232 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ إِلاَّ وَقَفَ عِنْدَهَا يَسْأَلُ، وَلا آيَةُ عَذَابٍ إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْهَا. أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
· دَرَجَةُ الحديثِ:
الْحَدِيثُ حَسَنٌ؛ فَطُرُقُ إِسْنَادِهِ جَيِّدَةٌ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ (772)، بِلَفْظٍ آخَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ فِي (التلخيصِ): وَرَوَى نَحْوَهُ الْبَيْهَقِيُّ (2/310) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
· مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- آيَةُ رَحْمَةٍ: مِمَّا فِيهِ وَعْدٌ وَبِشَارَةٌ بالجنَّةِ وَنَعِيمِهَا، وَرِضْوَانِ اللَّهِ فِيهَا.
- آيَةُ عَذَابٍ: مِمَّا فِيهِ وَعِيدٌ، وَتَخْوِيفٌ منْ عَذَابِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ.
· مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- اسْتِحْبَابُ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِ مَعَانِيهِ؛ سَوَاءٌ كَانَ قَارِئاً أَوْ مُسْتَمِعاً، فَهَذِهِ هِيَ الْقِرَاءَةُ المفيدةُ النافعةُ؛ قَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}. [ص: 29] سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا.
2- اسْتِحْبَابُ التَّعَوُّذِ بِاللَّهِ تَعَالَى حينَمَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ، أَوْ وَعِيدٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَسُؤَالِ الرحمةِ حينَما يَمُرُّ بأيةِ رَحْمَةٍ، فَهُوَ دُعَاءٌ مُنَاسِبٌ للموضوعِ.
3- بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَصَرَ هَذَا الاستحبابَ عَلَى صَلاةِ النافلةِ، وَلَكِنْ لا مَانِعَ أَنْ يَشْمَلَ الفَرِيضَةَ، فَمَا ثَبَتَ لصلاةٍ ثَبَتَ لأُخْرَى.
وَمِمَّا وَرَدَ فيه: مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ (18576)، وَابْنُ مَاجَهْ (1352)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي صَلاةٍ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ، فَمَرَّ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ والنارِ، فقالَ: ((أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، وَوَيْلٌ لأَهْلِ النَّارِ))).وَابْنُ أَبِي لَيْلَى مُتَكَلَّمٌ فِيهِ.
وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ (24088)، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ القيامِ، فَكَانَ يَقْرَأُ بالبقرةِ والنساءِ وآلِ عِمْرَانَ، وَلا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا اسْتِبْشَارٌ، إِلاَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَغِبَ إِلَيْهِ).
فَهَذَا كُلُّهُ فِي النافلةِ، وَلَكِنْ لا مَانِعَ منْ شمولِ ذَلِكَ للفريضةِ؛ فَإِنَّ مَا ثَبَتَ لصلاةٍ ثَبَتَ لأُخْرَى، هَذَا هُوَ الضابطُ عِنْدَ الفقهاءِ، وَهُوَ ضابطٌ جَيِّدٌ، يَنْطَبِقُ عَلَى أحكامِ الصَّلاةِ بِنَوْعَيْهَا، وَلا يَخْرُجُ عَنْ عمومِ النصوصِ إِلاَّ مَا خُصِّصَ.
4- قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ (الفَوَائِدِ):
إِذَا أَرَدْتَ الانْتِفَاعَ بالقرآنِ فَأَجْمِعْ عِنْدَ تلاوتِهِ وَسَمَاعِهِ قَلْبَكَ، وَأَلْقِ سَمْعَكَ، وَاحْضُرْ حُضُورَ مَنْ يُخَاطِبُ بِهِ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ خِطَابٌ مِنْهُ لَكَ عَلَى لسانِ رسولِهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}.فَهَذَا هُوَ المَحَلُّ القَابِلُ، وَالْمُرَادُ بهِ الْقَلْبُ الحَيُّ الَّذِي يَعْقِلُ عَن اللَّهِ، {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}؛ أَيْ: وَجَّهَ سَمْعَهُ، وَأَصْغَى بِحَاسَّةِ سَمْعِهِ، {وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]؛ أي: شَاهِدُ الْقَلْبِ، لَيْسَ بِغَافِلٍ، وَلا سَاهٍ، فَإِذَا حَصَلَ المُؤَثِّرُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَالمَحَلُّ الْقَابِلُ الحَيُّ، وَوُجِدَ الشَّرْطُ، وَهُوَ إِصْغَاءٌ، وَانْتَفَى المَانِعُ - حَصَلَ الانْتِفَاعُ.