دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو القعدة 1440هـ/5-07-2019م, 06:44 PM
خليل عبد الرحمن خليل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 238
افتراضي

تفسير سورة الفلق ( الأسلوب المقاصدي )
قال تعالى : ( قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ( 1 ) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2 ) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3 ) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ ( 4 ) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي هدانا لكل خير ، وحفظنا من كل شر ؛ فدلّ رسوله على ما يُحصّننا ، وأنزل عليه المعوذتين ليحفظنا من الشرور الخارجيّة والداخليّة ، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين ، والصلاة والسلام على خير البريّة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم أما بعد :
نزلت هذه السورة لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته كلمات ما يتعوّبه من شر ما يُتّقى شرّه من المخلوقات الشريرة ، ومن الأوقات التي يكثر فيها حدوث الشر ، والأحوال التي تستر أفعال الشر وجميع الشرور الخارجيّة . فإنه لا نجاة من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى ، ولا كاشف للضرر بعد الإصابة إلا هو سبحانه ؛ فيفزع إليه متوكلا حق التوكل عليه ، ولا يعتمد على جلادته وتدبيره وحوله وقوته .
فكان صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بهذه السورة وسورة الناس وسورة الإخلاص ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفَّيْه بقل هو اللّه أحد والمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه. وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالتعوّذ بهنّ كما ورد عند الترمذي والنسائي وسنن أبي داود عن عبد اللّه بن حبيب قال: «خرجنا في ليلة مطر وظلمة، نطلب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي لنا، فأدركناه، فقال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. قلت: يا رسول اللّه، ما أقول؟ قال: قل: قل هو اللّه أحد والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء» قال الترمذي: حديث حسن صحيح ، وهي سنّة لجميع المسلمين للتعوّذ بهنّ .
وجاء الأمر بالقول ( قل أعوذ برب الفلق ) ليقتضي المحافظة على هذه الألفاظ بعينها ، والخطاب في القرآن وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يشمل الأمة وأفرادها إذا لم يدلّ دليل على تخصيصه به صلى الله عليه وسلم ، قال البخاري في صحيحه : عن زرّ بن حبيش قال: «سألت أبيّ بن كعب عن المعوذتين؟ فقال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال. قيل لي، فقلت. فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم» - وهذا الحديث يبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن إلا البلاغ فقط - ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالتعوذ بهذه السورة كما سبق، وعوّذ بها الحسن والحسين . واستعمال صيغة المتكلم في ( أعوذ ) مأمور به لكل من يريد التعوّذ بها ، ومن أراد تعويذ غيره بها فعلى نيّة النيابة عمن لا يحسن أن يعوّذ نفسه لأي مانع .
والعوذ : اللجأ إلى شيء يقي من يلجأ إليه ما يخافه ، و( أعوذ ) أي : أستجير وألتجئ وأعتصم وأحترز . ويقال : استعاذ ، إذا سأل غيره أن يُعيذَه منه قال تعالى : ( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) النحل 278 .
ورب الفلق : هو الله الواحد الأحد الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به ، ولا يُستعاذ بأحد من خلقه ، هو الذي يُعِيذُ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من الشر ، وقد أخبر سبحانه أن من استعاذ بغيره من خلقه ، أن استعاذته تزيده رهقًا وخوفًا فقال في سورة الجن ( وأَنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقًا ) آية 6 .
أما الفلق : فقد أخرج الطستي عن ابن عباس أنه فسّره بالصبح وانشد رضي الله عنه قول زهير : الفارج الهم مسد ولا عساكره *** كما يفرج غم الظلمة الفلق .
فهي فَعَل بمعنى مفعول ، لأن الليل شُبِّه بشيء مغلق ينفلق عن الصبح ، وحقيقة الفلْق : الانشقاق عن باطن شيء ، واستعير لظهور الصبح بعد ظلمة الليل . ، وخصص الفلق لأن الليل مظنّة حدوث شرور كثيرة ، من لصوص وسباع وذوات سموم ، وتعذّر سير ونجدة واستغاثة ، واشتداد آلام المرضى ، حتى ظن بعض أهل الضلالة الليلَ إله الشر .
والمعنى : أعوذ بفالق الصبح منجاةً من شرور الليل ، أن ينجيني في الليل من الشر .
( من شر ما خَلَق ) وقرأ ابن يعمر ( خُلِق ) يشمل عموم الشرِّ فهو عام لكل شر في الدنيا والآخرة ، وشر الإنس والجنّ والشياطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل ، وهو الأظهر ، وقيل : إبليس وذُريته قاله الحسن ، وقيل : جهنم ، حكاه الماوردي .ّ
ثم عطف على التعوّذ من عموم الشر ، أشياء خاصة مع اندراجها في العموم لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منها لكثرة وقوع الشر فيها ومنها ، ولأن تعيين المستعَاذ منه أدلّ على الاغتناء بالاستعاذة وأدعى إلى الإعاذة . وهي ثلاثة أنواع : الأول : وقت يغلب وقوع الشرّ فيه فقال سبحانه :( ومن شرّ غاسق إذا وقب ) والثاني : صنف من الناس امتهنوا صناعة الشرّ للغير وهم السحرة والمشعوذون فقال سبحانه : ( ومن شرّ النفاثات في العقد ) . والثالث : صنف من الناس تخلّق بخُلُقٍ يبعث على إلحاق الأذى بمن قرب منه وتعلّق به وهم الحسدة . وكرر ( من شرّ ) في كل آية مع كفاية حرف العطف لتأكيد الدعاء تعرّضا للإجابة ، والإطناب في الدعاء والابتهال أنسب .
والغاسق في قوله ( من شر غاسق إذا وقب ) وصف الليل إذا اشتدت ظلمته ، ونُكِّر الوصف للجنس ، وهو في مقام الدعاء فيراد به العموم لأنه أنسب للدعاء .
وأضاف الشرّ إلى غاسق من إضافة الاسم إلى زمانه على معنى ( في ) كقوله تعالى ( بل مكر الليل والنهار ) سبأ 432 . وقيّد ذلك بقوله ( إذا وقب ) أي إذا اشتدت ظلمته ؛ لأنه ظرف يتحيّنه أصحاب الشر ومريديه ؛ ِلتَحَقُّقِ غلبة الغفلة والنوم على الناس فيه . ولذا اشتهرت مقولة : أغْدَرَ الليلُ ؛ لأنه إذا اشتدّ ظلامه كثُر الغدْر فيه . ومعنى ( وقب ) أي : دخل وتغلغل في الشي ، ومنه الوقْبَة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء .
وخُصّ بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعًا لحصول المكروه .
أما النوع الثاني من الأنواع الخاصة المتعوَّذِ منها المعطوفة على العام قوله تعالى ( ومن شرّ النَّفَّاثَات في العُقَدِ ) وجاءت ثانية بعد التعوّذ من شر الليل ؛ لأن الليل وقت يتحيّن فيه السحرة صناعة أسحارهم في جنح الظلام لئلا يطلع عليهم أحد . والنفث : نفْخٌ مع تحريك اللسان بدون إخراج ريق ، ويفعله السحرة إذا وضعوا سحرهم في شيء وعقدوا عليه عُقدًا ، فينفثون عليها . وجاء بصفة المؤنث ( النفاثات في العقد ) لأن غالب من يمتهن هذه المهنة عند العرب النساء لتفرغهنّ وتفشّي الأوهام الباطلة بينهن . أما العقد : فجمع عقدة وهي ربط في خيط أو وتر ، ويزعم السّحرة أن سحر المسحور يستمر ما دامت تلك العُقَد معقودة . وإنما جعلت الاستعاذة من النفاثات وليس من النفث نفسه ، لأن النفث لا يجلب الضرر بذاته ، وإنما يجلبه النفاثات ، كما أن الضرر يُصَار إليه بالنفث في العقد وغيره من طُرُقِ السحر ، فربما بوضعه في الطعام أو الشراب ، وغير ذلك مما يجلب الضرر للمسحور ، ولاشتهار الساحرات بالنفث استُعمِل الوصف بدلا من الموصوف . وعُرِّف باللام إشارة إلى أنهن معهودات بين العرب .
أما النوع الثالث من الأنواع الخاصة المعطوفة على العام مما يتوقّع حصول الضرر من بابها فيُتعوّذ بالله منها قوله تعالى : ( ومن شرّ حاسد إذا حسد ) قال قتادة : من شرِّ عينه ونفْسه ، والحسد : استحسان نعمة في الغير مع تمنّي زوالها عنه غيرةً لاختصاصه بها ، أو مشاركته الحاسد فيها .
وقد تطلق مجازا على الغبطة – وهي تمنّي مثل ما للغير من حال مرغوبة أو نعمة ممنوحة - كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ( لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعَلِّمُها ) . وتقييد الاستعاذة من شر الحسد بوقت ( إذا حسد ) لأنه حينئذ يجيش الحسد في نفسه فيندفع إلى عمل الشرّ بالمحسود وإرادة الأذيّة كيف قدر؛ لأنه عدو ، قال الشاعر : كل عداوة قد تُرجى إفاقتها *** إلا عداوة من عاداك من حسدِ .

فالمقصود هو المداومة على قراءة هذه السورة مع سورتي الناس والإخلاص ، للسلامة من الشرور ، فإن سورة الفلق من قرأها فقد استعاذ بالله من الشرور الخارجية جميعها وخصوصًا ما شاع شرّه وانتشر من السحر والعين ، والأوقات المخيفة لكثرة الشرور فيها وهي أوقات الليل الموحشة . فيأمن المؤمن ويطمئن .


المراجع :
1- تفسير التحرير والتنوير .
2- تفسير ابن القيم .
3- تفسير الألوسي .
4- تفسير البقاعي .

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1440هـ/19-07-2019م, 10:09 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل عبد الرحمن مشاهدة المشاركة
تفسير سورة الفلق ( الأسلوب المقاصدي )
قال تعالى : ( قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ( 1 ) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2 ) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3 ) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ ( 4 ) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي هدانا لكل خير ، وحفظنا من كل شر ؛ فدلّ رسوله على ما يُحصّننا ، وأنزل عليه المعوذتين ليحفظنا من الشرور الخارجيّة والداخليّة ، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين ، والصلاة والسلام على خير البريّة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم أما بعد :
نزلت هذه السورة لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته كلمات ما يتعوّبه من شر ما يُتّقى شرّه من المخلوقات الشريرة ، ومن الأوقات التي يكثر فيها حدوث الشر ، والأحوال التي تستر أفعال الشر وجميع الشرور الخارجيّة . فإنه لا نجاة من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى ، ولا كاشف للضرر بعد الإصابة إلا هو سبحانه ؛ فيفزع إليه متوكلا حق التوكل عليه ، ولا يعتمد على جلادته وتدبيره وحوله وقوته .
فكان صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بهذه السورة وسورة الناس وسورة الإخلاص ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفَّيْه بقل هو اللّه أحد والمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه. وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالتعوّذ بهنّ كما ورد عند الترمذي والنسائي وسنن أبي داود عن عبد اللّه بن حبيب قال: «خرجنا في ليلة مطر وظلمة، نطلب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي لنا، فأدركناه، فقال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. قلت: يا رسول اللّه، ما أقول؟ قال: قل: قل هو اللّه أحد والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء» قال الترمذي: حديث حسن صحيح ، وهي سنّة لجميع المسلمين للتعوّذ بهنّ .
وجاء الأمر بالقول ( قل أعوذ برب الفلق ) ليقتضي المحافظة على هذه الألفاظ بعينها ، والخطاب في القرآن وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يشمل الأمة وأفرادها إذا لم يدلّ دليل على تخصيصه به صلى الله عليه وسلم ، قال البخاري في صحيحه : عن زرّ بن حبيش قال: «سألت أبيّ بن كعب عن المعوذتين؟ فقال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال. قيل لي، فقلت. فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم» - وهذا الحديث يبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن إلا البلاغ فقط - ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالتعوذ بهذه السورة كما سبق، وعوّذ بها الحسن والحسين . واستعمال صيغة المتكلم في ( أعوذ ) مأمور به لكل من يريد التعوّذ بها ، ومن أراد تعويذ غيره بها فعلى نيّة النيابة عمن لا يحسن أن يعوّذ نفسه لأي مانع .
والعوذ : اللجأ إلى شيء يقي من يلجأ إليه ما يخافه ، و( أعوذ ) أي : أستجير وألتجئ وأعتصم وأحترز . ويقال : استعاذ ، إذا سأل غيره أن يُعيذَه منه قال تعالى : ( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) النحل 278 .
ورب الفلق : هو الله الواحد الأحد الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به ، ولا يُستعاذ بأحد من خلقه ، هو الذي يُعِيذُ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من الشر ، وقد أخبر سبحانه أن من استعاذ بغيره من خلقه ، أن استعاذته تزيده رهقًا وخوفًا فقال في سورة الجن ( وأَنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقًا ) آية 6 .
أما الفلق : فقد أخرج الطستي عن ابن عباس أنه فسّره بالصبح وانشد رضي الله عنه قول زهير : الفارج الهم مسد ولا عساكره *** كما يفرج غم الظلمة الفلق .
فهي فَعَل بمعنى مفعول ، لأن الليل شُبِّه بشيء مغلق ينفلق عن الصبح ، وحقيقة الفلْق : الانشقاق عن باطن شيء ، واستعير لظهور الصبح بعد ظلمة الليل . ، وخصص الفلق لأن الليل مظنّة حدوث شرور كثيرة ، من لصوص وسباع وذوات سموم ، وتعذّر سير ونجدة واستغاثة ، واشتداد آلام المرضى ، حتى ظن بعض أهل الضلالة الليلَ إله الشر .
والمعنى : أعوذ بفالق الصبح منجاةً من شرور الليل ، أن ينجيني في الليل من الشر .
( من شر ما خَلَق ) وقرأ ابن يعمر ( خُلِق ) يشمل عموم الشرِّ فهو عام لكل شر في الدنيا والآخرة ، وشر الإنس والجنّ والشياطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل ، وهو الأظهر ، وقيل : إبليس وذُريته قاله الحسن ، وقيل : جهنم ، حكاه الماوردي .ّ
ثم عطف على التعوّذ من عموم الشر ، أشياء خاصة مع اندراجها في العموم لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منها لكثرة وقوع الشر فيها ومنها ، ولأن تعيين المستعَاذ منه أدلّ على الاغتناء بالاستعاذة وأدعى إلى الإعاذة . وهي ثلاثة أنواع : الأول : وقت يغلب وقوع الشرّ فيه فقال سبحانه :( ومن شرّ غاسق إذا وقب ) والثاني : صنف من الناس امتهنوا صناعة الشرّ للغير وهم السحرة والمشعوذون فقال سبحانه : ( ومن شرّ النفاثات في العقد ) . والثالث : صنف من الناس تخلّق بخُلُقٍ يبعث على إلحاق الأذى بمن قرب منه وتعلّق به وهم الحسدة . وكرر ( من شرّ ) في كل آية مع كفاية حرف العطف لتأكيد الدعاء تعرّضا للإجابة ، والإطناب في الدعاء والابتهال أنسب .
والغاسق في قوله ( من شر غاسق إذا وقب ) وصف الليل إذا اشتدت ظلمته ، ونُكِّر الوصف للجنس ، وهو في مقام الدعاء فيراد به العموم لأنه أنسب للدعاء .
وأضاف الشرّ إلى غاسق من إضافة الاسم إلى زمانه على معنى ( في ) كقوله تعالى ( بل مكر الليل والنهار ) سبأ 432 . وقيّد ذلك بقوله ( إذا وقب ) أي إذا اشتدت ظلمته ؛ لأنه ظرف يتحيّنه أصحاب الشر ومريديه ؛ ِلتَحَقُّقِ غلبة الغفلة والنوم على الناس فيه . ولذا اشتهرت مقولة : أغْدَرَ الليلُ ؛ لأنه إذا اشتدّ ظلامه كثُر الغدْر فيه . ومعنى ( وقب ) أي : دخل وتغلغل في الشي ، ومنه الوقْبَة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء .
وخُصّ بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعًا لحصول المكروه .
أما النوع الثاني من الأنواع الخاصة المتعوَّذِ منها المعطوفة على العام قوله تعالى ( ومن شرّ النَّفَّاثَات في العُقَدِ ) وجاءت ثانية بعد التعوّذ من شر الليل ؛ لأن الليل وقت يتحيّن فيه السحرة صناعة أسحارهم في جنح الظلام لئلا يطلع عليهم أحد . والنفث : نفْخٌ مع تحريك اللسان بدون إخراج ريق ، ويفعله السحرة إذا وضعوا سحرهم في شيء وعقدوا عليه عُقدًا ، فينفثون عليها . وجاء بصفة المؤنث ( النفاثات في العقد ) لأن غالب من يمتهن هذه المهنة عند العرب النساء لتفرغهنّ وتفشّي الأوهام الباطلة بينهن . أما العقد : فجمع عقدة وهي ربط في خيط أو وتر ، ويزعم السّحرة أن سحر المسحور يستمر ما دامت تلك العُقَد معقودة . وإنما جعلت الاستعاذة من النفاثات وليس من النفث نفسه ، لأن النفث لا يجلب الضرر بذاته ، وإنما يجلبه النفاثات ، كما أن الضرر يُصَار إليه بالنفث في العقد وغيره من طُرُقِ السحر ، فربما بوضعه في الطعام أو الشراب ، وغير ذلك مما يجلب الضرر للمسحور ، ولاشتهار الساحرات بالنفث استُعمِل الوصف بدلا من الموصوف . وعُرِّف باللام إشارة إلى أنهن معهودات بين العرب .
أما النوع الثالث من الأنواع الخاصة المعطوفة على العام مما يتوقّع حصول الضرر من بابها فيُتعوّذ بالله منها قوله تعالى : ( ومن شرّ حاسد إذا حسد ) قال قتادة : من شرِّ عينه ونفْسه ، والحسد : استحسان نعمة في الغير مع تمنّي زوالها عنه غيرةً لاختصاصه بها ، أو مشاركته الحاسد فيها .
وقد تطلق مجازا على الغبطة – وهي تمنّي مثل ما للغير من حال مرغوبة أو نعمة ممنوحة - كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ( لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعَلِّمُها ) . وتقييد الاستعاذة من شر الحسد بوقت ( إذا حسد ) لأنه حينئذ يجيش الحسد في نفسه فيندفع إلى عمل الشرّ بالمحسود وإرادة الأذيّة كيف قدر؛ لأنه عدو ، قال الشاعر : كل عداوة قد تُرجى إفاقتها *** إلا عداوة من عاداك من حسدِ .

فالمقصود هو المداومة على قراءة هذه السورة مع سورتي الناس والإخلاص ، للسلامة من الشرور ، فإن سورة الفلق من قرأها فقد استعاذ بالله من الشرور الخارجية جميعها وخصوصًا ما شاع شرّه وانتشر من السحر والعين ، والأوقات المخيفة لكثرة الشرور فيها وهي أوقات الليل الموحشة . فيأمن المؤمن ويطمئن .


المراجع :
1- تفسير التحرير والتنوير .
2- تفسير ابن القيم .
3- تفسير الألوسي .
4- تفسير البقاعي .
أحسنت بارك الله فيك وسددك.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir