2. فسّر قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} المجادلة
.
ينادى الله تعالى عباده المؤمنين بنداء الإيمان " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا" لأن الإيمان موجب للسماع والإنقياد، فهو سبحانه يناديهم ليربيهم روحيا ويهذبهم أخلاقيا، فقال لهم "إذا تناجيتم" إذ استدعى الأمر للمناجاة -وهى المساراة الكلامية- "فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرّسول" حتى لا تكون حالكم مثل الكفرة والمنافقين، إذ يتناجون بما فيه بذاءة القول وفاحشه، وبما فيه ظلم، وبما فيه عدم طاعة للرسول فى ما أمر به أو نهى عنه، ولما نهاهم عن هذه الحالة أذن لهم بالتناجى بما فيه خير فقال سبحانه: "وتناجوا بالبرّ والتّقوى" أى: بكل ما فيه خير وطاعة الله تعالى ورسوله –صلى الله عليه وسلم- فى أمرهما ونهيهما، ثم أمرهم سبحانه بتقواه مشيرا إلى موجبها فقال سبحانه: "واتّقوا اللّه الّذي إليه تحشرون" فيخبركم بجميع أعمالكم -دقها وجلها- وأقوالكم -علانيتها وسرها- الّتي أحصاها عليكم، وسيجزيكم بها، فالجنة جزاء المتقين ومآلهم.
ثمّ قال تعالى: "إنّما النّجوى من الشّيطان" فهو الدافع إليها بتسويله وتزينه لها "ليحزن الّذين آمنوا" لأجل أن يُوقع المؤمنين فى الغم والحزن، ويحصل الأذى والشحناء بينهم ولذ نهى الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن التناجى فقال: "إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجينّ اثنان دون صاحبهما، فإنّ ذلك يحزنه"، ولما بين لهم سبب هذه النجوى والدافع لها، بين لهم ضعف هذا الشيطان فقال سبحانه: " وليس بضارّهم شيئًا إلا بإذن اللّه" فالشيطان لا يخرج عن سلطان الله سبحانه وقدرته وأن الشيطان أو ما يزينه من التناجى بضار المؤمنين إلا بإذن الله ومشيئته سبحانه، ولذا أمرهم بقوله تعالى: "وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون" فعلى قدر الإيمان يكون التوكل، فكلما زاد إيمان العبد كلما زاد توكله على الله وثقته به، فمَن توكل على اللَّه كفاه أمر دينه ودُنياه، فإنه حافظه من كل ما يؤذيه أو يُسىء إليه.