باسم الله
المجموعة الأولى
س1: لخّص أجوبة الرد على من يحتجون بصلاتهم وصيامهم وإيمانهم بالبعث بعد الموت على أن ما وقعوا فيه من دعاء الصالحين والنذر لهم ليس بشرك أكبر.
هذه الشبهة قال عنها المصنّف أنّها من أعظم شبه المتأخرين من المشركين ،لذا صرف لها تسعة أجوبة كل جواب منها شافٍ كافٍ للردّ على هذه الشبهة العاطفية ، لكن نوّع في الردّ عليها بحجج علمية واضحة نلخصها فيما يلي:
الجواب الأول: الإجماع على أن من صدق الرسول في شيء وكذبه في شيء فهو كافر:
-فمن آمن ببعض الشرائع وكفر ببعض فهو كافر بالإجماع كمن لم ينقد للصلاة أو الزكاة أو الحج ،أو كمن أقر بذلك كلّه وجحد بالبعث مع نطقه الشهادتين.
قال جل وعلا:*{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً}، فلا فرق في الحكم بين من كان كفره كليّا ومن كان كفره نوعيا -أي من يؤمن ببعض الشرع ويكفر ببعضه-
الجواب الثاني: أن من جحد التوحيد فهو أعظم كفراً ممن جحد الصلاة والصيام
-منكر التوحيد أعظم كفراً من منكر بقية الشرائع، إذ أن التوحيد هو أعظم حقوق الله، وصاحبه متوعد بدخول النار وحرمة الجنّة عليه كما في قوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}، فمن أعظم الجهل أن يكفر من جحد الصلاة أو الصيام أو البعث -ولو عمل بكل ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلّم- ولا يكفر من جحد التوحيد الذي هو دين الرسل.
الجواب الثالث: أن الصحابة قاتلوا بني حنيفة لما جحدوا الزكاة وهم يصلون ويؤذنون فكيف بمن جحد التوحيد؟
قاتل الصحابة بنو حنيفة مع شهادتهم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومع صلاتهم، ومن احتّج في قتالهم بتصديقهم لدعوى رسالة مسيلمة الكذّاب ، يجاب عليه بأنّ الجناية على الألوهية أعظم من الجناية على الرسالة، فكيف تكفر من رفع رجلا إلى مرتبة النبوة ولا تكفر من رفع أيّا كان من المخلوقين إلى مرتبة القاهر فوق عباده، ولكنّه الجهل ؛{كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون }.
الجواب الرابع: أن الذين حرقهم علي بن أبي طالب يدَّعون الإسلام ولكن اعتقدوا في علي مثل اعتقاد هؤلاء
لو كان اعتقادكم في يوسف وشمسان وأمثالهم لا يضرّ ولا يكفر، لنفع الذين حرّقهم عليّ رضي الله اعتقادهم فيه ولما كفرهم بذلك ! وقد وافقه جميع الصحابة في قتلهم وحاشاهم أن يكفروا المسلمين، فكيف يكفر من اعتقد في عليّ -على قدره- ولا يكفر من توسلّ بالصالحين؟!
الجواب الخامس: إجماع العلماء على كفر بني عبيدٍ القدَّاح لمَّا أظهروا مخالفة الشريعة
هؤلاء القوم ملكوا المغرب ومصر في زمن الدولة العباسية يدّعون الإسلام ،وأظهروا مخالفة الشريعة في أشياء كثيرة دون التوحيد كاستحلال بعض المحرمات ، وأجمع العلماء أنذاك على كفرهم وقتالهم وعدّ دارهم دار الحرب حتى استرجع ما كان تحت قبضتهم من ديار المسلمين ولله الحمد والمنّة ، فكيف بمن تظاهر بالإسلام مع نقضه أساس الملّة وهو التوحيد وعدم الإشراك بالله؟ فالنطق بالشهادتين وإن صحبه فعل بعض الطاعات ، يخرج صاحبها من مظلة الإسلام إن ارتكب مكفرا بعد إقامة الحجة إن احتيج لذلك.
الجواب السادس: ما معنى الباب الذي ذكره العلماء في كل مذهب: (باب حكم المرتد)
إذا كان المشرك لا يكفر إلا بتكذيب القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو بالبعث وغير ذلك ،فما معنى ما بيّنه علماء المذاهب قاطبة في باب حكم المرتدّ؟ وتعريف المرتدّ لا يخفى على أحد بأنه المسلم الذي يكفر بعد إسلامه بإتيان أحد المكفرات، وقد فصلوا أمورا كثيرة تحلّ دم المسلم وماله ،حتى أنه قد يكفر المرء بكلمة يقولها أو بمزحة يمزحها كما في الحديث :((إنّ الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسا يهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا)), فمال بال من ينقض كلمة التوحيد ليل نهار؟
الجواب السابع: أنَّ الله كفَّر بعض من خرج للجهاد مع نبيه بكلمة الكفر لما قالوها
الله جلّ في علاه كفّر رجالا في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلّم كانوا يصلون ويجاهدون معه بكلمة قالوها، كما في قول الله تعالى :{يحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ}، فكيف بمن جعل الصالحين ملاذه وملجأه في الشدة والرخاء؟!
الجواب الثامن: أن الله كفَّر أناساً بسبب كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح
وكذا حال من قال الله فيهم :{قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، فإذا كان هؤلاء وهم في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يصلون ويصومون ويحجون ، كفروا بكلمة قالوها على وجه المزح كما زعموا ،فلا يبق -لمن كان له قلب يعقل - شبهة في تكفير من لم يأت بحق الله في توحيد عبادته وتنزيهه عن الشريك ، ولو صلى وصام وحج وعبد الله ليل نهار.
الجواب التاسع: ما تضمنته قصة ذات أنواط
قال*نفرٌ مِن الصّحابة:*(اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط كما لهم ذات أنواط)*فحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا مثل قول بني إسرائيل لموسى:*{اجْعَل لَّنَا إِلهاً}
إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلّم غلظ القول على من طلب الشرك -وهو يظنّ أنّه يتقرب بذلك لله- ، وشبهه بنفر من قوم موسى -عليه السلام - ،فكيف بمن يأت الشرك ليل نهار؟ ومن قال أن هؤلاء لم يكفرهم النبي صلى الله عليه وسلم! فيجاب عليه بأنّ هؤلاء طلبوا الشرك لجهلهم أنه شرك ولم يأتوه ومع ذلك غلظ عليهم ، بخلاف من يعلم الشرك ويأتيه صباح مساء.
فتعلم التوحيد والتحرز من الشرك .واجب على كل مسلم كائنا من كان، فإذا كان القوم وهم من الصفوة طلبوا المحذور فكيف بمن دونهم! والجهل كل الجهل قول القائل :"التوحيد فهمناه" والله المستعان.
س2: بيّن معنى قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا}.
تبيّن الآية أن الرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكفّ عنه والتثبتّ في أمره لقوله تعالى:{فتبيّنوا}، فإن تبيّن منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام والتوحيد استحل دمه وماله، وفيه ردّ على من احتجّ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأسامة بن زيد رضي الله عنه :((أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله))، وحديث:((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله))، ووجه ذلك أنّه لو كان لا يقاتل بعد أن يظهر منه ما ينافي الإسلام لم يكن للتثبت المأمور به في الآية داع -تعالى الله عن ذلك- ، فلمَ يُتبيّن حاله إذاً إذا كان لا يقاتل- بعد قوله (لا إله إلا الله)- في كل الأحوال؟
س3: كيف ترد على شبهة من قال: إن الاستغاثة بالملائكة أمر جائز بدليل فعل إبراهيم لما ألقي في النار مع جبريل عليهما الصلاة والسلام.
جبريل عليه السلام عرض على الخليل عليه السلام أن ينفعه بأمر يقدر عليه -وهو عنده حاضر- ، وجبريل وصفه الله تعالى ب{شديد القوى}، فلو أمره الله لكان يسيرا عليه نجدة إبراهيم وإهلاك عدوّه ، ولكن إبراهيم آثر التوكل على الله وانتظار فرجه وقال {حسبنا الله ونعم الوكيل }، وضرب المصنّف لهذا مثلا: الرجل الغنيّ يعرض على الفقير مساعدته بماله فيأبى هذا الأخير إلا أن يصبر حتى يرزقه الله من غير منّة أحد ، فهذا أمر يقدر عليه الغنيّ وهو جارٍ بين النّاس ولاينكره أحد ، فأين هذا ممّن يستغيث بالملائكة استغاثة شركية ، وكل ما تقدم على فرض أنّ قصة إبراهيم مع جبريل عليهما السلام تصحّ رواية.
س4: لماذا أجمع العلماء على كفر بني عُبيد القداح؟
هؤلاء القوم ملكوا المغرب ومصر في زمن الدولة العباسية يدعون أنهم فاطميون وهم ليسوا كذلك و يدّعون الإسلام ،أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء كثيرة دون التوحيد كاستحلال بعض المحرمات كالجمع بين الأختين ، وأجمع العلماء أنذاك على كفرهم وقتالهم وعدّ دارهم دار الحرب حتى استرجع ما كان تحت قبضتهم من ديار المسلمين ولله الحمد والمنّة ، فالنطق بالشهادتين وإن صحبه فعل الطاعات ، يخرج صاحبها من مظلة الإسلام إن ارتكب مكفرا بعد إقامة الحجة إن احتيج لذلك ،وقول المصنف (أظهروا مخالفة الشريعة) قول دقيق لأنهم في الحقيقة كانت لهم عقائد باطنية كما ذكر الشارح ،ولكن ما ظهر منهم من مخالفة شرع الله بتحليل ما حرم الله كان كافيا لقتالهم واستحلال أموالهم.
س5: بيّن خطر الجهل بمسائل التوحيد.
الجهل بمسائل التوحيد من أعظم الجهل ومكائد الشيطان ، فإذا كان الناس في زمن الأنبياء لم يسلموا من طلب الشرك ظنا منهم أنه مما يقربهم من الله تعالى كما في قصة أصحاب موسى وقصة ذات أنواط ، فكيف بنا في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل واستشرت فيه الفتن، وزخرفت فيه مسميات الشرك مع كثرة صوره وتشعبها،حتى أصبح الناس -بل وطلبة العلم إلا من رحم ربي- تهولهم الكبيرة من الكبائر- وبعض المعاصي التي لا ترقى لأن تكون كبيرة- ولا تهولهم أعمال الشرك التي عمّت وطمّت من ذبح لغير الله وعكوف على القبب والمقابر والاستشفاء بما لم يجعله الله سببا لا شرعيا ولا كونيا وغير ذلك كثير ، فليس لنا سلاحا إذاً في غمرة هذه الحرب الشعواء على التوحيد وأهله -بعد عون الله - إلا سلاح التعلم ، مع التحرز من الوقوع في الشرك والحذر من أهله وحبائلهم، فمن ظنّ أنه فهم التوحيد وأتى على كل مسائله يوشك أن يتبع خطوات الشيطان ، بل الواجب أن يتعلم ويُعلم من حوله مرار وتكرارا بلا هوادة ولا ملالة، كما أن التعلم يجعله متحرزا من الركون لعمله متفقدا لنفسه خشية تلوث نيته و قصد قلبه قبل الشروع في العمل بل وأثناءه وكذا بعد الانتهاء منه.
وهذا ما لمسناه في قول الشيخ -جزاه الله عن أمة التوحيد خير الجزاء-: (وَمَعْرِفَةَ أَنَّ قَوْلَ الجَاهِلِ: التَّوْحِيدُ فَهِمْنَاهُ أَنَّ هَذَا مِنْ أَكْبَرِ الجَهْلِ ومَكَائِدِ الشَّيْطَانِ).