دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 07:44 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أقسام الناس في العبادة والاستعانة

ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ فِي عِبَادَتِهِ وَاسْتِعَانَتِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
فَالْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ هُمْ لَهُ وَبِهِ، يَعْبُدُونَه وَيَسْتعينُونه.
وَطَائِفَةٌ تَعْبُدُه مِنْ غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ وَلاَ صَبْرٍ، فَتَجِدُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ تَحَرِّيًا لِلطَّاعَةِ وَالْوَرَعِ، وَلُزُومَ السُّنَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ تَوَكُّلٌ وَاسْتِعَانَةٌ وَصَبْرٌ، بَلْ فِيهِمْ عَجْزٌ وَجَزَعٌ.
وَطَائِفَةٌ فِيهِم اسْتِعَانَةٌ وَتَوَكُّلٌ وَصَبْرٌ، مِنْ غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ عَلَى الْأَمْرِ وَلاَ مُتَابَعَةٍ لِلسُّنَّةِ، فَقَدْ يُمْكِنُ أَحَدُهُمْ، وَيَكُونُ لَهُ نَوْعٌ مِنَ الحَالِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَيُعْطَى مِنَ المُكَاشَفَاتِ وَالتَّأْثِيرَاتِ مَا لَمْ يُعْطَهُ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ، وَلَكِنْ لاَ عَاقِبَةَ لَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَ المُتَّقِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى، فَالْأَوَّلُونَ لَهُمْ دِينٌ ضَعِيفٌ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَمِرٌّ بَاقٍ إِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ صَاحِبُهُ بِالْجَزَعِ وَالْعَجْزِ، وَهَؤُلاَءِ لِأَحَدِهِمْ حَالٌ وَقُوَّةٌ، وَلَكِنْ لاَ يَبْقَى لَهُ إِلاَّ مَا وَافَقَ فِيهِ الْأَمْرَ، وَاتَّبَعَ فِيهِ السُّنَّةَ.
وَشَرُّ الْأَقْسَامِ مَنْ لاَ يَعْبُدُهُ وَلاَ يَستعِينُه، فَهُوَ لاَ يَشْهَدُ أَنَّ عَمَلَهُ لِلَّهِ، وَلاَ أَنَّهُ بِاللَّهِ. فَالْمُعْتَزِلَةُ وَنَحْوُهُمْ مِنَ القَدَرِيَّةِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْقَدَرَ هُمْ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ خَيْرٌ مِنْ هَؤُلاَءِ الْجَبْرِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يُعْرِضُونَ عَنِ الشَّرْعِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَكِنْ فِيهِمْ مَنْ فِيهِ نَوْعُ بِدَعٍ مَعَ إِعْرَاضٍ عَنْ بَعْضِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، حَتَّى يَجْعَلُوا الْغَايَةَ هِيَ مُشَاهَدَةُ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْفَنَاءِ فِي ذَلِكَ، فَيَصِيرُونَ أَيْضًا مُعْتَزِلِينَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَسُنَّتِهِمُ، فَهُمْ مُعْتَزِلَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ البِدْعَةِ شَرًّا مِنْ بِدْعَةِ أُولَئِكَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَكِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ نَشَأَتْ مِنَ البَصْرَةِ.

  #2  
قديم 7 ذو الحجة 1429هـ/5-12-2008م, 04:21 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تقريب التدمرية للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

فَصْلٌ
والنَّاسُ في هذَا المقامِ مقامِ الشَّرْعِ والقَدَرِ أربعةُ أقسَامٍ:
الأوَّلُ: منْ حَقَّقُوا هذِهِ الأصُولَ الأربعةِ: أَصْلَي الشَّرْعِ، وأَصْلَي القدَرِ وهمُ المؤمنونَ المتَّقُونَ الذِي كانَ عندَهمْ منْ عِبادةِ اللهِ تعالى والإستعانةِ بهِ ما تَصْلُحُ بهِ أحْوَالُهُمْ، فكانُوا للهِ، وباللهِ، وفي اللهِ، وهؤلاءِ أَهْلُ القِسْطِ والعدْلِ الّذِينَ شَهِدُوا مقامَ الرُّبُوبيَّةِ والألوهيَّةِ، وهمْ أعلى الأقسامِ فإنَّ هذَا مقامُ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عليهمْ منَ النبيِّنَ والصِّدِّيقينَ، والشهداءِ، والصالحين.

الثَّاني: منْ فاتَهُمُ التَّحْقِيقُ في أَصْلَي القَدَرِ فكانَ عندَهمْ منْ عِبادةِ اللهِ تعالى والاستقامةِ في شرْعِهِ ما عندَهمْ، لكنْ ليسَ عندَهمْ قوَّةٌ في الاستعانةِ باللهِ والصَّبْرِ على أحكامِهِ الكونيَّةِ والشَّرْعِيَّةِ، فيُصيبُهُمْ عندَ العَمَلِ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ ما يَمنعُهُمْ منَ العَمَلِ أو إكمالِهِ، ويَلحقُهُمُ بعدَ العَمَلِ مِنَ العُجْبِ والفَخْرِ ما قدْ يكونُ سبباً لِحُبُوطِ عملِهِمْ وخُذلانِهِمْ، وهؤلاءِ أضْعَفُ ممَّنْ سَبَقهمْ وأدْنى مقاماً وأقلُّ عدْلاً، لأنَّ شهودَهُمْ مقامَ الإِلهيَّةِ غالبٌ على شهودِ مقامِ الرُّبُوبيَّةِ.

الثَّالِثُ: مَنْ فاتَهُمُ التَّحْقِيقُ في أصْلَي الشَّرْعِ فكانُوا ضُعَفَاءَ في الاستقامَةِ على أَمْرِ الله تعالى ومتابَعةِ شَرْعِهِ، لكنْ عندَهمْ قوةٌ في الاستعانةِ باللهِ والتوكُّلِ عليْهِ، ولكنْ قدْ يكونُ ذلكَ في أمورٍ لا يُحبُّها اللهُ تعالى ولاَ يَرضَاهَا فيُعانُ ويُمَكَّنُ لهُ بِقَدْرِ حَالِهِ، ويَحصُلُ لهُ منَ المكاشَفَاتِ والتأثِيرَاتِ ما لا يَحْصُلُ للقِسْمِ الّذي قَبْلَهُ، لكنْ ما يَحصُلُ لهُ منْ هذهِ الأمورِ يكونُ منْ نصيبِ العاجِلَةِ الدُّنْيَا أمَّا عاقبتُهُ فعاقِبةٌ سيِّئةٌ، لأَنَّهُ ليسَ مْنَ المتَّقِينَ وإنَّمَا العاقبةُ للمتَّقِينَ قالَ اللهُ تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ*لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)([1]). فاللهُ تعالى يَعلَمُ أنَّ هؤلاءِ سيُشرِكونَ بعدَ أنْ يُنجِّيَهِمْ لكنْ لما كانُوا في البحْرِ كانُوا مخْلِصِينَ في دعائِهمُ اللهَ تعالى أنْ يُنَجِّيهُمْ صادقينَ في تفويضِ الأمرِ إليهِ حَصَلَ مُرَادُهُمْ، ولَمَّا لمْ يكُنْ لهمْ عِبادةٌ لمْ يَستقِمْ أمْرُهُمْ وكانَ عاقبةُ أمرهِمْ خُسْراً.

فالفَرْقُ بينَ هؤلاءِ وبيْنَ القِسْمِ الذينَ قَبْلَهُمْ أنَّ الذينَ قبلهُمْ كانَ لهمْ دِينٌ ضعيفٌ لِضَعْفِ استعانَتِهِمْ باللهِ وتوكُّلِهِمْ عَلَيْهِ، لكنَّهُ مستمِرٌّ باقٍ إنْ لم يُفسِدْهُ صاحِبُهُ بالعَجْزِ والجَزَعِ. وهؤلاءِ لهمْ حالٌ وقوةٌ لكنْ لا يَبْقى لهمْ إلا ما وافَقُوا فيهِ الأمْرَ واتَّبَعُوا فيهِ السُّنَّةَ.

القِسْمُ الرَّابِعُ: مَنْ فاتَهُمْ تحقيقُ أَصْلَي الشَّرعِ، وأَصْلَي القَدَرِ فليسَ عندَهُمْ عِبادةٌ للهِ تعالى، ولاَ استعانةٌ بهِ، ولاَ لجوءٌ إليهِ عندَ الشِّدَّةِ فهمْ مستكبرونَ عنْ عِبادةِ اللهِ مُستغنونَ بأنفسِهِمْ عنْ خالقِهِمْ، ورُبَّمَا لَجَئُوا في الشَّدائِدِ وإدْرَاكِ مطالِبِهِمْ إلى الشَّياطِينَ فأطاعُوهَا فِيمَا تُريدُ وأعانَتْهُمْ فيمَا يُريدونَ فيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ هذَا مِنْ بابِ الكراماتِ، وهوَ منْ بابِ الإِهاناتِ لأنَّ عاقِبتَهُمُ الذُّلُّ والهوانُ وهذَا القِسْمُ شرُّ الأقسامِ.

([1]) سورة العنكبوت، الآيتان: 65، 66.

  #3  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 08:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التحفة المهدية للشيخ: فالح بن مهدي الدوسري


قولُه:
ثم إن الناسَ في عبادتِه واستعانتِهم به على أربعةِ أقسامٍ: فالمؤمنون المتَّقون هم له وبه، يَعبدونه ويَستعينونه وحدَه. وطائفةٌ تَعبدُه من غيرِ استعانةٍ ولا صبرٍ فتَجدُ عندَ أحدِهم تَحَرِّياً للطاعةِ والورَعِ ولزومِ السنَّةِ، ولكن ليس لهم توكُّلٌ ولا استعانةٌ ولا صبرٌ بل فيهم عجْزٌ وجزَعٌ. وطائفةٌ: فيهم استعانةٌ وتوكُّلٌ وصبرٌ من غيرِ استقامةٍ على الأمْرِ ولا متابعةٍ للسنَّةِ، فقد يُمَكَّنُ أحدُهم ويكونُ له نوعٌ من الحالِ باطناً وظاهراً، ويُعطَى من المكاشَفاتِ والتأثيراتِ ما لم يُعطَهُ الصِّنفُ الأوَّلُ ولكن لا عاقبةَ له، فإنه ليس من المتَّقين. والعاقبةُ للتقوى. فالأوَّلون لهم دينٌ ضعيفٌ ولكنه مستمِرٌّ باقٍ إن لم يُفسدْه صاحبُه بالجزَعِ والعجْزِ، وهؤلاءِ لأحدِهم حالٌ وقوَّةٌ، ولكن لا يَبقى له إلا ما وَافقَ فيه الأمْرَ واتَّبَعَ فيه السنَّةَ. وشرُّ الأقسامِ من لا يَعبدُه ولا يَستعينُه فهو لا يَشهدُ أن عمَلَه للهِ ولا أنه باللهِ.

الشرْحُ:

لما بيَّنَ المؤلِّفُ أنه لابدَّ في بابِ القدَرِ مع الصبرِ من عِبادةِ اللهِ والاستعانةِ به، وأن اللهَ قد قرَنَ بينَهما في مواضعَ عديدةٍ من كتابِه، وأن العِبادةَ لا تَستقيمُ ولا تَصحُّ إلا بالإخلاصِ والمتابَعةِ، ذَكَرَ بعدَ ذلك أن الناسَ في عِبادةِ اللهِ والاستعانةِ به أصنافٌ أربعةٌ:

أحدُها: وهو المحمودُ، مَن جَمَعَ بينَ عبادةِ اللهِ والاعتمادِ عليه فاستعانَ باللهِ واستقامَ على طاعتِه. وهؤلاءِ هم الذين حقَّقُوا قولَه تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وقوله سبحانَه: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} فاستعانوا به على طاعتِه وشَهِدُوا أنه إلهُهم الذي لا يَجوزُ أن يُعبدَ إلا إيَّاه، واعتَقَدوا أنه ربُّهم الذي ليس لهم من دونِه وليٌّ ولا شفيعٌ، وفَهِموا معنى قولِه تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} وقولُه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ} وقولُه: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}.

والثاني: مَن عندَه تَعبُّدٌ وورَعٌ وتَحَرٍّ لاتِّباعِ الشرْعِ ولكن عندَه إلى جانبِ ذلك ضَعْفٌ وخَوَرٌ فلا صبرَ له، وليس عندَه استعانةٌ باللهِ ولا توكُّلٌ عليه. وهؤلاءِ هم قومٌ يَنظرون إلى جانبِ الأمْرِ والنهيِ ويُشاهدون إلهيَّةَ الربِّ سبحانَه الذي أُمِروا أن يَعبدوه غيرَ ناظرين إلى جانبِ القضاءِ والقدَرِ والتوكُّلِ والاستعانةِ، فهم مع حُسنِ قصدِهم وتعظيمِهم لحُرُمَاتِ اللهِ ولشعائرِه يَغلبُ عليهم الضعْفُ والعجْزُ والخُذلانُ لأن الاستعانةَ باللهِ والتوكُّلَ عليه واللجأَ إليه هي التي تُقَوِّي العبدَ وتُيَسِّرُ عليه الأمورَ وقد فَقَدُوها، وإنما التوكُّلُ المأمورُ به ما اجتَمَعَ فيه مُقتضى التوحيدِ والعقلِ والشرْعِ وقد جاءَ وصْفُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه المتوكِّلُ كما في الحديثِ الذي رواه البخاريُّ ومسلِمٌ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو أن رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صِفتُه في التوراةِ إنا أَرسلناك شاهداً ومبَشِّراً ونذيراً، وحِرْزاً للأمِّيِّين، أنتَ عبدِي ورسولي، سَمَّيْتُك المتوكِّلَ ليس بفَظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخَّابٍ بالأسواقِ، ولا يَجزي بالسيِّئةِ السيِّئةَ، ولكن يَجزي بالسيِّئةِ الحسْنةَ ويَعفو ويَغفِرُ، ولن أَقبِضَه حتى أُقيمَ به الملَّةَ العوجاءَ فأَفتحُ به أعْيُناً عُمْياً، وآذاناً صُمًّا وقُلوباً غُلْفاً بأن يقولوا لا إلهَ إلا اللهُ) ولهذا رُوِيَ أن حملَةَ العرْشِ إنما أَطاقوا حملَه بقولِه: لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ. وفي صحيحِ البخاريِّ عن ابنِ عبَّاسٍ - رضِيَ اللهُ عنه - في قولِه: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالَها إبراهيمُ الخليلُ حين أُلقِيَ في النارِ وقالَها محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قالَ لهم الناسُ إن الناسَ قد جَمَعوا لكُم فاخشَوْهُم، وحينئذٍ فأَهلُ العِبادةِ والاستعانةِ باللهِ هم المؤمنون المتَّقُون حقًّا.

والثالثُ: مَن عندَه استعانةٌ باللهِ وتوكُّلٌ عليه وعدَمُ جزَعٍ، ولكن ليس عندَه استقامةٌ على طاعةِ اللهِ، بل هو معرِضٌ عن أوامرِه ومرتكِبٌ لنواهيه مشاهدٌ لربوبيَّةِ الحقِّ غيرُ ناظرٍ إلى حقيقةِ أمرِه ونهيِه ورضاه وغضبِه، وهذا حالُ كثيرٍ من المتصوِّفةِ، وقولُه: (فقد يُمَكَّنُ أحدُهم ويكونُ له نوعٌ من الحالِ باطناً وظاهراً ويُعطَى من المكاشَفاتِ والتأثيراتِ ما لم يُعطَه الصِّنفُ الأَوَّلُ ولكن لا عاقبةَ له فإنه ليس من المتَّقين والعاقبةُ للتَّقْوى) معناه: أن هذا الصِّنفَ من الناسِ قد يَحصُلُ له ما لا يَحصُلُ للصِّنفِ الثاني، من العلْمِ بالكونيَّاتِ والقدْرةِ على التأثيرِ فيها بالحالِ والقلبِ كالأحوالِ الفاسدةِ من العينِ والسحْرِ، وكالاطِّلاعِ على سيئاتِ العِبادِ، وركوبِ السِّباعِ، والاجتماعِ بالجنِّ والمشيِ على الماءِ وأمثالِ ذلك، وكثيرٌ من هؤلاءِ يَبْنُون أحوالَهم على مناماتٍ وأذواقٍ وخيالاتٍ يَعتقدونها كشْفاً، وهي خيالاتٌ غيرُ مطابِقةٍ، وأوهامٌ غيرُ صادقةٍ {إِن يَّتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}. وهؤلاءِ كثيراً ما يُسلَبون أحوالَهم، وقد يَعودون بأنواعٍ من المعاصي والفسوقِ، بل كثيرٌ منهم يَرتدُّ عن الإسلامِ لأن العاقبةَ للتقوى ومن لم يَقِفْ عندَ أمْرِ اللهِ ونهيِه فليس من المتَّقين، فهم يَقعون في بعضِ ما وَقعَ المشرِكون فيه، تارةً في بدعةٍ يَظنُّونها شِرْعةً، وتارةً في الاحتجاجِ بالقدَرِ على الأمْرِ، واللهُ تعالى لما ذكَرَ ما ذمَّ به المشركين في سورةِ الأنعامِ ذكَرَ ما ابْتَدَعُوه من الدِّين وجَعلُوه شِرعةً كما قالَ تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}.

واعلمْ أن الكشفَ والتأثيرَ منه ما هو محمودٌ نافعٌ ومنه ما هو مذمومٌ ضارٌّ كما أنهما قد يَقعان للمؤمنِ الطائعِ وقد يقعان للمنافقِ والفاجرِ. فالأوَّلُ: هو علْمُ الدِّينِ والعمَلُ به والأمْرُ بِهِ بأن يُؤتَى الإنسانُ من علْمِ الدِّينِ والعملِ به ما يَستعملُ به الكشْفَ والتأثيرَ الكونيَّ بحيثُ تَقَعُ الخوارقُ الكونيَّةُ تابعةً للأوامرِ الدِّينيَّةِ، أو أن تُخرقَ له العادةُ في الأمورِ الدِّينيَّةِ بحيثُ يَنالُ من العلومِ الدِّينيَّةِ ومن العملِ بها ومن الأمْرِ بها، ومن طاعةِ الخلْقِ فيها ما لم يَنلْه غيرُه في مُطَّرَدِ العادةِ، فهذا أعظمُ الكراماتِ والمعجزاتِ وهو حالُ نبيِّنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكرٍ الصدِّيقِ وعمرَ بنِ الخطَّابِ وأمثالِهم من المؤمنين المتَّقين.
والثاني: كمخاطبةِ الشياطين، للمستغيثِ بغيرِ اللهِ من غائبٍ وميِّتٍ وقضائِهم حوائجَهم ودفعِهم عنهم بعضَ ما يضرُّهم فيظُنُّ أحدُهم أن الوليَّ أو الميِّتَ هو الذي فَعلَ ذلك. فيقول أحدُهم هذا سرُّ المسْتَغاثُ به وحالُه وإنما هو الشيطانُ تَمثَّلَ به ليُضِلَّ المشرِكَ المستغيثَ به فقد تَدخُلُ الشياطينُ في الأصنامِ وتُكلِّمُ عابديها وتَقضي بعضَ حوائجَهم كما كان ذلك في أصنامِ مشركي العربِ قالَ الشيخُ - رَحِمَه اللهُ -: (ومن هؤلاءِ من يأتي إلى قبرِ الشيخِ الذي يُشركُ به ويَستغيثُ به، فيَنزلُ عليه من الهواءِ طعامٌ أو نفقَةٌ أو سلاحٌ أو غيرُ ذلك مما يَطلبُه فيظُنُّ ذلك كرامةَ شيخِه وإنما ذلك كلُّه من الشياطينِ، وهذا من أعظمِ الأسبابِ التي عُبِدَتْ بها الأوثانُ).

وقولُه: (فالأوَّلون لهم دينٌ ضعيفٌ ولكنه مستمِرٌّ باقٍ إن لم يُفسِدْه صاحبُه بالجزَعِ والعجْزِ، وهؤلاءِ لأحدِهم حالٌ وقوَّةٌ ولكن لا يَبقى له إلا ما وافَق فيه الأمْرَ واتَّبَعَ فيه السنَّةَ) يعني أن الصِّنفَ الثاني وهو من عندَه عِبادةٌ وليس له صبرٌ ولا استعانةٌ، له دينٌ ضعيفٌ ومع ضعفِه فهو باقٍ مستمِرٌّ إن لم يَغلِبْ على صاحبِه الكسَلُ والخمولُ وأما هذا الصِّنفُ فعندَه عمَلٌ وصبْرٌ ولكن لا يَبقى معه من أعمالِه إلا ما كان على مقْتَضى شرْعِ اللهِ الذي أَنزلَه في كتابِه وعلى لسانِ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ).

والرابعُ: وهو شرُّ الأصنافِ من يُعرضُ عن عِبادةِ اللهِ والاستعانةِ به فلا يُلاحِظُ أنه خُلِقَ لعبادةِ اللهِ، ولا يُدركُ أنه لا حوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، في حينِ أن العِبادةَ هي الغايةُ التي خُلقَ الجنُّ والإنسُ من أجْلِها، فالعبدُ لا يكونُ مطيعاً لله ورسولِه فضلاً أن يكونَ من خواصِّ أوليائِه المتَّقين إلا بفعلِ ما أُمِرَ به وترْكِ ما نُهِيَ عنه، وفي حينِ أن العبدَ عاجزٌ عن الاستقلالِ في جَلْبِ مصالِحِه ودفْعِ مضارِّه ولا مُعينَ له على مصالِحِ دينِه ودنياه إلا اللهُ عزَّ وجلَّ؛ فمن أَعانَه اللهُ فهو المعانُ ومن خذَلَه فهو المخذولُ وهذا تحقيقُ معنى لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ فالعبدُ محتاجٌ إلى الاستعانةِ باللهِ في فعْلِ المأموراتِ وترْكِ المحذوراتِ والصبرِ على المقدوراتِ كلِّها، فالصبرُ واجبٌ على المؤمنِ حتْماً وفي الصبرِ خيرٌ كثيرٌ، فإن اللهَ أمَرَ به ووَعدَ عليه جزيلَ الأجرِ قالَ عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقالَ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَّأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.

قولُه:

فالمعتزِلةُ ونحوُهم من القدَريَّةِ، الذين أَنكَروا القدَرَ هم في تعظيمِ الأمْرِ والنهيِ والوعدِ والوعيدِ خيرٌ من هؤلاءِ الجبريَّةِ القدَريَّةِ، الذين يُعرضون عن الشرْعِ والأمْرِ والنهيِ، والصوفيَّةُ هم في القدَرِ ومشاهدةِ توحيدِ الربوبيَّةِ خيرٌ من المعتزِلةِ ولكن فيهم من فيه نوعُ بدَعٍ، مع إعراضٍ عن بعضِ الأمْرِ والنهيِ والوعدِ والوعيدِ، حتى يَجْعلوا الغايةَ هي مشاهدةُ توحيدِ الربوبيَّةِ والفناءُ في ذلك ويَصيرون أيضاً معتزِلةً لجماعةِ المسلمين وسنَّتِهم، فهم معتزِلةٌ من هذا الوجْهِ، وقد يكونُ ما وَقعوا فيه من بدعةٍ شرًّا من بدعَةِ أولئك المعتزِلةِ، وكِلتا الطائفتين نَشأتْ من البصرةِ.

الشرْحُ:

يقولُ الشيخُ: إذا عُرفَ كلُّ ما تَقدَّمَ من التفصيلِ في بحثِ القدَرِ فليُعلَمْ أن القدَريَّةَ المعتزِلةَ وهم نُفاةُ القدَرِ هم من جهةِ تعظيمِ أوامرِ اللهِ ونهيِه واحترامِ وعدِ اللهِ ووعيدِه أفضلُ من القدَريَّةِ المجبِّرَةِ وهم الذين يَغلون في إثباتِ القدَرِ حتى يَسلبوا العبدَ قُدرتَه واختيارَه كما سَبقَ بيانُ ذلك. فإن المجبِّرَةَ بسلْبِهم قدرةَ العبدِ واختيارَه لم يُعظِّموا شرْعَ اللهِ ووعدَه ووعيدَه بل أَعرضوا عن ذلك، وهؤلاءِ الصوفيَّةُ المجبِّرَةُ هم من جهةِ ملاحظتِهم القضاءَ والقدَرَ وعمومَ المشيئةِ أفضلُ من أولئك المعتزِلةِ حيث قالوا إن العبدَ يَخلُقُ أفعالَ نفسِه على أن في الصوفيَّةِ المجبِّرَةِ من هو مُتَلَبِّسٌ بشيءٍ من البدَعِ، وفيه إعراضٌ عن بعضِ أوامرِ اللهِ ونهيِه، وعدمُ اكثراثٍ بوعيدِه حتى يَصلَ بهم الحالُ إلى أن يَجعلوا مشاهدةَ الربوبيَّةِ العامَّةِ والاستغراقَ في ملاحظتِها هو الغايةُ المطلوبةُ من توحيدِ اللهِ، وبهذا يكونون بمنأى عن جماعةِ المسلمين وفي حيِّزٍ عن شرْعِ اللهِ ويَنطبقُ عليهم بهذا الاعتبارِ وصْفُ المعتزِلةِ، على أن بدعتَهم قد تكونُ أشنعَ وأَخبثَ من بدعَةِ القدَريَّةِ المعتزِلةِ! وكلٌّ من نُفاةِ القدَرِ والمحتجِّين به كان منشؤُهم ومُنطلَقُ بدعتِهم هو البصرةَ بالعراقِ.

  #4  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 08:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


أقسامُ الناسِ في عِبادةِ اللهِ واستعانتِه
قولُه: ( ثم إنَّ الناسَ في عِبادتِه واستعانتِه على أربعةِ أَقْسَامٍ:
فالمؤمنون الْمُتَّقُونَ: هم له وبه، يَعْبُدونَه ويَستعينونَه وَحْدَه.

وطائفةٌ تَعْبُدُه من غيرِ استعانةٍ ولا صَبْرٍ، فتَجِدُ عندَ أحدِهم تَحَرِّيًا للطاعةِ والوَرَعِ ولُزومِ السُّنَّةِ، ولكن ليس لهم تَوَكُّلٌ ولا استعانةٌ ولا صَبْرٌ، بل فيهم عَجْزٌ وجَزَعٌ.

وطائفةٌ فيهم استعانةٌ وتَوَكُّلٌ وصَبْرٌ، من غيرِ استقامةٍ على الأمْرِ، ولا متابَعَةٍ للسُّنَّةِ، فقد يُمَكَّنُ أحدُهم، ويكونُ له نوعٌ من الحالِ باطنًا وظاهِرًا، ويُعْطَى من الْمُكاشَفاتِ والتأثيراتِ ما لم يُعْطَهُ الصِّنْفُ الأوَّلِ، ولكن لا عَاقِبَةَ له، فإنه ليس من الْمُتَّقِينَ والعاقِبَةُ للتَّقْوَى، فالأوَّلون: لهم دِينٌ ضعيفٌ، ولكنه مُسْتَمِرٌّ باقٍ، إن لم يُفْسِدْه صاحبُه بالْجَزَعِ والعَجْزِ، وهؤلاءِ لأحدِهم حالٌ وقُوَّةٌ، ولكن لا يَبْقَى له إلا ما وَافَقَ فيه الأمْرَ، واتَّبَعَ فيه السُّنَّةَ.
وشَرُّ الأقسامِ مَن لا يَعْبُدُه ولا يَسْتَعِينُه، فهو لا يَشْهَدُ أنَّ عَمَلَه للهِ، ولا أنه باللهِ).

التوضيحُ

بعدَ أن قَرَّرَ شيخُ الإسلامِ أصْلَي العِبادةِ والاستعانةِ يُبَيِّنُ هنا أنَّ أحوالَ الناسِ تُجاهَ هذين الأصلَيْنِ لا تَخْلُو من أربعةِ أقسامٍ: فإمَّا أنْ يَأْتُوا بهما أو بالعِبادَةِ فقط أو بالاستعانةِ فقط أو يَتْرُكُوهما جميعًا، وتفصيلُها كما يَلِي:

القِسمُ الأوَّلُ: مَن حَقَّقُوا هذين الأصلَيْنِ، وهم أهلُ الإيمانِ والتَّقْوَى وأَتْبَاعُ الرسُلِ.

القِسمُ الثاني: مَن يَغْلِبُ عليهم التأَلُّهُ والتَّعَبُّدُ من غيرِ استعانةٍ، فيَكْثُرُ فيهم الْجَزَعُ مما يُصيبُه والْحُزْنُ مما يَفُوتُه، كما قالَ تعالى: { إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} أي:كثيرَ الأَسَى وقليلَ الصبْرِ، فهذا القِسْمُ مُتَحَرِّي للوَرَعِ والسُّنَّةِ لكنه لم يَعْرِفْ سبيلَ الْحَقِّ.

القِسمُ الثالثُ: مَن يَغْلِبُ عليهم الاستعانةُ والتوكُّلُ وتعظيمُ القَدَرِ، ولكن من غيرِ استقامةٍ على الشرْعِ، وهذا حالُ كثيرٍ من الْمُتَصَوِّفَةِ مِمَّنْ يَشْهَدُون الحقيقةَ الكونيَّةَ مع انحلالِهم في الحقيقةِ الشرْعيَّةِ، وقد يَحْصُلُ لهم بعضُ الْمُكاشَفاتِ والتأثيراتِ ما لم يَحْصُلْ للقِسمِ الثاني، ولكن لا عاقِبَةَ لهم فإنَّ العاقِبَةَ للمُتَّقِينَ، والقِسمُ السابقُ لهم دِينٌ لكنه ضَعيفٌ لعَدَمِ استعانتِهم لكنه مُسْتَمِرٌّ، وهؤلاءِ لهم مُكاشَفاتٌ وأحوالٌ لكن لا يَبْقَى لهم إلا ما وَافَقُوا فيه السُّنَّةَ كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".

الكَشْفُ والتأثيرُ: هي الْخَوارِقُ ومنها ما هو مَحمودٌ فتكونُ كَرَامَةً، ومنها ما هو مذمومٌ فتكونُ اسْتِدْرَاجًا.

القِسمُ الرابعُ: وهم شَرُّ هذه الأقسامِ مَن لا يَعْبُدُه ولا يَستعينُه فلا يَشْهَدُ أنَّ عَمَلَه تَعَبُّدًا للهِ ولا أنه بإعانةِ اللهِ.

مُقارَنَةٌ بينَ مَنْ يَضِلُّ في القدَرِ ومَن يَضِلُّ في الشرْعِ
قولُه: ( فالمُعتَزِلَةُ ونحوَهم من القَدَرِيَّةِ الذين أَنْكَرُوا القَدَرَ، هم في تعظيمِ الأمْرِ والنهيِ والوعْدِ والوَعيدِ: خيرٌ من هؤلاءِ الْجَبْرِيَّةِ القدَرِيَّةِ، الذين يُعْرِضون عن الشرْعِ والأمْرِ والنهيِ. والصوفيَّةُ: هم في القدَرِ ومشاهَدَةِ توحيدِ الربوبيَّةِ خيرٌ من المُعتَزِلَةِ، ولكن فيهم مَن فيه نوعُ بِدَعٍ، مع إعراضٍ عن بعضِ الأمْرِ والنهيِ، والوَعْدِ والوَعيدِ، حتى يَجعلوا الغايةَ هي مُشاهَدَةَ توحيدِ الربوبيَّةِ والفَناءَ في ذلك، ويَصِيرُونَ أيضًا مُعْتَزِلِينَ لجماعةِ المسلمينَ وسُنَّتِهم، فهم مُعتَزِلَةٌ من هذا الوجهِ. وقد يكونُ ما وَقَعُوا فيه من البِدْعَةِ شَرًّا من بِدعَةِ أولئك المُعتَزِلَةِ، وكِلْتَا الطائفتينِ نَشَأَتْ في البَصرَةِ).

التوضيحُ

بعدَ أن بَيَّنَ شيخُ الإسلامِ أصولَ الشرْعِ وأصولَ القدَرِ ومن ضَلَّ في هذين البابَيْنِ، يُقارِنُ هنا بينَ المُعتَزِلَةِ القدَرَيَّةِ النافينَ للقَدَرِ، والصوفيَّةِ الْجَبريَّةِ الْمُعْرِضِينَ عن الشرْعِ، فيقولُ إنَّ المُعتَزِلَةَ ونحوَهم من نُفاةِ القَدَرِ خيرٌ من الصوفيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ من جِهةِ تعظيمِهم للأمْرِ والنهيِ والوعْدِ والوَعيدِ، والصوفيَّةَ الجبْرِيَّةَ خيرٌ من المُعتَزِلَةِ القدَرِيَّةِ من جِهةِ تعظيمِهم للقدَرِ وتحقيقِهم للربوبيَّةِ، ولكنْ فيهم أنواعٌ من البِدَعِ وإعراضٌ عن الشرْعِ؛لأنهم يَجعلونَ الغايةَ هي مُشاهَدَةَ الربوبيَّةِ والفَناءَ فيه كما سَبَقَ، فيَعْتَزِلون جماعةَ المسلمينَ فهم مُعتَزِلَةٌ من هذا الوجهِ، فبمجموعِ هذه البِدَعِ يكونُ هؤلاءِ شَرًّا من المُعتَزِلَةِ كما سَبَقَ مُسْتَوْفًى، وكِلْتَا الطائفتينِ نَشَأَتْ من البَصرةِ فبِدْعَةُ التصوُّفِ نَشأَتْ على يدِ بعضِ البَصْرِيِّينَ، وبِدْعَةُ المُعتَزِلَةِ نَشأَتْ على يدِ واصلِ بنِ عطَاءٍ في البَصرَةِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أقسام, الناس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir