دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 رجب 1439هـ/5-04-2018م, 01:14 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس الثاني: مجلس مذاكرة القسم العشرون من تفسير سورة البقرة

مجلس مذاكرة القسم العشرين من تفسير سورة البقرة
(الآيات: 275- 286)


بالاستعانة بالتفاسير الثلاثة المقرّرة اكتب رسالة تفسيرية في واحد من الأقسام التالية:
1: آيات الربا،
بأسلوب التقرير العلمي.
2: آيات الدين بالأسلوب الاستنتاجي.
3: آخر ثلاث آيات من سورة البقرة، بأسلوب الحجاج.



إرشادات:
- مصادر الرسائل هي التفاسير الثلاثة المقرّرة للدراسة، ويمكن الاستعانة بتفاسير أخرى من باب توسيع دائرة الاطّلاع.
- تراجع الإرشادات الخاصّة بكل أسلوب تفسيري في دورة أساليب التفسير، وكذلك خطة إعداد الرسالة التفسيرية (هنا).
- يمكن أن يضاف للأسلوب الأساسي للرسالة غيره من الأساليب مما يستدعيه المقام ويعين على تحسين الرسالة.



والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات..

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 رجب 1439هـ/5-04-2018م, 06:05 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

1: آيات الربا، بأسلوب التقرير العلمي.

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}

بسم الله, والصلاة والسلام على رسول الله..
الحمدلله المشرع لعباده ما يصلح به حالهم, العادل فلا ينهاهم إلا عن الظلم, الرحيم فلا يأمرهم إلا بما فيه صلاح ذواتهم ومجتمعاتهم, وبعد:
فإن من أعظم الظلم الحاصل في الأموال في الجاهلية, هو التعامل بالربا, فالربا من أكثر القروض انتشارا, والتي ظاهرها الرضا والنفع, وباطنها الظلم والغصب والاسترقاق, وإن من عظمة الشريعة الإسلامية, أنها جاءت لمحو الظلم الخفي قبل الجلي, ذلك الظلم المبرر, والذي يزيد من فقر الفقير وغنى الغني, وهذا ما يتعارض مع نموذج الاقتصاد الإسلامي, الذي يدعو للموازنة والعدل في توزيع الثروات, دون نقص ولا إجحاف, وهذه الآيات البينات الواضحات جاءت صريحة في تحريم الربا, جلية في تصويره بأسوأ الصور, والتحذير من عاقبته بأشد العقاب كما سيتبين معنا بإذن الله.

أولا: من دلائل سوء الربا وعاقبته الصورة التي ظهر بها المرابي في الآيات:
يبدأ الله الآية بوصف المرابي بالرجل الجشع الذي لا يعنيه إلا ملء بطنه, وهذه حقيقة الربا, فرغم أن الربا تعاط للمال, إلا أن أول ما يصب فيه المال هو الغذاء, لذا صور الله في هذه الآية من يتعامل بالربا كمن يأكل المال مباشرة, وهذا من بلاغة التصوير, إذ هذه الصورة النهائية للمال, وهي وقوعه غالبا في البطن, فيقول :(الذين يأكلون الربا), وقد أشار إلى ذلك ابن عطية, فقال: "وقصد إلى لفظة الأكل لأنها أقوى مقاصد الإنسان في المال، ولأنها دالة على الجشع، فأقيم هذا البعض من توابع الكسب مقام الكسب كله، فاللباس والسكنى والادخار والإنفاق على العيال وغير ذلك داخل كله في الربا", ولكن التعبير بلفظ الأكل من باب التعبير عن الغالب, وتصوير مدى جشع المرابي.
ثانيا: المقصود بالربا:
لمعرفة المعنى المقصود اصطلاحا, لا بد من العودة للجذر اللغوي وفهم الرابط بينهما, فالربا لغة: النمو والزيادة. واصطلاحا: الزيادة في مال الغريم مقابل صبر الطالب عليه في الوقت. كما أشار إلى ذلك ابن عطية.
ثالثا: صوره:
ورغم أن الصورة الشهيرة له: هي زيادة مال الغريم مقابل التمديد في زمن القرض, إلا أن له صورا أخرى متعددة ذكرها ابن عطية وابن كثير, وهذه الصور منها ما هو ربا بحت, ومنها ما يفضي إلى الربا, وقد عومل كالربا, لأن ما يفضي إلى الحرام حرام, ومنها ما عومل كالربا لشبهه به -وإن بشكل جزئي-, ومنها ما اشتبه فيه فحرم خشية الوقوع في الربا, وسبب عدم وضوح صوره والإجماع عليها, هو أن آية الربا كانت من أواخر ما نزل على رسول الله, وقد مات رسول الله ولم يبين لهم فيها بيانا شافيا, وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه: «ثلاثٌ وددت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهد إلينا فيهنّ عهدًا ننتهي إليه: الجدّ، والكلالة، وأبوابٌ من أبواب الرّبا», لذلك دعا إلى ترك كل ما يدعو للريبة فيما روى ابن مردويه عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: خطبنا عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، فقال: «إنّي لعلّي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم وآمركم بأشياء لا تصلح لكم، وإنّ من آخر القرآن نزولًا آية الرّبا، وإنّه قد مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يبيّنه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم», لا سيما إذا علمت أن أبوابه كثيرة كما روى ابن ماجه عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ -عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الرّبا ثلاثةٌ وسبعون بابًا», فهذا مما يبين لك كثرة صوره, ويدعوك للحذر من الوقوع في إحداها, وسنذكر بعضها على سبيل التمثيل, فمنها:
- التفاضل في النوع الواحد.
- بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.
- البيع ساعة النداء يوم الجمعة.
- أن ينكح الرجل أمه, كما روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الرّبا سبعون حوبًا، أيسرها أن ينكح الرّجل أمّه». ذكره ابن كثير.
- المخابرة, وهي: المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من لم يذر المخابرة، فليأذن بحربٍ من اللّه ورسوله». ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث ابن خثيمٍ، وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجه, كما ذكر ذلك ابن كثير.
- المزابنة, وهي: اشتراء الرّطب في رؤوس النّخل بالتّمر على وجه الأرض.
- المحاقلة, وهي: اشتراء الحبّ في سنبله في الحقل بالحبّ على وجه الأرض.
-وقد حرم الفقهاء كل ما لا يعلم التساوي بينه قبل جفافه, فالجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة, وقد حرّموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الرّبا، والوسائل الموصّلة إليه.
رابعا: تصوير حال المرابي في الآية والمراد به:
فإن الله صور المرابي بصورة شنيعة هي في قوله :(لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس), والمس: هو الجنون. كما ذكر ذلك الزجاج وابن عطية وابن كثير, لكن اختلف المفسرون في المراد بالآية هل هي تمثيل لحاله في الدنيا, أم أن هذا جزاؤه يوم الحساب على أقوال:
- قال ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد وابن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدي وابن زيد وعوف ومقاتل: أن المراد بذلك من قبورهم في البعث يوم القيامة.
- وقال بعضهم: يجعل معه شيطان يخنقه.
- وقالوا كلهم: يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند جمع المحشر.
وهذه الأقوال ذكرها ابن عطية وابن كثير, وهي تصوير لحاله يوم القيامة, ومما يقويها قراءة عبد الله بن مسعود «لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم».
- المعنى الآخر: أنها تشبيه لحال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الربا بقيام المجنون، لأن الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه، وهذا كما تقول لمسرع في مشيه، مخلط في هيئة حركاته، إما من فزع أو غيره، قد جن هذا، وقد شبه الأعشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله:
وتصبح من غبّ السّرى وكأنّما ....... ألم بها من طائف الجنّ أولق
لكن ما جاءت به قراءة ابن مسعود وتظاهرت به أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل, كما ذكر ذلك ابن عطية, وقد رجح القول الأول كذلك الزجاج, وابن كثير.
خامسا: ما ورد من الأحاديث في ذم الربا:
اعلم أن الربا من الأعمال التي ورد ذمها في الوحيين, فقد ورد بالإضافة لآيات تحريم الربا وذمه أحاديث كثر في ذلك, منها:
- حديث أبي سعيدٍ في الإسراء، كما هو مذكورٌ في سورة سبحان: أنّه، عليه السّلام مرّ ليلتئذٍ بقومٍ لهم أجوافٌ مثل البيوت، فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء أكلة الرّبا. رواه البيهقيّ مطوّلًا, وذكره ابن كثير.
- ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أتيت ليلة أسري بي على قومٍ بطونهم كالبيوت، فيها الحيّات ترى من خارج بطونهم. فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا».ورواه الإمام أحمد، عن حسنٍ وعفّان، وفي إسناده ضعفٌ كما ذكر ذلك ابن كثير.
- ما رواه البخاريّ، عن سمرة بن جندبٍ في حديث المنام الطّويل: «فأتينا على نهرٍ-حسبت أنّه كان يقول: أحمر مثل الدّم -وإذا في النّهر رجلٌ سابحٌ يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجلٌ قد جمع عنده حجارةً كثيرةً، وإذا ذلك السّابح يسبح، ما يسبح ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع الحجارة عنده فيفغر له فاه فيلقمه حجرًا» وذكر في تفسيره: أنّه آكل الرّبا. ذكره ابن كثير.
- حديث عليٍّ وابن مسعودٍ وغيرهما، عنه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لعن اللّه آكل الرّبا وموكله، وشاهديه وكاتبه». ذكره ابن كثير.
سادسا: قاعدة: ما يفضي إلى الحرام, فهو حرام:
هذه الآية التي دعت إلى تحريم الربا وكل الوسائل المفضية إليه, هي كذلك مشرعة لقاعدة فقهية مهمة, هي: تحريم الوسائل المفضية إلى الحرام.
فقد أخرج الجماعة سوى التّرمذيّ، من طرقٍ،وهكذا لفظ رواية البخاريّ، عن عائشة قالت: «لمّا نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الرّبا قرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على النّاس، ثمّ حرّم التّجارة في الخمر». ذكره ابن كثير.
قال بعض من تكلّم على هذا الحديث من الأئمّة: لمّا حرّم الرّبا ووسائله حرّم الخمر وما يفضي إليه من تجارةٍ ونحو ذلك، كما قال، عليه السّلام في الحديث المتّفق عليه: «لعن اللّه اليهود، حرّمت عليهم الشّحوم فجمّلوها فباعوها وأكلوا أثمانها». ذكره ابن كثير.
فمن هذه القاعدة ينطلق الفقهاء إلى تحريم كل موصل لمحرم, وذلك حسبما تقتضيه الحاجة, وكما يقرره أصحاب كل زمن وعصر, وهي قاعدة فقهية مهمة, يبنى عليها الكثير من الأمور, ويجتنب معها الكثير من ما في ظاهره يبدو من المباحات.
سابعا: مرجع الضمير في قوله :(ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا), ومعنى الآية:
يعود الضمير في الآية على الكفار, كما ذكر ذلك ابن عطية وابن كثير, ومعنى الآية كما أورده ابن كثير: أنهم إنّما جوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام اللّه في شرعه، وليس هذا قياسًا منهم للرّبا على البيع؛ لأنّ المشركين لا يعترفون بمشروعيّة أصل البيع الّذي شرعه اللّه في القرآن، ولو كان هذا من باب القياس لقالوا: إنّما الرّبا مثل البيع، وإنّما قالوا: {إنّما البيع مثل الرّبا} أي: هو نظيره، فلم حرّم هذا وأبيح هذا؟ وهذا اعتراضٌ منهم على الشّرع، أي: هذا مثل هذا، وقد أحلّ هذا وحرّم هذا!
وقوله تعالى: {وأحلّ اللّه البيع وحرّم الرّبا} يحتمل أن يكون من تمام الكلام ردًّا عليهم، أي: قالوا: ما قالوه من الاعتراض، مع علمهم بتفريق اللّه بين هذا وهذا حكمًا، وهو الحكيم العليم الّذي لا معقّب لحكمه، ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها.
ثامنا: مسألة: هل قوله تعالى :(أحل الله البيع) تدخل تحت المجمل أم العام؟
القول الأول: أنه من عموم القرآن، لأن العرب كانت تقدر على إنفاذه، لأن الأخذ والإعطاء عندها بيع، وكل ما عارض العموم فهو تخصيص منه. ذكره ابن عطية ورجحه.
القول الثاني: أنه من مجمل القرآن الذي فسر بالمحلل من البيع وبالمحرم. ذكره ابن عطية ولم يرجحه.
تاسعا: أسباب تحريم الربا:
إن الربا من صور الظلم التي تتضح للمرء حال تحليلها وتفصيلها, ولعل من أكبر أسباب تحريمه أنه أحد صور الظلم الذي حرمه الله جملة وتفصيلا, كما روي في الحديث القدسي أنه حرمه على نفسه سبحانه, لكن هذا لا يمنع من أن هنالك أسبابا أخرى ذكرها العلماء في أسباب تحريمه, منها:
- أنه حرم ليتقارض الناس, إذ مع الربا سيفتح باب الجشع ولن يقبل أحد أن يقرض أخاه إلا بزيادة, قاله جعفر بن محمد الصادق وذكره ابن عطية.
- أنه متلفة للأموال مهلكة للناس. قاله بعض العلماء وذكره ابن عطية.
تاسعا: تحريم الربا لا يستلزم إعادة الغريم المال لصاحبه:
من رحمة الله على عباده -وذلك لانتشار التعامل بالربا, وصعوبة إعادة الأموال لأهلها, لا سيما وأن ذلك كان القانون المتبع آنذاك-, فإن الله لم يستوجب على المرابي أن يعيد للمدين ما ربا من ماله مما فات قبل التحريم, فقد عفا عما سلف سبحانه كما ورد في قوله :(فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) أي: من الربا لا تِباعَة عليه منه في الدنيا ولا في الآخرة كما قاله السدي وغيره وذكره ابن عطية, وكما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم فتح مكّة: «وكلّ ربًا في الجاهليّة موضوعٌ تحت قدمي هاتين، وأوّل ربًا أضع ربا العبّاس» ولم يأمرهم بردّ الزّيادات المأخوذة في حال الجاهليّة، بل عفا عما سلف, كما ذكر ذلك ابن كثير.
عاشرا: عودة الضمير في قوله تعالى: {وأمره إلى اللّه}:
قيل في ذلك أربع تأويلات ذكرها ابن عطية:
الأول: أن الضمير عائد على الربا بمعنى: وأمر الربا إلى الله في إمرار تحريمه أو غير ذلك.
والثاني: أن يكون الضمير عائدا على ما سلف. أي أمره إلى الله في العفو عنه وإسقاط التبعية فيه.
والثالث: أن يكون الضمير عائدا على ذي الربا بمعنى أمره إلى الله في أن يثيبه على الانتهاء أو يعيده إلى المعصية في الربا. وهو قول الزجاج.
والرابع: أن يعود الضمير على المنتهي ولكن بمعنى التأنيس له وبسط أمله في الخير. كما تقول وأمره إلى طاعة وخير وموضع رجاء. وكما تقول وأمره في نمو أو إقبال إلى الله وإلى طاعته، ويجيء الأمر هاهنا ليس في الربا خاصة بل وجملة أموره.
إحدى عشر: متعلق العودة في قوله :(ومن عاد):
قيل: أن المراد العودة إلى استحلال الربا, فمن عاد إلى ذلك فهو كافر, لأن من أحلّ ما حرّم اللّه فهو كافر، وهؤلاء قالوا: {إنّما البيع مثل الرّبا} ومن اعتقد هذا فهو كافر. قال بذلك الزجاج. ولعل سبب قوله ذلك هو ختام الآية بما يوحي بأنه عذاب للكافر لا غيره, مما حداه للقول بهذا التأويل.
وقيل: أن المراد العودة للتعاطي بالربا, قال بذلك ابن كثير.
وقيل بالجمع بينهما, كما قال بذلك ابن عطية, وسيتضح المراد بالتخليد في النار -في حال كان المقصود مسلما- في الآية في المسألة التالية.
اثنا عشر: التحذير بعد العفو:
فبعد أن بين الله لعباده سعة عفوه, وعلمه بما لا يطيقه عباده, وكي لا يظن أن هذا من باب التساهل مع الربا, فإنه سبحانه عاد فحذر من العودة للربا, وذلك ليوضح للناس أن العفو يشمل من أسلم وكان في عنقه أموال ربوية, أما من عاد وهو يظن أن الله سيعفو عنه, فإن الله يحذره بقوله :(ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون), وهذه الآية في تخويفها يتبين لك عظم هذا الأمر, ومدى حرمته عند الله وهذا يتضح بأمرين:
الأول: أن الله مباشرة نسب المرابي للنار, ووصفه من أصحابها, بغض النظر عن إسلامه من عدمه, وهذا أسلوب يبعث على الخوف ومدى حرمة هذا الأمر.
الثاني: أن هذه من الآيات القليلة التي تصف فيها أصحاب فعل بأنهم مخلدون في النار, وذلك أن الخلود في النار ينطبق على الكافر, فانظر كيف أن المتعامل بالربا رمي بذلك كالكافر, وإن كانت مسألة الخلود بلا شك لا يراد بها الخلود المؤبد, كما ذكر ذلك ابن عطية, بل ينظر للمرابي، فإن كان مسلما عاص فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة، كما تقول العرب: ملك خالد، عبارة عن دوام ما لا على التأبيد الحقيقي, وإن كان كافرا فإن المراد خلوده في النار للأبد, لما يؤيد ذلك من آيات وأحاديث في مسألة تطول, وهذا ليس مجال ذكرها.
ثلاثة عشر: (يمحق الله الربا) المراد بالمحق ومعناه:
المعنى اللغوي لكلمة يمحق: أي: ينقص ويذهب، ومنه محاق القمر وهو انتقاصه. ذكره ابن عطية وابن كثير.
ومحق الله للربا وإنقاصه له يكون على صورتين ذكرهما ابن كثير:
- إمّا بأن يذهبه بالكلّيّة من يد صاحبه.
- أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعذّبه به في الدّنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة.
وكلاهما صور بغيضة تنافي مقصد المرابي من الربا, وهي الزيادة وحب الطمع.
وهذا نظير الخبر الّذي روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّه قال: «الرّبا وإن كثر فإلى قلّ». رواه ابن جرير وذكره ابن كثير.
أربعة عشر: مقابل محق الربا (يربي الصدقات): معنى الآية:
معنى يربي: أي: ينمي ويضاعف. كما ذكره ابن عطية وابن كثير.
ومعنى الآية تترجمه أحاديث كثر, منها: ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن صدقة أحدكم لتقع في يد الله فيربيها له كما يربي أحدكم فصيله، أو فلوه، حتى يجيء يوم القيامة وأن اللقمة لعلى قدر أحد» رواه البخاري وذكره ابن كثير.
فهذا الحديث وهذه الآية تلبي مقصد المرابي, إذ ما يبحث عنه هو الزيادة والنمو, فكأن الله بعد أن حذره من الربا وعاقبته, هداه لطريق النمو والزيادة الحقيقي, الذي به ينتفع وينفع غيره, وهذا أسلوب قرآني معهود, فالقرآن دائما إذا ما أغلق بابا فتح غيره, وذلك لعلم الله بأحوال الناس وحاجتهم للبدائل, فما حرم الله طريقا, إلا وأرشدنا إلى بديله, حرم الزنا, وأباح الزواج, حرم الربا, وأحل البيع, وهكذا دواليك.
خمسة عشر: المزجور في قوله: (والله لا يحب كل كفار أثيم):
الزجر في هذه الآيات للكفار المستحلين للربا القائلين على جهة التكذيب للشرع إنّما البيع مثل الرّبا, كما ذكر ذلك ابن عطية.
ستة عشر: سبب وصف الكفار بأثيمٍ:
- أنه إما مبالغة من حيث اختلف اللفظان.
- وإما ليذهب الاشتراك الذي في كفار، إذ قد يقع على الزارع الذي يستر الحب في الأرض. كما ذكر ذلك ابن عطية.
سبعة عشر: معنى :(والله لا يحب كل كفار أثيم):
- قال ابن فورك: أي: لا يحب الكفار الأثيم. ووافقه ابن كثير مبينا المعنى بأنه: كفور القلب, أثيم القول والفعل.
- وقال ابن عطية: أي: لا يحبه محسنا صالحا بل يريده مسيئا فاجرا. وكره ذلك التأويل, لإفراطه في تعدية الفعل, وحمله على المعنى ما لا يحتمله اللفظ.
- وقال ابن عطية كذلك: ويحتمل أن يريد والله لا يحب توفيق الكفار الأثيم. وكره ذلك التأويل, لعدم صحة معناه, فالله يحب التوفيق ويحببه.
ثمانية عشر: مناسبة ختم آية الربا بقوله :(والله لا يحب كل كفار أثيم):
ذلك أنّ المرابي لا يرضى بما قسم اللّه له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من التّكسّب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحودٌ لما عليه من النّعمة، ظلومٌ آثمٌ بأكل أموال النّاس بالباطل. قال بذلك ابن كثير.
تسعة عشر: سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ...):
سببه ما رواه النقاش: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يكتب في أسفل الكتاب لثقيف لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فلما جاءت آجال رباهم بعثوا إلى مكة للاقتضاء، وكانت الديون لبني المغيرة وهم بنو عمرو بن عمير من ثقيف، وكانت لهم على بني المغيرة المخزوميين فقال بنو المغيرة لا تعطي شيئا فإن الربا قد وضع، ورفعوا أمرهم إلى عتاب بن أسيد بمكة، فكتب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية، وكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب فعلمت بها ثقيف فكفت»، هذا سبب الآية على اختصار مجموع مما روى ابن إسحاق وابن جريج والسدي وغيرهم, وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
عشرون: معنى قوله :(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين):
أي: اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بترككم ما بقي لكم من ربا وصفحكم عنه. كما ذكر ذلك ابن عطية وابن كثير.
إحدى وعشرون: مسألة: هل ترك الربا شرط للإيمان؟
-يقول ابن عطية: أن قوله: {إن كنتم مؤمنين} شرط محض في ثقيف على بابه، لأنه كان في أول دخولهم في الإسلام وإذا قدرنا الآية فيمن تقرر إيمانه فهو شرط مجازي على جهة المبالغة، كما تقول لمن تريد إقامة نفسه: إن كنت رجلا فافعل كذا. وقد أشار الزجاج إلى أنه شرط للإيمان لكن في سياق الآية والمخاطب بها في المقام الأول وهم ثقيف.
اثنان وعشرون: إعلان الحرب على المرابي:
وعلى كلا القراءتين الواردتين في قوله :(فأذنوا) أي: فأيقنوا. أو (فآذنوا) أي: أعلموا كل من يترك الربا أنه حرب. كما ذكر ذلك الزجاج وابن عطية وابن كثير, فإنه يتضح في كلا الحالتين إعلان الحرب على المرابي, والتشنيع من فعله, وقد روى ابن عباس أنه يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب، وقال ابن عباس أيضا: «من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستنيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه»، وقال قتادة: «أوعد الله أهل الربا بالقتل فجعلهم بهرجا أينما ثقفوا», كما ذكر ذلك ابن عطية وابن كثير, فكل هذه الآثار تؤكد إعلان الحرب على المرابي ومعاملته بأشد المعاملة.
ثلاثة وعشرون: مسألة: إرجاع الحقوق لأصحابها, وبقاء الأصل على حاله:
وهذه القاعدة مستلهمة من قوله :(فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) فمن كمال عدل الله وشريعته, أنه أعطى أصحاب الأموال حقهم باسترجاع أصول أموالهم, وذلك لكي (لا يظلمون), وهذه القاعدة قد ينطلق منها في عدة أبواب فقهية أخر, ففساد الفرع, لا يعني فساد الأصل.
أربعة وعشرون: في متعلق (لا تظلمون) الأولى والثانية:
أما الأولى: فالمقصود بها عدم ظلمهم بأخذ الربا. ذكره ابن عطية وابن كثير.
والثانية: إما أن يكون المراد عدم ظلمهم بمنعهم من استرداد رؤوس أموالهم, وهذا ما قال به ابن كثير وذكره ابن عطية, أو أن المراد بعدم مماطلتهم, لأن مطل الغني ظلم, كما ذكر ذلك رسول الله. وقد ذكره ابن عطية.
وفي هذا تتجلى قمة العدل والإنصاف.
أخيرا: فإن المتأمل في آيات الربا لا يخفى عليه عظيم أمره, وسوء عاقبته, وإنك لتعجب ممن يسوغه لنفسه عبر تأويلات وحيل فاسدة, بينما تجد في الآثار ما يدل على تحريم ما يشابه الربا أو يفضي إليه, واعلم أن الربا منتشر ويكاد يدخل كل بيت, فاحرص على أن لا يدخل بطنك وبطن أهلك وأحبابك منه شيء, فإن المرء إن حرم البركة ومحقت منه, لن يزال إلا متخبطا في بحر من الخسائر في الدنيا والآخرة, وقانا الله شر الوقوع في الكبائر, ومنعنا عما يوصل إليها من الصغائر, ورزقنا التوفيق لما يحبه ويرضاه, إنه ولي ذلك والقادر عليه, والحمدلله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 رجب 1439هـ/7-04-2018م, 06:14 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

2: آيات الدين بالأسلوب الاستنتاجي.
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
وبعد ،
فإنّ الإسلام شريعة الله الكاملة ، جاءت بحفظ دين الناس ونفوسهم وعقولهم و أموالهم وأعراضهم ، وإنّ آية الدّين جاءت بعد آيات الربا زيادة في تقرير المعاملات ، وحفظ مصالح الناس ، وهي أطول آية في كتاب الله تعالى ، فيها حفظ الأموال وإزالة الريب ، ودرء المشاحنات ، و التشديد في صيانة الحقوق ديانة وأمانة .
و هذه فوائد منتقاة من عدد من التفاسير أغلبها من تفسير ابن عطية رحمه الله ، مع استنباط لبعض النكت ، نفع الله بها ، و عفا عن التقصير والزلل .

1- ما جاء في سبب نزول الآية وأنها نزلت في السلم ( السلف ) خاصة على قول ابن عباس ، وذكر ابن عطية أنها تعم جميع المداينات إجماعا .
2- الآية دليل على جواز السلف ، عن ابن عبّاسٍ، قال: (أشهد أنّ السّلف المضمون إلى أجلٍ مسمّى أنّ اللّه أحلّه وأذن فيه، ثمّ قرأ:{يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى} ). رواه البخاريّ.
وثبت في الصّحيحين من رواية عبد اللّه بن كثيرٍ، عن أبي المنهال، عن ابن عبّاسٍ، قال: (قدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة وهم يسلفون في الثّمار السّنتين والثّلاث، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (من أسلف فليسلف في كيلٍ معلومٍ، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم ).
3- الخطاب في الآية للمؤمنين ، وكلما تحقق اتباع الأمر فيها وترك النهي ازداد نصيب العبد من مسمى الإيمان .
4- معنى إذا تداينتم بدين : قال الزجاج : داينت الرجل إذا عاملته بدين، أخذت منه وأعطيته ، وقال ابن كثير : تبايعتم بدين ، فهو رحمه الله بين المراد الشرعي من اللفظة .
5- الغرض من قوله ( بدين ) تحديد معنى التداين ، والخروج من الاشتراك ، إذ قد يقال في كلام العرب: تداينوا بمعنى جازى بعضهم بعضا.
6- وصف الأجل بمسمّى ، يدل على اشتراط أن يكون الأجل مسمّى ، وهذا لا خلاف فيه في بيع السلم، وذكر ابن عطية أن المجهلة لا تجوز ، فكأن الآية رفضتها .
7- ذكر ابن عثيمين رحمه الله أنّ الدَّين ينقسم إلى ثلاثة أقسام: مؤجل بأجل مسمى و بأجل مجهول؛ وغير مؤجل ؛ والدَّين إلى غير أجل جائز مثل أن يشتري أحدهم سلعة، ولا يدفع ثمنها، ولا يسمي الأجل للبائع ؛ فهذا دَين غير مؤجل؛ وفي هذه الحال له أن يطالبه بمجرد انتهاء عقد البيع ؛ وأما الدَّين إلى أجل غير مسمى فلا يصح؛ مثل أن يقول المشتري : اشتريت منك هذه السلعة إلى قدوم زيد، وقدومه مجهول؛ لأن فيه غرراً؛ أما الدَّين إلى أجل مسمى فهو جائز بنص الآية.
8- ( فاكتبوه ) أمر ، واختلف فيه العلماء هل هو للوجوب أم الندب ؟ فقال بعضهم أنه واجب لهذه الآية وممن قال بذلك الطبري لأنه يرى بأن الأمر للوجوب حتى يقوم دليل على غير ذلك ، وقال بعضهم كان واجبا فنسخ بقوله ( فإن أمن بعضكم بعضا )، وعبر عنه بعضهم بقوله خفف وممن نقل عنه ذلك الربيع والشعبي وابن زيد وروي عن أبي سعيد الخدري ، والجمهور على أنه ندب ، فقال بعضهم (إن أشهدت فحزم، وإن ائتمنت ففي حل وسعة ) ،
و ردّ ابن عطية على القائلين بالوجوب ثم النسخ بما يدلّ على استبعاده فذكر بأن الله تعالى ندب إلى أمر للمرء أن يهبه ويتركه بإجماع ، فندبه إنما هو على جهة الحيطة للناس .
9- الأمر بالكتابة هنا لا يعارض ما ثبت في الصّحيحين، عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّا أمّة أمّيّةٌ لا نكتب ولا نحسب ) ، فهذا الحديث سيق لبيان أنّ الاعتماد في مسألة دخول الشهر الهلالي ، على الرؤية لا على الحساب ولم يأت لحثّ الأمة الإسلامية على ترك الكتابة والحساب ، بل كان في الصحابة من يكتب ويحسب ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء الأسرى تعليمهم الكتابة ، والّذي أمر اللّه بكتابته هنا إنّما هو أشياء جزئيّةٌ تقع بين النّاس ، فلا تعارض بين الآية والخبر .
10- في قوله تعالى ( فليكتب بينكم ) ، الكتب في الجملة للندب ، كقوله تعالى ( وافعلوا الخير ) ، وهو من باب العون ، ويصير
الأمر للوجوب في حال لم يوجد كاتب سواه ، وهو قول الشعبي وعطاء والسدي ، أما إن وجد غيره فلا يجب على معين ، ذكره ابن عطية .
11- قوله ( كاتب ) نكرة ، فيصح من أي كاتب يحسن الكتابة بالشرط الذي بعده وهو ( العدل ) .

12- معنى قوله تعالى ( بالعدل ) أي بالقسط ولا يجر في كتابته على أحدٍ، ولا يكتب إلّا ما اتّفقوا عليه من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ ، ذكره ابن كثير .
13- متعلق الباء قد يكون قوله تعالى ( فليكتب ) ، ورجحه ابن عطية .
وقد يكون قوله ( كاتب ) ، وذكر هذا المعنى مالك رحمه الله فقال (لا يكتب الوثائق من الناس إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون، لقوله تعالى ( وليكتب بينكم كاتبٌ بالعدل )) ، واستبعده ابن عطية بحجة أن كون الكاتب عدل أمر لازم .
14- من علمه الله تعالى الكتابة ، ولا ضرر عليه في أن يكتب فعليه أن لا يمتنع عن الكتابة إذا ما دعي إليها ، وفي هذا الأمر معونة للمسلمين ، وقد جاء في الحديث : إنّ من الصّدقة أن تعين صانعًا أو تصنع لأخرق ، وحكى المهدوي عن الربيع والضحاك أن النهي عن إباية الكتابة منسوخ بقوله تعالى ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) ، ذكره ابن عطية .
15- بيان فضل الكتابة ، لامتنان الله تعالى على من علمه إياها ، بها .
16- في قولنا أبى يأبى ، فتحت عين مضارعه وهو شاذ ، ووجّهه الزجاج بأنّ الألف فيه أشبهت الهمزة فلذلك جاء مضارعه يفعل بفتح العين .
17- الكاف في قوله ( كما علمه الله ) يحتمل تعلقها بقوله (أن يكتب ) ويكون المعنى : كتباً كما علّمه الله ، ويحتمل أن يكون تعلّقها بقوله ( ولا يأب ) ، فيكون معناها كما أنعم الله عليه بالكتابة فليكتب ، وكما تفضل الله عليه بعلم ذلك فليتفضل هو على خلق الله بالكتابة لهم ، وذكر ابن عطية احتمالا ثالثا لتعلق الكاف ، مبني على تمام الكلام على قوله ( أن يكتب ) ثم ابتدائه بقوله ( كما علمه الله ) فتكون الكاف متعلقة بقوله فليكتب .
18- أَمَرَ الله تعالى الذي عليه الحق - ممن يملك أمر نفسه -بالإملاء، لأن الشهادة إنما تكون بحسب إقراره، ويدخل في ذلك لو كُتبت الوثيقة ثم أقرّ بها فكأنما أملاها ، ذكره ابن عطية .
19- أمرُ الذي عليه الحق بالتقوى فيما يُملي ، وعدم بخس شيءٍ ولو كان يسيراً من حق صاحبه .
20- معنى البخس : النقص بنوع من المخادعة والمدافعة .
21- ذكر الأحوال التي لا يملك فيها الذي عليه الحق نفسه ، أو يتعذر عليه الإملاء لسبب ، وبيان من الذي يُملي في هذه الحال فالجمهور أنه وليُّ الذي عليه الحق ، وذُكر ابن جرير أنه الذي له الدَّين بناءً على أن الضمير في وليّه عائد على الحقّ ، وأسند في ذلك عن الربيع وعن ابن عباس .
و ضعّف ابن عطية هذا القول وردّ عليه بعدم صحة ما نُقل عن ابن عباس ، وأنّ هذا الأمر ليس في الشريعة ، إذ كيف تجعل مالاً في ذمة السفيه بإملاء الذي له الحق وهو المدعي .
22- السفيه : هو المهلهل الرأي في المال الذي لا يحسن الأخذ لنفسه ولا الإعطاء منها ، مأخوذ من السفه وهو الخفة ، تشبيها له بالثوب السفيه وهو الخفيف النسج ، وهذه الصفة في الشريعة لا تخلو من حجر أب أو وصي، وذلك هو وليه ، وقال بعضهم أن السفيه هو الصغير وخطّأ ابن عطية هذا القول .
23- الضعيف هو المدخول في عقله الناقص الفطرة، وهذا أيضا قد يكون وليه أبا أو وصيا ، وذكر بعضهم أنه الكبيرالأحمق وحسّنه ابن عطية .
24- الذي لا يستطيع أن يمل كالصغير، ووليّه وصيه أو أبوه ، أوالغائب عن موضع الإشهاد إما لمرض أو لغير ذلك من العذر، ووليّه وكيله ، أو الأخرس .
25- الأمرُ بالإشهاد مع الكتابة لزيادة التّوثقة .
26- الاستشهاد: طلب الشهادة والإتيان بصيغة المبالغة في شهيدين دلالة على من قد شهد وتكرر ذلك منه ، فكأنها إشارة إلى العدالة ، ذكره ابن عطية .
27- قوله ( من رجالكم ) يخرج بذلك الكفار والنساء والصبيان ، واختلفوا في العبيد إذ اللفظ يشملهم ، ولا يوجد مايدلّ على خروجهم فقال شريح وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل بجواز شهادتهم إذا كانوا عدولا لعموم اللفظ ، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : لا تجوز شهادة العبد، وغلّبوا نقص الرق .
28- العدد المطلوب في الشهادة إمّا رجلين ، أو رجل وامرأتان ، واختُلف هل هو على التخيير ، أم أنه لا يُنتقل للمرأتين إلا بعد تعذر شهادة رجلين على قولين : أحدهما : أنه لا يجوز استشهاد المرأتين إلا مع عدم الرجال وضعّفه ابن عطية ، وحملوا معنى فإن لم يكونا رجلين أي فإن لم يوجد رجلان ، والجمهور على خلافه ، إذ لفظ الآية لا يدلّ عليه .
29- ( ممّن ترضون من الشهداء ) ، صفة للشهداء من الرجل والمرأتين لفظا ، ويدخل الشهيدين الرجلين معنى ،ذكره ابن عطية ، وفيه اشتراط العدالة في الشّهود، وهذا مقيّد، حكم به الشّافعيّ على كلّ مطلقٍ في القرآن، من الأمر بالإشهاد من غير اشتراطٍ ، ذكره ابن كثير .
30- الخطاب في قوله ( ممن ترضون من الشهداء ) لعموم الناس ، وإن كان الحكام هم المتلبسون بهذه القضية .
31- في الآية دليل على أن في الشهود من لا يُرضى ، ويدل على أن الناس ليسوا بمحمولين على العدالة حتى تثبت لهم ، لقوله تعالى: ( ممن ترضون من الشهداء ) .
32- العامل في قوله تعالى (أن تضلّ إحداهما )هو المقدّر في (رجلٌ وامرأتان )وهو إمّا : ( أن يستشهد رجل وامرأتان )،أو(فليكن) ، أو ( فرجلٌ وامرأتان يشهدان ).
33- القراءات في الآية : قرأ حمزة وحده: «إن تَضِل» بكسر الألف وفتح التاء وكسر الضاد «فتُذَكّرُ» بفتح الذال ورفع الراء وهي قراءة الأعمش. وقرأها الباقون «أَن تَضِلَّ» بفتح الألف «فتُذكّرَ» بنصب الراء. غير أن ابن كثير وأبا عمرو خففا الذال والكاف، وشددها الباقون .
34- معنى تضلّ أي تنسى ، قاله أبو عبيد وذكره ابن عطية .
35- الشهادة لم تقع لأن تضل إحداهما. وإنما وقع إشهاد امرأتين لأن تذكر إحداهما إن ضلت الأخرى. قال سيبويه: «وهذا كما تقول: أعددت هذه الخشبة أن يميل هذا الحائط فأدعمه» ، فقدّم ذكر سبب الأمر المقصود أن يخبر به، وفي ذلك سبق النفوس إلى الإعلام بمرادها ، وهذا من الاختصار والبلاغة ، ذكره ابن عطية .
36- ( فتذكّر إحداهما الأخرى ) أي: يحصل لها ذكرى بما وقع به الإشهاد ، ذكره ابن كثير .
37- الرد على من يزعم بأن الإسلام يستنقص حق المرأة لأنه جعل شهادتها بشهادة رجلين ، فالله سبحانه بيّن السبب جبراً لخاطر النساء وسدا لأكاذيب المرجفين ، وهو سبحانه أعلم بمن خلق ، أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( مارأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكنّ ) فبيّن أن المقصود بنقصان العقل أن شهادة المرأة بشهادة رجلين ، فإن قال قائل ولم ؟ فالجواب أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) .
38- في الآية جواز شهادة امرأتين ورجل في أمر الدَّين ، واختلف في جوازها في غير الدّين ، على أقوال فنقل عن مالك رحمه الله القول بأنها لا تجوز إلا حيث ذكرها الله في الدّين، أو فيما لا يطّلع عليه أحد إلا هنّ للضرورة إلى ذلك ، و روى عنه ابن القاسم أنها تجوز في الأموال والوكالات على الأموال وكل ما جر إلى مال ، أما شهادتهن في غير المال فاختُلف فيها أيضا .
39- قال قتادة والربيع وغيرهما في معنى قوله تعالى : ( ولا يأب الشهداء إذا مادعوا وسبب نزولها : «معنى الآية إذا دعوا أن يشهدوا فيتقيد حق بشهادتهم، وفي هذا المعنى نزلت، لأنه كان يطوف الرجل في القوم الكثير يطلب من يشهد له فيتحرجون هم عن الشهادة فلا يقوم معه أحد، فنزلت الآية في ذلك» .
40- النهي عن إباء الشهادة يتضمن أمرين : الأول : إباء الدعوة إلى تحصيل الشهادة . والثاني : إباء الدعوة إلى أدائها ، وهو قول الحسن بن أبي الحسن ، و قاله ابن عباس .
وقال بعضهم المقصود الدعوة إلى أداء شهادة تحصّلت عنده خاصة ، وهو قول مجاهد ، واختاره ابن كثير لأنّ الشّاهد حقيقةً فيمن تحمّل .
فإذا دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعيّنت وإلّا فهو فرض كفايةٍ أما لو دعي إلى تحصيلها ابتداءً فهو مخير .
و ذكر ابن عطية أن الأمر في الآية للندب ، إلاّ أن تكون ضرورة ويُخشى من تعطل حق فيتأكد ندبه ويقرب من الوجوب ، فإن كان محصلا لشهادة وعلم أن الحق يذهب ويتلف بتأخره عن أدائها وجب عليه الأداء ، ذكره ابن عطية .
41- لا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم : (ألا أخبركم بخير الشّهداء؟ الّذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها).
و الحديث الآخر في الصّحيحين:«ألا أخبركم بشرّ الشّهداء؟ الّذين يشهدون قبل أن يستشهدوا»، وكذا قوله:«ثمّ يأتي قومٌ تسبق أيمانهم شهادتهم وتسبق شهادتهم أيمانهم». وفي روايةٍ: «ثمّ يأتي قومٌ يشهدون ولا يستشهدون». فالأول محمول على من عنده شهادة لإنسان بحق ، ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد ، لأنها أمانة له عنده ، أما الذم فقيل أنه فيمن معه شهادة لآدمي عالم بها فيأتي فيشهد بها قبل أن تطلب منه ، وقيل هو أنه شاهد الزور يشهد بما لا أصل له ولم يستشهد ، وقيل أنه محمول على من ينتصب شاهدا وليس هو من أهل الشهادة ، ذكره النووي في شرحه على مسلم .

42- النهي عن السآمة والملل من كتابة الدين ولو كان صغيرا ، وفي البدء به اهتمام به لإعراض الناس عن كتابته غالبا ، وفيه تعظيم حقوق الناس ، وتعظيم الأمانات وحرص الشارع إلى حفظها وردّها إلى أصحابها .
43- في قوله تعالى ( ولا تسأموا أن تكتبوه ) إشارة إلى كثرة وقوع الاستدانة في زمن الصحابة لحاجتهم ، فلم ينههم عنها وإنما وثّق الحقوق وحفظها ، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ، أما ما جاء من امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على المديون فهو للزجر عن المماطلة بالأداء والتقصير فيه ، وتحذيراً من التقحم في الديون ، وتعظيما لحقوق العباد وحفظا لها وهذا من مقاصد الشريعة ، وكان آخر الأمر قضائه عليه الصلاة والسلام لدين من يتوفى من أمته بعد إيساره عليه الصلاة والسلام وفتح الفتوح فقال : (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المسلمين فترك ديناً علي قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته ) .
44- في الآية ردّ على الاشتراكية ، الذين يزعمون أن المال مشاع ، ورد على أهل الأهواء الذين يزعمون أن الإسلام اشتراكي من القرآنيين وغيرهم ، فهذه الآية ردّ عليهم من نفس المصدرالذي يدّعون تعظيمه والإيمان به .
45- ذكر الأسباب التي تحث على الكتابة ، فهو أقسط عند الله : أي أعدل ، وأقوم للشهادة : أي أشدّ إقامة ، ووجهها بأنها أثبت للشّاهد إذا وضع خطّه ثمّ رآه تذكّر به الشّهادة، لاحتمال أنّه لو لم يكتبه أن ينساه، كما هو الواقع غالبًا ، ذكره ابن كثير ، وأدنى ألا ترتابوا : أي أقرب أن لا تَشُكّوا ، بل ترجعون عند التّنازع إلى الكتاب الّذي كتبتموه، فيفصل بينكم بلا ريبةٍ .
46- استثناء التجارة الحاضرة وهي ما كانت يدا بيد مما كان في قليل كالمطعوم من الكتابة ، لا في كثير كالأملاك ونحوها ، وذلك لشدة المشقة في كتابة كل ذلك ، ولحصول التقابض والبينونة بالمقبوض ، وهذا هو معنى ( إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم ) .
47- إلحاق الأملاك والأراضي والكثير من البيع بمبايعة الدين في كتابتها ، لعدم البينونة بها ، ولا يعاب كتابتها ولا يشق .
48- الندب إلى الإشهاد في البيع صغيره وكبيره ، وهو قول الحسن والشعبي ، وذهب ابن عمرو والضحاك وعطاء إلى وجوبه ، استنادا إلى ظاهر الآية وإلى فعل ابن عمر رضي الله عنه ، واختاره ابن جرير ، واختار ابن عطية القول بالندب لشدة المشقة فيه ، وذكر بعضهم أنه نسخ بقوله تعالى : ( فإن أمن بعضكم بعضا ) وذكره مكي عن أبي سعيد الخدري .
49- النهي عن أن يضارّ الكاتب والشهيد : وهذا اللفظ يشمل أمرين : الأول : أن يكون الضرر منهما ، وله صور ،
أمّا الكاتب فبأن يكتب مالم يملل عليه ، أو أن يمتنع من الكتابة ، وأما الشهيد فبأن يزيد في الشهادة أو ينقص منها ، أو بالامتناع عن أدائها .
وهو خلاصة قول الحسن وقتادة وطاوس وابن زيد وابن عباس و مجاهد وعطاء ، ولفظ الضرر عام يشمل كل ضرر .
والأصل في يضارّ على هذا المعنى ( يضارِر ) بكسر الراء ثم وقع الإدغام وفتحت الراء في الجزم لخفة الفتحة .
الثاني : أن يكون الضرر عليهما :
بأن يؤذيه طالب الكتبة أو الشهادة فيقول اكتب لي أو اشهد لي في وقت عذر أو شغل للكاتب أو الشاهد فإذا اعتذرا بعذرهما حرج وآذاهما، وقال خالفت أمر الله ونحو هذا ، وهو قول ابن عباس أيضا ومجاهد والضحاك والسدي وطاوس ، ووجوه المضارة لا تنحصر وإنما هذا من قبيل التمثيل .
والأصل في يضارّ على هذا المعنى ( يضارَر ) بفتح الراء ذكر كل هذا ابن عطية .
50- ( فإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ) : قيل أن الضمير عائد على المضارّة ، وهو قول ابن عطية ، وقيل : إن خالفتم ما أمرتم به، وفعلتم ما نهيتم عنه، فإنّه فسق كائنٌ بكم ، وعلى هذا فهو عام وهو قول ابن كثير .
51- التحذير والتنفير من المضارة ووصف صاحبها بالفسوق ، فإن كانت المضارة من الكاتب والشهيد بالزيادة والنقص فالفسوق على عرفه في الشرع وهو مواقعة الكبائر، لأن هذا من الكذب المتعدي أذاه للأموال وللناس ، وفيه إبطال للحق ، وإن كانت المضارة عليهما ، أو بامتناعهما إذا دعيا فالفسوق على أصله في اللغة و هو الخروج من شيء كما يقال فسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها ، فكأن فاعل هذا فسق عن الصواب والحق في هذه النازلة ، ومن حيث خالف أمر الله في هذه الآية فيقرب الأمر من الفسوق العرفي في الشرع ،
52- تقدير قوله ( بكم ) : أي فسقٌ كائنٌ بكم ، ومعناه : لازمٌ لكم لا تحيدون عنه ولا تنفكّون عنه ، ذكره ابن كثير .
53- ختم الآية بالأمر بتقواه سبحانه ، و تكون بالخوف من الله ومراقبته ، واتّباع أمره و ترك نهيه .
54- في قوله تعالى ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) احتمال أن تكون في سياق الامتنان بتعليمه لعباده ، ويحتمل ان تكون وعداً لمن اتقاه بأن يعلمه الخير ويلهمه الصواب ، ونظائرها كقوله تعالى : {يا أيّها الّذين آمنوا إن تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا}[الأنفال: 29]، وكقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به}[الحديد: 28].
55- شمول علم الله وإحاطته بكل شيء ، فهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها، فلا يخفى عليه شيءٌ من الأشياء .
56- مناسبة امتنانه سبحانه على عبده بتعليمه ، وأمره ببذل منفعة هذا العلم لعباده ، وختمه بالثواب لمن اتقاه بأن يعلمه ، ثم بيان أنه بكل شيء عليم ، فإن أردت العلم الحق فلن يمنحك إياه سوى الله ، وما عليك سوى تقواه .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 رجب 1439هـ/7-04-2018م, 10:51 PM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آيات الدين بالأسلوب الاستنتاجي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له توالياً وتترا، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد،
وبعد:
فهذه رسالة تفسيرية في آيات الدين من سورة البقرة وسيكون الأسلوب التفسيري فيها هو الأسلوب الاستنتاجي، الذي يعنى باستنباط الفوائد والمسائل والأحكام من الآيات القرآنية،
وهذا الأسلوب يفيد المتلقي بمعرفة تلك الأحكام والمسائل والفوائد ويسلط النظر عليها مما يجليها ويوضحها، ومن وجه آخر فإنه يبين سعة المعاني التي تكمن في ألفاظ القرآن الكريم مما يبين إعجازه ويبرهن على أنه كلام لا يشبه كلام المخلوقين وأنه كلام الله سبحانه وتعالى.

وردت في سورة البقرة آيتين متتاليتين وهما قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}

 قوله تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين)
نداء للمؤمنين وأولهم رسولهم صلى الله عليه وسلم، وهذا النداء إذا ورد لزم العبد أن يرعيه سمعه وعقله وفؤاده فهو كما قال ابن مسعود رضي الله عنه إما خيرٌ يؤمر به أو شرٌ ينهى عنه.
قوله "تداينتم": يقال داينت الرجل إذا عاملته بدين فأعطيته شيء وأخذته منه، أو العكس،
وقوله (بدين) يُستنتج منه أن المراد بالتداين شيء محدد وهو الدين المادي لا غيره إذ أن الدين في كلام العرب له عدة معان منها تداينوا بمعنى جازى بعضهم بعضا، والمعنى أنه إذا كان لبعضكم على بعض دين.
 وقوله تعالى: (إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه)
قوله "أجل مسمي" قيل أنها نزلت في السلم، ويستفاد منه:
-أنه يخرج ما كان مجهول الأجل لأنه لا يجوز،
-أن الدين المؤجل بأجل لابد أن يحدد هذا الأجل،
-أنه يجب أن يحدد قيمة الدين،
وقد جاء في الصحيحين عن ابن عبّاسٍ، قال: »قدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة وهم يسلفون في الثّمار السّنتين والثّلاث، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أسلف فليسلف في كيلٍ معلومٍ، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم».
وقوله تعالى "فاكتبوه" هو أمر من الله سبحانه وتعالى يفيدنا أمورا منها:
-التنبيه على أهمية الكتابة فقد أمر بها،
-أن الأمر يفيد الوجوب ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب كتابة الدين كالطبري، وذهب الربيع إلى أنه نسخ إلى الندب بقوله تعالى "فإن أمن بعضكم بعضا"
قال ابن عطية في تفسيره " وقال الشعبي: «كانوا يرون أن قوله: {فإن أمن }ناسخ لأمره بالكتب»، وحكى نحوه ابن جريج، وقاله ابن زيد، وروي عن أبي سعيد الخدري". ونسب القول بالاستحباب وعدم الوجوب لجمهور العلماء واختاره.
-أنه لا يقال بالنسخ إن كان المراد بالأمر هنا الندب لا الوجوب فإنه إنما ندب إليه على جهة الحيطة للناس ثم إن وقع الائتمان "فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ "
-حرص الشارع على الجماعة، وعدم التنازع.
-إن الغريم إن كان تقياً فإنه لن يتردد في الكتابة، وأما إن كان غير ذلك فإن الكتابة تحفظ لصاحب الحق حقه.
 وقوله تعالى (وليكتب بينكم كاتب بالعدل)
قد اختلف فيها:
فقيل: إن الكتابة واجبة على الكاتب إن طلب منه، قاله عطاء وغيره.
وقيل إن لم يوجد سواه، قاله الشعبي وعطاء أيضا.
وقيل يجب عليه مع الفراغ؛ قاله السدي. وقد ذكر هذه الأقوال ابن عطية في تفسيره.
وقوله تعالى "بالعدل" يفيد أمور:
منها: أن الباء متعلقة بالكتابة، وعليه فيجب أن تكون الكتابة بالعدل، وهذا اختيار ابن عطية.
ومنها: أنه قيل بتعلقها بالكاتب، وعليه فإنه لا يكتب إلا العدل من الناس الثقة.
ومنها: أن أعلى المراتب في الكتابة أن تكون من ثقة أمين ويكون عارفا بها وبما يجب فيها وهو قول الإمام مالك فقد نقل عنه ابن عطية قوله" لا يكتب الوثائق من الناس إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون، لقوله تعالى وليكتب بينكم كاتبٌ بالعدل ثم نهى الله تعالى الكتاب عن الإباية..." انتهى كلامه رحمه الله.
ومنها: شدة عناية الشرع بالحقوق في الأموال وغيرها.
ومنها: أهمية العدل في الأشياء والأشخاص.
 قوله تعالى (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله)
بعد أن حث سبحانه وتعالى على الكتابة وبين لنا من يكتب وأمره بالكتابة، أكد هذا الأمر بمقابله وهو النهي عن رفض الكتابة وفي هذه الكلمة بعض الأحكام والفوائد:
منها: النهي عن الامتناع عن الكتابة متى طلبت.
ومنها: أن الكاتب يجب عليه أن يكون عادلا في كتابته فلا يكتب إلا كما علمه الله.
ومنها: أن النعم والخير الذي يكون عند العبد هو من فضل الله عليه ومنه الكتابة هنا على القول بتعلق الكاف بها أي فليكتب كتباً كما علمه الله، وهو قول بعض أهل العلم.
ومنها: أن نعم الله يجب أن تقابل بالشكر ومن شكرها خدمة المسلمين بها قدر المستطاع.
 وقوله تعالى: (فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ وليتّق اللّه ربّه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يملّ هو فليملل وليّه بالعدل)
وهنا تفصيل لكيفية الكتابة ومن يمل ومن يكتب وقد تضمن هذا الجزء أحكام ومسائل منها:
-أن الذي عليه الحق هو الذي يقوم بالإملاء.
-ومنها: أنه جعل له الإملاء لأن الشهادة إنما تكون حسب إقراره هو بما عليه.
-ومنها: أنه إن كتبت الوثيقة وأقر بها فهو كإملائه.
-ومنها: وجوب العدل فقد أمر بأن يتقي الله فيما يمليه.
-ومنها: النهي عن بخس الحق الذي عليه فينقص هذا الحق بنوع من المخادعة ونحوها.
-ومنها: أن الذين أمروا بالإملاء هم المالكون لأنفسهم إذا حضروا.
-ومنها: أنه إن كان الذي عليه الحق -وهو من سيملي- سفيهاً فإن وليه يملل عوضاً عنه، والسفيه: هو الذي لا يحسن التصرف في المال أخذاً أو إعطاء، وسمي سفيهاً لأنه مشبه بالثوب السفيه وهو الخفيف النسج، والسفه الخفة،
-ومنها: أن المحجور عليه في التصرف يدخل في السفيه سواء حجر أب أو وصي وهو وليه.
-ومنها: أن الضعيف أيضاً وهو المدخول في عقله الناقص الفطرة مثل الكبير الأحمق؛ يملل عنه وليه.
-ومنها: أن من لا يستطيع أن يمل فإنه يملل عنه وليه.
-ومنها: أن الصغير الذي لا يستطيع أن يمل فإن وليه الأب،
-ومنها: أن الغائب يملل عنه وكيله، وإن كان لا يستطيع أن يمل لغيابه فإنه يملل عنه وكيله.
-ومنها: أن الأخرس ممن لا يستطيع أن يمل.
 وقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى)
بين الله سبحانه وتعالى لنا هنا أمور تتعلق بأمر الشهادة على الحق الذي قد كتب منها:
-الإشارة لأهمية العدالة، وهذا يستفاد من صيغة المبالغة في الفعل "استشهدوا" فكأن هذا الشاهد تكررت منه الشهادة مما يدل على عدالته وثقة الناس به وبأمانته.
-ومنها: أن قوله تعالى "من رجالكم" نص في رفض شهادة الكفار والصبيان والنساء.
-ومنها: أن العبيد قد وقع الخلاف في شهادتهم فأجازها قوم منهم شريح وابن راهوية وأحمد، ومنعها مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء، أفاد هذا ابن عطية في تفسيره.
-ومنها: أن قوله تعالى "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان" فيه قبول شهادة امرأتين مع الرجل إن لم يوجد الرجلان.
-ومنها: أن الجمهور على أنه يصح إشهاد النساء مع وجود الرجال، وذهب البعض إلى أنه لا يجوز إلا في عدم الرجال والأظهر قول الجمهور.
-ومنها: أن قوله تعالى "ممن ترضون من الشهداء" هو صفة لقوله تعالى "رجل وامرأتان" وفيه تنبيه على العدالة في الشهود.
-ومنها: أن قوله تعالى "ممن ترضون" دليل على أن من الشهود من لا يرضاه الناس فإن العدالة لا يحمل عليها الشهود حتى تثبت لهم.
-ومنها: أن الحكمة من جعل مرأتين في محل الرجل الثاني هو كما ذكرت الآية أنه إن نسيت إحداهما شيء من الشهادة فتذكرها الأخرى.
-ومنها: أن قول من قال أن المرأتين لأن كل منهما بنصف رجل فتصيران كرجل قد أبعد وأن الصحيح هو علة التذكير الواردة في الآية.
 قوله عز وجل: (ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا ولا تسئموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند اللّه وأقوم للشّهادة وأدنى ألّا ترتابوا)
وهنا بعض الأحكام مع تنبيهات وتوجيهات مهمة منها:
-أنه قد ذهب جماعة إلى أنه لا ينبغي أن يأبى الشهداء من الشهادة إذا دعوا ليشهدوا على شيء ما أولاً.
-ومنها: أنه لا ينبغي لهم أن يمتنعوا عن الإدلاء بها إذا ما دعوا إليها، وفي هذا المعنى كان سبب نزولها فكان الشهداء يمتعون عن الشهادة إذا دعوا إليها فلا يجد الرجل من يشهد له وذكر ابن كثير أن هذا مذهب الجمهور.
-ومنها أنه قد يفرق بين طلب الشهادة على شيء أولا، وبين أن تطلب الشهادة ممن شهد سابقاً، فإن الأول مخير وأما الثاني فلا يرفضها وهذا ما ذهب إليه مجاهد وقاله لاحق بن حميد وعطاء وإبراهيم وابن جبير والسدي وغيرهم فيما ذكره ابن عطية ونسبه ابن كثير لابن عباس والحسن البصري.
-ومنها: أن الشهادة إن كان يتعلق بها الحق ويضيع إن لم تؤدى فإنه يجب على صاحبها القيام بها.
-ومنها: أن لا ينبغي للناس أن يملوا من الكتابة.
-ومنها: أن الصغير يكتب كما أن الكبير يكتب وقد قدم الصغير هنا للعناية به،
-أن الكتابة هي الأعدل عند الله، ولذا قال "ذلكم أقسط عند الله".
-أن الكتابة أشد إقامة للشهادة وأقرب إلى إزالة الشك والريب في الحقوق.
 وقوله عز وجل: (إلاّ أن تكون تجارةً حاضرةً تديرونها بينكم فليس عليكم جناحٌ ألاّ تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ وإن تفعلوا فإنّه فسوقٌ بكم واتّقوا اللّه ويعلّمكم اللّه واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (282))
هنا استثناء من الكتابة لرفع الجناح والحرج عن الناس وهذا غالباً يكون في الأشياء الصغيرة، وفي البيع الحاضر الذي يكون يدا بيد، فإنه لا محذور في ترك الكتابة عندها.
وقوله تعالى "تديرونها بينكم" يقتضي التقابض والذهاب بالمقبوض ولوجود أشياء لا تنقل أو يصعب نقلها ويتأخر كالأرض والبيت وغيرهما فإن الأولى أن تكتب ويلحق هذا بالدين وفيها من الفوائد: معرفة سماحة الشريعة ويسرها إذ ترفع الحرج وتزيل الجناح متى وجد.
-قوله "وأشهدوا إذا تبايعتم" قد اختلف فيه الناس على قولين أحدهما: أنه على الوجوب وهو ما ذهب إليه ابن عمرو والضحاك وعطاء ورجحه الطبري، والآخر: أنه على الندب وهو قول الحسن والشعبي وغيرهما، ونسبه ابن كثير للجمهور واستدلوا بحديث شراء النبي صلى الله عليه وسلم فرسا من أعرابي ولم يشهد ولم يكتب ولم وقع الإنكار من الأعرابي شهد على صدق النبي صلى الله عليه وسلم خزيمة ابن ثابت والذي جعلت شهادته بشهادة رجلين.
-أن البعض حاول التوفيق بين القولين فجمع بينهما كما فعل ابن عطية حيث قال " والوجوب في ذلك قلق أما في الدقائق فصعب شاق وأما ما كثر فربما يقصد التاجر الاستيلاء بترك الإشهاد، وقد يكون عادة في بعض البلاد، وقد يستحيي من العالم والرجل الكبير الموقر فلا يشهد عليه، فيدخل ذلك كله في الائتمان، ويبقى الأمر بالإشهاد ندبا لما فيه من المصلحة في الأغلب ما لم يقع عذر يمنع منه كما ذكرنا». ا.هـ
-أنه قد حكي عن قوم أنهم قالوا: {وأشهدوا إذا تبايعتم} منسوخ بقوله: {فإن أمن}»، وذكره مكي عن أبي سعيد الخدري.
-أن من الضرر أن يكتب الكاتب ما لم يمل عليه وأن يشهد الشاهد بزيادة أو نقص عن الشهادة وهذا ما فسر به جماعة من السلف الإضرار هنا، ويلحق به امتناعهما عن الكتابة أو الشهادة بدون عذر.
-أن من الضرر أن يتم أذية الكتبة أو الشهود فيقول اكتب لي أو اشهد لي في وقت عذر أو شغل للكاتب أو الشاهد فإن لم يفعلا آذاهما، وقد صح هذا المعنى عن جماعة من السلف منهم ابن عباس فقد روى عنه ابن أبي حاتم أنه قال " في هذه الآية: {ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ} قال: «يأتي الرّجل فيدعوهما إلى الكتاب والشّهادة، فيقولان: إنّا على حاجةٍ فيقول: إنّكما قد أمرتما أن تجيبا. فليس له أن يضارّهما».
-أن تفسير الفسوق على معناه الشرعي عند من قال بأن الضرر هو أن يغير الكاتب او الشاهد الشهادة لأن هذا من الكذب الذي هو من الكبائر. وأنه بالمعنى اللغوي –وهو الخروج من شيء- عند من قال أن الضرر بمعنى أذية الكاتب أو الشهود.
-أن تقوى الله مما يعين على فعل أوامره واجتناب نواهيه ومنها جملة وردت هنا في هذه الآية.
-أن الله سبحانه هو المتفضل بالعلم، وأحق من يناله فضل الله هو من يحقق التقوى.
-أن الله سبحانه هو العليم وعلمه سبحانه مطلق فهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، ومن ذلك أنه سبحانه عالم بحقائق الأمور وبواطنها وعواقبها الحسنة والسيئة ولذا يأمرنا بما فيه صلاح دنيانا وديننا.

 قوله عز وجل: {وإن كنتم على سفرٍ ولم تجدوا كاتباً فرهانٌ مقبوضةٌ فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته وليتّق اللّه ربّه ولا تكتموا الشّهادة ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه واللّه بما تعملون عليمٌ (283)}
بعد أن ذكر لنا الله سبحانه وتعالى وندبنا إلى الكتابة والإشهاد لحفظ الأموال، بين لنا هنا موانع تمنع منهما وكيف يكون التصرف فيها وسنوضح هذا من خلال استخراج الفوائد والأحكام والمسائل التي اشتملت عليها هذه الآية الكريمة والتي منها:
-أن السفر من أحوال العذر التي قد تمنع وجود الكاتب.
-أن الأمر لا ينحصر في السفر بل قد يكون في الحضر ويكون العذر موجود كأن يكون بالليل.
-أن الخوف من خراب ذمة الغريم عذر يوجب طلب الرهن.
-أن جمهور العلماء قالوا إن الرهن في السفر ثابت في القرآن وفي الحضر ثابت في الحديث، وبين ابن عطية أنه في الحضر يفهم من معنى الآية إذا أن العذر هو الذي أباح الرهن في السفر وقد يوجد هذا العذر في الحضر أيضا.
-أن عدم وجود الكاتب، يقابله بالمثل عدم وجود آلة الكتابة من القلم والدواة ونحوهما، فكلاهما عذر، قال ابن عبّاسٍ: «أو وجدوه ولم يجد قرطاسًا أو دواةً أو قلمًا فرهن مقبوضةٌ، أي: فليكن بدل الكتابة رهان مقبوضةٌ في يد صاحب الحقّ».
-أن قوله تعالى "مقبوضة" يقتضي أنه لابد أن يقبض الرهن المرتهن أو وكيله، واختلفوا في قبض العدل وقول مالك والجمهور بصحته، والقول بوجوب القبض للرهن هو مذهب الشافعي والجمهور.
-أن قوله تعالى "فليؤد" هو أمر للوجوب، للأحاديث الصحاح التي تحرم أخذ مال الغير إلا بحق، وبإجماع الأمة على وجوب أداء الديون
وروى ابن أبي حاتمٍ بإسنادٍ جيّدٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّه قال: «هذه نسخت ما قبلها». وقال الشّعبيّ: «إذا ائتمن بعضكم بعضًا فلا بأس ألّا تكتبوا أو لا تشهدوا».
-أن قوله تعالى "ولا تكتموا الشهادة" هو نهي يفيد تحريم كتمانها وللوعيد عليها، وخاصة إذا كان الحق يضيع بكتمانها وقد قال ابن عباس: : «على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد ويخبر حيثما استخبر، قال ولا تقل أخبر بها عند الأمير بل أخبره بها لعله يرجع ويرعوي».
-أنه قد تتغير الأحوال وتكون الشهادة عند القاضي أو الحاكم هي الفعل الصواب لكونها إن وقعت في مكان آخر ربما تعرض الشاهد للضرر حتى يمتنع عنها أو تلاعب بها المتلاعبون وحاولوا إبطال الحق، ولذا فالأولى أن تكون الشهادة في الموضع المناسب سواء بين الناس أو عند القاضي أو عند الحاكم على حسب المكان والزمان وحال الناس.
-أن من يكتم الشهادة قد توعد بأنه آثم قلبه أي فاجر قلبه، وخص القلب لأن الكتم من أفعاله فهو لو كان صالحا لدفع اللسان للكلام.
-أن الله ختم الآية بالعلم مثل سابقتها، وهذا فيه تنبيه جليل القدر لأهمية العلم، وفيه وعد ووعيد لمن يخالف أوامر الله الذي هو بكل شيء عليم.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23 رجب 1439هـ/8-04-2018م, 09:25 AM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

آخر ثلاث آيات من سورة البقرة بأسلوب الحجاج


معنى المحاسبة في قوله تعالى:
{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}


قال تعالى:
{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)}


روى الصنعاني في تفسيره "أن ابن عمر قرأ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه فبكى وقال أإنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا فبكى حتى سمع نشيجه فقام رجل من عنده فأتى ابن عباس فذكر له ذلك فقال رحم الله ابن عمر لقد وجد المسلمون نحوا مما وجد حتى نزلت بعدها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت [تفسير عبد الرزاق: 1/112] الجمهرة.

قلوب غضة تقرأ كلام الله مستشعرة أن الحديث موجه لها، وأنها المقصودة بالوعد والوعيد، والثواب والعقاب
وحق لمن يقرأ قوله تعالى {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} أن تنتفض فرائصه لكنها الغفلة ...

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}
ابتدأت الآية بتقرير ملك الله سبحانه لكل شيء ..
السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن.. يدبرها كيف يشاء
المطّلع على كل شيء....
لا تخفى عليه خافية سبحانه..
ومن ذلك علمه بما في نفوس بني آدم حيث قال:

{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه}
لا شك أنه سبحانه يعلم ما تخفي الصدور وقد جاء هذا مقررا في غير هذه الآية قال تعالى:
- {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللّه ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [آل عمران: 29]
- {يعلم السّرّ وأخفى} [طه: 7]،
قال ابن كثير" والآيات في ذلك كثيرةٌ جدًّا، وقد أخبر في هذه بمزيدٍ على العلم، وهو: المحاسبة على ذلك"
وهذه الزيادة هي محل اشكال عند المفسرين أدت لعدة أقوال في تفسير الآية نجملها فيما يلي:

القول الأول:
أنها منسوخة بالآية بعدها وهي قوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}
وقد ذكر المفسرون بعض الأخبار الدالة على ذلك ومنها:
عن أبي هريرة، قال: لمّا نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {للّه ما في السّماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} اشتدّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم جثوا على الرّكب، وقالوا: يا رسول اللّه، كلّفنا من الأعمال ما نطيق: الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربّنا وإليك المصير». فلمّا أقر بها القوم وذلّت بها ألسنتهم، أنزل اللّه في أثرها: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير} فلمّا فعلوا ذلك نسخها اللّه فأنزل {لا يكلّف اللّه نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}. رواه الإمام أحمد
وقد وردت عدة روايات حول هذا المعنى عن أبي هريرة وابن عباس وابن مسعود وغيرهما حاصلها أن الآية شقت على الصحابة فشكوا إلى رسول الله فأمرهم بسمعنا وأطعنا فنزلت {لا يكلف..} تخفيفا
قال ابن كثير" وهكذا روي عن عليٍّ، وابن مسعودٍ، وكعب الأحبار، والشّعبيّ، والنخعي، ومحمّد بن كعبٍ القرظي، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وقتادة: «أنّها منسوخةٌ بالّتي بعدها"

وقبل أن ننتقل للأقوال الأخرى نناقش القول بنسخ الآية
أولا/ لابد أن نستحضر أن مصطلح النسخ عند القدماء مختلف عنما آل إليه الأمر في معنى النسخ
فلا يعني قول أبو هريرة رضي الله عنه " فلما فعلوا ذلك نسخها الله أن الآية منسوخة بالمعنى الحاضر للنسخ.

ثانيا/ نحلل القول في الآية حتى نصل للجواب الصحيح فنقول وبالله التوفيق:

تحديد محل الخلاف:
أن الآية إما أن تكون منسوخة وهذا يعني أن الأمر كان عند نزولها يقتضي أن يحاسب الناس على ما أخفوا ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} حيث أن دفع الخواطر لا يطاق

أو أن الآية محكمة فلا بد حينئذ من الجمع بين الآيتين وبيان عدم التعارض


الدراسة:
لا يخفى أن الجمع هو الأصل وأننا طالما تمكنا منه، لا نحيد لغيره إلا بدليل

بيان عدم وجود الدليل:
قررنا سابقا أن ورود لفظ النسخ في عبارات السلف لا يعني النسخ بالمصطلح الحاضر، كما أنه لا يوجد في الآية الثانية ما يستدل به صراحة على نسخ الأولى كما هو موجود في بعض الآيات الناسخة

وقد قال بعضهم أ الدليل على النسخ هو قوله تعالى {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} وفيه أن المحاسبة على ما اكتسبه العبد من ذنب وليس على الخواطر كما يفهم من قوله { أو تخفوه} ورد على ذلك الطبري بما مفاده:
إنّ اللّه جلّ ثناؤه قد وعد المؤمنين أن يعفو لهم عمّا هو أعظم ممّا همّ به أحدهم من المعاصي فلم يفعله وهو العفو عن الصغائر إذا هم اجتنبوا الكبائر، وإنّما الوعيد من اللّه عزّ وجلّ بقوله: {ويعذّب من يشاء} على ما أخفته النفوس من كفر وشك
بيان عدم جواز النسخ على هذه الآية:
نفى أهل العلم جواز النسخ على هذه الآية من وجوه:

الوجه الأول:
أن الأخبار لا يدخلها النسخ، فالنسخ مقتصر على الأوامر، وجملة {إن تبدو....} خبر وليست أمر، قال النحاس في الناسخ والمنسوخ: " ومن زعم أنّ في الأخبار ناسخًا ومنسوخًا فقد ألحد أو جهل فأخبر اللّه تعالى أنّه يحاسب من أبدى شيئًا أو أخفاه فمحالٌ أن يخبر بضدّه، [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/120] الجمهرة، ونفى بعضهم هذا المنع بأن الآية وإن كانت خبرا فهي تتضمن حكما

الوجه الثاني:
التعبد لله بما لا طاقة به منفي أصلا قال تعالى: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا ما آتاها} [الطلاق: 7] ، وكان صلّى الله عليه وسلّم، يلقّن أصحابه إذا بايعوا: "فيما استطعتم" فإذا قلنا أن {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ناسخة، فالمعنى أنها نسخت حكما سابقا بتكليف ما لا يطاق وهذا غير سائغ [ بتصرف من: الناسخ والمنسوخ للنحاس]
وإن نظرنا في قوله {إن تبدوا ما في أنفسكم} نجد أن لها عدة تأويلات – أذكرها في الأقوال لاحقا- تخرجها من القول بأنها كانت تكليف بما لا يطاق ثم نسخ

الوجه الثالث:
أن النسخ يكون في حكم ينفي الحكم الأول من جميع وجوهه، وقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} لا ينفي {أو تخفوه يحاسبكم به الله} لأن المحاسبة لا توجب العقوبة، وقد دلت الأدلة على أن كتاب العبد لتا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ومع ذلك تغفر للمؤمن، وتكون محاسبتهم لتعرفهم بفضل الله عليهم وعفوه عنهم ، [ذكره الطبري]


إذا تقرر ذلك، وتقرر أن الجمع ممكن ميسور، وقد قال به الثقات من العلماء، تبين أن القول بالنسخ دعوى لا دليل عليها والله أعلم.

وبذلك يبطل القول بالنسخ بمعناه الحاضر، ويتبقى علينا تفسير معنى النسخ الوارد في أقوال الصحابة والذي هو والله أعلم إما أن يكون بمعنى نسخت الشدة التي فهمت من الآية الأولى وحلت محلها السعة ولله الحمد والمنة فالنسخ إنما هو لما فهم من الآية وليس للآية نفسها، أو أن المعنى أنها خصصت الآية الأولى فالخواطر لا تدخلها المحاسبة.
قال الطبري:
"وأولى الأقوال الّتي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال: إنّها محكمةٌ وليست بمنسوخةٍ"



القول الثاني:
أنها نزلت في كتمان الشّهادة خاصةً. ودلّ على ذلك تقدّم ذكر الشهادة والأمر بترك كتمانها وأدائها
وهذا قول ابن عباس وعكرمة والشعبي، رواه عنهم الطبري

القول الثالث:
أنها عامة فالخلق جميعهم يحاسبون يوم القيامة، فيغفر للمؤمن، ويعذب الكافر والمنافق، وقال بعضهم فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء
يدل على ذلك:
ما رواه النحاس عن صفوان بن محرزٍ، قال: قال رجلٌ لابن عمر: كيف سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول في النّجوى؟ قال: سمعته يقول: " يدني المؤمن من ربّه تعالى حتّى يضع عليه كنفه فيقرّره بذنوبه فيقول: هل تعرف؟ فيقول: ربّ أعرف، قال: فإنّي سترتها عليك في الدّنيا وإنّي أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، فأمّا الكفّار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء الّذين كذبوا على اللّه جلّ وعزّ " وروى نحوه الطبري عن صفوان بن محرز عن ابن عمر.
وقد أورد الطبري عدة روايات تدل على هذا المعنى عن ابن عباس وغيره وهو قول مجاهد

قال النحاس عن هذا القول: أن من حسن ما قيل في الآية وأشبهه بالظّاهر وأنه قول ابن عبّاسٍ
وقال عنه مكي وهذا قول حسن
وقال عنه ابن الجوزي أنه قول الأكثرين

القول الرابع:
أن المعنى أن العبد يعذب بما يخفيه في نفسه من المعاصي في الدنيا بالمصائب والألم والحزن
وهذا القول جاء في روايات عن عائشة رضي الله عنها رواها الطبري في تفسيره


الترجيح
إذا تقرر أن الآية محكمة وليست منسوخة نتأمل فيما جاء بعد ذلك من أقوال، وحاصلها أن الله عالم بالسرائر يحاسب العباد على ما أخفوا فيعذب من حق عليه العذاب ويغفر لمن استحق المغفرة ولا يمنع أن نستحضر بعض المعاني الخاصة التي دل عليها السياق مثل كتمان الشهادة، أو نعمم ذلك فنستحضر كل معاني الكفر والنفاق وتبقى الخواطر معفو عنها كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبقى القول الرابع والذي هو أنه يعذب بالدنيا بما يخفيه من معاصي فلعل المعنى ما يخفيه جازما وليس مجرد الخاطرة التي يبذل جهده في دفعها ويبقى الأمر على أصله أن المصائب مكفرة

ومما يدل على العفو عن الخواطر:
- عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه تجاوز لي عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها، ما لم تكلّم أو تعمل".
- وفي الصّحيحين، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قال اللّه: [إذا هم عبدي بسيّئةٍ فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيّئةً، وإذا همّ بحسنةٍ فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرًا].
- عن أبي هريرة قال: جاء ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألوه: إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلّم به. قال: «وقد وجدتموه؟» قالوا: نعم. قال:«ذاك صريح الإيمان».

والخلاصة أن جميع ما ذكر من الأقوال له وجه، عدا ما قيل أن الآية منسوخة، والأولى حمل الآية على العموم والله أعلم
قال الطبري:
"تأويل الآية إذًا: {وإن تبدوا ما في أنفسكم} أيّها النّاس، فتظهروه {أو تخفوه} فتنطوي عليه نفوسكم، {يحاسبكم به اللّه} فيعرّف مؤمنكم تفضّله بعفوه عنه، ومغفرته له، فيغفره له، ويعذّب منافقكم على شّكّه الّذي انطوت عليه نفسه في وحدانيّة خالقه ونبوّة أنبيائه"

أعقب هذه الآية الكريمة..
خواتيم سورة البقرة والتي بشر بهما جبريل عليه السلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله" أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته" وجاءت الآثار بفضلهما وفضل قراءتهما،
قررت الآية الأولى من الخواتيم إيمان الرسول ومن معه بكل أركان الإيمان وسمعهم وطاعتهم لربهم وطلبهم مغفرته، وبشرت الآية الثانية المؤمنين بأنهم لا يكلفون ما لا يطيقون وبشرتهم بإجابة دعوتهم في عدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان وتحمل ما تحمله الذين من قبلهم.
فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم..


-لا أدري إن كان المطلوب المرور على كل مسائل التفسير في الآية بأسلوب الحجاج؟؟ خمنت أن المطلوب ما كتبته لأتمكن من الكتابة على هيئة رسالة
-أعتذر بشدة عن تدني مستوى محافظتي على الوقت والجودة، أمر بظروف تجعل وقتي المتاح للدراسة محدود جدا وأسأل الله البركة في الوقت، وأدعو لكم بالمغفرة والقبول والرضا لصبركم وحلمكم علينا

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 شوال 1439هـ/2-07-2018م, 11:46 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم العشرين من تفسير سورة البقرة

آيات الدين :

ملحوظات عامة :

- السَّلَمُ : هو بيعُ شيء موصوف بثمن عاجل، مثل أن يشتري الرجل مائة صاع من القمح إلى سنة، ويسلم المشتري الثمن، فيكون قد عجل الثمن ، وأخّر المثمن.
- " تداين " تفاعل، وهذه الصيغة تأتي غالبًا من طرفين، وأطلقت هنا بالرغم من الفعل من طرف واحد بالنظر إلى المُسلِّف، لكن جاءت هنا بالنظر إلى الدائن والمدين، ففيها اشتراكٌ أيضًا.
- ذُكر " بدين " مع أنه مفهوم من أن التداين يكون بدين، كما يُفهم أن الرؤية بالعين وهكذا ... ، لكن جاءت هنا لبيان التداين المقصود هنا هو ما كان بشأن الديون، لا الذي بمعنى المجازاة مثل قولهم " كما تدين تدان ".

سارة المشري : أ
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، أرجو قراءة الملحوظات العامة.
لم تبين الفوائد من الآية الثانية من آيات الدين، قال تعالى :{ وإن كنتم على سفرٍ ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة .. } الآية.

علاء عبد الفتاح : أ+
أحسنت، بارك الله فيك، ونفع بك.
- قولك " ومنها: أن الصغير يكتب كما أن الكبير يكتب وقد قدم الصغير هنا للعناية به " يُفضل ضبط الفعل هنا " يُكتب " لبيان أن المراد بالصغير والكبير أي الدين، لأنه على هذه الصورة قد يُفهم أن الكبير والصغير في محل " فاعل " والمراد بهم أشخاص.
- بيان أن الخلاف في المراد بالضرر في قوله تعالى :{ ولا يضار كاتبٌ ولا شهيد } راجعٌ إلى الخلاف في أصل الكلمة بعد فك التضعيف، ثم نبين أنه يمكن الجمع بين الأقوال.



آخر ثلاث آيات من سورة البقرة، بأسلوب الحجاج.

ضحى الحقيل : أ

أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
يؤخذ عليكِ فقط الاختصار في تفسير آخر آيتين من سورة البقرة، بالرغم من أن المطلوب في رأس السؤال، أن تكون الرسالة في تفسيرهم جميعًا، ومعلومٌ أن الثلاث آيات مترابطة فقد نزلت آخر آيتين - كما بينتِ - لبيان الآية الأولى.
وقد يضطر المفسر إلى الاقتصار على بعض المسائل في التفسير حسب الأسلوب المختار، لكن إذا كانت هذه المسائل مما يحتاج إليه في تقرير حجته فلا ينبغي إغفالها.
ومما لم تبينيه - على سبيل المثال -:
- ثناء الله عز وجل على المؤمنين وبيان أركان الإيمان وفيها إثباتٌ لعمل القلب، وهي مما يحاسب عليه المرء.
- تفسير الآية الثانية: وبيان المراد بالوسع هنا ، وبيان المراد بـ { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }.


آيات الربا :


نورة الأمير: ب+

أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

أثني على حسن ترتيبك للمسائل وتلخيصكِ لها، والحرص على الاستدلال للأقوال وذكر من قال بها وفق ما ورد في المقرر.
وأرجو مراجعة الملحوظات التاليات والحرص على عدم تكرارها فيما يُستقبل بإذن الله.
1: بعض العبارات منسوخة بنصها من التفاسير دون النص على ذلك، وسواء قمتِ بالنص على من قال ذلك أو لا؛ فاحرصي دومًا أن تكون الرسالة بأسلوبك والإقلال من النسخ إلا فيما يُحتاج إليه للاستشهاد لقول ما، بعد ذكره بأسلوبك، والتدرب على هذه المهارة مهم جدًا للمرحلة القادمة بإذن الله.
2: بعض صور الربا التي ذكرتِ يُقال لها ربا على سبيل التجوز مثل البيع ساعة النداء يوم الجمعة، ذكر ذلك ابن عطية.
3: الانتباه إلى تأويل ابن عطية لمسائل الصفات فإن ذُكر قوله فعلى سبيل الانتقاد وبيان أقوال الفرق في المسألة من خلال تفاسيرهم، مع بيان الترجيح والرد عليهم، ومن ذلك تأويله لصفة المحبة بالإرادة عند تفسير قوله تعالى :{ والله لا يحب كل كفار أثيم }
4: الاختصار في تفسير الآيتين الأخيرتين؛ فعلى الأقل تبينين المناسبة بين مسألة إعلان الحرب على المرابي وتفسير قوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين }
فبعد أن رغبهم الله بترك ما بقي من الربا وحثهم على ذلك بما لديهم من إيمان، رهبهم بذكر عقاب من لم يستجب لهذا الأمر :{ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب } فجاء بأسلوب الشرط معلقًا الحرب على عدم الاستجابة.
5: التنسيق يبين جودة عملك، ويظهر رؤوس المسائل فيسهل القراءة على القارئ، والمراجعة لكِ.


تم بحمد الله...


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثاني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir