرعية لمن يدعى به.
وأمّا الوعظ القائم على الجهل ونشر الأقوال الباطلة والأخبار الواهية والقصص الخرافية؛ فهو وعظ غير حسن، وإن كان له تأثير على بعض النفوس.
وكذلك الوعظ الذي لا تراعى فيه مصلحة الملتقّي؛ فإنّه قد يُسئ فيه الواعظ من حيث يحتسب النفع؛ فخطاب الخائف الوجل الذي يشفق على نفسه من شدة الخوف وربما اشتكى أذى شديدا من الوسوسة التي تدعوه إلى اليأس من رحمة الله لا يصلح أن يكون كخطاب الذي يعرف منه التهتّك والمجاهرة بالمعاصي، ويظهر منه الفرح بها، والتفاخر بما أصاب منها.
وينبغي للواعظ أن يفقه المقصد الأعظم من الوعظ وهو تعظيم الله تعالى وحَمْدِه وتمجيده وتنزيهه عما لا يليق به؛ ودعوة الناس لتوحيده وعبادته محبّة وتعظيماً وخوفاً ورجاءً على طريقة التسديد والمقاربة.
فمن الوُعّاظ من يتشدد في الترهيب والتحذير أو يتوسّع في الترغيب والانبساط؛ فيذكر في حديثه من الأقوال الباطلة والآثار الواهية أو التي تفهم على غير وجهها ما يلقي به إلى أذهان المتلقين معاني لا تليق بالله جل وعلا؛ حتى يكون أحقَّ بالوَعْظِ ممن يَعِظُهم.

أصناف الواعظين بالقرآن
والمتكلّمون في تبليغ معاني القرآن الكريم بأسلوب الوعظ والتذكير على أصناف:
1. صنف تكلّموا فيه بحقّه؛ فجمعوا الأهلية العلمية وإحسان الخطاب بهذا الأسلوب، فانتفعوا ونفع الله بهم، وقد سلك هذا المسلك جماعة من العلماء في بيان معاني القرآن للناس، وتعريفهم بهداه؛ فكتبوا الرسائل والكتب في تفسير بعض الآيات، وكانت لغتهم فيما كتبوا لغةً وَعْظيةً مؤثرة، قائمة على أصول علمية صحيحة، ومن أشهر من كتب في ذلك: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن رجب، والسعدي.
2. وصنف تكلّموا بهذا الأسلوب وكانت لهم براعة في مخاطبة العامّة به، وقدرة على تقريب المعاني، واسترعاء الانتباه، وإيصال الفكرة إلى المتلقّين بطريقة مدهشة ممتعة، أو مؤثرة تأثيراً بالغاً، لكن دخل عليهم الغلط من جانب ضعف الأهلية العلمية؛ فأشاعوا بعض الأقوال الباطلة، والروايات الواهية، والتأملات الخاطئة.
3. وصنف تكلموا فيه بأهليّة علمية حسنة لكن لم تكن لهم عناية بإحسان الأسلوب الوعظي؛ فدخل الضعف في كلماتهم وعباراتهم، وضَعُفَ تأثيرها بسبب ضعف أسلوبهم.

ركائز الأسلوب الوعظي:
الوعظ قائم على ركيزتين:
إحداهما: التبصير بالهدى فيما يُحتاج إليه، والتذكير به.
والأخرى: استحثاث محركات القلوب الثلاثة ( المحبة والخوف والرجاء ) فإنَّ هذه العبادات العظيمة هي أصل صلاح القلوب، وإذا صلح القلب صلح الجسد كلّه.
- فمن المؤمنين من يغلب عليه دافع المحبة فيطيع الله عز وجل محبة له، مع خوفه من الله ورجائه له ، لكن الذي يغلب على قلبه سلطانُ المحبة وصدق التقرب إلى الله عز وجل.
- ومن المؤمنين من يغلب عليه الخوف من الله فيطيع الله خوفاً منه؛ فالذي يحمله على فعل الطاعات واجتناب المحرمات غالباً إنما هو خوفه من الله.
- ومن المؤمنين من يغلب عليه رجاء ثواب الله فتجد أنَّ أكثر ما يحمله على فعل الطاعات واجتناب المحرمات هو رجاء ثواب الله وفضله.
والكمال أن يجمع العبد بين هذه الثلاثة ، فيطيع الله محبة له، وخوفاً منه ، ورجاء لثوابه وفضله.

والمقصود أن وعظ العلماء قائم على هاتين الركيزتين:
فالركيزة الأولى تثمر التبصّر واليقين وحسن المعرفة بالله تعالى وبهداه.
والركيزة الثانية تثمر الاستقامة والتقوى.
والجمع بينهما هو في حقيقته جمع بين العلم والعمل، لأن صحة العلم مرجعها إلى تعرّف هدى الله تعالى والتبصّر به وتذكّره، وصلاح العمل مرجعه إلى صلاح الإرادة الذي مبعثه صلاح القلب.

تصحيح مقاصد الوعظ:
يجب على الواعظ أن يعتني بتصحيح مقاصده في الوعظ وأن يجتهد في تحقيق الصدق والإخلاص فيه.
وكلُّ عَمَلٍ يعمله العبدُ صادقاً مخلصاً لله تعالى فيه؛ فإنَّه لا يضيع عند الله تعالى؛ لأنَّ اجتماع الصدق والإخلاص يحصل به معنى الإحسان، وقد قال الله تعالى: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً}.
وقد ذكر ابن مفلح في الآداب الشرعية أنَّ الإمام أحمد ذُكرَ له الصدق والإخلاص فقال: (بهذا ارتفع القوم).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (يكثر في كلام مشايخ الدين وأئمته ذكر الصدق والإخلاص حتى يقولون: "قل لمن لا يصدق لا يتعنَّى، ويقولون: "الصدق سيف الله في الأرض ما وضع على شيء إلا قطعه"، ويقول يوسف بن أسباط وغيره: "ما صدق اللهَ عبدٌ إلا صنع له"، وأمثال هذا كثير).
وقال أيضاً: (والله سبحانه يقرن في كتابه بين الشرك والكذب كما يقرن بين الصدق والإخلاص)ا.هـ.

والمقصود أن الموعظة الخالصة الصادقة تنفع صاحبها والمخاطَبين بها بإذن الله؛ ويرجى أن يُكتب لها القبول والبركة وحسن الأثر.
وقد قيل: إن الحديث إذا خرج من القلب وقع في القلب.
وتصحيح المقاصد يشمل جميع ما يصحّ أن ينويه الواعظ بموعظته، وهو باب واسع، وأصله إخلاص النية لله تعالى في الموعظة، والصدق في اتّباع هداه وامتثال أمره.
ثمّ يصحب ذلك مقاصد صالحة يثاب عليها ثواباً زائداً بحسب نيّته وعمله؛ ومن ذلك: إرادة نفع الموعوظين، والتقرب إلى الله تعالى بالدعوة إليه على بصيرة، والسعي في الإصلاح، والدلالة على أبواب الخير، والإعانة عليه، وصدق الرغبة في فضل الله تعالى وبركاته، والتعرّض لرحماته ونفحاته، وإعداد النفس وتمرينها لتصل إلى مرتبة الإحسان في الوعظ، والله تعالى قد كتب الإحسان على كلّ شيء، وهو يحبّ مِن كل عامل أن يُحسن عمله، وأخبر أنه مع المحسنين.
فالمقاصد الصالحة في الوعظ كثيرة متنوّعة، ويرجى أن يضاعف للواعظ الصالح أجره بتعدد مقاصده الصالحة.
وليكن الواعظ على حذر وتوقٍّ مما يفسد النية، ويحبط العمل، ويجلب المقت، ويضعف الإرادة، من التسميع والمراءاة، والتنطع والتكلّف، ومخالفة العمل للقول، والاستجابة لما يثبّط ويعوّق عن الدعوة إلى الله تعالى.

طرق تحسين الأسلوب الوعظي:
ينبغي للمفسّر أن يعتني بتحسين أسلوبه الوعظي في التفسير لأنه أرجى لكثرة الانتفاع بعلمه، وتوسيع دائرة المخاطبين به، وبقاء أثره في النفوس.
ولتحسين هذا الأسلوب ينبغي للمفسّر أن يعتني ثم بما يؤثّر على نفس المخاطَب من حسن البيان عن معاني القرآن، والبعد عن التعقيد اللفظي والمعنوي، وترك الإسهاب فيما لا صلة له بمقام الوعظ، وتحلية خطابه بالآثار والأخبار والقصص والأمثال ونحو ذلك مما له تأثير بالغ على القلوب؛ فيضيف إلى تفسيره ما يتقوّى به سلطان الوعظ على القلوب، وليحرص على الاستزادة من القراءة في الكتب والرسائل التي أحسن أصحابها الحديث بهذا الأسلوب، وكان لحديثهم قبول وتأثير؛ فيقتبس من طريقتهم ما يحسّن به أسلوبه.
ومما يقوّي تأثير الرسالة التفسيرية الوعظية تحليتُها بالعبارات الموجزة المؤثّرة التي تُنتقى من كلام أهل العلم وحِكَمِهم ووصاياهم، وكذلك ما يُنتقى القصص والأخبار التي فيها عِبَرٌ وآيات، ولها تأثير على نفوس المتلقّين.
ومما يعين على تحسين الأسلوب الوعظي أيضاً: استخراجُ الفوائد السلوكية من الآيات ثم تضمينها في الرسالة في المواضع المناسبة.

الاقتصاد في الوعظ:
أسلوب الوعظ تحتاجه جميع النفوس بالقدر الذي يقيمها ولا يُملّها، وينفعها ولا يضرّها؛ فإن النفس إذا أهمل وعظها وتذكيرها أدركتها الغفلة وتسلط عليها الجهل والهوى، وإذا أُكثر عليها من الوعظ سئمت وأدبرت ولم تنتفع بالموعظة، ولذلك كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلّم وهدي أصحابه الاقتصاد في الوعظ والتذكير.
قال أبو وائل شقيق بن سلمة: كان عبد الله [بن مسعود] يذكّر الناس في كل خميس؛ فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم؟
قال: (أما إنه يمنعني من ذلك أني أكرَهُ أن أُمِلَّكُم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بها، مخافة السآمة علينا). متفق عليه.

المخاطَبون بأسلوب الوعظ:
أسلوب الوعظ يناسب العامّة والخاصّة:
- فإذا كان المفسّرُ يخاطب العامّة فلتكن موعظته ميسَّرة قريبة لأفهامهم، وليجتنب الإسهاب فيما لا يناسب أفهامهم من المسائل العلمية
.
-
وإذا كان يخاطب طلاب العلم وأهله؛ فليكن وعظه مبنياً على تحرير علمي حسن، وعناية بتقرير الفوائد السلوكية، وإفادة المخاطبين بما ينفعهم من النقول والتقريرات ولطائف الاستدلالات.

وقد تعرض للمفسّر مسألة يحتاج فيها إلى استخدام أسلوب التحرير العلمي في الرسالة الوعظية؛ فيكون تحريره على مرتبتين بحسب المتلقين:
1. فإذا كان التفسير موجهاً للعامّة فيكفي أن يذكر لهم الخلاصة في مسائل الخلاف القوي، وأما مسائل الخلاف الضعيف فالأولى أن لا يشير إليه إلا لفائدة عارضة.
2. وإذا كان التفسير موجهاً لطلاب العلم والدعاة والعلماء فيفصّل فيه بالقدر الذي يحتمله المقام، وقد يحتاج إلى التفصيل في بعض المسائل لدفع إشكال، أو بيان خطأ فهم شائع، أو بيان علّة قول مشتهر لا يصحّ، ونحو ذلك
من غير أن يخرج عن مقاصد الأسلوب الوعظي.

عناية العلماء بالأسلوب الوعظي العلمي في التفسير:
عناية العلماء بأسلوب الوعظ العلمي عناية ظاهرة بيّنة، وما كتبوه من الرسائل والفصول التفسيرية شاهد على ذلك، ومن أمثلة ما كُتب بالأسلوب الوعظي العلمي:2. رسالة في تفسير قول الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} لشيخ الإسلام ابن تيمية.

الأمثلة:
1.رسالة في تفسير قول الله تعالى: {وبشّر المؤمنين بأنَّ لهم من الله فضلاً كبيراً}
2. رسالة في تفسير قول الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب}

التطبيق:
- اكتب رسالة تفسيرية بالأسلوب الوعظيّ.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثالث, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir