دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م, 02:29 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي سنن يوم الجمعة

وأَقَلُّ السنةِ بعدَ الْجُمعةِ ركعتان وأَكْثَرُها سِتٌّ ويُسَنُّ أن يَغْتَسِلَ ـ وتَقَدَّمَ ـ ويَتَنَظَّفَ ويَتَطَيَّبَ ويَلْبَسَ أَحْسَنَ ثيابِه ويُبَكِّرَ إليها ماشيًا، ويَدْنُوَ من الإمامِ ويَقرأَ سورةَ الكهفِ في يومِها ويُكْثِرَ الدعاءَ ويُكثِرَ الصلاةَ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ.


  #2  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 07:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.................

  #3  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 08:01 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(وأَقَلُّ السُّنَّةِ) الرَّاتِبَةِ (بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ)؛ لأنَّه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ كانَ يُصَلِّي بعدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عليه مِن حديثِ ابنِ عُمَرَ.
(وأَكْثَرُهَا سِتُّ) رَكَعَاتٍ؛ لقَوْلِ ابنِ عُمَرَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ يَفْعَلُه) رواه أَبُو دَاوُدَ. ويُصَلِّيهَا مَكَانَهُ, بخلافِ سائرِ السُّننِ فبِبَيْتِه، ويُسَنُّ فَصْلٌ بَيْنَ فَرْضٍ وسُنَّةٍ بكلامٍ أو انتِقَالٍ مِن مَوْضِعِه. ولا سُّنَةَ لها قَبْلَهَا؛ أي: رَاتِبَةً، قالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَبِي يُصَلِّي فِي المَسْجِدِ إذا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ رَكْعَتَيْنِ.
(ويُسَنُّ أن يَغْتَسِلَ لها) في يَوْمِهَا؛ لخَبَرِ عَائِشَةَ: ((لَو أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا)). وعَن جِمَاعٍ وعندَ مُضِيٍّ أَفْضَلُ, (وتَقَدَّمَ), وفيهِ نَظَرٌ. (و) يُسَنُّ (تَنَظُّفٌ وتَطَيُّبٌ)؛ لِمَا رَوَى البُخَارِيُّ, عَن أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعاً: ((لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِن طُهْرٍ ويَدَّهِنُ ويَمَسُّ مِن طِيبِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ, ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ, ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ -أي: خَطَبَ- الإمَامُ, إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى)).
(و) أنْ (يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِه)؛ لوُرُودِه في بَعْضِ الألفاظِ، وأَفْضَلُهَا البَيَاضُ, ويَعْتَمُّ ويَرْتَدِي.
(و) أن (يُبَكِّرَ إليها مَاشِياً)؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ: ((ومَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ)). ويَكُونَ بسَكِينَةٍ ووَقَارٍ بعدَ طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي.
(و) أن (يَدْنُوَ مِن الإمامِ) مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ: ((مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ, وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ, وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ, وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ, فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ, كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ؛ عَمَلُ صِيَامِهَا وقِيَامِهَا)). رواهُ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ وإِسْنَادُه ثِقَاتٌ. ويَشْتَغِلَ بِالصَّلاَةِ والذِّكْرِ والقِرَاءَةِ.
(و) أَنْ (يَقْرَأَ سُورَةَ الكَهْفِ فِي يَوْمِهَا)؛ لِمَا رَوَى البَيْهَقِيُّ بإِسْنَادٍ حَسَنٍ, عَن أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعاً: ((مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الكَهْفِ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الجُمُعَتَيْنِ)).
(و) أن (يُكْثِرَ الدُّعَاءَ) رَجَاءَ أن يُصَادِفَ سَاعَةَ الإجابَةِ.
(و) أن (يُكْثِرَ الصَّلاةَ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ)؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ)). رواهُ أَبُو دَاوُدَ وغَيْرُه. وكذا لَيْلَتُهَا.


  #4  
قديم 27 ذو القعدة 1429هـ/25-11-2008م, 09:00 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(وأقل السنة) الراتبة (بعد الجمعة ركعتان) ([1]) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين، متفق عليه من حديث ابن عمر([2]).(وأكثرها ست) ركعات، لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، رواه أبو داود([3])، ويصليها مكانه([4]) بخلاف سائر السنن ففي بيته([5]) ويسن فصل بين فرض وسنة، بكلام أو انتقال من موضعه([6]).ولا سنة لها قبلها أي راتبة([7]).قال عبد الله: رأيت أبي يصلي في المسجد إذا أذن المؤذن ركعتين([8]) (ويسن أن يغتسل) لها في يومها([9]).لخبر عائشة لو أنكم تطهرتم ليومكمهذا([10]) وعن جماع وعند مضي أفضل([11]).(وتقدم) وفيه نظر([12]) (و) يسن (تنظيف وتطيب) ([13]) لما روى البخاري عن أبي سعيد مرفوعا: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر([14]) ويدهن، ويمس من طيب امرأته([15]) ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم أي خطب الإمام([16]) إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى»([17]) (و) أن (يلبس أحسن ثيابه)([18]) لوروده في بعض الألفاظ([19]).وأفضلها البياض([20]) ويعتم ويرتدي([21]) (و) أن (يبكر إليها ماشيا)([22]) لقوله صلى الله عليه وسلم «ومشى ولم يركب([23]) ويكون بسكينة ووقار»([24]).بعد طلوع الفجر الثاني([25]) (و) أن يدنو من الإمام([26]) مستقبل القبلة([27]).لقول صلى الله عليه وسلم: «من غسل واغتسل([28]) وبكر وابتكر([29])ومشى ولم يركب([30]) ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ([31]) كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة عمل صيامها وقيامها»، ورواه أحمد وأبو داود وإسناده ثقات([32]) ويشتغل بالصلاة والذكر والقراءة([33]).(و) أن (يقرأ سورة الكهف في يومها)([34]) لما روى البيهقي بإسناد حسن، عن أبي سعيد مرفوعا، «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين»([35]).(و) أن (يكثر الدعاء) رجاء أن يصادف ساعة الإجابة([36]) (و) أن يكثر (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) لقوله صلى الله عليه وسلم «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة» رواه أبو داود وغيره([37]) وكذا ليلتها([38]).


([1]) في المسجد أو في بيته، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
([2]) وفي روايـة: في بيـته، وفي صحيح مسلم إذا صلى أحدكم الجمعة فـليصل بعدها أربع ركعات، وروي عن ابن عمر، لفعله صلى الله عليه وسلم واختاره الموفق وغيره، وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما، والجمع بين الأخبار أنه إن صلى في بيته صلى ركعتين، وفي المسجد أربعا، واختاره الشيخ وتلميذه، وقال على هذا تدل الأحاديث.
([3]) ولفظه: إذا صلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين، ثم تقدم فصلى أربعا، وقال الشيخ وغيره، أدنى الكمال ست، وقال أحمد وغيره: إن شاء صلى ركعتين وإن شاء صلى أربعا، وإن شاء ستا، فأيها فعل ذلك فحسن، والكل كان يفعله صلى الله عليه وسلم.
([4]) أي في دخول المسجد، لأنه لا يفصل بينها وبين سنتها، ويأتي أنه يفصل بينهما، وتقدم في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم يصليهما في بيته ركعتين، وأن «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»، قال ابن القيم: وهذا هو الأفضل.
([5]) وفي صحيح مسلم عن ابن عمر مرفوعا، كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته.
([6]) لما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة، حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام وذلك لئلا يتخذ ذريعة إلى تغيير الفرض، وأن يزاد فيه ما ليس منه، ويكفي الانتقال من موضعه. قال شيــخ الإسـلام: والسنــة أن يفصــل بين الفــرض والنفل، في الجـمعـة وغيرهـا، كمـا ثبت عنـه صلى الله عليه وسلم ولا يفعـل ما يفعله كثير من الناس، يصل السلام بركعتي السنة، فإن هذا ركوب لنهيه صلى الله عليه وسلم وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغيرها.
([7]) يعني قبل صلاة الجمعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته ويصعد المنبر، ثم يأخذ بلال في الأذان، فإذا كمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، من غير فصل كما تقدم، وذكر الحافظ وغيره أن ما قبل دخول الوقت مطلقا نافلة لا راتبة، وأنه كان صلى الله عليه وسلم يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بالصلاة، وأن ما ذكر أنه لا يصلي بعدها، إلا ركعتين في بيته أنه لا ينبغي أن يتنفل قبلها ركعتين، متصلتين بها، خشية أن يظن أنها التي فرضت. وقال شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم وجمع: لا سنة للجمعة قبلها، وهو أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنة قال الشيخ: وهو مذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وعليه جماهير الأئمة، لأنها وإن كانت ظهرا مقصورة فتفارقها في أحكام، وكما أن ترك المسافر السنة أفضل، لكون ظهره مقصورة اهـ، وجاء في الصحيحين وغيرهما أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته، وعد رواتب الصلوات، وفيه، وصلى بعد الجمعة ركعتين في بيته، وهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر، ولما لم يذكر لها راتبة إلا بعدها علم أنه لا راتبة لها قبلها، وهذا مما انعقد سبب فعله في عهده صلى الله عليه وسلم فإذا لم يفعله ولم يشرعه كان تركه هو السنة، قال أبو شامة، وما وقع من بعض الصحابة أنهم كانوا يصلون قبل الجمعة فمن باب التطوع، ولأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام، وذلك جائز وليس بمنكر، وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم، وبعض المتفقهة أن ذلك سنة للجمعة قبلها، كما يصلون السنة قبل الظهر، وكل ذلك بمعزل عن التحقيق، والجمعة لا سنة لها قبلها كالمغرب والعشاء. قال الشيخ: والأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام، لما في الصحيح: «ثم يصلي ما كتب له»، وقال: بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة ، من غير توقيت، وهو المأثور عن الصحابة، كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر ، فمنهم من يصلي عشر ركعات، ومنهم من يصلي اثنتى عشرة ركعة، ومنهم من يصلي ثماني ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك، ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة موقتة بوقت، مقدرة بعدد، قال : والصلاة قبل الجمعة حسنة ، وليست بسنة راتبة، إن فعل أو ترك لم ينكر عليه، وهذا أعدل الأقوال، وحينئذ فقد يكون الترك أفضل، إذا اعتقد الجهال أنها سنة راتبة؛ واختار أنه لا تكره الصلاة فيه وقت الزوال؛ لأن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي إلى أن يخرج الإمام.
([8]) يعني فيستدل به على استحباب الصلاة قبلها، لئلا يقال: لا نافلة لها قبلها مطلقها وقال ابن القيم في قول إسحاق بن إبراهيم: إن أبا عبد الله إذا كان يوم الجمعة يصلي إلى الزوال، وإذا أخذ المؤذن في الأذان قام فصلى ركعتين أو أربعا، قال: وقد أخذ من هذا بعض أصحابه، رواية أن للجمعة قبلها سنة، ركعتين أو أربعا، وليس هذا بصريح، بل ولا ظاهر، وإنما أتم تطوعه.
([9]) وهو كالإجماع عن الصحابة، وحكى الترمذي وغيره أنه ليس بواجب عند الصحابة ومن بعدهم، وعن أحمد وغيره أنه واجب، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر، وأوجبه الشيخ على من له عرق أو ريح، وقال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين قديما وحديثا على أن غسل الجمعة ليس بفرض، لقوله صلى الله عليه وسلم ومن اغتسل فالغسل أفضل، وليس بشرط إجماعا، ومن قال بوجوبه فتصح بدونه، وقوله صلى الله عليه وسلم واجب، محمول على تأكيد الاستحباب، كما يقال حقك على واجب، جمعا بين الأدلة، ويرشحه قرنه بالسواك والطيب وهما غير واجبين إجماعًا.
([10]) رواه البخاري وغيره، أي لكان حسنًا، وذلك أنهم كانوا ينتابون الجمعة من منازلهم، ومن العوالي، فيأتون في العباءة فيخرج منهم الريح، فقال: «لو أنكم تطهرتم»، إلخ، ولأبي داود وغيره عن ابن عباس في بدء الغسل، كان الناس يلبسون الصوف، ويعملون والمسجد ضيق، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار، وقد عرق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح، آذى بعضهم بعضا، فأمرهم بالغسل، والمس من الطيب، فهو آكد الأغسال المستحبة مطلقا لهذه العلة، وفي الصحيحين وغيرهما «غسل الجمعة واجب على كل محتلم»، «ومن أتى الجمعة فليغتسل»، وقال ابن القيم: الأمر به مؤكد جدا، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر والبسملة، والوضوء من مس النساء والذكر، فالأحوط أن لا يخل به، ويجزئ ولو أحدث بعده، أو لم يتصل به المضي إليها، لا بعدها، فقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة، لم يغتسل للجمعة، ولا فعل ما أمر به، وكان أصله قصد التنظيف، وإزالة الروائح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس.
([11]) لأنه أبلغ في المقصود، وظاهره ولو أدى إلى عدم التبكير المشروع يوم الجمعة، لقوله: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح»، الحديث رواه أهل السنن وعند مالك لا يجزئه إلا أن يتعقبه الرواح لها، وإذا نوى غسل الجنابة وغسل الجمعة أجزأ عنهما، كما لو أحرم بصلاة نوى بها الفرض وتحية المسجد قال: النووي: وهو قول أكثر أهل العلم، ويؤيده قوله: «من غسل واغتسل»، وقال الموفق وغيره: بغير خلاف علمناه، وقال الماوردي: هو قول العلماء كافة، لأن غسل الجمعة يراد للتنظيف فإذا تعقبه غسل الجنابة لم يبطله بل هو أبلغ في النظافة ويستحب للمرأة، وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما، للعموم، وليس بطيب، والعلة موجودة فيها، وأما من لا يأتي الجمعة فلا غسل عليه.
([12]) أي في قول الماتن: وتقدم ويجاب بأنه تقدم ذكر المصنف استحباب الغسل للجمعة في كتاب الطهارة، والمراد أنه يحتاج أن يعاد فيه النظر، أو يحتاج أن ينظر فيه، لإظهار ما يلوح فيها من فساد، ولا يقال: فيه نظر، في كلام مقطوع بفساده، ولا صحته، بل فيما كان فساده محتملا، فإن قيل في كلام مقطوع بفساده، كان كناية أو محاباة، وإن قيل فيما هو مقطوع بصحته كان عنادا ومكابرة.
([13]) فتنظف بقص شارب، وتقليم ظفر، ونتف إبط ونحوه، لما رواه الطبراني وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره، ويقص شاربه، يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة، وبقطع روائح كريهة، بسواك وغيره، وتطيب بما يقدر عليه وفاقا، ولو من طيب امرأته، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، لتأكد الطيب والاتفاق على سنيته، وينبغي لمن أراد الاجتماع بالناس أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويزيل كل حال تغير فيه رائحة البدن، ويغسل الثوب إذا توسخ، لقوله: «أما يجد أحدكم ما يغسل به ثوبه»، رواه أبو داود.
([14]) المراد به المبالغة في التنظيف، أو بأخذ الشارب والظفر والعانة، ونحو ذلك، وفي رواية له «وأن يستن»، أي يدلك أسنانه بالسواك، لتطيبه الفم الذي هو مجرى الذكر والمناجاة، وإزالة ما يؤذي الملائكة وبني آدم.
([15]) هذا إن لم يتخذ لنفسه طيبا، وله عن سلمان «من طيب بيته» وهو مؤذن بأن السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيبا، ويجعل استعماله له عادة، ويمس منه فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع، والإدهان المراد به إزالة شعث الشعر به، وفيه إشارة إلى التزين يوم الجمعة، وحسن الرائحة ذلك اليوم.
([16]) وفي رواية «ثم ينصت إذا تكلم الإمام».
([17]) يعني التي قبلها، ونحوه للطبراني بإسناد حسن، وقال في آخره: «إلا كان كفارة لما بينه وبين الجمعة الأخرى، وما اجتنبت المقتلة، وذلك الدهر كله»، وأصل الحديث مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متعددة، وذكر الحافظ وغيره أن التكفير مشروط بوجود ما ندب إليه من غسل وتنظف وتطيب أو دهن ولبس أحسن الثياب، والمشي بالسكينة، وترك التخطي، والتفرقة بين الاثنين، وترك الأذى، والتنفل، والإنصات، وترك اللغو، وغير ذلك مما أمر به ونهى عنه الشارع صلى الله عليه وسلم.
([18]) وفاقا، وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} والجمعة آكد لكونها عيد الأسبوع.
([19]) ولابن ماجه عن أبي هريرة، «ولبس من صالح ثيابه»، ولأحمد، «ولبس أحسن ثيابه»، ولأبي داود أنه يقول على المنبر «ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوبي مهنته»، ولابن ماجه: «أحسن ما زرتم الله في مساجدكم البياض»، وفي الصحيحين قال عمر: يا رسول الله ابتع هذه، فتجمل بها للجمعة والوفد؟ وأقره على مشروعية التجمل، وقال ابن بطال وغيره: وكان معهودا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه، ولا خلاف في استحباب ذلك، وقد تواردت الأخبار بالندب لمن وجد سعة أن يتخذ الثياب الحسان، للجمع والأعياد.
([20]) أي أفضل ألوانها البياض، لما رواه الترمذي وغيره وصححه: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم».
([21]) أي يلبس العمامة على رأسه، ويلبس الرداء يعني الملحفة يشتمل بها لعموم الآية والأخبار، وللطبراني: «إن الله وملائكته يصلون على المتعممين».
([22]) أي يبكر إلى صلاة الجمعة أول النهار ماشيا وفاقا، قال في المبدع: ولو كان مشتغلا بالصلاة في منزله، ويأتي: «أن سبق أهل الزيارة يوم المزيد، بحسب سبقهم إلى الجمعة وتبكيرهم».
([23]) وسيأتي وعن يزيد بن أبي مريم، قال: لحقني عبادة بن رافع وأنا أمشي إلى الجمعة، فقال: أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله، سمعت أبا عبس يقول: قال رسول الله :صلى الله عليه وسلم «من أغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار»، صححه الترمذي، وأصله في الصحيح، ولأحمد وغيره، «ثم مشي إلى الجمعة وعليه السكينة غفر له»، الحديث، وللطبراني: «فإذا أخذ في المشي كتب له بكل خطوة عشرون حسنة».
([24]) لما تقدم في المشي إلى الصلاة ولأحمد من حديث أبي الدرداء «ثم مشى إلى الجمعة وعليه السكينة»، قال الحافظ: السكينة التأني في الحركات، واجتناب العبث، والوقار الهيبة، كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات، أو هما بمعنى واحد، والثاني مؤكد للأول.
([25]) وفاقا للشافعي، لحديث: «من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة» لا قبل طلوع الفجر، لأنه ليس بوقت للسعي لها، وقال الحافظ: لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه ذهب إلى الجمعة قبل طلوع الشمس، أو عند انبساطها اهـ، والساعات في لسان الشارع وأهل اللغة الجزء من أجزاء الزمان، وقال ابن رجب: في أول الساعة ثلاثة أقوال، الأول من طلوع الفجر، وهو قول أحمد والشافعي، والثاني من طلوع الشمس، وهو قول طائفة من الشافعية والمالكية ومال إليه، والثالث من الزوال، وهو قول مالك، ولأبي داود بسند صحيح، «الجمعة اثنتا عشرة ساعة»، وذكر الساعات للحث على التبكير إليها، والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل فضيلة الصف الأول، وانتظارها بالتنفل والقراءة والذكر.
([26]) إجماعا للخبر، ولما تقدم في فضل الصف الأول، والدنو من الإمام، وغير ذلك، قال عبد الله، سارعوا إلى الجنة، فإن الله يبرز إلى أهل الجنة في كل يوم جمعة في كثيب كافور، فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم، فيحدث الله لهم من الكرامة ما لم يكونوا رأوه من قبل ذلك، وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس يجلسون يوم القيامة من الله عز وجل على قدر رواحهم إلى الجمعات، الأول والثاني والثالث» الحديث، وسنده حسن، ولأبي داود: «احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد، حتى يؤخر في الجنة، وإن دخلها» وللطبراني «فيؤخر عن الجنة وإنه لمن أهلها»، وقال ابن القيم وغيره: قرب أهل الجنة يوم القيامة، وسبقهم إلى الزيارة يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة.
([27]) لأنه خير المجالس، للخبر، ولا يكره الاحتباء وفاقا، ويقال له القرفصاء، وهو الجلوس على أليتيه، رافعا يديه إلى صدره، مفضيا بأخمص قدميه إلى الأرض وكان أحمد يقصدها، ويقول: لا جلسة أخشع منها، وعن يعلى بن شداد قال: شهدت مع معاوية بيت المقدس، فجمع بنا فنظرت فإذا جل من في المسجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والإمام يخطب، رواه أبو داود وعد جماعة من الصحابة، وقال: لم يبلغن أن أحدا كرهها، إلا عبادة بن نسي، وروى هو والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة، وحسنه الترمذي، وتعقب أن في إسناده ضعيفين، وقال ابن القيم: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة، لأنه ذريعة إلى النوم اهـ، وإذا نعس فليتحول عن موضعه، لقوله: «إذا نعس أحدكم في مجلسه، فليتحول إلى غيره»، صححه الترمذي، وإن كان الصواب وقفه، فإنهم اتفقوا عليه، حكاه النووي وغيره، وقال مالك: إن تحفظ من النعاس بوجه يراه منافيا له لم يتحول.
([28]) أي أوجب على غيره الغسل بالجماع، واغتسل هو منه، وقيل: غسل رأسه، أو غسل أعضاءه للوضوء، أو غسل ثيابه، واغتسل للجمعة، وقيل: هما بمعنى واحد، وكرر للتأكيد، وقال القرطبي: أنسب الأقوال قول من قال: غسل زوجته.
([29]) بكر بالتشديد أي خرج في بكرة النهار إلى الجمعة، وهو أوله، أو إلى الصلاة في أول وقتها،وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه، وابتكر أي بالغ في التبكير، وفي المطلع، بكر أسرع، وابتكر سمع أوائل الخطبة، كما يبتكر الرجل الباكورة من الفاكهة. وفي النهاية: بكر سابق، وهذا واحد فعل وافتعل، وإنما كرر للمبالغة والتأكيد، قال الشافعي، من شأن الناس التهجير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام، قال البيهقي: هذا موجود في الأحاديث الصحيحة، وهو أنه رغب في التبكير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام اهـ، فإن الصلاة من أفضل العبادات وهي فيها أفضل من غيرها، لاختصاصها بمضاعفة الحسنات إلى سبعين على سائر الأوقات، والتعجيل إلى المسجد، بدل من القربان، فإن الجمعة في الأسبوع كالعيد في العام. وجاء في الصحيحين وغيرهما من غير وجه فضل التهجير والرواح إلى الجمعة، والمراد به التبكير، يدل عليه مجموع الروايات، وصرح به علماء اللغة، ولاعتناء السلف الصالح بها كانوا يبكرون لها، قال الشيخ: وما نقل عن أهل المدينة من أنهم لا يبكرون فليس بحجة، فقد يكون الرجل يشتغل بمصالحه، ومصالح أهله، ومعاشه وغير ذلك من أمور دينه ودنياه، أفضل من رواحه إلى الجمعة من أول النهار.
([30]) أي سار إليها على قدميه، ولم يركب دابة ولا غيرها، قال النووي وغيره: اتفقوا أنه يستحب لقاصد الجمعة أن يمشي، وأن لا يركب في شيء من طريقه إلا لعذر.
([31]) دنا أي قرب من الإمام، فاستمع الخطبة، وهما شيئان مختلفان، فقد يستمع ولا يدنو، وقد يدنو ولا يستمع، فندب إليهما جميعا، «ولم يلغ»، أي لم يتكلم، ولم يشتغل بغير ما ندب إليه.
([32]) ورواه الترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم وصححاه ورواه عبد الرزاق وغيره، وفي «آخره وذلك على الله يسير» وله شواهد كثيرة.
([33]) أي إلى خروج الإمام للخطبة، لما في ذلك من تحصيل الأجر الجزيل، وكذا بـعـد خروجه لمن لا يسمعه سرا، وفعله أفضل من سكوته، نص عليه وليس له إقراء القرآن، ولا المذاكرة في الفقه، لئلا يشغل غيره عن الاستماع، ولا أن يجلس في حلقة. قال الشارح: ويكره التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، رواه أحمد والشافعي وأبو داود والنسائي ويسجد للتلاوة حيث يسن، وإذا خرج الإمام يحرم ابتداء صلاة غير تحية المسجد للخبر، ويخفف ما ابتدأه ولو نوى أربعا صلى اثنتين ليستمع الخطبة.
([34]) أي ويسن أن يقرأ السورة التي يذكر فيها أصحاب الكهف، في يوم الجمعة، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، والكهف الغار في الجبل، والقصة مشهورة.
([35]) ورواه النسائي والحاكم في صحيحه، وروي ليلة الجمعة، ولابن مردوية عن ابن عمر مرفوعا: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه، إلى عنان السماء، يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين»، قال المنذري: «لا بأس به، وروي من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة وقي فتنة الدجال»، وقال في الإنصاف وغيره: يستحب أن يقرأ سورة الكهف في يومها أو ليلتها، وذكر الشيخ أنها مطلقة يوم الجمعة، ونقل عن الشافعي أنها نهارا آكد، وأولاها بعد الصبح، مسارعة للخير، والحكمة في تخصيصها أن فيها ذكر أحوال يوم القيامة، ويوم الجمعة شبيه به، لما فيه من اجتماع الناس، ولأن الساعة تقوم يوم الجمعة.
([36]) لحديث أبي هريرة: «إن في الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه» وأشار بيده يقللها متفق عليه.
([37]) من حديث أوس بن أوس: «إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي»، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: «إن الله حرم على الأرض لحوم الأنبياء»، وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اكثروا علي من الصلاة في كل يوم الجمعة، فإن صلاة أمتي تعرض علي، في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة، كان أقربهم مني منزلة» رواه البيهقي، وروي عن أبي مسعود قال: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته» ولابن عدي عن أنس نحوه، وكذا في المراسيل عن الحسن وأمر به عمر بن عبد العزيز، فدلت هذه الأحاديث وغيرها، على مشروعية الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «من صلى علي صلاة واحدة، صلى الله عليها بها عشرا» وفضلها مشهور، قال الشيخ: والصلاة عليه بلفظ الحديث أفضل من كل لفظ، ولا يزاد عليه، كما في الأذان والتشهد، عند الأئمة الأربعة وغيرهم.
([38]) أي وكما يسن أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، كذلك يسن أن يكثر منها في ليلتها، لحديث: «أكثروا علي من الصلاة في ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا»، رواه البيهقي بإسناد جيد.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 06:47 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ،..........
قوله: «وأقل السنّة بعد الجمعة ركعتان، وأكثرها ست» ، شرع المؤلف في بيان السنن التوابع للجمعة، فأقلها ركعتان؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته »، ثبت ذلك عنه في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.وأكثرها ست؛ لأنه ورد عن عبد الله بن عمر بإسناد صححه العراقي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي بعد الجمعة ستاً، فقد كان ابن عمر «إذا صلى في مكة تقدم بعد صلاة الجمعة فصلى ركعتين، ثم صلى أربعاً، وفي المدينة يصلي ركعتين في بيته، ويقول: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يفعله».أما الأربع فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بذلك فقال: «إذا صلّى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً».
فصارت السنة بعد الجمعة، إما ركعتين، أو أربعاً، أو ستاً، ولكن هل هذا مما وردت به السنة على وجوه متنوعة، أو على أحوال متنوعة، فيه أقوال:
القول الأول: أنها على أحوال متنوعة.وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيقال: إن صليت راتبة الجمعة في المسجد فصل أربعاً، وإن صليتها في البيت فصل ركعتين.
القول الثاني: أنها متنوعة على وجوه فصلِّ أحياناً أربعاً، وأحياناً ركعتين.
القول الثالث: أنها أربع ركعات مطلقاً؛ لأنه إذا تعارض قول النبي صلّى الله عليه وسلّم وفعله يقدم قوله.والأولى للإنسان ـ فيما أظنه راجحاً ـ أن يصلي أحياناً أربعاً، وأحياناً ركعتين.أما الست فإن حديث ابن عمر يدل على أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم «كان يفعلها». لكن الذي في الصحيحين أنه كان يصلي ركعتين، ويمكن أن يستدل لذلك بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي في بيته ركعتين، وأمر من صلى الجمعة أن يصلي بعدها أربعاً، فهذه ست ركعات: أربع بقوله وركعتان بفعله، وفيه تأمل.
وعُلم من قول المؤلف: «أقل السنة بعد الجمعة ركعتان» أنه ليس للجمعة سنّة قبلها، وهو كذلك، فيصلي ما شاء بغير قصد عدد، فيصلي ركعتين أو ما شاء، لكن إذا دخل الإمام أمسك.
فإن قال قائل: هل تختارون لي إذا جئت يوم الجمعة أن أشغل وقتي بالصلاة، أو أشغل وقتي بقراءة القرآن؟
فالجواب: نرى أن ركعتين لا بد منهما، وهما تحية المسجد، وما عدا ذلك ينظر الإنسان ما هو أرجح له، فإذا كنت في مسجد يزدحم فيه الناس، ويكثر المترددون بين يديك، فالظاهر أن قراءة القرآن أخشع لقلب الإنسان وأفيد، وإذا كنت في مكان سالم من التشويش، فلا شك أن الصلاة أفضل من القراءة؛ لأن الصلاة تجمع قراءة وذكراً ودعاء وقياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، فهي روضة من رياض العبادات فهي أفضل.
فمثلاً: المسجد الحرام في أيام المواسم إذا صلى الإنسان تعب بمضايقة الناس، فهنا قد تكون قراءة القرآن بتدبر وتمهل يحصل فيها من خشوع القلب، ورقته، وقوة الإيمان ما لا يحصل بالصلاة، لكن لا بد من تحية المسجد. والإمام أحمد ـ رحمه الله ـ سئل عن مسألة من مسائل العلم، فقال للسائل: «انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله»، وهذه كلمة عظيمة، ولا شك أن الإمام أحمد إنما يريد ما لم يرد فيه التفضيل، أما ما ورد فيه التفضيل فالقول ما قال الله ورسوله، لكن مع ذلك نحن نشاهد من فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم وحاله أنه يقدم أحياناً المفضول على الفاضل، فأحياناً يصوم حتى يقال: لا يفطر، وأحياناً يفطر حتى يقال: لا يصوم، وكذلك في قيام الليل، وأحياناً يأتيه الوفود يشغلونه عن الراتبة فيجلس معهم، ولا يصلي الراتبة إلا بعد صلاة أخرى، كما أخر راتبة الظهر إلى ما بعد العصر، فالإنسان العاقل الموفق يعرف كيف يتصرف في العبادات غير الواجبة، فيقارن، ويوازن بين المصالح، ويفعل ما هو أصلح.

وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ،........
قوله: «ويسن أن يغتسل» ، يعبر الفقهاء بيُسن، ويجب، ويشرع.
فإذا قالوا: يشرع فهو لفظ صالح للوجوب، والاستحباب.
وإذا قالوا: يجب فهو للوجوب.
وإذا قالوا: يسن فهو للاستحباب.
والسنّة في تعبير الفقهاء: هي ما أثيب فاعله، ولم يعاقب تاركه، فهي بين الواجب والمباح.
فقوله: «يسن أن يغتسل» أي: أنه إذا اغتسل ليوم الجمعة فهو أفضل، وإن لم يغتسل فلا إثم عليه.
وقوله: «أن يغتسل» لم يبيّن كيفية الاغتسال، ولكنه إذا أطلق في لسان الشارع، أو في لسان أهل الشرع وهم الفقهاء، فإنه يحمل على الاغتسال الشرعي، لا على مجرد أن يغسل الإنسان بدنه، والغسل الشرعي له صفتان:
1 ـ واجبة: وهي أن يعم جميع بدنه بالماء، ولو بانغماس في بركة أو نهر أو بحر.
2 ـ مستحبة: وهي أن يتوضأ أولاً، كما يتوضأ للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، ويخلل شعره ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على سائر جسده.
وقول المؤلف: «يسن أن يغتسل» لم يبيّن متى يكون الاغتسال.
فقال بعضهم: إن أول وقته من آخر الليل.
وقال آخرون: بل من طلوع الفجر؛ لأن النهار لا يدخل إلا بطلوع الفجر.
وقال آخرون: بل من طلوع الشمس؛ لأن ما بين الفجر وطلوع الشمس وقت لصلاة خاصة، وهي الفجر، ولا ينتهي وقتها إلا بطلوع الشمس، وعلى هذا فيكون ابتداء الاغتسال من طلوع الشمس، وهذا أحوط الأقوال الثلاثة؛ لأن من اغتسل بعد طلوع الشمس فقد أتى على الأقوال كلها. وينتهي وقت الاغتسال بوجوب السعي إلى الجمعة على الأقوال كلها.
وقوله: «يسن أن يغتسل» ، لم يبيّن من الذي يغتسل، هل هم الرجال أو النساء؟
والسنّة تدل على أن الاغتسال خاص بمن يأتي إلى الجمعة؛ لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل» ، ولقوله: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم»، وكلمة «الجمعة» هنا يحتمل أن يكون المراد بها الصلاة، أو اليوم، لكن قوله: «إذا أتى أحدكم الجمعة» يعين أن المراد بها الصلاة، وعلى هذا فالنساء لا يسنّ لهن الاغتسال، وكذلك من لا يحضر لصلاة الجمعة لعذر، فإنه لا يسنّ له أن يغتسل للجمعة.
وقول المؤلف: «يسنّ أن يغتسل» هو المذهب، وعليه جمهور العلماء.وذهب بعض أهل العلم إلى أن الاغتسال واجب.وهذا القول هو الصحيح لما يلي:
1 ـ قول أفصح الخلق وأنصحهم محمد صلّى الله عليه وسلّم: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» ، فصرّح النبي صلّى الله عليه وسلّم بالوجوب، ومن المعلوم أننا لو قرأنا هذه العبارة في مؤلف كهذا الذي بين أيدينا لم نفهم منها إلا أنه واجب يأثم بتركه، فكيف والتعبير من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي هو أعلم الخلق بشريعة الله وأفصح الخلق وأنصح الخلق وأعلمهم بما يقول؟ ثم إنه علق الوجوب بوصف يقتضي الإلزام، وهو الاحتلام الذي يحصل به البلوغ، فإذا تأملنا ذلك تبيّن لنا ظاهراً أن غسل الجمعة واجب، وأن من تركه فهو آثم، لكن تصح الصلاة بدونه؛ لأنه ليس عن جنابة.
2 ـ أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ دخل وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة، فأنكر عليه تأخّره، فقال: والله يا أمير المؤمنين كنت في شغل، وما زدت على أن توضأت، ثم أتيت، فقال له ـ موبخاً ـ: والوضوء أيضاً؟ ـ أي: تفعل الوضوء أيضاً ـ، وقد علمت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر بالغسل، فأنكر عمر ـ رضي الله عنه ـ عليه اقتصاره على الوضوء.وأما ما روي عن سمرة بن جندب أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» ، فهذا الحديث لا يقاوم ما أخرجه الأئمة السبعة وغيرهم، وهو حديث أبي سعيد الذي ذكرناه آنفاً: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» ، ثم إن الحديث من حيث السند ضعيف؛ لأن كثيراً من علماء الحديث يقولون: إنه لم يصح سماع الحسن عن سمرة إلا في حديث العقيقة، وإن كنا رجّحنا في المصطلح: أنه متى ثبت سماع الراوي من شيخه، وكان ثقة ليس معروفاً بالتدليس، فإنه يحمل على السماع، على أن الحسن ـ رحمه الله ـ رماه بعض العلماء بالتدليس، ثم إن هذا الحديث من حيث المتن إذا تأملته وجدته ركيكاً ليس كالأسلوب الذي يخرج من مشكاة النبوة «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» ... «بها» أين مرجع الضمير؟ ففيه شيء من الركاكة أي: الضعف في البلاغة «ومن اغتسل فالغسل أفضل» فيظهر عليه أنه من كلام غير النبي صلّى الله عليه وسلّم. فالذي نراه وندين الله به، ونحافظ عليه أن غسل الجمعة واجب، وأنه لا يسقط إلا لعدم الماء، أو للضرر باستعمال الماء، ولم يأت حديث صحيح أن الوضوء كاف، وأما ما ورد في صحيح مسلم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام» ، فإنه مرجوح، لاختلاف الرواة، فبعضهم قال: «من اغتسل» وهذه أرجح، وبعضهم قال: «من توضأ».
مسألة: بقي أن يقال: إذا لم يجد الماء، أو تضرر باستعماله.. فهل يتيمم لهذا الغسل، أو نقول: إنه واجب سقط بعدم القدرة عليه؟
الجواب أن نقول: الثاني، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، ويقول شيخ الإسلام: جميع الأغسال المستحبة إذا لم يستطع أن يقوم بها فإنه لا يتيمم عنها؛ لأن التيمم إنما شرع للحدث؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] .ومعلوم أن الأغسال المستحبة ليست للتطهير؛ لأنه ليس هناك حدث حتى يتطهر منه، وعلى هذا فلو أن الإنسان وصل إلى الميقات وهو يريد العمرة أو الحج، ولم يجد الماء، أو وجده وكان بارداً لا يستطيع استعماله، أو كان مريضاً، فلا يتيمّم بناء على هذا.
والفقهاء رحمهم الله يقولون: يتيمّم، والصحيح خلاف ذلك.

وَتَقَدَّمَ، ...........
قوله: «وتقدم» ، أي: سبق ذكر استحباب الغسل ليوم الجمعة. لكن صاحب الروض قال: «فيه نظر» ، وإذا قال العلماء: «فيه نظر» فيعنون أنه غير مسلم، والعلماء يعبرون أحياناً بقولهم: «فيه شيء»، إذا نقلوا كلام غيرهم. وقولهم: «فيه شيء»، أخف من قولهم: «فيه نظر»، وقول صاحب الروض: «فيه نظر»، أي: في قول الماتن: «وتقدم» نظر، وكأن صاحب الروض غفل عن قول صاحب المتن؛ لأن صاحب المتن في أقسام المياه قال: «وإن استعمل في طهارة مستحبة كتجديد وضوء وغسل جمعة» ، فهذا صريح في أن غسل الجمعة مستحب، وكأن صاحب الروض إنما قال: «فيه نظر» لما رأى المؤلف لم يذكره في باب الغسل، كما جرت به عادة الفقهاء في ذكر الأغسال المستحبة في باب الغسل.

وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ .........
قوله: «ويتنظف» أي: ويسنّ أن يتنظف كما جاءت به السنّة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر...» ، والتنظّف أمر زائد على الاغتسال، فالتنظّف بقطع الرائحة الكريهة وأسبابها، فمن أسباب الرائحة الكريهة الشعور والأظفار التي أمر الشارع بإزالتها، وعلى هذا فيسنّ حلق العانة، ونتف الإبط، وحف الشارب، وتقليم الأظفار، لكن من المعلوم أن هذا لا يكون في كل جمعة، فقد لا يجد الإنسان شيئاً يزيله، من هذه الأمور الأربعة، وقد وقّت النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه الأشياء الأربعة ألا تزيد على أربعين يوماً، وقد قال الفقهاء: إن حف الشارب في كل جمعة.
قوله: «ويتطيّب» أي: ويسنّ أيضاً أن يتطيّب، كما جاءت به السنة، بأي طيب سواء من الدهن أو من البخور، في ثيابه وفي بدنه؛ وذلك من أجل اجتماع الناس في مكان واحد؛ لأن العادة أنه إذا كثر الجمع ضاق النفس، وكثر العرق، وثارت الرائحة الكريهة، فإذا وجد الطيب، وقد سبقه التنظّف، فإن ذلك يخفف من الرائحة؛ ولهذا نهى الرسول عليه الصلاة والسلام من أكل بصلاً أو ثوماً أن يقرب المسجد، وكانوا إذا رأوا إنساناً أكل بصلاً أو ثوماً، أمروا به فأخرج من المسجد إلى البقيع، ومن الأسف أن بعض الناس اليوم يأتي إلى الجمعة، وثيابه وجسمه لهما رائحة كريهة، ثم لا يستطيع أحد أن يصلي إلى جنبه، وليس هذا من عند الله، بل من نفسه، فهو الذي يجلب لنفسه الأوساخ والأدران، ولا يهتم بنفسه، وفي هذا أذية للمصلين، وأذية للملائكة.بل إن العلماء قالوا: إن ما كان من الله، ولا صنع للآدمي فيه إذا كان يؤذي المصلين فإنه يخرج، كالبخر في الفم، أو الأنف، أو من يخرج من إبطيه رائحة كريهة، فإذا كان فيك رائحة تؤذي فلا تقرب المسجد.
فإن قال: هذا من الله؟ فيقال: إذا ابتلاك الله به فلا تؤذ العباد، ولا تؤذ الملائكة، وأنت مأجور على الصبر على هذا الشيء واحتساب الأجر من الله، ولست آثماً إذا لم تصل مع الناس؛ لأنك إنما تركت ذلك بأمر الله.
فإذا قال: هذا ينقص إيماني؛ لأن صلاة الجماعة أفضل؟
قلنا: إنك لا تلام على هذا النقص؛ كما أن الحائض لا تصلي، وينقص إيمانها بذلك ولا تلام على النقص؛ لأن النقص الذي ليس بسبب الإنسان لا يلام عليه.

وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا مَاشِياً،..........
قوله: «ويلبس أحسن ثيابه» أي: ويسنّ لبس أحسن ثيابه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يُعد أحسن ثيابه للوفد والجمعة. وانظر كيف كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعامل الناس، فإذا جاء الوفد لبس أحسن ثيابه؛ ليظهر أمام الوفد بالمظهر اللائق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام محذراً من الكبر: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة خردل من كبر» ، قالوا: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً؟ فقال: «إن الله جميل يحب الجمال» ، أي: يحب التجمل، وليس الجمال الطبيعي الخَلْقي؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بنى هذا الكلام على قولهم: «يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً» ؛ ولأن هذا هو الذي يستطيعه الإنسان، فيثاب عليه إذا فعله، أما الجمال الخَلْقي فهذا ليس من اختيار الإنسان. فدل ذلك على أنه ينبغي أيضاً أن يحسّن الإنسان ثيابه، ويحسّن نعله، لكن بشرط ألا يؤدي ذلك به إلى الإسراف والفخر والخيلاء، ولهذا وردت أحاديث تدل على فضل التواضع في اللباس، وهذا في مكانه، أي: لو كان الإنسان يريد أن يأتي إلى قوم فقراء، ويخشى إذا جاء بلباسه الزاهي أن تنكسر قلوبهم، فهنا الأفضل أن يلبس ما يناسب الحال، ويكون مأجوراً على ذلك. قال في الروض: «وأفضلها البياض، ويعتم، ويرتدي» أي: أفضلها البياض، ولا شك أن أفضل الثياب للرجال البياض، لكن أحياناً لا يجد الإنسان البياض مناسباً للوقت، مثل: أيام الشتاء فإنه يندر أن تجد ثياباً بيضاء تناسب الوقت، فهنا نقول: ارفق بنفسك، ويمكن أن تلبس ثياباً متعددة، ويكون الأعلى هو الأبيض.
قوله: «ويعتم» أي: يلبس العمامة.
والعمامة: هي ما يطوى على الرأس، ويكور عليه.
والدليل: فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث كان يلبس العمامة، ويمسح عليها، ولكن هل لباسه إياها كان تعبداً، أو لباسه إياها؛ لأنها عُرف؟
الجواب: الثاني هو الصحيح، واتباع العرف في اللباس هو السنة ما لم يكن حراماً؛ لأنّا نعلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنما لبس ما يلبسه الناس، والإنسان لو خالف ما يلبسه الناس لكانت ثيابه ثياب شهرة.
قوله: «ويرتدي» أي: يلبس الرداء، وظاهر كلام المؤلف: ولو كان عليه قميص وهذا فيه نظر. لكن بدل الرداء عندنا المشلح، وأكثر الناس اليوم لا يلبسونه، ولو لبسه الإنسان أمام الناس لاستنكروه، بينما كانوا في الأول يستنكرون من لا يلبسه.
قوله: «ويبكّر إليها» أي: يسنّ أن يبكّر إلى الجمعة.
ودليله: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: «من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة» . وهذا يدل على أن الأفضل التبكير، ولكن بعد الاغتسال، والتنظّف والتطيّب، ولبس أحسن الثياب.
قوله: «ماشياً» ، أي: يسن أن يذهب إلى الجمعة ماشياً على قدميه، ودليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من غسل واغتسل، وبكّر وابتكر، ودنا من الإمام، ومشى ولم يركب» . فقال: «مشى ولم يركب» ؛ ولأن المشي أقرب إلى التواضع من الركوب، ولأنه يرفع له بكل خطوة درجة، ويحط عنه بها خطيئة، فكان المشي أفضل من الركوب.
ولكن لو كان منزله بعيداً، أو كان ضعيفاً أو مريضاً، واحتاج إلى الركوب، فكونه يرفق بنفسه أولى من أن يشق عليها.

مِنَ الإِمَامِ،...............
قوله: «ويدنو من الإمام» ، وهذا أيضاً من السنّة أن يدنو من الإمام.ودليل ذلك: قول النبي عليه الصلاة والسلام: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» ، ولما رأى قوماً تأخروا في المسجد عن التقدم قال: «لا يزال قوم يتأخرون، حتى يؤخرهم الله» ، فأقل أحواله أن يكون التأخّر عن الأول فالأول مكروه؛ لأن مثل هذا التعبير يعد وعيداً من النبي عليه الصلاة والسلام وليس في هذا العمل فقط، بل في جميع الأعمال؛ لأن الإنسان إذا لم يكن في قلبه محبة للسبق إلى الخير بقي في كسلٍ دائماً، كما قال الله عز وجل: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ *} [الأنعام] . ولهذا ينبغي للإنسان كلما سنحت له الفرصة في العبادة أن يفعل، ويتقدم إليها، حتى لا يعوّد نفسه الكسل، وحتى لا يؤخّره الله عز وجل.
مسألة: دلّت السنّة على أن يمين الصف أفضل من اليسار، والمراد عند التقارب، أو التساوي، وأما مع البعد فقد دلّت السنّة على أن اليسار الأقرب أفضل.
ودليل ذلك: أن الناس كانوا إذا وجد جماعة ثلاثة، فإن الإمام يكون بين الرجلين، ثم نسخ ذلك فصار الإمام يتقدم الاثنين فأكثر، ولو كان اليمين أفضل على الإطلاق لصار مقام الرجلين مع الرجل عن اليمين. وأيضاً لو كان اليمين أفضل مطلقاً لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أكملوا الأيمن فالأيمن»، كما كان الصف يكمل فيه الأول فالأول.
فلو فرض أن في اليمين عشرة رجال، وفي اليسار رجلين، فاليسار أفضل، لأنه أقرب إلى الإمام.وطرف الصف الأول من اليمين أو اليسار أفضل من الصف الثاني، وإن كان خلف الإمام. ودليل ذلك: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتراصون، ويتمون الأول فالأول» .وعلى هذا فنكمل الأول فالأول، فالأول قبل الثاني، والثاني قبل الثالث، والثالث قبل الرابع... وهكذا.

وَيَقْرَأَ سُورَةَ الكَهْفِ فِي يَوْمِهَا .........
قوله: «ويقرأ سورة الكهف في يومها» ، أي: يسنّ أن يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» وهذا روي مرفوعاً وموقوفاً. وقد أعل بعض العلماء المرفوع بأن الحديث روي موقوفاً.
ونحن نقول: إذا كان الرافع ثقة، فهذه العلة غير قادحة، فلا توجب ضعف الحديث، والذي يوجب ضعف الحديث العلة القادحة، وهذا لا يقدح؛ لأن من روى الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ربما يحدّث به غير منسوب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يقع كثيراً، لا سيما في غير مقام الاستدلال، أما في مقام الاستدلال فلا بد أن يرفعه، وعلى فرض أنه من قول أبي سعيد، فمثل هذا لا يقال بالرأي، فيكون له حكم الرفع؛ لأن أبا سعيد لا يعرف هذا الثواب، فيكون مرفوعاً حكماً إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. وسورة الكهف لها مزايا منها: أن من قرأ فواتحها على الدجال عصم من فتنته، والدجال هو الأعور الذي يبعثه الله في آخر الزمان يبقى في الأرض أربعين يوماً، اليوم الأول كسنة، والثاني كشهر، والثالث كجمعة، والرابع كسائر الأيام، فتنته عظيمة جداً، ولهذا ما من نبي إلا أنذر قومه منه، وأمرنا نبينا صلّى الله عليه وسلّم أن نتعوذ بالله من فتنته في كل صلاة بعد التشهد الأخير قبل السلام، وجاء في بعض الأحاديث أن من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنته، وفي بعض روايات الحديث: «من آخر الكهف»، والجمع بينهما: أن يحتاط الإنسان فيقرأ عشراً من أولها، وعشراً من آخرها وفيها عبر:
منها: قصة أصحاب الكهف.
ومنها: قصة الرجلين ذوي الجنتين.
ومنها: قصة موسى مع الخضر.
ومنها: قصة ذي القرنين.
ومنها: قصة يأجوج ومأجوج.
ولهذا ورد الترغيب في قراءتها في يوم الجمعة قبل الصلاة أو بعد الصلاة.

وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ وَيُكْثِرَ الصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم .......
قوله: «ويكثر الدعاء» أي: يسن أن يكثر الدعاء يوم الجمعة؛ وذلك لأن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه؛ [لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه» ]، فينبغي أن يكثر من الدعاء رجاء ساعة الإجابة.
ولم يذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ نوع الدعاء الذي يكثره فهو راجع إليك، وكل إنسان له حاجات خاصة إلى ربه، فليسأل ربه ما شاء.
قوله: «ويكثر الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» أي: يسن أن يكثر الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة، كما أن الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم مشروعة كل وقت بالاتفاق؛ لأن الله قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] ، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم معناها: أنك تسأل الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى.
وقال بعض العلماء: صلاة الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم رحمته إياه، وهذا فيه نظر؛ لأن الله تعالى فرق بين الصلاة والرحمة فقال: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] ، والأصل في العطف المغايرة؛ ولأن العلماء مجمعون على أنه يجوز للإنسان أن يدعو بالرحمة لمن شاء من المؤمنين فيقول: اللهم ارحم فلاناً، ومختلفون في جواز الصلاة على غير الأنبياء، ولو كانت الصلاة هي الرحمة لم يختلف العلماء في جوازها. إذاً فالصلاة أخص من الرحمة، فإذا صلى الإنسان على النبي صلّى الله عليه وسلّم مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، فلنكثر من الصلاة على نبينا صلّى الله عليه وسلّم حتى يكثر ثوابنا.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
يوم, سنن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir