دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 شعبان 1436هـ/21-05-2015م, 12:43 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي تقارير يوم الخميس حول كتاب تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن

فائدة بل فوائد عظيمة في ذكر شيء من الأسباب التي ذكرها الله في كتابه موصلة إلى المطالب العالية
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (فائدة بل فوائد عظيمة في ذكر شيء من الأسبابالتي ذكرها الله في كتابه موصلة إلى المطالب العالية ).
عناصر الموضوع:
- فقر العباد إلى جلب المنافع ودفع المضار.
- الطريق للحصول على المنافع ودفع المضار .
- أصل الأسباب كلها.
- ذكر شيء من الأسباب التي ذكرها الله في كتابه وما توصل إليه .
- معنى الحكمة
- معنى الموعظة الحسنة
- معنى المجادلة بالتي هي أحسن.

تلخيص العناصر
- فقر العباد إلى جلب المنافع ودفع المضار
من حكمة الله ورحمته أنه جعل العباد مفتقرين إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية، وإلى دفع المضار الدينية والدنيوية،
- الطريق للحصول على المنافع ودفع المضار
فاقتضت حكمته وسنته التي لا تتبدل أن هذه المنافع المتنوعة - وخصوصا الأمور العظام - لا تحصل إلا بالسعي بأسبابها الموصلة إليها، وكذلك المضار لا تندفع إلا بالسعي بالأسباب التي تدفعها، وقد بين في كتابه غاية التبيين هذه الأسباب، وأرشد العباد إليها، فمن سلكها فاز بالمطلوب، ونجا من كل مرهوب.
- أصل الأسباب كلها.
فأصل الأسباب كلها الإيمان والعمل الصالح، جعل الله خيرات الدنيا والآخرة وحصولها بحسب قيام العبد بهذين الأمرين، وقد ذكر الله في القرآن من هذا شيئا كثيرا جدا، وقد تقدم في هذا الكتاب شيء من ذلك عند ذكر فوائد الإيمان.
- ذكر شيء من الأسباب التي ذكرها الله في كتابه وما توصل إليه .
١- القيام بالعبودية والتوكل
جعل الله القيام بالعبودية والتوكل سببا لكفاية الله للعبد جميع مطالبه، شاهده قوله تعالى:
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36]
أي: بمن يقوم بعبوديته ظاهرا وباطنا.
٢- التقوى والسعي والحركة
جعل الله التقوى والسعي والحركة سببا للرزق، شاهده قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3]
وقوله: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15]
٣- التقوى والإيمان ودعوة ذي النون
جعل الله التقوى والإيمان وتكرار دعوة ذي النون سببا للخروج من كل كرب وضيق وشدة، شاهده قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3] وكذلك قوله:
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87 - 88]
٤- - الدعاء والطمع في فضله.
جعل الله الدعاء والطمع في فضله سببا لحصول جميع المطالب، دليله قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]
وقوله: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]
٥- الإحسان في عبادة الخالق والإحسان للخلق .
جعل الله الإحسان في عبادة الخالق، والإحسان إلى الخلق سببا يدرك به فضله وإحسانه العاجل والآجل، شاهده الآية السابقة: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] وقوله:
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]
{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]
ومن أحبه الله نال جميع ما يطلب.
٦- التوبة والاستغفار
جعل الله التوبة والاستغفار والإيمان والحسنات والمصائب مع الصبر عليها أسبابا لمحو الذنوب والخطايا، شاهده قوله تعالى:
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]
{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]
٧- الصبر.
جعل الله الصبر سببا وآلة تدرك بها الخيرات، ويستدفع بها الكريهات، شاهده الآية السابقة، وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]
أي: على جميع أموركم، ولما ذكر الله ما وصل إليه أهل الجنة من كمال النعيم، وزوال كل محذور، ذكر أن هذا أثر صبرهم، فقال:
{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24]
{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان: 75]
٨- الصبر واليقين.
إنه جعل الصبر واليقين تنال بهما أعلى مقامات، وهي الإمامة في الدين، دليله قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]
٩- حسن السؤال وحسن الإنصات وحسن القصد
جعل الله مفتاح العلم حسن السؤال وحسن الإنصات والتعلم والتقوى وحسن القصد، شاهده قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: 101]
وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29]
أي: نورا وعلما تفرقون به بين الحقائق كلها، وقوله: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16]
وقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]
١٠- الاستعداد للأعداء بكل مستطاع من القوة، وأخذ الحَذر منهم
جعل الله الاستعداد للأعداء بكل مستطاع من القوة، وأخذ الحَذر منهم سببا لحصول النصر والسلامة من شرورهم، شاهده قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71] وقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]
١١-اليسر يتبع العسر.
جعل الله اليسر يتبع العسر، والفرج عند اشتداد الكرب، شاهده قوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6]
{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]
{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62]
١٢- الشكر
جعل الله الشكر سببا للمزيد منها ومن غيرها، وكفران النعم سببا لزوالها، شاهده قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]
١٣- الصبر والتقوى
جعل الله الصبر والتقوى سببا للعواقب الحميدة والمنازل الرفيعة، شاهده قوله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]
{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]
١٤- الجهاد.
جعل الله الجهاد سببا للنصر، وحصول الأغراض المطلوبة من الأعداء، والوقاية من شرورهم، شاهده قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 14]
{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 84]
١٥- متابعة النبي صلى الله عليه وسلم
جعل الله لمحبته التي هي أعلى ما ناله العباد أسبابا، أهمها وأعظمها
متابعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال وسائر الأحوال، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]
ومن أسبابها ما ذكره بقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]
{يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]
{يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76]
{يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]
١٦- النظر إلى النعم والفضل الذي أعطيه العبد وغض النظر مما لم يعطه.
جعل الله النظر إلى النعم، والفضل الذي أعطيه العبد، وغض النظر مما لم يعطه سببا للقناعة، شاهده قوله تعالى:
{قَالَ يا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 144]
١٧- القيام بالعدل في الأمر كلها
جعل الله القيام بالعدل في الأمور كلها سببا لصلاح الأحوال، وضده سببا لفسادها واختلافها، شاهده قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ - أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ - وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7 - 9]
١٨- كمال الإخلاص
جعل الله كمال إخلاص العبد لربه سببا يدفع به عنه المعاصي وأسبابها وأنواع الفتن، شاهده قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]
١٩- قوة التوكل مع الإيمان
جعل الله قوة التوكل عليه مع الإيمان حصنا حصينا يمنع العبد من تسلط الشيطان، خصوصا إذا انضم إلى ذلك الإكثار من ذكر الله، والاستعاذة بالله من الشيطان، شاهده قوله تعالى:
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99]
وقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]
و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] إلى آخرهما.
٢٠- التفكر في آيات الله
جعل الله مفتاح الإيمان واليقين التفكر في آيات الله المتلوة، وآياته المشهودة، والمقابلة بين الحق والباطل بحسن فهم وقوة بصيرة، شاهده قوله تعالى:
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]
والأمر بالتفكر بالمخلوقات في عدة آيات، وقوله:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 77]
فهي سبب للإيمان، والإيمان موجب للانتفاع بها.
٢١-القيام بأمور الدين.
جعل الله القيام بأمور الدين سببا لتيسير الأمور، وعدم القيام بها سببا للتعسير، وشاهده قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى - وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى - وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى - وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 - 10]
٢٢- العلم النافع.
جعل الله العلم النافع للرفعة في الدنيا والآخرة، شاهده قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]
٢٣- أن يكون طيب في عقيدته وخلقه وعمله
جعل الله كون العبد طيبا في عقيدته وخلقه وعمله سببا لدخول الجنة، وللبشارة عند الموت، شاهده قوله تعالى: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73]
وقوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ} [النحل: 32]
٢٤- مقابلة الإساءة بالإحسان.
جعل الله مقابلة المسيء بالإحسان، وحسن الخلق سببا يكون به العدو صديقا، وتتمكن فيه صداقة الصديق، دليله قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]
وبذلك تحصل الراحة للعبد، ويتيسر له كثير من أحواله.
٢٥- الإنفاق في محله
جعل الله الإنفاق في محله سببا للخلف العاجل والثواب الآجل، شاهده قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]
٢٦- تنوع أبواب الرزق واسبابه
جعل الله لرزقه أبوابا وأسبابا متنوعة، فمتى انغلق عن العبد باب منها فلا يحزن؛ فإن الله يفتح له غيره، وقد يكون أقوى منه وأحسن، وقد يكون مثله ودونه، شاهده قوله تعالى:
{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130]
وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28]
٢٧- التحرز من الموبقات والحذر من وسائلها
جعل الله التحرز والبعد عن الموبقات المهلكة والحذر من وسائلها طريقا سهلا هينا لتركها، شاهده قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة: 187] [أي محارمه] {فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187]
أي: لا تفعلوها ولا تحوموا حولها؛ فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه،
- الفرق بين لا تقربوها و لا تعتدوها
وإذا قيل مثل هذه الآية: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] كان المراد بالحدود المحارم، وأما إذا قيل:
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229]
فهذه الحدود التي حددها الله للمباحات، فعلى العبد أن لا يتجاوزها؛ لأنه إذا تجاوز المباح وقع في المحرَّم، فافهم الفرق بين الأمرين.
٢٨- الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن
جعل الله السبب الوحيد القوي المثمر للثمرات الجليلة للدعوة إلى سبيله ما تضمنته هذه الآية: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]
- معنى الحكمة
الحكمة وضع الدعوة في موضعها، ودعاية كل أحد بحسب ما يليق بحاله ويناسبه، ويكون أقرب لحصول المقصود منه،
- معنى (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)
(وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ): البالغة في الحسن مبلغا، يصير لها من التأثير وسرعة الانقياد ما يناسب مقتضى الحال؛
فالموعظة بيان الأحكام مع ذكر ما يقترن بها من الترغيب في ذكر مصالحها ومنافعها وخيراتها الحاملة عليها، وذكر ما يقترن بها من الترهيب على فاعل المحرمات أو تارك الواجبات من العقوبات والخسران والحسرات وحرمان الخير العاجل والآجل.
- معنى" والمجادلة بالتي هي أحسن "
أي : بالعبارات الواضحة والبراهين البينة التي تحق الحق وتبطل الباطل، مع الرفق واللين وعدم المغاضبة والمشاتمة.
................................
نفعنا الله وإياكم بهذا العلم وغفر الله للشيخ عبد الرحمن السعدي ولوالديه .

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 شعبان 1436هـ/21-05-2015م, 10:33 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

قصة عيسى وأمه، وزكريا ويحيى عليهم السلام

قصة السيدة مريم عليها السلام

- هي ابنة عمران من أكابر بنى إسرائيل ورؤسائهم .
- والدتها نذرتها لله وهي في بطنها ظنًا أنها ذكر يكون خادمًا لبيت المقدس عابدًا لله.
- حفظها الله وذريتها من عدوها منذ ولدت بدعوة والدتها .
- قدر الله تعالى لها الكفالة عند زكريا وهو أعظم أنبياء بنى إسرائيل في ذلك الوقت .
- جمع الله تعالى لها بين التربية الجسدية والتربية الروحية فنشأت نشأة الصالحات الصديقات وعكفت على عبادة ربها ولزمت محرابها .
- أرسل الله تعالى لها جبريل في صورة أجمل الرجال وأكملهم فقابلت تلك الفتنة بالورع وتوسلت لله بحفظها وذكرته بتقوى ربه .
- امتثلت لأمر ربها واطمأن قلبها بالبشرى وواجهت قومها بالإشارة كما أمرها الله .
- فرفع الله مقامها وبرئها ووصفها بالعفة وأكرمها بمعجزته عيسى بن مريم عليهما السلام .
____________________________
قصة زكريا عليه السلام

- أكرمه الله تعالى بكفالة مريم فكانت له رحمة وهداية .
- تعجب من رزق الله لمريم كلما دخل عليها وجد عندها رزقًا لم يعطيه إياها وليس لها كافل غيره .
- تذكر بجواب مريم
{هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}رحمة ربه ولطفه بعباده .
-
دعا الله أن يهب له ولدا يرثه علمه ونبوته، ويقوم بعده في بني إسرائيل في تعليمهم وهدايتهم.
- فبشره ربه بغلام يكون سيدًا وحصورًا
أي: ممنوعا بعصمة الله وحفظه، ووقايته من مواقعة المعاصي.
- فطلب الآية من ربه تصديقًا لبشارته فكان لا يقدر على كلام الناس مع قدرته وانطلاق لسانه بذكر ربه .
- رزقه الله بيحيي عليه السلام عظيمًا عند ربه وعند الخلق آتاه الله العلم والحكم وهو صغير
وكان قائمًا بحقوق الله، وحقوق والديه، وحقوق الخلق
{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}

___________________
قصة عيسى عليه السلام

- عبد الله ومعجزته تكلم في المهد آية وبراءة من ربه لأمه .
- انقسم الناس فيه على ثلاثة أقسام :
1- قسم صدق به وآمن به بعد نبوته .
2- قسم غالى فيه ونزلوه منزلة الرب تعالى الله عما يصفون .
3- قسم كفروا به وجحدوه وآذوا أمه .

- أيده الله بعد نبوته بالمعجزات فكان يصور الطين وينفخ فيه فيكون كيرًا بإذن الله ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتي بإذن الله
وينبئهم بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم .
- بشر قومه برسول من بعده محمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم كذبوا به كما كذبوا بعيسى عليه السلام .
- تآمر عليه قومه لقتله فرفعه الله إليه حيًا وألقى شبهه على غيره فقتلوه وصلبوه ظنًا منهم أنه عيسى بن مريم

{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 4 شعبان 1436هـ/22-05-2015م, 03:55 PM
حياة بنت أحمد حياة بنت أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 222
افتراضي

قصة أصحاب الكهف

عناصر الدرس:
* نبذة عن أصحاب الكهف.
* حفظ الله تعالى لهم.
* فيها آيات بينات وفوائد متعددة.


تلخيص قصة أصحاب الكهف

* نبذة عن أصحاب الكهف:
- هم فتية وفقهم الله، وألهمهم الإيمان، وعرفوا ربهم.
- أنكروا ما عليه قومهم من عبادة الأوثان، وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم، خائفين من سطوة قومهم فقالوا:{رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: 14]
- لما اتفقوا على الحفاظ على دينهم، وعرفوا أنهم لا يمكنهم إظهار ذلك لقومهم سألوا الله أن يسهل أمرهم فقالوا:{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10]
* حفظهم الله تعالى لهم:
- فأووا إلى غار يسره الله غاية التيسير، واسع الفجوة.
- بابه نحو الشمال لا تدخله الشمس، لا في طلوعها ولا في غروبها.
- فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا.
- وقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم.
- ثم إنه في الغار تولى حفظهم بقوله:{وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 18] وذلك لئلا تُبلي الأرضُ أجسادهم.
- ثم أيقظهم بعد هذه المدة الطويلة: {لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} [الكهف: 19]
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف: 19].

* ففيها آيات بينات وفوائد متعددة:
منها: أن قصة أصحاب الكهف وإن كانت عجيبة فليست من أعجب آيات الله، فإن لله آيات عجيبة وقصصا فيها عبرة للمعتبرين.
منها: أن من أوى إلى الله أواه الله، ولطف به، وجعله سببا لهداية الضالين؛ فإن الله لطف بهم في هذه القومة الطويلة إبقاء على إيمانهم وأبدانهم من فتنة قومهم وقتلهم، وجعل هذه النومة من آياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله، وتنوع إحسانه، وليعلم العباد أن وعد الله حق.
منها: الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها؛ لأن الله بعثهم لأجل ذلك، وببحثهم ثم بعلم الناس بحالهم حصل البرهان والعلم بأن وعد الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
منها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند ما يعرف.
منها: صحة الوكالة في البيع والشراء وصحة الشركة في ذلك، لقولهم: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]
منها: جواز أكل الطيبات، والتخير من الأطعمة ما يلائم الإنسان ويوافقه، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه، لقوله: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]
ومنها: الحث والتحرز والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الإنسان الشر.
ومنها: بيان رغبة هؤلاء الفتية في الدين، وفرارهم من كل فتنة في دينهم، وتركهم لأوطانهم وعوائدهم في الله.
ومنها: ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد الداعية لبغضه وتركه، وأن هذه الطريقة طريقة المؤمنين.
ومنها: أن قوله: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21] فيه دليل على أن هؤلاء القوم الذين بعثوا في زمانهم أناس أهل تدين؛ لأنهم عظموهم هذا التعظيم حتى عزموا على اتخاذ مسجد على كهفهم، وهذا إن كان ممنوعا - وخصوصا في شريعتنا - فالمقصود بيان أن ذلك الخوف العظيم من أهل الكهف وقت إيمانهم ودخولهم في الغار أبدلهم الله به بعد ذلك أمنا وتعظيما من الخلق، وهذه عوائد الله فيمن تحمل المشاق من أجله أن يجعل له العاقبة الحميدة.
ومنها: أن كثرة البحث وطوله في المسائل التي لا أهمية لها لا ينبغي الانهماك به لقوله: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22]
ومنها: أن سؤال من لا علم له في القضية المسئول فيها أو لا يثق به منهي عنه لقوله: {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22].

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 4 شعبان 1436هـ/22-05-2015م, 04:05 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

فوائد مستنبطة لقصة السيدة مريم وزكريا عليهما السلام

- في نذر أمها عظة فهي لما وضعت ووجدت مولودها أنثى لم تتردد في الوفاء بنذرها بل اعتذرت لربها وشكت له الحال لا تبغى من وراء ذلك تبرير عدم وفائها بالنذر بل استعانة بربها أن يحصن ابنتها وذريتها ويحفظها من شر عدوها حتى تقوى على القيام بحق خدمة بيت المقدس وتتفرغ لعبادة ربها .

- في رزق الله تعالى لمريم عظة لما دخل عليها زكريا وقال أنى لك هذا ؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب وكان هو النبي في ذلك الوقت ولكنه تذكر بذلك لطف ربه وبعث ذلك في نفسه رجا رحمة ربه فالتجأ إليه وطلب منه الرزق فنتعلم من ذلك أننا لما نرى نعمة ربنا ورزقه على أحد من خلقه لا يبعث ذلك في نفوسنا الغيرة والحسد والنقمة وإن كانوا أقل مننا ظاهرًا في التدين فالله عليم بما يصلح عباده وعلى من يجد ذلك سؤال الله من فضله فهو الغني الكريم

- لما اعتزلت مريم واشتدت في عبادتها وأخلصت لله حقًا افتتنت بإرسال جبريل في خلوتها وصورته أجمل وأكمل الرجال وهكذا سنة الله { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }
وحينها أول ما بذلته مريم من أسباب لدفع الفتنة عنها أن استعاذت بربها وتوسلت إليه ثم ذكرته بتقوى ربه فثبتها الله تعالى ورفع مقامها
وكثير من عباد الله الصالحين حين الفتنة يفكر بدفعها بقوته وعلمه وووو ثم يدعو ربه ... نسأل الله النجاة من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

- أن مريم عليها السلام لما اشتد عليها الكرب وقالت { ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيا } فناداها من تحتها { أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا }

فلما امتثلت الأمر اطمأنت نفسها وهدأت واستطاعت مواجهة قومها بأقدام ثابتة فآتاها فضله وكرامته ومعجزته براءة لها وإعلاء لشأنها {
وجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }
وهكذا الكرب لما يشتد لا بد من بعده بالفرج وإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فلن يغلب عسر يسرين وفرج الله آت ونصرة الله لعباده المؤمنين يقينا آت ولكن الصبر والثبات والامتثال لأمر الله مع بذل الأسباب في حدود ما شرع الله وجرت عليه السنن في أمم السابقين
ولنا في قصص الصالحين أسوة والحمد لله رب العالمين .



رد مع اقتباس
  #5  
قديم 5 شعبان 1436هـ/23-05-2015م, 12:44 AM
إيمان الحربي إيمان الحربي غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 238
افتراضي


فوائد منثورة منوعة غير مرتبة
ورود ألفاظ مشركة في القرآن تختلف معانيها حسب السياق:
· معاني الأمة في القرآن:
· معاني السلطان في القرآن:
· معاني اللسان في القرآن:
· معاني استوى في القرآن:
· معاني التأويل في القرآن:
- أوجه الوقف على(إلا الله):
* معاني السعي في القرآن:
· معاني الظلم في القرآن
· معاني لفسق في القرآن:


الجمع بين معاني الايات التي ظاهرها التعارض:
- متى يستخدم اللين ومتى تستخدم الغلظة:
- أنواع الهداية في القرآن:
- الجمع بين المواضع التي ورد في القرآن أن الناس لا يتساءلون ولا يتكلمون، والمواضع التي ذكر فيها احتجاجهم وتكلمهم وخطاب بعضهم لبعض:
- الفرق بين إثبات الأنساب بين الناس في مواضع كثيرة، ونفيها في مواضع:
- الجمع بين الآيات التي بها الإخبار عن المجرمين أنهم يُسألون عن أعمالهم, وبعضها أنهم لا يُسئلون:
- الجمع بين ما أخبر الله به في عدة آيات بهدايته الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم، وتوبته على كل مجرم، وما أخبر في آيات أُخر أنه:
الجمع بين الآيات التي بها إضافة الأمور إلى قدرة الله ومشيئته وعموم خلقه، والآيات التي بها إضافة الأمور إلى عامليها وفاعليها:
الجمع بين الفرح المحمود والفرح المذموم في القرآن:
- الجمع بين الآيات لتي فيها ذكر الخلود في النار على ذنوب وكبائر ليست بكفر وبين النصوص المتواترة من الكتاب والسنة أنه لا يخلد في النار إلا الكفار:
فوائد متنوعة:
أنواع المعية في القرآن:
أنواع وصف العباد بالعبودية:
لطيفة في تحقيق العيودية:
أنواع القنوت في لقرآن:
لطيفة في دواعي الكبر على الحق وعلى الخلق:
الفرق بين التبصرة والتذكرة:

فائدة: النفي المحض لا يكون كمالا:
أمثلة على ذلك:
لطيفة: نفي صفات الكمال:
فائدة: شروط اهلية الملك والولاية:
فائدة: أن يؤتى كل أمر من بابه:
فائدة:معنى الاقتداء بهداية الأنبياء:
فائدة: الأمر بالشيء أمر بوسائله, والنهي عن الشيء نهي عن وسائله:
أمثلة على ذلك:
فائدة: الحكمة من ختم الله كثيرا من الآيات عندما يبين للعباد الأصول والأحكام النافعة بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73
فائدة: الحكمة مما ورد في القرآن من آيات عامة عطف عليه بعض أفرادها الداخلة فيها:
أمثلة:
فائدة لطيفة: الحكمة من ختم بعض الآيات بأسماء الله وصفاته:
فائدة: لطائف في قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]
فائدة: في أوصاف القلوب الوردة في القرآن, ومعانيها:
فائدة: اجتماع الحقوق الثلاثة في قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9]
فائدة: في معنى اليقين وآثاره:
فائدة: معاني الظن في القرآن على وجهين: وجه محمود، ووجه مذموم:
فائدة: كيف تكون البركة في المال :
فائدة: في معنى الصدق وفائدته ومنزلته:
فائدة: مراتب الإيمان بحسب إرثهم للكتاب, ومراتب نعيمهم:
فائدة:من جمع ثلاثة الأمور يسره الله لليسرى
فائدة: خطابات القرآن للناس خبرا وأمرا ونهيا قسمان:
فائدة: الطرق الموصلة إلى العلم واليقين ثلاثة:
فائدة: أركان الشكر:



ورود ألفاظ مشركة في القرآن تختلف معانيها حسب السياق:
· معاني الأمة في القرآن:
الأمَّة: جاء في القرآن لعدة معاني : الإمام الجامع لخصال الخير، مثل قوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120]
و الطائفة:
{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]
وهذا المعنى كثير.
و الملة والدين: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون: 52]
و المدة الطويلة:
{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45]

· معاني السلطان في القرآن:
السلطان: أكثر استعماله في القرآن بمعنى الحجة، مثل قوله:
{إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [يونس: 68]
{فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم: 10]
ويأتي بمعنى الملك:
مثل قوله: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 29]
ويأتي بمعنى التسلط والسيطرة:
مثل قوله: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 99 - 100]
· معاني اللسان في القرآن:
اللسان: ورد في القرآن لعدة معاني، ورد بمعنى الجارحة:
{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16]
{يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ} [الفتح: 11]
وهو كثير.
وبمعنى اللغة:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195]
وبمعنى الثناء الحسن:
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84]
· معاني استوى في القرآن:
استوى: وردت في القرآن على ثلاثة أوجه، تارة تُعدَّى بعلى فتدل على العلو والارتفاع مثل:
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]
{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13]
وتعدَّى بإلى فتدل على القصد مثل:
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29]
وتأتي بلا تعدية بحرف فتدل على الكمال، ومنه قوله:
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14] أي: كمل في عقله وأحواله كلها.

· معاني التأويل في القرآن:
التأويل: أكثر وروده في القرآن بمعنى عاقبة الشيء وما يؤول إليه ووقت وقوعه مثل قوله:
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ} [الأعراف: 53] أي: وقوع المخبر به من العذاب.
{هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 100] أي: هذا ما آلت إليه وهذا وقوعها.
وقد يأتي بمعنى التفسير وهو قليل، ومنه على أحد التفسيرين:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7].
أوجه الوقف على(إلا الله):
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]
أي: تفسيره، وعلى القول الآخر يكون من المعنى الأول، أي: وما يعلم حقيقة المخبر عنه إلا الله وحده، فعلى هذا المعنى يتعين الوقوف على (اللَّهِ) ، وعلى المعنى الأول الذي بمعنى التفسير يعطف عليه: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] أي: فما يعلم تفسير المتشابه الذي يتشابه فهمه على أذهان أكثر الناس إلا الله وإلا أهل العلم، فإنهم يعلمون تأويله بهذا المعنى.

· معاني السعي في القرآن:

ورد السعي في القرآن في آيات كثيرة، والمراد به الاهتمام والجد في العمل مثل قوله:
{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]
وقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]
وقوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4]
وآيات كثيرة كلها بمعنى الاهتمام للعمل، إلا في مثل قوله تعالى:
{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القصص: 20]
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20]
فالمراد بذلك العَدْوُ، وهو يتضمن الأول وزيادة.
· معاني الظلم في القرآن:
بمعنى الكفر والشرك الأكبر، كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254]
وقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ونحوها.
وورد كثيرا بمعنى الجرائم التي دون الشرك كما سبق في الظالم لنفسه ومثل: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110], وورد أيضا عدة آيات يدخل فيها هذا وهذا،.
· معاني الفسق في القرآن:
: (الفسق) والمعصية والذنب والسيئة والجرم والخطيئة ونحوها تفسر في كل مقام بما يناسب ذلك المقام.
* الغافل: ورد في القرآن بمعنى الجاهل مثل قوله:
{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 6]
وبمعنى النسيان لذكر الله وذكر طاعته، كقوله:
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]
{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف: 28]
الجمع بين معاني الايات التي ظاهرها التعارض:
1-متى يستخدم اللين ومتى تستخدم الغلظة:
من الحكمة استعمال اللين في معاشرة المؤمنين، وفي مقام الدعوة للكافرين، كما قال تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]
وقال: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]
كما أن من الحكمة استعمال الغلظة في موضعها. قال تعالى:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التحريم: 9]
أن المقام هنا مقام لا تفيد فيه الدعوة، بل قد تعين فيه القتال، فالغلظة فيه من تمام القتال، وقد جمع الله بين الأمرين في قوله في وصف خواص الأمة: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]
2- أنواع الهداية في القرآن:
الفرق بين قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] وبين قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] أن هداية الإرشاد والتعليم والبيان هي التي أثبتها لرسوله، بل ولكل من له تعليم وإرشاد للخلق كما قال:
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73]
وقال: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]
وأما هداية التوفيق ووضع الإيمان في القلوب فإنها مختصة بالله، فكما لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ويميت إلا الله، فلا يهدي إلا الله.

3- الجمع بين المواضع التي ورد في القرآن أن الناس لا يتساءلون ولا يتكلمون، والمواضع التي ذكر فيها احتجاجهم وتكلمهم وخطاب بعضهم لبعض:
وجهان: أوجههما تقييد هذه المواضع بقوله:
{لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38]
فإثبات الكلام المتعدد من الخلق يوم القيامة تبع لإذن الله لهم في ذلك، ونفي التساؤل والكلام في الحالة التي لم يؤذن لهم.
الوجه الثاني: ما قاله كثير من المفسرين: إن القيامة لها أحوال ومقامات، ففي بعض الأحوال والمقامات يتكلمون، وفي بعضها لا يتكلمون، وهذا الوجه لا ينافي الأول، فيقال: هذه الأحوال والمقامات تبع لإذن الله لهم أو عدمه.
4- الفرق بين إثبات الأنساب بين الناس في مواضع كثيرة، ونفيها في مواضع:
إن المواضع المنفية المراد بها أن الأنساب لا تنفع، كما أن جميع الأسباب لا تنفع يوم القيامة إلا سبب واحد، وهو الإيمان والعمل الصالح، وأما المواضع المثبتة فهو المطابق للحقيقة، ويذكر في كل مقام بحسبه.
ففي مقامات الفضل والثواب يذكر الله فضله على الجميع بإلحاق الناقص من المؤمنين بالكامل من غير نقص لدرجة الكامل مثل قوله:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]
أي: ما نقصناهم، ومثل: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [الرعد: 23] ونحوها.
وفي مقامات العدل والعقوبة يذكر الأنساب، وأنها لا تنفع، وأن الأمر أعظم من أن يلتفت الإنسان إلى أقرب الناس إليه مثل قوله:
{يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ - وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ - وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [المعارج: 11 - 13]
5- الجمع بين الآيات التي بها الإخبار عن المجرمين أنهم يُسألون عن أعمالهم, وبعضها أنهم لا يُسئلون:
الإخبار عن المجرمين أنهم يُسألون عن أعمالهم، ذلك على وجه إظهار العدل والتوبيخ والتقريع لهم والفضيحة، وفي بعض المواضع مثل:
{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 39]
أي: لا يحتاج في علم ذلك وجزائه عليه إلى سؤاله سؤال استعلام؛ لأنها مسطرة عليهم قد حفظت بالشهود من الملائكة والجوارح والأرض وغيرها.
6- الجمع بين ما أخبر الله به في عدة آيات بهدايته الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم، وتوبته على كل مجرم، وما أخبر في آيات أُخر أنه:
{لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258]
{لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 108]
: قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ - وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 96 - 97]
هي الفاصلة بين من هداهم الله ومن لم يهدهم، فمن حقت عليه كلمة العذاب - لعنادهم، ولعلم الله أنهم لا يصلحون للهداية، بحيث صار الظلم والفسق وصفا لهم، ملازما غير قابل للزوال، ويعلم ذلك بظاهر أحوالهم وعنادهم ومكابرتهم للحقائق - فهؤلاء يطبع الله على قلوبهم فلا يدخلها خير أبدا، والجرم جرمهم، فإنهم رأوا سبيل الرشد فزهدوا فيه، ورأوا سبيل الغي فرغبوا فيه، واتخذوا الشياطين أولياء من دون الله.
7-- الجمع بين الآيات التي بها إضافة الأمور إلى قدرة الله ومشيئته وعموم خلقه، والآيات التي بها إضافة الأمور إلى عامليها وفاعليها:
هذه الآيات المتنوعة تنزل على الأصل العظيم المتفق عليه بين سلف الأمة، والذي دل عليه العقل والنقل، وهو أن جميع الأمور واقعة بقضاء الله وقدره: أعيانها وأوصافها وأفعالها، وجميع ما حدث ويحدث، لا يخرج شيء منه عن قضائه وقدره، ومع ذلك فقد جعل الله الحوادث تبعا لأسبابها، ولإرادة الفاعلين لها وقدرتهم عليها، فالآيات المتعددة المضافة إلى عموم قدرة تدل على الأصل الأول، والآيات المتعددة المضافة إلى فاعليها تدل على الأصل الثاني، ولا منافاة بينهما، فإن أعمال العباد مثلا تقع بفعلهم وإرادتهم وقدرتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم وخالق السبب التام خالق للمسبب، ومع ذلك فقد جعلهم في أفعالهم وتروكهم مختارين غير مجبورين.
8- الجمع بين الفرح المحمود والفرح المذموم في القرآن:
الفرح ورد في القرآن محمودا مأمورا به في مثل قوله:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]
فهذا فرح بالعلم والعمل بالقرآن والإسلام، وكذلك قوله:
{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 170] فهذا فرح بثواب الله.
وورد منهيا عنه مذموما مثل الفرح بالباطل وبالرياسات والدنيا المشغلة عن الدين في مثل قوله تعالى: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: 10]
وقوله عن قارون:
{قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]
وما أشبه ذلك، فصار الفرح تبعا لما تعلق به؛ إن تعلق بالخير وثمراته فهو محمود، وإلا فهو مذموم.
9- الجمع بين الآيات لتي فيها ذكر الخلود في النار على ذنوب وكبائر ليست بكفر وبين النصوص المتواترة من الكتاب والسنة أنه لا يخلد في النار إلا الكفار:
ورد في القرآن عدة آيات فيها ذكر الخلود في النار على ذنوب وكبائر ليست بكفر مثل قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]
{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14]
{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81]
فما الجمع بينها وبين النصوص المتواترة من الكتاب والسنة أنه لا يخلد في النار إلا الكفار، وأن جميع المؤمنين مهما عملوا من المعاصي التي دون الكفر فإنهم لا بد أن يخرجوا منها، فهذه الآيات قد اتفق السلف على تأويلها وردها إلى هذا الأصل المجمع عليه بين سلف الأمة، وأحسن ما يقال فيها إن ذكر الخلود على بعض الذنوب التي دون الشرك والكفر أنها من باب ذكر السبب، وأنها سبب للخلود في النار لشناعتها، وأنها بذاتها توجب الخلود إذا لم يمنع من الخلود مانع، ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن الإيمان مانع من الخلود، فتنزل هذه النصوص على الأصل المشهور، وهو أنه لا تتم الأحكام إلا بوجود شروطها وأسبابها وانتفاء موانعها، وهذا واضح ولله الحمد، مع أن بعض الآيات المذكورة فيها ما يدل على أن الخطيئة المراد بها الكفر؛ لأن قوله: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: 81] دليل على ذلك؛ لأن المعاصي التي دون الكفر لا تحيط بصاحبها، بل لا بد أن يكون معه إيمان يمنع من إحاطتها، وكذلك قوله:
{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14]
فالمعصية تطلق على الكفر وعلى الكبائر وعلى الصغائر، ومن المعلوم أنه إذا دخل فيها الكفر زال الإشكال.
فوائد متنوعة:
- أنواع المعية في القرآن:
أحدهما: المعية العامة، كقوله:
{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة: 7] أي: هو معهم بعلمه وإحاطته.
الثاني: المعية الخاصة، وهي أكثر ورودا في القرآن، وعلامتها أن يقرنها الله بالاتصاف بالأوصاف التي يحبها، والأعمال التي يرتضيها مثل قوله:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194]
مع المحسنين ومع الصابرين.
{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]
{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]
وهذه المعية تقتضي العناية من الله والنصر والتأييد والتسديد بحسب قيام العبد بذلك الوصف الذي رتبت عليه المعية.
- أنواع وصف العباد بالعبودية:
ونظير هذا التقسيم وصف العباد بأنهم عبيد لله يرد في القرآن على نوعين: نوع عام مثل قوله:
{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]
أي: معبدا مملوكا لله،
والنوع الثاني العبودية الخاصة، وهي تقتضي أن العبد بمعنى العابد المتعبد لربه القائم بعبوديته، وذلك مثل قوله:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} [الفرقان: 63]
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1]
- لطيفة في تحقيق العيودية:
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36]
فبحسب قيام العبد بعبودية ربه تحصل له كفاية الله.
- أنواع القنوت في لقرآن:
قنوت عام مثل قوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26]
أي: الكل عبيد خاضعون لربوبيته وتدبيره. النوع الثاني: وهو الأكثر في القرآن: القنوت الخاص، وهو دوام الطاعة لله على وجه الخشوع مثل قوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9]
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]
- لطيفة في دواعي الكبر على الحق وعلى الخلق:
طغيان الرئاسة وطغيان المال يحملان صاحبهما على الكبر والبطر والبغي على الحق وعلى الخلق، برهان ذلك قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة: 258]
وقوله:
{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى - أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6 - 7]
، أما الموفقون الأصفياء فإنهم في هذه الأحوال يخضعون لله ويعترفون له بالنعمة ويزداد تواضعهم؛ ولهذا لما رأى سليمان عليه السلام من ملكه ملكا كبيرا، ورأى عرش ملكة سبأ مستقرا عنده لم يطغ ويقل: هذا من حولي وقوتي، ونحوه، بل قال: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40] وقال قبل ذلك: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]
- الفرق بين التبصرة والتذكرة:
والفرق بين التبصرة والتذكرة في مثل قوله: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 8]
أن التبصرة هي العلم بالشيء والتبصر فيه، والتذكرة هي العمل بالعلم اعتقادا وعملا، وتوضيح هذا أن العلم التام النافع يفتقر إلى ثلاثة أمور: التفكر أولا في آيات الله المتلوة والمشهودة، فإذا تفكر أدرك ما تفكر فيه بحسب فهمه وذكائه، فعرف ما تفكر فيه وفهمه، وهذا هو التبصرة، فإذا علمه عمل به، فإن كان اعتقادا وإيمانا صدقه بقلبه وأقرَّ به واعترف، وإن اقتضى عملا قلبيا أو قوليا أو بدنيا عمل به، وهذا هو التذكر وهو التذكرة، وحاصل ذلك هو معرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه.

- فائدة: النفي المحض لا يكون كمالا:
ولهذا في مقامات المدح كل نفي في القرآن فإنه يفيد فائدتين: نفي ذلك النقص المصرح به، وإثبات ضده ونقيضه.
- أمثلة على ذلك:
يدخل في هذا أشياء كثيرة : 1- أعظمها أنه أثنى على نفسه بنفي أمور كثيرة تنافي كماله، نفي الشريك في مواضع متعددة فيقتضي توحُّده بالكمال المطلق، وأنه لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وسبح نفسه في مواضع، وأخبر في مواضع عن تسبيح المخلوقات، والتسبيح تنزيه الله عن كل نقص، وعن أن يماثله أحد، وذلك يدل على كماله، ونفى عن نفسه الصاحبة والولد، ومكافأة أحد ومماثلته، وذلك يدل على كماله المطلق وتفرُّده بالوحدانية والغنى المطلق والملك المطلق، ونفى عن نفسه السِّنَةَ والنوم والموت؛ لكمال حياته وقيوميته، ونفى كذلك الظلم في مواضع كثيرة، وذلك يدل على كمال عدله وسعة فضله، ونفى أن يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء أو يعجزه شيء؛ وذلك لإحاطة علمه وكمال قدرته، ونفى العبث في مخلوقاته وفي شرعه؛ وذلك لكمال حكمته، وهذه فائدة عظيمة فاحفظها في خزانة قلبك، فإنها خير الكنوز وأنفعها.
2- وكذلك نفى عن كتابه القرآن الريب والعوج والشك ونحوها، وذلك يدل على أنه الحق في أخباره وأحكامه، فأخباره أصدق الأخبار وأحكمها وأنفعها للعباد، وأحكامه كلها محكمة في كمال العدل والحسن والاستقامة على الصراط المستقيم.
3- وقال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2]
فنفى عنه الضلال من جميع الوجوه، وهو عدم العلم أو قلته أو نقصه أو عدم جودته والغيّ وهو سوء القصد، فيدل ذلك أنه أعلم الخلق على الإطلاق، وأهداهم، وأنه أنصح الخلق للخلق، وأعظمهم إخلاصا لله وطلبا لما عنده، وأبعدهم عن الأغراض الرديئة، وكذلك نفى عنه كل نقص قاله أعداؤه فيه، وأنه في الذروة العليا من الكمال المضاد لذلك النقص.
- 4- وكذلك نفى الله عن أهل الجنة الحزن والكدر والنصب واللغوب والموت وغيرها من الآفات، فيدل ذلك على كمال سرورهم وفرحهم واتصال نعيمهم وكماله، وكمال حياتهم وقوة شبابهم وكمال صحتهم، وتمام نعيمهم الروحي والقلبي والبدني من كل وجه، وأنه لا أعلى منه حتى يطلب عنه حولا.
-
- لطيفة: نفي صفات الكمال:
وعكس هذا ما نفى القرآن عنه صفات الكمال، فإنه يثبت له ضد ذلك من النقص، كما نفى عن آلهة المشركين جميع الكمالات القولية والفعلية والذاتية، وذلك يدل على نقصها من كل وجه، وأنها لا تستحق من العبادة مثقال ذرة.
- فائدة: شروط اهلية الملك والولاية:
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247]
أي: القوة والشجاعة في هذه الآية، على أن الملك إذا اجتمعت فيه هاتان الخصلتان: العلم بالولاية والسياسة وحسن التدبير والشجاعة والقوة، فهو الذي يصلح للولاية والملك، وإن لم يكن من بيت الملك ولا ذا مال، فإن العبرة بجميع الولايات إمكان إقامتها والنهوض بها على أكمل الحالات، وولاية الملك لا تتم إلا بالعلم والشجاعة القلبية والبدنية.
فائدة: أن يؤتى كل أمر من بابه:
قوله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]
يؤخذ من عمومها اللفظي والمعنوي أن كل مطلوب من المطالب المهمة ينبغي أن يؤتى من بابه، وهو أقرب طريق ووسيلة يتوصل بها إليه، وذلك يقتضي معرفة الأسباب والوسائل معرفة تامة؛ ليسلك الأحسن منها والأقرب والأسهل، والأقرب نجاحا، لا فرق بين الأمور العلمية والعملية، ولا بين الأمور الدينية والدنيوية، ولا بين الأمور المتعدية والقاصرة، وهذا من الحكمة.
فائدة:معنى الاقتداء بهداية الأنبياء:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90]
تدل على اتباع جميع الأنبياء في جميع هداهم، والله هداهم في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم وأقوالهم وأفعالهم، فكل أمر أثنى الله فيه على أحد من أنبيائه من عقد أو خلق أو عمل فإننا مأمورون بالاقتداء بهم .
فائدة: الأمر بالشيء أمر بوسائله, والنهي عن الشيء نهي عن وسائله:
إذا أمرنا الله في كتابه بأمر كان أمرا بذلك، وبكل أمر لا يتم إلا به،
أمثلة على ذلك:
1- فالأمر مثلا بالصلاة أمر بالطهارة وستر العورة واجتناب النجاسة واستقبال القبلة وبجميع شروطها وأركانها، وكذلك هو أمر بمعرفتها ومعرفة ما لا تتم إلا به,
2- وهذا من أعظم الأدلة على وجوب طلب العلم، فإن المأمورات يتوقف تكميلها على معرفتها،
3- والأمر بالجهاد أمر به، وبكل ما يتوقف عليه في كل زمان ومكان،
4- والأمر بتبليغ الشريعة أمر بكل ما يحصل به التبليغ ويتم ويكمل ويشمل، ويدخل في هذا إيصال الأحكام الشرعية وتبليغها للناس بجميع المقربات الحادثة.
وكذلك إذا نهانا الله عن شيء كان نهيا عن كل وسيلة توصل إليه.
فائدة: الحكمة من ختم الله كثيرا من الآيات عندما يبين للعباد الأصول والأحكام النافعة بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73
منها: أن الله يحب منا أن نعقل أحكامه وإرشاداته وتعليماته، فنحفظها ونفهمها ونعقلها بقلوبنا، ونؤيد هذا العقل ونثبته بالعمل بها.
ومنها: أنه كما يحب منا أن نعقل هذا الحكم الذي بينه بيانا خاصا، فإنه يحب أن نعقل بقية ما أنزل علينا من الكتاب والحكمة، وأن نعقل آياته المسموعة وآياته المشهودة.
ومنها: أن في هذا أكبر دليل على أن معرفة ما أنزل الله إلينا من أعظم ما يربي عقولنا، ويجعلها عقولا تفهم الحقائق النافعة والضارة، وترجح هذه على هذه، ولا تميل بها الأهواء والأغراض والخيالات والخرافات الضارة المفسدة للعقول.
وإذا أردت معرفة مقادير عقول الخلق على الحقيقة، فانظر إلى عقول المهتدين بهداية القرآن والسنة، وإلى عقول المنحرفين عن ذلك تجد الفرق العظيم، ولا تحسبن العقل هو الذكاء وقوة الفطنة والفصاحة اللفظية وكثرة القيل والقال، وإنما العقل الصحيح أن يعقل العبد في قلبه الحقائق النافعة، عقلا يحيط بمعرفتها، ويميز بينها وبين ضدها، ويعرف الراجح من الأمور فيؤثره، والمرجوح أو الضار فيتركه، وبعبارة أخرى مختصرة نقول: العقل هو الذي يعقل به العلوم النافعة، ويعقل صاحبه ويمنعه من الأمور الضارة.
فائدة: الحكمة مما ورد في القرآن من آيات عامة عطف عليه بعض أفرادها الداخلة فيها:
وذلك يدل على فضيلة المخصوص وآكديته، وأن له من المزايا ما أوجب النص عليه .
أمثلة:
{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98]
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4] وهو جبريل.
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]
{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} [الأعراف: 170]
دخل فيه الدين كله ثم قال: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [الأعراف: 170]
ومثله: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} [العنكبوت: 45],أي: اتبعه، ويدخل في ذلك جميع الشرائع، ثم قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [العنكبوت: 45]
وذكر السبب في ذلك، إلى غير ذلك من الآيات التي إذا تأملت المخصوص من العام علمت أن ذلك لشرفه وآكديته، وما يترتب عليه من الثمرات الطيبة.
فائدة لطيفة: الحكمة من ختم بعض الآيات بأسماء الله وصفاته:
في عدة آيات من القرآن إذا ذكر الله الحكم لم ينص على نفس الحكم عليه، بل يذكر من أسمائه الحسنى ما إذا علم ذلك الاسم وعلمت آثاره، عُلم أن ذلك الحكم من آثار ذلك الاسم، وهذا إنهاض من الله لعباده أن يعرفوا أسماءه حق المعرفة، وأن يعلموا أنها الأصل في الخلق والأمر، وأن الخلق والأمر من آثار أسمائه الحسنى، وذلك مثل قوله:
{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ - وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 - 227]
فيستفاد أن الفيئة يحبها الله، وأنه يغفر لمن فاء ويرحمه، وأن الطلاق كريه إلى الله، وأما المؤلي إذا طلق فإن الله تعالى سيجازيه على ما فعل من السبب، وهو الإيلاء، والمسبب، وهو ما ترتب عليه، ومثل هذا قوله تعالى:
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34]
أي: فإنكم إذا علمتم ذلك رفعتم عنه العقوبة المتعلقة بحق الله، وهذا كثير، وقد يصرح الله بالحكم ويعلله بذكر الأسماء الحسنى المناسبة له.
فائدة: لطائف في قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]
جمع الله فيها أمورا كثيرة نافعة في الدين والبدن والحال والمآل، فالأمر بالأكل والشرب يدل على الوجوب، وأن العبد لا يحل له ترك ذلك شرعا، كما لا يتمكن من ذلك قدرا ما دام عقله معه، وأن الأكل والشرب مع نية امتثال أمر الله يكون عبادة، وأن الأصل في جميع المأكولات والمشروبات الإباحة، إلا ما نص الشارع على تحريمه لضرره لإطلاق ذلك، وعلى أن كل أحد يأكل ما ينفعه ويناسبه ويليق به، ويوافق لغناه وفقره، ويوافق لصحته ومرضه ولعادته وعدمها، ولأنه حذف المأكول، والآية ساقها الله لإرشاد العباد إلى منافعهم، وهي تدل على ذلك كله، وعلى أن أصل صحة البدن تدبير الغذاء بأن يأكل ويشرب ما ينفعه، ويقيم صحته وقوته، وعلى الأمر بالاقتصاد في الغذاء والتدبير الحسن؛ لأنه لما أمر بالأكل والشرب نهى عن السرف، وعلى أن السرف منهي عنه، وخصوصا في الأطعمة والأشربة، فإن السرف يضر الدين والعقل والبدن والمال.
أما ضرره الديني فكل من ارتكب ما نهى الله ورسوله عنه فقد انجرح دينه، وعليه أن يداوي هذا الجرح بالتوبة والرجوع.
وأما ضرره العقلي فإن العقل يحمل صاحبه أن يفعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي، ويوجب له أن يدبر حياته ومعاشه؛ ولهذا كان حسن التدبير في المعاش من أبلغ ما يدل على عقل صاحبه، فمن تعدى الطور النافع إلى طور الإسراف الضار فلا ريب أن ذلك لنقص عقله، فإنه يستدل على نقص العقل بسوء التدبير.
وأما ضرره البدني فإن من أسرف بكثرة المأكولات والمشروبات انضر بدنه واعتراه أمراض خطرة، وكثير من الأمراض إنما تحدث بسبب الإسراف في الغذاء، ثم إنه ينضرُّ أيضا من وجه آخر، فإن من عوَّد بدنه شيئا اعتاده، فإذا عوَّده كثرة الأكل أو أكل الأطعمة المتنوعة فربما تعذرت في بعض الأحوال لفقر أو غيره، وحينئذ يفقد البدن ما كان معتادا له فتنحرف صحته.
وأما ضرره المالي فظاهر فإن الإسراف يستدعي كثرة النفقات، ولهذا قال تعالى: {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]
أي: تلام على ما فعلت؛ لأنه في غير طريقه، (مَحْسُورًا) : فارغ اليد، وإخباره أنه لا يحب المسرفين دليل على أنه يحب المقتصدين؛ ففي هذه الآية إثبات صفة المحبة لله، وأنها تتعلق بما يحبه الله من الأشخاص والأعمال والأحوال كلها، فسبحان من جعل كتابه كنوزا للعلوم النافعة المتنوعة.
فائدة: في أوصاف القلوب الوردة في القرآن, ومعانيها:
ذكر الله في كتابه عدة آيات فيها وصف القلوب بالمرض وبالعمى وبالقسوة، وبجعل الموانع عليها من الران، والأكنة والحجاب، وبموتها وبحيرتها، فاعلم أن القلب يكون صحيحا ويكون مريضا، ويجتمع فيه المرض والموانع من وصول الصحة، وقد يكون لينا وقد يكون قاسيا.
فأما القلب الصحيح فهو السليم من جميع الآفات، وهو القلب الذي صحت وقويت قوته العلمية، وقوته العملية الإرادية، وهو الذي عرف الحق فاتبعه بلا تردد، وعرف الباطل فاجتنبه بلا توقف، فهذا هو القلب الصحيح الحي السليم، وصاحبه من أولي النُّهى وأولي الحجا وأولي الألباب وأولي الأبصار، والْمُخْبت لله والمنيب إليه.
وأما القلب المريض فهو الذي انحرفت إحدى قوتيه العلمية أو العملية أو كليهما.
فمرض الشبهات والشكوك الذي هو مرض المنافقين لما اختل علمهم وبقيت قلوبهم في شكوك واضطراب، ولم تتوجه إلى الخير، كان مرضها مهلكا.
ومرض الشهوات الذي هو ميل القلب إلى المعاصي مخل بقوة القلب العملية، فإن القلب الصحيح لا يريد ولا يميل إلا إلى الخير، أو إلى ما أباحه الله له، فمتى رأيت القلب ميالا إلى المعاصي سريع الانقياد لها فهو مريض، هو سريع الافتتان عند وجود أسباب الفتنة، كما قال تعالى:
{فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32]
وأما القلب القاسي فهو الذي لا يلين لمعرفة الحق، وإن عرفه لا يلين للانقياد له، فتأتيه المواعظ التي تلين الحديد وقلبه لا يتأثر بذلك، إما لقسوته الأصلية أو لعقائد منحرفة اعتقدها ورسخ قلبه عليها، وصعب عليه الانقياد للحق إذا خالفها، وقد يجتمع الأمران، وأما الران والأكنة والأغطية التي تكون على القلوب فإنها من آثار كسب العبد وجرائمه، فإذا أعرض عن الحق وعارض الحق، وجاءه الحق فردَّه وفتح الله له أبواب الرشد فأغلقها عن نفسه عاقبه الله بهذا العمل بأن سدَّ عنه طرق الهداية التي كانت مفتوحة له ومتيسرة، فتكبر عنها وردَّها، فطبع على قلبه وختم عليه، وأحاطت به الجرائم ورانت عليه الذنوب وغطت قلبه، وجعلت بينه وبين الحق حجابا وأقفلت القلب، فهذه المعاني التي أكثر الله من ذكرها في كتابه، إذا عرفت هذه الضوابط المذكورة في هذه الفائدة اتضحت لك معانيها، وعرفت بذلك حكمة الله وعدله في عقوبة هذه القلوب، وأن الله ولاهم ما تولوه لأنفسهم ورضوه لها.
فائدة: اجتماع الحقوق الثلاثة في قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9]
الحق المختص بالله الذي لا يصلح لغيره، وهو العبادة في قوله: {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9] والحق المختص بالرسول، وهو التوقير والتعزير، والحق المشترك، وهو الإيمان بالله ورسوله.
فائدة: في معنى اليقين وآثاره:
ذكر الله اليقين في مواضع كثيرة من القرآن في المحل العالي من الثناء، أخبر أن اليقين هو غاية الرسل بقوله:
{وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75]
وأنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، وأن الآيات إنما ينتفع بها الانتفاع الكامل (الْمُوقِنِينَ) ، فحقيقة اليقين هو العلم الثابت الراسخ التام المثمر للعمل القلبي والعمل البدني.
أما آثار اليقين العلمية فثلاث مراتب: علم اليقين، وهي العلوم الناتجة عن الأدلة والبراهين الصادقة الخبرية، كجميع علوم أهل اليقين الحاصلة عن خبر الله وخبر رسوله وأخبار الصادقين، وعين اليقين وهي مشاهدة المعلومات بالعين حقيقة، كما طلب الخليل إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، فأراه الله ذلك بعينه، وغرضه عليه السلام الانتقال من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين، وحق اليقين: وهي المعلومات التي تحقَّق بالذوق، كذوق القلب لطعم الإيمان، والذوق باللسان للأشياء المحسة.
وأما آثاره القلبية فسكون القلب وطمأنينته، كما قال إبراهيم:
{وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]
وقال صلى الله عليه وسلم: البر ما اطمأن إليه القلب، وفي لفظ: الصدق ما اطمأن إليه القلب، فإن العبد إذا وصل إلى درجة اليقين في علومه اطمأن قلبه لعقائد الإيمان كلها، واطمأن قلبه لحقائق الإيمان وأحواله التي تدور على محبة الله وذكره، وهما متلازمان، قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]
فتسكن القلوب عند الأخبار فلا يبقى في القلب شك ولا ريب في كل خبر أخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله، بل يفرح بذلك مطمئنا عالما أن هذا أعظم فائدة حصَّلتها القلوب، ويطمئن عند الأوامر والنواهي مكملا للمأمورات، تاركا للمنهيات، راجيا لثواب الله، واثقا بوعده.

ويطمئن أيضا عند المصائب والمكاره فيتلقاها بانشراح صدر واحتساب، ويعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم، فيخف عليه حملها، ويهون عليه ثقلها، وقد علم بذلك آثارها البدنية، فإن الأعمال البدنية مبنية على أعمال القلوب، فأهل اليقين هم أكمل الخلق في جميع صفات الكمال، فإن اليقين روح الأعمال والأخلاق وحاملها، والله هو الموفق الواهب له ولأسبابه.
فائدة: معاني الظن في القرآن على وجهين: وجه محمود، ووجه مذموم:
أما المحمود: ففي كل مقام مدح وجزاء بالخير والثواب، فإنه بمعنى العلم واليقين مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46]
أي: يتيقنون لذلك، ومثل قوله:
{إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20]
وأما المذموم: ففي أغلب الآيات الواردة في الظن مثل: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: 116]
{إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36]
{وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78]
وهو كثير، فهذا وما أشبهه فيمن قدم الظنون الكاذبة على الأخبار الصادقة؛ لأن الظن في الأصل يحتمل الصدق والكذب، ولكنه إذا ناقض الصدق قطعنا بكذبه.
فائدة: كيف تكون البركة في المال :
قوله تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]
وقوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39]
تدل الآيتان على أن الزيادة من المحرمات، وخصوصا المكاسب المحرَّمة، نقص في البركة، وقد ينسحت المال بذاته عاجلا أو آجلا، وعلى أن من أخرج شيئا لله أو فعل شيئا لله فإن الله يزيده وينزل له البركة؛ فإن المال وإن نقص حسا بما يخرج منه لله فإنه يزداد معنى ووصفا؛ وقد يفتح للعبد بسبب ذلك أبواب من الرزق، أو يدفع عن العبد من أسباب النقص ما كان بصدد أن يصيبه.
فائدة: في معنى الصدق وفائدته ومنزلته:
أمر الله بالصدق وأثنى على الصادقين، وذكر جزاء الصادقين في آيات كثيرة، والمراد بالصدق أن يكون العبد صادقا في عقيدته، صادقا في خلقه، صادقا في قوله وعمله، فهو الذي يجيء بالصدق في ظاهره وباطنه، ويصدق بالصدق لمن جاء به، كما قال تعالى:
{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33]
ولما كان من هذا وصفه هو أعلى الخلق في كل حالة، ذكر جزاءه أعلى الجزاء وأفضله فقال:
{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ - لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: 34 - 35]
وخواص أهل هذا الوصف هم الصدِّيقون الذين ليس بعد درجة النبوة أعلى منهم، قال تعالى:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحديد: 19]
والمراد الإيمان الكامل، «كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر لأصحابه الغرف العالية التي يتراآها أهل الجنة من علوها وارتفاعها ونورها كالكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي، فقالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ فقال: بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين، وهؤلاء هم الهداة المهديون كما قال تعالى:
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] » [السجدة: 24] .
فالصديقية شجرة أصلها العلوم الصحيحة والعقائد السلفية المأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله، وقوامها وروحها الإخلاص الكامل لله والإنابة إليه، والرجوع إليه في جميع الأحوال رغبة ورهبة ومحبة وتعظيما وخضوعا وذلا لله، وثمراتها الأخلاق الحميدة والأقوال السديدة والأعمال الصالحة، والإحسان في عبادة الخالق، والإحسان إلى المخلوقين بجميع وجوه الإحسان، وجهاد جميع أصناف المنحرفين، فهي في الحقيقة القيام بالدين ظاهرا وباطنا وحالا ودعوة إلى الله، والله هو الموفق وهو المعين لكل من استعان به صدقا.
فائدة: مراتب الإيمان بحسب إرثهم للكتاب, ومراتب نعيمهم:
قال تعالى في المصطفين الذين أورثهم الله الكتاب:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32]
اشترك هؤلاء الثلاثة في أصل الإيمان، وفي اختيار الله لهم من بين الخليقة، وفي أنه منَّ عليهم بالكتاب، وفي دخول الجنة، وافترقوا في تكميل مراتب الإيمان، وفي مقدار الاصطفاء من الله وميراث الكتاب، وفي منازل الجنة ودرجاتها بحسب أوصافهم.
أما الظالم لنفسه فهو المؤمن الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا، وترك من واجبات الإيمان ما لا يزول معه الإيمان بالكلية، وهذا القسم ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: من يرد القيامة وقد كفّر عنه السيئات كلها، إما بدعاء أو شفاعة أو آثار خيرية ينتفع بها في الدنيا، أو عذب في البرزخ بقدر ذنوبه، ثم رفع عنه العقاب وعمل الثواب عمله، فهذا من أعلى هذا القسم، وهو الظالم لنفسه.
القسم الثاني: من ورد القيامة وعليه سيئات، فهذا توزن حسناته وسيئاته ثم هم بعد هذا ثلاثة أنواع:
أحدها: من ترجح حسناته على سيئاته، فهذا لا يدخل النار، بل يدخل الجنة برحمة الله وبحسناته، وهي من رحمة الله.
ثانيها: من تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فهؤلاء هم أصحاب الأعراف، وهي موضع مرتفع بين الجنة والنار يكونون عليه، وفيه ما شاء الله، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة، كما وصف ذلك في القرآن.
ثالثها: من رجحت سيئاته على حسناته فهذا قد استحق دخول النار، إلا أن يمنع من ذلك مانع، من شفاعة الرسول له، أو شفاعة أحد أقاربه أو معارفه ممن يجعل الله لهم في القيامة شفاعة لعلو مقاماتهم على الله وكرامتهم عليه، أو تدركه رحمة الله المحضة بلا واسطة، وإلا فلا بد له من دخول النار يعذب فيها بقدر ذنوبه، ثم مآله إلى الجنة، ولا يبقى في النار أحد في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة وأئمتها.
وأما المقتصد فهو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، ولم يكثر من نوافل العبادات، وإذا صدر منه بعض الهفوات بادر إلى التوبة فعاد إلى مرتبته، فهؤلاء أهل اليمين، وأما من كان من أصحاب اليمين:
{فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 91]
فهؤلاء سلموا من عذاب البرزخ وعذاب النار، وسلم الله لهم إيمانهم وأعمالهم، فأدخلهم بها الجنة، كل على حسب مرتبته.
وأما السابق إلى الخيرات فهو الذي كمل مراتب الإسلام، وقام بمرتبة الإحسان، فَعَبَدَ الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه، وبذل ما استطاع من النفع لعباد الله، فكان قلبه ملآنا من محبة الله والنصح لعباد الله، فأدى الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات وفضول المباحات المنقصة لدرجته، فهؤلاء هم صفوة الصفوة، وهم المقربون في جنات النعيم إلى الله، وهم أهل الفردوس الأعلى، فإن الله كما أنه رحيم واسع الرحمة فإنه حكيم ينزل الأمور منازلها، ويعطي كل أحد بحسب حاله ومقامه، فكما كانوا هم السابقين في الدنيا إلى كل خير كانوا في الآخرة في أعلى المنازل، وكما تخيروا من الأعمال أحسنها جعل الله لهم من الثواب أحسنه؛ ولهذا كانت عين التسنيم أعلى أشربة أهل الجنة، يشرب منها هؤلاء المقربون صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين مزجا في بقية أشربة الجنة، التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه كما قال تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ - عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 27 - 28]
وهكذا بقية ألوان وأصناف نعيم الجنة لهؤلاء السابقين منه أعلاه وأكمله وأنفسه، وإن كان ليس في نعيم الجنة دني ولا نقص ولا كدر بوجه من الوجوه، بل كل من تنعم بأي نعيم من نعيمها لم يكن في قلبه أعلى منه؛ فإن الله أعطاهم وأرضاهم، وخيار هؤلاء الأنبياء على مراتبهم، ثم الصديقون على مراتبهم، ولكل درجات مما عملوا، فسبحان من فاوت بين عباده هذا التفاوت العظيم، والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
فائدة: من جمع ثلاثة الأمور يسره الله لليسرى
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى - وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7]
جمعت السعادة وجميع الأسباب التي تنال بها السعادة، وهي ثلاثة أشياء: فعل المأمور، واجتناب المحظور، وتصديق خبر الله ورسوله، فهذه الثلاثة يدخل فيها الدين كله، وذلك أن قوله: (أَعْطَى) أي: جميع ما أمر به من قول وعمل ونية، (وَاتَّقَى) : جميع ما نهي عنه من كفر وفسوق وعصيان، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6] بما أخبر الله به ورسوله من الجزاء، فصدَّق بالتوحيد وحقوقه وجزاء أهله. . فمن جمع ثلاثة الأمور يسره الله لليسرى، أي: لكل حالة فيها تيسير أموره وأحواله كلها، ومقابل هذا قوله:
{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} [الليل: 8]
أي: ترك ما أمر به ليس خاصا بالنفقة، بل معنى البخل المنع، فإذا منع الواجبات المتوجهة إليه القولية أو الفعلية أو المالية فقد بخل.
{وَاسْتَغْنَى} [الليل: 8]
أي: رأى نفسه غير مفتقر إلى ربه، وذلك عنوان الكبر والتجرؤ على محارم الله.
{وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 9]
أي: بلا إله إلا الله وحقوقها، وجزاء المقيمين لها والتاركين لها.
{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10]
أي: لكل حالة عسرة في معاشه ومعاده.
فائدة: خطابات القرآن للناس خبرا وأمرا ونهيا قسمان:
أحدهما: وهو الأكثر جدا خطاب عام يخاطب به جميع الناس، ويتعلق الخبر أو الحكم فيهم في حالة واحدة مثل الخبر عن الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومثل الأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والبر والصلة والعدل والنهي عن ضد ذلك؛ وهذا لأن القرآن هداية وبيان للناس، وهم مستوون في تعلق تلك الأحكام فيهم ما لم يمنع مانع عجز عن بعض الواجبات فيرتب عليه حكمه.
القسم الثاني: الخطاب العام من جهة، الخاص من جهة أخرى، وذلك كالخطاب المتعلق بالعبادات المعلقة على أوقاتها، كالأمر بالصلوات الخمس لأوقاتها، كقوله:
{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78]
وبالإمساك عن المفطرات مثل قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]
فمن جهة أنه موجه إلى جميع المكلفين فإنه خطاب عام، جميع أهل المشارق والمغارب مخاطبون بذلك، ومن جهة أن لكل موضع حكما بنفسه فإنه معلوم أن الوقت الذي تطلع فيه الشمس على هؤلاء أو تغرب، أو يطلع الفجر وتزول الشمس غير الوقت الذي توجد فيه هذه الأمور عند الآخرين، فكل يخاطب بحسب حاله وحسب الموضع الذي فيه بلا ريب، ونظير هذا الأمر باستقبال القبلة للصلاة موجه إلى جميع أهل الأرض، ومع ذلك فكل قطر ومحل فلهم جهة يتوصلون بها إلى الكعبة، ولهذا صرح الله بهذا المعنى بقوله:
{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]
فالمقصود واحد، والطرق والوسائل إلى هذا المقصود متباينة، وكل أحد مأمور بطريقه الخاص.
ونظير ذلك الإخبارات بطلوع الشمس والقمر والكواكب وغروبها: لو تحذلق جاهل فقال: إن مثل قوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86]
أي: في البحر برؤية العين، وقوله: {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} [الكهف: 90]
ينافي المعلوم أن الشمس والقمر والكواكب لا تغرب عن الدنيا بالكلية، فيقال هذا من الجهل والعجمة بمكان سحيق عن الحقائق، وذلك أن الله لم يقل: وجدها تغرب عن جميع الأرض حتى يكون لهذا الجاهل اعتراض، بل أخبر عن غروبها وطلوعها عن ذلك الموضع وذلك القطر، كما يفهم الناس كلهم سابقا ولاحقا، ولا فرق بين الإخبارات والأحكام بوجه، ومن المعلوم أن لكل أهل قطر مطلعا ومغربا، فهذه الخطابات في الأحكام والإخبارات في غاية الإحكام التي لا يتطرق إليها اعتراضات المعترض، ومن اعترض على شيء من ذلك عرف الناس أن ذلك من آثار جهله وحمقه، وهذا واضح لا يحتاج إلى كل هذا، يفهمه الذكي والبليد، وهذا مقتضى كون القرآن عربيا، أنزله الله بما يعقله العباد.
فائدة: الطرق الموصلة إلى العلم واليقين ثلاثة:
أمر الله في كتابه بالتفكر والتدبر والنظر والتبصر، وغيرها من الطرق التي تنال بها العلوم، وأثنى على أهلها، وأخبر أن كتابه أنزل لهذه الحكم، وأثنى على العلم واليقين ومدح أهلهما، ونهج جميع طريق يوصل إليها.
فاعلم أن الذي يجمع أشتات هذه الطرق وأنواعها وأجناسها ثلاثة طرق كلية: أحدها: طريق الإخبارات الصادقة، والثاني: طريق الحس، والثالث: طريق العقل، ووجه الحصر أن المعلومات إما أن تدرك بحاسة السمع أو البصر أو اللمس أو الذوق، وإما أن تدرك بالعقل، وإما أن تنال بالإخبار، وكل واحد من هذه الثلاثة قد يقارن الآخر، وخصوصا العقل والأخبار الصادقة فإنهما لا يتفارقان.
وقد يكون العلم ضروريا بديهيا يضطر الإنسان إلى علمه، والتصديق به من غير حاجة إلى زيادة نظر وتفكر، وقد يكون نظريا يحتاج إلى ذلك.
ثم العلم بهذه الأمور مراتب متفاوتة.
وأعلى درجات العلم واليقين وأوضحها وأنفعها للعباد خبر الله وخبر رسله، فإنه لا أصدق من الله قيلا، ولا أصدق منه حديثا.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]
فكل ما قاله الله وقاله رسوله فهو الحق والصدق، وماذا بعد الحق إلا الضلال وهو يهدي إلى كل دليل عقلي ونقلي؟ وفي خبر الله وخبر رسله من البيان العظيم والتفصيلات لجميع أجناس العلوم النافعة ما لا تصل إليه علوم الخلائق كلهم، أولهم وآخرهم.
وإذا أردت أن تعرف أن الحق الصحيح هو ما قاله الله وقاله رسوله، وأن ما ناقضه ونافاه فهو باطل بلا ريب مبني على جهالات ومواد فاسدة، فانظر إلى أصول الدين وقواعده وأسسه كيف اتفقت عليها الأدلة النقلية والعقلية والحسية؟ انظر إلى توحيد الله ووجوب تفرده وإفراده بالوحدانية، وتوحده بصفات الكمال، كيف كانت الكتب السماوية مشحونة منها؟ بل هي المقصود الأعظم منها، وخصوصا القرآن الذي هو من أوله إلى آخره يقرر هذا الأصل الذي هو أكبر الأصول وأعظمها.
وانظر كيف اتفقت جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وخصوصا إمامهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم على تقرير توحيد الله وتفرده بالوحدانية، وسعة الصفات وعظمتها: من سعة العلم والحكمة، وعموم القدرة والإرادة، وشمول الحمد والملك والمجد والجلال والجمال والحسن، والإحسان في أسمائه وصفاته وأفعاله؟ ثم انظر إلى هذا الأصل العظيم في قلوب سادات الخلق أولي الألباب الكاملة والعقول التامة كيف تجده أعظم من كل شيء، وأقوى وأكبر من كل شيء، وأوضح من كل شيء، وأنه مقدم عندهم على الحقائق كلها، وأنهم يعلمونه علما ضروريا بديهيا قبل الأدلة النظرية، ويعلمون أن كل ما عارضه فهو أبطل الباطل؟ ثم انظر إلى كثرة البراهين المنقولة والمعقولة والمحسوسة الشاهدة لله بالوحدانية.
ففي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
فوجود جميع الأشياء في العالم العلوي والسفلي وبقاؤها وما هي عليه من الأوصاف المتنوعة، كل ذلك من الأدلة والبراهين على وجود مبدعها ومعدها وممدها بكل ما تحتاج إليه، ومن أنكر هذا فقد باهت وكابر وأنكر أجلى الأمور وأعظم الحقائق.
ومن هاهنا تعلم أن الماديين الملحدين أضل الخلق وأجهلهم وأعظمهم غرورا واغترارا حيث اغتروا حين وقفوا على بعض علوم الكون الأرضي المادي الطبيعي، وقفت عقولهم القاصرة عندها، واستولت عليهم الحيرة وتكبروا بمعارفهم الضئيلة وقالوا: نثبت ما وصلت إليه معارفنا وننفي ما سواه، فتعرف بهذا أن نفيهم هذا جهل وباطل باتفاق العقلاء، فإن من نفى ما لا يعرفه فقد برهن على كذبه وافترائه، فكما أن من أثبت شيئا بلا علم فهو ضال غاو، فكذلك من نفى شيئا بلا علم، وتعرف أيضا أن إثباتهم لعلوم الطبيعة التي عرفوها وانتهت إليها معارفهم أن هذا الإثبات منهم قاصر لم يصلوا إلى غايته وحقيقته، فلم يصلوا بذلك إلى خالق الطبيعة ومبدعها، ولم يعرفوا المقصود من نظامها وسببيتها؛ بل عرفوا ظاهرا منها وهم عن النافع غافلون، فأثبتوا بعض السبب وعموا عن المقصود، وهم في علمهم هذا حائرون، لا تثبت لهم قدم على أمر من الأمور، ولا تثبت لهم نظرية صحيحة مستقيمة، فهم دائما في خلط وخبط وتناقض، وكلما جاءهم من البراهين الحق ما يبطل قولهم قالوا: هذا من فلتات الطبيعة، وكلما برز مبرز من فحولهم وأذكيائهم ابتكر له طريقة غير طريقة إخوانه؛ فصدق عليهم قوله تعالى:
{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5]
وقوله: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر: 83]
والمقصود أن هذا الأصل العظيم قد دلت عليه جميع الأدلة بأجناسها وأنواعها، ودل عليه الشرع المحكم والقدر العام المنظم، ولم يقدح فيه إلا هؤلاء الضُّلَّال الذين كان قدحهم فيه أسقط اعتبارهم، وبرهن على فساد عقولهم.
وانظر إلى الأصل الثاني وهو إثبات الرسالة، وأن الله قد أقام على صدق رسله من الآيات ما على مثله يؤمن البشر، وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن آيات نبوته وأدلة رسالته وصدقه متنوعة: سيرته وأخلاقه وما جاء به من الدين القويم، وحثَّه على كل خلق كريم وعمل صالح ونفع وإحسان وعدل، ونهيه عن ضد ذلك، وما جاء به من الوحي: الكتاب والسنة، كله جملة وتفصيلا براهين على نبوته وصدقه، مع ما أكرمه الله به من النصر العظيم وإظهار دينه على الأديان كلها، ومن إجابة الدعوات وحلول أنواع البركات التي لا تعد أنواعها فضلا عن أفرادها، وهذا بقطع النظر عن شهادة الكتب السابقة، وعن عجز المعارضين له في مقامات التحدي كلها، وعجزهم عن نصر باطلهم.
ولا يزال الباطل بين يدي ما جاء به الرسول مخذولا راهقا، بحيث إن القائمين بما جاء به الرسول القائمين بمعرفة دينه يتحدَّوْن جميع أهل الأرض أن يأتوا بصلاح أو فلاح أو رقي حقيقي أو سعادة حقيقية بجميع وجوهها، وأنه محال أن يتوصل إلى شيء من ذلك بغير ما جاء به الرسول وأرشد إليه ودل الخلق عليه، ولولا الجهل بما جاء به الرسول، والتعصبات الشديدة من الأعداء والمقاومات العنيفة، وإقامة الحواجز المتعددة العنيفة لمنع الجماهير والدهماء من رؤية الحق الصريح والدين الصحيح، لم يبق على وجه الأرض دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم لدعوته وإرشاده وحثه على كل صلاح وإصلاح وخير ورشد، ولكن مقاومات الأعداء ونصر القوة للباطل بالتمويهات والتزويرات وتقاعد أهل الدين عن القيام به ونصرته هي التي منعت أكثر الخلق من الوقوف على حقيقته.
ثم انظر إلى الأصل الثالث، وهو إثبات المعاد والجزاء كيف اتفقت الكتب السماوية والرسل العظام وأتباعهم على اختلاف طبقاتهم، وتباين أقطارهم وأزمانهم وأحوالهم على الإيمان به والاعتراف التام به؟ وكم أقام الله عليه من الأدلة النقلية والعقلية، وكذلك الحسية المشاهدة ما يدل أكبر دلالة عليه، وكم أشهد عباده في هذه الدار أنموذجا من الثواب والعقاب، وأراهم حلول المثلات بالمكذبين، وأنواع العقوبات الدنيوية بالمجرمين، كما أراهم نجاة الرسل ومن تبعهم من المؤمنين، وإكرامهم في الدنيا قبل الآخرة، وكم أبطل الله كل شبهة يقدح بها المكذبون بالمعاد، كما أقام الأدلة على إبطال الشبه الموجهة من المكذبين إلى توحيده وصدق رسله، وبين سفههم وفساد عقولهم، وأنه ليس لهم من المستندات على إنكار ذلك إلا استبعادات مجردة، وقياس قدرة رب العالمين على قدر المخلوقين.
والمقصود أن هذه الأصول العظيمة قد قامت البراهين القواطع عليها من كل وجه وبكل اعتبار، وجميع الحقائق الصحيحة غيرها لم يقم على ثبوتها وعلمها عشر معشار ما قام على هذه الأصول من البراهين المتنوعة، ففي هذا دليل على أن كل من أثبت معلوما أو حقيقة من الحقائق بطريق عقلي أو خبري أو حسي، ثم نفى مع ذلك واحدا من هذه الأصول الثلاثة التي هي أساس الدين، فقد كابر عقله وحسه وعلمه، ونادى على نفسه بالتناقض العظيم؛ لأن الطرق التي دلته على إثبات معلوماته هي - وأضعافها وأضعاف أضعافها، وما هو أقوى منها وأوضح - قد دلت على التوحيد والرسالة والمعاد.
واعلم أن المعلومات بخبر الله وخبر رسله عامة يدخل فيها الإخبار عن الله وعن ملائكته وعن الغيوب كلها، وأمور الشرع والقدر، وهي الأخبار المعصومة الصادقة التي يعلم كذب ما خالفها وبطلانه، ولنكتف بهذا الأنموذج من الأمثلة، والله أعلم.
وبعد هذا إخبار الصادقين عن المواضع والحوادث والوقائع التي شاهدوها، وهذا النوع بحسب صدق المخبرين، وتواتر خبرهم يفيد العلم القطعي، وكذلك إخبار الصادقين عن العلوم التي سمعوها، والألفاظ التي نقلوها، وأصدق الناقلين هنا حملة الشريعة المحمدية؛ لشدة عنايتهم، وكمال صدقهم، وقوة دينهم، وأنهم بالخصوص حفظوا عن الخطأ العمومي، والاتفاق على غير الصواب.
ومن الأمور التي تعلم بالعقل أن العقول الصحيحة التي لم تغير فطرتها، ولم تفسد بالعقائد الفاسدة، تعلم علما يقينا حسن التوحيد والإخلاص لله، كما تعلم قبح الشرك، وتعلم حسن الصدق والعدل والإحسان إلى المخلوقين، كما تعلم قبح ضده، وتعلم وجوب شكر المنعم، ووجوب بر الوالدين وصلة الأقارب، والقيام بحق من له حق عليك، وتستحسن كل صلاح وإصلاح، وتستقبح كل فساد وضرر، ومن أشرف ما يعلم بالعقل أنه مركوز في العقول أن الكمال المطلق لله وحده، وأن له الحكمة التامة في خلقه وشرعه، وأنه لا يليق به أن يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون، ومن المعلوم بالحس ما يدرك بالحواس كسمع الأصوات وإبصار الأعيان وهو من أتم المعارف، فإنه ليس الخبر كالمعاينة، ومما يدرك بالحس ما يدرك بالشم كشم الروائح الطيبة والخبيثة، وما يدرك باللمس كالحرارة والبرودة، وما يدرك بتحليل الأشياء والوقوف على موادها وجواهرها وصفاتها، كل هذا من مدركات الحس، وبالجملة فطرق العلم إلى المعلومات كثيرة جدا، وكلما كان الشيء أعظم ومعرفته أهم كانت الطرق الموصلة إليه أكثر وأوضح وأصح وأقوى، كما تقدمت الإشارة إلى التوحيد والرسالة والمعاد، والله أعلم.
فائدة: أركان الشكر:
لما ذكر الباري نعمته على العباد بتيسير الركوب للأنعام والفلك قال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ - وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13 - 14]
ذكر فيها أركان الشكر الثلاثة: وهي الاعتراف والتذكر لنعمة الله، والتحدث بها، والثناء على الله بها، والخضوع لله، والاستعانة بها على عبادته؛ لأن المقصود من قوله: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 14] الاعتراف بالجزاء والاستعداد له، وأن المقصود من هذه النعم أن تكون عونا للعبد على ما خلق له من طاعة الله، وفي قوله: {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف: 13] تقييدها في هذه الحالة وقت تبوء النعمة؛ لأن كثيرا من الخلق تسكرهم النعم، وتغفلهم عن الله، وتوجب لهم الأشر والبطر، فهذه الحالة التي أمر الله بها هي دواء هذا الداء المهلك، فإنه متى ذكر العبد أنه مغمور بنعم الله، وأن أصولها وتيسيرها وتيسير أسبابها وبقائها ودفع ما يضادها أو ينقصها كله من فضل الله وإحسانه ليس من العبد شيء، خضع لله وذلَّ وشكره وأثنى عليه، وبهذا تدوم النعمة ويبارك الله فيها، وتكون نعمة حقيقية، فأما إذا قابلها بالأشر والبطر، ونسي المنعم، وربما تكبر بها على عباد الله، فهذه نقمة في صورة نعمة، وهي استدراج من الله للعبد سريعة الزوال، وشيكة بالعقاب عليها والنكال، نسأل الله أن يوزعنا شكر نعمه). [تيسير اللطيف المنان: 1/307-345]

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 5 شعبان 1436هـ/23-05-2015م, 03:52 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

قصة يوسف ويعقوب عليهما الصلاة والسلام

الفوائد للشيخ السعدي رحمه الله :

- أنها من أحسن القصص وأعجبها وأوضحها قد أفردها الله تبارك وتعالى في سورة طويلة مفصلة لنعتبر بآياتها .
- أنها تصف أحوال متقلبة متنوعة تختم بعواقب حسنة ففيها العبرة لأولى الألباب .
- أن بها أصول لتاويل الرؤى من ذات الرؤيا وتقريره كعلم مهم يعطيه الله لمن يشاء من عباده .
- دلالة القصة على نبوة سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنه لا علم له إلا بوحى من الله .
- أنه يجب على العبد البعد عن أسباب الشر وأنه يجوز للعبد كتمان ما يخشى مضرته .
- أنه يجوز ذكر الإنسان بما يكره صدقًا للنصيحة له ولغيره .
- أن نعمة الله على العبد تكون نعمة على من حوله فلا بد أن يصلهم من الخير بعض ما يصله .
- أن كل نعمة غالية لا بد أن يتقدمها بذل أسباب تحصلها وخاصة في العلم النافع والخلق والعمل الصالح وهذا من سنن الله التى قضاها على عباده .
- أن العدل أساس لاستقامة جميع الأمور كبيرها وصغيرها وهو مطلوب في كل شىء والإخلال به يترتب عليه العواقب السيئة .
- أن على العبد الحذر من شؤم الذنوب وعواقبها وخاصة الذنوب المتسلسلة التى قد يشمل شؤمها الصالحين على عكس الطاعة التى يعم نفعها وبركتها .
- أن العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية ، اللهم نسألك حسن الختام في أمرنا كله .
- أن العبد مهما بلغت ذنوبه وحقق التوبة النصوح عفا الله له عما سلف وقد يصل لدرجة العلماء العباد .
- الحذر من الخلوة بالنساء الأجنبيات والحذر من المحبة التى توقع في الفتنة .
- أن الإيمان القوي والخوف والخشية وعلم العبد بربه ينجيه إن همت نفسه بمعصية لطبيعتها الآدمية.
- أن من استنار قلبه بنور الإيمان وكان مخلصًا لله في كل أحواله دفع الله عنه بذلك الإخلاص أسباب السوء والفحشاء جزاءًا وإحسانا .
- أن الله تعالى جمع لسيدنا يوسف الجمال الظاهر مع الجمال الباطن .
- أنه إذا ابتلي العبد بالاختيار بين أمرين أحدهما معصية والأخرى عقاب دنيوي فعليه اختيار العقاب الدنيوي ففيه الثواب لاختياره الإيمان على المعصية والثواب على الألم الذي لحقه بالعقوبة وفيه التصفية وهو من الجهاد في سبيل الله .
- أن العبد الموفق الذي يستعين بربه ويتبرء من حوله وقوته حين تتيسر له أسباب المعصية مثل ما يستعين به على فعل الخيرات والطاعات.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 5 شعبان 1436هـ/23-05-2015م, 05:01 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

تابع فوائد قصة يوسف ويعقوب عليها السلام :

- أن على العبد عبادة ربه حال الرخاء كما كان في حال الشدة .
- أن العبد لا يترك مجال لدعوة ربه إلا وحقق ذلك والدعوة تكون بالحال والمقال للبرهان على صدقها واختيار الأسلوب الأمثل لذلك.
- أنه يجوز الاستعانة بالخلق حال الوقوع في مكروه وكرب .
- أن على المعلم أن يخلص النية إلى ربه وأن لا يمتنع عن ذلك إن حرم النفع من وراء تعليمه .
- أن من آداب إجابة السؤال النصح والإرشاد لما فيه الصلاح للسائل .
- أن العبد مطالب بدفع التهمة عن نفسه إن ابتلي بذلك .
- فضل العلم وتنوعه ورفعته لصاحبه في الدنيا والآخره .
- أن علم التعبير للرؤى داخل في الفتوى
فلا يحل لأحد أن يجزم بالتعبير قبل أن يعرف ذلك، كما ليس له أن يفتي في الأحكام بغير علم.
- أنه يجوز للمرء أن يصف نفسه ببعض ما اتصف به من صفات الكمال إن كان في ذكرها مصلحة وتخلص من الرياء .
- أنه لا تذم الولاية وطلبها إن كان المتولي أهلًا لها وقادر عليها وإنما الذم لمن لا كفاءة له وأرادها لأغراض دنيوية .
- أنه إن حرم العبد خير الدنيا فعليه تشويق نفسه لخير الآخرة فهي أعظم وأبقى .
- أن خير الآخرة ينال بالإيمان والتقوى .
- حسن تدبير يوسف عليه السلام لخزائن الديار المصرية من أقصاها لأقصاها حتى صار أهل الأقطار يقصدون مصر.
- مشروعية الضيافة وأن إكرام الضيف من سنن المرسلين .
-
أن سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم.
- أنه يجوز الأخذ بالأسباب الدافعة للعين ولا ينافي ذلك الإيمان بالقضاء والقدر فالأخذ بالأسباب من القضاء والقدر أيضًا .
- أنه يجوز استعمال الحيل التى يتوصل بها إلى الحقوق وتحرم خلاف ذلك .
- أنه يجوز استعمال المعاريض القولية والفعلية المانعة من الكذب .
- أنه لا يجوز شهادة المرء إلا بما علمه وتحقق منه .
- أن الشكوى إلى الله تعالى لا تنافى الصبر وإنما تنافيه الشكوى إلى المخلوقين وأنه يجوز إخبار العبد بما يجد دون تسخط منه.
- أن الفرج إنما يأتي بعد شدة الكرب
- فضيلة الصبر والتقوى والعاقبة الحسنة لصاحبهما .
- أن يشكر العبد نعمة ربه ويتذكر حال ضدها لتعظيم النعمة الحاضرة.
- أن ابتلاء العبد لا يخلو من لطف ربه الظاهر والباطن الذي يسهل عليه البلاء .
- دوام إلحاح العبد على ربه بأن يثبته في إيمانه وأن يحسن له عواقب أموره كلها ويحسن ختامه .

_____________
رحم الله الشيخ رحمة واسعة وجزاكم الله عنا خير الجزاء
والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 7 شعبان 1436هـ/25-05-2015م, 05:53 PM
حياة بنت أحمد حياة بنت أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 222
افتراضي تلخيص قصة خاتم النبيين وإمام المرسلين ومن أنزل عليه القرآن هدى ورحمة للمؤمنين

قصة خاتم النبيين وإمام المرسلين ومن أنزل عليه القرآن هدى ورحمة للمؤمنين

عناصر الدرس:

- سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم عون على معرفة تفسير كتاب الله تعالى.
- فلنشر من سيرته صلى الله عليه وسلم على الأحوال المناسبة لنزول الآيات المعينات، أو لجنس النوع من علوم القرآن ليكون عونا في هذا المقام.
1. حاله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة.
2.. حاله وقت البعثة.
3.أعظم مقامات دعوته.
- موقف قومه، كيف عاملهم الله تعالى؟
أ‌) من دعوته.
- من مقامات النبي صلى الله عليه وسلم مع المكذبين له.
ب‌) حال قومه من سماعهم للقرآن.
- من الأدلة والبراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن من عند الله.
ج) موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم، ورد الله عليهم.
د) ومن مقاماتهم المتنوعة مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترحون الآيات بحسب أهوائهم، ورد الله عليهم.
ه) أحيانا يقدحون في الرسول قدحا يعترضون فيه على الله، ورد الله عليهم.
و) خطتهم لقتل الرسول صلى الله عليى وسلم، وحفظ الله له.
ز) لحقاقهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ الله له.
- ومن مقاماته صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين.
- التدرج في الدعوة.
- ومن جملة الأسباب في انتشار الإسلام في المدينة.
- موقف اليهود من دعوته.
- هجرة المسلمين.
- جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار.


تلخيص قصة خاتم النبيين وإمام المرسلين ومن أنزل عليه القرآن هدى ورحمة للمؤمنين
- سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم عون على معرفة تفسير كتاب الله تعالى:
• القرآن إنما كان ينزل تبعا لمناسبات سيرته.

• وما يقوله للخلق.
• وجواب ما يقال له.
• وما يحصل به تحقيق الحق الذي جاء به.
• وإبطال المذاهب التي جاء لإبطالها.
• وهذا من حكمة إنزاله مفرقا، كما ذكر الله هذا المعنى بقوله:
{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا - وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 32 - 33]
- فلنشر من سيرته صلى الله عليه وسلم على الأحوال المناسبة لنزول الآيات المعينات، أو لجنس النوع من علوم القرآن ليكون عونا في هذا المقام.
1. حاله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة:

• أنه كان قبل البعثة قد بغضت إليه عبادة الأوثان، وبغض إليه كل قول قبيح وفعل قبيح.
• وفطر صلى الله عليه وسلم فطرة مستعدة متهيئة لقول الحق علما وعملا.
• الله تعالى هو الذي طهّر قلبه وزكاه وكمّله.
• كان من رغبته العظيمة فيما يقرب إلى الله أنه كان يذهب إلى غار حراء الأيام ذوات العدد، ويأخذ معه طعاما يطعم منه المساكين ويتعبَّد ويتحنث فيه.
• قلبه في غاية التعلق بربه، ويفعل من العبادات ما وصل إليه علمه في ذلك الوقت الجاهلي الخالي من العلم.
• ومع ذلك فهو في غاية الإحسان إلى الخلق.
2.. حاله وقت البعثة:
• قدَّم الله له الرؤيا، التي كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
• لما تم عمره أربعين سنة، وتمت قوته العقلية، وَصَلُحَ لتلقي أعظم رسالة أرسل الله بها أحدا من خلقه، تبدَّى له جبريل صلى الله عليه وسلم فرأى منظرا هاله وأزعجه.
• فأول ما أنزل الله عليه:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]
• جاءه بها جبريل وقال له: اقرأ، فأخبره أنه ليس بقارئ - أي لا يعرف أن يقرأ - كما قال تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]
وتفسيرها الآية الأخرى:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]
فغطه جبريل مرتين أو ثلاثا ليهيئه لتلقي القرآن العظيم، ويتجرد قلبه وهمته وظاهره وباطنه لذلك،
• نزلت هذه السورة التي فيها نبوته، وأمره بالقراءة باسم ربه، وفيها أصناف نعمه على الإنسان بتعليمه البيان العلمي والبيان اللفظي والبيان الرسمي.
• فجاء بها إلى خديجة ترعد فرائصه من الفرَق، وأخبرها بما رآه وما جرى عليه، فقالت خديجة رضي الله عنها: أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، أي: ومن كانت هذه صفته فإنها تستدعي نعما من الله أكبر منها وأعظم، وكان هذا من توفيق الله لها ولنبيه، ومن تهوين القلق الذي أصابه.
وبهذه السورة ابتدأت نبوته.
• ثم فتر عنه الوحي مدة ليشتاق إليه وليكون أعظم لموقعه عنده.
• وكان قد رأى الملك على صورته فانزعج، فجاء إلى خديجة أيضا ترعد فرائصه فقال: «دثروني دثروني» فأنزل الله عليه:{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5]
• فكان في هذا: الأمر له بدعوة الخلق وإنذارهم.
• فشمر صلى الله عليه وسلم عن عزمه، وصمم على الدعوة إلى ربه مع علمه أنه سيقاوم بهذا الأمر البعيد والقريب، وسيلقى كل معارضة من قومه ومن غيرهم وشدة.
• الله أيَّده وقوَّى عزمه، وأيَّده بروح منه، وبالدين الذي جاء به، وجاءته سورة الضحى في فترة الوحي لما قال المكذبون: إن رب محمد قلاه. قال:{وَالضُّحَى - وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى - مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3] إلى آخرها. [الضحى: 1 - 3 وما بعدها] .
وهذا اعتناء عظيم من الله برسوله، ونفي لكل نقص، وبشارة بأن كل حالة له أحسن مما قبلها وخير منها، وأن الله سيعطيه من النصر والْأَتباع والعز العظيم وانتشار الدين ما يرضيه.
3. أعظم مقامات دعوته:
• دعوته إلى التوحيد الخالص، والنهي عن ضده؛ دعا الناس لهذا، وقرره الله في كتابه، وصرفه بطرق كثيرة واضحة تبين وجوب التوحيد وحسنه، وتعينه طريقا إلى الله وإلى دار كرامته، وقرار إبطال الشرك والمذاهب الضارة بطرق كثيرة احتوى عليها القرآن، وهي أغلب السور المكية.
- موقف قومه، كيف عاملهم الله تعالى؟
أ‌) من دعوته:
• استجاب له في هذا الواحد بعد الواحد على شدة عظيمة من قومه.
• قاومه قومه وغيرهم، وبغوا له الغوائل، وحرصوا على إطفاء دعوته بجهدهم وقولهم وفعلهم، وهو يجادلهم ويتحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن.
• هم يعلمون أنه الصادق الأمين، ولكنهم يكابرون ويجحدون آيات الله، كما قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33]
- كيف عاملهم الله تعالى؟
أخبر الله تعالى أنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه، وفي آذانهم وقرا، وأنهم لا يهتدون بسبب ما أسسوا من هذا الأصل الخبيث، المانع لصاحبه من كل خير وهدى.
- من سنن الله تعالى في معاملة أهل الضلال:
مما يعلم به حكمة الباري في إضلال الضالين، وأنهم لما اختاروا لأنفسهم الضلال ورغبوا فيه ولَّاهم الله ما تولوا لأنفسهم، وتركهم في طغيانهم يعمهون، وأنهم لما ردوا نعمة الله عليهم حين جاءتهم قلب الله أفئدتهم، وأصم أسماعهم، وأعمى أبصارهم وأفئدتهم، وهذا الوصف الذي أشرنا إليه قد ذكره الله في كتابه عنهم، وهو يعينك على فهم آيات كثيرة يخبر الله فيها بضلالهم وانسداد طرق الهداية عليهم، وعدم قبول محالهم وقلوبهم للهدى، والذنب ذنبهم وهم السبب في ذلك؛ قال تعالى:{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأعراف: 30]
- من سنن الله تعالى في معاملة أهل الحق:
وبضده تعرف الحكمة في هدايته للمؤمنين، وأنهم لما كانوا منصفين ليس غرضهم إلا الحق، ولا لهم قصد إلا طلب رضا ربهم، هداهم الله بالقرآن، وازدادت به علومهم ومعارفهم وإيمانهم وهدايتهم المتنوعة، قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16]
وهذا الوصف الجليل للمؤمنين هو الأساس لهدايتهم، وزيادة إيمانهم، وانقيادهم، وبه ينفتح لك الباب في فهم الآيات في أوصاف المؤمنين، وسرعة انقيادهم للحق: أصوله وفروعه.
- من مقامات النبي صلى الله عليه وسلم مع المكذبين له:
• أنه يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
• ويجادلهم بالتي هي أحسن.
• ويدعوهم أفرادا ومتفرقين.
• ويذكرهم بالقرآن، ويتلوه في الصلاة وخارجها.
ب‌) حال قومه من سماعهم للقرآن:
• كانوا إذا سمعوه صموا آذانهم.
• وقد يسبونه ويسبون من أنزله.
• أنزل الله على رسوله آيات كثيرة في هذا المعنى يبين حالهم مع سماع القرآن وشدة نفورهم كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة.
• أن شياطينهم ورؤساءهم في الشر فكروا وقدروا ونظروا فيما يقولون عن القرآن ويصفونه به؛ لينفروا عنه الناس، حتى قرار رئيسهم الوليد بن المغيرة الذي سماه الله وحيدا فقال: إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا إلا قول البشر، ولكن أبى الله إلا أن يعلو هذا الكلام كلَّ كلام، ويزهق هذا الحق كل باطل،
• كانوا من إفكهم يقولون في القرآن الأقوال المتناقضة، يقولون: إنه سحر، إنه كهانة، إنه شعر، إنه كذب، إنه أساطير؛ فجعلوا القرآن عضين، كل هذا أثر البغض الذي أحرق قلوبهم، حتى قالوا فيه مقالة المجانين، وكلما قالوا قولا من هذه الأقوال أنزل الله آيات يبطل بها ما قالوا، ويبين زورهم وافتراءهم وتناقضهم.
- من الأدلة والبراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن من عند الله:
مقابلة المكذبين له، فإن من نظر إليها علم أنها سلاح عليهم، وأكبر دليل على أنهم مقاومون للحق، ساعون في إبطاله، وأنهم على الباطل الذي ليس له حظ من العقل، كما ليس له حظ من الدين.
ج) موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم، ورد الله عليهم:
- كانوا أيضا يقولون في النبي صلى الله عليه وسلم الأقوال التي ليس فيها دلالة على ما كانوا يعتقدون، وليس فيها نقص بالنبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: لو أن محمدا صادق لأنزل الله ملائكة يشهدون له بذلك، ولأغناه الله عن المشي في الأسواق، وطلب الرزق كما يطلبه غيره، ولجعل له كذا وكذا مما توحي إليه عقولهم الفاسدة، ويذكرها الله في القرآن في مواضع متعددة، تارة يصورها للعباد فقط؛ لأن من تصورها عرف بطلانها، وأنها ليست من الشُّبَه القادحة، فضلا عن الحجج المعتبرة، وتارة يصورها ويذكر ما يبطلها من الأمور الواضحة، وهذا كثير في القرآن.
- ومن مقاماتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يسعون أشد السعي أن يكف عن عيب آلهتهم، والطعن في دينهم، ويحبون أن يتاركهم ويتاركوه، لعلمهم أنه إذا ذكر آلهتهم، ووصفها بالصفات التي هي عليه من النقص، وأنه ليس فيها شيء من الصفات يوجب أن تستحق شيئا من العبادة، يعرفون أن الناس يعرفون ذلك، ويعترفون به، فلا أحب إليهم من التزوير، وإبقاء الأمور على علاتها من غير بحث عن الحقائق؛ لأنهم يعرفون حق المعرفة أن الحقائق إذا بانت ظهر للخلق بطلان ما هم عليه: وهذا الذي منه يفرون، وهذا المقام أيضا ذكره الله في آيات متعددة مثل قوله:
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] ونحوها من الآيات.
وأما: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] فهذا إذا ترتب على السب المذكور سبهم لله، فإنه يترك لما يترتب عليه من الشر.
د) ومن مقاماتهم المتنوعة مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترحون الآيات بحسب أهوائهم، ورد الله عليهم:
- يقولون: إن كنت صادقا فأتنا بعذاب الله، أو بما تعدنا، أو أزل عنا جبال مكة، واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا، وحتى يحصل لك كذا وكذا مما ذكره الله عنهم.
- رد الله عليهم:
• فيجيبهم الله عن هذه الأقوال بأن رسوله صلى الله عليه وسلم قد أيده الله بالآيات، والله أعلم بما ينزل من آياته، وأعلم بما هو أنفع لهم، وأنه قد حصل المقصود من بيان صدقه، وقامت الأدلة والبراهين على ذلك، فقول الجاهل الأحمق: لو كان كذا وكذا. . جهل منه وكبر ومشاغبة محضة.
• وتارة يخبرهم أنه لا يمنعه من الإتيان بها إلا الإبقاء عليهم، وأنها لو جاءت لا يؤمنون، فعند ذلك يعاجلهم الله بالعقاب.
• وتارة يبين لهم أن الرسول إنما هو نذير مبين، ليس له من الأمر شيء، ولا من الآيات شيء، وأن هذا من عند الله، فطلبهم من الرسول محض الظلم والعدوان، وهذه المعاني في القرآن كثيرة بأساليب متعددة.
ه) أحيانا يقدحون في الرسول قدحا يعترضون فيه على الله، ورد الله عليهم:
• أنه لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، ومحمد ليس كذلك، وأنك يا محمد لست بأولى بفضل الله منا، فلأي شيء تفضل علينا بالوحي؟ . . . ونحوه من الأقوال الناشئة عن الحسد،
• رد الله عليه: فيجيبهم الله بذكر فضله، وأن فضله يؤتيه من يشاء، وأنه أعلم حيث يجعل رسالته والمحل اللائق بها، ويشرح لهم من صفات رسوله التي يشاهدونها رأي عين ما يعلمون هم وغيرهم أنه أعظم رجل في العالم، وأنه ما وجد ولن يوجد أحد يقاربه في الكمال، مؤيدا ذلك بالأمور المحسوسة والبراهين المسلمة، وقد أبدا الله هذه المعاني وأعادها معهم في مواضع كثيرة.
و) خطتهم لقتل الرسول صلى الله عليى وسلم، وحفظ الله له:
الخطة: حين خاف أهل مكة من هذه الحال اجتمع ملؤهم ورؤساؤهم في دار الندوة يريدون القضاء التام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فاتفق رأيهم أن ينتخبوا من قبائل قريش من كل قبيلة رجلا شجاعا، فيجتمعون ويضربونه بسيوفهم ضربة واحدة. قالوا: لأجل أن يتفرق دمه في القبائل، فتعجز بنو هاشم عن مقاومة سائر قريش فيرضون بالدية، فهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
حفظ الله له: جاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعزم على الهجرة، وأخبر أبا بكر بذلك وطلب منه الصحبة، فأجابه إلى ذلك وخرج في تلك الليلة التي اجتمعوا على الإيقاع به، وأمر عليًّا أن ينام على فراشه، وخرج هو وأبو بكر إلى الغار، فلم يزالوا يرصدونه حتى برق الفجر، فخرج إليهم عليّ فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري.
ز) لحقاقهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ الله له:
ذهبوا يطلبونه في كل وجهة، وجعلوا الجعالات الكثيرة لمن يأتي به، وكان الجبل الذي فيه الغار قد امتلأ من الخلق يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا. فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ وأنزل الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]
فهاجر إلى المدينة واستقر بها.
- ومن مقاماته صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين:
الرأفة العظيمة، والرحمة لهم، والمحبة التامة، والقيام معهم في كل أمورهم، وأنه لهم أرحم وأرأف من آبائهم وأمهاتهم، وأحنى عليهم من كل أحد، كما قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]
- التدرج في الدعوة:
• فلم يزل يدعو إلى التوحيد وعقائد الدين وأصوله، ويقرر ذلك بالبراهين والآيات المتنوعة، ويحذر من الشرك والشرور كلها منذ بعث إلى أن استكمل بعد بعثته نحو عشر سنين، وهو يدعو إلى الله على بصيرة.
• ثم أُسْرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ ليريه من آياته، وعرج به إلى فوق السماوات السبع، وفرض الله عليه الصلوات الخمس بأوقاتها وهيئاتها، وجاءه جبريل على أثرها فعلَّمه أوقاتها وكيفيَّاتها، وصلى به يومين، اليوم الأول صلَّى الصلوات الخمس في أول وقتها، واليوم الثاني في آخر الوقت، وقال: الصلاة ما بين هذين الوقتين، ففرضت الصلوات الخمس قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين.
• ولم يفرض الأذان في ذلك الوقت، ولا بقية أركان الإسلام، وانتشر الإسلام في المدينة وما حولها
• ولما كانت السنة الثانية فرض الله على العباد الزكاة والصيام، فآيات الصيام والزكاة إنما نزلت في هذا العام وقت فرضها، وأما قوله تعالى:
{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ - الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 6 - 7]
فإن المراد زكاة القلب وطهارته بالتوحيد وترك الشرك.
• وفي سنة تسع من الهجرة أو سنة عشر فرض الله الحج على المسلمين، وكان أبو بكر حج بالناس سنة تسع، ونبذ إلى المشركين عهودهم، وأتم عهود الذين لم ينقضوا، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنة عشر واستوعب المسلمين معه، وأعلمهم بمناسك الحج والعمرة بقوله وفعله، وأنزل الله الآيات التي في الحج وأحكامه، وأنزل الله يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]).

- ومن جملة الأسباب في انتشار الإسلام في المدينة:
أن الأوس والخزرج كان اليهود في المدينة جيرانا لهم، وقد أخبروهم أنهم ينتظرون نبيا قد أظل زمانه، وذكروا من أوصافه ما دلهم عليه؛ فبادر الأوس والخزرج واجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة وتيقنوا أنه رسول الله.
- موقف اليهود من دعوته:
استولى عليهم الشقاء والحسد، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.
- هجرة المسلمين:
• كان المسلمون في مكة في أذى شديد من قريش، فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة أولا إلى الحبشة.
• ثم لما أسلم كثير من أهل المدينة صارت الهجرة إلى المدينة.

- جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار:
• أذن له في القتال بعدما كان قبل الهجرة ممنوعا لحكمة مشاهدة، فقال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]
• وجعل يرسل السرايا.
• وفي السنة الثانية أيضا كانت وقعة بدر، وسببها أن عيرا لقريش تحمل تجارة عظيمة من الشام، خرج النبي صلى الله عليه وسلم بمن خف من أصحابه لطلبها، فخرجت قريش لحمايتها، وتوافوا في بدر على غير ميعاد، فالعير نجت والنفير التقوا مع الرسول وأصحابه، وكانوا ألفا كاملي العدد والخيل، والمسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر على سبعين بعيرا يعتقبونها، فهزم الله المشركين هزيمة عظيمة، قتلت سرواتهم وصناديدهم، وأُسر من أُسر منهم، وأصاب المشركين مصيبة ما أُصيبوا بمثلها، وهذه الغزوة أنزل الله فيها وفي تفاصيلها سورة الأنفال، وبعدما رجع إلى المدينة منها مظفرا منصورا ذل من بقي ممن لم يُسلم من الأوس والخزرج، ودخل بعضهم في الإسلام نفاقا، ولذلك جميع الآيات نزلت في المنافقين إنما كانت بعد غزوة بدر.
• ثم في السنة الثالثة كانت غزوة أحد، غزا المشركون وجيشوا الجيوش على المسلمين حتى وصلوا إلى أطراف المدينة، وخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه وعبأهم ورتبهم، والتقوا في أُحد عند الجبل المعروف شمالي المدينة، وكانت الدائرة في أول الأمر على المشركين، ثم لما ترك الرماة مركزهم الذي رتبهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: لا تبرحوا عنه، ظهَرنا أو غُلبنا، وجاءت الخيل مع تلك الثغرة وكان ما كان، حصل على المسلمين في أُحد مقتلة أكرمهم الله بالشهادة في سبيله، وذكر الله تفصيل هذه الغزوة في سورة آل عمران، وبسط متعلقاتها، فالوقوف على هذه الغزوة من كتب السير يعين على فهم الآيات الكثيرة التي نزلت فيها كبقية الغزوات.
• ثم في السنة الرابعة تواعد المسلمون والمشركون فيها - في بدر - فجاء المسلمون لذلك الموعد، وتخلف المشركون معتذرين أن السنة مجدبة، فكتبها الله غزوة للمسلمين:
{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174]
• ثم في سنة خمس كانت غزوة الخندق، اتفق أهل الحجاز وأهل نجد، وظاهرهم بنو قريظة من اليهود على غزو النبي صلى الله عليه وسلم، وجمعوا ما يقدرون عليه من الجنود، فاجتمع نحو عشرة آلاف مقاتل وقصدوا المدينة، ولما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم خندق على المدينة، وخرج المسلمون نحو الخندق، وجاء المشركون كما وصفهم الله بقوله:
{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10]
ومكثوا محاصرين المدينة عدة أيام، وحال الخندق بينهم وبين اصطدام الجيوش، وحصل مناوشات يسيرة بين أفراد من الخيل، وسبب الله عدة أسباب لانخذال المشركين، ثم انشمروا إلى ديارهم، فلما رجعوا خائبين لم ينالوا ما كانوا جازمين على حصوله، تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة الذين ظاهروا المشركين بقولهم وتشجيعهم على قصد المدينة، ومظاهرتهم الفعلية ونقضهم ما كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فحاصرهم، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وفي هذه الغزوة أنزل الله صدر سورة الأحزاب من قوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 27]
• ثم في سنة ست من الهجرة اعتمر صلى الله عليه وسلم وأصحابه عمرة الحديبية، وكان البيت لا يُصدُّ عنه أحد، فعزم المشركون على صد النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ولما بلغ الحديبية ورأى المشركين قد أخذتهم الحمية الجاهلية جازمين على القتال دخل معهم في صلح لحقن الدماء في بيت الله الحرام، ولما في ذلك من المصالح، وصار الصلح على أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم عامه هذا ولا يدخل البيت، ويكون القضاء من العام المقبل، وتضع الحرب أوزارها بينهم عشر سنين؛ فكره جمهور المسلمين هذا الصلح حين توهموا أن فيه غضاضة على المسلمين، ولم يطلعوا على ما فيه من المصالح الكثيرة، فرجع صلى الله عليه وسلم عامه ذلك، وقضى هذه العمرة في عام سبع من الهجرة، فأنزل الله في هذه القضية سورة الفتح بأكملها: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]
فكان هذا الفتح لما فيه من الصلح الذي تمكن فيه المسلمون من الدعوة إلى الإسلام، ودخول الناس في دين الله حين شاهدوا ما فيه من الخير والصلاح والنور، وقد تقدم أن قصة بني قريظة دخلت في ضمن قصة الخندق.
• أما قبيلة بني النضير من اليهود فإنها قبل ذلك حين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا على جانب المدينة غزاهم صلى الله عليه وسلم واحتموا بحصونهم، ووعدهم المنافقون حلفاؤهم بنصرتهم، فألقى الله الرعب في قلوبهم، وأنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يجلوا عن ديارهم ولهم ما حملت إبلهم، ويدعوا الأرض والعقار وما لم تحمله الإبل للمسلمين؛ فأنزل الله في هذه القضية أول سورة الحشر: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: 2] إلى آخر القصة.
• وفي سنة ثمان من الهجرة، وقد نقضت قريش العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم غزا مكة في جند كثيف من المسلمين يقارب عشرة آلاف، فدخلها فاتحا لها.
• ثم تممها بغزو حنين على هوازن وثقيف، فتم بذلك نصر الله لرسوله وللمسلمين، وأنزل الله في ذلك أول سورة التوبة.
• وفي سنة تسع من الهجرة غزا تبوك وأوعب المسلمون معه، ولم يتخلف إلا أهل الأعذار وأناس من المنافقين، وثلاثة من صلحاء المؤمنين: كعب بن مالك وصاحباه، وكان الوقت شديدا، والحر شديدا، والعدو كثيرا، والعسرة مشتدة، فوصل إلى تبوك ومكث عشرين يوما ولم يحصل قتال فرجع إلى المدينة؛ فأنزل الله في هذه الغزوة آيات كثيرة من سورة التوبة، يذكر تعالى تفاصيلها وشدتها، ويثني على المؤمنين، ويذم المنافقين وتخلفهم، ويذكر توبته على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة، ويدخل معهم الثلاثة الذين خلفوا بعد توبتهم وإنابتهم.
• وفي مطاوي هذه الغزوات يذكر الله آيات الجهاد وفرضه وفضله وثواب أهله، وما للناكلين عنه من الذل العاجل والعقاب الآجل، كما أنه في أثناء هذه المدة ينزل الله الأحكام الشرعية شيئا فشيئا بحسب ما تقتضيه حكمته.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 8 شعبان 1436هـ/26-05-2015م, 04:49 PM
حياة بنت أحمد حياة بنت أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 222
افتراضي

كمال القرآن وأسلوبه وتأثيره

عناصر الدرس:

• القرآن تبيان لكل شيء.
• محال وممتنع أن يأتي علم صحيح لا محسوس ولا معقول ينقض شيئا مما جاء به القرآن، ومن الأدلة على ذلك.
• آية الأحزاب جمعت بين نوعي العلوم.
• آية الفرقان: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33] جمعت الكمال في ألفاظه ومعانيه:
• جمع الله في كتابه بين المتقابلات العامة، من الأمثلة على ذلك.


تلخيص كمال القرآن وأسلوبه وتأثيره
• القرآن تبيان لكل شيء:
- فلم يبق من العلوم النافعة علم إلا بيَّنه لهم.
- فعلوم الأصول وعلوم الفروع والأحكام، وعلوم الأخلاق والآداب، وعلوم الكون.
- كل ما يحتاجه الخلق من ذلك اليوم إلى أن تقوم الساعة، ففي القرآن بيانه والإرشاد إليه.
- وهو الذي إليه المرجع في جميع الحقائق الشرعية والعقلية.
• محال وممتنع أن يأتي علم صحيح لا محسوس ولا معقول ينقض شيئا مما جاء به القرآن، ومن الأدلة على ذلك:
- فإنه {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42].
- {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]
- {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]
- {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]
• آية الأحزاب جمعت بين نوعي العلوم:
فإن العلوم وسائل ومقاصد:
- وهو الحق الذي يقول الله في كتابه، وعلى لسان رسوله.
- ونوع وسائل، وهو الهداية إلى السبيل إلى كل علم وعمل.
• آية الفرقان: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33] جمعت الكمال في ألفاظه ومعانيه:
- فألفاظه أوضح الألفاظ وأبلغها وأحسنها تفسيرا لكل ما تفسره من الحقائق، بوضوحها وأحكامها وقوامها،
- ومعانيه كلها حق، وذلك أنه تمت كلمة ربك صدقا وعدلا، صدقا في أخبارها، وعدلا في أحكامها: أوامرها ونواهيها:
{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]
فأحكامه على الإطلاق أحسن الأحكام وأنفعها للعباد، فهذا في شرعه ودينه ونظيره في خلقه، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين.
• جمع الله في كتابه بين المتقابلات العامة، من الأمثلة على ذلك:
1. قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]
فإن البر اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد والأخلاق والأعمال.
والتقوى اسم جامع لما يجب اتقاؤه من جميع المآثم والمضار.
2. قال تعالى : {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]
فالإثم المعاصي المتعلقة بحقوق الله، والعدوان البغي على الخلق في الدماء والأموال والأعراض والحقوق.
3. وكذلك قوله تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]
فجمع بين زاد سفر الدنيا، وزاد سفر الآخرة بالتقوى.
4. وكذلك قوله تعالى: {يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف: 26]
فهذا اللباس الحسي الضروري والكمالي، ثم قال: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]
فهذا اللباس المعنوي، وإن شئت قلت عن الأول إنه لباس البدن، وعن لباس التقوى إنها لباس القلب والروح.
5. وكذلك قوله تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11]
جمع لهم بين نعيم الظاهر بالنضرة والحسن والبهاء ونعيم الباطن بكمال الفرح والسرور.
6. وكذلك قوله في صفة نساء الجنة: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70]
فوصفهن بجمال الباطن بحسن الخلق الكامل، وجمال الظاهر بأنهن حسان الوجوه وجميع الظاهر.
7. ولما ذكر السير الحسي ذكر السير المعنوي، فقال: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل: 9]
8. وكذلك قوله: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: 71]
9. وكذلك قوله: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى - الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 15 - 16]
كذب الخبر وتولى عن الطاعة " التكذيب ": انحراف الباطن، " والتولي ": انحراف الظاهر، ونظيره قوله:
{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه: 48]
وضد ذلك ما رتب الله على الإيمان والعمل الصالح من خير الدنيا والآخرة؛ فإن الإيمان ضد التكذيب، والتولي ضد الاستقامة والعمل الصالح.
10. وكذلك قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]
فاعبده وتوكل عليه تجمع جميع ما يراد من العبد؛ فالعبادة حق الله على العبد، والإعانة من ربه إسعافه بما استعان عليه من عبودية ربه وغيرها من منافعه؛ فالعبد في عبادة لله واستعانة به.
11. وكذلك قوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]
فجمع للمؤمن العامل للصالحات بين طيب الحياة في الدنيا والآخرة، ونظيره:
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} [النحل: 30]
{وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} [النحل: 41]
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201]
12. وكذلك قوله: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 277]
في مواضع نفي جميع المكروه الماضي ينفي الحزن والمستقبل بنفي الخوف.
13. وكذلك قوله تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 89]
فالروح اسم جامع لنعيم القلب، والريحان اسم جامع لنعيم الأبدان، وجنة نعيم تجمع الأمرين.
14. وكذلك قوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]
جمع له بين عذاب الدنيا وعذاب البرزخ وعذاب دار القرار.
15. وكذلك قوله: {يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35]
أي: متكبر على الحق جبار على الخلق، ومثله: {مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم: 12]
أي معتد في البغي على عباد الله، {أَثِيمٍ} [القلم: 12] أي: متجرئ على محارم الله.
16. وكذلك قوله في مواضع: {مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [الشورى: 8]
فالولي: الذي يجلب لموليه المنافع، والنصير: الذي يدفع عنه المضار.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تقارير, يوم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir