دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الفتوى الحموية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 07:21 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الواجب على جميع الخلق اتباع ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق

فَقَالَ السَّائِلُ: مَا قَوْلُ السَّادَةِ الفقهاء أَئِمَّةِ الدِّينِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}، {ثم استوى على العرش} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ، وَأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ إصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ) وَقَوْلِهِ: (يَضَعُ الجَبَّارُ قَدَمَهُ فِي النَّارِ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ، وَمَا قَالَت العُلَمَاءُ، وَابْسُطُوا القَوْلَ فِي ذَلِكَ مَأْجُورِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، قَوْلُنَا فِيهَا مَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَمَا قَالَهُ أَئِمَّةُ الهُدَى بَعْدَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الوَاجِبُ عَلَى جَمِيعِ الخَلْقِ فِي هَذَا البَابِ وَغَيْرِه فَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النَّوْرِ بِإِذْنِ ربِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، وَشَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ بَعَثَهُ دَاعِيًا إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}


  #2  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 07:22 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

وهذا هو الحقُّ الواجبُ على جميعِ الخَلْقِ: اتِّباعُ ما دَلَّ عليه كتابُ اللَّهِ وسنَّةُ رسولِه مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، ودَرَجَ عليه سلفُ الأمةِ، في بابِ الإيمانِ، وفي بابِ الإسلامِ، وفي بابِ الأسماءِ والصفاتِ، وفي بابِ الأعمالِ، يَجِبُ سلوكُ مَسْلَكِ السلَفِ الصالحِ مِن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسيرُ على ذلك، والاستقامةُ عليه، وتَرْكُ ما خَالَفَ ذلك مِن أقوالِ المُتَأَخِّرِينَ.


  #3  
قديم 4 ربيع الثاني 1433هـ/26-02-2012م, 01:02 PM
سليم سيدهوم سليم سيدهوم غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: ليون، فرنسا
المشاركات: 1,087
افتراضي شرح الفتوى الحموية للشيخ يوسف الغفيص (مفرغ)

قال المصنف رحمه الله: [بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. سئل شيخ الإسلام العالم الرباني تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات، كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه:5] وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [فصلت:11] إلى غير ذلك من آيات الصفات، وأحاديث الصفات كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن)) وقوله: ((يضع الجبار قدمه في النار)) إلى غير ذلك؟ وما قالت العلماء فيه؟ وابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى]. الملاحظ في السؤال أنه وقع على ما يتعلق بالصفات الفعلية كمسألة الاستواء على العرش، وكذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح: (إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن)لأن الصفات اللازمة -في الجملة- ليست محل إشكال عند الأشعرية.
[فأجاب رضي الله عنه: الحمد لله رب العالمين، قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره].
هذه المقدمة هي مقدمة يحصل بها أن التدين في أصول الدين، بل وفي غيرها لا يصح إلا بما كان في كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وما أجمع عليه السلف، فهذه الأصول الثلاثة مجمع عليها. أما في الفقه فإن ثمة بعض محال الاستدلال التي هي محال نزاع عند الفقهاء، كالقول في القياس؛ فإن جمهور الأئمة يعتبرونه وإن كانوا يختلفون في درجة اعتباره، وكالقول في حجية قول الصحابي والمصالح المرسلة والاستحسان وأمثال ذلك. أما في مسائل أصول الدين فإن الاعتبار يكون بالكتاب والسنة والإجماع. فإن جميع أصول الدين متحققة من جهة الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع، فلا يوجد أصل من أصول الدين لا يقع الاستدلال عليه إلا بالقرآن وحده، ولا يوجد أصل من أصول الدين لا يقع الاستدلال عليه إلا بالسنة وحدها، ولا يوجد أصل لا يقع الاستدلال عليه إلا بالإجماع وحده، بل كل أصل من أصول الدين عليه دلائل من الكتاب والسنة والإجماع. ......
من المعلوم أن الإجماع لا ينعقد إلا مع نص، وهذا يقرره الأصوليون، وإن كان بعض المتكلمين من الأصوليين ومن وافقهم من الفقهاء الذين تكلموا في الأصول يعارضون في هذا، إلا أنه لا شك أن هذه المعارضة غلط محض، وبإجماع السلف؛ فإن الإجماع يدل على ثبوت النص في المجمع عليه. لكن يبقى أنه إذا انعقد إجماع العلماء فهل يلزم بالضرورة أن هذا الإجماع يترتب على دليل واحد أم قد يختلف دليله؟ أي: إذا تحقق الإجماع سواء في مسائل أصول الدين أو في الفقهيات فهل يعني هذا أن الإجماع ترتب على دليل معين، بمعنى أن هؤلاء المجتهدين جميعهم نظر في هذا الدليل المعين -كآية معينة من القرآن أو حديث معين من السنة- فصار اتفاقهم على فهم دلالته هو المحصل للإجماع؟ يقال: أما إذا كان القول في أصول الدين فإن علماء السلف إذا أجمعوا على مسألة من المسائل المعتبرة في أصول الدين فهذا يدل على تحقق الإجماع في الدليل المعين فيه، وإن كانت المسألة قد يستدل عليها بدليل قد يدخله النزاع. مثال هذا: أجمع السلف رحمهم الله على أن المؤمنين يرون ربهم في عرصات القيامة وفي الجنة، وعلى هذا دلائل من القرآن والسنة أجمع السلف على دلالتها على هذه المسألة، لكن هناك دلائل من القرآن استدل بها بعض الأئمة على هذه المسألة وإن كان غيرهم ينازعهم في الاستدلال كقوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق:35]فكلمة مزيد استدل بها بعض الأئمة على أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، مع أن هذه الكلمة ليست نصاً في الرؤية، ولكنهم لما وجدوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسر الزيادة في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }[يونس:26] بأنها النظر إلى وجه الله كما في حديث صهيب عند مسلم ، افترضوا هذا الحرف في المحل الآخر من القرآن لتقارب السياق. ورأى بعض العلماء أن هذا ليس بالضرورة يدل على ثبوت الرؤية. فهنا كان الاختلاف في دليل معين، والاتفاق في دليل معين آخر. وبهذا يظهر أنه ليس هناك خلاف بين السلف في الرؤية، ومن ادعى أن أهل السنة اختلفوا في رؤية الله لاختلافهم في مثل قوله تعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق:35] قيل له: هذا اختلاف في دليل معين، والاختلاف في الدليل المعين لا يستلزم الاختلاف في المدلول، إلا إن كان هذا المدلول لا يثبت إلا بهذا الدليل، أما في الرؤية فهناك أحاديث متواترة، وصريح من القرآن في غير ما آية هي معقد الإجماع. أما إذا انعقد الإجماع في مسألة فقهية فهنا لا يلزم أن يكون موجب الإجماع نصاً معيناً، بمعنى أنه يحصل الإجماع في مسألة فقهية، ولكن استدلال مالك رحمه الله بظاهر من القرآن، واستدلال الشافعي بظاهر آخر من القرآن، واستدلال أبي حنيفة بحديث من السنة، فتكون النتيجة واحدة، ولكن مأخذها من النصوص متنوع، فيكون الإجماع لم ينعقد من جهة دليل معين واحد.. هذا الذي يقع غالباً في المسائل الفقهية، وإن كان قد يقع في المسائل الفقهية دلائل نبوية يطبق الأئمة على الاستدلال به. والنتيجة من هذا: أن الإجماع لا يحصل إلا بنص، سواء كان نصاً معيناً أو نصاً متنوعاً. وهذه الأصول الثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع هي المعتبرة في مسألة أصول الدين.
ما مواقف الطوائف من هذه الأصول الثلاثة؟ أما السلف رحمهم الله فقد اعتبروا أن مسائل أصول الدين معتبرة بهذه الأصول الثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع، ولهذا لا يوجد أصل من أصول الدين عند السلف إلا وهو محقق بدلائل من القرآن والسنة والإجماع. أما المخالفون من أصناف المتكلمين وغيرهم فهم -في الجملة- يقولون بأن الدلائل القرآنية دلائل على مسائل أصول الدين، وهذا حكم كلي يطلقونه، لكنهم يدخلون المعارضة عليه بما استعملوه من الدلائل العقلية، فيكون المحصل أن الدليل العقلي عندهم مقدم على الدليل النقلي؛ وذلك لأنهم اعتبروا أن القول في المسائل الإلهية، وبخاصة في مسألة الصفات والأفعال لابد من اعتباره بدلائل العقل مع دلائل الشرع، فنظروا في دلائل عقلية أوجبت عندهم معارضة الدلائل النقلية الشرعية، فلما حصل هذا التعارض قرر المتكلمون من المعتزلة وغيرهم ما سموه قانوناً في كتبهم، وهو قانون تعارض العقل والنقل وقد رد عليه المصنف -أعني: شيخ الإسلام - في كلام كثير، لكن أخص ذلك في كتابه الكبير درء تعارض العقل والنقل . القصد: أن هؤلاء اعتبروا الدلائل القرآنية ولكنهم تأولوها. أما الدلائل النبوية ففي الجملة منع المتكلمون الاستدلال بالآحاد، وإن كان تقريرهم للآحاد يقع الغلط فيه من جهتين: الأولى: أنهم وصفوا كثيراً من نصوص السنة بأنها آحاد، وهي في نفس الأمر متواترة. الثانية: من جهة اعتبار حد الآحاد والمتواتر. وهذه مسألة تحتاج إلى بسط لكن أشير إليها على عجل.
المشهور في كلام المتأخرين من أهل الحديث وأهل أصول الفقه والمتكلمين أن المتواتر: هو ما رواه جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس. ولما تكلموا في هؤلاء الجماعة منهم من قال: عشرة، ومنهم من زاد على ذلك. وبهذا يكون المتواتر هو ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرة، وعن هؤلاء العشر مائة، وعن هؤلاء المائة ألف... على هذا الترتيب. ولهذا قال بعض متأخري الحفاظ كـابن الصلاح بأنه لم يقف على مثال معين لهذا من السنة. فهذا الحد للمتواتر لا شك أنه غلط على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فإن أئمة الحديث لم يكونوا على مثل هذا، وإن كان متقدمو أئمة الجرح والتعديل كـالبخاري و ابن المديني و أحمد بن حنبل ، وأمثال هؤلاء قد تكلموا في الأحاديث المفردة، حتى إنهم ردوا كثيراً من الأحاديث باعتبار التفرد، وإن لم يكن التفرد دائماً عندهم مردوداً. لكن هذا التقسيم معناه أن يكون عامة السنة النبوية حتى المخرجة في الصحيحين، وحتى الأحاديث المتلقاة بالقبول عند الأمة آحاداً وليست من المتواتر.. وهذا تكلف؛ فإن هذا الحد لا يدل عليه الشرع ولا تدل عليه اللغة، ولا يدل عليه المقصد الذي بعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث الواحد من أصحابه بتقرير مسائل أصول الدين من التوحيد وغيره إلى قوم من الكفار، وربما كانوا قوماً تختلف عقائدهم كالمشركين وعبدة الأوثان مع أهل الكتاب، كما بعث معاذاً إلى اليمن وفيها اليهود والنصارى وعبدة الأوثان. فهذا الحد ينبه إلى خطئه وإن كان شائعاً في كتب المصطلح المتأخرة.
وهنا سؤال: بم يضبط مذهب السلف؟ من المعلوم أنه إذا قيل: إن هذا القول مذهب للسلف لزم من ذلك أن ما يخالفه يكون بدعة، ولهذا ينبغي أن لا يقال عن شيء ما بأنه مذهب للسلف إلا إذا كان إجماعاً لهم، أما إذا اختلفوا فيقال: اختلف الأئمة أو اختلف السلف، وإن كان الخلاف الفقهي ينبغي أن يعبر عنه بالقول: اختلف الأئمة أكثر من أن يقال: اختلف السلف؛ فإن هذا الحرف إنما يستعمل في مسائل الإجماع كما يظهر في كتب أهل العلم المحققين. وقد أشار شيخ الإسلام إلى كيفية ضبط مذهب السلف، فقال: واعتبار مذهب السلف الذي هو مذهب لازم يجب اتباعه بدلالة القرآن والحديث هو ما علم إجماعهم فيه، قال: ومعرفة الإجماع تقع بنقل علماء الإسلام الكبار بأن هذا إجماع للسلف، أو بتواتر مقالاتهم في هذه المسألة ولا يحفظ لأحد منهم مخالفة . فهذان طريقان يعرف بهما إجماع السلف: الأول: التنصيص من كبار العلماء المتقدمين أو المحققين من المتأخرين على أن هذا إجماع للسلف. الثاني: تواتر المقالة عن السلف، ولم يحفظ لأحد منهم فيها مخالفة. وقد أراد شيخ الإسلام بهذا درء مسألة تحصيل مذهب السلف بطريق الفهم؛ ولهذا قال رحمه الله: وأما من تحصل له فهم في الكتاب والسنة فقال: إن هذا مذهب السلف؛ لأن السلف عنده لا يخرجون عن دلالة القرآن والسنة، فهذه طريقة يستعملها من يستعملها ممن انتحل مذهب السنة والجماعة من متأخري المتكلمين، ومن قلدهم من الفقهاء وغيرهم.. وهذا التنبيه غاية في الأهمية، وهو أن مذهب السلف لا يصح تحصيله بالفهم. وهذا قد وقع في كلام كثير من الفقهاء وفي كلام كثير من المتكلمين، ويقع اليوم قدر كثير منه بين بعض طلبة العلم، حيث نجد أنهم يعينون مسائل ويقولون: هذا مذهب للسلف. مع أن المسألة فيها نزاع بين كبار أئمة السلف؛ لكونها مسألة فقهية. إذاً: لابد أن يعتبر مذهب السلف بالأصول الثلاثة، فكل ما أضيف إلى مذهب السلف، ولا يوجد عليه دليل من الكتاب والسنة والإجماع فإنه لا يعد من مذهب السلف الذي هو إجماع لهم، وإنما قد يكون محل خلاف بين أهل السنة والسلف أنفسهم؛ لأنه إذا انضبط أن هذا مذهب للسلف لزم أن يكون صواباً محضاً، وما يقابله يكون بدعةً وضلالاً محضاً على حد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). فكل ما قابل مذهب السلف فهو بدعة وضلالة؛ ولهذا لا تُعين مسألة أنها مذهب للسلف إلا إذا عُلم أنها إجماع لهم، أما إذا كانت اختياراً لبعض كبار أئمتهم ويخالفهم أئمة آخرون من أئمة السلف أنفسهم فإنه مهما كان ظهور الدليل فيها من الكتاب والسنة ينبغي أن يتوقف عن نقل الإجماع فيها، بمعنى أنه إذا قيل: إن هذا مذهب للسلف فإن هذا بمنزلة القول: بأن هذا إجماع. وينبه هنا إلى أنه إذا ظهر دليل المسائل التي ليست إجماعاً من الكتاب والسنة -ولو خالف من خالف فيها من بعض علماء السنة الكبار- فإنه يجب الاتباع لدلالة الكتاب والسنة، وربما صح في بعض المقامات الإنكار حتى في المسائل التي هي محل خلاف، وإن كان هذا لا يطرد، فإن بعض الأئمة قد يجزم في مسألة بحكم يعلم أنه غلط؛ لكون الدليل لم يبلغه مثلاً، أو لسبب آخر كما يذكره شيخ الإسلام في رسالته رفع الملام . إذاً: الإنكار ليس محصوراً بالضرورة في مسائل الإجماع، بل حتى مسائل الخلاف قد يقع أحياناً وجه لإنكار بعض الأقوال، ولو قال بها بعض الكبار من أهل العلم، وإن كان هذا لا يطرد. القصد: أن تحقيق مذهب السلف معتبر بثبوت إجماع صريح لهم، أما المسألة التي ليس فيها إجماع فلا يصح أن يقال فيها: إن هذا مذهب للسلف؛ ولذلك لا يصح وصف القول المخالف في مسألة فيها شيء من النزاع، ولو كان المرجح يرجح أن قوله هو الراجح بدلالة القرآن والسنة مثلاً أو بدلالة أحدهما بأنه بدعة، كذلك لا يوصف القول المخالف بأنه بدعة إذا كان القائل به من أعيان الأئمة كأئمة الصحابة وأئمة التابعين وأمثالهم؛ ولهذا نجد أن الصحابة لم يكن بعضهم يبدع بعضاً في مسائل الاختلاف، وكذلك الأئمة الكبار. ......
[فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وشهد له بأنه بعثه داعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، وأمره أن يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي }[يوسف:108]فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وأنزل معه الكتاب بالحق ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة، وهو يدعو إلى الله وإلى سبيله بإذنه على بصيرة، وقد أخبر الله بأنه أكمل له ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته، محال مع هذا وغيره أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبساً مشتبهاً، ولم يميز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العليا، وما يجوز عليه وما يمتنع عليه]. هنا بدأ المصنف بذكر أوجه نظرية مبنية على مقدمات من الشرع ومقدمات من العقل ضرورية الحكم. ويستفاد من هذا أن من أراد مناظرة المخالف في أصل من أصول الدين فإن الفاضل له أن يستعمل الأدلة التي هي لازمة الحكم عند المخالف. فهذه طريقة أقوى في التحقيق، وإن كان قد تستعمل أدلة ليس بالضرورة أنها مسلمة عند المخالف؛ لأن المقصود إقامة الحجة عليه. لكن المصنف في هذه المقدمات يستعمل مقدمات لازمة. ......


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الواجب, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir