دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > مقدمات المحدثين > مقدمة صحيح مسلم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 جمادى الأولى 1431هـ/9-05-2010م, 07:57 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن

قالَ مسلمُ بنُ الحجاجِ بنِ مسلمٍ القشيريُّ النيسابوريُّ (ت: 261هـ): (وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحاً - لكان رأياً متيناً ومذهباً صحيحاً.
إذ الإعراض عن القول المطَّرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهاً للجهال عليه، غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب، واغترار الجهلة بمحدثات الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد - أجدى على الأنام وأحمد للعاقبة إن شاء الله.
وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والإخبار عن سوء رويته أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به، غير أنه لا نعلم له منه سماعاً ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث - أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا في دهرهما مرة فصاعداً، أو تشافها في الحديث بينهما، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما وتلاقيهما مرة من دهرهما فما فوقها، فإن لم يكن عنده علم ذلك ولم تأت رواية صحيحة تخبر أن هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة وسمع منه شيئاً - لم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك، والأمر كما وصفنا حجة وكان الخبر عنده موقوفاً حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث قل أو كثر في رواية مثل ما ورد.

باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن
وهذا القول - يرحمك الله - في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث، غير مسبوق صاحبه إليه، ولا مساعد له من أهل العلم عليه، وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئاً، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبداً حتى تكون الدلالة التي بينا.
فيقال لمخترع هذا القول الذي وصفنا مقالته أو للذاب عنه قد أعطيت في جملة قولك أن خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة يلزم به العمل، ثم أدخلت فيه الشرط بعد فقلت حتى نعلم أنهما قد كانا التقيا مرة فصاعداً أو سمع منه شيئاً، فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطته عن أحد يلزم قوله؟ وإلا فهلم دليلاً على ما زعمت.
فإذا ادعى قول أحد من علماء السلف بما زعم من إدخال الشريطة في تثبيت الخبر طولب به ولن يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلاً، وإن هو ادعى فيما زعم دليلاً يحتج به، قيل له: وما ذاك الدليل؟ فإن قال: قلته لأني وجدت رواة الأخبار قديماً وحديثاً يروي أحدهم عن الآخر الحديث ولما يعاينه ولا سمع منه شيئاً قط، فلما رأيتهم استجازوا رواية الحديث بينهم هكذا على الإرسال من غير سماع - والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة - احتجت لما وصفت من العلة إلى البحث عن سماع راوي كل خبر عن راويه، فإذا أنا هجمت على سماعه منه لأدنى شيء ثبت عنه عندي بذلك جميع ما يروي عنه بعد، فإن عزب عني معرفة ذلك أوقفت الخبر ولم يكن عندي موضع حجة لإمكان الإرسال فيه.
فيقال له: فإن كانت العلة في تضعيفك الخبر وتركك الاحتجاج به إمكان الإرسال فيه، لزمك أن لا تثبت إسناداً معنعناً حتى ترى فيه السماع من أوله إلى آخره؟
وذلك أن الحديث الوارد علينا بإسناد هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فبيقين نعلم أن هشاماً قد سمع من أبيه، وأن أباه قد سمع من عائشة، كما نعلم أن عائشة قد سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد يجوز إذ لم يقل هشام في رواية يرويها عن أبيه سمعت أو أخبرني، أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية إنسان أخر أخبره بها عن أبيه، ولم يسمعها هو من أبيه، لما أحب أن يرويها مرسلاً ولا يسندها إلى من سمعها منه، وكما يمكن ذلك في هشام عن أبيه، فهو أيضا ممكن في أبيه عن عائشة، وكذلك كل إسناد لحديث ليس فيه ذكر سماع بعضهم عن بعض.
وإن كان قد عرف في الجملة أن كل واحد منهم قد سمع من صاحبه سماعاً كثيراً، فجائز لكل واحد منهم أن ينزل في بعض الرواية، فيسمع من غيره عنه بعض أحاديثه ثم يرسله عنه أحياناً ولا يسمي من سمع منه، وينشط أحياناً فيسمي الرجل الذي حمل عنه الحديث ويترك الإرسال، وما قلنا من هذا موجود في الحديث مستفيض من فعل ثقات المحدثين وأئمة أهل العلم، وسنذكر من رواياتهم على الجهة التي ذكرنا عدداً يستدل بها على أكثر منها - إن شاء الله تعالى - ؛ فمن ذلك أن أيوب السختياني وابن المبارك ووكيعاً وابن نمير وجماعة غيرهم رووا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: ( كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحله ولحرمه بأطيب ما أجد ).
فروى هذه الرواية بعينها الليث بن سعد، وداود العطار، وحميد بن الأسود، ووهيب بن خالد، وأبو أسامة، عن هشام قال: أخبرني عثمان بن عروة، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم-.
وروى هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض ).
فرواها بعينها مالك بن أنس، عن الزهري، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وروى الزهري وصالح بن أبي حسان، عن أبي سلمة، عن عائشة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم.
فقال يحيى بن أبي كثير في هذا الخبر في القبلة، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عمر بن عبد العزيز أخبره، أن عروة أخبره، أن عائشة أخبرته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم.
وروى بن عيينة وغيره، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: ( أطعمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر ).
فرواه حماد بن يزيد، عن عمرو، عن محمد بن علي، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا النحو في الروايات كثير يكثر تعداده، وفيما ذكرنا منها كفاية لذوي الفهم.
فإذا كانت العلة عند وصفنا قوله من قبل في فساد الحديث وتوهينه إذا لم يعلم أن الراوي قد سمع ممن روى عنه شيئاً إمكان الإرسال فيه، لزمه ترك الاحتجاج في قياد قوله برواية من يعلم أنه قد سمع ممن روى عنه إلا في نفس الخبر الذي فيه ذكر السماع، لما بينا من قبل عن الأئمة الذين نقلوا الأخبار أنهم كانت لهم تارات يرسلون فيها الحديث إرسالاً ولا يذكرون من سمعوا منه، وتارات ينشطون فيها فيسندون الخبر على هيئة ما سمعوا، فيخبرون بالنزول فيه إذا نزلوا وبالصعود إن صعدوا كما شرحنا ذلك عنهم.
وما علمنا أحد من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها مثل أيوب السختياني، وابن عون، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهم من أهل الحديث فتشوا عن موضع السماع في الأسانيد كما ادعاه الذي وصفنا قوله من قبل.
وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم - إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقدون ذلك منه، كي تنزاح عنهم علة التدليس، فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعم من حكينا قوله، فما سمعنا ذلك عن أحد ممن سمينا ولم نسم من الأئمة.
فمن ذلك أن عبد الله بن يزيد الأنصاري وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد روى عن حذيفة، وعن أبي مسعود الأنصاري، وعن كل واحد منهما حديثا يسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، وليس في روايته عنهما ذكر السماع منهما، ولا حفظنا في شيء من الروايات أن عبد الله بن يزيد شافه حذيفة وأبا مسعود بحديث قط، ولا وجدنا ذكر رؤيته إياهما في رواية بعينها، ولم نسمع عن أحد من أهل العلم ممن مضى ولا ممن أدركنا أنه طعن في هذين الخبرين اللذين رواهما عبد الله بن يزيد عن حذيفة وأبي مسعود بضعف فيهما، بل هما وما أشبههما عند من لاقينا من أهل العلم بالحديث من صحاح الأسانيد وقويها، يرون استعمال ما نقل بها والاحتجاج بما أتت من سنن وآثار.
وهي في زعم من حكينا قوله من قبل واهية مهملة حتى يصيب سماع الراوي عمن روى، ولو ذهبنا نعدد الأخبار الصحاح عند أهل العلم ممن يهن بزعم هذا القائل ونحصيها - لعجزنا عن تقصي ذكرها وإحصائها كلها، ولكنا أحببنا أن ننصب منها عدداً يكون سمة لما سكتنا عنه منها.
وهذا أبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ، وهما من أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البدريين هلم جرا، ونقلا عنهم الأخبار حتى نزلا إلى مثل أبي هريرة وابن عمر وذويهما، قد أسند كل واحد منهما عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً ولم نسمع في رواية بعينها أنهما عاينا أبياً أو سمعا منه شيئاً.
وأسند أبو عمر الشيباني وهو ممن أدرك الجاهلية، وكان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، كل واحد منهما عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرين.
وأسند عبيد بن عمير، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً، وعبيد بن عمير ولد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأسند قيس بن أبي حازم - وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم - عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أخبار.
وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى - وقد حفظ عن عمر بن الخطاب، وصحب علياً - عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً.
وأسند ربعي بن حراش، عن عمران بن حصين، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثين، وعن أبي بكرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً، وقد سمع ربعي من علي بن أبي طالب وروى عنه.
وأسند نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي شريح الخزاعي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً.
وأسند النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأسند عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً.
وأسند سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً.
وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث.
فكل هؤلاء التابعين الذين نصبنا روايتهم عن الصحابة الذين سميناهم، لم يحفظ عنهم سماع علمناه منهم في رواية بعينها، ولا أنهم لقوهم في نفس خبر بعينه.
وهي أسانيد عند ذوي المعرفة بالأخبار والروايات من صحاح الأسانيد، لا نعلمهم وهنوا منها شيئاً قط، ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعض ، إذ السماع لكل واحد منهم ممكن من صاحبه غير مستنكر؛ لكونهم جميعاً كانوا في العصر الذي اتفقوا فيه.
وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث بالعلة التي وصف - أقل من أن يعرج عليه ويثار ذكره.
إذ كان قولاً محدثاً، وكلاماً خلفاً، لم يقله أحد من أهل العلم سلف، ويستنكره من بعدهم خلف، فلا حاجة بنا في رده بأكثر مما شرحنا إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه، والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التكلان ). [مقدمة صحيح مسلم: 1/28-35]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 رجب 1435هـ/5-05-2014م, 05:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح مقدمة صحيح مسلم من المعلم بفوائد مسلم

قال عبد الله بن محمد بن علي بن عمر المازري (ت: 536هـ): (قال مسلم في حديث آخر: روى الزّهري وصالح بن أبي حسّان، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائمٌ.
قال بعضهم في نسخة الرازي: روى الزهري وصالح بن كيسان، وهو وهم، والصواب صالح بن أبي حسّان، وهذا الحديث ذكره النسائي وغيره من طريق ابن وهب، عن ابن أبي ذئب، عن صالح بن أبي حسّان). [المعلم بفوائد مسلم: 1/275]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 رجب 1435هـ/5-05-2014م, 05:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح مقدمة صحيح مسلم من إكمال المعلم

قال القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي (ت: 544هـ): (وذكر مسلم كلام بعض الناس في المعنعن وهو قولهم: فلان عن فلان ولا يقول: حدثنا، ولا أخبرنا، ولا سمعت، وقولهم ولا يحمل منه على المسند إلا ما كان بين متعاصرين يعلم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعداً، وما لم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شهد له لفظ السماع والتحديث، وأنكر مسلم هذا وردّه ولم يشترط غير التعاصر لا أكثر، والقول الذي ردّه مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم علي بن المديني والبخاري وغيرهما، ولا بد أن يشترط أن يكون الراوي مع ذلك ممن لا يعرف بالتدليس.
قال أبو عمر بن عبد البر: وجدت أئمة الحديث أجمعوا على قبول المعنعن بغير تدليس، إذا جمع شروطاً ثلاثةً:
عدالتهم، ولقاء بعضهم بعضاً، وبراءتهم من التدليس على خلاف بينهم في ذلك، وقال ابن البيّع: المعنعن بغير تدليس متصل بإجماع أهل النقل، على تورع رواته عن التدليس، وإلى ما ذهب إليه مسلم ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره من أئمة النظار.

وكذلك اختلفوا في لفظة: " أنّ فلاناً " هل هي مثل: عن فلان؟ فيقضى لها بالاتصال أو بضد ذلك، فقال جمهورهم: إنّ " أنّ " و" عن " سواء على الشروط المذكورة في " عن "، وزعم البرديجيّ أنّها على الانقطاع حتى يتبيّن فيها السّماع بخلاف " عن ".
قال مسلم: " والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة ".
قال القاضي: اختلف العلماء في المرسل على ما يقع من الحديث وفي ثبوت الحجة به، فأما الفقهاء والأصوليون فيطلقون المرسل على كل ما لا يتصل سنده إلى النبي عليه السلام-، وأرسله راوٍ من رواته تابعياً كان أو من دونه، إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو سكت فيه عن راو من رواته أو أكثر، وارتفع إلى من فوقه، فهو داخل عندهم في المرسل، وكذلك إذا قال عن رجل ولم يسمّه، وأما أصحاب الحديث فلهم تفريق في ذلك واصطلاحات بنوا عليها صنعتهم، ورتبوا أبوابهم وتراجمهم، فلا يطلقون المرسل إلا على ما أرسله التابعي، وقال فيه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دون ذكر الصحابي، وقال أبو عبد الله الحاكم في كتاب " علوم الحديث ": لم يختلف مشايخ الحديث في هذا، فأما ما أرسله الراوي دون التابعي فهو عندهم المنقطع، وكذلك يسمون الحديث عن رجل لم يسمّ، وذكر كتاب " المدخل إلى كتاب الإكليل ": المرسل أن يقول التابعي أو تابع التابعي: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن كان بين المرسل وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم أكثر من رجلٍ سمّوه معضلاً، كذا لقّبه ابن المديني وغيره وأدخل البلاغات وشبهها عندهم في باب العضل، وكل هذا بالحقيقة داخل في باب المرسل، إذ أصل ذلك إضافة الراوي الحديث إلى من لم يرو عنه، وإرسال سنده وسقوط اتصاله، وأما الحجة به فذهب السلف الأول إلى قبوله والحجة به، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وعامة أصحابهما وفقهاء الحجاز والعراق، وذهب الشافعي وإسماعيل القاضي، في عامة أهل الحديث وكافة أصحاب الأصول وأهل النظر، إلى ترك الحجة بها، وحكاه الحاكم عن ابن المسيب ومالك وجماعة أهل الحديث وفقهاء الحجاز وممن بعدهم من فقهاء المدينة، وعن الأوزاعي والزهري وابن حنبل، والمعروف من مذهب مالك وأهل المدينة خلاف ما ذكر فلهم تفريق في ذلك، وشرط بعض من لم ير الحجة به مراسيل التابعين جملةً وخصّ بعضهم مراسيل كبار التابعين، وبعضهم مراسيل الصحابة و إذا قالوا: حدثني رجل عن النبي- عليه السلام- وخصّ الشافعي مراسيل سعيد بن المسيب، وبعضهم مراسيل الأئمة وجعلها حجةً كالمسندات، إذ أكثرها كذلك، لا يرسلون إلا ما صحّ، ومنهم من جعل هذه أقوى من المسانيد لأن الإمام لا يرسل الحديث إلا مع نهاية الثقة به والصحة. واختار بعض المحققين من المتأخرين قبول مرسل الصحابي والتابعي إذا عرف من عادته أنه لا يروى إلا عن صحابي، قال أبو عمرو أبو الوليد: ولا خلاف أنه لا يجوز العمل به إذا كان مرسله غير متحرز يرسل عن غير الثقات.
قال مسلم: " خبر الواحد الثقة عن الواحد حجةٌ يلزم به العمل ". هذا الذي قاله هو مذهب جمهور المسلمين من السلف والفقهاء والمحدثين ومذهب الأصوليين، وأن وجوب ذلك من جهة الشرع كأن نقله بواحدٍ عن واحد أو أكثر ما لم يبلغ عدد التواتر، وإن أوجب غلبة الظن دون اليقين والعلم، وذهبت الروافض والقدريّة وبعض أهل الظاهر إلى أنه لا يجب به عملٌ، واختلفوا بعد، فمنهم من قال: مانع ذلك العقل، ومنهم من قال: الشرع، وقالت طائفة: يجب العمل بمقتضاه عقلاً، وذهب الجبائي من المعتزلة إلى أنه لا يلزم العمل إلا بما رواه اثنان عن اثنين هكذا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال غيره: لا يلزم إلا بما رواه أربع عن أربع، ومثل هذا غير موجود، وإن وجد منه شيء فقليلٌ، ولو التزم هذا لا يطلب السنن، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه يوجب العلم، وحكى هذا عن أحمد بن حنبل، ثم قالت منهم طائفة: إنما يوجب العلم الظاهر دون الباطن. وهذه الأقاويل كلها غير قول الجمهور باطلة، إذ لا يقطع بمغيّبة وصدق ناقله وإذ يعلم بالضرورة ترك الطمأنينة إلى القطع بصدق ناقله لاحتمال الوهم والغلط، والآفات على الآحاد، كما لا يقطع بصحّة شهادة الشهود، وإن لزمنا العمل بها إجماعاً، ولعلمنا قطعاً إجماع الخلفاء والصحابة ومن بعدهم من السلف على امتثال خبر الواحد إذا أخبرهم بسنّةٍ أو قضاء من النبي صلّى الله عليه وسلّم ورجوعهم إليه وقضائهم وفتياهم به دون تلعثم وطلبهم عند عدم الحجة ذلك ممّن بلغهم أن ذلك نده، واحتجاجهم برواية من روى ذلك عند خلافهم، وكذلك علمنا بالضرورة والخبر المتواتر إنفاد من يأتي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لأوامره بأخبار رسله وتبليغ كتبه، وكل هذا لا خفاء بصحته والعقل لا يحيل التكليف بالعمل به، والشرع لم يمنعه بل أوجبه وعبّر بعض المتفقهة ومن لم يحصّل لفظه بأنه يوجب العمل، وهو تجوّز في اللفظ، إذ الشيء لا يكون حجة لوجوبه، وإنما تلقينا وجوب العمل به من سيرة السلف، وإجماعهم وأوامر النبي صلّى الله عليه وسلّم كما قدّمنا، وتفريق من فرّق بين العلم الظاهر والباطن فيه، فإن أراد بالظاهر غلبة الظن دون القطع فهو ما أردناه وصوّبناه، فهو خلاف في عبارة.
قال مسلم: " فإن عزب عليّ " معناه: بعد عنّي، يقال: عزب يعزب ويعزب، قال الله عز وجل: {وما يعزب عن رّبّك من مّثقال ذرّة} أي: تبعد وتغيب، ومنه سمّي العزب لبعده عن النساء.
وذكر مسلم حديث عروة عن عائشة: « كنت أطيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحله ولحرمه» " أي: لإحرامه ولإحلاله منه، بالوجهين قيّدناه عن شيوخنا بضمّ الحاء وكسرها، وبالضمّ قيّده الهروي والخطابي، وخطأ الخطابي أصحاب الحديث في كسره، وقيّده ثابت بالكسر، وحكى عن أصحاب الحديث ضمّه وخطّأهم وقال: صوابه الكسر كما قال لحله، وقد جاء في قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس " وحرمٌ على قرية " أي حرام والحرم والحرام واحدٌ.
اختلف الصحابة وأئمة الفتوى في تطييب المحرم عند الإحرام، فأجازه جماعة من الصحابة ومن بعدهم من أئمة الفتوى، وكرهه آخرون، وهو قول مالك، وحجة مجيزيه هذا الحديث، وحجتنا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم للذي سأله عنه بغسله ثلاث مرات، وتأولوا حديث عائشة خصوصاً للنبي- عليه السلام- لملكه لإربه، إذ الطيب من دواعي الجماع، ولحاجته للقاء الملائكة، ولأنه روي في حديث عائشة: " ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرماً "، فهذا يدلّ على أنه غسله، وأن طيبه كان لطوافه على نسائه لا لإحرامه، وسيأتي الكلام عليه في الحج.
ذكر مسلم حديث عروة عن عائشة: « كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا اعتكف يدني إليّ رأسه فأرجله وأنا حائض» "
في هذا الحديث دليل على طهارة جسد الحائض ولقوله- عليه. السلام-: " إن حيضتك ليست في يدك "، وحجة على الشافعي أن يسير الملامسة غير معتبرةٍ إلا مع مقارنة اللذة، وجواز ترجيل المعتكف شعره لحاجته وضرورته إليه خلافاً لما روي عن ابن عباس وجزه وفيه أن الحائض لا تدخل المسجد، لإخراج النبي صلّى الله عليه وسلّم رأسه منه إليها، وفيه خروج المعتكف من المسجد لحاجته، وجواز شغله الخفيف بما فيه مصلحته، وجواز اجتماعه بأهله ونسائه ما لم يتلذذ منهم بشيء إذا كان يملك إربه وعرف من نفسه القوة والسلامة، وأن الاعتكاف لا يكون في غير المسجد. وسيأتي بقية الكلام عليه في الاعتكاف.
قال مسلم: وروى الزهري وصالح بن أبي حسّان عن أبي سلمة. عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: « كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائم »
قال الإمام: قال بعضهم في نسخة الرازي: روى الزهري وصالح بن كيسان، وهو وهم، والصواب صالح بن أبي حسّان، وهذا الحديث ذكره النسائي وغيره من طريق ابن وهب، عن ابن أبي ذئب، عن صالح بن أبي حسّان.
قال القاضي: قال الجياني: وصالح بن أبي حسّان مدني ثقةٌ، وقال البخاري: صالح بن أبي حسّان سمع سعيد بن المسيب وأبا سلمة، روى عنه بكير بن الأشج وابن أبي ذئب.
قال القاضي: وكذا رويناه على الصواب عن أبي بحر، عن أبي الفتح الشاسي، عن عبد الغافر الفارسي، وكذا روايتنا عن أبي محمد الخشني، عن أبيه، عن أبي حفص الهوزني، عن أبي عبد الله الباجي، عن ابن ماهان.
وقوله في الحديث: " كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائم ": اختلف العلماء في إباحة القبلة للصائم، فأباحها قوم على الإطلاق، وكرهها آخرون وهو قول مالك، ورخّصت فيها طائفة للشيخ دون الشاب، وحكاه الخطابي عن مالك، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وروى ابن وهب عن مالك إباحتها في النافلة وكراهيتها في الفريضة ونحوه لابن حبيب عنه.
وقوله في الرواية الأخرى: " يقبّلها " فيه جواز الإخبار عما يكون من مثل هذا بين الرجل وعياله على الجملة دون التفسير، فإن ذلك منهي عنه، ولفائدة تحمل على ذكره، وسيأتي الكلام على المسألتين في الطهارة والصيام.
وذكر في حديث جابر: " أطعمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر الأهلية ": اختلفت الأحاديث في لحوم الخيل، ففي حديث جابر هذا ما رأيت، وفي حديث خالد بن الوليد " النهي عن لحوم الخيل والبغال والحمير "، وكره أكل لحوم الخيل مالك وأهل الرأي، وروي عن ابن عباس، وقال الحكم: هي حرام، ورخّصت في ذلك طائفة من التابعين، وذهب إليه الشافعي، وحجة المانعين لأكل جميعها نص الله تعالى على منافعها ولم يذكر فيها الأكل كما ذكر في الأنعام. وأما لحوم الحمر فمكروهة عند بعضهم محرّمة عن الأكثر إلا شيئاً روي عن ابن عباس، وفي المذهب عندنا فيها الوجهان، وسيأتي الكلام عليها متسعاً في الأطعمة.
قال مسلم عن الرواة: " فيخيرون بالنزول إذا نزلوا، وبالصعود إذا صعدوا "، يريد بذلك في الروايات والنزول فيها هي الرواية عن الأقران وطبقة المحدث ومن دونه، أو بسند يوجد أعلى منه وأقل رجالاً، والصعود الرواية بالسند العالي، والقرب فيه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقلة عدد رجاله أو من إمام مشهور حدّث به. هذا هو طريق أهل الصنعة ومذهبهم، وهو غاية جهدهم وحرصهم، وبمقدار علو حديث الواحد منهم تكثر الرحلة إليه، والأخذ عنه، مع أنّ له في طريق التحقيق والنظر وجهاً، وهو أن أخبار الآحاد وروايات الأفراد لا توجب- كما قدّمنا- علماً، ولا يقطع على مغيّب صدقها، لجواز الغفلات، والأوهام، والكذب على آحاد الرواة، لكن لمعرفتهم بالصدق ظاهراً وشهرتهم بالعدالة والستر، غلب على الظن صحة حديثهم وصدق خبرهم، فكلفنا العمل به، وقامت الحجة بذلك بظاهر الأوامر الشرعية، ومعلوم إجماع سلف هذه الأمة ومغيب أمر ذلك كله لله تعالى، وتجويز الوهم والغلط غير مستحيل في كل راو ممن سمّي في سند الخبر، فإذا كثروا وطال السند كثرت مظانّ التجويز، وكلما قلّ العدد قلت، حتى إن من سمع الحديث من التابعي المشهور عن الصحابي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أقوى طمأنينةً بصحة حديثه، ثم من سمعه من الصحابي كان أعلى درجةً في قوة الطمأنينة، وإن كان الوهم والنسيان جائزاً على البشر، حتى إذا سمعه من النبي صلّى الله عليه وسلّم ارتفعت أسباب التجويز وانسدت أبواب احتمالات الوهم وغير ذلك، للقطع- أنه عليه السلام لا يجوز عليه شيء من ذلك في باب التبليغ والخبر، وأن جميع ما يخبر به حق وصدق.
قال مسلم: " إذا كان الراوي عرف بالتدليس ". قال القاضي: التدليس لقبٌ وضعه أئمة الفتوى وأئمة هذه الصنعة على من أبهم بعض رواياته لمعانٍ مختلفة وأغراض متباينة، وقد كان هذا من عصر التابعين إلى هلم جرا. و ذكر عن جماعة من جلة الأئمة ولم يضر ذلك حديثهم لصحة أغراضهم وسلامتها وأضرّ ذلك بغيرهم. وهو على أمثلة، فمنه: أن سفيان بن عيينة على جلالته من كبار أصحاب الزهري وسمع منه كثيراً، وأخذ عن أصحابه كثيراً مما لم يسمعه عن الزهري، فربما حدّث فقال: الزهري، أو قال: قال الزهري عن فلان، وقد عرف بالتدليس فسئل، فمرة يقول: سمعته منه، ومرة يقول: حدثني به عنه فلان أو فلان عن فلان عنه، ومن لا يدلس مثل مالك وشعبة لا يقول مثل هذا، بل يبين من حدّثه عنه أو يقول: بلغني، قال شعبة: لأن أزني أحبّ إليّ من أن أدلس. ولكن أمثال أولئك الجلة ممن استسهل التدليس إذا سئلوا أحالوا على الثقات، فحمل حديثهم وقام تدليسهم مقام المرسل. وحجة بعضهم أن يكونوا قد سمعوه من جماعة من الثقات عن هذا الرجل فاستغنوا بذكره عن ذكر أحدهم أو ذكر جميعهم، لتحققهم صحة الحديث عنه كما يفعل في المراسيل، ومنهم من أراد ألا ينزل حديثه، وأن يعلو بذكره الشيخ دون من دونه، لصحة روايته عنه غير هذا وتحققه أن الثقات حدثت به عنه، وطبقة أخرى جاؤوا إلى رجالٍ مشاهير ثقاتٍ أئمة سمعوا حديثهم. وجرت بينهم مباعدةٌ حملتهم على إبهامهم، وألا يصرّحوا بأسمائهم المشهورة.
ولم تحملهم ديانتهم على ترك الحديث عنهم، كما صنع البخاري في حديثه عن محمد بن يحيى الذهلي، لما جرى بينه وبينه، فمرة تجده يقول: حدثنا محمدٌ- لا يزيد- وثانية يقول: ثنا محمد بن خالد ينسبه إلى الجد الأعلى ومرة يقول: ثنا محمد بن عبد الله بنسبة إلى جده الأدنى، وطبقة أخرى رووا الحديث عن ضعيف أو مجهول عن الشيخ، فسكتوا عنه واقتصروا على ذكر الشيخ، إذ عرف سماعهم منه لغير هذا الحديث، وطبقة أخرى رووا عن ضعفاء لهم أسماء أو كنى مشهورةٌ عرفوا بها فلو صرحوا بأسمائهم المشهورة، أو كناهم المعلومة لم يشتغل بحديثهم، فأتوا بالاسم الخامل مكان الكنية المشهورة أو بالكنية المجهولة عوض الاسم المعلوم ليبهموا الأمر، ولئلا يعرف ذلك الراوي وضعفه فيزهد في حديثهم، وطبقة أخرى رووا عن ضعيف له كنية يشاركه فيها رجلٌ مقبول الحديث، وقد حدّث عنهما جميعاً فيطلق الحديث بالكنية ليدخل الإشكال ويقع على السامع اللبس، ويظن أنه ذلك القوى.

وهذه الطرق كلها غير الأوّليين رديّة، قد أضرّت بأصحابها، وسبّبت الوقوف في كثير من حديثهم، إلا ما صرّح به الثقات منهم بالسماع عن الثقات ونصّوا عليه وبينوه، ولهذا ما وقفوا فيما دلسه الأعمش، لروايته عن الضعفاء، وفيما دلسه بقيّة ابن الوليد، لخلطه الأسماء والكنى، ولم يستريبوا فيما دلسه ابن عيينة والثوري، وضرباؤهما ممن لا يروي إلا عن ثقة.
و اختلف أئمة الحديث في قبول حديث من عرف بالتدليس إذا لم ينص على سماعه، فجمهورهم على قبول حديث من عرف منهم أنه لا يروي إلا عن ثقة كما قالوا في حديث من علم أنه لا يرسل إلا عن ثقة، وعلى ترك حديث المسامحين في الأخذ وترك الحجة به حتى ينصّ على سماعه، وقد ذكر أبو عبد الله الحاكم الاختلاف في ذلك كما قدمناه.
ذكر مسلم في حجته في صحة إسناد حديث المتعاصرين آخر صدر كتابه رواية قوم من الصحابة والمخضرمين وأئمة التابعين عن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم لأحاديث عدّها ولم يعيّنها، ومن حق الباحث المفتش لفوائد كتابه- والحق عليه- أن يجدّ في البحث ويجيد النظر حتى يتعين له مجهولها، ويتفسّر مبهمها، وتتعرف نكرتها، وقد بحثنا عن ذلك حتى وقفنا على حقيقة منها، ورحم الله شيخنا القاضي الشهيد، فقد كفانا في ذلك تعباً طويلاً، أوضح لنا هنالك سبيلاً، وقد رأينا أن نبيّن هذه الأحاديث بذكر أطرافها ليعلم أعيانها من لم يمهر في هذه الصنعة ولا جعل شغله حفظ أصولها.
قال مسلم: " فمن ذلك أن عبد الله بن يزيد الأنصاري، وقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم، قد روي عن حذيفة وأبي مسعود الأنصاري وعن كل واحد منهما حديثاً بسنده إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم " ولم يفسّر مسلم الحديثين. قال القاضي: أما حديثه عن أبي مسعود فهو حديث نفقة الرجل على أهله، وقد خرّجه الإمامان في صحيحيهما، وأما حديثه عن حذيفة فهو قوله: " أخبرني النبي صلّى الله عليه وسلّم بما هو كائن " الحديث أخرجه مسلم.
وذكر مسلم أن أبا عثمان النهدي وأبا رافع الصايغ وأنهما ممن أدرك الجاهلية وصحب أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم من البدرين هلم جرا، وذكر أن كل واحد منهما أسند عن أبي هريرة وأبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديثاً، فأما حديث أبي عثمان عن أبي فقوله: " قال رجل: لا أعلم أحداً أبعد بيتًا من المسجد منه... " الحديث، وفيه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم له: « أعطاك الله ما احتسبت» " أخرجه مسلم. وأما حديث أبي رافع عنه فهو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف في العشر الآخر فسافر عاماً، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يوماً خرّجه ابن أبي شيبة في مسنده.
وقول مسلم: " هلم جرا " ليس موضعه لأنها أنما تستعمل فيما اتصل إلى زمان المتكلم بها، وإنما أراد بها مسلم فمن بعدهم من الصحابة.
وذكر مسلم أن أبا عمرو الشيباني وأبا معمر عبد الله بن سخبرة أسند كل واحد منهما عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم خبرين. أما خبر الشيباني فأحدهما حديث: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: "« إنه أبدع بي» ".
والآخر: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بناقة مخطومة فقال: " «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة »" انفرد بها مسلم في صحيحه. وأما حديثا أبي معمر فأحدهما: " كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يمسح مناكبنا في الصلاة " خرجه مسلم، والآخر: " لا تجزي صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع " خرجه ابن أبي شيبة.
قال مسلم: وأسند عبيد بن عمير عن أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم حديثاً هو قولها: " لما مات أبو سلمة قلت: غريبةٌ في أرض غربة لأبكينه بكاءً يتحدث به " خرّجه مسلم.
قال مسلم: " وأسند قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري ثلاثة أخبار " هي حديث: " الإيمان ها هنا " وحديث: " إن الشمس والقمر لا يكسفان " وحديث: " لا أكاد أدرك الصلاة مما يطوّل بنا فلان... " أخرجها ثلاثتها الإمامان.
قال مسلم: " وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديثاً " هو -حديث-: " أمر أبو طلحة أم سليمٍ: اصنعي طعاماً للنبي صلّى الله عليه وسلّم " خرّجه مسلم.
قال: وأسند ربعي بن حراش عن عمران بن حصين عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديثين، أحدهما في إسلام حصين أبي عمران، والآخر قوله: " كان عبد المطلب خيراً لقومك منك "، ذكره ابن أبي شيبة. وذكر له عن أبي بكرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديثًا هو: " إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم " رواه مسلم، وأشار إليه البخاري في الإيمان. قال: وأسند نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديثاً هو قوله: "« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره» "، خرّجه مسلم.
قال: وأسند النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أحاديث، هي قوله صلّى الله عليه وسلّم: " « من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه من النار سبعين خريفاً »"،
والثاني:
« إنّ في الجنة شجرةً يسير الراكب في ظلها... »" خرّجهما معاً الإمامان،
والثالث: "
« إن أدنى أهل الجنة منزلةً من صرف الله وجهه عن النار » " الحديث خرجه مسلم.
قال: وأسند سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديثاً، هو حديثه في المحاقلة. خرجه مسلم.
قال: وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة أحاديث ولم يعدها مسلم.
قال القاضي: منها في هذا الكتاب: " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم "، هذه جملة الأحاديث التي نبّه عليها مسلم ولم يعينها، وقد نبهنا على أطرافها، ليتنبه بها من طالع شيئاً من علم الحديث، واشتغل به، وعرف الأحاديث على الجملة فيعلم بالطرف بقيّة الحديث، وليهتدي بما ذكرناه من لا علم عنده وهو مذهب البخاري فيطلبها في مظانها من هذه الكتب، وإنما اقتصرنا على ذكرها في المواضع التي عليها من هذه الكتب، وإن كانت موجودة فيها وفي غيرها من التصانيف، لكن بأسانيد غير التي أشار إليها مسلم، وسيأتي الكلام على ما خرج منها مسلم في مواضعه، إن شاء الله تعالى.
ذكر مذهب مسلم في كتابه في أداء الحديث والفرق بين حدثنا وأخبرنا وأنبأنا
وذهب معظم الحجازيين والكوفيين إلى أن حدثنا وأخبرنا واحدٌ، وأن القراءة على الشيخ كالسماع من لفظه يجوز في ذلك حدثنا وأخبرنا وأنبأنا، وهو قول مالك، والزهري وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان، ومنصور، وأيوب، ومعمر، والحسن، وعطاء بن أبي رباح، واختلف فيه علي أبي حنيفة، وابن جريج، والثوري، وهو مذهب البخاري وجماعة من المحدثين، والمحققين، وهو قول الحسن في القراءة، وذكر مالك أنه مذهب متقدمي أئمة المدينة، وروى عن علي وابن عباس: القراءة على العالم كقراءته عليك ولم يعدّها مسلم.
وأجاز بعضهم في القراءة: سمعت فلاناً، وهو قول الثوري، وروي عن مالك أن القراءة على العالم أحبّ إليه من السماع منه؛ لأنه أثبت للراوي، وعلل ذلك بأن الشيخ قد يهم فلا يرد عليه إذ لا يعلم وهمه، وقد يعلم فيوقّر، ومثل هذا لا يتخيّل من الشيخ بحمل للقارئ، فهو يعلم ما أخطأ القارئ فيه من حديثه ويرده عليه، واحتج لذلك بقراءة الصكوك على من عليه الحق، وأن إقراره بذلك يلزمه.
وأبى جمهور أهل المشرق من إطلاق " حدّثنا " في القراءة على العالم، وأجازوا فيه " أخبرنا " ليفرقوا بين الموضعين، وسموا القراءة عرضاً، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي في آخرين، إليه ذهب مسلم، وقالوا: إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين ابن وهب بمصر، وقالوا: لا يكون " حدثنا " إلا في المشافهة من المخبر، وقال بعضهم: لا يقول " حدثنا " و" أخبرنا " إلا فيما سمع من الشيخ، وليقل: قرأت- وقرئ عليه وأنا أسمع، وإلى هذا نحوا يحيى بن يحيى التميمي وابن المبارك وابن حنبل والنسائي وجماعة، وحكى عن إسحاق بن راهويه وغيره أنه اختار في السماع والقراءة أخبرنا، وأنه أعمّ من حدثنا. وشرط بعض أهل الظاهر في صحة الإخبار بالقراءة أن يقول القارئ للشيخ: هو كما قرأته عليك؟ فيقول: نعم، وأباه إذا سكت القارئ ولم يقرره هذا التقرير.
وقد جاء داخل " الأم " أشياء من هذا الباب في حديث يحيى بن يحيى عن مالك وغيره، وإن كان قد روى عن مالك إنكار مثل هذا لمن سأله وقال له: ألم أفرغ لكم نفسي وسمعت عرضكم وأقمت سقطه وزلله؟ وإلى ما ذهب إليه مالك من جواز الحديث بالقراءة دون التقرير ذهب الجمهور، ولم يختلفوا أنه يجوز أن يقول فيما سمع من لفظ الشيخ: حدثنا وأخبرنا وسمعت، وقال لنا وذكر لنا، واختار القاضي أبو بكر في أمة من المحققين أن يفصل بين السماع والقراءة فيطلق فيما سمع: حدثنا، ويقيّد فيما يقرأ: حدثنا وأخبرنا قراءة، أو قرأت عليه أو سمعت يقرأ عليه، ليزول إبهام اختلاط أنواع الأخذ، وتظهر نزاهة الراوي وتحفظه. وقد اصطلح متأخرو المحدثين على تفريق في هذا، فقال الحاكم أبو عبد الله: الذي أختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقال: فيما يأخذه من المحدث لفظاً وحده: حدثني، وإن كان معه غيره: حدثنا، وفيما قرأه عليه وحده: أخبرني، وما قرئ عليه وهو حاضر: أخبرنا، وما عرض عليه فأجازه له شفاهاً: أنبأني، وما كتب به إليه ولم يشافهه: كتب إلي، وعن الأوزاعي نحو ما ذكره الحاكم، قال: في السماع. حدثنا، وفي القراءة: أخبرنا، وفي الإجازة خبرنا، وفي رواية أخرى عنه: أنبأنا، وفرّق بين حديثه وحده أو في جماعة كما قال الحاكم، وقال الأوزاعي أيضاً: قل في المناولة: قال فلان عن فلان ولا تقل: حدثنا.
قال القاضي: وقد جوّز قوم إطلاق حدّثنا وأخبرنا في الإجازة، وحكيت عن جماعة من السلف، وحكى الوليد بن بكر في كتاب " الوجازة " له أنه مذهب أهل المدينة وقال: شعبة مرة يقول: أنبأنا وروي عنه أيضاً: وأخبرنا، واختار أبو حاتم الرازي أن يقول في الإجازة مشافهةً: " أجاز لي " وفيما كتب إليه: كتب إلي وذهب الخطابي إلى أن يقول في الإجازة: أخبرنا فلان أن فلاناً حدثه، ليبين بهذا أنه إجازة، وذكر ابن خلاد القاضي في كتابه " الفاصل " مثل هذا عن بعض أهل الظاهر قال: ولا يقل: إن فلاناً قال: حدثنا فلان، لأن هذا ينبئ عن السماع.
وهذه كلها اصطلاحات لا يقوم على تحقيقها حجة، إلا من وجه الاستحسان والمواضعة بين أهل الصنعة لتميز أنواع الروايات، وقد رأيت الفقهاء والمتأخرين يقولون في الإجازة: حدثنا فلانٌ إذناً، وفيما أذن لي فيه، وبعضهم يقول فيما كتب لي بخطه، لقيه أو لم يلقه: حدثنا فيما كتبه لي، وحدثنا كتابةً ومن كتابه، وحدثنا فيما أطلق لي الحديث به، والتمييز بين الإجازة وبين السماع أولى للخلاف في صحتها والعمل بها، وهو الذي شاهدته من أهل التحري في الرواية ممن أخذنا عنه، فقد اختلف في الإجازة والعمل بها دون قراءة ولا سماع ولا دفع كتاب، وتنوزع فيها، فالمشهور عن عامّة الفقهاء والمحدثين جوازها، كالزهري ومنصور بن المعتمد وأيوب السختياني وسعيد بن الحجاج وربيعة وعبد العزيز بن الماجشون والأوزاعي والثوري وابن عيينة والليث، وأباها بعض أهل الظاهر وحكى ذلك عن الشافعي، وروى الوجهان عن مالك، والجواز عنه أشهر، وهو مذهب أصحابه من أهل الحديث وغيرهم، وظاهر رواية الكراهة عنه لمن لا يستحقها لا لنفسها. وقال أحمد بن ميسّر من أئمتنا: " الإجازة عندي خير من السماع الرديء ". واختلف من أجازها في وجوب العمل بها، فالجمهور على وجوبه كالسماع والقراءة، وقال قوم من أهل الظاهر: لا يجب عمل بما روى بها، والمناولة أقوى درجة منها، وهو الذي يسميه بعضهم العرض، وهو أن يحضر الشيخ بعض حديثه أو بعض كتبه أو يكون عند الطالب ويقول له: هذا سماعي من فلان فاحمله عني أو أجزتها لك، فيذهب بها ويرويها عنه، فأجازها معظم الأئمة والمحدثين، وهو مذهب يحيى بن سعيد الأنصاري، وحيوة بن شريح الخزاعي والزهري، وهشام بن عروة، وابن جريج، ومالك بن أنس، وعبد الله العمري، والأوزاعي ....... في آخرين، وكافة أهل النقل والتحقيق لأن الثقة بكتابه مع إذنه أكثر من الثقة بالسماع وأثبت. واختلفوا، إذا قال له: هذا مسموعي وروايتي، ولم يقل له: اروه عني، فمنع بعضهم الرواية به، كالشاهد إذا لم يشهد على شهادته وسمع بذكرها، وأجازها بعضهم، وإليه ذهب بعض أهل الظاهر وطائفةٌ من أئمة المحدثين والنظار، وقاله القاضي ابن خلادٍ، وهو مذهب ابن حبيب من أصحابنا، وهي التي بغى عليه من لا يعرف مذهبه، قال ابن خلادٍ: حتى لو قال له: هذه روايتي ولكن لا تروها عني لم يلتفت إلى نهيه وكان له أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثاً ثم قال له: لا تروه عنى ولا أجيزه لك لم يضر ذلك روايته، والصواب: جواز هذا كله لأنه إخبار وشهادة على إقرار.
قال القاضي: بخلاف الشهادة على الشهادة التي لا تصح إلا مع الإشهاد ويضر الرجوع عنها، ولا فرق في التحقيق بين سماعه كتاباً عليه وقراءته أو دفعه إليه بخطه أو تصحيحه وقوله له: اروه عني أو هذه روايتي، إذ كله إخبار بأنّ ما سمع منه وما رأى عنده من حديثه يجوز له التحديث به عنه، وما مثل هذا الفصل إلا القراءة على الشيخ وهو ساكت -عند من لا يشترط التقرير- وهو كما قدمنا الصحيح، وهو مذهب الجمهور، وعلى هذا يأتي الحديث عن الكتب الموصّى بها، فقد روي عن أيوب أنه قال لمحمد -يعني ابن سيرين-: إنّ فلاناً أوصى إليّ بكتبه، أفأحدّث بها عنه؟ قال: نعم، ثم قال لي بعد ذلك: لا آمرك ولا أنهاك. فهذا إن كان قد أعلمه أنها روايته فهو من هذا الباب، أو يكون في معنى الوصيّة إذنه بالحديث بها أو الإعلام بأنها من حديثه، وأما المناولة المجرّدة من كتاب لم يحركه الشيخ عند الراوي ولا دفعه إليه حتى يحدّث منه أن ينقل نسخة منه -كما أحدثه بعض المتأخرين وتمالأ عليه الناس اليوم- فلا معنى له زائد على الإجازة -وإن كان بعض الناس والمشايخ قد ذهب إلى أنه متى عيّن الكتاب أو سمّاه فهو مناولة صحيحة، وذكر أنه لا يختلف فيها، وإنما الخلاف في الإجازة المطلقة لغير شيء معين. ولا فرق بين حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وخبّرنا ونبأنا في اللغة وعرف الكلام لمن فرّق، لكن تفريق القاضي ولمتّه لتنويع الرواية أنزه للمحدّث وأميز لمناحي روايته. وبالله التوفيق.
واختلف بعد من أجاز الإجازة في الإجازة للمجهول بشرط كقولك: أجزت لكل من قرأ عليّ، أو من كان من طلبة العلم، أو من دخل بلد كذا من طلبة العلم، أو من شاء أن يروي عني، وفي الإجازة للمعدوم كقولك لكل من يولد لفلان، أو لجميع قريش أو قيس أو أهل بغداد، أو أهل مصر، فلم يقع فيها للصدر الأول كلام، ووقع إجازتها لبعض من جاء من بعدهم من شيوخ المحدثين. واختلف فيها متأخرو الفقهاء، فأجازها للمعدوم منهم جماعة، وإلى إجازتها ذهب أبو الفضل بن عمروس البغدادي من أئمتنا والقاضي الدامغاني من أصحاب أبي حنيفة، وذهب القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي إلى جوازها للمجهول الموجود كقوله: أجزت لأهل بلد كذا ولبني هاشم، فتجوز لمن كان موجوداً ولم يجزها للمعدوم منهم ولا لمن يولد بعد، ومنع ذلك كله القاضي أبو الحسن الماوردي وكذلك منع أبو الطيب تعلقها بشرطٍ كقوله: أجزت لمن شاء أن يحدث عني أو لمن شاء فلان، وأجازها ابن عمروس والدامغاني، والمعروف من مذهب مشايخ المغاربة جواز هذا كله، وقد رأيته في إجازات جماعة من متقدميهم ومتأخريهم، وممن أدركناه، وهو مذهب أبي بكر بن ثابت الحافظ الخطيب وغيره، ومنعوا كلهم الإجازة للمجهول المبهم جملة كقوله: أجزت لبعض الناس، أو إجازة ما لم يصح له روايته عند الإجازة كقوله: أجزت له ما رويت وما أرويه. والكلام في هذا الباب كثير يحتاج إلى بسط، وقد ذكرنا منه ما يحتاج إليه من له تهمّمٌ بهذا الباب وعلمه، وبسطنا الكلام في هذه الفصول في كتاب الإلماع لمعرفة أصول الرواية والسماع، وأشرنا منه إلى نكت غريبة لعلك لا تجدها مجموعةً في غير هذين الكتابين). [إكمال المعلم: 1/164-195]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 رجب 1435هـ/5-05-2014م, 06:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح مقدمة صحيح مسلم من المنهاج

قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): ( (باب صحّة الاحتجاج بالحديث المعنعن إذا أمكن لقاء المعنعنين ولم يكن فيهم مدلّسٌ حاصل هذا الباب أنّ مسلمًا رحمه اللّه ادّعى إجماع العلماء قديمًا وحديثًا على أنّ المعنعن وهو الّذي فيه فلانٌ عن فلانٍ محمولٌ على الاتّصال والسّماع إذا أمكن لقاء من أضيفت العنعنة إليهم بعضهم بعضًا يعني مع براءتهم من التّدليس ونقل مسلمٌ عن بعض أهل عصره أنّه قال لا تقوم الحجّة بها ولا يحمل على الاتّصال حتّى يثبت أنّهما التقيا في عمرهما مرّةً فأكثر ولا يكفي إمكان تلاقيهما قال مسلمٌ وهذا قولٌ ساقطٌ مخترعٌ مستحدثٌ لم يسبق قائله إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه وإنّ القول به بدعةٌ باطلةٌ وأطنب مسلمٌ رحمه اللّه في الشّناعة على قائله واحتجّ مسلمٌ رحمه اللّه بكلامٍ) مختصره أنّ المعنعن عند أهل العلم محمولٌ على الاتّصال إذا ثبت التّلاقي مع احتمال الإرسال وكذا إذا أمكن التّلاقي وهذا الّذي صار إليه مسلمٌ قد أنكره الحّقّقون وقالوا هذا الّذي صار إليه ضعيفٌ والّذي ردّه هو المختار الصحيح الّذي عليه أئمّة هذا الفنّ عليّ بن المدينيّ والبخاريّ وغيرهما وقد زاد جماعةٌ من المتأخّرين على هذا فاشترط القابسيّ أن يكون قد أدركه إدراكًا بيّنًا وزاد أبو المظفّر السّمعانيّ الفقيه الشّافعيّ فاشترط طول الصّحبة بينهما وزاد أبوعمرو الدانى المقرئ فاشترط معرفته بالرّواية عنه ودليل هذا المذهب المختار الذي ذهب إليه بن المدينيّ والبخاريّ وموافقوهما أنّ المعنعن عند ثبوت التّلاقي إنّما حمل على الاتّصال لأنّ الظّاهر ممّن ليس بمدلّسٍ أنّه لا يطلق ذلك إلّا على السّماع ثمّ الاستقراء يدلّ عليه فإنّ عادتهم أنّهم لا يطلقون ذلك إلّا فيما سمعوه إلّا المدلّس ولهذا رددنا رواية المدلّس فإذا ثبت التّلاقي غلب على الظّنّ الاتّصال والباب مبنيٌّ على غلبة الظّنّ فاكتفينا به وليس هذا المعنى موجودًا فيما إذا أمكن التّلاقي ولم يثبت فإنّه لا يغلب على الظّنّ الاتّصال فلا يجوز الحمل على الاتّصال ويصير كالجخهول فإنّ روايته مردودةٌ لا للقطع بكذبه أو ضعفه بل للشّكّ في حاله واللّه أعلم هذا حكم المعنعن من غير المدلّس وأمّا المدلّس فتقدّم بيان حكمه في الفصول السّابقة هذا كلّه تفريعٌ على المذهب الصّحيح المختار الّذي ذهب إليه السّلف والخلف من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنّ المعنعن محمولٌ على الاتّصال بشرطه الّذي قدّمناه على الاختلاف فيه وذهب بعض أهل العلم إلى أنّه لا يحتجّ بالمعنعن مطلقًا لاحتمال الانقطاع وهذا المذهب مردودٌ بإجماع السّلف ودليلهم ما أشرنا إليه من حصول غلبة الظّنّ مع الاستقراء واللّه أعلم هذا حكم المعنعن أمّا إذا قال حدّثني فلانٌ أنّ فلانًا قال كقوله حدّثني الزّهريّ أنّ سعيد بن المسيّب قال كذا أو حدّث بكذا أو نحوه فالجمهور على أنّ لفظة أنّ كعن فيحمل على الاتّصال بالشّرط المتقدّم وقال أحمد بن حنبلٍ ويعقوب بن شيبة وأبو بكرٍ البرديجى لا تحمل أنّ على الاتّصال وإن كانت عن للاتّصال والصّحيح الأوّل وكذا قال وحدّث وذكر وشبهها فكلّه محمولٌ على الاتّصال والسّماع قوله (لو ضربنا عن حكايته) كذا هو في الأصول ضربنا وهو صحيحٌ وإن كانت لغة قليلة
قال الأزهريّ يقال ضربت عن الأمر وأضربت عنه بمعنى كففت وأعرضت والمشهور الّذي قاله الأكثرون أضربت بالألف وقوله (لكان رأيًا متينًا) أي قويًّا وقوله (وإخمال ذكر قائله) أي إسقاطه والخامل السّاقط وهو بالخاء المعجمة وقوله (أجدى على الأنام) هو بالجيم والأنام بالنّون ومعناه أنفع للنّاس هذا هو الصّواب والصّحيح ووقع في كثيرٍ من الأصول أجدى عن الآثام بالثّاء المثلّثة وهذا وإن كان له وجهٌ فالوجه هو الأول ويقال في الانام أيضا الانيم حكاه الزّبيديّ والواحديّ وغيرهما قوله (وسوء رويّته) بفتح الرّاء وكسر الواو وتشديد الياء أي فكره قوله (حتّى يكون عنده العلم بأنّهما قد اجتمعا) هكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول الصّحيحة المعتمدة حتّى بالتّاء المثنّاة من فوق ثمّ المثنّاة من تحت ووقع في بعض النّسخ حين بالياء ثمّ بالنّون وهو تصحيفٌ قال مسلمٌ رحمه اللّه (فيقال لمخترع هذا القول قد أعطيت في جملة قولك أنّ خبر الواحد الثّقة حجّةٌ يلزم به العمل) هذا الّذي قاله مسلمٌ رحمه اللّه تنبيهٌ على القاعدة العظيمة الّتي ينبني عليها معظم أحكام الشّرع وهو وجوب العمل بخبر الواحد فينبغي الاهتمام بها والاعتناء بتحقيقها وقد أطنب العلماء رحمهم اللّه في الاحتجاج لها وإيضاحها وأفردها جماعةٌ من السّلف بالتّصنيف واعتنى بها أئمّة الحئدّثين وأصول الفقه وأوّل من بلغنا تصنيفه فيها الإمام الشّافعيّ رحمه اللّه وقد تقرّرت أدلّتها النّقليّة والعقليّة في كتب أصول الفقه ونذكر هنا طرفًا في بيان خبر الواحد والمذاهب فيه مختصرًا قال العلماء الخبر ضربان متواترٌ وآحادٌ فالمتواتر ما نقله عددٌ لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط ويخبرون عن حسّيٍّ لا مظنونٍ ويحصل العلم بقولهم ثمّ المختار الّذي عليه الحّقّقون والأكثرون أنّ ذلك لا يضبط بعددٍ مخصوصٍ ولا يشترط في المخبرين الإسلام ولا العدالة وفيه مذاهب أخرى ضعيفةٌ وتفريعاتٌ معروفةٌ مستقصاةٌ في كتب الأصول وأمّا خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر سواءٌ كان الرّاوي له واحدًا أو أكثر واختلف في حكمه فالّذي عليه جماهير المسلمين من الصّحابة والتّابعين فمن بعدهم من الحودّثين والفقهاء وأصحاب الأصول أنّ خبر الواحد الثّقة حجّةٌ من حجج الشّرع يلزم العمل بها ويفيد الظّنّ ولا يفيد العلم وأنّ وجوب العمل به عرفناه بالشّرع لا بالعقل وذهبت القدريّة والرّافضة وبعض أهل الظّاهر إلى أنه لا يجب العمل به ثمّ منهم من يقول منع من العمل به دليل العقل ومنهم من يقول منع دليل الشّرع وذهبت طائفةٌ إلى أنّه يجب العمل به من جهة دليل العقل وقال الجبائى من المعتزلة لا يجب العمل إلّا بما رواه اثنان عن اثنين وقال غيره لا يجب العمل إلّا بما رواه أربعةٌ عن أربعةٍ وذهبت طائفةٌ من أهل الحديث إلى أنّه يوجب العلم وقال بعضهم يوجب العلم الظّاهر دون الباطن وذهب بعض المحدّثين إلى أنّ الآحاد الّتي في صحيح البخاريّ أو صحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد وقد قدّمنا هذا القول وإبطاله في الفصول وهذه الأقاويل كلّها سوى قول الجمهور باطلةٌ وإبطال من قال لا حجّة فيه ظاهرٌ فلم تزل كتب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وآحاد رسله يعمل بها ويلزمهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم العمل بذلك واستمرّ على ذلك الخلفاء الرّاشدون فمن بعدهم ولم تزل الخلفاء الرّاشدون وسائر الصّحابة فمن بعدهم من السّلف والخلف على امتثال خبر الواحد إذا أخبرهم بسنّةٍ وقضائهم به ورجوعهم إليه في القضاء والفتيا ونقضهم به ما حكموا به على خلافه وطلبهم خبر الواحد عند عدم الحجّة ممّن هو عنده واحتجاجهم بذلك على من خالفهم وانقياد المخالف لذلك وهذا كلّه معروفٌ لاشك في شيءٍ منه والعقل لا يحيل العمل بخبر الواحد وقد جاء الشّرع بوجوب العمل به فوجب المصير إليه وأمّا من قال يوجب العلم فهو مكابر للحس وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك متطرّقٌ إليه واللّه أعلم
قال مسلمٌ رحمه اللّه حكايةً عن مخالفه (والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجّةٍ) هذا الّذي قاله هو المعروف من مذاهب الحلدّثين وهو قول الشّافعيّ وجماعةٍ من الفقهاء وذهب مالكٌ وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الفقهاء إلى جواز الاحتجاج بالمرسل وقد قدّمنا في الفصول السّابقة بيان أحكام المرسل واضحةً وبسطناها بسطًا شافيًا وإن كان لفظه مختصرًا وجيزًا واللّه أعلم
قوله (فإن عزب عنّي معرفة ذلك أوقفت الخبر) يقال عزب الشيء عنى بفتح الزاى يعزب ويعزب بكسر الزّاي وضمّها لغتان فصيحتان قرئ بهما في السّبع والضّمّ أشهر وأكثر ومعناه ذهب وقوله أوقفت الخبر كذا هو في الأصول أوقفت وهي لغةٌ قليلة والفصيح المشهور وقفت بغير ألف قوله (في ذكر هشامٍ لمّا أحبّ أن يرويها مرسلًا) ضبطناه لمّا بفتح اللّام وتشديد الميم ومرسلًا بفتح السّين ويجوز تخفيف لمّا وكسر سين مرسلًا قوله (وينشط أحيانًا) هو بفتح الياء والشّين أي يخفّ في أوقاتٍ

قوله (عن عائشة رضي اللّه عنها كنت أطيّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لحلّه ولحرمه) يقال حرمه بضمّ الحاء وكسرها لغتان ومعناه لإحرامه قال القاضي عياضٌ رحمه اللّه قيّدناه عن شيوخنا بالوجهين قال وبالضّمّ قيده الخطابى والهروى وخطّأ الخطّابيّ أصحاب الحديث في كسره وقيّده ثابتٌ بالكسر وحكي عن الحّدّثين الضّمّ وخطّأهم فيه وقال صوابه الكسر كما قال لحلّه وفي هذا الحديث استحباب التّطيّب عند الإحرام وقد اختلف فيه السّلف والخلف ومذهب الشّافعيّ وكثيرين استحبابه ومذهب مالكٍ في آخرين كراهيته وسيأتي بسط المسألة في كتاب الحجّ إن شاء اللّه تعالى قوله في الرّواية الأخرى (عن عائشة رضي اللّه عنها كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم « إذا اعتكف يدني إليّ رأسه فأرجّله وأنا حائضٌ »فيه جملٌ من العلم منها أنّ أعضاء الحائض طاهرةٌ وهذا مجمعٌ عليه ولا يصحّ ما حكي عن أبي يوسف من نجاسة يدها وفيه جواز ترجيل المعتكف شعره ونظره إلى امرأته ولمسها شيئًا منه بغير شهوةٍ منه واستدلّ به أصحابنا وغيرهم على أنّ الحائض لا تدخل المسجد وأنّ الاعتكاف لا يكون إلّا في المسجد ولا يظهر فيه دلالةٌ لواحدٍ منهما فإنّه لا شكّ في كون هذا هو الحعبوب وليس في الحديث أكثر من هذا فأمّا الاشتراط والتّحريم في حقّها فليس فيه لكنّ لذلك دلائل أخر مقرّرةٌ في كتب الفقه واحتجّ القاضي عياضٌ رحمه اللّه به على أنّ قليل الملامسة لا تنقض الوضوء وردّ به على الشّافعيّ وهذا الاستدلال منه عجبٌ وأيّ دلالةٍ فيه لهذا وأين في هذا الحديث أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمس بشرة عائشة رضي اللّه عنها وكان على طهارةٍ ثمّ صلّى بها فقد لا يكون كان متوضأ ولو كان فما فيه أنّه ما جدّد طهارةً ولأنّ الملموس لا ينتقض وضوءه على أحد قولي الشّافعيّ ولأنّ لمس الشّعر لا ينقض عند الشّافعيّ كذا نصّ في كتبه وليس في الحديث أكثر من مسّها الشّعر واللّه أعلم
قوله (وروى الزّهريّ وصالح بن أبي حسّانٍ) هكذا هو في الأصول ببلادنا وكذا ذكره القاضي عياضٌ عن معظم الأصول ببلادهم وذكر أبو عليٍّ الغسّانيّ أنّه وجد في نسخة الرّازيّ أحد رواتهم صالح بن كيسان قال أبو عليٍّ وهو وهمٌ والصّواب صالح بن أبي حسّانٍ وقد ذكر هذا الحديث النسائي وغيره من طريق بن وهب عن بن أبي ذئبٍ عن صالح بن أبي حسّانٍ عن أبي سلمة قلت قال التّرمذيّ عن البخاريّ صالح بن أبي حسّانٍ ثقةٌ وكذا وثّقه غيره وإنّما ذكرت هذا لأنّه ربّما اشتبه بصالح بن حسّانٍ أبي الحرث البصريّ المدينيّ ويقال الأنصاريّ وهو في طبقة صالح بن أبي حسّانٍ هذا فإنّهما يرويان جميعًا عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن ويروي عنهما جميعا بن أبي ذئبٍ ولكنّ صالح بن حسّانٍ متّفقٌ على ضعفه وأقوالهم في ضعفه مشهورةٌ وقال الخطيب البغداديّ في الكفاية أجمع نقّاد الحديث على ترك الاحتجاج بصالح بن حسّانٍ هذا لسوء حفظه وقلّة ضبطه واللّه أعلم
قوله (فقال يحيى بن أبي كثيرٍ في هذا الخبر في القبلة أخبرني أبو سلمة أنّ عمر بن عبد العزيز أخبره أنّ عروة أخبره أنّ عائشة رضي اللّه عنها أخبرته) هذه الرّواية اجتمع فيها أربعةٌ من التّابعين يروي بعضهم عن بعضٍ أوّلهم يحيى بن أبي كثيرٍ وهذا من أطرف الطّرف وأغرب لطائف الإسناد ولهذا نظائر قليلةٌ في الكتاب وغيره سيمرّ بك إن شاء اللّه تعالى ما تيسّر منها وقد جمعت جملةً منها في أوّل شرح صحيح البخاريّ رحمه اللّه وقد تقدّم التّنبيه على هذا وفي هذا الإسناد لطيفةٌ أخرى وهو أنّه من رواية الأكابر عن الأصاغر فإنّ أبا سلمة من كبار التّابعين وعمر بن عبد العزيز من أصاغرهم سنًّا وطبقةً وإن كان من كبارهم علمًا وقدرًا ودينًا وورعًا وزهدًا وغير ذلك واسم أبي سلمة هذا عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن عوفٍ هذا هو المشهور وقيل اسمه إسماعيل وقال عمرو بن عليٍّ لا يعرف اسمه وقال أحمد بن حنبلٍ كنيته هي اسمه حكى هذه الأقوال فيه الحافظ أبو محمّدٍ عبد الغنيّ المقدسيّ رحمه اللّه وأبو سلمة هذا من أجلّ التّابعين ومن أفقههم وهو أحد الفقهاء السّبعة على أحد الأقوال فيهم وأمّا يحيى بن أبي كثيرٍ فتابعيٌّ صغيرٌ كنيته أبو نصرٍ رأى أنس بن مالكٍ وسمع السّائب بن يزيد وكان جليل القدر واسم أبي كثيرٍ صالحٌ وقيل سيّارٌ وقيل نشيطٌ وقيل دينارٌ قوله (لزمه ترك الاحتجاج في قياد قوله) هو بقافٍ مكسورةٍ ثمّ ياءٍ مثنّاةٍ من تحت أي مقتضاه قوله (إذا كان ممّن عرف بالتّدليس) قد قدّمنا بيان التّدليس في الفصول السّابقة فلا حاجة إلى إعادته قوله (فما ابتغي ذلك من غير مدلّسٍ) هكذا وقع في أكثر الأصول فما ابتغي بضمّ التّاء وكسر الغين على ما لم يسمّ فاعله وفي بعضها ابتغى بفتح التّاء والغين وفي بعض الأصول الحيقّقة فمن ابتغى ولكلّ واحدٍ وجهٌ قوله (فمن ذلك أنّ عبد اللّه بن يزيد الأنصاريّ وقد رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد روى عن حذيفة وعن أبي مسعودٍ الأنصاريّ وعن كلّ واحدٍ منهما حديثًا يسنده) أمّا حديثه عن أبي مسعودٍ فهو حديث نفقة الرّجل على أهله وقد خرّجه البخاريّ ومسلمٌ في صحيحيهما وأمّا حديثه عن حذيفة فقوله أخبرني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بما هو كائن الحديث خرجه مسلمٌ وأمّا أبو مسعودٍ فاسمه عقبة بن عمرٍو الأنصاريّ المعروف بالبدريّ قال الجمهور سكن بدرًا ولم يشهدها مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقال الزّهريّ والحكم ومحمّد بن إسحاق التّابعيّون والبخاريّ شهدها وأمّا قوله وعن كلّ واحدٍ فكذا هو في الأصول وعن بالواو والوجه حذفها فإنّها تغيّر المعنى قوله (وهي في زعم من حكينا قوله واهيةٌ) هو بفتح الزّاي وضمّها وكسرها ثلاث لغاتٍ مشهورةٍ ولو قال ضعيفةً بدل واهيةٌ لكان أحسن فإنّ هذا القائل لا يدّعي أنّها واهيةٌ شديدة الضّعف متناهيةٌ فيه كما هو معنى واهيةٍ بل يقتصر على أنّها ضعيفةٌ لا تقوم بها الحجّة قوله (وهذا أبو عثمان النّهديّ وأبو رافعٍ الصّائغ وهما ممّن أدرك الجاهليّة وصحبا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من البدريّين هلمّ جرًّا ونقلا عنهما الأخبار حتّى نزلا إلى مثل أبي هريرة وابن عمر وذويهما قد أسند كلّ واحدٍ منهما عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا) أمّا أبو عثمان النّهديّ فاسمه عبد الرّحمن بن ملٍّ وتقدّم بيانه وأمّا أبو رافعٍ فاسمه نفيعٌ المدنيّ قال ثابتٌ لمّا أعتق أبو رافعٍ بكى فقيل له ما يبكيك فقال كان لي أجران فذهب أحدهما وأمّا قوله أدرك الجاهليّة فمعناه كانا رجلين قبل بعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والجاهليّة ما قبل بعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سمّوا بذلك لكثرة جهالاتهم وقوله من البدريّين هلمّ جرًّا قال القاضي عياضٌ ليس هذا موضع استعمالٍ هلمّ جرًّا لأنّها إنّما تستعمل فيما اتّصل إلى زمان المتكلّم بها وإنّما أراد مسلمٌ فمن بعدهم من الصّحابة وقوله جرًّا منونٌ قال صاحب المطالع قال بن الأنباريّ معنى هلمّ جرًّا سيروا وتمهّلوا في سيركم وتثبّتوا وهو من الجرّ وهو ترك النّعم في سيرها فيستعمل فيما دووم عليه من الأعمال قال بن الأنباريّ فانتصب جرًّا على المصدر أي جرّوا جرًّا أو على الحال أو على التّمييز وقوله وذويهما فيه إضافة ذي إلى غير الأجناس والمعروف عند أهل العربيّة أنّها لا تستعمل إلّا مضافةً إلى الأجناس كذي مالٍ وقد جاء في الحديث وغيره من كلام العرب إضافة أحرفٍ منها إلى المفردات كما في الحديث وتصل ذا رحمك وكقولهم ذو يزن وذو نواسٍ وأشباهها قالوا هذا كلّه مقدّرٌ فيه الانفصال فتقدير ذي رحمك الّذي له معك رحمٌ وأمّا حديث أبي عثمان عن أبيٍّ فقوله كان رجلٌ لا أعلم أحدًا أبعد بيتًا من المسجد منه الحديث وفيه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أعطاك اللّه ما احتسبت خرّجه مسلمٌ وأمّا حديث أبي رافعٍ عنه فهو أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يعتكف في العشر الأخر فسافر عامًا فلمّا كان العام المقبل اعتكف عشرين يومًا رواه أبو داود والنسائى وبن ماجه في سننهم ورواه جماعاتٌ من أصحاب المسانيد قوله (وأسند أبو عمرٍو الشّيبانيّ وأبو معمرٍ عبد اللّه بن سخبرة كلّ واحدٍ منهما عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خبرين) أمّا أبو عمرٍو الشّيبانيّ فاسمه سعد بن إياسٍ تقدّم ذكره وأمّا سخبرة فبسينٍ مهملةٍ مفتوحةٍ ثمّ خاءٍ معجمةٍ ساكنةٍ ثمّ موحّدةٍ مفتوحةٍ وأمّا الحديثان اللّذان رواهما الشّيبانيّ فأحدهما حديث جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال إنّه أبدع بي والآخر جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بناقةٍ مخطومةٍ فقال لك بها يوم القيامة سبعمائةٍ أخرجهما مسلمٌ وأسند أبو عمرٍو الشّيبانيّ أيضًا عن أبي مسعود حديث المستشار مؤتمن رواه بن ماجه وعبد بن حميدٍ في مسنده وأمّا حديثا أبي معمرٍ فأحدهما كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يمسح مناكبنا في الصّلاة أخرجه مسلمٌ والآخر لا تجزي صلاةٌ لا يقيم الرّجل صلبه فيها في الرّكوع رواه أبو داود والترمذى والنسائى وبن ماجه وغيرهم من أصحاب السّنن والمسانيد قال التّرمذيّ هو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ واللّه أعلم
قال مسلمٌ رحمه اللّه (وأسند عبيد بن عميرٍ عن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا) هو قولها لمّا مات أبو سلمة قلت غريبٌ وفي أرض غربة لا بكينة بكاءً يتحدّث عنه أخرجه مسلمٌ واسم أمّ سلمة هند بنت أبي أميّة واسمه حذيفة وقيل سهيل بن المغيرة المخزوميّة تزوّجها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سنة ثلاثٍ وقيل اسمها رملة وليس بشيءٍ قوله (وأسند قيس بن أبي حازمٍ عن أبي مسعودٍ ثلاثة أخبار) هي حديث أن الإيمان ها هنا وإنّ القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين وحديث إنّ الشّمس والقمر لا يكسفان لموت أحدٍ وحديث لا أكاد أدرك الصّلاة ممّا يطوّل بنا فلانٌ أخرجها كلّها البخاريّ ومسلمٌ في صحيحيهما واسم أبي حازمٍ عبد عوفٍ وقيل عوف بن عبد الحارث البجليّ صحابيٌّ قوله (وأسند عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن أنسٍ رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا) هو قوله أمر أبو طلحة أمّ سليمٍ اصنعي طعامًا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم أخرجه مسلمٌ وقد تقدّم اسم أبي ليلى وبيان الاختلاف فيه وبيان ابنه وبن ابنه قوله (وأسند ربعيّ بن حراشٍ عن عمران بن حصينٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حديثين وعن أبي بكرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا) أمّا حديثاه عن عمران فأحدهما في إسلام حصينٍ والد عمران وفيه قوله كان عبد المطّلب خيرًا لقومك منك رواه عبد بن حميدٍ في مسنده والنّسائيّ في كتابه عمل اليوم واللّيلة بإسناديهما الصّحيحين والحديث الآخر لأعطينّ الرّاية رجلًا يحبّ اللّه ورسوله رواه النّسائيّ في سننه وأمّا حديثه عن أبي بكرة فهو إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السّلاح فهما على جرف جهنّم أخرجه مسلمٌ وأشار إليه البخاريّ واسم أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة بفتح الكاف واللّام الثّقفيّ كني بأبي بكرة لأنّه تدلّى من حصن الطّائف إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببكرة وكان أبو بكرة ممّن اعتزل يوم الجمل فلم يقاتل مع أحدٍ من الفريقين وأمّا ربعيّ بكسر الرّاء وحراشٍ بالحاء المهملة فتقدّم بيانهما قوله (وأسند نافع بن جبير بن مطعمٍ عن أبي شريحٍ الخزاعيّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا) أمّا حديثه فهو حديث من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليحسن إلى جاره أخرجه مسلمٌ في كتاب الإيمان هكذا من رواية نافع بن جبيرٍ وقد أخرجه البخاريّ ومسلمٌ أيضًا من رواية سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ وأمّا أبو شريحٍ فاسمه خويلد بن عمرٍو وقيل عبد الرّحمن وقيل عمرو بن خويلدٍ وقيل هانئ بن عمرٍو وقيل كعبٌ ويقال فيه أبو شريحٍ الخزاعيّ والعدويّ والكعبيّ قوله (وأسند النّعمان بن أبي عيّاشٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه ثلاثة أحاديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم) أمّا الحديث الأوّل فمن صام يومًا في سبيل اللّه باعد اللّه وجهه من النّار سبعين خريفًا والثّاني إنّ في الجنّة شجرةً يسير الرّاكب في ظلّها أخرجهما معًا البخاريّ ومسلمٌ والثّالث إنّ أدنى أهل الجنّة منزلةً من صرف اللّه وجهه الحديث أخرجه مسلمٌ وأمّا أبو سعيدٍ الخدريّ فاسمه سعد بن مالك بن سنانٍ منسوبٌ إلى خدرة بن عوف بن الحرث بن الخزرج توفّي أبو سعيدٍ بالمدينة سنة أربعٍ وستّين وقيل سنة أربعٍ وسبعين وهو بن أربعٍ وسبعين وأمّا أبو عيّاشٍ والد النّعمان فبالشّين المعجمة واسمه زيد بن الصّامت وقيل زيد بن النّعمان وقيل عبيد بن معاوية بن الصّامت وقيل عبد الرّحمن قوله (وأسند عطاء بن يزيد اللّيثيّ عن تميمٍ الدّاريّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا) هو حديث الدّين النّصيحة وأمّا تميمٌ الدّاريّ فكذا هو في مسلمٍ واختلف فيه رواة الموطأ ففي رواية يحيى وبن بكيرٍ وغيرهما الدّيريّ بالياء وفي رواية القعنبيّ وبن القاسم وأكثرهم الدّاريّ بالألف واختلف العلماء في أنّه إلى ما نسب فقال الجمهور إلى جدٍّ من أجداده وهو الدّار بن هانئٍ فانه تميم بن أوس بن خارجة بن سور بضمّ السّين بن جذيمة بفتح الجيم وكسر الذّال المعجمة بن ذراع بن عديّ بن الدّار بن هانئ بن جبيب بن نمارة بن لخمٍ وهو مالك بن عديٍّ وأمّا من قال الدّيريّ فهو نسبةٌ إلى ديرٍ كان تميمٌ فيه قبل الإسلام وكان نصرانيا هكذا رواه أبو الحسين الرّازيّ في كتابه مناقب الشّافعيّ بإسناده الصّحيح عن الشّافعيّ أنّه قال في النّسبتين ما ذكرناه وعلى هذا أكثر العلماء ومنهم من قال الدّاريّ بالألف إلى دارين وهو مكانٌ عند البحرين وهو محطّ السّفن كان يجلب إليه العطر من الهند ولذلك قيل للعطّار داريٌّ ومنهم من جعله بالياء نسبةً إلى قبيلةٍ أيضًا وهو بعيدٌ شاذٌّ حكاه والّذي قبله صاحب المطالع قال وصوّب بعضهم الدّيريّ قلت وكلاهما صوابٌ فنسب إلى القبيلة بالألف وإلى الدّير بالياء لاجتماع الوصفين فيه قال صاحب المطالع وليس في الصّحيحين والموطّأ داريٌّ ولا ديرى إلا تميم وكنيته تميمٍ أبو رقيّة أسلم سنة تسعٍ وكان بالمدينة ثمّ انتقل إلى الشّام فنزل ببيت المقدس وقد روى عنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قصّة الجسّاسة وهذه منقبةٌ شريفةٌ لتميمٍ ويدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر واللّه أعلم

قوله (وأسند سليمان بن يسارٍ عن رافع بن خديجٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا) هو حديث المحاقلة أخرجه مسلمٌ قوله (وأسند حميد بن عبد الرّحمن الحميريّ عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أحاديث) من هذه الأحاديث أفضل الصّيام بعد رمضان شهر اللّه الحرام وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل أخرجه مسلمٌ منفردًا به عن البخاريّ قال أبو عبد اللّه الحميديّ رحمه اللّه في آخر مسند أبي هريرة من الجمع بين الصّحيحين ليس لحميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة في الصّحيح غير هذا الحديث قال وليس له عند البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة شيءٌ وهذا الّذي قاله الحميديّ صحيحٌ وربّما اشتبه حميد بن عبد الرّحمن الحميريّ هذا بحميد بن عبد الرّحمن بن عوفٍ الزّهريّ الرّاوي عن أبي هريرة أيضًا وقد رويا له في الصّحيحين عن أبي هريرة أحاديث كثيرةً فقد يقف من لا خبرة له على شيءٍ منهما فينكر قول الحميديّ توهّمًا منه أنّ حميدًا هذا هو ذاك وهو خطأٌ صريحٌ وجهلٌ قبيحٌ وليس للحميريّ عن أبي هريرة أيضًا في الكتب الثّلاثة الّتي هي تمام أصول الإسلام الخمسة أعني سنن أبي داود والتّرمذيّ والنّسائيّ غير هذا الحديث قوله (كلامًا خلفًا) بإسكان اللّام وهو السّاقط الفاسد قوله (وعليه التّكلان) هو بضمّ التّاء وإسكان الكاف أي الاتّكال واللّه أعلم بالصّواب وللّه الحمد والنّعمة والفضل والمنة وبه التوفيق والعصمة). [المنهاج: 1/127-144]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صحة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir