دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الصيام

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 02:10 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [كفارة المجامع في نهار رمضان]

عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ، قالَ: ((مَا لَكَ؟)) قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي في رَمَضَانَ، وَأَنَا صَائِمٌ - وفي روايَةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي في رَمَضَانَ- فقالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟)) قالَ: لاَ، قَالَ: ((فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟)) قالَ: لاَ، قَالَ: ((فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟)) قَالَ: لاَ، قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فَبَيْنَا نَحْنُ على ذَلِكَ أُتِي النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بِعَرَقٍ فِيه تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ: المِكْتَلُ - قالَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ؟)) قالَ: أنَا، قالَ: ((خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ)) فقالَ الرَّجُلُ: على أفْقَرَ مِنِّي يا رَسُولَ اللهِ؟ فَوَاللهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أهلُ بَيْتٍ أفْقَرُ مِن أهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حتَّى بَدَتْ أنْيابُهُ، ثُمَّ قالَ: ((أَطْعِمْهُ أهْلَكَ)).
الْحَرَّةُ: أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ.

  #2  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

العَرَقُ بفتْحِ العينِ والراءِ .
الْمَكِيلُ من الخُوصِ واحدتُه عَرْقَةٌ ويُروى بإسكانِ الراءِ وقد قيلَ : إنه يَجمَعُ خمسةَ عشرَ صاعاً .
الْحَرَّةُ بفتْحِ الحاءِ المهمَلةِ .
كلُّ أرضٍ سوداءُ الحجارةِ كأنها محترِقةٌ وجَمعُها حَرَّاتٌ وحِرَارٌ وأَحْرِينَ وأَحرُونَ في الرفْعِ وحِرارُ الغرْبِ المشهورةُ خَمْسٌ: حَرَّةُ بني سُلَيْمٍ وحَرَّةُ ليلي وحَرَّةُ راجِلٍ وحَرَّةُ واقِمٍ بالمدينةِ وحَرَّةُ النارِ لبني عِيسى .

  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ التاسعُ والسبعونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ. فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، قالَ: ((مَا لَكَ؟)) قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي في رَمَضَانَ، وَأَنَا صَائِمٌ- وفي روايَةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي في رَمَضَانَ- فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟)) قالَ: لَا، قَالَ: ((فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟)) قالَ: لَا، قَالَ: ((فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟)) قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا نَحْنُ على ذَلِكَ أُتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِرْقٍ فِيه تَمْرٌ- وَالْعِرْقُ: المِكْتَلُ- قالَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ؟)) قالَ: أنَا، قالَ: ((خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ)) فقالَ الرَّجُلُ: على أفْقَرَ مِنِّي يا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا- يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ- أهلُ بَيْتٍ أفْقَرُ مِنْ أهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى بَدَتْ أنْيابُهُ، ثُمَّ قالَ: ((أَطْعِمْهُ أهْلَكَ)). الحَرَّةُ: أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ الوطءَ في نهارِ رمضانَ من الفواحشِ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ الواطِئَ عَمْدًا تَجِبُ عَلَيْهِ الكَفَّارَةُ على الترتيبِ؛ عِتْقُ رقبةٍ، فإنْ لم يَجِدْ فصيامُ شهرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فإنْ لم يَسْتَطِعْ فإطعامُ ستِّينَ مِسْكِينًا.
الثَّالِثَةُ: أنَّ الكَفَّارةَ لا تَسْقُطُ معَ الإعسارِ.
الرَّابِعَةُ: جوازُ التكفيرِ عن الغيرِ، وحينئذٍ فلهُ الأكلُ منها.
الْخَامِسَةُ: كمالُ خُلُقِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكَرَمُ الوفادةِ عَلَيْهِ.

  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحديثُ الثمانونَ بعدَ المائةِ
عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ. فَقَالَ: يا رسولَ اللهِ هَلَكْتُ، فقال: ((مَا أهلَكَكَ؟)) أَوْ ((مَا لَكَ؟))
قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي، وَأَنَا صَائِمٌ. في روايةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي في رَمَضَانَ.
فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟)) قالَ: لاَ.
قَالَ: ((فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟)) قال: لاَ.
قَالَ: ((فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟)) قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَسَكَتَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَبَيْنَما نَحْنُ على ذَلِكَ إِذْ أُتِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيه تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ المِكْتَلُ .
قال: ((أَيْنَ السَّائِلُ؟)) قال: أنَا. قال: ((خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ)).
فقال: على أفْقَرَ منِّي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَوَاللهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا – يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ – أهلُ بيتٍ أفْقَرُ مِنْ أهْلِ بَيْتِي.
فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قالَ: ((أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)) .
الْحَرَّةُ: الأرضُ تركبُها حِجَارَةٌ سُودٌ.
(180) الغَريبُ:
" بَيْنَمَا " : ظرفُ زمانٍ يَغْلِبُ أن يُضافَ إلى جملةٍ اسميَّةٍ.
" بِعَرَقٍ ": [العَرَقُ] بفتحتين: هو الزِّنْبيلُ، يُعملُ من سَعَفِ النَّخلِ، وقدَّرُوها هنا بما يَسَعُ خمسةَ عَشَرَ صاعاً.
" اللاَّبَةُ ": هي الحرَّةُ، وهي الأرضُ التي تعلوها حجارةٌ سودٌ.
والمدينةُ النَّبويَّةُ بينَ حرَّتَيْنِ؛ شرقيَّةٍ وغربيَّةٍ.
" الْمِكْتَلُ ": القُفَّةُ من الخوصِ، وهي قفصٌ من ورقِ النَّخلِ.
المعنَى الإجماليُّ:
جاء سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ البيَاضِيُّ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خائفاً فقال: هلكتُ.
فقال له : ما أهلكك؟ قال: إنه وقع على امرأتِه ، وهو صائمٌ في نهارِ رمضانَ , فلم يُعَنِّفْهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وقال: ((هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا كفَّارَةً لِمَا وَقَعَ مِنْكَ؟)) قال: لا.
قال: ((فَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟)) قال: لا ، وهل أصابني ما أصابني إلا من الصِّيامِ؛ لأن به شَبَقاً لا يَقْدِرُ معه على تركِ الجِماعِ ، وهو نوعُ مرضٍ.
قال: ((فَهَلْ تَجِدُ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِيناً، لِكُلَِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ؟)) قال: لا.
فسكت عنه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومكَث، وإذا بأحدٍ من الصَّحابةِ ـ على عادتِهم ـ جاء إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزِنْبِيلٍ من تمْرٍ، يَسَعُ خمسةَ عَشَرَ صاعاً ليتصدَّقَ به النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال: ((أَيْنَ السَّائِلُ؟)) فقال: أنا.
فقال: ((خُذْ هَذَا التَّمْرَ فَتَصَدَّقْ بِهِ لِيَكُونَ كفَّارَةً عَلَى مَا اقْتَرَفْتَ مِنَ الإِثْمِ)).
فما كان من الرَّجُلِ الذي جاء خائفاً مبهوتاً ـ بعدَ أن وجدَ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمنَ والطُّمأنينةَ ـ إلا أن طمِعَ في فضلِ اللهِ تعالى، على يدِ أرحمِ النَّاسِ بالنَّاسِ، فقال: أأتصدَّقُ به على أفقرَ منِّي يا رسولَ اللهِ؟
ثم أقسمَ أنه ليس في المدينةِ أحدٌ أفقرُ منه لِمَا يراهُ من شدَّةِ الضِّيقِ عليه.
عندَ ذلك تعجَّبَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حالِه، كيفَ جاء خائفاً يلتمسُ السَّلامةَ ، فرجعَ آمناً، معه ما يُطْعِمُهُ أهلَه، ثم أذِنَ له بإنفاقِهِ على أهلِه.
فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه.
اختلافُ العلماءِ :
يرى عامَّةُ العلماءِ، وُجوبَ الكفَّارَةِ على مَن جامعَ متعمِّداً.
واختلفوا في النَّاسِي، وتقدَّمَ أن الصَّحيحَ أنه ليس عليه كفَّارَةٌ.
واختلفوا: هل وُجوبُ الكفَّارَةِ على التَّخْيِيرِ أو التَّرتيبِ؟
فذهب مالكٌ، وأحمدُ في إحدى الرّوايتينِ عنهما: إلى أنها على التَّخييرِ؛ لِمَا في الصَّحيحينِ , عن أبِي هُريرةَ: ((أنَّ رجلاً أفطرَ في رمضانَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُكَفِّرَ بعتْقِ رقبةٍ، أو صيامِ شهرينِ مُتتابعينِ، أو إطعامِ ستِّينَ مسكيناً))وأوجب تخْيِيرَه.
وذهب الجمهورُ من العلماءِ ؛ كالشَّافعيِّ وأبي حنيفةَ، والمشهورِ من مذْهبِ أحمدَ، والثَّوْرِيِّ، والأَوْزَاعِيِّ، إلى أنها على التَّرتيبِ، مُسْتَدِلِّينَ بحديثِ البابِ ، وجَعَلُوا حديثَ التَّخْيِيرِ مُجْمَلاً، يُبَيِّنُه حديثُ التَّرتيبِ ليحصلَ العملُ بهما جميعاً.
ولو أُخِذَ بحديثِ التَّخْيِيرِ لم يمكنِ العملُ بحديثِ التَّرتيبِ مع أن كليهما صحيحٌ.
واختلفوا هل تسقطُ الكفَّارَةُ مع العجزِ عنها، كما هو المشهورُ من مذْهبِ الإمامِ أحمدَ، وهو أحدُ قولَيِ الشَّافعيِّ؛ لأن النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّصَ للرجلِ أن يُطْعِمَ التَّمرَ أهلَه.
ولو كان كفَّارَةً عنه ما جاز له.
وذهب الجمهورُ إلى أنها لا تسقطُ بالإعسارِ؛ لأنه ليس في الحديثِ ما يدلُّ على ذلك، بل ظاهرُهُ عدمُ سقوطِها؛ لأنه لَمَّا سأله عن أنزلِ درجاتِ الكفَّارَةِ ـ وهي الإطعامُ وقال: لا أجدُ ـ سكت ، ولم يُبْرِئْ ذمَّتَه منها، والأصلُ أنها باقيةٌ ، وقياساً لهذه الكفَّارَةِ على سائرِ الكفَّاراتِ والدُّيونِ، من أنها لا تسقطُ بالإعسارِ.
أما التَّرخيصُ له في إطعامِه أهلَه، فقد قال بعضُ العلماءِ: إن المكفِّرَ إذا كَفَّرَ عنه غيرُه، جاز أن يأكلَ منه ويُطْعِمَ أهلَه.
الأحكامُ المأخوذةُ من الحديثِ:
1ـ أن الوطْءَ في نهارِ رمضانَ من الفواحشِ المهلكاتِ؛ لأن النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرَّه على قولِه: [هَلَكْتُ] ولو لم يكنْ كذلك، لهوَّنَ عليه الأمرَ.
2ـ أن الواطئَ عمْداً يجبُ عليه الكفَّارَةُ، وهي على التَّرتيبِ: عِتْقُ رقبةٍ ، فإن لم يجدْ فصيامُ شهرينِ متتابعينِ، فإن لم يستطعْ، فإطعامُ ستِّينَ مسكيناً.
3ـ أن الكفَّارَةَ لا تسقطُ مع الإعسارِ؛ لأن النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُسْقِطْهَا عنه بفقْرِه، وليس في الحديثِ ما يدلُّ على السّقوطِ.
4ـ جَوازُ التَّكفيرِ عن الغيرِ ، ولو من أجنبِيٍّ .
5ـ أنَّ له الأكلَ منها وإطعامَها أهلَه ما دامت مُخَرَّجَةً من غيرِه.
6ـ ظاهرُ الحديثِ أنه لا فرقَ في الرَّقبةِ بينَ الكافرةِ والمؤمنةِ، وبهذا أخذَ الحنفيَّةُ.
والصَّحيحُ الذي عليه الجمهورُ أنه لا بدَّ من إيمانِها، ويكونُ الحديثُ مقيَّداً بالنّصوصِ التي فيها كفَّارَةُ القتلِ، فإنه ذَكَرَ فيها الإيمانَ.
7ـ حُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكرمُ الوِفَادَةِ عليه ، فقد جاءه هذا الرَّجُلُ خائفاً وَجِلاً، فَراحَ فَرِحاً، معه ما يُطْعِمُ منه أهلَه.
8ـ أن مَن ارتكبَ معصيةً لا حدَّ فيها، ثم جاء تائباً نادماً، فإنه لا يُعَزَّرُ.
خُلاصةُ فوائدَ من كلامِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ رحمه اللهُ.
قال:
يُفَطِّرُ بالنَّصِّ والإجماعِ الأكلُ والشُّربُ والجماعُ، وثبَت بالسُّنَّةِ والإجماعِ أنَّ دمَ الحيضِ يُنافي الصَّومَ، فلا تصومُ الحائضُ، ولكن تقضي الصِّيامَ. وقال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِماً)) فدلَّ على أنَّ نزولَ الماءِ من الأنفِ يُفَطِّرُ الصّائمَ. قال الخَطَّابِيُّ: ولا أعلمُ خلافاً بينَ أهلِ العِلْمِ في أنَّ مَن ذرعَه القيْءُ فلا قضاءَ عليه، وفي أن مَن استقاءَ عامداً فعليه القضاءُ، ومَن احتلمَ بغيرِ اختيارِه، كالنَّائمِ لم يفطرْ بالاتِّفاقِ، وأمَّا مَن استمْنى فأنزلَ فإنه يفطرُ.
وقد ثبت بدلالةِ الكتابِ والسُّنَّةِ أن مَن فعل محظوراً مُخْطِئاً أو ناسياً لم يؤاخذْهُ اللهُ بذلك، ويكونُ بمنزلةِ مَن لم يفعلْه، فلا يكونُ عليه إثمٌ، ومثلُ هذا لا تَبْطُلُ عِبادتُه، فالصَّائمُ إذا أكلَ أو شرِبَ أو جامعَ ناسياً أو مُخطئاً فلا قضاءَ عليه، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلفِ والخلَفِ.
وأما الكُحْلُ والحُقْنَةُ وما يُقَطَّرُ في الإحليلِ، ومُداواةُ المأمومَةِ والجائِفَةِ، فهذا مما تنازع فيه أهلُ العِلمِ: فمنهم مَن لم يُفَطِّرْ بشيءٍ من ذلك، ومنهم مَن فَطَّرَ بالجميعِ.
والأظهرُ أنه لا يُفَطَّرُ بشيءٍ من ذلك؛ فإن الصِّيامَ من دِينِ المسلمينَ الذي يحتاجُ إلى معرفتِه الخاصُّ والعامُّ، فلو كانت هذه الأمورُ مما حرَّمَها اللهُ ورسولُه في الصِّيامِ، ويَفْسُدُ الصَّومُ بها لكان هذا مما يجبُ بيانُه على الرَّسولِ، ولو ذَكَرَ ذلك لعلِمَه الصَّحابةُ وبلَّغوه الأُمَّةَ ، كما بلَّغوا سائرَ شرْعِه، فلمَّا لم يَنْقُلْ أحدٌ من أهلِ العلمِ عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مُسْنَداً ولا مُرْسَلاً عُلِمَ أنه لم يذكرْ شيئاً من ذلك. والحديثُ المرويُّ في الكُحلِ ضعيفٌ. والذين قالوا: إن هذه الأمورَ تُفَطِّرُ لم يكنْ معَهم حُجَّةٌ إلا القياسُ، وأقوى ما احتجُّوا به : ((وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِماً)) وهو قياسٌ ضعيفٌ، وذلك أن مَن نَشِقَ الماءَ بِمَنْخِرَيْهِ ينزلُ الماءُ إلى حلقِهِ وإلى جوفِه ، فيَحْصُلُ له بذلك ما يحصلُ للشاربِ بفمِه، ويُغَذَّى بدَنُه من ذلك الماءِ، ويزولُ العطشُ، فلو لم يَرِدِ النَّصُّ بذلك لَعُلِمَ بالعقلِ أن هذا من جنسِ الشُّربِ. فالصَّائمُ نُهِيَ عن الأكلِ والشربِ؛ لأن ذلك سببُ التَّقوى، وليس كذلك الكُحْلُ والحُقْنَةُ، ومداواةُ الجائفةِ والمأمومةِ، فإنها لا تُغَذِّي البتةَ.
أما الجِماعُ فإنه إحدى الشَّهوتَيْنِ، فَجَرَى مَجْرَى الأكلِ والشُّربِ، وقد قال تعالى في الحديثِ القُدسيِّ : ((يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)) . فترْكُ الإنسانِ شَهْوَتَه عبادةٌ مقصودةٌ يُثابُ عليها ، وإنزالُ المنِيِّ يَجْرِي مَجْرَى الاستفراغِ، فالصَّائمُ قد نُهيَ عن أخذِ ما يُقَوِّيه ويُغَذِّيه من الطَّعامِ والشَّرابِ، فيُنهى عن إخراجِ ما يُضْعِفُه ويُخْرِجُ مادَّتَه التي بها يَتَغَذَّى، وكونُه يُضْعِفُ البدنَ يجعلُ إفسادَه للصومِ أعظمَ من إفسادِ الأكلِ.
والعلماءُ متنازِعونَ في الحِجَامَةِ هل تُفَطِّرُ أو لا ؟ والأحاديثُ الواردةُ عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قولِه: ((أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ)). كثيرةٌ قد بيَّنها الأَئِمَّةُ الحفاظُ. وقدْ كرِه غيرُ واحدٍ من الصَّحابةِ الحِجَامَةَ للصائِمِ، والقولُ بأنها تُفَطِّرُ مذْهبُ أكثرِ فقهاءِ الحديثِ، وهؤلاءِ أخصُّ النَّاسِ باتِّباعِ محمدٍ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , والذين لم يَرَوْا إفطارَ المحجومِ احتجُّوا بما ثبتَ في الصّحيحِ من أن النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجَمَ ، وهو صائمٌ مُحرِمٌ. وأحمدُ وغيرُه طعَنوا في هذه الزِّيادةِ ، وهي قولُه: ((وَهُوَ صَائِمٌ)). وقالوا: الثَّابتُ أنه احتجمَ وهو مُحْرِمٌ، وبأنه بأيِّ وجهٍ أراد إخراجَ الدَّمَ فقد أفطرَ.
والسِّواكُ جائزٌ بلا نِزاعٍ، لكن اختلفَ العُلماءُ في كراهِيَتِه بعدَ الزَّوالِ، ولكن لم يقُمْ على تلك الكراهِيَةِ دليلٌ شرْعيٌّ يصلُحُ أن يخصِّصَ عمومَ نصوصِ السِّواكِ.
وذوقُ الطَّعامِ يُكرَهُ لغيرِ حاجةٍ، لكن لا يُفَطِّرُ. وأما لِلْحَاجَةِ فلا يُكْرَهُ.


  #5  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

185 - الحديثُ السَّابعُ: عن أبي هريرةَ، رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: بينمَا نَحنُ جُلوسٌ عندَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جاءَهُ رَجُلٌ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، هَلَكْتُ، قالَ: ((ما أَهلكَكَ؟)) قالَ: وقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي، وَأَنَا صائمٌ - وَفِي روايةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِيِ فِي رَمَضَانَ - فَقَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقهَا؟)) قَالَ: لاَ، قالَ: ((فَهَلْ تَسْتَطيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعيْنِ؟)) قالَ: لا، قالَ: ((فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟)) قالَ: لا، قالَ: فَمَكَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنا نحنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِي النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعَرَقٍ فيهِ تَمْرٌ - والعَرَقُ: المِكْتَلُ - قالَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ؟)) قالَ: أنا، قالَ: ((خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ))، فقالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَر مِنِّي يا رسولَ اللهِ؟ فوَاللهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُريدُ الْحَرَّتينِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْل بيْتِي، فَضَحِكَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتّى بَدَتْ أَنْيَابُه، ثمَّ قالَ: ((أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)).
((الْحَرَّةُ)) أرضٌ ترْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ.

يتعلَّقُ بالحديثِ مسائلُ:
المسألةُ الأُولَى: استُدِلَّ بهِ على أنَّ مَن ارتكبَ معصيَّةً لا حدَّ فيهَا. وجاءَ مستفتيًا: أنه لا يعاقبُ، لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعاقبْهُ، مع اعترافِهِ بالمعصيَّةِ. ومِن جهةِ المعنَى: أنَّ مجيئَهُ مُستفتيًا يقتضِي النَّدَمَ والتوبةَ، والتعزيرُ استِصْلاحٌ، ولا استِصْلاحَ مع الصَّلاحِ، ولأنَّ معاقبةَ المستفتِي تكونُ سببًا لتركِ الاستفتَاءِ مِن النَّاسِ عندَ وقوعِهِمْ فِي مثلِ ذلكَ، وهذهِ مفسدةٌ عظيمةٌ يجبُ دفعُهَا.

المسألةُ الثانيةُ: جمهورُ الأمَّةِ على إيجابِ الكفَّارةِ بإفطارِ المُجامِعِ عامِدًا، ونُقلَ عن بعضِ النَّاسِ: أنها لا تجبُ، وهو شاذٌّ جدًّا. وتقريرهُ على شذُوذِه - أن يقالَ: لو وجبت الكفارةُ بالجماعِ لما سقطتْ عندَ مقارنةِ الإعسارِ لهُ، لكن سقطتْ، فلا تجبُ. أمَّا بيانُ الملازمةِ: فلأنَّ القياسَ والأصلَ: أنَّ سببَ وجوبِ المالِ إذا وُجِدَ لم يَسقُطْ بالإعسارِ، فإنَّ الأسبابَ تُعْمَلُ، إلا معَ ما يعارِضُهَا مِمَّا هو أَقْوى مِنهَا، والإعْسَارُ إنَّما يعارضُ وجوبَ الإخراجِ فِي الحالِ، لاستحالتهِ، أو مشقَّتِه. فيقدَّمُ على السَّببِ فِي وجوبِ الإخراجِ فِي الحالِ، أما ترتُّبهُ فِي الذمَّةِ إِلَى وقتِ القدرةِ فلا يعارضهُ الإعسارُ فِي وقتِ السَّببِ. فالقولُ برفعِ مقتضى السَّببِ من غيرِ معارضٍ: غيرُ سائغٍ. وأمَّا أنها سقطتْ بمقارنةِ الإعسارِ فلأنَّها لم تُؤَدَّ، ولا أعلمَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهَا مرتَّبةٌ فِي الذِّمَّةِ، ولو ترتَّبتْ لأعلَمَهُ.

وجوابُ هذا: إمَّا بمنعِ الملازمَةِ علَى مذهَبِ من يَرَى أَنَّها تسقُطُ بمقارنةِ الإعسارِ. ويجيبُ عن الدَّليلِ المذكورِ، وإِمَّا بأنْ يُسلِّمَ الملازمةَ، ويمنعَ كونَ الكفارةِ لم تؤدَّ, ويَعتذرَ عن قولِه عليه الصلاةُ و السَّلام:ُ ((كُلْهُ، وأطْعِمْهُ أهلَكَ))، وإمَّا أنْ يقالَ: بأنَّها لم تؤدَّ. ويُعتذرُ عن السُّكوتِ عن بيانِ ذلكَ. وسيأتي تفصيلُ هذهِ الاعتذاراتِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

المسألةُ الثالثةُ: اختلفوا فِي جِماعِ الناسِي، هلْ يقتضِي الكفارةَ؟ ولأصحابِ مالكٍ قولانِ. ويَحتجُّ من يوجبُهَا بأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوجبَهَا عندَ السُّؤالِ مِن غيرِ استفصالٍ بينَ كونِ الجماعِ على وجهِ العمدِ، أو النِّسيانِ، والحكمُ مِن الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وردَ عقيبَ ذكرِ واقعةٍ مُحتمِلةٍ لأحوالٍ مختلِفَةِ الحكمِ مِن غيرِ استفصالٍ: يتنزَّلُ منزلةَ العُمومِ.

وجوابُهُ: أنَّ حالةَ النسيانِ بالنسبةِ إِلَى الجماعِ، ومحاولةِ مقدِّماتهِ، وطولِ زمانهِ، وعدمِ اعتبارهِ فِي كلِّ وَقْتٍ: مِمَّا يبعدُ جريانَهُ فِي حالة النِّسيانِ، فلا يحتاجُ إِلَى الاستفصالِ بناءٍ على الظَّاهر، لاسيَّما وقد قالَ الأعرابيُّ ((هلكتُ)) فإنَّهُ يُشعرُ بتعمُّدِه ظاهرًا، ومعرفتهِ بالتَّحريمِ.

المسألةُ الرَّابعةُ: الحديثُ دليلٌ على جَريانِ الخِصالِ الثَّلاثِ فِي كفارةِ الجماعِ. أعنِي: العتقَ، والصومَ، والإطعامَ. وقد وقعَ فِي كتابِ المدوَّنةِ من قولِ ابنِ القاسمِ: ((ولا يَعرفُ مالكٌ غيرَ الإطعامِ )) فإنْ أُخِذَ على ظاهرِهِ - من عدمِ جريانِ العتقِ والصَّومِ فِي كفارةِ المُفطرِ - فهيَ مُعضلةٌ زَبَّاءُ ذاتُ وَبَرٍ لا يُهتدَى إِلَى توجيهِهَا، معَ مخالفَةِ الحديثِ، غيرَ أنَّ بعضَ المُحقِّقينَ منْ أصحابِه حملَ هذا اللفظَ، وتَأَوَّلَهُ على الاستحبَابِ فِي تقديمِ الإطعامِ على غيرهِ من الخِصَالِ، وذكرُوا وجوهًا فِي ترجيحِ الطَّعامِ على غيرهِ، منهَا: أنَّ اللهَ تعالى قد ذكرَه فِي القرآنِ رُخصَةً للقادِرِ. ونَسْخُ هذا الحُكمِ لا يلزمُ منهُ نسخُ الفضِيلةِ بالذِّكرِ والتعيينِ للإطعامِ، لاختيارِ اللهِ تعالى لهُ فِي حقِّ المفطرِ، ومنها: بقاءُ حكمِهِ فِي حقِّ المفطرِ للعُذْرِ، كالكِبَرِ والحَمْلِ والإرضَاعِ. ومنهَا: جريانُ حُكْمِهِ فِي حقِّ مَنْ أخَّرَ قضاءَ رمضانَ، حتى دخلَ رمضانُ ثانٍ، ومنهَا: مناسبةُ إيجابِ الإطعامِ لجَبْرِ فواتِ الصَّومِ الذِي هو إمساكٌ عن الطَّعامِ والشَّرابِ.

وهذهِ الوجوهُ لا تقاوِمُ ما دلًّ عليهِ الحديثُ مِن البداءةِ بالعِتْقِ، ثمَّ بالصومِ، ثمَّ بالإِطعامِ، فإِنَّ هذِه البداءةَ إِنْ لم تقتضِ وجوبَ التَّرتيبِ فلا أَقلَّ من أَنْ تقتضِي استحبابَه،ُ وقد وافقَ بعضُ أصحابِ مالكٍ على استحبابِ الترتيبِ على ما جاءَ فى الحديثِ، وبعضهُمْ قالَ: إِنَّ الكفارةَ تختلفُ باختلافِ الأوقاتِ، ففِي وقتِ الشدائدِ تكونُ بالإِطعَامِ، وبعضهُمْ فرَّقَ بينَ الإِفطارِ بالجِماعِ، والإِفطارِ بغيرِه، وجعلَ الإِفطارَ بغيرِه، يكفَّرُ بالإِطعامِ لا غيرُ، وهذا أقربُ فى مخالفةِ النصِّ من الأَوَّلِ.

المسألةُ الخامسةُ: إِذَا ثبتَ جريانُ الخصالِ الثلاثةِ - أعنِي العتقَ والصِّيامَ والإطعامَ فِي هذهِ الكفارَةِ - فهلْ هي على التَّرتيبٍ، أو علَى التخييرِ؟ اختلفُوا فيهِ، فمذهبُ مالكٍ: أنها على التخييرِ، ومذهبُ الشافعيِّ: أنها على الترتيبِ، وهو مذهبُ بعضِ أصحابِ مالكٍ، واستُدِلَّ على الترتيبِ في الوجوبِ بالترتيبِ فِي السُّؤالِ، وقولُهُ أوَّلاً ((هل تجدُ رقبةً تُعتِقُها؟)) ثم رتَّبَ الصومَ بعد العِتْق، ثم الإطعامَ بعدَ الصَّومِ، ونازَعَ القاضِي عياضٌ فِي ظهورِ دلالةِ الترتيبِ فِي السُّؤَالِ على ذلكَ، وقالَ: إِنَّ مثلَ هذا السؤالِ قد يستعملُ فيما هو على التَّخْييرِ، هذا أو معناهُ، وجعله يدلُّ علَى الأولويَّةِ مع التخييرِ، وَمِمَّا يقوِّي هذا الذِي ذكرَهُ القاضي: ما جاءَ فى حديثِ كعبِ بنِ عُجرةَ مِن قولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتجِدُ شاةً؟)) فقالَ: لاَ، قالَ: ((فصُمْ ثلاثَةَ أَيَّامٍ، أو أَطْعِمْ ستَّةَ مساكينَ))، ولا ترتيبَ بينَ الشَّاةِ والصَّومِ والإطعامِ , والتَّخييرُ فِي الفديةِ ثابتٌ بنصِّ القرآنِ.

المسألةُ السَّادسةُ: قولُه: ((هلْ تجِدُ رقبةً تُعتِقُهَا؟)) يَستَدِلُّ بهِ من يُجيزُ إعتاقَ الرَّقبةِ الكافرةِ فِي الكفَّارةِ، لأَجْلِ الإطلاقِ، ومَن يشترطُ الإيمانَ، يُقِّيدُ الإطلاقَ ههنا بالتَّقييدِ فِي كفارةِ القتْلِ، وهو يَنْبني عَلَى أنَّ السَّببَ إذا اختلفَ واتَّحدَ الحكمُ، هل يُقيَّدُ المطلقُ أم لا؟ وإذا قُيِّدَ، فهلْ هوَ بالقياسِ أم لا؟ والمسألةُ مشهورةٌ فِي أصولِ الفقِه، والأقربُ: أنَّهُ إنْ قُيِّدَ فبالقياسِ واللهُ أعلمُ.

المسألةُ السابعةُ: قولُه: ((فهلْ تستطيعُ أنْ تصومَ شهرينِ متتابعينِ؟)) قال: لا, لا إشكالَ فِي هذهِ الروايةِ على الانتقالِ مِن الصَّومِ إِلَى الإطعامِ، لأنَّ الأعرابيَّ نفى الاستطاعةَ، وعندَ عدمِ الاستطاعةِ يَنْتَقِلُ إِلَى الصومِ، لكنْ فِي بعض الرِّواياتِ أنهُ قالَ: وهلْ أُتيتُ إلا مِن الصَّومِ؟ فاقتضَى ذلكَ عدمَ استطاعتِه، بسَببِ شدَّةِ الشَّبَقِ، وعدمِ الصَّبرِ فِي الصَّومِ عن الوقاعِ فنشَأَ لأصحابِ الشَّافعيِّ نظرٌ فِي أنَّ هذا هل يكونُ عُذرًا مُرَخِّصًا فِي الانتقالِ إِلَى الإطعامِ فِي حقِّ من هو كذلكَ، أعني شديدَ الشَّبَقِ؟ قال بذلكَ بعضُهُمْ.

المسألةُ الثامنةُ: قولُه: ((فهل تَجِدُ إِطعامَ ستِّينَ مسكينًا؟)) يدلُّ على وجوبِ إطعامِ هذا العدَدِ، ومَن قالَ بأنَّ الواجِبَ إطعامُ ستِّينَ مسكينًا فهذا الحديثُ يُرَدُّ عليهِ مِن وجهينِ، أحدُهمَا: أنه أضافَ ((الإطعامَ)) الذي هو مصدرُ ((أطعَمَ)) إِلَى ستِّينَ، ولا يكونُ ذلكَ موجودًا فِي حقِّ من أطْعَمَ عشرينَ مسكينًا ثلاثةَ أيَّامٍ، الثاني: أنَّ القولَ بإجزاءِ ذلكَ عملٌ بعلّةٍ مستنبطةٍ تعودُ على ظاهرِ النَّصِّ بالإبطالِ، وقد عُرفَ ما فِي ذلكَ فِي أصولِ الفِقْهِ.

المسألةُ التاسعةُ: ((العَرَقُ)) بفتح العينِ والرَّاءِ معًا: المِكْتَلُ من الخُوصِ، واحدُه ((عَرَقَةٌ))، وهي ضَفِيرَةٌ تُجمعُ إِلَى غيرِهَا. فيكونُ مِكْتلاً. وقد روي ((عَرْقٌ)) بإسكانِ الرَّاءِ. وقد قيلَ: إنَّ العرَقَ يسَعُ خمسةَ عشَرَ صاعًا فأُخِذَ من ذلكَ أنَّ إطعامَ كلِّ مسكين مُدٌّ؛ لأَنَّ الصاعَ أربعةُ أمدادٍ، وقد صُرفتْ هذه الخمسةَ عشرَ صاعًا إِلَى ستِّين مدًّا، وقسمت خمسةَ عشرَ إِلَى ستِّينَ برُبعٍ، فلكلِّ مسكينٍ رُبعُ صاعٍ، وهو مدٌّ.

المسألةُ العاشرةُ: ((اللاَّبَةُ)) الحَرَّةُ، والمدينةُ تكتنفُهَا حَرَّتانِ، والحَرَّةُ حجارةٌ سُودٌ، وقيلَ فِي ضَحِكِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّهُ يُحتَمَلُ أن يكونَ لتبايُنِ حالِ الأعرابيِّ، حيثُ كانَ فِي الابتداءِ متحرِّقًا متلهِّفًا حاكمًا على نفسِهِ بالهلاكِ، ثمَّ انتقلَ إِلَى طلبِ الطّعَام لنفسِهِ. وقيلَ: وقد يكونُ من رحمةِ اللهِ تعالى، وتوسعتِهِ عليهِ، وإطعامِهِ لهُ هذَا الطَّعامَ، وإحلالهِ لهُ بعدَ أن كُلِّفَ إخراجَهُ.

المسألةُ الحاديةَ عشرةَ: قولُه عليهِ الصلاةُ و السَّلامُ: ((أطعَمْهُ أهلكَ)) تباينت المذاهبُ فيهِ، فمِن قائلٍ يقولُ: هو دليلٌ على إسقاطِ الكفَّارَةِ عنهُ، لأنهُ لا يمكنُ أنْ يَصرِفَ كفارتَه إِلَى أهلهِ ونفسِه، وإذا تعذَّرَ أنْ تقعَ كفارةٌ، ولم يُبيِّن النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهُ استقرارَ الكفارةِ فِي ذمَّتهِ إِلَى حينِ اليسارِ لزمَ من مجموعِ ذلكَ سقوطُ الكفارةِ بالإعسارِ المقارنِ لسببِ وجوبِهَا وربَّمَا قُرِّرَ ذلكَ بالاستشهادِ بصدقةِ الفطرِ، حيثُ تسقُطُ بالإعسارِ المقارنِ لاستهلالِ الهلالِ. وهذا قولٌ للشافعيِّ، أعني سقوطَ هذهِ الكفارةِ بهذا الإعسارِ المقارنِ. ومِن قائلٍ يقولُ: لا تسقُطُ الكفارةُ بالإعسارِ المقارنِ. وهو مذهبُ مالكٍ. والصحيحُ مِن مذهبِ الشَّافعيِّ أيضًا. وبعدَ القولِ بهذَا المذهبِ فههنا طريقانِ. أحدُهما: منعُ مذهبِ أنْ لا تكونَ الكفارةُ أُخرجتْ فِي هذه الواقعة.

وأما قَولُهُ عَليهِ الصلاةُ و السلامُ: ((أطعَمْهُ أهلكَ)) ففيه وجوهٌ. منها: ادِّعاءُ بعضِهِمْ أنهُ خاصٌّ بهذا الرَّجُلِ، أي يجزئُه أنْ يأكلَ من صدقةِ نفسِهِ لفقرهِ. فسوَّغهَا لهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومنها: ادِّعاءُ أنه منسوخٌ، وهذانِ ضعيفانِ، إذْ لا دليلَ على التَّخصيصِ ولا على النَّسخِ. ومنها: أنْ تكونَ صُرفتْ إِلَى أهلِه لأنَّهُ فقيرٌ عاجزٌ، لا يجبُ عليهِ النفقةُ لعُسْرِهِ، وهم فقراءُ أيضًا، فجازَ إعطاءُ الكفارةِ عن نفسهِ لهُمْ. وقد جوَّزَ بعضُ أصحابِ الشَّافِعيِّ لِمَنْ لَزِمتْهُ الكفارةُ معَ الفقرِ أنْ يَصرِفهَا إِلَى أهلهِ وأولادِه. وهذا لا يتمُّ على روايةِ مَن رَوَى ((كُلْهُ وأطْعِمْهُ أهْلَكَ)).

ومنها: ما حكاهُ القاضي أنه قيلَ: لمَّا مَلَّكه إياهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو محتاجٌ جازَ له أكلُها وإطعَامُهَا أهلَهُ للحاجَةِ. وهذَا ليسَ فيهِ تخصيصٌ؛ لأنهُ إن جُعِلَ عامًّا فليسَ الحكمُ عليهِ. وإنْ جُعِل خاصًّا فهو القولُ المحكيُّ أولاً.
الطريقُ الثاني: وهو الأقربُ - أنْ يُجْعَلَ إِعْطَاؤُهُ إيَّاهَا لا عن جهةِ الكفارةِ. وتكونُ الكفَّارةُ مرتَّبةً فِي الذِّمَّةِ لمَّا ثبتَ وجوبُهَا فِي أوَّلِ الحديثِ. والسُّكوتُ لتقدُّمِ العلمِ بالوجوبِ. فإمَّا أن يُجعلَ ذلكَ مع استقرارِ أنَّ ما ثبتَ فِي الذمَّةِ يتأخَّرُ للإعسارِ ولا يَسقطُ، للقاعدةِ الكلِّيَّةِ والنَّظائرِ، أو يؤخذُ الاستقرارُ من دليلٍ يدلُّ عليهِ أقوى من السُّكوتِ.

المسألة الثانيةَ عشرةَ: جمهورُ الأمَّةِ على وجوبِ القضاءِ على مُفسدِ الصَّومِ بالجِماعِ. وذهبَ بعضُهُم إِلَى عدم وجوبِهِ، لسكوتِهِ عليهِ السَّلامُ عن ذِكْرِه. وبعضُهُمْ ذهبَ إِلَى أنَّهُ إن كفَّر بالصِّيامِ أجزأهُ الشَّهرانِ. وإنْ كفَّر بغيرهِ قضَى يومًا. والصحيحُ: وجوبُ القضاءِ. والسُّكوتُ عنهُ لتقرُّرهِ وظهورهِ. وقد رُوِيَ أنه ذُكِرَ فِي حديثِ عمْرِو بنِ شُعيبٍ. وَفِي حديثِ سعيدِ بنِ المسيِّبِ - أعني القضَاءَ - والخلافُ فِي وجوبِ القَضاءِ مَوجُودٌ فِي مذهبِ الشَّافعيِّ. ولأصحابهِِ ثلاثةُ أوجُهٍ. وهي المذاهبُ التي حَكيْنَاهَا. وهذا الخلافُ فِي الرَّجلِ. فأمَّا المرأةُ فيجبُ عليهَا القضاءُ من غيرِ خلافٍ عندهمْ، إذ لمْ يوجِبْ عليهَا الكفَّارةُ.

المسألةُ الثالثةَ عشرةَ: اختلفُوا فِي وجوبِ الكفَّارةِ على المرأةِ إذا مَكَّنتْ طائعةً فوطئها الزَّوجُ: هل تَجِبُ عليها الكفارةُ أم لا؟ وللشافعيِّ قولانِ. أحدُهما: الوجوبُ. وهو مذهبُ مالكٍ وأبي حنيفةَ. وأصحُّ الروايتينِ عن أحمدَ. الثاني: عدمُ الوجوبِ عليها، واختصاصُ الزَّوجِ بلُزومِ الكفَّارةِ. وهو المنصورُ عندَ أصحابِ الشافعيِّ من قوليهِ. ثمَّ اختلفُوا: هل هي واجبةٌ على الزَّوجِ لا تُلاقي المرأةَ، أو هي كفارةٌ واحدةٌ تقومُ عنهمَا جميعًا؟ وفيه قولانِ مُخرَّجانِ من كلامِ الشافعيِّ. واحتجَّ الذينَ لم يوجبُوا عليهَا الكفارَةَ بأمورٍ. منها: مَا لا يتعلَّقُ بالحديثِ. فلا حاجةَ بنا إِلَى ذِكرهِ.

والذي يتعلَّقُ بالحديثِ من استدلالِهِمْ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُعلِم المرأةَ بوجوبِ الكفَّارةِ عليهَا، مع الحاجةِ إِلَى الإعْلامِ. ولا يجوزُ تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ. وقدْ أَمرَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنيسًا أنْ يغدوَ على امرأةِ صاحبِ العْسِيفِ، فإن اعترفَتْ رجَمَهَا. فلو وجبت الكفارةُ على المرأةِ لأعلَمَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلكَ، كمَا فِي حديثِ أنيسٍ.

والذينَ أوجبُوا الكفارةَ أجابُوا بوجوهٍ:
أحدُها: أنَّا لا نُسلِّمُ الحاجةَ إِلَى إعلامِها. فإنَّهَا لم تعترفْ بِسببِ الكفَّارةِ. وإقرارُ الرجلِ عليهَا لا يوجبُ عليهَا حُكمًا. وإنَّمَا تمسُّ الحاجةُ إِلَى إعلامِهَا إذَا ثبتَ الوجوبُ فِي حقِّهَا ولم يَثْبتْ على ما بَيَّنَّاه.

وثانيها: أنها قضيَّةُ حالٍ يتطرَّقُ إليهَا الاحتمالُ. ولا عمومَ لهَا. وهذهِ المرأةُ يجوزُ أن لا تكونَ ممَّنْ تجِبُ عليهَا الكفَّارةُ بهذَا الوطْءِ: إما لصغَرِها، أو جنونِهَا، أو كفرِهَا، أو حيضِها، أو طهارتِهَا مِن الحيضِ فِي أثناءِ اليومِ.
واعتُرضَ على هذَا بأنَّ عِلْمَ النبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحيضِ امرأةِ أعرابيٍّ لمْ يعلمْ عسرَهُ حتى أخبرَهُ بهِ مستحيلٌ. وأما العُذرُ بالصِّغرِ والجنونِ والكفرِ والطَّهارةِ من الحيضِ: فكلُّها أعذارٌ تنافِي التحريمَ على المَرأةِ. وينافيها قولُه فيما رووهُ ((هلكتُ، وأهلكتُ)) وجودةُ هذا الاعتراضِ موقوفةٌ على صحَّةِ هذهِ الرِّوايةِ.

وثالثُها: لا نسلِّمُ عدمَ بيانِ الحُكمِ. فإن بيانَه فِي حقِّ الرَّجلِ بيانٌ لهُ فِي حقِّ المرأةِ لاستوائِهمَا فِي تحريمِ الفطرِ، وانتهاكِِ حرمةِ الصَّومِ، مع العلمِ بأنَّ سبَبَ إيجابِ الكفَّارةِ هو ذاكَ. والتنصيصُ على الحكمِ فِي بعضِ المكلَّفينَ: كافٍ عن ذكرِه فِي حقِّ الباقينَ. وهذا كما أنَّهُ عليهِ السلامُ لم يذكرْ إيجابَ الكفارةِ على سائرِ الناسِ غيرِ الأعرابيِّ، لِعِلمهِمْ بالاستواءِ فِي الحُكمِ، وهذا وجهٌ قويٌ.

وإنَّمَا حاولوا التعليلَ عليهِ بأن بَيَّنُوا فِي المرأةِ معنَى يُمكنُ أن يُظَنَّ بِسببِهِ اختلافُ حكمِهَا مع حكمِ الرَّجلِ، بخلافِ غيرِ الأعرابيِّ من الناسِ، فإنه لا معنَى يوجبُ اختلافَ حكمِهِمْ مع حكمِهِ. وذلكَ المعنَى الذي أبدوْهُ فِي حقِّ المرأةِ هو أنَّ مُؤَنَ النِّكاحِ لازمةٌ للزَّوجِ، كالمهرِ وثمنِ ماءِ الغُسلِ عن جِماعِه، فيُمكِنُ أنْ يكونَ هذا منهُ.
وأيضًا: فجَعَلوا الزَّوجَ فِي بابِ الوطءِ هو الفاعلُ المنسوبُ إليه الفعلُ، والمرأةُ محلٌّ فيمكنُ أنْ يقالَ: الحكمُ مضافٌ إِلَى من يُنسبُ إليه الفعِلُ. فيقالُ: واطئٌ ومواقعٌ، ولا يقالُ للمرأةِ ذلكَ، وليسَ هذانِ بقويَّيْنِ، فإنَّ المرأةَ يحرمُ عليها التمكينُ، وتأثمُ بهِ إثمَ مرتكِبِ الكبائِرِ، كما فِي الرَّجلِ. وقد أضيفَ اسمُ الزِّنا إليها فِي كتابِ اللهِ تعالى. ومدارُ إيجابِ الكفَّارةِ على هذا المعنَى.

المسألةُ الرابعةَ عشرةَ: دلَّ الحديثُ بِنَصَّهِ على إيجابِ التَّتابعِ فِي صيامِ الشَّهرينِ، وعن بعضِ المتقدِّمينَ: أنه خالفَ فيهِ.

المسألةُ الخامسةَ عشرةَ: دلَّ الحديثُ على أنه لا مدخلَ لغيرِ هذهِ الخصالِ فِي هذه الكفارةِ. وعن بعضِ المتقدِّمينَ: أنه أَدْخلَ البَدَنةَ فيها عندَ تعذُّرِ الرَّقبةِ, ووردَ ذلكَ فِي روايةِ عطاءٍ، عن سعيدٍ. وقيلَ: إنَّ سعيدًا أنكرَ روايتَهُ عنهُ.

  #6  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: >> بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، فقال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، وفي رواية: أصبت أهلي في رمضان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد له طعام مسكينا؟ قال: لا، قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن على ذلك إذ أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، قال: أين السائل؟ قال: أنا، قال خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: على أفقر مني يارسول الله؟ فوالله مابين لابيتها أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك.
. . .
وهكذا لو جامع عمدا فعليه الكفارة، ولهذا النبي جاءه الأعرابي قال: يارسول الله هلكت، قال: وماهلكت؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، يعني وقعت عليها عمدا، حمله الهوى والشيطان حتى وقع عليها فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن عليه كفارة وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينا كالظهار، كالذي يظاهر من امرأته، يحرمها، عليه كفارة مرتبة: العتق ثم الصيام ثم الإطعام، حسب طاقته، إن استطاع العتق وجب عليه العتق، عتق رقبة مؤمنة ذكر أو أنثى، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، وهي مثله إذا كانت مطاوعة، مثله عليها الكفارة، أما إن كانت مقهورة بالقوة ليس لها اختيار وليست لها قدرة فمعذورة. فإن عجز يطعم ستين مسكينا.
وفي هذا الحديث أن هذا الرجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم هل تجد كذ؟ هل تجد..؟ قال: لا أستطيع، حتى قال: هل تستطيع إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا أستطيع. فجلس وسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جيء النبي صلى الله عليه وسلم بعرق من تمر، فدفعه له قال: أطعم بهذا، فقال الرجل: يارسول الله والله مابين لابيتها – أي المدينة – أهل بيت أفقر من أهل بيتي، يعني أنه أولى بهذا الطعام، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم من عجب أمره، كونه يستفتي عن كفارته ثم طمع فيها لنفسه لحاجته، ثم قال له: اذهب فأطعمه أهلك.
هذا يدل على أن الإنسان يصدق في عجزه، وأنه أعلم بنفسه، إذا قال إنه لا يستطيع الصوم، لا يستطيع العتق، لا يستطيع الإطعام هو أعلم بنفسه، فالله يحاسبه على ما كذب فيه.
ويدل على أنه إذا عجز الإطعام والصيام والعتق للوطء في رمضان يسقط عنه، فإنه الرسول ماقال له: إذا قدرت وإذا يسرت فكفر، وإنما قال: اذهب فأطعمه أهلك، وسكت عنه، فدل على سقوطه وأنه إذا عجز عن هذه الكفارة سقطت عنه رحمة من الله عز وجل.
أما في الظهار فلا تسقط عنه، بل تبقى في ذمته حتى يستطيع واحدة من الثلاث: العتق أو الصيام أو الإطعام، حسب التيسير. أما في حال هذا فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تلزمه لأنه قال: أطعمه أهلك، وظاهر أن الإنسان ليس مصرفا لكفاراته، فدل على سقوطها عنه لعجزه.
وفق الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه.

  #7  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 03:32 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

أما إذا كان الجماع عمدا , سواء تذكره الزوجان أو تذكره أحدهما , فإن فيه الكفارة , وقد دل عليها هذا الحديث الذي سمعناه ، وهي كفارة مثل كفارة الظهار . هذا الرجل ذكر أنه وقع في مهلكة , قد عرف أن الجماع في نهار رمضان ذنب كبير , ولأجل ذلك قال: هلكت , فقال: ((ما أهلكك))؟ فأخبر بأنه وطئ امرأته في نهار رمضان , هذا يَعرف أنه حرام ويعرف أنه ذنب، وأن فيه هلكة ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوبخه ولم يشدد عليه بالتقريع بل عذره ؛ لأن الغالب أنه غلبته شهوته فلم يتمالك نفسه أن وقع في الجماع .
وبالمناسبة نقول:
أولا: كثيرا ما يقع هذا من الشباب ، وبالأخص إذا تزوج قرب رمضان ، فإنه تغلبه الشهوة حتى في النهار ، فيقع منه إفساد أيام كثيرة أو قليلة , فلأجل ذلك يستحب أن يؤخره إلى بعد رمضان أو يقدمه على رمضان بأشهر .
ثانيا: يتأكد ألا إذا كان ممن تثور شهوته بمجرد المقاربة ألا يقرب من زوجته أو تقرب منه في نهار رمضان , بل ينام كل منهما على فراش بعيدا عن الآخر .
ثالثا: إذا أحس بثوران الشهوة فعليه أن يبتعد حتى تبرد شهوته ، فإن غلبته فليس له الوطء بل يخففها مثلا بالمباشرة أو نحو ذلك ؛ فإن في لمباشرة إبطال للصيام , ولكن ما تلزم الكفارة . المباشرة يعني مجرد اللمس والضم والتقبيل إلى أن يحصل الإنزال ، أو نحو ذلك , أما إذا غلبته نفسه فوقع في الجماع ولم تندفع شهوته إلا بالإيلاج ففي هذه الحالة عليه الكفارة على الترتيب ككفارة الظهار , فيقال له: أعتق رقبة , رقبة على الصحيح أنها رقبة مؤمنة سالمة من العيوب المخلة بالعمل ، لا بد أن تكون سالمة من كل عيب يخل بالعمل أو يضر به ضررا بينا .
ثانيا: إذا لم يجد رقبة أو لم يجد ثمنها ولم يستطع شراءها انتقل إلى صيام شهرين متتابعين, لا يفطر بينهوا إلا لعذر كمرض أو سفر ضروري , ويكفيه شهران هلاليان ، يعني ولو كان أحدهما ناقصا ، أو كانا ناقصين .
ثالثا: إذا لم يستطع انتقل إلى الإطعام ، فيطعم ستين مسكينا , والمساكين هم الذين تحل لهم الزكاة , فيطعم كل واحد منهم نصف صاع من الطعام المعتاد , الطعام الذي يأكله هو وأهله , ويجوز أن يجمعهم جميعا فيغديهم ، أو يعشيهم ، أو يعطيهم ما يكفيهم , فهذا ونحوه هذه كفارة الوطء في نهار رمضان .
بعد ذلك نقول: إذا لم يجد كما في حال هذا الرجل , هذا الرجل كان فقيراً , لما جيء النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الطعام الذي في المكتل - العرق: مكتل يسع خمسة عشر صاع - قال: تصدق به على المساكين , فأخبر بأنهم فقراء وأن أهل بيته هم أفقر أهل المدينة الذي بين الحرتين ؛ لأن المدينة بين حرتين: حرة في الشرق وحرة في الغرب ، والحرة: هي الأرض التى تركبها حجارة سوداء , فقال: ما بين لابتيها يعني الحرتين أهل بيت أفقر منا .
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبا منه , حيث أنه جاء وهو في غاية الوجل وفي غاية الخوف , جاء وهو مشفق يخشى من العقوبة ، يخشى أنه وقع في مصيبة وأنه ليس له تخلص من هذه المصيبة ، ولا يدري ماذا يحكم عليه به ، فلما رأى رقة النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاله من حالة إلى حالة عذره لما لم يجد الرقبة ، وعذره لما لم يستطع الصيام , فعند ذلك رجى أن يعذره لما لم يجد الإطعام , ورجى أيضا أن يعذره لما وجد الطعام فيطعمه أهله ، فطلب أن يطعم أهله هذا الطعام وقال: ليس هناك أحد أحوج إلى هذا الطعام من أهل بيتنا، فأمره بأن يطعمه أهله .
قال العلماء: لم يأمره أن يقضي إذا وجد , فدل على أنها تسقط بالعجز , إذا لم يجد الإطعام سقطت عنه إلى غير بدل ، ولكن عليه أن يقضي اليوم الذي أفسده , وعليه أن يتقي الله فلا يعود ؛ لأن الكفارات شرعت للزجر , للزجر عن مثل هذه الأمور ، فهذه الكفارة كفارة فيها شيء من القوة , فيها شيء من الشدة , ومع ذلك تساهل النبي صلى الله عليه وسلم حتى جعل الطعام الذي يتصدق به طعاما لأهله , أباح له أن يأكله هو وأهله .
لم يذكر في الحديث الكفارة على المرأة , معلوم أن الجماع لا بد أن يكون بين اثنين , فلم يذكر المرأة ولم يقل عليها كفارة كما على زوجها . العلماء يقولون: إذا كانت مطاوِعة فعليها كفارة كما على زوجها ، وإذا كانت مكرهة يعني ملجأة قد غصبها وألجأها ولم يكن لها اختيار ولا قدرة على الامتناع فلا كفارة عليها سوى قضاء ذلك اليوم ؛ لأن المكره معذور لقوله تعالى: {إلا من أكره} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)).
فأما إذا كانت قد وافقت ورضيت بذلك فإنها أحد الزوجين , فعليها كما على زوجها من الكفارة , هذا هو الذي عليه جماهير العلماء , وقالوا: إنه صلى الله عليه وسلم سكت عن المرأة لمعرفته أنها فقيرة ، كما أن زوجها فقير , إذا كان زوجها لم يجد ما يتصدق به فكيف بالمرأة تجد أو تستطيع ؟! فسكت عنها لعذرها كعذر زوجها , أو أن في بيان الحكم لأحد الزوجين تنبيه على الزوج الثاني ، فإنه إذا عرف حكمه أن على الزوج الذي هو أحد المتجامعين عليه كفارة ، فكذلك على المرأة .
هذا جواب أهل الحديث عن هذا الحديث ..عن تركه لذكر المرأة . فذهب آخرون إلى أنه ليس عليها شيء ما دام أنها لم تذكر في الحديث ، فكأنهم يقولون: الكفارة الواحدة تكفيهما معا . ولكن الصحيح أنه لا بد لها من كفارة إذا كانت مختارة مطاوعة ، أو كانت هي الطالبة أو نحو ذلك , قد يكون هناك موانع منعت ذكر هذه المرأة ولكن لا يساويها غيرها في تلك الموانع .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجامع, كفارة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir