دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > مكتبة علوم العقيدة > أصول الاعتقاد > الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية لابن بطة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 رجب 1434هـ/20-05-2013م, 10:02 AM
أم صفية أم صفية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 212
افتراضي باب الاستثناء في الإيمان

قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): (باب الاستثناء في الإيمان قال الشّيخ: اعلموا رحمنا اللّه وإيّاكم أنّ من شأن المؤمنين وصفاتهم وجود الإيمان فيهم، ودوام الإشفاق على إيمانهم، وشدّة الحذر على أديانهم، فقلوبهم وجلةٌ من خوف السّلب، قد أحاط بهم الوجل، لا يدرون ما اللّه صانعٌ بهم في بقيّة أعمارهم، حذرين من التّزكية، متّبعين لما أمرهم به مولاهم الكريم حين يقول: {فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى} [النجم: 32] .
[الإبانة الكبرى: 2/862]
خائفين من حلول مكر اللّه بهم في سوء الخاتمة، لا يدرون على ما يصبحون ويمسون، قد أورثهم ما حذّرهم تبارك وتعالى الوجل في كلّ قدمٍ حين يقول: {وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا وما تدري نفسٌ بأيّ أرضٍ تموت} [لقمان: 34] . فهم بالحال الّتي وصفهم بها عزّ وجلّ حيث يقول: {والّذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ أنّهم إلى ربّهم راجعون} [المؤمنون: 60] . فهم يعملون الصّالحات، ويخافون سلبها والرّجوع عنها، ويجانبون الفواحش والمنكرات، وهم وجلون من مواقعتها، وبذلك جاءت السّنّة عن المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم
[الإبانة الكبرى: 2/863]
1175 - حدّثنا أبو شيبة عبد العزيز بن جعفرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا مالك بن مغولٍ، عن عبد الرّحمن بن سعيد بن وهبٍ، عن عائشة، رضي اللّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللّه: {والّذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ} [المؤمنون: 60] هو الرّجل يسرق ويزني ويشرب الخمر؟ قال: «لا يا بنت الصّدّيق، ولكنّه الرّجل يصوم ويصلّي ويتصدّق، وهو يخاف أن لا يقبل منه» قال الشّيخ: فلمّا أن لزم قلوبهم هذا الإشفاق، لزموا الاستثناء في كلامهم، وفي مستقبل أعمالهم، فمن صفة أهل العقل والعلم: أن يقول الرّجل: أنا مؤمنٌ إن شاء اللّه، لا على وجه الشّكّ، ونعوذ باللّه من الشّكّ في الإيمان، لأنّ الإيمان إقرارٌ للّه بالرّبوبيّة، وخضوعٌ له في العبوديّة، وتصديقٌ له في كلّ ما قال وأمر ونهى.
[الإبانة الكبرى: 2/864]
فالشّاكّ في شيءٍ من هذا كافرٌ لا محالة، ولكنّ الاستثناء يصحّ من وجهين: أحدهما نفي التّزكية لئلّا يشهد الإنسان على نفسه بحقائق الإيمان وكوامله، فإنّ من قطع على نفسه بهذه الأوصاف شهد لها بالجنّة، وبالرّضاء وبالرّضوان، ومن شهد لنفسه بهذه الشّهادة كان خليقًا بضدّها، أرأيت لو أنّ رجلًا شهد عند بعض الحكّام على شيءٍ تافهٍ نزرٍ، فقال له الحاكم: لست أعرفك ولكنّي أسأل عنك، ثمّ أسمع شهادتك فقال له: إنّك لن تسأل عنّي أعلم بي منّي أنا رجلٌ ذكّيٌّ عدلٌ، مأمونٌ رضيٌّ، جائز الشّهادة، ثابت العدالة. أليس كان قد أخبر عن نفسه بضعف بصيرته، وقلّة عقله بما دلّ الحاكم على ردّ شهادته، وأغناه عن المسألة عنه، فما ظنّك بمن قطع على نفسه بحقائق الإيمان الّتي هي من أوصاف النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، وحكم لنفسه بالخلود في جنّات النّعيم. ويصحّ الاستثناء أيضًا من وجهٍ آخر يقع على مستقبل الأعمال ومستأنف الأفعال وعلى الخاتمة، وبقيّة الأعمار، ويريد إنّي مؤمنٌ إن ختم اللّه لي بأعمال المؤمنين، وإن كنت عند اللّه مثبتًا في ديوان أهل الإيمان، وإن كان ما أنا عليه من أفعال المؤمنين أمرًا يدوم لي ويبقى عليّ حتّى ألقى اللّه به، ولا أدري هل أصبح وأمسي على الإيمان أم لا؟ وبذلك أدّب اللّه نبيّه والمؤمنين من عباده، قال تعالى:
[الإبانة الكبرى: 2/865]
{ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلّا أن يشاء اللّه} [الكهف: 24] . فأنت لا يجوز لك إن كنت ممّن يؤمن باللّه وتعلم أنّ قلبك بيده يصرفه كيف شاء أن تقول قولًا حزمًا حتمًا: إنّي أصبح غدًا مؤمنًا، ولا تقول: إنّي أصبح غدًا كافرًا ولا منافقًا، إلّا أن تصل كلامك بالاستثناء فتقول: إن شاء اللّه، فهكذا أوصاف العقلاء من المؤمنين
[الإبانة الكبرى: 2/866]
1176 - حدّثنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكاذيّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا عبد الملك بن عمرٍو، قال: حدّثنا موسى يعني ابن عليٍّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: " ما أحبّ أن أحلف: لا أصبح كافرًا، ولا أمسي كافرًا " قال الشّيخ: والاستثناء أيضًا يكون على اليقين. قال اللّه تعالى: {لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين} [الفتح: 27] . وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي لأرجو أن أكون أتقاكم للّه» ومرّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأهل
[الإبانة الكبرى: 2/866]
القبور فقال: «وإنّا بكم إن شاء اللّه لاحقون» وهو يعلم أنّه ميّتٌ لا محالة ولكنّ اللّه تعالى بذلك أدّب أنبياءه وأولياءه أن لا يقولوا قولًا أملوه وخافوه، وأحبّوه أو كرهوه إلّا شرطوا مشيئة اللّه فيه. قال إبراهيم خليل الرّحمن صلّى اللّه عليه وسلّم: {أتحاجّونّي في اللّه وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلّا أن يشاء ربّي شيئًا} [الأنعام: 80] . وقال شعيبٌ عليه السّلام: {وما يكون لنا أن نعود فيها إلّا أن يشاء اللّه ربّنا} [الأعراف: 89] . فهذا طريق الأنبياء والعلماء والعقلاء، وجميع من مضى من السّلف والخلف والمؤمنين من الخلف الّذين جعل اللّه عزّ وجلّ الاقتداء بهم هدايةً وسلامةً واستقامةً وعافيةً من النّدامة
[الإبانة الكبرى: 2/867]
1177 - حدّثنا أبو ذرٍّ أحمد بن محمّد بن الباغنديّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة النّميريّ، قال: أبو أحمد الزّبيريّ قال: حدّثنا
[الإبانة الكبرى: 2/867]
سفيان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السّلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون "
[الإبانة الكبرى: 2/868]
1178 - حدّثنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، قال: حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عامر بن سعدٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أعطى رجالًا، ولم يعط رجلًا، فقلت: يا رسول اللّه أعطيت فلانًا وفلانًا، وتركت فلانًا فلم تعطه، وهو مؤمنٌ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أو مسلمٌ» قال: فأعادها عليه ثلاثًا، وهو يقول: «أو مسلمٌ»، ثمّ قال: «إنّي لأعطي رجالًا، وأدع من هو أحبّ إليّ منهم مخافة أن يكبّوا في النّار على مناخرهم»
[الإبانة الكبرى: 2/868]
1179 - وحدّثنا النّيسابوريّ، قال: حدّثنا الرّماديّ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ابن أبي ذئبٍ، عن الزّهريّ، عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه، أنّ نفرًا أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألوه فأعطاهم إلّا رجلًا منهم، قال سعدٌ: فقلت: يا رسول اللّه، أعطيتهم وتركت فلانًا، واللّه إنّي لأراه مؤمنًا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أو مسلمًا» فقال سعدٌ ذلك ثلاثًا، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي لأعطي الرّجل العطاء، وغيره أحبّ إليّ منه، وما أفعل ذلك إلّا مخافة أن يكبّه اللّه في نار جهنّم على وجهه»
[الإبانة الكبرى: 2/868]
1180 - حدّثنا أبو ذرٍّ أحمد بن محمّد بن الباغنديّ قال: حدّثنا
[الإبانة الكبرى: 2/868]
عليّ بن سهل بن المغيرة، قال: حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا همّامٌ، قال: أخبرنا قتادة، أنّ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه قال: من زعم أنّه مؤمنٌ فهو كافرٌ، ومن زعم أنّه في الجنّة فهو في النّار، ومن زعم أنّه عالمٌ فهو جاهلٌ قال: فنازعه رجلٌ، فقال: إن تذهبوا بالسّلطان فإنّ لنا الجنّة، قال: فقال عمر: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من زعم أنّه في الجنّة فهو في النّار»
[الإبانة الكبرى: 2/869]
1181 - حدّثنا أبو شيبة عبد العزيز بن جعفرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا إسحاق بن أحمد، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا الأعمش، عن أبي وائلٍ، قال: جاء رجلٌ إلى عبد اللّه فقال: يا أبا عبد الرّحمن لقيت ركبًا، فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن المؤمنون. قال عبد اللّه: " أفلا قالوا: نحن أهل الجنّة "
[الإبانة الكبرى: 2/869]
1182 - حدّثنا إسحاق بن أحمد، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، وحدّثنا أبو شيبة، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قالا: حدّثنا يزيد بن هارون، قالا: أخبرنا أبو الأشهب، عن الحسن، أنّ رجلًا قال عند عبد اللّه بن مسعودٍ: إنّي مؤمنٌ، فقيل لابن مسعودٍ: إنّ هذا يزعم أنّه مؤمنٌ، قال: فاسألوه أفي الجنّة هو أو في النّار؟ فسألوه فقال: اللّه أعلم، فقال له عبد اللّه: فهلّا وكّلت الأولى كما وكّلت الآخرة "
[الإبانة الكبرى: 2/869]
1183 - حدّثنا أبو شيبة، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، وحدّثنا إسحاق بن أحمد
[الإبانة الكبرى: 2/869]
الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنّه كان بينه وبين رجلٍ من الخوارج كلامٌ، فقال له علقمة: {والّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} [الأحزاب: 58] . قال: فقال الرّجل: ومؤمنٌ أنت؟ قال: «أرجو»
[الإبانة الكبرى: 2/870]
1184 - حدّثنا إسحاق بن أحمد، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا يونس، عن الحسن، أنّ رجلًا قال عند ابن مسعودٍ: إنّه مؤمنٌ، قال: فقال: ما تقول؟ قالوا: يقول إنّه مؤمنٌ، قال: فاسألوه أفي الجنّة هو؟ قالوا: أفي الجنّة أنت؟ قال: اللّه أعلم، قال: أفلا وكّلت الأولى، كما وكّلت الأخرى "
[الإبانة الكبرى: 2/870]
1185 - حدّثنا أبو محمّدٍ عبد اللّه بن سليمان الفاميّ، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى البرتيّ، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن عبّاسٍ، عن عبد اللّه، أنّه كان يقول في خطبته: «من يتألّ على اللّه يكذّبه»
[الإبانة الكبرى: 2/870]
1186 - حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن عيسى الخوّاص قال: حدّثنا
[الإبانة الكبرى: 2/870]
عبد الملك بن عمرٍو، عن عكرمة بن عمّارٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من حتّم على اللّه أكذبه»
[الإبانة الكبرى: 2/871]
1187 - حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن سليمان النّجّاد قال: قال المرّوذيّ: سمعت أبا عبد اللّه أحمد بن حنبلٍ رحمه اللّه يقول: حدّثني عليّ بن بحرٍ، قال: سمعت جرير بن عبد الحميد، يقول: كان الأعمش، ومنصورٌ، ومغيرة، وليثٌ، وعطاء بن السّائب، وإسماعيل بن أبي خالدٍ، وعمارة بن القعقاع، والعلاء بن المسيّب، وابن شبرمة، وسفيان الثّوريّ، وأبو يحيى صاحب الحسن، وحمزة الزّيّات يقولون: «نحن مؤمنون إن شاء اللّه، ويعيبون من لا يستثني»
[الإبانة الكبرى: 2/871]
1188 - قال المرّوذيّ: وسمعت بعض مشايخنا يقول: سمعت عبد الرّحمن بن مهديٍّ يقول: «إذا ترك الاستثناء فهو أصل الإرجاء»
[الإبانة الكبرى: 2/871]
1189 - حدّثنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، وحدّثنا أبو حفصً عمر بن محمّدٍ قال: حدّثنا أبو نصرٍ عصمة قال: حدّثنا الفضل بن زيادٍ، قال: سمعت أبا عبد اللّه، يقول: «ما أدركت أحدًا من أصحابنا إلّا على الاستثناء» قال يحيى: وكان سفيان يكره أن يقول: «أنا مؤمنٌ»
[الإبانة الكبرى: 2/871]
1190 - حدّثنا أبو شيبة، وعبد العزيز بن جعفرٍ، قال: حدّثنا
[الإبانة الكبرى: 2/871]
محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا إسحاق الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: قال سفيان: «النّاس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث، ونرجو أن يكون ذلك، ولا ندري ما حالنا عند اللّه» قال الشّيخ: فهذه سبيل المؤمنين وطريق العقلاء من العلماء لزوم الاستثناء والخوف والرّجاء، لا يدرون كيف أحوالهم عند اللّه، ولا كيف أعمالهم أمقبولةٌ هي أم مردودةٌ؟ قال اللّه عزّ وجلّ: {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين} [المائدة: 27] . وأخبر عن عبده الصّالح سليمان عليه السّلام في مسألته إيّاه: {وقال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحًا} [النمل: 19] . أفلا تراه كيف يسأل اللّه الرّضا منه بالعمل الصّالح، لأنّه قد علم أنّ الأعمال ليست بنافعةٍ وإن كانت في منظر العين صالحةً، إلّا أن يكون اللّه عزّ وجلّ قد رضيها وقبلها، فهل يجوز لأحدٍ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يجزم أنّ أعماله الصّالحة من أفعال الخير، وأعمال البرّ كلّها مرضيّةٌ، وعنده زكيّةٌ، ولديه مقبولةٌ. هذا لا يقدر على حتمه وجزمه إلّا جاهلٌ مغترٌ باللّه، نعوذ باللّه من الغرّة باللّه والإصرار على معصية اللّه، أما ترون رحمكم اللّه إلى الرّجل من المسلمين قد صلّى الصّلاة فأتمّها وأكملها وربّما كانت في جماعةٍ وفي وقتها،
[الإبانة الكبرى: 2/872]
وعلى تمام طهارتها، فيقال له: صلّيت؟ فيقول: قد صلّيت إن قبلها اللّه، وكذلك القوم يصومون شهر رمضان، فيقولون في آخره: صمنا إن كان اللّه قد تقبّله منّا. وكذلك يقول من قدم من حجّةٍ بعد فراغه من حجّه وعمرته وقضاء جميع مناسكه إذا سئل عن حجّه، إنّما يقول: قد حججنا ما بقي غير القبول، وكذلك دعاء النّاس لأنفسهم، ودعاء بعضهم لبعضٍ: اللّهمّ تقبّل صومنا، وزكاتنا، وبذلك يلقى الحاجّ فيقال له: قبل اللّه حجّك، وزكّى عملك، وكذا يتلاقى النّاس عند انقضاء شهر رمضان، فيقول بعضهم لبعضٍ: قبل اللّه منّا ومنك. بهذا مضت سنة المسلمين، وعليه جرت عاداتهم، وأخذه خلفهم عن سلفهم، فليس يخالف الاستثناء في الإيمان ويأبى قبوله إلّا رجلٌ خبيثٌ مرجئٌ ضالٌّ، قد استحوذ الشّيطان على قلبه، نعوذ باللّه منه
[الإبانة الكبرى: 2/873]
1191 - حدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّد بن رجاءٍ قال: حدّثنا أبو نصرٍ عصمة قال: سمعت أبا عبد اللّه، يقول: كان سليمان بن حربٍ يحمل هذا يعني الاستثناء على التّقبّل، يقولون: نحن نعمل، ولا ندري أيتقبّل أم لا "
[الإبانة الكبرى: 2/873]
1192 - حدّثنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: قرأت على أبي: حدّثكم مهديّ بن جعفرٍ، قال: حدّثنا الوليد، قال: سمعت أبا عمرٍو يعني الأوزاعيّ، ومالك بن أنسٍ، وسعيد بن عبد العزيز، لا ينكرون أن يقولوا: أنا مؤمنٌ ويأذنون في الاستثناء، أن يقول: أنا مؤمنٌ إن شاء اللّه "
[الإبانة الكبرى: 2/873]
1193 - حدّثنا إسحاق بن أحمد، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا عليّ بن بحرٍ، قال: سمعت جرير بن عبد الحميد، يقول: «الإيمان قولٌ وعملٌ»
[الإبانة الكبرى: 2/874]
1194 - قال: وكان الأعمش، ومنصورٌ، ومغيرة، وليثٌ، وعطاء بن السّائب، وإسماعيل بن السّائب، وإسماعيل بن أبي خالدٍ، وعمارة بن القعقاع، والعلاء بن المسيّب، وابن شبرمة، وسفيان الثّوريّ، وأبو يحيى صاحب الحسن، وحمزة الزّيّات، يقولون: «نحن مؤمنون إن شاء اللّه، ويعيبون من لا يستثني»
[الإبانة الكبرى: 2/874]
1195 - وحدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّدٍ قال: حدّثنا أبو نصرٍ عصمة قال: حدّثنا الفضل بن زيادٍ، قال: سمعت أبا عبد اللّه، يقول: إذا قال: إنّي مؤمنٌ إن شاء اللّه، ليس هو بشاكٍّ. قيل له: إن شاء اللّه ليس هو شكًّا، قال: معاذ اللّه: أليس قد قال اللّه عزّ وجلّ: {لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين} [الفتح: 27] " وفي علمه أنّهم يدخلون، وصاحب القبر إذا قال: عليه أبعث إن شاء اللّه، فأيّ شكٍّ هاهنا، وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون»
[الإبانة الكبرى: 2/874]
1196 - قال الفضل: وسمعت أبا عبد اللّه، يقول: حدّثني مؤمّلٌ، وحدّثنا إسحاق الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني أبي قال:
[الإبانة الكبرى: 2/874]
حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، قال: سمعت هشامًا، يذكر قال: كان الحسن ومحمّدٌ يهابان: مؤمنٌ، ويقولان: مسلمٌ "
[الإبانة الكبرى: 2/875]
1197 - حدّثنا إسحاق بن أحمد، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا زهير بن محمّدٍ، عن شريك بن أبي نمرٍ، عن عطاء بن يسارٍ، عن عائشة، قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخرج إذا كانت ليلة عائشة إذا ذهب اللّيل إلى البقيع، فيقول: «السّلام عليكم أهل ديار قومٍ مؤمنين، وإنّا وإيّاكم وما توعدون غدًا مؤجّلون، وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون»
[الإبانة الكبرى: 2/875]
1198 - حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسين بن عبد اللّه: قرأته عليه بمنزله بمكّة قلت: حدّثكم الفريابيّ قال: حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالك بن أنسٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أتى المقبرة فقال: «السّلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون»
[الإبانة الكبرى: 2/875]
1199 - حدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّد بن رجاءٍ قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عبد اللّه بن الحسن بن شهابٍ قال: حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن محمّد بن هانئٍ الأثرم قال: سمعت أبا عبد اللّه، سئل عن الاستثناء، إذا كان يقول: " الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص، فاستثنى مخافةً واحتياطًا، ليس كما يقولون على الشّكّ، إنّما يستثني للعمل
[الإبانة الكبرى: 2/875]
1200 - قيل لأبي عبد اللّه: يزعمون أنّ سفيان كان يذهب إلى الاستثناء في الإيمان، فقال: هذا مذهب سفيان المعروف به الاستثناء،
[الإبانة الكبرى: 2/875]
قلت لأبي عبد اللّه: من يرويه عن سفيان؟ فقال: كلّ من حكى عن سفيان في هذا حكى أنّه كان يستثني. وقال وكيعٌ، عن سفيان: «النّاس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث، ولا ندري ما هم عند اللّه»
[الإبانة الكبرى: 2/876]
1201 - قيل لأبي عبد اللّه: فأنت أيّ شيءٍ تقول؟ فقال: نحن نذهب إلى الاستثناء. قلت لأبي عبد اللّه: فأمّا إذا قال: أنا مسلمٌ فلا يستثني؟ فقال: لا يستثني إذا قال: أنا مسلمٌ، قال الزّهريّ: «نرى الإسلام الكلمة، والإيمان العمل»
[الإبانة الكبرى: 2/876]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاستثناء, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir