دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > الإكسير في علم التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 محرم 1432هـ/29-12-2010م, 09:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي النوع الحادي والعشرون: في الاقتصاد والإفراط والتفريط، النوع الثاني والعشرون: في الخطاب بالجملتين الفعلية والاسمية المؤكدة


النوع الحادي والعشرون: في الاقتصاد والإفراط والتفريط
فالاقتصاد: التوسط والقصد.
والإفراط: مجاوزة الحد.
والتفريط: القصور عنه.
واعلم أن المعنى المراد من الكلام: إما وفق رتبة المعبر عنه، وهو الاقتصاد. أو دونها: وهو التفريط. أو فوقها: وهو الإفراط.
ولعلماء البيان فيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: كراهته، وهو مذهب الجاحظ.
والثاني: اختياره وإيثاره، وهو مذهب قدامة بن جعفر. قال: لأن أحسن الشعر أكذبه، وعليه المتأخرون، وهذا المختار؛ لأنه مركب من مقدمات تخيلية، باعتبار الصدق، والتحري فيه لا معنى له، ولأن ذلك يعود تركه.
الثالث: اختيار القصد فيه بصورة الإفراط، وهو أن يفرط ثم يستثني ما زاد على القصد، أو كاد، أو غيرهما، كقول البحتري:
[الإكسير في علم التفسير: 297]
فلو أن مشتاقًا تكلف فوق ما = في وسعه لسعى إليك المنبر
وقول الآخر:
يكاد يمسكه عرفان راحته = ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
هكذا ذكر ابن الأثير مثال هذا، وليس بمطابق؛ لأن هذين ما أفرطا، ولا استثنيا شيئًا، وإنما البحتري علق الإفراط: وهو سعي المثير على شرط: وهو تكليف المشتاق ما في وسعه، والآخر قارب الإفراط لكنه في معنى الاستثناء، فما ذكره متجه في الجملة، فهذا مثال القصد.
ومثال التفريط، قول أبي تمام:
ما زال يهذي بالمكارم والعلا = حتى ظننا أنه محموم
فجمع له بين لفظ الهذيان وخلط الحمى، ولعل أبا تمام حين قال هذا كان محمومًا، وإلا فالسامع لا يستحسن هذا الخطاب لمن يهجوه، فكيف لمن يمدحه.
وكذا قوله:
أنت دلو، وذو السماح أبو مو = سى قليب، وأنت دلو القليب
ومراده: أنك سبب إلى عطاء أبي موسى، كما أن الدلو سبب إلى استخراج ما في
[الإكسير في علم التفسير: 298]
القليب، وهو معنى حسن إلا أن جعل الممدوح دلوًا تفريط، فقبح لما تقدم، من أن المعتبر في هذا العلم المعنى واللفظ معًا.
ويحكى أن بعض الأعراب وفد على بعض الخلفاء فمدحه بشعر من جملته:
أنت كالكلب في حفاظك للود = وكالتيس عند قرع الخطوب
أنت كالدلو لا عدمناك من دلو = شديد العرى وثيق الصليب
فقال الخليفة، ولم يتحقق أنه أعرابي: انظروا، فإن كان أعرابيًا، فأجيزوه، وإن كان قرويًا، فاصلبوه. يشير إلى أنه إن كان أعرابيًا كان جادًا، وأهل القرى يهزلون ويطنزون.
وقول بعضهم:
وتلحقه عند المكارم هزة = كما انتفض المحموم من أم ملدم
فتشبيهه بالمحموم تفريط، كما سبق من قبل، وأحسن مشابهة به اهتزاز الممدوح اهتزاز السيف كقوله:
كريم ومتلاف إذا ما سألته = تهلل واهتز اهتزاز المهند
ومن هذا الباب قول الأعشى:
وما مزبد من خليج الفرا = ت جون غواربه تلتطم
[الإكسير في علم التفسير: 299]
بأجود منه بماعونه = إذا ما سماؤهم لم تغم
فإنه مدح ملكًا بأنه يجود بالماعون، وهو ما يستعار من قدوم أو قدر ونحوه من متاع البيت وهذا إلى الذم أقرب منه إلى المدح.
وعندي في هذا النظر: فإن الماعون يراد به الماء أيضًا، وهو مراد الأعشى هاهنا؛ لأنه ذكره في سياق ذكر الخليج والفرات والغوارب والالتطام والغيم.
وقد جاء في الشعر في صفة السحاب:
يصب صبيره الماعون صبًا
يعني: الماء، ذكره العزيزي.
وكنى الأعشى بالماء عن الفضل والعطاء، كأنه قال: بأجود منه بفضله وعطائه الذي هو كماء الفرات، وخص الفرات بالذكر؛ لعذوبة مائها، أو لأنه لم ير غيرها، أو أنه أراد جنس الماء العذب، فإنه موضوع الفرات في الأصل.
قال الله تعالى: {وأسقيناكم ماء فراتًا}، والله أعلم.
ومثال الأول قول عنترة:
وأنا المنية في المواطن كلها = والطعن مني سابق الآجال
[الإكسير في علم التفسير: 300]
والطعن لا يسبق الأجل، لا يقال: لعله كان يعتقد ذلك لكفره، كما اعتقد عمرو بن معدي كرب أن الفرقدين لا يفترقان أبدًا بقوله:
وكل أخ مفارق أخوه = لعمر أبيك
لأنا نقول: ثبت عن أهل الجاهلية أنهم كانوا يعتقدون تحتم الأجل، كما يعتقد الإسلاميون، واستفاض ذلك في أشعارهم كقول عنترة:
أني امرؤ سأموت إن لم أقتل
وقوله:
يا عبل أين من المنية نهرب = إن كان ربك في السماء قضاها
وقول الآخر:
من أي يومي من الموت أفر = من يوم لم يقدر أم يوم قدر
وتقرير هذا الكلام: أن كل يوم من أيامي لا يخلو من أن يقدر علي الموت فيه أو لا، فإن قدر، لم ينفعني الفرار، وإن لم يقدر، لم يفدني شيئًا، وكان تحصيل الحاصل، وهذا اعتقاد لا يزيد عليه اعتقاد عارفي المسلمين في هذه المسألة.
ويروى (سايق الآجال) بالياء المثناة من أسفل، وهو أيضًا إفراط، إذ الطعن لا يسوق الأجل، بل الأجل يسوقه، لكن هو أقرب من الأول.
[الإكسير في علم التفسير: 301]
وكقول النابغة:
إذا ما غزا بالجيش حلق فوقه = عصائب طير تهتدي بعصائب
جوانح قد أيقن أن قبيله = إذا ما التقى الجمعان أول غالب
إذ ليس في قوة الطير إلا أنها تأكل لحوم القتلى، لا أنها تعلم الغيب.
وربما حسن هذا بناء على أنه وصف الطير بأنها صارت تعلم ذلك منه عادة وتجربة.
وقول قيس بن الخطيم:
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر = لها نفذ لولا الشعاع أضاءها
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها = يرى قائم من دونها ما وراءها
قال بعضهم لما سمع هذا: لم يطعنه، وإنما فتح بابًا أو دربًا.
وقول بشار بن برد:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية
هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
ومن إفراطات المتنبي قوله:
وقالوا هل يبلغك الثريا؟ = فقلت: نعم، إذا شئت استفالا
[الإكسير في علم التفسير: 302]
وقوله:
كفى بجمسي نحولاً أنني رجل = لولا مخاطبتي إياك لم ترني
لو أن إبرة رفاء أكلفها = دخلت في خرقها من دقة البدن
إلا أن هذا البيت لم نره في ديوانه، بل سمعناه من أفواه الناس.
وقوله في صفة الرامي وإصابة السهام:
يصيب ببعضها أفواق بعض = فلولا الكسر لاتصلت قضيبا
ومن إفراطات أبي العلاء قوله في صفة السيف:
يذيب الرعب منه كل عضب = فلولا الغمد يمسكه لسالا
ونظائر ذلك كثيرة.
واعلم أن الكلام قد يكون موجهًا: أي متضمنًا للتفريط والإفراط، أو المدح والذم، باعتبار جهتين:
مثال الأول قول الأعشى:
وإذا تكون كتيبة ملمومة = خرساء يخشى الذائدون نصالها
كنت المقدم غير لابس جنة = بالسيف تضرب معلمًا أبطالها
[الإكسير في علم التفسير: 303]
فقوله: غير لابس جنة إفراط في الوصف بالشجاعة والإقدام، تفريط من حيث إنه وصفه بالإخلال بالحزم، ولهذا لما أنشد بعض الشعراء، بعض بني أمية بقوله:
على ابن أبي العاصي دلاص حصينة = أجاد المسدي نسجها فأطالها
فقال له: هلا قلت كما قال الأعشى، وذكر له البيتين المذكورين، فقال: الشاعر للأعشى وصفه بالخرق، وأنا وصفتك بالحزم.
مثال الثاني: ما حكي أن شاعرًا جاء إلى خياط أعور -اسمه زيد- بثوب، فقال: فصله لي قباء، فقال له الخياط: لأفصلن لك قباء، لا تدري أقميص هو أم قباء؟، فقال له الشاعر: إذن لأمدحنك مدحًا لا يدري أمديح هو أم هجاء؟ فخاط الخياط الثوب كما وعد، فقال فيه الشاعر:
خاط لي زيد قباء = ليت عينيه سواء
فاسمعوا يا قوم هذا = أمديح أم هجاء
وهذا صحيح، فإن التسوية بين عينيه نحو أن تكون في العور بأن تعور الصحيحة، فيكون دعاء عليه ويجوز أن تكون في الصحة بأن تصح العوراء فيكون دعاء له.
والأقرب إلى الفروع هو الأول، وإلا فهذا وإن كان ممكنًا، ما سمعناه جرى لآدمي حقيقي، إلا لقتادة بن النعمان ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم.

النوع الثاني والعشرون: في الخطاب بالجملتين الفعلية والاسمية المؤكدة
وهو بالثانية أبلغ منه بالأولى وآكد وأدل على قوة الباعث النفساني عليه، كقوله
[الإكسير في علم التفسير: 304]
تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم}.
فخاطبوا المؤمنين بقولهم: (آمنا) فدل على كذبهم، إذ لو صدقوا لأكدوا، كما قالوا لشياطينهم: (إنا معكم). وكما قال المؤمنون: {إنا هدنا إليك}.
{ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}.
ولهذا: {قالت الإعراب آمنا} قال: {قل لم تؤمنوا}.
بخلاف المؤمنين لما قالوا (إنا مؤمنون) فإنه أقرهم على ذلك، ولم يرد عليهم. وخاطبوا شياطينهم (بإنا معكم) فدل على صدقهم في ذلك، أو قوة الباعث عليه، كما قال الكفار مثلهم لرسلهم: {إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب}.
قلت: والمدعى الاتفاقي أن صيغة (إنا معكم) آكد من صيغة (آمنا) أما الدلالة على صدقهم في الأولى، وكذبهم في الثانية، فليس لازمًا ولا مستفادًا من مجرد الصيغة، إذ ربما صدق المتكلم بالفعلية دون الاسمية المؤكدة.
وإنما حكم على الكفار بما ذكرناه من الصدق والكذب لقرينة نفاقهم، وإخبار الله بكذبهم عنهم، وإلا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد في جواب قوله: (اشهد بأني رسول الله، آمنت بالله، وأمر الله المؤمنين أن يقولوا آمنا بالله، سمعنا وأطعنا). ونظائر كثيرة، فلو كان ذلك لازمًا للكذب أو دليلاً عليه لجرده مما قيل، وأمر به شرعًا.
ومن ذلك قوله تعالى لموسى وهارون: {فقولا إنا رسولا رب العالمين * أن أرسل
[الإكسير في علم التفسير: 305]
معنا بني إسرائيل} أمرهما بتأكيد إخبار فرعون برسالتهما، ليكون ذلك أوقع في نفسه ولم يأمرهما بتأكيد أمره بإرسال بني إسرائيل، بل أن يخرجا له الأمر في صورة السؤال؛ لئلا يستكبر وتأخذه العزة بالإثم، ويقول: أمرتماني أمرًا لازمًا جازمًا كأني معكما من آحاد الرعية، فيصر ويمتنع ويدل على هذا قوله تعالى: {فقولا له قولاً لينًا}. وعدم تأكيد الأمر، لميله من لين القول). [الإكسير في علم التفسير: 306]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحادي, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir