دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 11 رجب 1443هـ/12-02-2022م, 10:38 AM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

قول عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).
ورد لفظ اللغو في آيتين في القرآن هما:
قال الله تعالى: لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225]
و قال تعالى(لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)سورة المائدة
و لبيان معنى اللغو و الأقوال فيه و الترجيح بينها، نحتاج إلى الجمع بين الآيتين و بيان مسائل تتعلق بذلك:
أولًا: المسائل التفسيرية
1- معنى يؤاخذكم: والمُؤاخَذَةُ: هي التَناوُلُ بِالعُقُوبَةِ.: قاله ابن عطية.
2- المراد بلا يؤاخذكم: لا يلزم من الإيمان الذي وصفه اللغو كفارة في العاجل و لا عقوبة في الآجل.
3- معنى اللغو في اللغة
اللغو في كلام العرب ما أطرح ولم يعقد عليه أمر، ويسمّى ما ليس معتدّا به - وإن كان موجودا - لغوا. قاله الزجاج و استشهد بالبيت:
أو مائة تجعل أولادها=لغوا وعرض المائة الجلم
و"اللغو" من الكلام في كلام العرب، كلّ كلام كان مذمومًا وسَقَطًا لا معنى له مهجورًا، قاله ابن جرير و قال مثله ابن عطية و أضاف أنه سقط الكلام الذي لا حكم له.
4- الحكمة من استخدام لفظ ( اللغو)، يعود ذلك للمعنى اللغوي؛ أنه السقط من الكلام، قال ابن عطية أنه من التشبيه :فما لا حُكْمَ لَهُ مِنَ الأيْمانِ تَشْبِيهًا بِالسَقْطِ مِنَ القَوْلِ، يُقالُ مِنهُ: لَغا يَلْغُو لَغْوًا، ولَغِيَ يَلْغِي لَغْيًا.
5- المراد باللغو في الآية( سيأتي ذكره و تفصيله لاحقًا).
6- ما هي مواطن لغو الإيمان: عن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: أيمان اللغو، ما كان في الهزل والمراء والخصومة، والحديث الذي لا يعتمد عليه القلب.

الأقوال في مسألة المراد بلغو الإيمان::
1- هو قَوْلُ الرَّجُلِ: لا واللَّهِ، وبَلى واللَّهِ“.، قاله كلًا من: عائشة رضي الله عنها، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وابْنِ عَبّاسٍ في أحَدِ أقْوالِهِ، والشَّعْبِيِّ، وعِكْرِمَةَ في أحَدِ قَوْلَيْهِ وعَطاءٍ، والقاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وأبِي قِلابَةَ، والضَّحّاكِ في أحَدِ قَوْلَيْهِ وأبِي صالِحٍ، والزُّهْرِيِّ، نَحْوُ ذَلِكَ، ذكر ذلك عنهم ابن أبي حاتم في تفسيره.
2- هو الشَّيْءُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ أحَدُكُمْ، لا يُرِيدُ مِنهُ إلّا الصِّدْقَ، فَيَكُونُ عَلى غَيْرِ ما حَلَفَ عَلَيْهِ، هذا القول الثاني لعائشة رضي الله عنها و ورُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، وابْنِ عَبّاسٍ في أحَدِ قَوْلَيْهِ، وسُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٍ في أحَدِ قَوْلَيْهِ والحَسَنِ، وإبْراهِيمَ، وزُرارَةَ بْنِ أوْفى، وأبِي مالِكٍ، وعَطاءٍ الخُراسانِيِّ، وبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وأحَدِ قَوْلَيْ عِكْرِمَةَ، وحَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ، والسُّدِّيِّ، ومَكْحُولٍ، ومُقاتِلٍ، وطاوُوسٍ، وقَتادَةَ، والرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ، ويَحْيى بْنِ سَعِيدٍ، ورَبِيعَةَ، نَحْوُ ذَلِكَ، ذكر ذلك عنهم ابن أبي حاتم في تفسيره.
3- الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلى المَعْصِيَةِ، يَعْنِي: ألّا يُصَلِّيَ، ولا يَصْنَعَ الخَيْر، رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر.
روى ابن جرير في تفسيره علة من قال هذا القول عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله ﷺ قال: من نذر فيما لا يملك فلا نذر له، ومن حلف على معصية لله فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رَحِمٍ فلا يمينَ له"
و أيضًا ما رواه ان جرير عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: من حلف على يمينِ قطيعةِ رحم أو معصية لله، فبِرُّه أن يحنَث بها ويرجع عن يمينه.
4- هو الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلى الشَّيْءِ، ثُمَّ يَنْسى، رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم عَنْ إبْراهِيمَ.
5- هو قَوْلُ الرَّجُلِ: أعْمى اللَّهُ بَصَرِي إنْ لَمْ أفْعَلْ كَذا وكَذا أخْرَجَنِي اللَّهُ مِن مالِي، إنْ لَمْ آتِكَ غَدًا، رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم في تفسيرهما عن زَيْدِ بْنِ أسْلَم.
6- كل يمين وصَل الرجل بها كلامه، على غير قصدٍ منه إيجابَها على نفسه، روى ابن جرير في تفسيره عن عائشة و إبراهيم و مجاهد ما يفيد هذا المعنى.
7- روى ابن جرير في تفسيره عن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: أيمان اللغو، ما كان في الهزل والمراء والخصومة، والحديث الذي لا يعتمد عليه القلب.
وعلة من قال هذا القول من الأثر، ما رواه ابن جرير في تفسيره عن الحسن بن أبي الحسن قال: مرَّ رسول الله ﷺ بقوم ينتضلون - يعني: يرمون - ومع النبي ﷺ رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم فقال: أصبت والله، وأخطأت! فقال الذي مع النبي ﷺ: حنث الرجل يا رسول الله! قال: كلا أيمان الرُّماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة.
8- أنْ تُحَرِّمَ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ فَذَلِكَ ما لَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ كَفّارَةٌ، رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس، و ذكر أنه روي مثله عن سعيد بن جبير.
9- لَغْوُ اليَمِينِ: أنْ تَحْلِفَ وأنْتَ غَضْبانٌ ،رواه ابن أبي حاتم عنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
قال ابن جرير: وعلة من قال هذه المقالة، ما:- حدثني به أحمد بن منصور المروزي قال، حدثنا عمر بن يونس اليمامي قال، حدثنا سليمان بن أبي سليمان الزهري، عن يحيى بن أبي كثير، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: لا يمين في غضب"
10- اللغو في الأيمان: ما كانت فيه كفارة.روى ما يفيد هذا المعنى ابن جرير عن ابن عباس و الضحاك.
تخريج قول عائشة رضي الله عنها: في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).
*هذا القول رواه ابن جرير في تفسيره عن ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألت عائشة عن لغو اليمين، قالت: هو"لا والله" و"بلى والله"، ما يتراجع به الناس.
*و قد اشتهرت روايات أخرى عن عائشة رضي الله عنها منها بلا زيادة ( ما يتراجع به الناس) و منها ما فيه زيادة أخرى، منها:
ما روي عن عائشة رضي الله (موقوفًا) دون زيادة ( ما يتراجع به الناس)، رواه البخاري في صحيحه (ت: 256هـ) ،الإمام مالك(179) في الموطأ، ابن جرير(311)، و ابن أبي حاتم(327)، أبي داود(275) في صحيحه ،البيهقي في سننه( 458)،و محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) في كتابه (عمدة القاري)، أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) في كتابه إرشاد الساري، من طريق هشام بن عروة.
*و رواه عن عائشة رضي الله ؛ أبو داود في سننه و ابن جرير في تفسيره من طريق عطاء.
*و روي عن عائشة رضي الله عنها بزيادة ( يصل بها كلامه)، رواها ابن جرير عن ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قالت:"لا والله" و"بلى والله"، يصل بها كلامه.
*و روي عن عائشة رضي الله عنها بزيادة (ليس مما عقَّدتم الأيمان)، رواه ابن جرير عن ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن عبد الملك، عن عطاء قال: دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين، قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"؟ قالت: هو"لا والله"، و"بلى والله"، ليس مما عقَّدتم الأيمان
*وروي سعيد بن منصور في سننه ( 227) و ابن جرير في تفسيره( 311) من طريق عبيد بن عمير، عن عائشة قولها: هو قول الرجل:"لا والله" و"بلى والله"، ما لم يعقد عليه قلبه.
*و روى مثله مسند أبي حنيفة رواية الحصكفي عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: " {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] قَالَتْ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، مِمَّا يَصِلُ بِهِ كَلَامَهُ، مِمَّا لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حَدِيثًا.
*هذه الروايات متقاربة المعنى و الزيادات فيها من البيان لمعنى ( قوله لا و الله و بلى و الله) بتفسير القرآن بالقرآن، أو ببيان حال المقسم.
*و روى ابن جرير في تفسيره، و البيهقي في سننه عن طريق هشام بن عروة أن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: أيمان اللغو، ما كان في الهزل والمراء والخصومة، والحديث الذي لا يعتمد عليه القلب.
*رُوي لعائشة رضي الله عنها قولًا آخر: هو الشَّيْءُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ أحَدُكُمْ، لا يُرِيدُ مِنهُ إلّا الصِّدْقَ، فَيَكُونُ عَلى غَيْرِ ما حَلَفَ عَلَيْه.
حكاه ابن أبي حاتم في تفسيره و البيهقي في سننه من طريق عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ، أنَّها كانَتْ تَتَأوَّلُ هَذِهِ الآيَةَ يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ﴾ في أيْمانِكم وتَقُولُ: هو الشَّيْءُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ أحَدُكُمْ، لا يُرِيدُ مِنهُ إلّا الصِّدْقَ، فَيَكُونُ عَلى غَيْرِ ما حَلَفَ عَلَيْ.
*و روى ابن أبي حاتم قريب منه: عن عِصامُ بْنُ رَوّادٍ، ثَنا آدَمُ، ثَنا شَبابَةُ، عَنْ جابِرٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: هو قَوْلُ: لا واللَّهِ، وبَلى واللَّهِ، وهو يَرى أنَّهُ صادِقٌ، ولا يَكُونُ كَذَلِكَ.
دراسة الأقوال في المراد (باللغو):
بالنظر إلى المعنى اللغوي ل( اللغو)، و معنى كسب في الجزء الثاني للآية (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225]، و قوله تعالى في سورة المائدة (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ[المائدة:89]
يتبين لنا أن الأقوال التي وردت عن السلف في المراد باللغو تعود لذلك، فالمعنى اللغوي ل( اللغو) :هو سقط الكلام الذي لا حكم له، و كلمة كسب تتضمن: إرادة الأمر، و السعي له، فمن أقسم دون إرادة القلب و عزمه، فهذا من اللغو الذي لا تنعقد عليه القلوب، كما يتبين من الآية الثانية.
لذا فهذه الروايات تعود لمعنى واحد هو إرادة القلب و حضوره و تعمده، و الزيادة في الروايات من بيان الأحوال التي يكون عليها المقسم؛ أن الأمر ليس عن قصد( ليس من كسب قلبه)، و لم ينعقد عليه القلب( تفسير القرآن بالقرآن)، قد يكون مما اعتاده لسانه، و قد يكون عن ظنه بصدقه و لا يكون، و من المواطن التي يكون فيها ؛ الهزل و المراء و الخصومة.

القول الثاني: عن ابْنِ عَبَّاسٍ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: ٤٨] قَالَ: مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ
المسائل التفسيرية:
1- القراءات:
- قراءة الجمهور: بالكسر للميم الثانية(مهيمِنا)؛ على وزن اسم الفاعل.
- "وَمُهَيْمِنًا" بفتح الميم الثانية،على وزن اسم المفعول، ذكرها الزجاج و نسبها لبعضهم، و قرأ بها ابن محيصن و مجاهد كما قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي في إتحاف فضلاء البشر، و مكي بن أبي طالب القيسي في الهداية إلى بلوغ النهاية.
و عقب الزجاج على هذه القراءة: وهي عربية ولا أحب القراءة بها، لأن الإجماع في القراءة على كسر الميم في قوله: (المؤمن المهيمن).
2- توجيه القراءات:
القراءة بالكسر: اسم فاعل، و يكون المهيمن هو القرآن .
قال السمين الحلبي في كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون : "وقرأ ابن محيصن ومجاهد: (ومُهَيْمَنا) بفتح الميم الثانية على أنه اسمُ مفعول، بمعنى أنه حوفظ عليه من التبديل والتغيير، والفاعل هو الله - تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، أو الحافظ له في كل بلد، حتى إنه إذا غُيِرت منه الحركةُ تنبَّه لها الناسُ، ورَدُّوا على قارئِها بالصواب، والضمير في {عَلَيْهِ} على هذه القراءة عائد على الكتاب الأول، وعلى القراءةِ المشهورة عائد على الكتاب الثاني.
و قال ابن عطية: قراءة الفتح توجه أن المؤتمن هو محمد صلى الله عليه و سلم.

3- المعنى اللغوي لكلمة ( مهيمن):
أ‌- مهيمن في معنى مؤتمن إلا أن الهاء بدل من الهمزة، والأصل مؤتمنا عليه كما قالوا: هرقت الماء، وأرقت الماء، وكما قالوا: إياك وهياك، وهو على مذهب العربية حسن وموافق لبعض ما جاء في التفسير، لأن معناه مؤتمن، قاله الزجاج، و قاله المبرد.
ب‌- أصله مؤيمن، فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة وهو على وزن مسيطر ومبيطر،ذكرهَ النحَّاسُ في كتابه معاني القرآن، و نسبه إلى أبو العباس محمد بن يزيد ، و ذكره العيني في عمدة القارئ، و نسبه للخطابي.
ت‌- أنه أصل بنفسه ليس مبدلاً من شيء وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب، يقال: هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن، قاله و اختاره ابن جرير في تفسيره، و ذكره النحاس و نسبه لأبوعبيد، و ذكره العيني في عمدة القارئ.
و من معاني التي يتضمنها المهيمن: الشّهيد والشّاهد، و الحفيظ، قاله كلًأ من مكي القيسي و العييني.
قال مكي القيسي: يقال للرجل إذا حفظ الشيء وشَهِدَه: " قد هَيْمَنَ، يُهَيْمِنُ هَيْمَنَةً "
ث‌- ذكر العيني قولًأ آخر نسبه إلى ابن قتيبة وآخرون: مهيمن مفيعل يعني بالتّصغير من أمين، قلبت همزته هاء.
و ذكر العيني أن ثعلب قد أنكر ذلك و قد وصل به الأمر إلى تكفير قائله، و حجته أن المهيمن اسم من أسماء الله الحسنى، فكيف تكون تصغير؟

4- الأقوال في مسألة( ما هو المقصود بالمهيمن) :
1- القرآن: قاله كلًا من ابن عباس، و قتادة، و سعيد بن جبير، ذكر ذلك عنهم ابن جرير و ابن أبي حاتم في تفسيريهما ، و قاله ابن جريج كما ذكر القسطلاني ، و ذكره العَيْنِيُّ في عمدة القارئ.
قال ابن جرير: {ومهيمنًا عليه} يقول: أنزلنا الكتاب الّذي أنزلناه إليك يا محمّد مصدّقًا للكتب قبله، وشهيدًا عليها أنّها حقٌّ من عند اللّه، أمينًا عليها، حافظًا لها.
2- محمد صلى الله عليه و سلم. روى ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريقِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ قالَ: محمد ﷺ، مؤتمنٌ على القرآن.

5- فائدة التنكير و التنوين: عظمة الهيمنة
6- إعراب مهيمنًا:
1- في موضع رفع على النيابة حالا من الكتاب، "المهيمن" عطفٌ على"المصدق"، فلا يكون إلا من صفة ما كان"المصدِّق" صفةً له، ذكره كلًأ من ابن جرير، و مكي القيسي في الهداية إلى بلوغ النهاية، و الدمياطي في إتحاف فضلاء البشر.
2- حالا من كاف إليك ، و نائب الفاعل ضمير مستتر يعود إليه -صلى الله عليه وسلم- والجمهور على كسرها اسم فاعل ) ذكره ابن جرير في تفسيره، و الدمياطي في (إتحاف فضلاء البشر)
و قد ذكره ابن جرير في معرض استنكار قول مجاهد أن المهيمن هو الرسول صلى الله عليه و سلم، و أن هذا القول ينبني عليه هذا الإعراب الذي هو بعيد في العربية، حيث قال : وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأ.
و قد بين مكي القيسي في (الهداية إلى بلوغ النهاية ) أسباب رد مقالة مجاهد:
من أجل الواو التي مع " مهيمن "، لأن الواو توجب عطفه على " مصدق "، و " مصدق " حال من الكتاب الأول، والمعطوف شريك المعطوف عليه، ولو كان حالاً من الكاف التي للنبي صلى الله عليه وسلم في {إِلَيْكَ}، لم يؤت بالواو، فالواو تمنع من ذلك، ولو تأول متأول أن {مُصَدِّقاً} حال من الكاف في {إِلَيْكَ}، {وَمُهَيْمِناً} عطف عليه، لَبَعُد ذلك، من أجل قوله: {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}، ولم يقل " يديك "الكاف التي هي اسم النبي صلى الله عليه وسلم، فهو المصدق للكتب المتقدمة، والمؤتمن على الكتاب، وهو القرآن.
عقب ابن عطية على ما قاله ابن جرير ، أنه أخطأ و ذلك لأن تفسير ابن جرير مبني على قراءته بالفتح ، مهيمَنًا ؛ على وزن اسم المفعول، حال من الكتاب، و معطوفة على قوله تعالى( مصدقًا) ، و و هذا توجيه أن المؤتمن عليه هو محمد صلى الله عليه و سلم.
و عقب ابن كثير على قول مجاهد أنه صحيح المعنى و لكن في تفسيره للآية فيه نظر، كما أنه من حيث العربية كذلك فيه نظر.

7- مرجع الضمير في عليه:
1- على القول أن المهيمن هو القرآن: فالضمير يعود على كل كتاب قبله، قاله ابْنِ عَبّاسٍ، ورُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٍ في أحَدِ الرِّواياتِ وعِكْرِمَةَ، وعَطِيَّةَ، وعَطاءٍ الخُراسانِيِّ، ومُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وقَتادَةَ، والسُّدِّيِّ، وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ نَحْوُ ذَلِكَ، ذكر ذلك عنهم ابن أبي حاتم في تفسيره.
2- على القول أن المهيمن هو محمد صلى الله عليه و سلم: فالضمير يعود على القرآن، روى ذلك ابن جرير في تفسيره عَنْ مُجاهِدٍ، و رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبِي نَجِيحٍ.

الأٌقوال في مسألة (المعنى المراد من ميهمنًا ):
1- شاهدًا: رواه ابن أبي حاتم و ابن جرير في تفسريهما عن ابن عباس، و رواه ابن جرير في تفسيره عن السدي.
2- مؤتمنًا عليه : رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، و رواه عبد حميد كما في فتح الباري لابن حجربن عباس.
3- الأمين: رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس، و ورُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، والحَسَنِ، وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وعَطاءٍ الخُراسانِيِّ أنَّهُ الأمِينُ، كما ذكر ابن أبي حاتم.
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) :وقال ابن جريج: القرآن أمين على الكتب المتقدمة فما وافقه منها فحق وما خالفه منها فهو باطل
يعود هذا القول للقول الأول.
4- مصدقًا: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن الحسن.
5- سَيِّدًا: رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس، و رُوي عن السدي كما ذكر ابن أبي حاتم .

تخريج قول ابن عباس في مسألة ( المعنى المراد من ميهمنًا) أنه مؤتمنًا عليه:
*رواه عبد الله بن وهب بن مسلم المصري(179) في تفسيره، و سعيد بن منصور(227) في سننه ، ابن جرير في تفسيره( 311)، ابن أبي حاتم في تفسيره (327) البيهقي(485) في الأسماء و الصفات من طريق أبي اسحق به.
و رواه عبد بن حميدٍ من طريق أربدة التّميمي عن بن عبّاس في قوله تعالى ومهيمنا عليه قال مؤتمنا عليه، كما في فتح الباري لابن حجر.

دراسة الأقوال في معنى ( ميهمنًا) و الترجيح بينها:
هذه الأقوال جميعًا تقع تحت معنى المهيمن اللغوي، و كل منها لازم الثاني، فأصل الهيمنة: الحفظ و الارتقاب، و إذا هيمن فلان على شيء؛ حفظه و شهد عليه و كان مؤتمنًا عليه.
و يجمع بين الأقوال كما قال ذلك و اختار كلًأ من: النحاس، ابن جرير، ابن عطية، و ابن كثير.
عقب ابن كثير: أن الأقوال متقاربة و اسم المهيمن يتضمنها .
عقب النحاس على الأقوال: هذه الأقوال كلها متقاربة المعاني لأنه إذا كان حافظا للشيء فهو مؤتمن عليه وشاهد.
و فصل ابن عطية في بيان المعنى فقال: ولَفْظَةُ المُهَيْمِنِ أخَصُّ مِن هَذِهِ الألْفاظِ؛ لِأنَّ المُهَيْمِنَ عَلى الشَيْءِ هو المَعْنِيُّ بِأمْرِهِ؛ الشاهِدُ عَلى حَقائِقِهِ؛ الحافِظُ لِحاصِلِهِ؛ فَلا يُدْخِلُ فِيهِ ما لَيْسَ مِنهُ؛ واللهُ - تَبارَكَ وتَعالى- هو المُهَيْمِنُ عَلى مَخْلُوقاتِهِ؛ وعِبادِهِ؛ والوَصِيُّ مُهَيْمِنٌ عَلى مَحْجُورِيهِ؛ وأمْوالِهِمْ؛ والرَئِيسُ مُهَيْمِنٌ عَلى رَعِيَّتِهِ؛ وأحْوالِهِمْ؛ والقُرْآنِ جَعَلَهُ مُهَيْمِنًا عَلى الكُتُبِ؛ يَشْهَدُ بِما فِيها مِنَ الحَقائِقِ؛ وعَلى ما نَسَبَهُ المُحَرِّفُونَ إلَيْها؛ فَيُصَحِّحُ الحَقائِقَ؛ ويُبْطِلُ التَحْرِيفَ؛ وهَذا هو شاهِدٌ ومُصَدِّقٌ ومُؤْتَمَنٌ وأمِينٌ؛ ومُهَيْمِنٌ؛ بِناءَ اسْمِ فاعِلٍ.

قول عبد الله بن الزبير: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} قال: سبيل الخلاء والبول

المسائل التفسيرية:
1- المعنى المراد ب( و في أنفسكم): على قولين: سبيل الخلاء و البول، و القول الثاني بالعموم؛ خلق الإنسان كله و خاصة ما يعينه على عبادة الله و طاعته، سيتم بإذن الله تناول المسألة بالتفصيل فيما يأتي.
2- المعنى اللغوي ل( أنفسكم): ذاتكم، شخصكم، قاله بن عطية و الألوسي
3- الحكمة من تقديم الجار و المجرور(في أنفسكم): و ذلك للإهتمام
4- نوع الاستفهام في( أفلا ): انكاري توبيخي، قاله ابن عطية
5- الحكمة من توجيه النظر للذات: لأن الإنسان أكثر المخلوقات التي فيها العبر، الإنسان؛ جسد به جوارح و حواس؛ قلب ، و ما يتصل به من أعضاء، عقل، و غيره، مما جعله الله للإنسان ليعينه على سعيه في الدنيا، و و روح لا يعلم أمرها إلا الله، و يظهر فيه بديع صنع الله و لطفه.، هذا مفهوم كلام ابن عطية في تفسيره..
6- المراد ب( تبصرون): البصر الذي يتضمن تدبرًا، عبر عنه ابن جرير فقال: أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه، فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم.
7- فائدة التعبير بلفظ (تبصرون): أن اللوم و العتاب على عدم تدبر أمور ظاهرة يبصرونها بأعيونهم، لا تخفى عليهم، و هذا فيه مزيد تقريع لهم.
8- متعلق تبصرون: الدليل على ربكم، و توحيده، مفهوم قول كلًا من ابن جرير و ابن عطية.

الأقوال في مسألة المعنى المراد من ( و في أنفسكم)
1- وفي سبيل الخلاء والبول في أنفسكم عِبرة لكم، ودليل لكم على ربكم، أفلا تبصرون إلى ذلك منكم روى ذلك ابن جرير بألفاظ متقاربة عن عبد الله ابن الزبير.
2- وفي تسوية الله تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالة لكم على أن خلقتم لعبادته. ، روى ذلك ابن جرير عن ابن زيد
و مفهوم ما قاله قَتَادَةُ: مَنْ تَفَكَّرَ فِي خَلْقِ نَفْسِهِ عَرَفَ أَنَّهُ إِنَّمَا خُلِقَ وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ لِلْعِبَادَةِ.ذكر ذلك عنه ابن كثير
3- القول بالعموم: كل ما في جسد الإنسان آيات لأولى الألباب، روى ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ قال: وفينا آيات كثيرة، هذا السمع والبصر واللسان والقلب، لا يدري أحد ما هو أسود أو أحمر، وهذا الكلام الذي يتلجلج به، وهذا القلب أيّ شيء هو، إنما هو مضغة في جوفه، يجعل الله فيه العقل، أفيدري أحد ما ذاك العقل، وما صفته، وكيف هو.

تخريج قول عبد الله بن الزبير: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} قال: سبيل الخلاء والبول
رواه ابن جرير(311) في تفسيره و البيهقي(458) في كتابه شعب الإيمان و كتابه الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث من طريق ابن جريج عنه.
رواه البيهقي (458) في كتابه شعب الإيمان قال أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو جعفر الرزاز، حدثنا أحمد بن الوليد الفحام، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن عبد الله بن الزبير: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} قال: سبيل الخلاء والبول
*و روي عنه بلفظ ( سبيل الغائط و البول) ؛ رواه سعيد بن منصور (ت ٢٢٧ هـ) في سننه، ابن أبي الدنيا(281) في كتابه (التواضع والخمول) و كتابه( الجوع)، و ابن جرير (311) في تفسيره، وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ كما في لدر المنثور للسيوطي، من طريق ابْنِ الْمُرْتَفِعِ عنه.
*و روى مثله السامري في كتابه (فضيلة الشكر لله على نعمته ) من طريق علي ابن طالب.
و القول الثاني( سبيل الغائط) هو من بيان معنى الخلاء؛ حيث أن الخلاء هو المكان، و يراد ما يفعل به.
الترجيح بين الأقوال في المراد ب( و في أنفسكم) :
االراجح و الله أعلم القول بعموم آيات الله في خلق الإنسان، التي تدل على وحدانيته و عظيم قدرته، حكمته، و أنه المستحق للعبادة وحده، و يدخل فيه تفسيره بسبيل الخلاء و البول و الجوارح التي تعينه على العبادة، و كلاهما جزء من المعنى المراد.
و هو مفهوم ما اختاره كلًأ من ابن جرير و ابن عطية و الزمخشري و السعدي.

قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).
لبيان نوع الشجرة الخبيثة نحتاج لدراسة بعض المسائل التفسيرية الخاصة بالآية:
﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِیثَةࣲ كَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارࣲ﴾ [إبراهيم ٢٦]
المسائل التفسيرية:
1- المراد بالشجرة: سيتم تناوله فيما بعد.
2- معنى الكلمة : مطلقة على القول و الكلام: قاله ابن عاشور، و استدل بالآية: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ﴾ [إبراهيم: ٢٧]،
3- المشبه: الشِّركَ بالله، قاله ابن جرير و ابن كثير و ابن عاشور الذي فصل فقال: تَعالِيمُ أهْلِ الشِّرْكِ وعَقائِدِهِمْ
4- المشبه به : الكافر و استعير له الشجرة الخبيثة
5- وجه الشبه في الخبث: أن كفر الكافر لا أصل له و ليس عن يقين ثابت، كما شجرة الحنظل، مفهوم كلام ابن عطية و كلام ابن كثير.
روى ابن جرير عن ابن عباس قوله(ن ابن عباس قوله: ﴿ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار﴾ ، ضرب الله مثل الشجرة الخبيثة كمثل الكافر. يقول: إن الشجرة الخبيثة اجتُثّت من فوق الأرض ما لها من قرَار. يقول: الكافر لا يُقْبَل عمله ولا يصعَدُ إلى الله، فليس له أصل ثابتٌ في الأرض، ولا فرعٌ في السماء. يقول: ليس له عمل صَالحٌ في الدنيا ولا في الآخرة.
و قال ابن عطية: فالخُبْثُ هو أنْ تَكُونَ كالعِضاةِ، أو كَشَجَرَةِ السَمُومِ ونَحْوِها إذا اجْتُثَّتْ، أيِ اقْتُلِعَتْ جُثَّتُها بِنَزْعِ الأُصُولِ، وبَقِيَتْ في غايَةِ الوَهْنِ والضَعْفِ فَتَقْلِبُها أقَلُّ رِيحٍ.، فالكافِرُ يَرى أنَّ بِيَدِهِ شَيْئًا، وهو لا يَسْتَقِرُّ ولا يُغْنِي عنهُ، كَهَذِهِ الشَجَرَةِ الَّتِي يَظُنُّ بِها عَلى بُعْدٍ -أو لِلْجَهْلِ بِها- أنَّها شَيْءٌ نافِعٌ، وهي خَبِيثَةُ الجَنى غَيْرُ باقِيَةٍ..
و عم ابن عاشور في وجه الشبه: أن الأمر تمثيل بالضد بجميع الصفات: اضطراب الاعتقاد، ضيق الصدر،كدر التفكير، الضر المتعاقب، و في ذلك انتفاء لكل منافع الكلمة الطيبة كلمة التوحيد.
6- الحكمة من التشبيه : بيان حال الكافر و تقريب ذلك ، قاله ابن عاشور.
7-فائدة التنكير و التنوين في (شجرة) : التحقير.
8- معنى اجتثت: قَطْعُ الشَّيْءِ كُلِّهِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الجُثَّةِ وهي الذّاتُ، قاله ابن عاشور
9- المعنى المراد من جُمْلَةُ ﴿ما لَها مِن قَرارٍ﴾: تَأْكِيدٌ لِمَعْنى الِاجْتِثاثِ؛ لِأنَّ الِاجْتِثاثَ مِنَ انْعِدامِ القَرارِ، قاله ابن عاشور.

الأقوال في مسألة ماهي ( الشجرة خبيثة) المشبه بها:
اختلف أهل التأويل فيها ؛ أيّ شجرة هي؟
1- هي الحنظل: روي موقوفًا و مرفوعًا عن أنس بن مالك: رواه الترمذي و ابن جرير، و الأصبهاني، و قاله مجاهد كما روى عنه ابن جرير.
2- هذه الشجرة لم تُخْلَق على الأرض: روى ابن جرير ذلك عن ابن عباس.
- قال ابن جرير: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال، حدثنا عفان قال، حدثنا أبو كدينة قال، حدثنا قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: ﴿ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار﴾ ، قال: هذا مثل ضربه الله، ولم تخلق هذه الشجرةُ على وجه الأرض.)
3- الكوث، ذكره الزجاح.
4- الثوم، ذكره ابن عطية و نسبه إلى فرقة

تخريج قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِنَاعٍ عَلَيْهِ رُطَبٌ، فَقَالَ: {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: ٢٥]، قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم: ٢٦] قَالَ: «هِيَ الحَنْظَلُ» قَالَ: فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَبَا العَالِيَةِ، فَقَالَ: صَدَقَ وَأَحْسَنَ.
- رواه عنه مرفوعًا من طريق حماد بن سلمة كلًا من: الترمذي في سننه(279)، النسائي(303) السنن الكبرى، أبو يعلى (307) في مسنده، و ابن حبان البُستي (ت ٣٥٤ هـ) في ( التقاسيم و الأنواع) ، أبِي الشيخ الأصبهاني (ت ٣٦٩هـ) في كتابه (كتاب الأمثال في الحديث النبوي )،ابن المقرئ (381) في كتابه المعجم، الحاكم (405) في مستدركه و قال على شرط مسلم و لم يخرجاه، و رواه ابن مردويه (410) كما في الدر المنثور..
- و رواه ابن جرير في تفسيره موقوفأ بأسانيد مختلفة إلى أنس بن مالك منها:
قال ابن جرير حدثنا الحسن قال، حدثنا عمرو بن الهيثم قال، حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك قال: الشَّرْيَان، يعني الحنظل
و قال بن جرير فقال حدثنا أحمد بن منصور قال، حدثنا نعيم بن حماد قال، حدثنا محمد بن ثور، عن ابن جريج، عن الأعمش، عن حبان بن شعبة، عن أنس بن مالك في قوله: ﴿كشجرة خبيثة﴾ ، قال: الشَّرْيان. قلت لأنس: ما الشَّريان؟ قال: الحنظل.
- رواه الترمذي موقوفًا إلى أنس بن مالك دون زيادة قول أبو العالية، فقال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الحَبْحَابِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي العَالِيَةِ.
و قد عقب عليه بانه أصح من حديث حماد بن سلمة، لأنه تفرد برفعه.
- رواه أبو نعيم الأصبهاني (430) موقوفًا: في كتابه الطب النبوي فقال: حَدَّثَنا أحمد بن علي الكندي، حَدَّثَنا سعيد بن عبد الله بن عجب، حَدَّثَنا عبيد بن يزيد، حَدَّثَنا نعيم بن حماد، عَن محمد بن ثور، عَن ابن جُرَيج، عَن الأعمش، عَن حسان بن سعيد، عَن أنس بن مالك في قوله {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة} قال: الشريان قلت لأنس ما الشريان؟ قال: الحنظل

دراسة الاٌقوال في مسألة ما هي الشجرة الخبيثة:
هذه الأقوال تجري على مجرى الأمثال، لشجر له الوصف الذي ذكر في الآية(كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)، و أقربها ما قيل أنها الحنظل، و جامعها كما ذكر ابن عطية أنها ضعيفة الجذور، سهل الاقتلاع لا تثبت، و هو يشبه ما سبق و اختاره بن جرير، (إذا لم تثبت صحة الحديث المرفوع)، فهي الشجرة بالصفة التي وصفها الله و هذا القول هو مفهوم كلام السعدي.
و قد قال ابن عطية ابن الوصف يعود لنجم و ليس لشجر ، و قال الله عز و جل الشجر تجوزًا كما أخبر الرسول صلى الله عليه و سلم على الثوم و البصل انهما من الشجر.

[]قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).[/color]
المسائل االتفسيرية:
1- المعنى اللغوي للصراط
({الصّراط}: الطريق، المنهاج الواضح، قاله أبو عبيدة المثني(211)، و الزجاج( 311)،و النحاس(338).
و قال النحاس في معاني القرآن: وكتاب الله بمنزلة الطريق الواضح، وكذلك الإسلام، وقال جرير:
أمير المؤمنين على صراط.......إذا اعوج الموارد مستقيم
أمير المؤمنين جمعت دينا.......وحلما فاضلا لذوي الحلوم
و ذكر ابن جرير في تفسيره إجماع الأمة من اهل التأويل على أن "الصراط المستقيم"، هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه.
2- القراءات في الصراط:
واختلف القراء في الصّراط
1- فقرأ ابن كثير وجماعة من العلماء: «السراط» بالسين، وهذا هو أصل اللفظة.قاله ابن عطية.
2- قرأ باقي السبعة غير حمزة بصاد خالصة وهذا بدل السين بالصاد لتناسبها مع الطاء في الاطباق فيحسنان في السمع، وحكاها سيبويه لغة، ذكر ذلك الفارسي، كما قال ذكر ابن عطية.
3- قال أبو علي: روي عن أبي عمرو السين والصاد، والمضارعة بين الصاد والزاي، رواه عنه العريان بن أبي سفيان. وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأها بزاي خالصة، ذكر ذلك عنه ابن عطية.
قال بعض اللغويين: «ما حكاه الأصمعي من هذه القراءة خطأ منه، إنما سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة فتوهمها زايا، ولم يكن الأصمعي نحويا فيؤمن على هذا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحكى هذا الكلام أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد. وقرأ حمزة بين الصاد والزاي. وروي أيضا عنه أنه إنما يلتزم ذلك في المعرفة دون النكرة.
قال ابن مجاهد: «وهذه القراءة تكلف حرف بين حرفين، وذلك أصعب على اللسان، وليس بحرف يبنى عليه الكلام ولا هو من حروف المعجم، ولست أدفع أنه من كلام فصحاء العرب، إلا أن الصاد أفصح وأوسع».
4- وقرأ الحسن والضحاك: «اهدنا صراطا مستقيما» دون تعريف وقرأ جعفر بن محمد الصادق: «اهدنا صراط المستقيم» بالإضافة وقرأ ثابت البناني: «بصرنا الصراط».

3- الحكمة من استخدام لفظ الصراط: العرب تستعيره لكل قول أو عمل كان وصفه الاستقامة ، ذكر ذلك ابن جرير
4-المعنى المراد بالصراط المستقيم : سيأتي ذكر المسألة بتفصيلها فيما بعد.
5- الحكمة من وصف الصراط بالمستقيم: قال ابن جرير في تفسيره أن السبب أنه صواب لا خطأ فيه، و ذكر قولا قدمه بلفظ زعم؛ أن السبب استقامته بأهله إلى الجنة، و عقب عليه أنه مخالف لجميع أهل التفسير، و هذا دليل خطئه.
و ذكر ابن عطية قولًأ آخر: أن المستقيم الذي لا عوج فيه ولا انحراف، والمراد أنه استقام على الحق وإلى غاية الفلاح، ودخول الجنة.
6- مناسبة الصراط المستقيم للآية التي بعدها: صراط الذين أنعمت عليهم بدل من الصراط المستقيم، و فيها بيان لأهل الصراط و أصحابه، و أعمالهم، مفهوم كلام المبرد، و ابن جرير.
الأقوال في مسألة المراد من( الصراط المستقيم):
1- كتاب الله : رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن علي ابن ابي طالب مرفوعًا.
2- الإسْلامُ ، رواه ابن جرير عن ابن عباس، و جابر بن عبد الله وعبد الرحمن زيد بن أسلم، رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم عن نواس بن سمعان الأنصاري مرفوعًا.
3- النبي و صاحباه من بعده: رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم عن أبي العالية و الحسن موقوفًا.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن الفضل السّقطيّ، حدّثنا إبراهيم بن مهديٍّ المصّيصي، حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: «الصّراط المستقيم الّذي تركنا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
4- دِينَكَ الحَقَّ، وهو لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ: رواه ابن أبي حاتم عَنِ الضَّحّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ

تخريج قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).
• رواه المرزوي في كتاب السنة قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَا وَكِيعٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الْإِسْلَامُ.
• رواه عن جابر بن عبد الله بزيادة (وَهُوَ أَوْسَعُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، كلًا من ؛ ابن جرير (311) في تفسيره، الحاكم (405) في مستدركه ( و صححه)، وَأخرجه وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والمحاملي فِي أَمَالِيهِ من نُسْخَة المُصَنّف كما في الدر المنثور للسيوطي، من طريق عبدالله بن محمد بن عقيل .
• و روى الديلمي في مسنده بزيادة (وطريق الحج، والغزو في سبيل اللَّه) فقال حدثنا عثمان بن طالوت ، حدثنا بشر بن أبي عمرو بن العلاء ، عن أبيه ، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل ، عن جابر رضي اللَّه عنه، عن النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصراط المستقيم دين الإسلام، وطريق الحج، والغزو في سبيل اللَّه" كما في كتاب (الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس المسمى «زهر الفردوس» لابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ).و في التحقيق أنه موضوع.
و توجيه الزيادة بأن الصراط المستقيم أوسع ما بين السماء و الأرض، أنه زيادة لبيان وصف الصراط، بأنه لا يضيق بأصحابه.

دراسة الاقوال في المراد بالصراط المستقيم:
كل هذه الأقوال صحيحة ، و متلازمة، لا يصح أحدها دون الآخر، فمن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم و اقتدى بأبو بكر و عمر، اتبع الحق، و من اتبع الحق اتبع الإسلام، و من اتبع الإسلام اتبع القرآن كتاب الله و حبله المتين و صراطه المستقيم، فكل هذه الأقوال صحيحة، و هو اختيار ابن جرير و ابن كثير .
ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه: والّذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي -أعني {اهدنا الصّراط المستقيم}- أن يكون معنيًّا به: وفّقنا للثّبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قولٍ وعملٍ، وذلك هو الصّراط المستقيم؛ لأنّ من وفّق لما وفق له من أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، فقد وفق للإسلام، وتصديق الرّسل، والتّمسّك بالكتاب، والعمل بما أمره اللّه به، والانزجار عمّا زجره عنه، واتّباع منهاج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكلّ عبدٍ صالحٍ، وكلّ ذلك من الصّراط المستقيم.

هذا و الله أعلم

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir