دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > فضائل السور والآيات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 جمادى الأولى 1437هـ/25-02-2016م, 07:24 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي صحيح فضائل السور والآيات

صحيح فضائل السور والآيات

تمهيد:
من دلائل سعة فضل الله عزّ وجل، وبديع حكمته، وعظيم إحسانه أن فضّل بعض سور القرآن على بعض؛ وجعل لبعض السور والآيات من الخصائص والفضائل ما تمتاز به على غيرها، مع ما للقرآن كلّه من الفضل العظيم، والشرف الرفيع، والكمال والتمام.
وقد بيّنت فيما مضى دلالة النصوص على تفاضل السور والآيات.
وفي هذا الدرس سأجتهد – بعون الله تعالى – في جمع وتلخيص ما صحّ في فضائل السور والآيات.

درجات المرويات في فضائل القرآن
وليعلم أنّ المرويات في فضائل القرآن كثيرة جداً، ومتفرّقة في كتب كثيرة يصعب تقصّيها وحصرها، ثمّ هي على درجات؛ فمنها الصحيح البيّن، ومنها ما تترجّح صحّته، ومنها الضعيف البيّن، ومنها يترجّح ضعفه، ومنها ما يكثر خلاف أهل العلم فيه، وتتقارب حجج المختلفين، ويكون في الترجيح بينها ما يستدعي المبالغة في جمع الطرق والأقوال والحجج والتعرّف على العلل ومآخذ الاحتجاجات، ويتطلّب ذلك من جهد الباحث ووقته مع كثرة المرويات ما لا يخفى.
غير أنّه ينبغي لطالب علم التفسير أن يكون على إلمام حسن بمرويات فضائل القرآن وأحكامها.
وأقرب الطرق إلى نيل هذه الدرجة أن يدرس مختصراً في علم فضائل القرآن يجمع له المرويات المشتهرة في كتب الحديث والتفسير، ويبيّن له أنواعها ودرجاتها وأحكامها؛ فيقبل عليه بالقراءة والتفهّم، وحفظ ما يلزم حفظه؛ حتى تكون له عُدة حسنة في هذا الباب.
وهذا مما دعاني إلى كتابة هذا الفصل الذي لخّصته لنفسي ولإخواني من طلاب العلم، ولعموم المسلمين الذين يريدون معرفة ما صح في فضائل القرآن من الأحاديث والآثار، وأسأل الله تعالى لي ولكم الإعانة على بلوغ الغاية، والهداية والتسديد، والبركة والتوفيق.

أنواع فضائل سور القرآن:
والأحاديث المروية في فضائل بعض سور القرآن على أنواع:
- فمنها فضائل متعلّقة بشأن السورة والآية وبيان منزلتها وقدرها عند الله عزّ وجل.
- ومنها فضائل متعلّقة بعظم ثواب قراءتها.
- ومنها فضائل متعلّقة ببيان خصائص بعض السور والآيات وبعض آثارها التي امتازت بها.
- ومنها فضائل متعلّقة بالتنبيه على عظم معانيها وسعة دلائلها.

فضائل سورة الفاتحة
ورد في فضلها أحاديث كثيرة دلَّت على أنّهم أعظم سور القرآن، وأنّها أفضل القرآن، وأنّها خير سورة في القرآن، وأنّها أمّ القرآن أي أصله وجامعة معانيه، وأنّه ليس في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في القرآن مثلها، وأنّها نورٌ لم يُؤتَه نبيّ قبل نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنّه لا يقرأ بحرف منها إلا أعطيه، وأنّها رقية نافعة، وأن الصلاة لا تتمّ إلا بها.


1. حديث أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه، قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلم أجبْه، فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي؛ فقال: ألم يقل الله: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد». ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: «ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن»، قال: {الحمد لله رب العالمين} «هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته». رواه البخاري من طريق خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى.

2. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن هي السبع المثاني، والقرآن العظيم» رواه البخاري من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.

3. وحديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في القرآن مثلها؟ »
قلت: بلى.
قال: « فإني أرجو أن لا أخرج من ذلك الباب حتى تعلمها »
ثم قام رسول الله؛ فقمت معه؛ فأخذ بيدي، فجعل يحدثني حتى بلغ قرب الباب، قال: فذكّرته، فقلت: يا رسول الله، السورة التي قلت لي!
قال: « فكيف تقرأ إذا قمت تصلي؟ »
فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: « هيَ هي، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيت بعد ». رواه الإمام أحمد والدارمي والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.
ورواه أبو عبيد وأحمد من طريق إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقرأ عليه أبيّ بن كعب أمَّ القرآن- فقال: « والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها إنها السبع من المثاني».
قال البيهقي: (فيشبه أن يكون هذا القولُ صدرَ من جهةِ صاحبِ الشرعِ صلى الله عليه وسلم لأبيّ، ولأبي سعيد بن المعلَّى كليهما).

4. وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرٍ له فنزل ونزل رجل إلى جانبه؛ فالتفتَ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا أخبرك بأفضل القرآن» قال: (فتلا عليه الحمد لله رب العالمين). رواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان والحاكم كلهم من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس به.

5. وحديث عبد الله بن جابر البياضي الأنصاري رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء، فقلت: السلام عليك يا رسول الله؛ فلم يردَّ علي، فقلت: السلام عليك يا رسول الله؛ فلم يردَّ علي، فقلت: السلام عليك يا رسول الله؛ فلم يردَّ علي؛ فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا خلفه، حتى دخل رحلَه، ودخلت أنا إلى المسجد؛ فجلستُ كئيباً حزيناً؛ فخرج عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد تطهَّر، فقال: (عليك السلام ورحمة الله، وعليك السلام ورحمة الله، وعليك السلام ورحمة الله).
ثم قال: (ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بخير سورة في القرآن؟).
قلت: بلى يا رسول الله.
قال: (اقرأ "الحمد لله رب العالمين" حتى تختمها). رواه الإمام أحمد والضياء المقدسي في المختارة من طريق محمّد بن عبيد عن هاشم بن البريد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن جابر، وهو حديث حسن، وقد تقدّمت بعض شواهده.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق علي بن هاشم بن البريد عن أبيه به، وزاد: قال علي: وأحسبه قال: ( فيها شفاء من كل داء) وهذه الزيادة لا تصح.

6. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: " هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم"، فنزل منه ملك، فقال: "هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم"؛ فسلَّم وقال: (أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته). رواه مسلم في صحيحه وابن أبي شيبة في مصنفه والنسائي في الكبرى وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في السنن الصغرى وغيرهم من طريق عمار بن رزيق، عن عبد الله بن عيسى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وقوله: (لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته) فسّر بعض العلماء الحرف بكلّ كلمة فيها طلب نحو "اهدنا" و"غفرانك"، و"اعف عنا"، ولعل الأظهر عموم حروفها؛ كما فسّره حديث أبي هريرة مرفوعاً: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي..) الحديث؛ فكلّ جملة طلبية عطاؤها الإجابة، وكلّ جملة خبرية عطاؤها ذكر الله وإثابته.

7. وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب؛ فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلُدِغ سيّد ذلك الحيّ، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء؛ فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط إن سيّدنا لُدِغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟
فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا؛ فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم؛ فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: {الحمد لله رب العالمين..}؛ فكأنما نُشِطَ من عِقَال؛ فانطلق يمشي وما به قَلَبَة، قال: فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه؛ فقال بعضهم: اقسموا؛ فقال الذي رَقَى: لا تفعلوا حتى نأتيَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنذكرَ له الذي كان؛ فننظرَ ما يأمرُنا؛ فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له؛ فقال: «وما يدريك أنها رقية؟!!»
ثم قال: «قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهما» فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم). متفق عليه من حديث أبي بشر اليشكري عن أبي المتوكّل الناجي عن أبي سعيد الخدري.
ورواه أحمد وابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجه من طريق جعفر بن إياس، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ثلاثين راكبا، قال: فنزلنا بقوم من العرب، قال: فسألناهم أن يضيفونا فأبوا، قال: فلدغ سيدهم، قال: فأتونا، فقالوا: فيكم أحد يرقي من العقرب؟
قال: فقلت: نعم أنا، ولكن لا أفعل حتى تعطونا شيئا، قالوا: فإنا نعطيكم ثلاثين شاة، قال: فقرأتُ عليها الحمدَ سبع مرات.
قال: فبرأ، قال: فلما قبضنا الغنم، قال: عرض في أنفسنا منها، قال: فكففنا حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكرنا ذلك له، قال: فقال: « أما علمت أنها رقية، اقسموها واضربوا لي معكم بسهم ».
وله طرق أخرى.
قال النووي: (أما قوله صلى الله عليه وسلم: « واضربوا لي بسهم» فإنما قاله تطييباً لقلوبهم ومبالغةً في تعريفهم أنه حلال لا شبهة فيه).

8. وحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» متفق عليه من حديث الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت.
والأحاديث في الأمر بقراءة الفاتحة في الصلاة متواترة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم.
9. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج» ثلاثا غير تمام. فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: «اقرأ بها في نفسك»؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين}، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي - وقال مرة فوض إلي عبدي - فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل). رواه مسلم في صحيحه وأحمد والبخاري في القراءة خلف الإمام والترمذي والنسائي كلهم من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وله طرق أخرى كثيرة.

10. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء، فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راقٍ، إنَّ في الماء رجلا لديغا أو سليما، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» رواه البخاري وابن حبان والدارقطني والبيهقي كلهم من طريق أبي معشر يوسف بن يزيد البراء عن عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس.

11. وحديث عامر بن شراحيل الشعبي، عن خارجة بن الصلت، عن عمّه، قال: أقبلنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتينا على حي من العرب، فقالوا: نُبّئنا أنكم جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم دواء أو رقية؟ فإنَّ عندنا معتوها في القيود. قال: فقلنا: نعم.
قال: فجاءوا بالمعتوه في القيود، قال: فقرأت بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، أجمع بزاقي، ثم أتفل، قال: فكأنما نشط من عقال قال: فأعطوني جُعْلا، فقلت: لا، حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته فقال: « كل لعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق ». رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو داوود وابن حبان والحاكم وغيرهم.
وفي رواية عند الإمام أحمد وأبي داوود: (فرقيته بفاتحة الكتاب، فبرأ، فأعطوني مائة شاة).
وفي رواية عند أبي داوود قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «هل قلت غير هذا؟» قلت: لا، قال «خذها؛ فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق».
والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وله شاهد من مرسل قيس بن أبي حازم عند ابن أبي شيبة.



  #2  
قديم 5 رجب 1437هـ/12-04-2016م, 09:47 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

فضائل سورة البقرة
وسورة البقرة هي مقدَّم سور القرآن بعد الفاتحة، وقدّمت في المصحف لتقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياها في القيام، فكان يبدأ بها، وهذا من دلائل شرف قدرها.
وقد دلّت الأحاديث الصحيحة على أنّ سورة البقرة تقدم سورَ القرآن يوم القيامة، وأنها تظلّ صاحبها يوم القيامة وتحاجّ عنه، وأنّ أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة، وأنّ تلاوتها تنفّر الشياطين.
وهي أكبر سور القرآن، وأكثرها عدد آيات، وقد اشتملت على كثير من أحكام الدين في العقائد والعبادات والمعاملات والمواعظ والقصص والأمثال والآداب؛ فكان لهذه السورة شأن عظيم عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند أصحابه؛ فمن حفظها منهم جَدَّ في أعينهم، وعَظُمَ شأنُه؛ لأنَّهم كانوا يتعلّمون ما فيها من العلم والعمل والإيمان.
وقد ذكر الإمام مالك في الموطّأ أنه بلغه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه مكث على سورة البقرة، ثماني سنين يتعلَّمها.
ولمّا كان يوم حنين وتولّى من تولّى خصّ النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب سورة البقرة بالدعوة فعادوا عوداً سريعاً لعِظَم الأمانة التي تحمَّلوها بهذه السورة.
ولذلك جعل الصحابة شعارهم يوم اليمامة : "يا أصحاب سورة البقرة".
وقد تضمّنت سورة البقرة أعظم آية في القرآن، وهي آية الكرسي التي صحّ في فضلها وعظيم ثواب تلاوتها جملة من الأحاديث، وصحّ أنّ المؤمن يُحفظ بها من كيد الشياطين.
وصحّ في خواتيم سورة البقرة عدد من الأحاديث التي دلّت على جلالة قدرها عند الله عزّ وجل، وعظيم ثواب تلاوتها، وأنّها مما ادّخره الله تعالى لهذه الأمّة، وفضّلها به على غيرها من الأمم.

1. حديث النواس بن سمعان الكلابي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران»، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: «كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف، تحاجان عن صاحبهما» رواه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم من طريق الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان الكلابي.
قالَ ابن الجوزي: (المراد بالزهراوين: المنيرتين، يقال لكل منير: زاهر، والغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه مثل السحابة والغَبَرة، يقال: غايا القوم فوق رأس فلان بالسيف، كأنهم أظلوه به.
قال لبيد:
فتدليت عليه قافلا ... وعلى الأرض غيايات الطفل
ومعنى فرقان: قطعتان، والفِرْق: القطعة من الشيء قال عز وجل: {فكان كل فرق كالطود العظيم}.
والصواف: المصطفة المتضامَّة لتُظِلَّ قارئها.
والبطلة: السحرة).
وقال ابن كثير: (ومعنى ((لا تستطيعها)) أي: لا يمكنهم حفظها، وقيل: لا تستطيع النّفوذ في قارئها، واللّه أعلم).

2. وحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة». قال معاوية: بلغني أن البطلة: السحرة). رواه مسلم من طريق معاوية بن سلام، عن أخيه زيد، عن أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة صديّ بن عجلان الباهلي.
ورواه الإمام أحمد من طريق يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلّامٍ، عن أبي أمامة

تنبيه:
قال ابن الأثير في جامع الأصول: زاد في رواية «ما من عبد يقرأ بها في ركعة قبل أن يسجد، ثم سأل الله شيئا إلا أعطاه، إن كادت لتستحصي الدين كله»
وهذه الرواية ليست في النسخ المعروفة من صحيح مسلم، ولا أعلم لها أصلا.

3. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» رواه مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه، والنسائي في الكبرى وغيرهم من طريق سهيل بن صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
ورواه أبو عبيد من هذا الطريق بلفظ: ((صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا، وزينوا أصواتكم بالقرآن، فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)).

4. وحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته، يقول: «تعلموا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة» ثم سكت ساعة، ثم قال: " تعلموا سورة البقرة وآل عمران، فإنهما الزهراوان، وإنهما تظلان صاحبهما يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صواف، وإن القرآن يأتي صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك بالهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذًّا كان أو ترتيلا)). رواه أحمد وابن أبي شيبة والدارمي ومحمد بن نصر والطبراني والبغوي كلهم من طريق: بشير بن المهاجر الغنوي، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، وحسّنه الألباني رحمه الله في الصحيحة.
قال ابن كثير: (وروى ابن ماجه من حديث بشير بن المهاجر بعضه، وهذا إسنادٌ حسنٌ على شرط مسلمٍ، فإنّ بشيرًا هذا أخرج له مسلمٌ، ووثّقه ابن معينٍ، وقال النّسائيّ: ليس به بأسٌ، إلّا أنّ الإمام أحمد قال فيه: هو منكر الحديث، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هي تجيء بالعجب.
وقال البخاريّ: يخالف في بعض حديثه. وقال أبو حاتمٍ الرّازيّ: يكتب حديثه ولا يحتجّ به.
وقال ابن عديٍّ: روى ما لا يتابع عليه. وقال الدّارقطنيّ: ليس بالقويّ.
قلت [القائل ابن كثير]: ولكن لبعضه شواهد). ا.هـ.

5. وأثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وإن لكل شيء لُبَاباً، وإن لُباب القرآن المفصل» رواه الدارمي والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عاصم بن أبي النجود، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود موقوفاً عليه.
زاد الطبراني: (وإن الشياطين لتخرج من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة، وإن أصفر البيوت للجوف الذي ليس فيه من كتاب الله شيء).
وقد روي مرفوعاً من حديث ابن مسعود وأبي هريرة ومعقل بن يسار ولا يصحّ رفعه.
والموقف حسن الإسناد، وله حكم الرفع لأنه مما لا يقال بالرأي.
قال الدارمي: (اللباب: الخالص).

6. وقال الزهري: حدثني كثير بن عباس، عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته التي أهداها له الجذامي فلما ولى المسلمون قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عباس ناد» قلت: يا أصحاب السمرة يا أصحاب سورة البقرة وكنت رجلا صيتا فقلت: يا أصحاب السمرة يا أصحاب سورة البقرة فرجعوا عطفة كعطفة البقرة على أولادها وارتفعت الأصوات). رواه الحميدي في مسنده واللفظ له، وهو في مسند الإمام أحمد من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري مختصراً.

7. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه:(كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا) يعني عَظُم.
رواه أحمد من طريق يزيد بن هارون عن حميد عن أنس، وأصله في الصحيحين.

8. وقال عروة بن الزبير:(كان شعار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم مسيلمة: يا أصحاب سورة البقرة).
رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه.


فضل آية الكرسي
1. حديث أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟»
قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟»
قال: قلت: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}.
قال: فضرب في صدري، وقال: «والله ليهنك العلم، أبا المنذر». رواه مسلم في صحيحه من طريق سعيد الجريري عن أبي السَّليل، عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبيّ بن كعب.
وفي رواية في غير صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفسي بيده إنَّ لها للساناً وشفتين تقدّسَان للملك عند ساق العرش»
وهذه الزيادة رواها عن سعيد الجريري: عبد الأعلى السامي، وسفيان الثوري، وابن علية، وجعفر بن سليمان.
فأمّا رواية عبد الأعلى السَّامي فأخرجها عبد بن حميد في مسنده، وأبو نعيم في المستخرج، والبيهقي في شعب الإيمان، والبغوي في شرح السنة، وهي الطريق التي رواها مسلم في صحيحه.
وأما رواية جعفر بن سليمان فأخرجها أبو داوود الطيالسي وعبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه.
وأمّا رواية سفيان الثوري فأخرجها عبد الرزاق ومن طريقه أحمد وابن الضريس في فضائل القرآن، وأبو عوانة في مستخرجه، والبيهقي في شعب الإيمان.
ولهذا الحديث طرق أخرى عن غير الجريري.
2. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان؛ فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته؛ فقلت لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث -، فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدقك وهو كذوب ذاك شيطان» رواه البخاري في صحيحه من طريق عوف بن أبي جميلة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
وروى النسائي في الكبرى وابن الضريس في فضائل القرآن من طريق إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي هريرة، أنه كان على تمر الصدقة، فوجد أثر كف كأنه قد أخذ منه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أتريد أن تأخذه؟ قل: سبحان من سخرك لمحمد صلى الله عليه وسلم " قال أبو هريرة: فقلت، فإذا أنا به قائم بين يدي، فأخذته لأذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن، ولن أعود، قال: فعاد، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أتريد أن تأخذه؟» فقلت: نعم، فقال: «قل سبحان من سخرك لمحمد صلى الله عليه وسلم» فقلت، فإذا أنا به، فأردت لأذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعاهدني أن لا يعود فتركته، ثم عاد، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتريد أن تأخذه؟ " فقلت: نعم، فقال: " قل: سبحان الذي سخرك لمحمد صلى الله عليه وسلم " فقلت: فإذا أنا به، قلت: عاهدتني فكذبت وعدت، لأذهبن بك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: خل عني أعلمك كلمات، إذا قلتهن لم يقربك ذكر ولا أنثى من الجن، فقلت: وما هؤلاء الكلمات؟ قال: آية الكرسي اقرأها عند كل صباح ومساء، قال أبو هريرة: فخليت عنه، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أوما علمت أنه كذلك؟»

3. وحديث واثلة بن الأسقع البكري رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جَاءهم في صُفَّةِ المهاجرين؛ فسأله إنسان: أي آية في القرآن أعظم؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}). رواه أبو داوود في سننه والطبراني في الكبير من طريق عن ابن جريج، قال: أخبرني عمر بن عطاء، أن مولى لابن الأسقع، رجل صدق أخبره عن ابن الأسقع به.
وهو ضعيف لجهالة مولى ابن الأسقع، لكن صحّ في معناه حديث أبيّ بن كعب.

4. وحديث أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه أنه كانت له سهوة فيها تمر، فكانت تجيء الغول فتأخذ منه قال: فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاذهب فإذا رأيتها فقل: بسم الله أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأخذها فحلفت أن لا تعود فأرسلها، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل أسيرك؟ قال: حلفت أن لا تعود.
فقال: (( كذبت، وهي معاودة للكذب ))
قال: فأخذها مرة أخرى فحلفت أن لا تعود فأرسلها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل أسيرك؟ قال: حلفت أن لا تعود.
فقال: (( كذبت وهي معاودة للكذب))
فأخذها؛ فقال: ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فقالت: إني ذاكرة لك شيئا! آية الكرسي اقرأها في بيتك؛ فلا يقربك شيطان ولا غيره.
قال: فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( ما فعل أسيرك؟))
قال: فأخبره بما قالت.
قال: ((صدقت وهي كذوب )). رواه أحمد في مسنده، وابن أبي شيبة في مصنفه، والترمذي في جامعه، وأبو الشيخ في العظمة ، والطبراني في الكبير ، والحاكم في المستدرك كلهم من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيّوب الأنصاري.
ومحمد ابن أبي ليلى ضعيف الحديث لسوء حفظه؛ لكنّه لم يتفرّد به؛ فقد تابعه عبد الله بن يسار الجهني والحكم بن عتيبة وأبو فروة النهدي وقد أخرج الطبراني رواياتهم، وله طرق أخرى أخرجها الحاكم لا تخلو من ضعف.
والحديث بمجموع طرقه إلى أبي أيوب الأنصاري يرتقي إلى درجة الحسن لأمن غائلة سوء الحفظ عند محمّد بن أبي ليلى.

5. وحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت»
رواه النسائي في السنن الكبرى وفي عمل اليوم والليلة له، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والطبراني في الدعاء والكبير، وابن حبان في صحيحه من طرق عن محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة مرفوعاً.
ومحمد بن حمير السليحي مختلف فيه؛ وثقه يحيى بن معين ودحيم، وسئل عنه الإمام أحمد؛ فقال: ما علمت إلا خيراً.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتجّ به.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وروى له البخاري في صحيحه حديثين توبع عليهما.
وأما محمد بن زياد فثقة باتفاق.
ولهذا الحديث شواهد لا تخلو من ضعف شديد.
وأكثر ما أعلَّ به هذا الحديث تفرّد محمّد بن حمير به؛ فمن وثّقه صحّح هذا الحديث؛ كما فعل ابن عبد الهادي وابن حجر والألباني.
ومن رجّح جرح أبي حاتم وغيره لم يقبل هذا الحديث إلا أن يكونَ له شاهد يعضده، وعامّة شواهد هذا الحديث بين موضوع وشديد الضعف.
والأظهر أنه إسناد حسن لا بأس به.
وله ما يؤيّده من حيث المعنى؛ فإنّ قراءة آية الكرسي بإيمان دبر كلّ صلاة يلزم منها ثلاثة أمور:
الأول: محافظة صاحبها على الصلوات كلّها، ومن حافظ عليها كانت له نجاة ونوراً يوم القيامة.
والثاني: صحّة إيمانه باعتقاده ما دلّت عليه هذه الآية العظيمة التي هي أعظم آية في القرآن.
والثالث: كثرة الذكر؛ بتكرار هذه الآية بإيمان ويقين في مواقيت الصلوات صباحاً ومساءً.
ومن صحّت له هذه المقامات الثلاث: المحافظة على الصلوات، وصحّة الإيمان، وكثرة الذكر كان من خيار عباد الله المؤمنين.

خواتيم سورة البقرة
1. حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه؛ فرفع رأسه، فقال: (هذا بابٌ من السماء فُتِحَ اليوم لم يفتح قطّ إلا اليوم؛ فنزل منه مَلَكٌ؛ فقال: هذا مَلَكٌ نزل إلى الأرض لم ينزل قطّ إلا اليوم، فَسَلَّمَ، وقال: (أبشر بنورين أوتيتَهما لم يؤتَهما نبيٌّ قبلَك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته).
رواه مسلم في صحيحه وابن أبي شيبة في مصنفه والنسائي في الكبرى وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في السنن الصغرى وغيرهم من طريق عمار بن رزيق، عن عبد الله بن عيسى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

2. وحديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه» وفي لفظ: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» وهذا الحديث متفق عليه من حديث إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه.

3. وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهي به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها »
قال: « {إذ يغشى السدرة ما يغشى}: قال: فَرَاشٌ من ذهب».
قال: « فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات »
رواه مسلم في صحيحه، وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والنسائي وغيرهم من طريق مالك بن مغول، عن الزبير بن عدي، عن طلحة بن مصرّف، عن مرة بن شراحيل الهمداني، عن ابن مسعود.

4. وحديث النعمان بن بشير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا تقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان» رواه أبو عبيد في فضائل القرآن والدارمي والترمذي وابن الضريس في فضائل القرآن، والنسائي في الكبرى والبزار وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان كلهم من طريق الأشعث بن عبد الرحمن الجرمي، عن أبي قلابة الجرمي، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
ورواه النسائي في الكبرى والطبراني في الأوسط من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي صالح الحارثي، عن النعمان بن بشير.
وصحح أبو زرعة الرازي الطريق الأول.
وقد رواه الطبراني في الكبير من طريق هدبة بن خالد، ثنا حماد بن سلمة، ثنا أشعث بن عبد الرحمن الجرمي، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن شداد بن أوس، خالف هدبة في إسناده وقد رواه جماعة من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث عن النعمان بن بشير، وهو الصواب.

5. وحديث حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فُضلنا على الناس بثلاث: جعلت لي الأرض كلها لنا مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وأوتيت هؤلاء الآيات آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعط منه أحد قبلي ولا يعطى منه أحد بعدي)). رواه أبو داوود الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، والبزار، ومحمد بن نصر، وابن خزيمة وأبو عوانة في المستخرج وغيرهم من طريق أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة.
وأصل الحديث في صحيح مسلم غير أنّه ذكر الخصلتين الأوليين ثم قال: (وذكر خصلة أخرى..)
قال الألباني: (وهي هذه قطعا).

6. وحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت كنز من تحت العرش، ولم يعطهن نبي قبلي» رواه أحمد من طريق شيبان عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش، عن خرشة بن الحر، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر.
وقد اختلف الرواة فيه على منصور، وقال الدارقطني: (القول قول شيبان).

7. وأثر عقبة بن عامر قال: (تزوّدوا من الآيتين [اللتين] في آخر سورة البقرة: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} إلى خاتمتها، فإن الله اصطفى بها محمدا صلى الله عليه وسلم). رواه الطبراني في الكبير من طريق عمرو بن الحارث عن سويد الحاسِب المهري، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر.
وسويد بن يزيد الحاسب ذكره ابن قطلوبغا في الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة.
وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني من ثقات التابعين معروف بملازمة عقبة بن عامر رضي الله عنه، ثمّ صار مفتي أهل مصر في زمانه.


  #3  
قديم 5 رجب 1437هـ/12-04-2016م, 09:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

فضائل سورة آل عمران
ورد في فضلها أحاديث تقدّم بعضها ومنها:

1. حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران...» الحديث، وقد تقدّم.
2. وحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعاً: (اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان..) الحديث، وقد تقدّم.
3. وحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه مرفوعاً: (تعلموا سورة البقرة وآل عمران، فإنهما الزهراوان، وإنهما تظلان صاحبهما يوم القيامة...) الحديث، وقد تقدّم.
4. وحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعاً: «اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه» رواه ابن ماجه والطحاوي في مشكل الآثار والطبراني في الكبير من حديث غيلان بن أنس عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة.
وروي مقطوعاً على القاسم عند ابن ماجه.
وله شاهد من حديث عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد عند الإمام أحمد وأبي داوود والترمذي وغيرهم.
والحديث بمجموع هذه الطرق حسّنه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة.
5. وقال عبد الله بن مسعود: «من قرأ آل عمران فهو غني، والنساء محبرة». رواه أبو عبيد في فضائل القرآن والدارمي في سننه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن سليم بن حنظلة البكري عن ابن مسعود.
قال أبو محمد الدارمي: (محبرة: مزينة).

6. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا) وقد تقدّم.
7. وقال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: إن أخا لكم أري في المنام أن الناس يسلكون في صدع جبل وعر طويل وعلى رأس الجبل شجرتان خضراوان يهتفان: هل فيكم من يقرأ سورة البقرة؟ هل فيكم من يقرأ سورة آل عمران؟ ,فإذا قال الرجل: نعم، دنتا منه بأعذاقهما حتى يتعلق بهما فتخطرانه الجبل). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، والدارمي في سننه من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر عن أبي أمامة.
وهذا إسناد حسن؛ فالرواة عن عبد الله بن صالح أئمة، ولا أعلم في الإسناد مخالفة تنكر، ولا في المتن علّة ولا نكارة، وهي رؤيا نقلها صحابيّ فيعتبر بها.

خواتيم آل عمران:
1. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها - وهي خالته - قال: فاضطجعت على عرض الوسادة، «واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل - أو قبله بقليل، أو بعده بقليل - ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس، فمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر آيات خواتيم سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأ منها، فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي» رواه البخاري في صحيحه من طريق مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عبّاس.
2. حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لقد نزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إن في خلق السموات والأرض ... }» الآية كلها
رواه ابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن زكريا بن إبراهيم النخعي، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة في قصّة ذكرها.
قيل للأوزاعي ما غاية التفكر فيهن قال يقرؤهن وهو يعقلهن). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر كما في تخريج الإحياء للعراقي.



[للدرس بقيّة بإذن الله تعالى]


  #4  
قديم 6 رجب 1437هـ/13-04-2016م, 03:00 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

فضائل سورة النساء
1. قال الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}
قال ابن عباس: هي السبع الطوال، صحّ ذلك عنه من طريق منصور بن المعتمر عن مجاهد عنه عند ابن جرير، ومن طريق أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عنه عند النسائي، وهو أحد القولين المشهورين في تفسير هذه الآية، والقول الآخر أنها فاتحة الكتاب.
2. وحديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أخذ السبع فهو حبر» رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وإسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن الضريس، ومحمد بن نصر في قيام الليل، والطحاوي في مشكل الآثار، والحاكم، والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد كلهم من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن حبيب بن هند الأسلمي، عن عروة بن الزبير، عن عائشة.
ولفظ إسحاق وأحمد: «من أخذ السبع الأول فهو حبر».
وعمرو بن أبي عمرو حدّث عنه الإمام مالك، ووثّقه أبو زرعة، وقال أحمد وأبو حاتم وابن عدي: لا بأس به، وقال يحيى بن معين: في حديثه ضعف.
وحبيب بن هند ذكره ابن حبان في الثقات، والأظهر أنه حبيب الأعور مولى عروة، وقد روى له الإمام مسلم حديثاً واحداً.
وله شاهد رواه الإمام أحمد من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وابن أبي الزناد مختلف فيه، قال يحيى بن معين: (أثبت الناس في هشام بن عروة عبدُ الرَّحمن بن أَبي الزناد).
وقال أحمد: مضطرب الحديث، وضعّفه جماعة لكثرة خطئه، وفرّق بعضهم بين حديثه في المدينة، وحديثه في العراق.
وهو لم يسمع من الأعرج وإنما يروي عنه بواسطة أبيه.
والحديث مخرجه من آل عروة بن الزبير؛ فحبيب مولاه، وابن أبي الزناد من أثبت الناس في هشام بن عروة.
والذي يترجّح أن هذا الحديث حسن إن شاء الله.
قال إسحاق بن راهويه: (يعني البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس).
قلت: الخلاف في تعيين السبع الطوال قديم لكن لا خلاف في دخول سورة النساء فيها.
3. وقال حارثة بن مضرب: كتب إلينا عمر أنْ (تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة.
4. وعن المسور بن مخرمة أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: «تعلموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإنَّ فيهنَّ الفرائض» رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان والواحدي في تفسيره من طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن المسور، وهذا إسناد صحيح.
5. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «من قرأ آل عمران فهو غنيّ، والنساءُ مُحبِّرة». رواه أبو عبيد والدارمي وقال: (محبِّرة: مزيِّنة). أي أنها زينة وجمال لصاحبها.
6. وقال عبد الله بن مسعود: (إن في النساء خمس آيات، ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها، ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها:
- قوله عز وجل: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}.
- وقوله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}.
- وقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
- وقوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}.
- وقوله: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}.
قال عبد الله: ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن المنذر في تفسيره، وسعيد بن منصور في سننه، والطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، والحاكم في مستدركه كلهم من طريق مسعر بن كدام، عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه عن جدّه عبد الله بن مسعود.
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن ابن مسعود، ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن جرير في تفسيره.
ورواه الكلاباذي في معاني الأخبار من طريق أبي جعفر السلمي عن حسان البصري عن أبي هلال الراسبي عن معاوية بن قرة عن ابن مسعود.
ورواه هناد بن السري في الزهد من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن عطاء البزاز، عن بشير الأودي قال: قال عبد الله بن مسعود: " أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب إلي من حمر النعم وسودها. قالوا: وأين هن. قال: إذا مرَّ بهنَّ العلماء عرفوهن، قالوا له: في أي سورة؟ قال: في سورة النساء قوله {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} "، وقوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}، وقوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} ، وقوله تعالى {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}
والحديث حسن بمجموع هذه الطرق، وقد حسّنه شيخنا سعد الحميّد في تحقيقه لكتاب التفسير من سنن سعيد بن منصور.
7. عن إبراهيم النخعي قال: قال عبد الله: إن في القرآن لآيتين ما أذنب عبد ذنبا، ثم تلاهما واستغفر الله إلا غفر له؛ فسألوه عنهما، فلم يخبرهم؛ فقال علقمة والأسود أحدهما لصاحبه: قم بنا، فقاما إلى المنزل، فأخذا المصحف، فتصفحا) البقرة، فقالا: ما رأيناهما، ثم أخذا في النساء حتى انتهيا إلى هذه الآية: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجدِ الله غفوراً رحيما} ، فقالا: هذه واحدة.
ثم تصفَّحا آل عمران، حتى انتهينا إلى قوله: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فقالا: هذه أخرى، ثم أطبقا المصحف، ثم أتيا عبد الله، فقالا: هما هاتان الآيتان؟
فقال عبد الله: نعم). رواه سعيد بن منصور والطبراني في الكبير من طريق جرير بن عبد الحميد عن ليث بن أبي سليم عن أبي هبيرة عن إبراهيم النخعي به.
وإبراهيم النخعي وإن لم يكن قد أدرك ابن مسعود فإنه رواه عن علقمة والأسود؛ فالإسناد متصل إلا أنّ ليث بن أبي سليم يُضعّف في حديثه لكنّه توبع على هذا الحديث؛ فقد رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق أبي الأحوص سلام بن سليم عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود قالا: قال عبد الله: إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما، فاستغفر الله عز وجل، إلا غفر له: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله}، وقوله: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}).
ورواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق إسحاق بن إبراهيم البغوي، عن حسين بن محمد المروذي، عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن نعيم بن أبي هند، عن إبراهيم، عن الأسود وعلقمة، عن عبد الله، قال:(إني لأعلم آيتين في كتاب الله عز وجل، لا يقرأهما عبد عند ذنب يصيبه ثم يستغفر الله منه إلا غفر له)
قلنا: أي شيء في كتاب الله؟
فلم يخبرنا، ففتحنا المصحف فقرأنا البقرة فلم نصب شيئا، ثم قرأنا النساء وهو في تأليف عبد الله على إثرها فانتهينا إلى هذه الآية {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}
قلت: أمسك هذه، ثم انتهينا إلى آل عمران إلى هذه الآية التي يذكر فيها {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فأطبقنا المصحف فأخبرنا بها عبد الله فقال: "هما هاتان ").
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
وروى نحوه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق محمد بن شعيب، عن محمد بن عبد الله الشعيثي، عن أبي الفرات مولى صفية أم المؤمنين، أن عبد الله بن مسعود، وأبو الفرات مجهول الحال.
فهذا الأثر صحيح الإسناد إلى ابن مسعود رضي الله عنه، وترتيب الوعد بالمغفرة على تلاوتهما والاستغفار بعدهما مما لا يقال بالرأي؛ فيأخذ حكم الرفع.

[للدرس بقيّة بإذن الله تعالى]


  #5  
قديم 7 رجب 1437هـ/14-04-2016م, 07:23 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

##فضائل سورة المائدة
من فضائلها:
1. إكمال الدين بنزولها، كما في الصحيحين من حديث قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا نزلت - معشر اليهود- لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدا!
قال: وأي آية؟
قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
فقال عمر: « إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات في يوم جمعة».

2. أنها من السبع الطوال، وقد قال الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}، ومضى أثر ابن عباس في ذلك، ولا خلاف في أنّ المائدة من السبع الطوال.

3. وحديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أخذ السبع فهو حَبْر» وقد تقدّم أنّه حديث حسن.

4. وقال أبو عبد الرحمن الحُبُلّي قال: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: (أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها). رواه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي، وهذا إسناد ضعيف معتبر، وله شواهد منها:
أ- حديث أسماء بنت يزيد بن السكن، رواه إسحاق بن راهويه وأحمد وابن جرير والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان كلهم من طريق ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنحوه، وليث وشهر ضعيفان يعتبر حديثهما.
ب- ومرسل محمد بن كعب القرظي رواه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق عمرو بن طارق، عن يحيى بن أيوب، عن أبي صخر، عن محمد بن كعب القرظي قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته فانصدع كتفها، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبو صخر هو حميد بن زياد الخراط، مختلف فيه، وقد روى له مسلم.
ج- ومرسل الربيع بن أنس البكري رواه ابن جرير الطبري في تفسيره من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بنحوه.
وقد روى عبد الرزاق في مصنّفه عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وَضَعت جِرَانها فما تستطيع أن تتحرَّك حتى يُسَرَّى عنه». وهذا إسناد صحيح إلى عروة، وقد رواه الإمام أحمد والحاكم موصولاً عن عروة عن عائشة من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة، والمرسل أصح.
فالحديث بمجموع هذه الشواهد حسن إن شاء الله تعالى من غير الزيادات التي في بعض الروايات كزيادة أنها نزلت جميعاً وزيادة أنها نزلت بمنى.
وقد ذكره الألباني رحمه الله في صحيح السيرة النبوية.

5. وتقدّم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «تعلموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإنَّ فيهنَّ الفرائض»، وأنّه صحيح الإسناد.
يريد أنها اشتملت على أكثر فرائض الدين وأحكامه.

6. وقال جبير بن نفير: حَجَجْتُ فدخلتُ على عائشة؛ فقالت لي: يا جبير، هل تقرأ المائدة؟
قلت: نعم.
قالت: (أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلّوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرّموه). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والنسائي في الكبرى، والطحاوي في مشكل الآثار، والطبراني في مسند الشاميين، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في الكبرى كلهم من طرق عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية حدير بن كريب عن جبير بن نفير، وهذا إسناد حسن.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
صحيح, فضائل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir