دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 ربيع الأول 1438هـ/12-12-2016م, 02:00 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي

تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 ربيع الأول 1438هـ/13-12-2016م, 11:00 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى
( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )


جاءت هذه الآية التي امتن الله فيها على عباده بفضله ورحمته بعد قوله تعالى : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) والتي يمتن الله فيها على عباده بكتابه الذي جعله هدى ورحمة وموعظة وشفاء لما في الصدور ... فبعد امتنانه على الناس بكتابه ؛ بين لهم أن الفرح والسعادة في الدارين إنما تكون بالتزام ما جاء في هذا الكتاب والعمل به وذلك فضل من الله ورحمة يهدى إليها كل موفق ...وبين لهم أن ما تفضل به عليهم من هداية هو خير من كل متاع الدنيا التي يتكالب الناس عليها ويحرصون على جمعها ويتنافسون في ذلك ...

فالفرح الحقيقي إنما يكون بما أكرمنا به الله فضلا منه ورحمة ... لا بحطام الدنيا ومباهجها ... ففضل الله ورحمته أثرهما باق ، أما متاع الدنيا فزائل ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) ...
وما عند الله من نعيم هو ما يستحق السعي له والفرح به ( فرحين بما آتاهم الله من فضله ) ؛
ولذلك قال الله تعالى في هذه الآية :
🔹( قل بفضل الله وبرحمته ) :
قل : أي قل يا محمد لأمتك وللناس جميعا ...

🔹بفضل الله وبرحمته ...*
💡 قال ابن عطية أن الباء هنا متعلقة بمحذوف دل عليه ما في الآية قبلها ( هدى ورحمة ) ...
وقال ابن الأنباري :أن الباء في ( بفضل الله ) خبر لاسم مضمر تأويله : هذا الشفاء وهذه الموعظة بفضل الله ورحمته ... ذكره ابن الجوزي

- وقال الزمخشري : بل هي متعلقة ب( قد جاءتكم موعظة ) فهي سببية بمعنى : قد جاءتكم موعظة - بفضل الله ورحمته - وشفاء لما في الصدور ...

💡وتكرار الباء ( بفضل الله ) ( برحمته ) للدلالة على أن كل واحد منهما سبب مستقل للفرح ... وذلك أنك لو قلت ( أعجبت بفطنتك ونباهتك ) ، فجعلت إعجابك بهما واحدا ... ولكنك لو قلت ( أعجبت بفطنتك وبنباهتك ) دل ذلك على إعجابك بهما كل على حدة .. فكأنك قلت : أعجبت بفطنتك وأعجبت بنباهتك ...
وكذلك هنا؛ ففضل الله على العباد سبب للفرح وكذلك رحمته بهم سبب للفرح ... فبتكرار الباء كأن القول : بفضل الله فليفرحوا وبرحمته فليفرحوا ...

💡واختلف المفسرون في المراد بفضل الله ورحمته هنا فقالوا :
1 - فضل الله : الإسلام ، ورحمته : القرآن ... رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال قتادة وهلال بن يساف والحسن ومجاهد والضحاك وهو اختيار ابن قتيبة ... ذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي والشوكاني والقرطبي وابن القيم ...

🔸قال ابن القيم : ( فجعلوا رحمته أخص من فضله ،فإن فضله الخاص عام على أهل الإسلام ، ورحمته بتعليم كتابه لبعضهم دون بعض ، فجعلهم مسلمين بفضله وأنزل إليهم الكتاب برحمته " وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك " ) .

2 - وقالوا بل فضل الله : القرآن ، ورحمته : الإسلام ... روي ذلك عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وزيد بن أسلم والضحاك ومقاتل ...ذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي والشوكاني والقرطبي والسعدي
فجعلوا الرحمة أعم والفضل داخل فيها ... فمن رحمة الله بعباده أنه تفضل عليهم بكتابه ...

3 - وقالوا فضل الله : القرآن ، ورحمته : أن جعلكم من أهله ... رواه العوفي عن ابن عباس وأبو سعيد الخدري والحسن في رواية ...
ذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي ..
أخرج ابن مردويه، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*{قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ}قال: «بفضل الله: القرآن، وبرحمته: أن جعلكم من أهله». وورد في تخريج أحاديث الكشاف : ‎حديث غريب مرفوعا ، لكن رواه الطبري والبيهقي وابن أبي شيبة عن ابن عباس وأبي سعيد موقوفا

‎وكم من النعيم والفرح يعيشه من جعله الله من أهل كتابه العالمين به والعاملين به ...

- عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
‎*إن لله أهلين من الناس قالوا يا رسول الله من هم قال هم أهل القرآن أهل الله وخاصته ... رواه ابن ماجة ... وصححه الألباني

فحق لمن جعل الله في قلبه نورا يفقه به مقصوده من كتابه ... فيسير على بينة وهدى ... وبصر وبصيرة أن يفرح ، قال تعالى ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) ، وحق لمن أعرض عن ذلك أن يحزن ويهتم ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) فضنك العيش ونكده وهمه وحزنه في الإعراض عن كتاب الله وذكره وما جاء به من الهدى ...

4 - وقالوا فضل الله ورحمته : القرآن ... رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد واختاره الزجاج فقال : ( وهو يدل على أنه يعني به القرآن ) ... وهو من أعظم ما تفضل الله به على البشرية ... فجعله عربيا مبينا معجزا لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد ولا تمله الألسن على كثرة ترداده ... يفتح الله به قلوبا غلفا وآذانا صما ... من استمع له وأنصت مقبلا عليه كان له شفاء وهداية ونورا ...( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه )

5 - وقالوا فضل الله : معرفته ، ورحمته : توفيقه ... قاله الماوردي
فمن عرف الله كما عرف نفسه في كتابه ووفق للاهتداء بعدما عرف فقد أوتي خيرا كثيرا ... وكم من ضال ضل بعد علم ومعرفة فكان علمه وبالا عليه ... ( فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم )

6 - وقالوا فضل الله : العلم، ورحمته : محمد صلى الله عليه وسلم ... رواه الضحاك عن ابن عباس ... ذكره ابن الجوزي ، وهو كقوله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )

7 - وقالوا فضل الله : القرآن ، ورحمته : السنة ... قاله خالد بن معدان .. ذكره ابن الجوزي ، وهو شبيه بالقول السابق ... لكن الأول أن الرحمة متمثلة بشخصه صلى الله عليه وسلم ومبعثه ، والثاني بما ترتب على ذلك من سنة ونهج ...
-وقد بشر رسول صلى الله عليه وسلم أنه من استمسك بكتاب الله وسنته أنه لن يضل : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي، ولن يتفرّقا حتى يردا على الحوض ) . أخرجه مالك مرسلاً، والحاكم مسنداً وصححه .

ولا أجلب للفرح والسرور من وعد بالثبات وعدم الزيغ إن استمسك العبد بهما ...

8 - وقالوا فضل الله : التوفيق ، ورحمته : العصمة ... قاله ابن عيينة ، ذكره ابن الجوزي
9 - وقالوا : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : تزيينه للقلوب ... قاله ابن عمر ... ذكره ابن الجوزي
قال تعالى ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ، فضلا من الله ونعمة *) فجعل تحبيب الإيمان لهم وتزيينه في قلوبهم فضلا منه ونعمة ... وما أحيلاها نعمة ... وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ) ذكر منها : ( وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ) *
رواه البخاري ، وفي لفظ لمسلم ( وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه ...)

10 - وقال الزمخشري : فضل الله : الإسلام ،ورحمته : ما وعد عليه من الجزاء ...

🔸 قال ابن عطية : ( لا وجه عندي لشيء من هذا التخصيص إلا أن يستند منه شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه أن الفضل هو هداية الله تعالى إلى دينه والتوفيق إلى اتباع شريعته ... والرحمة هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاء على التشرع بالإسلام والإيمان به ... ) وهو كاختيار ابن كثير الذي قال أن فضل الله ورحمته هو التوفيق لدين الله والهداية له ...

🔸 واختار الشوكاني حمل اللفظ على عمومه دون تخصيص فقال :( المراد بفضل الله سبحانه هو تفضله على عباده في العاجل والآجل بما لا يحيط به الحصر ، والرحمة رحمته لهم ... ، وقال : والأولى حمل الفضل والرحمة على العموم ويدخل في ذلك ما في القرآن منهما دخولا أوليا ...)

🔸والآية تحتمل كل المعاني السابقة ... فالهداية للإسلام والتوفيق لهذا الدين وللاهتداء بالقرآن والاستنان بسنته صلى الله عليه وسلم والعمل بما يحب ربنا ويرضى وارتضاء الإيمان وكره الكفر كلها داخلة في فضل الله ورحمته ... ولعل أعم الأقوال هو قول الشوكاني الذي حمل اللفظين على عمومهما ... وبذلك دخل به ما لا يعد ولا يحصر من فضل الله على عباده إنعامه عليهم ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ... ودخل فيها كل ما ذكره المفسرون من أقوال ... وهو فهم للفظ بعمومه ... والأصل حمل اللفظ القرآني على عمومه إلا إن صرفه صارف عن ذلك ... ، ومن صرفه عن عمومه ربطه بالآية قبلها والتي جاءت امتنانا وتذكيرا بفضل القرآن وموعظته وما جاء به من الإيمان ... فهو الموعظة والشفاء والهدى والنور والرحمة ... وحق لمن وفقه الله لفهمه وتعلمه وتعليمه أن يفرح به ... والله أعلم ..

🔹فبذلك فليفرحوا :
💡قالوا أصل الكلام : بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ، فبذلك فليفرحوا ... وحذف الفعل الأول للاكتفاء بالفعل بعد اسم الإشارة ( فبذلك فليفرحوا )
- وقال الزمخشري : يجوز أن يراد : بفضل الله وبرحمته فليعتنوا ، وبذلك فليفرحوا ..

💡 وتقديم الجار والمجرور ( بذلك ) إنما يفيد الاختصاص ... أي اختصاص الفرح بفضل الله ورحمته لا بسواهما ...
وفي ذلك إشارة إلى أن هناك أسبابا أخرى للفرح ، لكنها لا ترقى أن تكون سببا للفرح الحقيقي ... ويكفيها في هدم لذتها أنها زائلة ...

💡 واسم الإشارة ( ذلك ) قيل أنه عائد على أحد أمرين :
1- على ( فضل الله ورحمته ) وذلك على ما ورد فيها من معان ... قال ابن عباس : بذلك الفضل والرحمة ... ذكره ابن الجوزي فهو هنا بدل من ( فضل الله ورحمته )

2- وقيل : على اعتبار أن الباء في ( بفضل الله ) متعلقة بمجيء الموعظة فاسم الإشارة يرجع إلى مجيئها فيكون المعنى :
قد جاءتكم - بفضل الله وبرحمته - موعظة من ربكم ... فبمجيئها فليفرحوا ...

3- وقال الماوردي أنها تحتمل معنى : فلتفرح قريش بأن محمداً منهم , قاله ابن عباس ...

💡وقرأ العشرة إلا رويسا ( فليفرحوا ) بالياء ، وقرأها هو ( فلتفرحوا ) على الخطاب ...
وورد عن أبي أنه قرأ ( فافرحوا ) ولم ترو في العشرة ...

💡والفاء قيل أنها واقعة في جواب شرط تقديره : إن كان شيء يدعوهم إلى الفرح فبفضل الله وبرحمته فليفرحوا لا بغيره .. فلا يحصل الفرح الحقيقي إلا بذلك ...

💡واللام لام الأمر التي تتصل بالفعل المضارع فتجزمه ، والأصل فيها أن تكون مكسورة إلا إذا سبقت بفاء أو واو تسكن مثل ( فلْيستجيبوا لي ولْيؤمنوا بي ) ، وسكنها الكوفيون إن سبقت ب( ثم ) أيضا مثل ( ثم لْيقضوا تفثهم )

- وقال أهل اللغة أن الغالب عليها دخولها على فعل الغائب ( وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) ويقل مع المتكلم والمخاطب ...
فأما دخولها على المتكلم في مثل ( ولنحملْ خطاياكم ) ، ودخولها على المخاطب وهو أقل في مثل ( فبذلك فلتفرحوا ) كما قرأها رويس ...

- وسبب قلة دخولها على المخاطب أن المخاطب يمكن أمره أو الطلب منه دون اللام ك( احمل ، افرح ) ...
وقال الكوفيون بل الأصل في الطلب اللام لأنه كما لا يحصل نهي إلا بحرف فكذلك الأمر يلزمه حرف ...
فهو أمر للعباد بالفرح بفضل الله وبرحمته ...

💡 وقد يقول قائل : كيف يأمر الله الناس جميعا أن يفرحوا بفضله ورحمته ومنهم الكفار الذين لا يؤمنون بفضل ولا رحمة ... ؟
قال ابن عطية في ذلك : ( فالمؤمنون يقال لهم بفضل الله وبرحمته فلتفرحوا وهم متلبسون بعلة الفرح ومحصلون سببه ومحصلون لفضل الله منتظرون الرحمة ، وأما الكافرون ( بتصرف ) فعلى معنى أن لو سعدتم بالهداية ووفقكم الله لتكونوا من أهلها بعد كفركم فبذلك فلتفرحوا ... فذلك على ما يستقبل من أمر من هداه الله منهم ...

💡 والفرح لغة كما جاء في لسان العرب :
- الفرح : نقيض الحزن
- وقال ثعلب هو أن يجد في قلبه خفة
- والفرح أيضا البطر وقوله تعالى ( لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) قال الزجاج معناه والله أعلم لا تفرح بكثرة المال في الدنيا لأن الذي يفرح بالمال يصرفه في غير أمر الآخرة
- وقيل لا تفرح : لا تأشر والمعنيان متقاربان لأنه إذا سر ربما أشر
- والمفراح : الذي يفرح كلما سره الدهر وهو الكثير الفرح )

ومن فرح انطلقت أسارير وجهه ... ولذلك سمي مسرورا ...

وهو اصطلاحا كما عرفه ابن القيم : هو ( لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى ، فيتولد من إدراكه حالة تسمى الفرح والسرور... ) وعقب قائلا أن ( الفرح من أعلى أنواع نعيم القلب ولذته وبهجته )
- وقال أن ( الفرح : صفة كمال لأن الله وصف نفسه به )
وذلك في الحديث : عَنْ أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : ( لله أفرح بتوبة عبده مِنْ أحدكم سقط عَلَى بعيره وقد أضله في أرض فلاة) مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ .

- قال ابن القيم: ( ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة ) ...
فالله هنا يأمر عباده بالفرح بذلك الفضل ... إذ إن ذلك الفضل والرحمة وتلك الهداية من الله المتضمنة للهداية للإيمان والقرآن واتباع محمد صلى الله عليه وسلم ... هي أعظم المسرات ...

🔹فإن قلت : كيف يأمر الله عباده هنا بالفرح وقد نهى عنه في قصة قارون وذم أهله في غير ما موضع ؟
فالقول في ذلك أن الفرح في القرآن ورد مقيدا ومطلقا ...
💡فأما إن ورد مطلقا فهو في معرض الذم ... كقوله تعالى في قصة قارون ( لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) وكذلك في قوله تعالى ( ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ) وهو بمعنى الأشر والبطر ...

💡وأما وروده مقيدا فهو إما:
1 - أن يقيد بالدنيا وما فيها فيكون موضع ذم كقوله تعالى : ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ) ( وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ) ( وفرحوا بالحياة الدنيا )
2 - أو يقيد بفضل الله ورحمته لعباده ، ويكون فرحا بالسبب أو بالمسبب ، فبالسبب كقوله تعالى ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) وبالمسبب كقوله تعالى ( فرحين بما آتاهم الله من فضله )

🔸قال ابن القيم : ( فالفرح بالله وبرسله وبالإيمان وبالسنة وبالعلم وبالقرآن من أعلى مقامات العارفين ، قال تعالى ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا ، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ) وقال : ( والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك )
فالفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبته له وإيثاره له على غيره ... فإن فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبته له ورغبته فيه ، فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله ولا يحزنه فواته ، فالفرح تابع للمحبة والرغبة ) ...

ولذلك قال تعالى أن الشهداء : ( فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) فهم في الشهادة حصل لهم مقصودهم وبلغوا منتهى آمالهم وغاية لذاتهم ومسراتهم ففرحوا بذلك حتى أنهم من فرحهم تمنوا لو قدروا على تبليغ من بعدهم بما هم فيه ليعجلوا ( ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم )
والاستبشار يكون قبل وقوع المرغوب وحصول المحبوب ... أما الفرح فهو بعد حصول ذلك المحبوب ...
ومثل ذلك قول مؤمن أصحاب القرية ( قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) ... فإن الفرح بالإيمان إذا حصل للعبد فاض على جوارحه عملا ... وحمل على عاتقه هداية وإرشاد الحيارى والتائهين ... حتى إنه ليحزنه كفرهم وضلالهم ( فلا يحزنك كفرهم ) وذلك لما ذاق من لذة الإيمان وفرح به فتمناه للناس جميعا ...

🔹هو خير مما يجمعون :
💡قرأ ابن عامر وأبو جعفر يزيد بن القعقاع ورويس بالتاء( تجمعون ) والباقون بالياء
وعلى ذلك تكون القراءة :
فليفرحوا / تجمعون : ابن عامر وأبو جعفر
فلتفرحوا / تجمعون : رويس عن يعقوب
فليفرحوا / يجمعون : الباقون ...

💡هو : أي ذلك المذكور من فضل الله ورحمته ...
خير مما يجمعون : أي خير من حطام الدنيا ومما يجمعون فيها من مال وخيرات وأنعام وحرث يظنون أنهم بذلك حازوا خيرها ... والخير كل الخير والغنم كل الغنم إنما هو في الفوز بما عند الله ... فهو خير من كل حطام الدنيا ...
فحطام الدنيا وزينتها وبهجتها كلها زائلة ... وكل فرح فيها منغص ومكدر بحزن أو هم قبله أو بعده أو معه ... فهي هكذا
طبعت على كدر وأنت تريدها ......... صفوا من الأقذار والأكدار

وأما من أراد الفرح حقا والسرور فليلزم نهج الله وشرعه وهداه ... وليقتدي بسنة نبيه ويعمل بكتابه ... ليكون له شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ...
قال السعدي : ( وإنما أمر الله بالفرح بفضله ورحمته لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس وانشراحها وشكرها لله تعالى وقوتها وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي إلى الازدياد منهما ... )

المراجع :
1- معاني القرآن للزجاج ( 311 هـ)
2 - معاني الحروف لابن عيسى الرماني ( 384 هـ)
3 - النكت والعيون للماوردي ( 450 هـ)
4 - الكشاف للزمخشري ( 538 هـ)
5 - المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ)
6 - زاد المسير في علوم التفسير لابن الجوزي ( 597 هـ)
7 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 671هـ)
8- لسان العرب لابن منظور ( 711 هـ)
9 - "تهذيب " مدارج السالكين لابن القيم ( 751 هـ)
10- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام ( 761 هـ)
11- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
12- فتح القدير للشوكاني ( 1255هـ)
13- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14 ربيع الأول 1438هـ/13-12-2016م, 08:00 PM
رضوى محمود رضوى محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 237
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَ أَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُواوَ تَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
نداء من الله تعالى لعباده المؤمنين والله سبحانه وتعالى ينادي عباده المؤمنين إما ليأمرهم بما فيه سعادتهم ونجاتهم أو لينهاهم عما فيه شقاؤهم أو ليبشرهم أو لينذرهم أو ليعلمهم ما ينفعهم وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( إذا سمعت الله يقول : { يا أيها الذين آمنوا} فأعرها سمعك فإنه خير يؤمر به أو شر ينهى عنه) .
وفي هذه الآية الكريمة يحذر الله عباده من الإغترار بالأزواج والأولاد والإلتهاء بهم عن مصالح الآخرة لأن بعضهم عدو ،وخص الله سبحانه الأزواج والأولاد لأن النفس مجبولة على محبتهم والانقياد إليهم.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه في سبب نزول الآية أن رجلا سأله عن هذه الآية فقال: (فهؤلاء رجالٌ أسلموا من مكّة، فأرادوا أن يأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلمّا أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأوا الناس قد فقهوا في الدّين، فهمّوا أن يعاقبوهم، فأنزل اللّه هذه الآية ) . رواه ابن ابي حاتم، وكذا رواه ابن جريرٍ والطّبرانيّ ،ورواه الترمذي وقال حسنٌ صحيحٌ.
وقال عطاء بن أبي رباح: إنه نزل في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أنه أراد غزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاجتمع أهله وأولاده فثبطوه وتشكوا إليه فراقه، فرق ولم يغز، ثم إنه ندم وهم بمعاقبتهم، فنزلت الآية.
ومقتضى ذلك أن الآية مدنية.
وروي عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال : رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب، فجاء الحسن والحسين رضي اللّه عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذهما فرفعهما فوضعهما في حجره ثمّ قال: (صدق اللّه ورسوله:( إنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ) رأيت هذين فلم أصبر) ثمّ أخذ في خطبته.
قوله تعالى : :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَ أَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) من تبعيضية ،وتقديم خبر(إن) على اسمها للاهتمام بالخبر وزيادة التشويق إلى الاسم ولما فيه من الغرابة،والعدو هو الذي يريد لك الشر.
والمراد بالعداوة في الآية قد يحمل على أنها عداوة حقيقية بمعنى أن بعضهم قد يضمر العداوة لزوجه وبعضهم لأبويه بسبب خبث في النفس وقد يكون لاختلاف الدين ، وقد يحمل المعنى على التشبيه البليغ أي كالعدو في المعاملة كأن يصدوا المرء عن الخير أو يشغلوه بجمع المال وتحصيل الجاه لأجلهم، كما يقال في المثل: يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدو لعدوه، وقال مجاهد: واللهِ ما عَادَوْهُمْ في الدنيا ولكنْ حَمَلَتْهُم مَوَدَّتُهم على أنِ اتَّخَذُوا لهم الحرامَ فأَعْطَوْهُم إيَّاه.
ولما كان التحذير من الأزواج والأولاد قد يوهم الغلظة معهم أمر سبحانه وتعالى بالعفو والصفح عنهم وستر العيوب لما في ذلك من المصالح العظيمة فالأسرة نواة المجتمع واستقرارها يعم على المجتمع بالخير .
وجاء ختم الآية بقوله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي غفور لكم ولهم ،والجزاء من جنس العمل فرغب سبحانه وتعالى عبادة في أن يغفروا ويصفحوا ليغفر الله لهم .
المصادر:
- تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنانللشيخ السعدي.

- تفسير القرآن العظيم ابن كثير.

- تفسير الطبري.

- التحرير والتنوير لابن عاشور.

- تفسير ابن عطيه.
- معاني القرآن للزجاج.
- نداءات الرحمن لأهل الإيمان للشيخ أبي بكر الجزائري.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 ربيع الأول 1438هـ/14-12-2016م, 01:17 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

قال الله تعالى :{ إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين }[3 الدخان]

استفتح الباري سبحانه وتعالى هذه السورة بالقسم؛ أقسم بالكتاب وهو القران المبين ؛ البين في نفسه المبين لكل ما يُحتاج إليه؛ على أنه أنزل القران. أنزل القران في ليلة كثيرة الخير و البركة.
وسنتناول في تفسير هذه الآية ثلاثة المسائل
المسألة الأولى: المراد بالليلة المباركة
المسألة الثانية: معنى نزول القران في تلك الليلة
المسألة الثالثة: هل جبريل كان يأخذ بالقران كل مرة من بيت العزة أم يسمعه من عند الله عزوجل.

المسألة الأولى: المراد بالليلة المباركة

اختلف أهل العلم في المراد بتلك الليلة المباركة .
فقيل هي ليلة القدر .وهو قول قتادة وابن زيد كما ذكره ابن جرير وعبد الرزاق والسيوطي؛ونقل ذلك أيضا السيوطي عن ابن عباس .
و دليل هذا القول النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية.
قال عَزَّ وَجَلَّ:{ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [الْقَدْرِ: 1] وَكَانَ ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [الْبَقَرَةِ: 185] .

و
وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ وَاثِلَةَ ابْنَ الْأَسْقَعِأَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُنْزِلَتْ صُحُف إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ. وَأَنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لسِتٍّ مَضَين مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ" (المسند (4/107) .


دل مجموع هذه النصوص دلالة صريحة أن المراد بتلك الليلة هي ليلة من ليالي رمضان وليست من شعبان وهي ليلة القدر؛ هي خير من ألف شهر
وهذا القول هو قول جماهير المفسرين وقد رجحه كل من الطبري والبغوي وابن عطية و ابن كثير والشنقيطي و أفرده السعدي بالذكر
.
*وقيلهي ليلة النصف من شعبان. وهو قول عكرمة.قاله ابن كثير والشنقيطي
ومستند هذا القول ما روي عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «تُقْطَعُ الْآجَالُ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى شَعْبَانَ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهُ وَقَدْ أُخْرِجَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى» ......« رواه الطبراني في تفسيره (25/65) والبيهقي في شعب الإيمان برقم (3839) من طريق الليث عن عقيل به........وقد حكم عليه أهل العلم بالضعف لأنه مرسل.
و قد ضعف هذا القول كل من الطبري وابن كثير و الشنقيطي وغيرهم لأنه لم يثبت في ذلك نص صحيح ؛ وكل ما روي في ذلك من أحاديث فهي من قبيل المرسل أو الضعيف لا تقوى على معارضة النصوص الصحيحة الصريحة .
قال الشنقيطي: وَالْأَحَادِيثُ - الَّتِي يُورِدُهَا بَعْضُهُمْ فِي أَنَّهَا مِنْ شَعْبَانَ - الْمُخَالِفَةُ لِصَرِيحِ الْقُرْآنِ - لَا أَسَاسَ لَهَا ، وَلَا يَصِحُّ سَنَدُ شَيْءٍ مِنْهَا ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ .-اهـ
فعلم بذلك أن القول الثاني لا اعتبار له إذ لا يوجد له دليل صريح صحيح يستند إليه .فتعين المصير وترجيح القول الأول.

المسألة الثانية: معنى نزول القران في تلك الليلة

تباينت عبارات المفسرين في المعنى المراد بنزول القران في تلك الليلة على أقوال:
المعنى الأول: أن الله أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر من أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا،ثم أنزل الله القران على نبيه محمد صلى الله وسلم بواسطة جبريل منجما على الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفاته .. ونسب البغوي هذا القول إلى قتادة وابن زيد
ومستند هذا القول ما روى عن ابن عباس أنه قال :أنزل القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملة واحدة , ثم نزل به جبرائيل في عشرين سنة.رواه أبو جعفر النحاس بسنده ثم قال. وهذا إسناد لا يدفع
وفي رواية عن ابن عباس قال: أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجوما . أخرجه الطبراني.
وفي رواية قال ابن عباس: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة ثم قرأ { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا } (الفرقان : 33). وقوله { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث } (الإسراء : 106).........رواه الحاكم في المستدرك 2/242 رقم 2878، البيهقي 4/306

وهذا الحديث و إن كان موقوف على ابن عباس إلا أنه له حكم الرفع؛ ذلك أن رواية الصحابي فيما لا مجال للعقل فيه إذا كان لا يأخذ عن الإسرائيليات فروايته لها حكم الرفع.
المعنى الثاني : وقيل معنى ذلك أن ابتداء نزوله كان في ليلة القدر؛ ثم تتابع نزوله بعد ذلك منجما حسب الوقائع والأحداث في قرابة ثلاث وعشرين سنة... وقد عزى ابن عطية هذا القول للجمهور...وعلى هذا القول ليس للقران إلا نزول واحد وهو نزوله منجما.
ومستند هذا القول تصريح القران بذلك قال تعالى : { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث } (الإسراء:106)؛.....ووقائع نزول يدل على تنجيمه.
المعنى الثالث :قيل أن الله ينزل من القران كل سنة في ليلة القدر مقدار ما ينزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم خلال تلك السنة .وهو قول مقاتل ذكره صديق حسن خان.ولم يذكر له دليلا .
الترجيح : من المتقرر في قواعد الترجيح أن الجمع مقدم على الترجيح ؛ ولا يصار إلى الترجيح إلا إذا تعذر الجمع ؛وهنا يمكن الجمع بين القول والأول والقول الثاني إذ لا تعارض بينهما .فيقال أن ليلة القدر اجتمع فيها الأمران ابتداء نزوله . و نزول جمله واحدة إلى بيت العزة فلا مانع من أن يتفقان . والله أعلم.
أما القول الثالث. فلا دليل عليه .لكن ربما قد يحمل على ما يكون من التقدير السنوي في ليلة القدر.
....

المسألة الثالثة: هل جبريل كان يأخذ بالقران كل مرة من بيت العزة أم يسمعه من عند الله عزوجل
ثم هل يقال أن جبريل كان يأخذه من بيت العزة و ينزل به على محمد صلى الله عليه وسلم ؛ أم أن جبريل كان يأخذ الوحي كل مرة مباشرة من عند الله عزوجل . قال بالأول ابن عطية.
والذي يظهر أن الثاني أرجح لما دلت عليه النصوص روى الطبراني عن النواس بن سمعان مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله، فإذا سمع أهل السماء بذلك صعقوا وخروا سجدا، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، فينتهي به على الملائكة، كلما مر بسماء سأله أهله ماذا قال ربنا، قال الحق، فينتهي به حيث أمر..)... ونص الحديث في الوحي وهو شامل للقران وغيره
ولما في ذلك من تعظيم شأن القران ؛ وتكريم للنبي صلى الله عليه وسلم . وتشريف لأمته إذ علا سندها وشرف.
وكانت ليلة القدر مباركة لنزول القرآن فيها ولنزول الرحمة والهداية ؛ ولما يحصل للعباد من الخير الكثير في دينهم ودنياهم ؛ يعظم أجر العابدين فيها ؛ و يستجاب فيها الدعاء؛ ينزل الروح والملائكة فيها ؛ وهى سلام حتى مطلع الفجر.

وقوله تعالى : إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ؛ تكلم الله سبحانه عن نفسه بضمير "نا" تعظيما لشأنه سبحانه وتعالى وفيه إرشادا وتعليما لأمته بأن يعظموه ويقدروه حق قدره سبحانه جل وعلا .
ومنذرين جمع منذر من أنذر ينذر
وَالْمُنْذِرُ: الَّذِي يُنْذِرُ، أَيْ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ فِيهِ ضُرٍّ لِقَصْدِ أَنْ يَتَّقِيَهُ الْمُخْبَرُ بِهِ.قاله ابن عاشور.
والمعنى أن الله عزوجل من شأنه الإنذار فهو سبحانه أنزل القران وأرسل الرسل لأجل أن يخوف الناس عقابه بأنه ينزل ويحل على من أعرض عنالخضوع لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة.
الله أعلم

المصادر والمراجع
- جامع البيان في تأويل القرآن .لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري ( : 310هـ)
-معاني القرآن للزجاج ( 311 هـ)
-معاني القرآن الكريم لأبي جعفر النَّحَّاس (338هـ)
-معالم التنزيل للبغوي ( 510هـ)
-المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ)
-
زاد المسير في علوم التفسير لابن الجوزي ( 597 هـ)
-
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ)
- فتحُ البيان في مقاصد القرآن لأبي الطيب محمد صديق خان بن حسن لقِنَّوجي ( 1307هـ)
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (: 1393هـ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ)
-- نزول القران لمحمد بن عبد الرحمان الشايع .. (معاصر)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 ربيع الأول 1438هـ/15-12-2016م, 04:58 AM
حنان بدوي حنان بدوي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: إسكندرية - مصر
المشاركات: 392
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى :
(وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين )

- روى ابن جرير الطبري في سبب نزول الآية ، عن قتادة، قوله: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أنْتَ بِمَلُومٍ } ذُكر لنا أنها لما نزلت هذه الآية، اشتدّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك { وَذَكِّرْ فإنّ الذَّكْرىَ تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ }.

- وأخرج ابن راهويه وابن مردويه عن عليّ رضي الله عنه في قوله { فتول عنهم فما أنت بملوم } قال: ما نزلت علينا آية كانت أشد علينا منها ولا أعظم علينا منها، فقلنا: ما هذا إلا من سخطة أو مقت، حتى نزلت { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين }


- الذِّكْرُ و الذِّكْرى و الذُّكْرةُ في اللغة : ضد النسيان تقول ذكرته ذكرى .
واجعله منك على ذُكْرٍ و ذِكْرٍ بضم الذال وكسرها .
وذكر الشّيء: استحضره واستعاده في ذهنه بعد نسيانٍ.
وذكره بلسانه وبقلبه يذكره ذِكْراً و ذُكْرةً و ذِكْرَى
و تَذَكَّرَ الشيء و أذْكَرَهُ غيره و ذَكَّرَهُ .
و التَّذْكِرةُ :ما تُسْتَذْكَرُ به الحاجة
وذَكَّرَ: ( فعل : رباعي متعد بحرف ). ذَكَّرْتُ ، أُذَكِّرُ ، ذَكِّرْ ، مصدر تَذْكيرٌ .
و ذكَّرَ الناسَ : وَعَظَهُم .
والذكرى: اسم مصدر التذكير.

- ولم يخرج أهل التفسير في معني الآية عن ما ذكره علماء اللغة .

فقيل في معنى : وذكر قولان :
القول الأول: وعظ ...وهو قول مجاهد ومقاتل والكلبي .
القول الثانى : وذكّر فقط ....... ذكره ابن عطية ولم يعزه .
والقولان غير متعارضين فالتذكير إنما يكون بالوعظ ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بوعظ عباده وتذكيرهم بذلك الوعظ والإرشاد.
- وقد جاء الذكر بصيغة الأمر ؛ و المبالغة ؛ مما يدل على الديمومة والاستمرارية ؛ أي أدم التذكير وجدده واستمر عليه ولا تتوانى فيه .

- وقد ذُكرت أقوالاً في متعلق التذكير :
أحدهما: فذكر بالقرآن،......... قاله قتادة ومقاتل والكلبي كما رواه ابن رهويه عن علي رضي الله عنه
والقرآن ذكرى لأنّه يذكّر الناس بما يغفلون عنه من أمر دينهم وآخرتهم قال تعالى:{ وما هو إلا ذكر للعالمين }
الثاني: فذكر بالعظة فإن الوعظ ينفع المؤمنين، .........قاله مجاهد ومقاتل .
الثالث : وذكر بالثواب والعقاب فإن الرغبة والرهبة تنفع المؤمنين ............ذكره المواردى ولم يعزه.
الرابع :وذكر بأيام الله ....ذكره الزجاج والواحدي ولم يعزواه أيضاً .

وتنوع أقوال السلف في المسألة من باب التفسير بالمثال ، ويمكننا الجمع بينها فيكون الأمر بالتذكير بالقرآن وأوامره ونواهيه وزواجره ومواعظه وثواب الله وعقابه ، وفيه كذلك ذكر أيام الله وسنة السابقين وغير ذلك ، فالقول بأن التذكير إنما يكون بالقرآن ؛ عند تفصيله يشتمل على كل ما قيل في المسألة فهو بمثابة القول الجامع فيها .

- وتكون الموعظة والتذكرة بالتي هي أحسن ، مع خفض الجناح للمؤمنين فقد قال تعالى : } ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ......... {

أما ماقيل في تقدير المفعول المحذوف ففيه ثلاثة أقوال يتوقف على كل منهم محل الانتفاع من الذكرى :
أولهم :عِظْ بالقرآن كفار مكة، قاله مقاتل.
والمعنى : فإن الذكرى تنفع من [سبق] في علم الله أن يؤمن منهم ، أما الجاحدين المعاندين فلا انتفاع لهم ، بل تزيد الحجة عليهم باستمرارك على التذكير .

الثاني : عِظْ بالقرآن من آمن من قومك ، وقاله الكلبي.
والمعنى : فإن الذكرى تنفعهم ،فتكون عوناً لهم على الطاعة والإيمان وزيادة اليقين ، فتزداد بصيرتهم فيما يعرض لهم من نزغات الشيطان ، وصوارف الشهوات ، وما يطرأ عليهم من النسيان والغفلة ، ورسوخ وغرس وتذكر للعلم السابق تعلمه ، وإضافة علم جديد لم يسمع بعد أو غُفل عنه ، وكثرة الحجج والبراهين للمؤمنين على صدق وصحة الدين ، ومن ثم زيادة عجز للمشركين عن المعارضة.
- ويتجلى في ذلك إظهار عناية الله بالمؤمنين وعدم الاكتراث بالكافرين .
وأخرج ابن المنذر عن سلمان بن حبيب المحاربي قال: من وجد للذكرى في قلبه موقعاً فليعلم أنه مؤمن قال الله { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين }.
وذلك نظير قوله : }فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ{فحصر التذكير هنا على من يخاف ويخشي الله ووعيده وعقابه وعذابه .

الثالث : عظ قومك ومن أرسلت إليهم...ذكره الطبري دون عزو
وهو قول جامع يجمع القولين السابقين ، فيكون الأمر بالتذكير لجميع قومه ومن أرسل إليهم ، ولكن محل الانتفاع إنما يكون لمن قدر الله له الإيمان منهم ، أو الذين آمنوا بالفعل .أما الكافرين الذين أبوا الإيمان وجحدوه فيكون حجة عليهم ،وذلك نظير قوله { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ* سيذكر من يخشى *ويتجنبها الأشقى }
فالذي يتنفع ويذكّر هو الذي يخشى .
وقوله }وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ{التوبة: 124-125].
فالانتفاع بالآيات وما ينجم عنه من زيادة الإيمان إنما يكون للذين آمنوا فقط دون غيرهم ، وأما المنافقون فيزدادوا رجسا وكفرا ونفاقا .
وكذلك ما جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قَبِلتِ الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه ما بعثني الله به فعَلِمَ وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)متفق عليه وهذا لفظ البخاري .

ومن الجدير بالذكر أنه وإن كان المخاطب في الآية هو النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فكل أمته تبعاً له مأمورون بما اُمر به من دوام التذكير والوعظ بالقرآن ، و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ مع الجميع ولا سيما المؤمنين الذين يخشون ربهم ويرجون رحمته ويخافون عذابه كما قال تعالى : }واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ.... {
والحرص على الانتفاع بما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وامتثال الأوامر واجتناب المناهي والزواجر .
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

المراجع
جامع البيان في تأويل القرآن .لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري ( : 310هـ)
معاني القرآن للزجاج ( 311 هـ)
النكت والعيون للماوردي ( 450 هـ)
الوجيز للواحدي (468ه)
معالم التنزيل للبغوي ( 510هـ)
الكشاف للزمخشري ( 538 هـ)
المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ)
زاد المسير في علوم التفسير لابن الجوزي ( 597 هـ)
مختار الصحاح لأبو بكر الرازي ( 666ه)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 671هـ)
لسان العرب لابن منظور ( 711 هـ)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
اللباب في علوم الكتاب ( 880ه)
الدر المنثور في التفسير بالمأثور ( 911ه)
فتح القدير للشوكاني للسيوطي( 1255هـ)
روح المعاني للآلوسي ( 1270ه)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (: 1393هـ)
التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ)

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 ربيع الأول 1438هـ/17-12-2016م, 12:32 PM
رشا نصر زيدان رشا نصر زيدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: الدوحة قطر
المشاركات: 359
افتراضي التطبيق الأول

رسالة في تفسير قوله تعالى:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾
إن الحمد نحمده ونستعينه ونستغفره و نستهديه من يهده الله فلا مضل له و من يضلل الله فلا هاد له.اللهم صل و سلم و بارك على الحبيب المصطفى و آله و صحبه و من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
" اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ".
.....
بين أيدينا رسالة تفسيرية لقول الله تعالى ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾.
• وهذ الرسالة موجه أولاً لكاتب هذه الرسالة، ثم لكل طالب علم أراد ان يهتدي بسنة الحبيب المصطفى في هدي الناس إلى سلامة القلب.
• من المعلوم أن القلب هو مناط العقل للمؤمن العاقل، حيث سعادته و طمأنينته. قال الله تعالى: "فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور". و لقد أفرد المفسرون و علماء الأمة لها الكتب و الرسائل لتعين المؤمن على الوصول أن يأتي ربه يوم القيامة بقلب سليم. و من لم يصل و يجاهد نفسه للوصول للقلب السليم في الحياة الدنيا،فسيصعب عليه الدخول على ربه بقلب صحيح سليم. "و الذين جاهدوا فينا لنهدبنهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين".
•و قال رسول الله صل الله عليه و سلم:" أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ)) [أخرجه البخاري في الصحيح].

•و قد ذكر ابن القيم في كتابه(إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان):
أن القلب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1.فالقلب الصحيح السليم:
ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه،
فهو صحيح الإدراك للحق، تام الانقياد والقبول له.

2.والقلب الميت القاسى:
لا يقبله ولا ينقاد له.

3.والقلب المريض:

إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسى. وإن غلبت عليه صحته التحق بالسليم.
فما يلقيه الشيطان فى الأسماع من الألفاظ، وفى القلوب من الشبه والشكوك: فيه فتنة لهذين القلبين، وقوة للقلب الحى السليم.
لأنه يردّ ذلك ويكرهه ويبغضه، ويعلم أن الحق فى خلافه، فيخبت للحق قلبه ويطمئن وينقاد، ويعلم بطلان ما ألقاه الشيطان، فيزداد إيمانا بالحق ومحبة له وكفرا بالباطل وكراهة له.
فلا يزال القلب المفتون فى مرية من إلقاء الشيطان. وأما القلب الصحيح السليم فلا يضره ما يلقيه الشيطان أبدا.

قال حذيفة بن اليمان رضى الله عنه:
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
" تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَعَرْضِ الْحَصِيرِ عُودًا عُودًا. فَأَىُّ قَلْبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَتْ فِيه نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ،
وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حَتَّى تَعُودَ الْقُلُوبُ عَلَى قَلْبَيْنِ: قَلْبٍ أَسْوَد مُرْبَادًا كالكُوزِ مُجَخِّيًا.


و نحن في هذه الرسالة بصدد تفسير و توضيح كلام المفسرين في ما المقصود بالقلب السليم و كيفية الوصول إليه.رزقنا الله و إياكم القلب السليم.

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)

•المقصود بيوم: "يوم" بدل من الأول في قوله تعالى: يوم يبعثون ، والمعنى: يوم لا تنفع أعلاق الدنيا ومحاسنها. ذكره ابن عطية و ابن عاشور في تفسيرهما. و زاد ابن عاشور في تفسيره: يوم لا ينفع مال } استئنافاً خبراً لمبتدأ محذوف تقديره : هو يوم لا ينفع مال ولا بنون . وفتحة { يومَ } فتحة بناء لأن ( يوم ) ظرف أضيف إلى فعل معرب فيجوز إعرابه ويجوز بناؤه على الفتح ، فهو كقوله تعالى : { هذا يومَ ينفع الصادقين صدقُهم } [ المائدة : 119 ] . ويظهر على هذا الوجه.
• الفعل "ينفع": رافع لفاعل ومتعدّ إلى مفعول ، فهو بحقِّ تعدِّيه إلى المفعول يقتضي مفعولاً ، كما يصلح لأنْ تعلّقَ به متعلقات بحروف تعدية ، أي حروف جر ، وإن أول متعلقاته خطوراً بالذهن متعلق سبب الفعل ، فيعلم أن قوله : { إلا من أتى الله بقلب سليم } يشير إلى فاعِل { ينفع } ومفعولِه وسببِه الذي يحصل به.فعلم أنه يوم لا ينفع نافع من شئ أو غيره. ذكره ابن عاشور
• المراد من الآية: أي لا يقي المرء من عذاب الله يوم القيامة من مال و لو كان ملأ الأرض ذهبا و لا من كثرة البناء عدداً ليفتدي نفسه من عذاب الله، فهم زينة الحياة الدنيا . يوم لا تنفع أعلاق الدنيا ومحاسنها، فقصد من ذلك الذكر العظيم والأكثر; لأن المال والبنين هما زينة الحياة الدنيا. حصيلة ما ذكره ابن عطية و ابن كثير و الطبري و البغوي و ابن عاشور.
• واستظهر ابن عطية : أن الآيات التي أولها { يوم لا ينفع مال ولا بنون } يريد إلى قوله : { فنكون من المؤمنين } [ الشعراء : 102 ] منقطعة عن كلام إبراهيم عليه السلام وهي إخبار من الله تعالى صفة لليوم الذي وقف إبراهيم عنده في دعائه أن لا يُخْزى فيه. أي ان الذي يقوم بهذا الدعاء إبراهيم عليه السلام.
• ولماذا كان الاقتصار على المال والبنين في نفي النافعين؟
جرى على غالب أحوال القبائل في دفاع أحد عن نفسه بأن يدافع إما بفدية وإما بنجدة الأبناء و الأهل( وهي النصر ) ، فالمال وسيلة الفدية ، والبنون أحق من ينصرون أباهم ، ويعتبر ذلك النصر عندهم عهداً يجب الوفاء به . قال قيس ابن الخَطِيم :
ثأَرتُ عَدِيًّا والخطيمَ ولم أُضِع ... وَلاية أشياخ جُعلت إزاءَها. ذكره ابن عاشور في نفسيره
• فعلى المؤمن الفطن من أراد رضا الله تعالى أن يعد العدة لهذا اليوم؛ يوم لقاءه الله تعالى وأول منازل يوم القيامة هي دخول القبر. و قد ذكر أن عثمان ابن عفان كان إذا ذكر عنده عذاب القبر بكى و عندما سئل عن سبب خوفه الشديد من القبر،قال أنه أول منازل القيامة فمن اجتاز هذا الاختبار يسر عليه البقية.
• و على المؤمن أن يدرك أن الدنيا هي مزرعة الآخرة،و من حَرِثها المال و البنون فمن اتقى وجه الله فيهم، كانوا له رصيدا من الحسنات في الآخرة.
• وإما يكون حاله حال المجرم في يوم القيامة في قوله تعالى:" يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه".

إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾

•معنى "السليم": اللديغ قال به الجنيد و ذكره ابن عطية في تفسيره.
•المراد بالقلب: الإدراك الباطني . ولذلك القلب قلبان .. قلب ظاهر وقلب باطن .. فأما القلب الظاهر فهو المسمى بعضلة القلب .. وأما القلب الباطن فهو هذه اللطيفة الإلهية .. و المراد هنا في الآية؛ القلب الباطن الذي هو مناط الإدراك و الوعاء الذي امتلأ نوراً و حكمة و سلامة من كل شرك و بدعة ظهر نوره على الجوارح والأعمال. فإذا صلح القلب صلح الجسد و إذا فسد فسد الجسد كله. حاصل ما ذكره البغوي في تفسيره وابن عاشور
•أن يكون المراد ب { من أتى الله بقلب سليم } الإشارةُ إلى إبراهيم عليه السلام لأن الله تعالى وصفه بمثل هذا في آية سورة الصافات ( 83 ، 84 ) في قوله : { وإن من شِيعَتِه } ( أي شيعة نوح ) لإبراهيمَ إذ جاء ربَّه بقلب سليم . ذكره ابن عاشور في تفسيره.
•متعلق الفعل "أتى الله": هو "بقلب سليم". و هو أيضاً المستثنى المتعيّن لأن يكون استثناء من مفعول { ينفع } وليس مستثنى من فاعل { ينفع } لأن من أتى الله بقلب سليم يومئذ هو منفوع لا نافع. حاصل ما ذكره ابن عاشور في تفسير الآية.

الأقوال التي أوردها المفسرون في تفسير القلب السليم:

القلب السليم: خالص من الشرك والمعاصي وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين.قال به مجاهد و الحسن، و ذكرهما ابن عطية و ابن كثير قال السليم من دنس الشرك.و ذكر ابن عاشور السلامة هنا السلامة المعنوية المجازية،و هو السليم من العقائد الفاسدة.
قال سفيان : هو الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره. ذكره ابن عطية في تفسيره.
قال محمد بن سيرين : القلب السليم أن يعلم أن الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور . ذكره ابن كثير في تفسيره، و ذكر مثله الطبري.
قال ابن عباس: القلب الحي الذي يشهد بلا إله إلا الله. ذكره اين كثير
القلب الصحيح هو قلب المؤمن؛إذ قلب الكافر و المنافق سقيم.قاله سعيد بن المسيب و ذكره ابن كثير و البغوي في تفسيرهما.
القلب المطمئن الخالي من البدعة. قال به النيسابوري و ذكره ابن كثير و البغوي في تفسيرهما.

خلاصة أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى"بقلب سليم":

هو القلب الصحيح اسليم من دنس الشرك و الشبهات و الشهوات ، الذي يشهد بوحدانية الله تعالى، و يؤمن بأن الساعة حق، المطمئن بذكر الله والحي قلبه بقول لاإله إلا الله.و أما الذنوب فلا يسلم منها أحد. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: ( إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) قال: سليم من الشرك, فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد.
و من هنا يتضح لنا أعزائي الطلبة؛تعريف القلب السليم هو الذى سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرئاسة. كما ذكره ابن القيم في كتابه الرائع (بدائع الفوائد).

و لا تتم سلامة القلب حتي يطهر من خمسة أشياء:

1.من شرك يناقض التوحيد ..
2.وبدعة تخالف السنة ..
3.وشهوة تخالف الأمر ..
4. وغفلة تناقض الذكر ..
5.وهوى يناقض التجريد والإخلاص ..

• و يظهر صلاح القلب في قبوله و إذعانه للحق و عدم التكبر و فعل الطاعات و التقرب إلى الله بكل الأعمال الصالحة. وفساد القلب و مرضه يكمن في الكبر واتباع الشبه و البدع، فعلى طالب العلم ان يكون أول من يذعن لأمر الله و يتفقد صلاح قلبه وسلامته من كل ما يشوبه من شهوات و شبهات. و يكون داعي إلى الله بخلقه قبل علمه.

• و اللهم صل و سلم و بارك على الحبيب المصطفى.

المراجع:

التفاسير:

1. جامع البيان عن تأويل آي القرآن الطبري( 310ﻫ)
2. معالم التنزيل للبغوي (450ﻫ)
3. المحرر الوجيز لابن عطية(ت 541ﻫ).
4. تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت 774ﻫ)
5. التحرير و التنوير لابن عاشور (1393ﻫ)

مراجع أخرى:

1.بدائع الفوائد لابن القيم.(ت 751ﻫ)
2.إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 ربيع الأول 1438هـ/17-12-2016م, 04:58 PM
سناء بنت عثمان سناء بنت عثمان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 286
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
تطبيق على درس أسلوب التقرير العلمي
قال تعالى:(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون).
في هذه الآية: إخبار عن الطائفة الثالثة، وقد سبقتها آيات قبلها في الحديث عن الطائفة الأولى والثانية قال تعالى:(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون* وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون).

*هذه الآية أصل في الفهم الصحيح للقرآن، الموجب للعمل بما جاء فيه وأنه مقدم على القراءة والسماع المجردان من الفهم، وفيه ذم لمن أهمل فهمه، مكتفيا بقراءته وسماعه فقط دون الفهم والعمل مع قدرته على ذلك.
قال تعالى:(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ)
_(ومنهم) الواو عاطفة، والضمير في (منهم) قال عكرمة والضحاك أنه يرجع إلى نصارى العرب، وقال علي بن أبي طالب: أنهم المجوس، وجمع ابن عطية بقوله: أنهم الكفار وقال: هذا قول مجاهد وأبو العالية.
*واكتفى الشنقيطي وابن عثيمين بقول واحد: وهم اليهود. وهو قول ثان لابن عطية.
_(أُمِّيُّونَ).
والأمي هو الذي لا يكتب ولا يقرأ. وفي التسمية بالأمي عدة أقوال:
1/ أن ذلك من نسبته إلى الأمة وهم العامة؛ كما يقال عندنا عامي دليل على قلة علمه فهو قريب إلى الجاهل من صاحب العلم. ذكره ابن عاشور، وابن عطية.
ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب).
2/ وقيل بل ذلك منسوب إلى الأم؛ إذ أنه بقي على الحالة التي وُلد بها فلم يكتسب علما، وقيل: لأن النساء لا شغل لهن بالكتاب سابقا. وهو قول ثان لابن عاشور وابن الجوزي، وابن عطية ونسبه للطبري. وقد رد هذا القول ابن عاشور، بأن ذلك غير صحيح، وأن نسبته إلى أمه إذا صحت لقيل أمهي؛ فإن النسب يرد الكلمات إلى أصولها.
3/ أنه يرجع إلى الأمَة المملوكة لأنها لم تتعلم الكتابة ولا القراءة فهي على جبلتها التي خلقها الله عليها وهذا القول لابن عطية، وابن الجوزي ونسبه للزجاج.
ورجح ابن عاشور القول الأول. وذكرا ابن عطية والجوزي أقوالهما دون أن يرجحا بينهما.

_قال تعالى:(لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ):
لا يدرون الكتاب ما فيه. قاله قتادة، ذكره ابن الجوزي، وقال ابن عاشور وابن عطية: لا يعلمون من الكتاب إلا علما سمعوه فقط دون أن يكون لهم فهم أو وعي له. وقال ابن عثيمين هي القراءة التي تكون بدون فهم.
ويمكن الجمع بين هذه الأقوال: بأن الكتاب إنما أنزل للعمل بما فيه، فمن لم يعمل بما فيه كان جاهلا سواء قرأه أو سمعه، إذ أن العبرة العمل بما فيه والذي يأتي من الفهم الصحيح.
_(الكتاب):
فيه قولان:
1/ هو التوراة ذكره ابن عاشور وابن عطية ويكون هذا القول على من قال بـأن (منهم) مقصود بها الجهلة من أهل الكتاب من اليهود أو النصارى.
2/ أنه مصدر من كتب وهو الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب. وهو قول ابن عاشور.
وقد رد ابن عاشور القول الثاني لدلالة ما أتي بعده.
*وقد ذم الله في هذه الآية اليهود لدلالة الآيات السابقة عليهم وذلك أنهم كانوا يأخذون الكتاب أخذا مجردا بعيدا عن الفهم والعلم به، ولا شك أن ذلك مخالف لمقصود الكتاب وما أنزل لأجله، وجعلهم الله بمنزلة الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب. وفي ضمنه تحذير للمسلمين من أن يسلكوا مسلكهم.

_ (إِلَّا أَمَانِّيَّ):
*جمهور القراء على التشديد في الياء، وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة، ونافع في بعض ما روي عنه بالتخفيف.
ومن قرأ بالتخفيف حجتهم: أنها من أمنية أصلها أمْنُويَة على وزن أفْعُولَة ويجمع هذا الوزن على أفاعل.
ومن قرأها بالتشديد: قال أن جمعها على وزن أفاعيل؛ فتكون (أمانيي) فأدغمت الياء في الياء. ذكره ابن عطية وابن عاشور.

*واختلف العلماء في معنى (أماني):
1/ أنه من التمني والتكلف لحصول شيء متعذر. ومصدره أمنية.
قال كعب بن زهير:
فلا يغرنك ما منت وما وعدت..إن الأماني والأحلام تضليل
وهو إذا سمع الرجل شيئا بظنه تمنى أن يكون من كتاب الله. وهو مروي عن ابن عطية وابن الجوزي وابن عاشور
2/ من القراءة. وهو تلاوته للكتاب. وقد نقله كذلك ابن عطية وابن الجوزي وابن عاشور.
قال تعالى:( قول الله تعالى:(إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته)
ومنه قول حسان في رثاء عثمان بن عثمان:
تمنى كتاب الله أول ليله..... وآخره لاقى الحمام المقادر.
*وكلا المعنيان صحيحان.
فاليهود منهم من كان جامعا للتوراة، قارئا لها، لكن بعيدين عن العلم والفهم الذي يوجب لهم العمل فلم ينفعهم ذلك إذا خالفوا الأصل الذي لأجله أنزل الكتاب وهو الفهم الصحيح ثم العمل، فمن أكرمه الله بحمل الكتاب ولم يعمل به، كان بمنزلة الأمي وإن جمعه كاملا لا يسقط منه حرفا. بل قد يدخله ذلك في باب الوعيد كما دلت بذلك الأحاديث الصحيحة.
*والاستثناء الوارد في الآية منقطع؛ لأن الوجهان الواردان في معنى (أماني) لا يعدان من علم الكتاب. قاله ابن عاشور.
_قال تعالى:(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ):
(وإن) نافية وهي بمعنى وما. والظن: هو الميل لأحد الجائزين. قاله ابن عطية.
قال قتادة: ليسوا على يقين فإن كذب الرؤساء أو صدقوا تابعوهم. ذكره ابن الجوزي.
*ولا يخفى على عاقل أن من لم يكن له علم ولا فهم يقوده إلى الحق، فهو إما ساع بظنه بعيد عن اليقين، أو تابع لكل ناعق؛ وأني يتبين له الحق وليس له نصيب من العلم والفهم، وفقْد العلم وعدم الفهم يوردان العبد موارد الهلاك جنبنا الله واياكم، ورزقنا العلم النافع الذي يقود لرضوانه.

والحمد لله رب العالمين.






المراجع:
1/ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي. ت(541) هـ
2/ زاد المسير في علم التفسير. للإمام أبي الفرج جمال الدين بن عبد الرحمن بن على بن محمد الجوزي القرشي البغدادي. ت(597) هـ
3/ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. للشيخ العلامة محمد الأمين بن محمد الجكني الشنقيطي ت(1393) هـ
4/ التحرير والتنوير. لمحمد الطاهر بن محمد عاشور ت(1393) ه
5/تفسير القرآن الكريم. الفاتحة والبقرة لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين.
6/ السراج في بيان غريب القرآن. لمحمد بن عبد العزيز الخضيري.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 ربيع الأول 1438هـ/18-12-2016م, 04:17 AM
ندى علي ندى علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 311
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (36)


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذه رسالة قصيرة في تفسير قوله تعالى : ({وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (36) }
جاءت هذه الآية في سياق ذكر بعض المنهيات التي أمر الله بتجنبها, وهي معطوفة على ما قبلها , وابتدأها الله بأداة لا الدالة على النهي .
والقفو في اللغة يأتي بمعان:
منها القذف والرمي : كما فِي الحديثِ: (نحنُ بَنُو النَّضْر بنِ كِنانَةَ لَا نَقْذِفُ أَبانا وَلَا نَقْفُو أُمَّنا) ، ومَعْنى نَقْفُو نَقْذِفُ.
وتأتي بمعنى القيافة: أي التتبع , ويقال قفوته قفوا إذا تبعته , وَمِنْه هذه الآية (وَلَا تَقْفُ مَا ليسَ لكَ بِهِ عِلْم) ؛ قالَ الأخْفَش فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ: أَي لَا تَتَّبِع مَا لَا تَعْلم.

ولم تبعد أقوال أهل التفسير عن هذه المعاني :
فقيل: هو القول بغير علم, ومنه شهادة الزور, وهو مروي عن ابن عباس و قتادة , وعن ابن الحنفية , نقل ذلك عنهم الطبري في تفسيره , وذكره الزجاج , والماوردي وابن عطية وابن كثير.
واستدلوا له بـ :
ما ورد عن ابن عباس في قوله (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) يقول: لا تقل.
وعن قتادة : لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع، فإن الله تبارك وتعالى سائلك عن ذلك كله.
و عن ابن الحنفية قال: شهادة الزور.

وقيل: مأخوذ من القيافة أي تتبع الأثر , أشار إليه الطبري وذكره الزجاج والماوردي وابن عطية .
والتأويل : لا تتبعن لسانك من قول ما ليس لك به علم , ذكره الزجاج وهو بهذا التأويل جمع بينه وبين القول الأول – والله تعالى أعلم- .

وقيل : معناه: ولا ترم . روي عن ابن عباس أيضا ومجاهد , نقله عنهم الطبري في تفسيره والماوردي وابن عطية, وابن كثير.
روي عن ابن عباس، قوله (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) يقول: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم.
وعن مجاهد (وَلا تَقْفُ) ولا ترمِ.

ويمكن الجمع بين هذه الأقوال لما بينها من تقارب– والله تعالى أعلم – فالقول بغير علم يدخل فيه شهادة الزور , ورمي الغير بلا علم وتثبت ,وادعاء مالم ير أو يسمع , واتباع ما لاعلم له فيه, وقد ذكر وجه الجمع هذا الطبري رحمه الله إلا أنه استبعد معنى التتبع , وقد سبق بيان توجيه الزجاج رحمه الله في الجمع بينه وبين بقية الأقوال .

وفي الآية قراءتان :
الأولى : (ولا تقْفُ) بضم الفاء وإسكان القاف وهي قراءة الجمهور نقله الزجاج و ابن عطية.
والأخرى : (ولاتقُفْ ) بإسكان الفاء وضم القاف، من قاف يقوفُ - وكأنه مقلوب من قفا يقفو، والمعنى واحد. حكاها الكسائي عن بعض الناس نقل ذلك ابن عطية , وذكره الزجاج .
ولا تخرج هاتين القراءتين عما سبق بيانه من معان .

ثم لما نهى الله –عز وجل- عن ذلك علله بأنه إنما نهى عنه لأن العبد سيسأل عن سمعه وبصره وفؤاده , وستشهد عليه يوم القيامة جوارحه , لأن (إن ) المكسورة تدل على التعليل وهذا متقرر في الأصول .
و(كل) : تدل على الإحاطة بكل شيء , وعبر عن السمع والبصر والفؤاد بأولئك تنزيلا لها بمنزلة العاقل, ذكر ذلك ابن عطية وابن عاشور, وقد أجاز علماء اللغة التعبير بأولئك عمن يعقل وعما لا يعقل كما قال الشاعر :
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام

(وكان) : تدل على رسوخ الخبر .

والآية تحتمل معنيين :
الأول: أن الإنسان سيسأل عن سمعه وبصره وفؤاده يوم القيامة ؛ لأنه هو الذي يعمل بها ذكره الطبري , والماوردي وابن عطية وابن كثير والشنقيطي .
كما قال تعالى (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
والثاني : أن جوارح الإنسان تُسأل فتشهد على الإنسان بما عمل, وهذا غاية الخزي . ذكره الزجاج والماوردي وابن عطية وابن كثير والشنقيطي .
واستدلوا له بقوله تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
وكلا المعنين تحتمله الآية

هذا ما تيسر بيانه في معنى الآية - والله تعالى أعلم- وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين


المراجع :
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310)
معاني القرآن وإعرابه للزجاج ت ( 311هـ)
النكت والعيون للماوردي ت (450هـ)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت (542هـ)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
تاج العروس لمحمد الحسيني ت ( 1205)
التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي ت (1393هـ)

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 19 ربيع الأول 1438هـ/18-12-2016م, 05:50 AM
منى محمد مدني منى محمد مدني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 344
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في الأقسام الواردة في صدر سورة النازعات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

هدف السورة :
إِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَإِبْطَالِ إِحَالَةِ الْمُشْرِكِينَ وُقُوعَهُ

المقسم به في سورة النازعات :
أقسم الله في صدر سورة النازعات بخمسة أقسام عظيمة فذكر خمسة أوصاف جليلة القدر ولم يذكر موصوفها ولذلك أختلف العلماء في تعينها فمدار الخلاف في تعيين الموصوف بهذه الأوصاف وعليه الخلاف فيها من قبيل المتواطئ ،وذكر جماعة من المفسرين أن المراد الملائكة ، والأقسام الخمسة هي :
القسم الأول:(وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)
القسم الثاني:(وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)
القسم الثالث:(وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)
القسم الرابع :( فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
القسم الخامس:(فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)
المقسم عليه :
أختلف العلماء في المقسم عليه ورجح الطبري أن جواب القسم في هذا الموضع مما استغني عنه بدلالة الكلام، فترك ذكره وتقديره لَتُبْعَثُنّ ولتحاسبنّ ويدل عليه ما بعده من ذكر القيامة .
فائدة القسم :
تقرير عقيدة البعث والجزاء بالإقسام عليها وذكر كيفية وقوعها ذكره أبو بكر الجزائري في تفسيره
العلاقة بين المقسم به والمقسم عليه :
انّ الملائكة هم وسائط التدبير وخلق العالم وتدبيره لم يكن سدى ولا عبثاً بل لغاية خاصة وهو عبارة عن بعث الناس ومحاسبتهم وجزائهم بما عملوا.

الأقسام الواردة في السورة :
القسم الأول:(وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1))
معنى النزع :
النزع هو اجتذاب الشيء بقوة والإغراق في النزع هو أن يجتذبه إلى آخره ومنه إغراق النزع في جذب القوة بأن يبلغ بها غاية المد فيقال أغرق في النزع ثم صار مثلاً لكل من بالغ في فعل حتى وصل إلى آخره
اقوال العلماء في المراد (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا):
أقسم الله بالنازعات، واختلف أهل التأويل فيها، ، وما تنزع؟
القول الأول:
الملائكة التي تنزع نفوس بني آدم، والمنزوع نفوس الآدميين
وغَرْقاً على هذا القول إما أن يكون مصدر بمعنى الإغراق والمبالغة في الفعل، وإما أن يكون كما قال علي وابن عباس وسعيد ابن جبير :تغرق نفوس الكفرة في نار جهنم
وهذا القول مروي عن ابن مسعود من طريق مسروق ،وابن عباس من طريق العوفي وأبي صالح ،وعن مسروق
ذكره الطبري وابن عطية وابن أبي حاتم والفراء والزجاج
القول الثاني:
الموت ينزع النفوس
وهذا القول مروي عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح ذكره الطبري وابن عطية وابن أبي حاتم
القول الثالث:
النجوم تنزع من أفق إلى أفق
وهذا القول مروي عن الحسن من طريق أبي العوام ،وقتادة من طريق معمر ذكره الطبري والزجاج ، ومروي عن أبو عبيدة وابن كيسان والأخفش ذكره ابن عطية
القول الرابع :
القسيّ تنزع بالسهم وغَرْقاً بمعنى الإغراق
وهذا القول مروي عن عطاء ذكره الطبري وابن عطية والزجاج
القول الخامس:
النفس حين تنزع وغَرْقاً هنا بمعنى الإغراق أي تغرق في الصدر
هذا القول مروي عن السدي من طريق سفيان ذكره الطبري وابن عطية وابن أبي حاتم
القول الراجح :
ترجيح الطبري:
قال الطبري: الصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالنازعات غرقا، ولم يخصص نازعة دون نازعة، فكلّ نازعة غرقا، فداخلة في قسمه، ملكا كان أو موتا، أو نجما، أو قوسا، أو غير ذلك. والمعنى: والنازعات إغراقا كما يغرق النازع في القوس.
ترجيح ابن القيم :
رجح ابن القيم ان المراد الملائكة وقال: وأكثر المفسرين على أنها الملائكة تنزع أرواح بني آدم من أجسامهم
وذكر أيضاً أن النزع الجذب بقوة وفصل في معناه ثم قال (وأحق ماصدق عليه هذا الوصف الملائكة لأن هذه القوة فيها أكمل والآية فيها أعظم )
ترجيح محمد الشنقيطي في أضواء البيان :
قال الشنقيطي: وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ السِّيَاقُ وَالنُّصُوصُ الْأُخْرَى: أَنَّ كُلًّا مِنَ «النَّازِعَاتِ» وَ «النَّاشِطَاتِ» : هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، وَهِيَ صِفَاتٌ لَهَا فِي قَبْضِ الْأَرْوَاحِ.
وَدَلَالَةُ السِّيَاقِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: هُوَ أَنَّهُمَا وَصْفَانِ مُتَقَابِلَانِ: الْأَوَّلُ نَزْعٌ بِشِدَّةٍ، وَالْآخَرُ نَشَاطٌ بِخِفَّةٍ، فَيَكُونُ النَّزْعُ غَرْقًا لِأَرْوَاحِ الْكُفَّارِ، وَالنَّشْطُ بِخِفَّةٍ لِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ نَزْعِ أَوَرَاحِ الْكُفَّارِ: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ الْآيَةَ . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ، وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ، وَقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ .
وَهَذَا يَتَنَاسَبُ كُلَّ الْمُنَاسَبَةِ مَعَ آخَرِ السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إِذْ جَاءَ فِيهَا: إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ، وَنَظَرُ الْمَرْءِ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ يَبْدَأُ مِنْ حَالَةِ النَّزْعِ حِينَمَا يَثْقُلُ اللِّسَانُ عَنِ النُّطْقِ فِي حَالَةِ الْحَشْرَجَةِ، حِينَ لَا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ عِنْدَ الْعَايِنَةِ لِمَا سَيَئُولُ إِلَيْهِ، فَيَنْظُرُ حِينَئِذٍ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، وَهَذَا عِنْدَ نَزْعِ الرُّوحِ أَوْ نَشْطِهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وخلاصة الكلام أن الشنقيطي يرجح أن المراد الملائكة لأمور:
1- أن القول بانها الملائكة هو الذي يشهد له السياق
2- لدلالة النصوص الآخرى عليه
3- التناسب مع ختام السورة السابقة
4- انه القول المروي عن ابن عباس ومجاهد
ترجيح مساعد الطيار:
ذكر الشيخ مساعد الطيار الخلاف الوارد في معنى النازعات ثم قال:
وهذا من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى، وسببُ هذا الخلاف أنَّ هذه أوصافٌ لم يُذكر موصوفُها، وهي صالحةٌ لأن تُحمَل على كل ما قيل فيها ـ كما قال ابن جرير ـ وعليه فهي من قَبيل المتواطئ، غير أن الراجحَ من أقوال المفسرين، أن النازعات وما بعدها من الأوصافِ هي للملائكة، وعلةُ ذلك أن المفسِّرين أجمعوا على أن المدبِّرات هي الملائكة، ودلَّت الفاء في قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} على أنهامتفرِّعة عن جملة: {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} [النازعات: 4]، وهذه الجملة متفرِّعةٌ عن جملة: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} [النازعات: 3]، وعليه فهذه الأوصاف الثلاثة في الملائكة، وكون الوصفين الأوَّلين فيهما أيضاً أولى؛ لاتحاد هذه الأوصاف في موصوف واحد. وتفريقُ الأوصاف على أجناسٍ مختلفة، مع هذا التأويل غير متمكن، ولا دليلَ عليه، والله أعلم.
ومما يلاحظ أن بعض المفسرين اقتصروا على القول بأن المراد بالنازعات الملائكة ولعل سبب ذلك أنه القول الذي يترجح لديهم منهم على سبيل المثال لا الحصر ( الفراء في كتابه معاني القرآن ، محمد بن صالح العثيمين ،عبد الرحمن بن ناصر السعدي)
قال الشيخ محمد بن صالح : فهذه الأوصاف كلها أوصاف للملائكة على حسب أعمالهم، وأقسم الله سبحانه وتعالى بالملائكة لأنهم من خير المخلوقات، ولا يقسم الله سبحانه وتعالى بشيء إلا وله شأن عظيم إما في ذاته، وإما لكونه من آيات الله عز وجل.
فالنازعات الملائكة الذين يخرجون أرواح الكفار بشدة، ويغرقون في أجسادهم لإخراجها؛ لأن الكافر إذا جاءه الموت وبشر بعذاب الله -جل وعلا- تفرقت روحه في جسده؛ كما صح ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث البراء بن عازب، فإذا تفرقت هذه الروح في الجسد، غاصت عليها الملائكة لتخرجها من أقاصي جسده، وتخرج هذه الروح بقوةٍ وعنفٍ، ولهذا ثبت في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- ((أنها تُخرج كما يخرج السفود من الصوف المبلول))والسفود: هو الحديدة التي يشوى عليها.
ومما سبق يتبين أن سبب الخلاف أن هذه أوصاف لم يذكر موصوفها اتضحت الأمور وتبين سبب ترجيح الطبري للعموم لأن الآية تحتمل لعدم ذكر الموصوف من جهة وعدم ورود دليل من جهة اخري ،ومن خصص بالملائكة ساق أدلة مقنعة من كون الملائكة أحق ماصدق عليه الوصف ودلالة السياق والنصوص الأخرى والتناسب مع السورة السابقة وماروي عن الصحابة والتعقيب بالفاء في الآيات التي بعدها فتكون متفرعة عنها .

القسم الثاني: (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2):
معنى النشط : أَصْلُ الْكَلِمَةِ: النَّشَاطُ وَالْخِفَّةُ، وَالْأُنْشُوطَةُ: الْعُقْدَةُ سَهْلَةُ الْحَلِّ، وَنَشَّطَهُ بِمَعْنَى رَبَطَهُ، وَأَنْشَطَهُ حَلَّهُ بِسُرْعَةٍ وَخِفَّةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ»
أقوال العلماء في المراد (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا):
القول الأول:
الملائكة تنشط الأرواح ،واختلفوا في الروح التي تقبض على أقوال :
1- فمنهم من أطلق فلم يقيد بروح معينة :
ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا قَالَ: الْمَلائِكَةُ حِينَ تَنْشَطُ الرُّوحُ مِنَ الْأَصَابِعِ وَالْقَدَمَيْنِ
ذكر ابن عطية في تفسيره عن ابن عباس ومجاهد: هي الملائكة لأنها تنشط النفوس عند الموت، أي تحلها كحل العقال وتنشط بأمر الله أي حيث كان
2- ومنهم من قيدها بروح المؤمن :
ذكر الطبري في تفسيره عن ابن عباس :الملائكة، تنشِط نفس المؤمن فتقبضُها، كما ينشط العقال من البعير إذا حُلّ عنه.
قال الفراء في معاني القرآن : إنها تقبض نفس المؤمن كما يُنْشطُ العقال مِن البعير
3- ومنهم من قيدها بروح الكافر :
قال الزجاج :قيل في التفسير يعنى به الملائكة تنزِع روحَ الكَافِرِ وتنشطها فيشتد عليهأمر خروج نَفْسِه
عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا قَالَ: هَاتَانِ الْآيَتَانِ لِلْكُفَّارِ، عِنْدَ نَزْعِ النَّفْسِ تَنْشَطُ نَشْطًا عَنِيفًا مِثْلُ سَفُودٍ فِي صُوفٍ فَكَانَ خُرُوجُهُ شَدِيدًا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا قَالَ: هَاتَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ .

اختيار الفراء وبيان الواحدي لسبب اختياره :
روي عن ابن عباس : أن ( النازعات ) الملائكة تنزع نفوس الكفار بشدة وعنف ( والناشطات ) الملائكة التي تنشط أرواح المؤمنين بيسر وسهولة واختار الفراء هذا القول فقال : هي الملائكة تنشط نفس المؤمن فتقبضها وتنزع نفس الكافر قال الواحدي : إنما اختار ذلك لما بين النشط والنزع من الفرق في الشدة واللين فالنزع الجذب بشدة والنشط الجذب برفق ولين ( والناشطات ) هي النفوس التي تنشط لما أمرت به والملائكة أحق الخلق بذلك ونفوس المؤمنين ناشطة لما أمرت به.
قال الشيخ عبدالعزيز السعيد : {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} هؤلاء هم: الملائكة الذين ينشَطُون أرواح المؤمنين نشطاً، فيخرجونها بسرعة وخفة، وهذا كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث البراء أن المؤمن إذا كان في السياق، وبُشر برحمة الله ورضوانه، وقيل لروحه: ((يا أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرةٍ من الله ورضوانٍ وروحٍ وريحانٍ وربٍ غير غضبانٍ فإنها تسيل كما يسيل القطر من في السقاء)) يعني: تخرج بخفةٍ وراحةٍ على المؤمن
القول الثاني:
الموت يَنْشِط نفسَ الإنسان.
مروي عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح ،وقد أدخل ابن جريرالطبري ابن عباس والسدي في هذا القول وعبارتهما مجملة ،وهذا القول مروي عن ابن عباس ذكره ابن أبي حاتم وابن عطية
القول الثالث:
النَّاشِطاتِ النجوم لأنها تنشط من أفق إلى أفق، أي تذهب وتسير بسرعة،ومن ذلك قيل البقر الوحش النواشط لأنهن يذهبن بسرعة من موضع إلى آخر
مروي عن قتادة من طريق معمر ذكره الطبري وابن عطية وأضاف ابن عطية رواية ابن عباس والأخفش والحسن
القول الرابع :
الأوهاق ،وهي الحبل يرمى في أنشوطة فتؤخذ به الدابة أوالإنسان
مروي عن عطاء ذكره الطبري والزجاج وابن عطية
القول الخامس:
البقرة الوحشية وما جرى مجراها من الحيوان الذي ينشط من قطر إلى قطر، مروي عن عطاء ذكره ابن عطية
ومن هذا المعنى قول الشاعر [همان بن قحافة] :
أرى همومي تنشط المناشطا ... الشام بي طورا وطورا واسطا
وكأن هذه اللفظة في هذا التأويل مأخوذة من النشاط
القول السادس:
النَّاشِطاتِ النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج،مروي عن ابن عباس ذكره ابن عطية
القول الراجح :
ترجيح الطبري :
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالناشطات نشطا، وهي التي تنشط من موضع إلى موضع، فتذهب إليه، ولم يخصص الله بذلك شيئا دون شيء، بل عم القسم بجميع الناشطات والملائكة تنشط من موضع إلى موضع، وكذلك الموت، وكذلك النجوم والأوهاق وبقر الوحش أيضا تَنْشُط، كما قال الطِّرِمَّاح:
وَهَلْ بِحَلِيفِ الخَيْلِ مِمَّنْ عَهِدْتُه ... بِهِ غَيْرُ أُحْدانَ النَّوَاشِطِ رُوع
يعني بالنواشط: بقر الوحش، لأنها تنشط من بلدة إلى بلدة، كما قال رؤبة بن العجَّاج:
تَنَشَّطَتْهُ كُلُّ مِغْلاةِ الْوَهْق
والهموم تنشط صاحبها، كما قال هِيمان بن قحافة:
أمْسَتْ هُمُومِي تَنْشِطُ المَناشِطَا ... الشَّامَ بِي طَوْرًا وَطَوْرًا وَاسِطَا
فكل ناشط فداخل فيما أقسم به إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها بأن المعنيّ بالقسم من ذلك بعض دون بعض.
خلاصة :
سبق ذكر ترجيح ابن القيم في الآية السابقة وترجيح الشنقيطي ومساعد الطيار وماقيل هناك يقال هنا
فيكون قول الطبري على العموم وقول الفراء و ابن القيم والشنقيطي ومساعد الطيار على أنها الملائكة لدلالة السياق والنصوص الآخرى والتناسب مع السورة السابقة وماروي عن الصحابة والتعقيب بالفاء في الآيات التي بعدها فتكون متفرعة عنها .
القسم الثالث:(وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3):
معنى السبح: «السبح» : العوم في الماء، وقد يستعمل مجازا في خرق الهواء والتقلب فيه.
أقوال العلماء في المراد بقوله تعالى : (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)
القول الأول:
الملائكة ، جعل نزولها من السماء كالسباحة ولأنها تتصرف في الآفاق بأمر الله تجيء وتذهب ،والعرب تقول للفرس إنه لسابح إِذَا مرَّ يتمطى
وهو قول مجاهد من طريق ابن أبي نجيح وقد ذكر ابن كثير أنه قول ابن مسعود وروي عن علي ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح ذكره الطبري وابن أبي حاتم والفراء وابن عطية
القول الثاني:
الموت يسبح في جسد الإنسان
وهو قول مجاهد من طريق ابن أبي نجيح ذكره الطبري وابن عطية
القول الثالث:
النجوم تَسْبَح في فلكها
قول قتادة من طريق معمر وسعيد ذكره الطبري وابن عطية وأستدل له الزجاج بقوله تعالى (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)
القول الرابع :
السفن تسبح في الماء
قول عطاء ذكره الطبري والزجاج وابن عطية
القول الخامس:
أرواح المؤمنين تخرج بسهولةٍ مروي عن الربيع بن أنس ذكره ابن أبي حاتم والزجاج
القول السادس:
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا حِينَ تَسْبَحُ النَّفْسُ فِي الْجَوْفِ تَتَرَدَّدُ عَنِ الْمَوْتِ ذكره ابن أبي حاتم
القول السابع :
الشمس والقمر والليل والنهار مروي عن أبي روق ذكره ابن عطية
القول الثامن :
السماوات، لأنها كالعائمة في الهواءذكره ابن عطية
القول التاسع :
السَّابِحاتِ: الخيل، ويقال للفرس: سابح مروي عن عطاء ذكره ابن عطية
القول العاشر :
السَّابِحاتِ الحيتان، دواب البحر فما دونها وذلك من عظيم المخلوقات، فروي أن الله تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان، منها أربعمائة في البر وستمائة في البحر،ذكره ابن عطية
القول الراجح:
قال ابن جرير الطبري: الصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالسابحات سبحا من خلقه، ولم يخصص من ذلك بعضا دون بعض، فذلك كل سابح، لما وصفنا قبل في النازعات
ترجيح ابن القيم :
والصحيح أنها الملائكة والسياق يدل عليه وأما السفن والنجوم فإنما تسمى جارية وجواري كما قال تعالى { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام } وقال { حملناكم في الجارية } وقال { الجوار الكنس } ولم يسمها سابحات وإن أطلق عليها فعل السباحة كقوله { كل في فلك يسبحون } ويدل عليه ذكره السابقات بعدها والمدبرات بالفاء وذكره الثلاثة الأول بالواو لأن السبق والتدبير مسبب عن المذكور قبله فإنها نزعت ونشطت وسبحت فسبقت إلى ما أمرت به فدبرته ولو كانت هي السفن أو النجوم أو النفوس الآدمية لما عطف عليها فعل السبق والتدبير بالفاء فتأمله
ترجيح الشنقيطي:
وَالْوَاقِعُ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا آيَاتٌ عِظَامٌ تَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّ السِّيَاقَ فِي أَمْرِ وَالْوَاقِعُ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا آيَاتٌ عِظَامٌ تَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّ السِّيَاقَ فِي أَمْرِالْبَحْثِ وَالْمَعَادِ، وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ الْآيَاتُ الْكَوْنِيَّةُ: الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَالنُّجُومُ. وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِالسَّابِحَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )
خلاصة : رجح الطبري العموم لعدم ورود مخصص ،ورجح ابن القيم أن المراد الملائكة لدلالة السياق ولذكر السابقات بعدها والمدبرات بالفاء فيتصل السياق ويكون المراد الملائكة ،ورجح الشنقيطي أن المراد الآيات الكونية لمناسبتها للمعاد والذي يظهر والعلم عند الله أن أدلة ابن القيم وحججه أقوى من الشنقيطي فيترجح قوله
القسم الرابع :(فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4):
معنى السبق :أصل السبق التقدم في السير نحو (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)والاستباق التسابق
أقوال العلماء في المراد بقوله تعالى (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
القول الأول:
هي الملائكة
مروي عن مجاهد ذكره الطبري وابن عطية
وقيل ((فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) الملائكة تسبق الشياطينَ بالوَحْي إلى الأنبياء الزجاج والفراء
.الزجاج
القول الثاني:
الموت
مروي عن مجاهد ذكره الطبري
القول الثالث:
الخيل السابقة
مروي عن عطاء ذكره الطبري والزجاج وابن عطية
القول الرابع :
النجوم يسبق بعضها بعضا في السير
مروي عن قتادة من رواية معمر وسعيد ذكره الطبري وابن عطية
القول الخامس:
وقوله: (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
أرواح المؤمنين تخرج بسهولةٍ.الزجاج
القول السادس:
وقيل الرياح ذكره ابن عطية
القول السابع :
وقيل المنايا تسبق الآمال، وقال الشاعر [عدي بن زيد] :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
ذكره ابن عطية
القول الراجح:
قال الطبري:
والقول عندنا في هذه مثل القول في سائر الأحرف الماضية.
ترجيح مساعد الطيار :
يرجح ان المراد الملائكة والآيات كلها في موصوف واحد هو الملائكة
قال ابن القيم :الملائكة داخلون في السابقات قطعا وأما اختصاص السابقات بالملائكة فهذا محتمل.
والخلاصة ان الطبري يرجح العموم لعدم وجود مخصص ومساعد الطيار يرجح أن المراد الملائكة للسبب السابق ذكره
القسم الخامس :(فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5):
معنى التدبير :التدبير التفكير في دبر الأمور قال تعالى (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يعني ملائكة موكلة بتدبير أمور
أقوال العلماء في المراد بقوله تعالى (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)
هِيَ الملائكة المدبرة ما أمرت به من أمر الله
مروي عن قتادة ذكره الطبري ،و لم يذكر الطبري غير قول قتادة، فلم يرِد عنده فيها خلاف في هذه الآية، كما وقع في سابقاتها، وقد حكى الإجماعَ السمعاني في تفسيره، وابن القيم في التِّبيان في القرآن. وقال ابن عطية: «وأما المدبِّرات فلا أحفظ فيها خلافاً»، وقال ابن كثير: (هي الملائكة ... ولم يختلفوا في هذا)
قال الشنقيطي:اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ رَأْيًا لَهُ بَعِيدًا، وَهُوَ أَنَّهَا الْأَرْوَاحُ، وَأَنَّهَا قَدْ تُدَبِّرُ أَمْرَ الْإِنْسَانِ فِي الْمَنَامَاتِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا تَرَى.
وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ النَّصُّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) وَكَمَا وَصَفَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِقَوْلِهِ:( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )
ذكر تدبير الملائكة للأمر:
قال عبد الرحمن بن ساباط : جبريل موكل بالرياح والجنود وميكائيل موكل بالفطر والنبات وملك الموت موكل بقبض الأنفس وإسرافيل ينزل بأمر الله عليهم
قال ابن عباس : هم الملائكة وكلهم الله بأمور عرفهم العمل بها والوقوف عليها بعضهم لبني آدم يحفظون ويكتبون وبعضهم وكلوا بالأمطار والنبات والخسف والمسخ والرياح والسحاب
وقد أخبر أن الله وكل بالرجم ملكا وللرؤيا ملك موكل بها وللجنة ملائكة موكلون بعمارتها وعمل آلاتها وأوانيها وغراسها وفرشها ونمارقها وأرائكها وللنار ملائكة موكلة بعمل ما فيها وإيقادها وغير ذلك
فالدنيا وما فيها والجنة والنار والموت وأحكام البرزخ - وكل الله بذلك كله ملائكة يدبرون ما شاء الله من ذلك ولهذا كان الإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الذي لا يتم الإيمان إلا به
جواب القسم :
أختلف العلماء في تعيين جواب القسم على أقوال :
1- قال بعض نحويِّي البصرة: قوله (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) : قسم والله أعلم على (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) وإن شئت جعلتها على (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) وهو كما قال الله وشاء أن يكون في كل هذا، وفي كلّ الأمور.
2- قال بعض نحويي الكُوفة: جواب القسم في النازعات: ما تُرِك لمعرفة السامعين بالمعنى، كأنه لو ظهر كان لَتُبْعَثُنّ ولتحاسبنّ. قال: ويدل على ذلك (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) . ألا ترى أنه كالجواب لقوله: (لَتُبْعَثُنَّ) إذ قال: (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) ، وقال آخر منهم نحو هذا، غير أنه قال: لا يجوز حذف اللام في جواب اليمين، لأنها إذا حذفت لم يُعرف موضعها، وذلك أنها تلي كلّ كلام.

القول الراجح :
*قال الطبري :و الصواب من القول في ذلك عندنا، أن جواب القسم في هذا الموضع مما استغني عنه بدلالة الكلام، فترك ذكره فيكون التقدير لتبعثن ،وبهذا القول قال الفراء والزجاج: هو محذوف دل الظاهر عليه تقديره: لتبعثن أو لتعاقبن يوم القيامة.
* ضعف ابن عطية قول بعض النحاة بأن جواب القسم في قوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى [النازعات: 26] ، فقال:وهذا ضعيف لبعد القول ولأن المعنى هالك .
فالذي يظهر رجحان القول بأن جواب القسم محذوف تقديره لتبعثن كمارجح الطبري وذكر الفراء والزجاج وذكره مساعد الطيار

خلاصة القول في الأقسام الواردة :
مما سبق عرضه في بيان الأقوال الوادرة في معنى القسم تبين أن الله أقسم بخمسة أوصاف ولم يذكر موصوفها ولذلك أختلف العلماء في تعينها فمدار الخلاف في تعيين الموصوف بهذه الأوصاف وعليه الخلاف فيها من قبيل المتواطئ ،وممن قال بالعموم وجمع بين الأقوال الطبري رحمه الله لعدم وجود مخصص ورجح جماعة من المفسرين أن المراد الملائكة وساقوا أدلة مقنعة على ذلك .

في ذكر المناسبة بين المقسم به والسورة :
رجح جمع من المفسرين أن المراد بالقسم في بداية السورة الملائكة ومما يؤيد كلامهم هدف السورة وموضوعاتها ،فالسورة كلها في تقرير المعاد
بدايتها :قسم بالملائكة التي تنزع الارواح عند الموت
ثم أخبر عن المعاد ومايكون فيه
ثم ذكر الله قصة فرعون والعلاقة بين قصته والقسم الوارد أن فرعون مات غرقاً في سورة فاتحتها (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا)، وهو نموذج لمن يجحد الآخرة وينكر عقيدة البعث وقد مات ميتة شديدة، واستلبت روحه بشدة وغلظة تماماً مثل (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) وفي اهلاكه تقرير للمعاد فمن عاقب الظالمين في الدنيا يبعثهم ويعاقبهم في الآخرة .
ثم قرر المعاد بذكر خلقه للسماوات والأرض ومافيهما من المخلوقات العظيمة فلا يعجزه إعادة خلق الإنسان الضعيف مرة ثانية .
ثم ختم السورة بالخبر عن وقوع الساعة .


المراجع:
الكتاب: معاني القرآن
المؤلف: أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء (المتوفى: 207هـ)
الكتاب: جامع البيان في تأويل القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
الكتاب: معاني القرآن وإعرابه
المؤلف: إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ)
الكتاب: تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم
المؤلف: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (المتوفى: 327هـ)
الكتاب "المفردات في غريب القرآن
المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)
الكتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
المؤلف: أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ)
الكتاب: التبيان في أقسام القرآن
المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
ـ[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن]ـ
المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393هـ)
الكتاب: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ)
الكتاب: تفسير جزء عم
المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
الكتاب: تفسير جزء عم للشيخ مساعد الطيار
الكتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
المؤلف: جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
المؤلف: د مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
تفسير سورة النازعات - د. أحمد نوفل

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19 ربيع الأول 1438هـ/18-12-2016م, 06:25 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم تطبيقات أسلوب التقرير العلمي


أحسنتم بارك الله فيكم وسدّد خطاكم..
وبدايات طيبة مبشّرة، نأمل لكم بعدها مزيدا من التمام والكمال والإفادة بإذن الله، ولا ضير أن توجد بعض المآخذ والملاحظات كونها أول تجربة، وليست العبرة بنقص البداية، وإنما بكمال النهاية، لذا نرجو أن تقع منكم ملاحظات التقويم موقع الموافقة والقبول والانتفاع.
وما أحسن ما قاله الزهري رحمه الله:

( لا تكابر العلم فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيها قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة ، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي).

اليوم علم وغدا مثله .. من نخب العلم التي تلتقط
يحصّل المرء بها حكمة .. وإنما السيل اجتماع النقط



التوصيات العامّة:
- من أهم ركائز الرسائل العلمية هو التحقّق من صحة نسبة المرويات التفسيرية، ثم التحقّق بعد ذلك من صحتها، وهذا ستدرسونه قريبا بالتفصيل إن شاء الله، ولا بأس من الإشارة إليه في هذه الدورة للفائدة.
فأما الخطوة الأولى، فنؤكد على ضرورة العناية بالتفاسير التي تنقل مرويات التفسير بالإسناد كتفاسير الطبري وابن أبي حاتم والصنعاني وغيرها، فإذا وجدنا أقوالا منسوبة لأحد من السلف في تفسير ابن كثير أو ابن عطية أو غيره فلنرجع إلى هذه التفاسير -أي المسندة- ونتحقّق من نسبة القول فعلا ثم نقوم بنقل نصّ عبارته وتخريجها، فإن لم نجد أثرا للرواية في هذه التفاسير دلّ ذلك على خطأ نسبة القول إلى هذا الصحابي أو التابعي، وذلك لأن هذه التفاسير الناقلة قد يقع فيها خطأ من جهة النص أو من جهة النسبة كما تعلمنا في دورات أصول التفسير، حيث يختصر بعض المفسّرين القول اختصارا مخلا يحصل بسببه خطأ في فهم الكلام، أو يُنسب أحد الأقوال خطأ إلى أحد السلف فيشيع عنه.
وهذه التفاسير مجموعة في جمهرة التفاسير ويمكنكم الوصول بيسر إن شاء الله.

- اتّفقنا على خمسة تفاسير لا نخلّ بها في الرسائل العلمية، لأجل مميزات خاصّة في كل تفسير منها، لكن لا ينبغي الاقتصار عليها إذا لوحظ تأثّر الرسالة بقلّة المصادر، لأن كثرة المصادر وتنوعها من شأنها أن تثري الرسالة بالمسائل والأقوال المهمّة.


1: هناء محمد علي أ+
أحسنتِ جدا بارك الله جهدك وشكر سعيك وأفاض عليك من بركاته، وجميع الطلاب والطالبات.
مظاهر القوة في الرسالة.
- ظهور شخصية الكاتبة ووضوح أسلوبها في الرسالة.
- وفرة المصادر وتنوعها.
- وفرة وتنوع المسائل مما أثرى الرسالة جدا.
- مناقشة الأقوال وإعمال قواعد الجمع والترجيح.
- حسن العرض والتنسيق.
الملاحظات على الرسالة.
- خلوّ مصادر الرسالة من أهم مصادر التفسير وهي التفاسير المسندة، وهذا مأخذ ليس بالهيّن خاصّة في رسائل التقرير العلمي.
التوصيات:
- ليكن اعتناؤك بالأصل الذي ذكرناه أعلاه وهي التفاسير المسندة، ولنبدأ في التدرّب على التحقّق من نسبة القول ونصّ العبارة، وهذا أيضا سييسّر عليك الكثير من نسبة الأقوال وتتبّعها في المصادر الناقلة، إذا كفيت من مصادرها الأصلية.
- ولا يفوتك كتابة رقم الآية واسم السورة.

2: رضوى محمود ب
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور شخصية الكاتبة وأسلوبها.
- تخريج الأحاديث والآثار وذكر المصادر.
- حسن العرض والتنسيق.
الملاحظات على الرسالة:
- قلة المصادر، وهو أكثر ملاحظة تأثّرت بسببها الرسالة، ويراجع ما قلناه بخصوص الاقتصار على المراجع المتّفق عليها، فهذه المصادر قد تكفي في بعض الرسائل بما هو مطلوب في هذه المرحلة، ولا تكفي في غيرها إذا أثّر ذلك على قلة عناصر الرسالة.
- قلة المسائل المستخلصة من الآية –وهي متوفرة في المصادر المذكورة- مثل: معنى الحذر من الأزواج والأولاد، معنى العفو والصفح والمغفرة، وربط سبب الأمر بالصفح والعفو بسبب النزول مباشرة.
التوصيات:
- التوسّع في مصادر الرسالة بما يضمن جودة الطرح العلمي للرسالة.
- استخلاص مسائل الآية بدقّة والعناية بتحريرها تحريرا جيدا وقويا من خلال الرسالة.

3: عقيلة زيان أ+
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة.
- ظهور شخصية الكاتبة ووضوح أسلوبها في الرسالة.
- وفرة المصادر.
- جودة التخريج للأحاديث والآثار، والإحالة إلى المصادر.
- مناقشة الأقوال وإعمال قواعد الجمع والترجيح.
- حسن العرض والتنسيق.
الملاحظات على الرسالة:
- لو وقفتِ أكثر مع القول الثالث، وعرضتِ سبب نشأة هذا القول وأنه من آثار تأويل الأشاعرة لصفة كلام الله تعالى، لكان لذلك أثر كبير في ثراء هذه الرسالة.
- ذكر الآيات في أول سورة الدخان هو الأجمل في تقديم الرسالة وبيان كلامك في أولها، ولا تعارض بين ذكر السياق الذي وردت فيه الآية والاقتصار على تفسير بعض المسائل فيه.
التوصيات:
- العناية بالكتب التي تكون مظنّة مناقشة مسائل الرسالة وبسطها إضافة إلى كتب التفسير، وهي كتب الاعتقاد في موضوعنا، والاستفادة من أقوال أهل العلم فيها مما يثري الرسالة ويقوّيها، والتعرّف على ذلك يكون بالتمرّن والممارسة إن شاء الله.
- العناية بمراجعة الرسالة كتابيا قبل اعتمادها نظرا لتكرّر بعض الأخطاء.

4: حنان علي محمود أ
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة.
- ظهور شخصية الكاتبة ووضوح أسلوبها في الرسالة.
- وفرة المصادر.
- شمول الرسالة على أهم مسائل الآية.
- مناقشة الأقوال وإعمال قواعد الجمع والترجيح.
- حسن العرض والتنسيق.
الملاحظات على الرسالة.
- الاكتفاء بنسبة الأقوال إلى من قال بها من السف دون ذكر التفاسير التي رويت فيها هذه الأقوال.
- غياب بعض المسائل وهي يسيرة.
التوصيات:
- ذكر المصادر الناقلة للأقوال المنسوبة للسلف.
- ليكن اعتناؤك بالأصل الذي ذكرناه أعلاه وهي التفاسير المسندة، ولنبدأ في التدرّب على التحقّق من نسبة القول ونصّ العبارة.
- عند النقل عن التفاسير المفقودة كتفسير ابن راهويه وابن مردويه، لابد من ذكر المصدر الوسيط فنقول مثلا: رواه السيوطي في الدر المنثور.
- لا داعي لعرض الرسالة في صورة نقاط حتى لا تكون شبيهة بالتلخيص، واجعلي المسائل متتابعة في العرض.
- ولا يفوتك كتابة رقم الآية واسم السورة.

5: رشا نصر زيدان ب+
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور شخصية الكاتبة وأسلوبها في كثير من مواضع الرسالة.
- جودة المصادر المختارة.
- شمول الرسالة أهم مسائل الآيتين.
- نسبة الأقوال، وذكر المصادر الناقلة.
- حسن العرض والتنسيق.
الملاحظات على الرسالة:
- قول الجنيد في معنى "السليم" أنه اللديغ، لا يصّح أن يذكر هكذا مجرّدا، إنما قوله: اللديغ من خشية الله، فلينتبه إلى ذلك.
- طريقة عرض الرسالة تشبه طريقة عرض التلخيص.
- الاعتماد في أكثر مواضع الرسالة على عبارات المفسّرين.
- غياب نسبة الأقوال في بعض المواضع خاصّة آخرها.
التوصيات:
- اعتني أكثر بالكتابة بأسلوبك، وتجنّبي في التدريبات الأولى التعرّض للمسائل التي يشقّ فيها ذلك خاصّة اللغوية.
- لا تجعلي رسالتك في صورة نقاط كهيئة الملخّص.

6: سناء بنت عثمان
بارك الله فيك ونفع بك، وعودا حميدا.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور شخصية الكاتبة وأسلوبها في الرسالة.
- مناقشة الأقوال والاستدلال لها، وإعمال قواعد الجمع والترجيح.
- حسن العرض والتنسيق.
الملاحظات على الرسالة:
- الملاحظات على الرسالة تكاد تنحصر في جانب التحرير العلمي، حيث حصل خلط بين بعض المسائل سببه عدم الاستخلاص الدقيق للمسائل ابتداء، فحصل خلط مثلا بين مرجع الضمير في "منهم" والمراد بالأميّين، كما أن تسمية بعض المسائل كانت غير دقيقة، وبمراجعة يسيرة للتفاسير ستتّضح لك إن شاء الله، وتأمّلي الصياغة التالية:
مرجع الضمير في "منهم".
معنى الأميّين.
المراد بالأميّين.
المراد بالكتاب.
معنى الأماني.
معنى قوله تعالى: {لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ}.
...
- رسالة علمية يغيب عنها تفسير الطبري وابن كثير سيغيب عنها الكثير من المزايا العلمية، وأوصيك بالملاحظة العامّة الأولى بخصوص التفاسير المسندة.
- قدّمي لرسالتك بذكر سياق الآيات ككل والتنبيه على موضوعها، حتى تفهم مناسبة الآية موضوع الرسالة للسياق، ويتّضح الكلام عن مراجع الضمائر والاستثناء ونحوه.
- ولا تنسي كتابة رقم الآية واسم السورة.
التوصيات:
- مع مراعاة التوصيات المذكورة سنحتاج إلى إعادة استخلاص المسائل وتسميتها بدقّة حتى لا تختلط المسائل وينتج عن ذلك أخطاء في التحرير، ويمكن تأجيل ذلك إلى نهاية التطبيقات إن شاء الله حتى لا تتعطل باقي التطبيقات، مع ضرورة مراعاة ذلك في بقية التطبيقات إن شاء الله، وفقك الله.


بارك الله مسعاكم..
وسدّد على طريق الحقّ خطاكم.



رد مع اقتباس
  #11  
قديم 20 ربيع الأول 1438هـ/19-12-2016م, 01:00 AM
مريم أحمد أحمد حجازي مريم أحمد أحمد حجازي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 308
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى :} مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيْبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَ مَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شيءٍ عَلِيمٍ { ] التغابن:11[
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ................أما بعد :
بعد التأمل في آيات القرآن العظيم ، و التأمل لأحوال الأمة الإسلامية و مصابها العظيم ، و التأمل في أحوال الناس من هذه الابتلاءات على اختلاف ردود أفعالهم ومنهم الأب و الأم و الأخوة و الأهل ، و ما يجب على العبد المسلم تجاه هذه الابتلاءات و المصائب التي تفطرت لها القلوب و عجزت عن وصف حالها الحروف ‘ اشتدت الحاجة أكثر من أي وقت للعودة إلى كتابنا العظيم الذي فيه المنهج القويم ،و الذي فيه الصراط المستقيم ، لتدبره والعمل به ، وسؤال الله تعالى أن يجعله نورنا في الدنيا و الآخرة ........
فوفقني الله لقوله تعالى : } ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله و من يؤمن بالله يهد قلبه إن الله بكل شيء عليم { فوقفت عندها طويلاً : * مصيبة * هي بإذن الله * من يؤمن بالله يهد قلبه .
* جاءت الآية في سياق بيان طرق النجاة من الغبن ، وسبل تحصيل الأجر و الثواب ، ومنها الصبر عند المصائب و الابتلاءات. – وما أحوجنا لذلك-
*في هذه الآية العظيمة إخبار عن أمرين يتعلق الثاني منهما على حسب حصول الأول : (من يؤمن بالله ) (يهد قلبه ) و ستتضح العلاقة خلال تفسيرنا للآيات
* قال تعالى : ( ما أصاب من مصيبة إلاّ بإذن الله )
المصيبة عند أهل اللغة : يقال مصيبة و مصابة و مصوبة
قالوا : و حقيقته الأمر المكروه يحلُّ بالإنسان . و قد اختصت المصيبة في استعمال اللغة بما يلحق الإنسان من شر و ضر ؛وإن كان أصل فعلها يقال : ما يصيب الإنسان مطلقًا ، و لكن غلب إطلاق فعل أصاب على لحاق السوء
قال القرطبي : المصيبة كل ما يؤذي المؤمن و يصيبه .
وخصت المصائب بالشر و الضرر بالذكر لأن الإنسان عندها تتضح حقيقة ما في قلبه و قوة إيمانه و صدقه ، ما لا يستطيع أن يخفيه و لا يظهره
قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان : التخصيص على المصيبة ليدل أن كل شيء ينال العبد إنما هو بإذن الله ‘ لأن الحيلة تأبى المصائب و تتوقّاها ، و مع ذلك تصيبه ،و ليس في مقدوره دفعها بخلاف الخير ، و قد يدّعي أنه قد حصله باجتهاده كما قال قارون : } إنما أُوتِيْتُهُ عَلى عِلمٍ عِنْدِي {
*فالمصائب تأتي الإنسان و لا يستطيع دفعها ، و على العبد في هذا المقام استحضار كمال حكمة الله عزّ و جلّ و أن أفعاله تصدر عن حكمة تامة ، و أن هذه المصائب التي تصيب العبد على مستواه الشخصي ، أو المصائب التي تصيب الأمة هي في منتهى الحكمة و الخير . فلنتأمل بعض الأسباب التي تؤدي لحصول المصائب من آيات القرآن :
- قال تعالى : } و مآ أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفوا عن كثير{ ]الشورى[30: يخبر تعالى في هذه الآية أن ما يصيب الناس من مصيبة في أنفسهم أو أموالهم فبما كسبت أيديهم من المعاصي .
- وقال تعالى : } أولمّا أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قُل هو من عند أنفسكم إن الله على كلّ شيءٍ قدير { ]الأعراف:165[ هذه الآية في غزوة أحد عندما هزم المؤمنون و قتل منهم الكثير و حل بهم مصاب عظيم ، و ذلك لما خالفوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقاء في أماكنهم في الغزوة .
و غيرها من الآيات الكثيرة . فنلاحظ أن من أسباب وقوع المصائب الذنوب و المعاصي ، و مخالفة أمر الله ورسوله صلى الله عليه و سلم .ثم أخبر تعالى أن ما يحصل من المصائب } إلا بإذن الله { و المراد بإذن الله هنا :قضاء الله تعالى و تقديره و مشيئته ،قال ابن عباس : أمر الله .
و قيل : علم الله ، كما قال تعالى : } مآ أصاب من مصيبة في الأرض و في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسَوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم..{ ]الحديد:22[ فإذا علم العبد أن ما يصيبه قد كتبه الله تعالى عليه قبل أن يخلق ، و علم كمال حكمة الله و رحمته؛ علم مراد الله من قوله : }ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله { أنه تعليم له أن يصبر على ما يغلبه م المصائب ليلا تضعف عزيمته و لا يهن و لا يلهيه الحزن و الألم عن العمل و تدبير أموره كما قال :( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ) و لذلك أعقبه بقوله :
} و من يؤمن بالله يهد قلبه { أي : يهد قلبه عندما تصيبه المصيبة
ذكر ابن الجوزي ستة أقوال للسلف في ذكر متعلق الهداية :
*يهد قلبه لليقين ، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، و ما أخطأه لم يكن ليصيبه رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
*هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من قبل الله تعالى فيسلم و يرضى
قاله علقمة
*يهد قلبه للاسترجاع ، و هو أن يقول : إنا لله و إنّا إليه راجعون ؛ قاله مقاتل
*أنه إذا ابتلي صبر، و إذا أنعم عليه شكر ، و إذا ظلم غفر
قاله ابن السائب و ابن قتيبة ، وذكره الشوكاني عن الكلبي
*يهد قلبه أي يجعله مهتديًا ، أي إذا سلّم لأمر الله سكن قلبه ؛ قاله الزجاج
*يهد و ليّه بالصبر و الرضى ؛ قاله أبو بكر الوراق
*يهد قلبه لاتباع السنة إذا صحّ إيمانه ؛ قاله أبو عثمان الحيري
و جميع الأقوال يحتملها المعنى ، و قد حذف متعلق الهداية ليعم كل ما يهد الله به قلب المصاب عندما يعلم أن ما أصابه من عند الله : فيسلم و يسترجع و يصبر و يهتدي لاتباع أمر الله و سنة نبيه فلا يجزع و لا يهلع و يحافظ على أخلاق الإسلام و يتلقى مصيبته صابرًا متفكرًا في أن الحياة لا تخلو من عوارض مؤلمة فيسكن قلبه لقضاء الله تعالى فيتيقن من حكمة الله و أنه لا يقدر له إلا خيرًا فلا يصبر فقط بل يوفق لأكبر من ذلك و هو الرضى و الشكر لله تعالى .
ففيه إيماء بالأمر بالثبات و الصبر عند المصائب لأن في قوله (يهد قلبه) ترغيب بهداية الله للمؤمن فيصبر و يثبت ؛ فعلى قدر صبره و إيمانه عند وقوع المصيبة على قدر هداية الله لقلبه ، فتأمل حذف متعلق الهداية لأن الناس يختلفون عند وقوع المصاب فتختلف مراتب هدايتهم و الله أعلم
و لذلك ختم الآية بقوله :}و الله بكل شئٍ عليم { هي متعلقة بكل ما قبلها من أن المصائب من عند بإذن الله ، و من أن الله يهد قلوب المؤمنين للثبات عند حلول المصائب ، و من الأمر بالصبر و الثبات أي : الله يعلم كل ذلك ، ويعلم مراتب إيمانكم و سرائر قلوبكم .
هذا و الله أعلم و الصلاة و السلام على رسول الله

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 20 ربيع الأول 1438هـ/19-12-2016م, 03:01 AM
منيرة جابر الخالدي منيرة جابر الخالدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 364
افتراضي

الموضوع/ تحرير سبب نزول سورة المجادلة

المقصد/ تحرير مسألة واحدة (سبب النزول).


قال اللَّه تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)

ورد في سبب نزول صدر سورة المجادلة عدة آثار، يمكن إرجاعها لأربعة أحاديث أو أربعة أقسام، والباقي إنما هو اختلاف في الروايات:
1- أخرج الإمام أحمد والبخاري تعليقا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَلِّمُهُ وَأَنَا في ناحية البيت ما أسمع ما تقوله، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها «2» إِلَى آخَرِ الْآيَةِ.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ والحاكم وصححه وابن مردويه.

*وهناك بعض الفروق بين روايات هذا الحديث:
- الأول: اختلاف في اللفظ :
*فبعضها بلفظ: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات) وبعضها: *( تبارك الذي وسع سمعه كل شيء)
- الثاني:*
أن في بعضها إبهام للمجادِلة، فذكرت: المجادِلة، المرأة. وفي بعضها تصريح بالاسم وأنها خولة.

2- أخرج أبو داود *عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها إلى الفرض فقال يعتق رقبة قالت: لا يجد قال : فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قالت فأتي ساعتئذ بعرق من تمر قلت يا رسول الله فإني أعينه بعرق آخر قال قد أحسنت اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك.

*وأخرج الإمام *أَحْمَدُ *عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: فِيَّ وَاللَّهِ وَفِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا فَرَاجَعْتُهُ بِشَيْءٍ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَنْ نَفْسِي قَالَتْ: قُلْتُ كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لَا تَخْلُصُ إِلَيَّ، وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ، قالت: فواثبني، فامتنعت مِنْهُ فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابًا، ثُمَّ خَرَجْتُ حتى جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْهُ وَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ مَا أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ، قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا خُوَيْلَةُ ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ» .
قَالَتْ: فو الله مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ، فَتَغَشَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كَانَ يَتَغَشَّاهُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ لِي: «يَا خُوَيْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صاحبك قرآنا- ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ- إلى قوله تعالى- وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ قَالَتْ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً» قَالَتْ:
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ، قَالَ «فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قالت: فقلت والله إنه لشيخ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ «فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ» قَالَتْ: فَقُلْتُ والله يا رسول الله مَا ذَاكَ عِنْدَهُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ «1» مِنْ تَمْرٍ» قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وأنا سأعينه بعرق آخر قال «قد أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي بِهِ عَنْهُ ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا» قَالَتْ: فَفَعَلْتُ.


*وهذا الحديث رواه أبو داوود في كتاب الظهار بسند صحيح بطريقين.
وأخرجه أحمد، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي، والطبري من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام.
وأخرجه عبد الرزاق وابن جرير عن أبي إسحاق.
وأخرج النحاس ، وابن مردويه ، والبيهقي، والطبري عن ابن عباس.
ورواية أبا داود لا تفصيل فيها، وإنما التفصيل في روايات أهل التفسير. وأسباب النزول يزيد بعضها على بعض. وقد استقصاها ابن جرير الطبري بأسانيده عن ابن عباس وقتادة وأبي العالية ومحمد بن كعب القرظي.

* ولم نورد جميع الروايات هنا؛ إختصارا، ويمكن الرجوع لها في مواطنها. وثمة توافق واختلاف ظهر في المقارنة بينها:

فأما التوافق:
فجميعها متفقة على أن المرأة المجادلة: خولة أو خويلة أو جملة وورد خملة، على اختلاف في نسبها وأن زوجها أوس بن الصامت.

وأما الفروق:
- فبعضها ذكرت أنها امتنعت منه واستعارت ثياب من جارتها وخرجت لتسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي بعضها طلبت منه فاستحى فأمرها هي بالذهاب، وفي بعضها أنه أمرها بالذهاب مباشرة.
- أن بعضها ذكرت أن زوجته خولة كفّرت عنه من غير أن تستأمره، بينما في روايات أنه طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعينه.
- بعض الروايات أنها جاءت واشتكت، وفي بعضها أنها عندما جاءت قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ما أمرنا في شأنك بشيء، وهذا يوحي أن مجيئها هذا سبقه مجيء لها بهذا الشأن .
- وكذلك بالنسبة لنزول الوحي ففي بعضها ورد أنها ما برحت مكانها حتى نزل الوحي، وفي رواية قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ما أُمِرْتُ فِي شأْنِكِ بِشَيْءٍ حتى الآنَ، وَلَكِنْ ارْجِعي إلى بَيْتِكِ، فإنْ أُومَرْ بِشَيْءٍ لا أغْمِمْهُ عَلَيْكِ إنْ شَاءَ اللهُ، فرجعت إلى بيتها.
- في روايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع زوجها ولم يطلب منها ذلك، بينما دعاه في بعضها، وفي أخرى طلب منها أن تأتيه به.
- وفي بعض الروايات أبهمت غاسلة شعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخرى ذكرت أنها عائشة رضي الله عنها، وفي رواية أن عنده: ماشطة.
- وفي الكفارة؛ في بعض الروايات أمره بما بعده مباشرة عندما تعذرت عليه الكفارة الأولى، وفي بعضها قال: ما أنا بزائدك.
- وبالمقارنة بين القسم الأول والثاني:
أن في الأول عائشة رضي الله عنها كانت في ناحية من البيت وتسمع بعض كلامها ويخفى عليها بعضه، وفي الثاني في بعض الروايات أنها هي الغاسلة وهي التي قالت لها عندما نزل الوحي: وراءك.


3- روى ابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا : خَوْلَةُ، وَهُوَ يَسِيرُ مَعَ النَّاسِ ، فَاسْتَوْقَفَتْهُ ، فَوَقَفَ لَهَا ، وَدَنَا مِنْهَا وَأَصْغَى إِلَيْهَا رَأْسَهُ ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهَا ، حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا وَانْصَرَفَتْ ، فقال لَهُ رَجُلٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : حَبَسْتَ رِجَالَ قُرَيْشٍ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ ، قَالَ : " وَيْحَكَ ، وَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ ؟ " ، قَالَ : لَا ، قَالَ : " هَذِهِ امْرَأَةٌ سَمِعَ اللَّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ ، هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَنْصَرِفْ عَنِّي إِلَى اللَّيْلِ مَا انْصَرَفْتُ حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا " .


4- أخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال ابن العلاء البياضي قال كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتابع بي حتى أصبح فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا والله فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال أنت بذاك يا سلمة قلت أنا بذاك يا رسول الله مرتين وأنا صابر لأمر الله فاحكم في ما أراك الله قال حرر رقبة قلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم. زاد ابن العلاء قال ابن إدريس بياضة بطن من بني زريق.

وأخرجه عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد، *وابن ماجه ، والطبراني ، والبغوي في معجمه والحاكم وصححه.





🔲الخلاصة:
*بالنظر إلى هذه الأقسام يتضح أن:
- الثلاثة الأولى منها تدل على أن سبب النزول قصة خولة وزوجها أوس بن الصامت.
- والرابع: سلمة بن صخر.

* وبالنظر والتأمل للأحاديث الواردة في هاتين القصتين، وسياق الآيات، تبين التالي:
- في حديث خولة لم يحكم لها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد نزول الوحي، مما يدل على أن الحكم لم يوجد بعد. بينما في قصة سلمة أمره بالكفارة مباشرة.
- أن المذكور في سياق الآية، أن المجادِلة امرأة. وسلمة هو الذي ذهب للرسول صلى الله عليه وسلم فسأله.
- في حديث خولة قالت: فِيَّ وَاللَّهِ وَفِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، وفي حديث سلمة لم يُذكر أن الآية نزلت في ذلك. ونسبه ابن عطية إلى النقّاش أن الآية نزلت بسبب قصته، وقال ابن عاشور: ولا يُعرف هذا لغيره.

🔲النتيجة:
*يتبين أن سبب نزول الآيات هو: قصة خولة وزوجها أوس بن الصامت.*





__________________________________
المصادر:
*
- تفسير ابن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن. *تحقيق أحمد شاكر
- تفسير ابن عطية،*المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. *
- تفسير ابن كثير، تحقيق:محمد حسين شمس الدين. ط،*دار الكتب العلمية
- التحرير والتنوير لابن عاشور. ط، الدار التونسية.
-*معاني القرآن وإعرابه للزجاج.تحقيق:عبد الجليل عبده شبلي. ط، دار الكتب*
- أضواء البيان للشنقيطي. ط، دار الكتب
وجميعها نسخة المكتبة الشاملة
- تفسير ابن أبي حاتم
- تفسير عبد الرزاق
- صحيح البخاري
- سنن أبي داود
- فتح القدير
- المحرر في أسباب النزول. د. خالد المزيني

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 20 ربيع الأول 1438هـ/19-12-2016م, 12:59 PM
مريم أحمد أحمد حجازي مريم أحمد أحمد حجازي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 308
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى :} مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيْبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَ مَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شيءٍ عَلِيمٍ { ] التغابن:11[
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ................أما بعد :
بعد التأمل في آيات القرآن العظيم ، و التأمل لأحوال الأمة الإسلامية و مصابها العظيم ، و التأمل في أحوال الناس من هذه الابتلاءات على اختلاف ردود أفعالهم ومنهم الأب و الأم و الأخوة و الأهل ووو ، و ما يجب على العبد المسلم تجاه هذه الابتلاءات و المصائب التي تفطرت لها القلوب و عجزت عن وصف حالها الحروف ‘ اشتدت الحاجة أكثر من أي وقت للعودة إلى كتابنا العظيم الذي فيه المنهج القويم ،و الذي فيه الصراط المستقيم ، لتدبره والعمل به ، وسؤال الله تعالى أن يجعله نورنا في الدنيا و الآخرة ........
فوفقني الله لقوله تعالى : } ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله و من يؤمن بالله يهد قلبه إن الله بكل شيء عليم { فوقفت عندها طويلاً : * مصيبة * هي بإذن الله * من يؤمن بالله يهد قلبه .
* جاءت الآية في سياق بيان طرق النجاة من الغبن ، وسبل تحصيل الأجر و الثواب ، ومنها الصبر عند المصائب و الابتلاءات. – وما أحوجنا لذلك-
*في هذه الآية العظيمة إخبار عن أمرين يتعلق الثاني منهما على حسب حصول الأول : (من يؤمن بالله ) (يهد قلبه ) و ستتضح العلاقة خلال تفسيرنا للآيات
* قال تعالى : ( ما أصاب من مصيبة إلاّ بإذن الله )
المصيبة عند أهل اللغة : يقال مصيبة و مصابة و مصوبة
قالوا : و حقيقته الأمر المكروه يحلُّ بالإنسان . و قد اختصت المصيبة في استعمال اللغة بما يلحق الإنسان من شر و ضر ؛وإن كان أصل فعلها يقال : ما يصيب الإنسان مطلقًا ، و لكن غلب إطلاق فعل أصاب على لحاق السوء
قال القرطبي : المصيبة كل ما يؤذي المؤمن و يصيبه .
وخصت المصائب بالشر و الضرر بالذكر لأن الإنسان عندها تتضح حقيقة ما في قلبه و قوة إيمانه و صدقه ، ما لا يستطيع أن يخفيه و لا يظهره
قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان : التخصيص على المصيبة ليدل أن كل شيء ينال العبد إنما هو بإذن الله ‘ لأن الحيلة تأبى المصائب و تتوقّاها ، و مع ذلك تصيبه ،و ليس في مقدوره دفعها بخلاف الخير ، و قد يدّعي أنه قد حصله باجتهاده كما قال قارون : } إنما أُوتِيْتُهُ عَلى عِلمٍ عِنْدِي {
*فالمصائب تأتي الإنسان و لا يستطيع دفعها ، و على العبد في هذا المقام استحضار كمال حكمة الله عزّ و جلّ و أن أفعاله تصدر عن حكمة تامة ، و أن هذه المصائب التي تصيب العبد على مستواه الشخصي ، أو المصائب التي تصيب الأمة هي في منتهى الحكمة و الخير . فلنتأمل بعض الأسباب التي تؤدي لحصول المصائب من آيات القرآن :
- قال تعالى : } و مآ أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفوا عن كثير{ ]الشورى[30: يخبر تعالى في هذه الآية أن ما يصيب الناس من مصيبة في أنفسهم أو أموالهم فبما كسبت أيديهم من المعاصي .
- وقال تعالى : } أولمّا أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قُل هو من عند أنفسكم إن الله على كلّ شيءٍ قدير { ]الأعراف:165[ هذه الآية في غزوة أحد عندما هزم المؤمنون و قتل منهم الكثير و حل بهم مصاب عظيم ، و ذلك لما خالفوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقاء في أماكنهم في الغزوة .
و غيرها من الآيات الكثيرة . فنلاحظ أن من أسباب وقوع المصائب الذنوب و المعاصي ، و مخالفة أمر الله ورسوله صلى الله عليه و سلم .ثم أخبر تعالى أن ما يحصل من المصائب } إلا بإذن الله { و المراد بإذن الله هنا :قضاء الله تعالى و تقديره و مشيئته ،قال ابن عباس : أمر الله .
و قيل : علم الله ، كما قال تعالى : } مآ أصاب من مصيبة في الأرض و في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسَوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم..{ ]الحديد:22[ فإذا علم العبد أن ما يصيبه قد كتبه الله تعالى عليه قبل أن يخلق ، و علم كمال حكمة الله و رحمته؛ علم مراد الله من قوله : }ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله { أنه تعليم له أن يصبر على ما يغلبه م المصائب ليلا تضعف عزيمته و لا يهن و لا يلهيه الحزن و الألم عن العمل و تدبير أموره كما قال :( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ) و لذلك أعقبه بقوله :
} و من يؤمن بالله يهد قلبه { أي : يهد قلبه عندما تصيبه المصيبة
ذكر ابن الجوزي ستة أقوال للسلف في ذكر متعلق الهداية :
*يهد قلبه لليقين ، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، و ما أخطأه لم يكن ليصيبه رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
*هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من قبل الله تعالى فيسلم و يرضى
قاله علقمة
*يهد قلبه للاسترجاع ، و هو أن يقول : إنا لله و إنّا إليه راجعون ؛ قاله مقاتل
*أنه إذا ابتلي صبر، و إذا أنعم عليه شكر ، و إذا ظلم غفر
قاله ابن السائب و ابن قتيبة ، وذكره الشوكاني عن الكلبي
*يهد قلبه أي يجعله مهتديًا ، أي إذا سلّم لأمر الله سكن قلبه ؛ قاله الزجاج
*يهد و ليّه بالصبر و الرضى ؛ قاله أبو بكر الوراق
*يهد قلبه لاتباع السنة إذا صحّ إيمانه ؛ قاله أبو عثمان الحيري
و جميع الأقوال يحتملها المعنى ، و قد حذف متعلق الهداية ليعم كل ما يهد الله به قلب المصاب عندما يعلم أن ما أصابه من عند الله : فيسلم و يسترجع و يصبر و يهتدي لاتباع أمر الله و سنة نبيه فلا يجزع و لا يهلع و يحافظ على أخلاق الإسلام و يتلقى مصيبته صابرًا متفكرًا في أن الحياة لا تخلو من عوارض مؤلمة فيسكن قلبه لقضاء الله تعالى فيتيقن من حكمة الله و أنه لا يقدر له إلا خيرًا فلا يصبر فقط بل يوفق لأكبر من ذلك و هو الرضى و الشكر لله تعالى .
ففيه إيماء بالأمر بالثبات و الصبر عند المصائب لأن في قوله (يهد قلبه) ترغيب بهداية الله للمؤمن فيصبر و يثبت ؛ فعلى قدر صبره و إيمانه عند وقوع المصيبة على قدر هداية الله لقلبه ، فتأمل حذف متعلق الهداية لأن الناس يختلفون عند وقوع المصاب فتختلف مراتب هدايتهم و الله أعلم
و لذلك ختم الآية بقوله :}و الله بكل شئٍ عليم { هي متعلقة بكل ما قبلها من أن المصائب من عند بإذن الله ، و من أن الله يهد قلوب المؤمنين للثبات عند حلول المصائب ، و من الأمر بالصبر و الثبات أي : الله يعلم كل ذلك ، ويعلم مراتب إيمانكم و سرائر قلوبكم .
هذا و الله أعلم و الصلاة و اللام على نبينا محمد
( أشعر بأن الرسالة تحتاج تحرير أكثر و يوجد إضافات لكن لم يسعفني الوقت و طلب منا كمبتدئين عدم الإطالة و قد أطلت ، فاعذروني هذا ما وفقني الله له ما كان من صواب فمن الله و ما كان خطأ فمن نفسي و الشيطان ، حاولت جاهد أن أكتب بتعبيري و ليعلم أني لم أفارق كلام المفسرين للفهم و محاولة الصياغة فجزاكم الله خيرا)
المراجع :
*جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت(310 هـ)
*المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت(542هـ)
*التحرير و التنوير لابن عاشور ت ( هـ13903)
*معاني القرآن و إعجازه للزجاج ت (311 هـ)
*تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت(774 هـ)
*فتح القدير للشوكاني ت (1250هـ)
*فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق بن حسن القنوجي البخاري
*معالم التنزيل للبغوي ت ( 516هـ)
*محاسن التأويل للقاسمي ت (1332هـ)
*القيم لابن القيم
*أضواء البيان للشنقيطي
*تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة عبد الرحمن السعدي
*التفسير الموضوعي
ملاحظة : هذا المعتمد فالأول لما نسخته من الوورد لم ينسخ جميعه فأعدت نسخه ووضعته

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 21 ربيع الأول 1438هـ/20-12-2016م, 06:10 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات أسلوب التقرير العلمي


7: ندى علي أ+
أحسنتِ جدا بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- أحييك على نباهتك ودقّة محاكاتك، بارك الله فيك، والرسالة روعي فيها جميع المعايير الموصى بها في كتابة الرسائل بالأسلوب العلمي، زادك الله تسديدا وتوفيقا.
- وبقيت أقوال في معنى القفو منها العمل بما لا يعلم، كما يدخل فيه الظن.
الملاحظات:
- لما نستدلّ للقول لا نقول دليله قول فلان، بل قول الله وقول الرسول صلى الله عليه وسلم، والأدلّة على الأقوال ذكرت في تفاسير عدّة، فاعتني بها، وفقك الله.
التوصيات:
- حافظي على هذا الأداء المتميّز، وفقك الله.
- لا تنسي كتابة اسم السورة.

8: منى مدني أ
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- وفرة المصادر وتنوعها.
- شمول الرسالة لأهم المسائل، وعرض جميع الأقوال في كل مسألة، مع العناية بمناقشة الأقوال وإعمال قواعد الجمع والترجيح.
- التحقّق من نسبة الأقوال، والإحالة إلى المصادر.
الملاحظات على الرسالة:
- كثرة النقول وخاصّة ترجيحات المفسّرين وطولها، والاكتفاء بالتعليق عليها، أضعف من ظهور شخصية الباحثة وأسلوبها، والأولى أن نلخّص ما فهمناه من كلامهم ثم نكتبه بأسلوبنا ونعلّق عليه، وهذا هو أهمّ مأخذ على الرسالة رغم الجهد الكبير المبذول فيها وحسن الجمع للأقوال ونسبتها.
ولو أنك تناولت قسما واحدا من هذه الإقسامات، وكتبتِ الرسالة فيه بأسلوبك لكان أفيد لك وأعون على تنمية أسلوب الكتابة عندك، مع ثنائي جدا على جهدك وعملك في الرسالة وتعليقاتك التي تدلّ على حسن فهمك وضبطك للمسائل ، وهي رسالة وافية قيّمة، لكن التدريب في هذه التطبيقات يعتني بأسلوب الطالب في المقام الأول، وعليه يتركّز التقويم.
- هناك مسائل يحسن تأخيرها، ومنها ما تكرّر، كمسألة المقسم عليه وفائدة القسم ومسألة المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه.
- يرجى مراجعة الرسالة لتفادي الأخطاء قبل اعتمادها، مثل ما وقع في ترجيح الشنقيطي في المراد بالسابحات.
التوصيات:
- العناية أكثر بظهور أسلوب الكاتب في الرسالة، وأن يكون هو الغالب فيها وليس النقل.

9: مريم حجازي ب
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور شخصية الكاتبة وأسلوبها.
- وفرة المصادر وتنوعها.
- إعمال قواعد الجمع والترجيح.
الملاحظات على الرسالة:
- تصحيح الآية: {والله بكل شيء عليم}، و{عليمٌ}.
- عدم ذكر مصادر التفسير، فقولك مثلا "قاله ابن عباس" لم تذكري المصدر الذي نقلتِ منه.
- اقتصارك على مصدر واحد في طرح المسألة يعتبر مأخذا على الرسالة، كاقتصارك على ما أورده ابن الجوزي في معنى هداية القلب، والواجب شرح المسألة من مجموعة المصادر وليس من مصدر واحد.
- الرسالة قيّمة مفيدة -بارك الله فيك- وجهدك فيها واضح مشكور، ولكن غلب عليها الأسلوب الوعظي أكثر من العلمي، مما أدّى إلى فوات مسائل مهمّة في الآية، ولك أن تتأملي المسائل التي اشتمل عليها قوله تعالى: {والله بكل شيء عليم}، وهذا هو المأخذ الأساس على رسالتك، مع ثنائي على عملك فيها، ولعل في التوصيات الموجودة في التصحيح ومجلس الدورة ما يبيّن الفرق إن شاء الله.
التوصيات:
- بعد التوصيات العامّة، يرجى الانتباه لنوع الأسلوب الذي تكتب به الرسالة، ولا بأس من التعرّض لبعض الفوائد والهدايات التي دلّت عليها الآية، لكن لا يكون على حساب العرض العلمي لتفسير الآية.
- يراعى استخلاص جميع مسائل الآية، وأن يكون شرح المسألة من مجموع المصادر، وذكر مصدر الأقوال دون الاكتفاء بنسبتها إلى من قالها من السلف.
حفظك الله ورعاك.


يتبع إن شاء الله..

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 13 ربيع الثاني 1438هـ/11-01-2017م, 09:50 AM
سناء بنت عثمان سناء بنت عثمان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 286
افتراضي

تطبيق على درس أسلوب التقرير العلمي
قال تعالى:(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) سورة البقرة (78)

* في هذه الآية (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) إخبار عن الطائفة الثالثة من طوائف اليهود وقد سبقتها آيات قبلها في الحديث عن الطائفة الأولى والثانية قال تعالى:(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون* وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون).

*وفيها ذم لليهود الذين أخذوا ما أنزل إليهم أخذا مجردا عن الفهم والعمل به، مكتفين بقراءته وسماعه فقط دون العمل مع قدرتهم على ذلك، وفي ضمنه تنبيه للمؤمنين وتحذيرا لهم من أن يسلكوا مسلكهم، وبيان أن الأصل فيما أنزل الله من القرآن وغيره من الكتب السماوية هو الفهم الصحيح الموجب للعمل بما جاء فيه وأنه مقدم على القراءة والسماع المجردان من الفهم والعمل.

قال تعالى:(ومنهم أميون)
· مرجع الضمير في (منهم) فيه عدد من الأقوال:
1/ أنه يرجع إلى اليهود الذين قص الله عنهم في الآيات السابقة. قاله أبو العالية والربيع ومجاهد. ذكر هذا الطبري والقرطبي وابن الجوزي وابن عطية وابن عادل وابن عثيمين.
2/ أنه يرجع إلى أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى. قاله مجاهد. ذكره ابن كثير.
3/ أنه يرجع إلى نصارى العرب. قاله عكرمة والضحاك. ذكره ابن عطية وابن عادل.
4/ أنه يرجع إلى قوم كانوا أهل كتاب فسلبهم الله كتابه بسبب ذنوبهم. ذكره ابن كثير والقرطبي وابن عطية وابن عادل.
6/ أنه يرجع إلى المجوس. قاله علي بن أبي طالب. ذكره ابن عطية
والجمهور على القول الأول لسياق الآيات قبله، إذ كله في الحديث عن اليهود.

· وجاء معنى الأميين. على قولين:
*الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب. قاله أبو العالية والربيع وقتادة ومجاهد. ذكره
وابن كثير والماوردي وابن عطية وابن الجوزي وابن عادل.
قال تعالى:(وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون).
* وقيل: هو من لا يقر لا بكتاب ولا برسول. قاله ابن عباس. ذكره ابن كثير والقرطبي والطبري والماوردي. وقال ابن كثير هذا الاسناد فيه نظر، ورده الطبري أيضا وقال إنه قول مرفوض لأنه خالف ما تعارف عليه العرب من أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب.
· والمراد بالأميين. هو كما سبق في مرجع الضمير (منهم)
_فقيل هم العامة من اليهود الذين ليس لهم علم أو هم نصارى العرب، أهل الكتاب، أو هم المنافقين، أو هم مجوس العرب. والراجح القول الأول.

· وسبب تسميتهم بالأميين.
*لهم في ذلك عدد من الأقوال:
الأول: أن ذلك من نسبته إلى الأُمَّة؛ كما يقال عندنا العامة. وحجة القائلين بهذا القول: أن الأُمَّة هو بيان لحال الأمة قبل أن تعرف القراءة. وقيل: بل هي القامة والخلقة. ذكره ابن كثير والقرطبي وابن عاشور، وابن عطية وابن الجوزي وابن عادل والزجاج.
ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب).
الثاني: وقيل بل ذلك منسوب إلى الأم؛ والقائلون بهذا القول حجتهم: أنه بقي على الحالة التي وُلد بها فلم يكتسب علما، أو بحال أمه إذ أن النساء لا شغل لهن بالكتاب سابقا. وهو قول ثان لابن عاشور وابن الجوزي، وابن عطية والطبري. وقد رد هذا القولابن عاشور، بأن ذلك غير صحيح، وأن نسبته إلى أمه إذا صحت لقيل أمهي؛ فإن النسب يرد الكلمات إلى أصولها.
الثالث: أنه يرجع إلى الأمَة المملوكة لأنها لم تتعلم الكتابة ولا القراءة فهي على
جبلتها التي خلقها الله عليها وهذا القول لابن عطية.
الرابع: وقيل لأنهم لم يصدقوا بأم الكتاب بعد نزول الكتاب عليهم. قاله ابن عباس وأبو عبيدة. ذكره القرطبي وابن عادل.
*واختار ابن جرير القول الأول. ذكره ابن كثير ورجحه ابن عاشور.
قال تعالى:(لا يعلمون الكتاب إلا أماني)
· المراد بالكتاب.
التوراة قاله أبو جعفر وأبو العالية ومجاهد ذكره الطبري وابن عطية وابن عاشور والشنقيطي.
وقيل: المراد بها مصدر كتب. أي: لا يعلمون الكتابة. ذكره ابن عاشور في قول ثان له. وهذا القول بعيد كما قال ابن عاشور.
· نوع الاستثناء في الآية (إلا).
الاستثناء في الآية منقطع، ومعناه هنا: لكن. ومثله قوله تعالى:(ومالهم بذلك من علم إلا اتباع الظن).ذكره القرطبي والماوردي وبن عاشور والشنقيطي.
قال الشاعر:
حلفت يمينا غير مثنوية .... ولا علم إلا حسن ظن بصاحب.

· (أمانيّ).
_جمهور القراء على التشديد في الياء، وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة، ونافع في بعض ما روي عنه بالتخفيف.
*ومن قرأ بالتخفيف حجتهم: أنها من أمنية أصلها أمْنُويَة على وزن أفْعُولَة ويجمع هذا الوزن على أفاعل.
*ومن قرأها بالتشديد: قال أن جمعها على وزن أفاعيل؛ فتكون (أمانيي) فأدغمت الياء في الياء. ذكره ابن عطية وابن عاشور وابن عادل والزجاج.

*واختلف العلماء في معنى (أمانيّ):
1/ أنه من التمني والتكلف لحصول شيء متعذر. ومصدره أمنية.
قال كعب بن زهير:
فلا يغرنك ما منت وما وعدت... إن الأماني والأحلام تضليل
وهو إذا سمع الرجل شيئا بظنه تمنى أن يكون من كتاب الله. وهو مروي عن ابن عطية وابن الجوزي وابن عاشور
2/ قال ابن عباس هي الأحاديث. ذكره ابن كثير والطبري.
3/ وقال مجاهد هي الكذب. ذكره ابن كثير والطبري والقرطبي والماوردي وابن الجوزي.
ومنه قول عثمان: ما تمنيت منذ أسلمت.
4/ وجاء عن أبو العالية والربيع وأبو قتادة يتمنون على الله ما ليس لهم. وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأضاف: قالوا نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم. ذكره ابن كثير والطبري والماوردي ومفهوم من قول الشنقيطي.
5/ من القراءة وهو تلاوته للكتاب. وقد نقله كذلك ابن عطية وابن الجوزي وابن عاشور والزجاج. ورد الشنقيطي هذا القول، وقال: لا يتناسب لأن الأمي في الأصل لا يقرأ. بينما قال ابن عثيمين: هي القراءة دون فهم للمعنى، ومن لم يفهم المعنى فهم في حكم من يقرأ.
قال تعالى:(إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته)
ومنه قول حسان في رثاء عثمان بن عفان:
تمنى كتاب الله أول ليله..... وآخره لاقى الحمام المقادر.
*ويمكن الجمع بين الأقوال:
فاليهود منهم من كان جامعا للتوراة، قارئا لها، لكن بعيدين عن العلم والفهم الذي يوجب لهم العمل فلم ينفعهم ذلك إذا خالفوا الأصل الذي لأجله أنزل الكتاب وهو الفهم الصحيح ثم العمل، واليهود منهم منافقين كما قال الشيخ بن عيثمين يدعون أنهم من أهل الكتاب، ومنهم الأتباع المقلدين لرؤسائهم، ومنهم أصحاب الأماني الباطلة.
وهذه وإن كانت في حق اليهود كما دلت عليه النصوص؛ فإن فيه أيضا تنبيه للمؤمنين وتحذير لهم، بأن من أكرمه الله بحمل الكتاب ولم يعمل به، كان بمنزلة الأمي وإن جمعه كاملا لا يسقط منه حرفا. بل قد يدخله ذلك في باب الوعيد كما دلت بذلك الأحاديث الصحيحة.
قال تعالى:(وإن هم إلا يظنون).
· معنى إن.
(وإن) نافية وهي بمعنى وما. ذكره القرطبي وابن عطية.
· معنى الظن.
*قال ابن عطية: الظن: هو الميل لأحد الجائزين.
*وذكر ابن كثير قولا لمجاهد أن معنى يظنون: يكذبون.
وفي قوله تعالى:(وإن هم إلا يظنون).
*قال قتادة: ليسوا على يقين فإن كذب الرؤساء أو صدقوا تابعوهم. ذكره ابن الجوزي.
وجاء عن قتادة وأبو العالية والربيع: يظنون الظنون بغير الحق. ذكره ابن كثير.
*ولا يخفى على عاقل أن من لم يكن له علم ولا فهم يقوده إلى الحق، فهو إما ساع بظنه بعيد عن اليقين، أو تابع لكل ناعق؛ وأني يتبين له الحق وليس له نصيب من العلم والفهم، وفقْد العلم وعدم الفهم يوردان العبد موارد الهلاك جنبنا الله واياكم، ورزقنا العلم النافع الذي يقود لرضوانه.

والحمد لله رب العالمين.






المراجع:
1/ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي.
2/ الجامع لأحكام القرآن. شمس الدين القرطبي.
3/ تفسير القرآن العظيم. لابن كثير.
3/ جامع البيان عن تأويل آي القرآن. ابن جرير الطبري
4/ التحرير والتنوير. لمحمد الطاهر بن محمد عاشور ت(1393) ه
5/ النكت والعيون. للماوردي.
6/ زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي.
7/ اللباب في علوم الكتاب. لابن عادل.
8/ معاني القرآن. للزجاج.
9/ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. للشيخ العلامة محمد الأمين بن محمد الجكني الشنقيطي.
10/ تفسير القرآن الكريم. الفاتحة والبقرة لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 24 ربيع الثاني 1438هـ/22-01-2017م, 06:59 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سناء بنت عثمان مشاهدة المشاركة
تطبيق على درس أسلوب التقرير العلمي
قال تعالى:(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) سورة البقرة (78)

* في هذه الآية (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) إخبار عن الطائفة الثالثة من طوائف اليهود وقد سبقتها آيات قبلها في الحديث عن الطائفة الأولى والثانية قال تعالى:(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون* وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون).

*وفيها ذم لليهود الذين أخذوا ما أنزل إليهم أخذا مجردا عن الفهم والعمل به، مكتفين بقراءته وسماعه فقط دون العمل مع قدرتهم على ذلك، وفي ضمنه تنبيه للمؤمنين وتحذيرا لهم من أن يسلكوا مسلكهم، وبيان أن الأصل فيما أنزل الله من القرآن وغيره من الكتب السماوية هو الفهم الصحيح الموجب للعمل بما جاء فيه وأنه مقدم على القراءة والسماع المجردان من الفهم والعمل.

قال تعالى:(ومنهم أميون)
· مرجع الضمير في (منهم) فيه عدد من الأقوال:
1/ أنه يرجع إلى اليهود الذين قص الله عنهم في الآيات السابقة. قاله أبو العالية والربيع ومجاهد. ذكر هذا الطبري والقرطبي وابن الجوزي وابن عطية وابن عادل وابن عثيمين.
2/ أنه يرجع إلى أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى. قاله مجاهد. ذكره ابن كثير.
3/ أنه يرجع إلى نصارى العرب. قاله عكرمة والضحاك. ذكره ابن عطية وابن عادل.
4/ أنه يرجع إلى قوم كانوا أهل كتاب فسلبهم الله كتابه بسبب ذنوبهم. ذكره ابن كثير والقرطبي وابن عطية وابن عادل.
6/ أنه يرجع إلى المجوس. قاله علي بن أبي طالب. ذكره ابن عطية
والجمهور على القول الأول لسياق الآيات قبله، إذ كله في الحديث عن اليهود.

· وجاء معنى الأميين. على قولين:
*الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب. قاله أبو العالية والربيع وقتادة ومجاهد. ذكره
وابن كثير والماوردي وابن عطية وابن الجوزي وابن عادل.
قال تعالى:(وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون).
* وقيل: هو من لا يقر لا بكتاب ولا برسول. قاله ابن عباس. ذكره ابن كثير والقرطبي والطبري والماوردي. وقال ابن كثير هذا الاسناد فيه نظر، ورده الطبري أيضا وقال إنه قول مرفوض لأنه خالف ما تعارف عليه العرب من أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب.
· والمراد بالأميين. هو كما سبق في مرجع الضمير (منهم)
_فقيل هم العامة من اليهود الذين ليس لهم علم أو هم نصارى العرب، أهل الكتاب، أو هم المنافقين، أو هم مجوس العرب. والراجح القول الأول.
[راجعي التفاسير ستجدي أنك خلطتِ بين مرجع الضمير "منهم" وبين المراد بالأميّين، ومرجع الضمير كما ذكر المفسّرون لا يخرج عن ثلاثة:
- اليهود خاصّة، ويكون المراد بالأميّين عامّتهم وهم الأتباع الذين لا يحسنون القراءة والكتابة.
- أهل الكتاب اليهود والنصارى، والأميون على هذا القول هم العامّة منهم أيضا.
- الكفار عموما، والأميّون هنا عامّتهم وأتباعهم دون سادتهم وعلمائهم سواء كانوا يهودا أو نصارى أو مجوسا.]


· وسبب تسميتهم بالأميين. [صياغة المسألة تحتاج لتأمّل، فسبب تسمية العامّة بالأميين كما ذكرتِ آنفا أنهم لا يحسنون القراءة والكتابة، أما مسألتنا فهي سبب تسمية من لا يحسن القراءة والكتابة بالأميّ]
*لهم في ذلك عدد من الأقوال:
الأول: أن ذلك من نسبته إلى الأُمَّة؛ كما يقال عندنا العامة. وحجة القائلين بهذا القول: أن الأُمَّة هو بيان لحال الأمة قبل أن تعرف القراءة. وقيل: بل هي القامة والخلقة. ذكره ابن كثير والقرطبي وابن عاشور، وابن عطية وابن الجوزي وابن عادل والزجاج.
ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب).
الثاني: وقيل بل ذلك منسوب إلى الأم؛ والقائلون بهذا القول حجتهم: أنه بقي على الحالة التي وُلد بها فلم يكتسب علما، أو بحال أمه إذ أن النساء لا شغل لهن بالكتاب سابقا. وهو قول ثان لابن عاشور وابن الجوزي، وابن عطية والطبري. وقد رد هذا القول ابن عاشور، بأن ذلك غير صحيح، وأن نسبته إلى أمه إذا صحت لقيل أمهي؛ فإن النسب يرد الكلمات إلى أصولها.
الثالث: أنه يرجع إلى الأمَة المملوكة لأنها لم تتعلم الكتابة ولا القراءة فهي على
جبلتها التي خلقها الله عليها وهذا القول لابن عطية.
الرابع: وقيل لأنهم لم يصدقوا بأم الكتاب بعد نزول الكتاب عليهم. قاله ابن عباس وأبو عبيدة. ذكره القرطبي وابن عادل.
*واختار ابن جرير القول الأول. ذكره ابن كثير ورجحه ابن عاشور.
قال تعالى:(لا يعلمون الكتاب إلا أماني)
· المراد بالكتاب.
التوراة قاله أبو جعفر وأبو العالية ومجاهد ذكره الطبري وابن عطية وابن عاشور والشنقيطي.
وقيل: المراد بها مصدر كتب. أي: لا يعلمون الكتابة. ذكره ابن عاشور في قول ثان له. وهذا القول بعيد كما قال ابن عاشور.
· نوع الاستثناء في الآية (إلا).
الاستثناء في الآية منقطع، ومعناه هنا: لكن. ومثله قوله تعالى:(ومالهم بذلك من علم إلا اتباع الظن).ذكره القرطبي والماوردي وبن عاشور والشنقيطي.
قال الشاعر:
حلفت يمينا غير مثنوية .... ولا علم إلا حسن ظن بصاحب.

· (أمانيّ).
_جمهور القراء على التشديد في الياء، وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة، ونافع في بعض ما روي عنه بالتخفيف.
*ومن قرأ بالتخفيف حجتهم: أنها من أمنية أصلها أمْنُويَة على وزن أفْعُولَة ويجمع هذا الوزن على أفاعل.
*ومن قرأها بالتشديد: قال أن جمعها على وزن أفاعيل؛ فتكون (أمانيي) فأدغمت الياء في الياء. ذكره ابن عطية وابن عاشور وابن عادل والزجاج.

*واختلف العلماء في معنى (أمانيّ):
1/ أنه من التمني والتكلف لحصول شيء متعذر. ومصدره أمنية.
قال كعب بن زهير:
فلا يغرنك ما منت وما وعدت... إن الأماني والأحلام تضليل
وهو إذا سمع الرجل شيئا بظنه تمنى أن يكون من كتاب الله. وهو مروي عن ابن عطية وابن الجوزي وابن عاشور
2/ قال ابن عباس هي الأحاديث. ذكره ابن كثير والطبري.
3/ وقال مجاهد هي الكذب. ذكره ابن كثير والطبري والقرطبي والماوردي وابن الجوزي.
ومنه قول عثمان: ما تمنيت منذ أسلمت.
4/ وجاء عن أبو العالية والربيع وأبو قتادة يتمنون على الله ما ليس لهم. وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأضاف: قالوا نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم. ذكره ابن كثير والطبري والماوردي ومفهوم من قول الشنقيطي.
5/ من القراءة وهو تلاوته للكتاب. وقد نقله كذلك ابن عطية وابن الجوزي وابن عاشور والزجاج. ورد الشنقيطي هذا القول، وقال: لا يتناسب لأن الأمي في الأصل لا يقرأ. بينما قال ابن عثيمين: هي القراءة دون فهم للمعنى، ومن لم يفهم المعنى فهم في حكم من يقرأ [من لا يقرأ].
قال تعالى:(إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته)
ومنه قول حسان في رثاء عثمان بن عفان:
تمنى كتاب الله أول ليله..... وآخره لاقى الحمام المقادر.
*ويمكن الجمع بين الأقوال:
فاليهود منهم من كان جامعا للتوراة، قارئا لها، لكن بعيدين عن العلم والفهم الذي يوجب لهم العمل فلم ينفعهم ذلك إذا خالفوا الأصل الذي لأجله أنزل الكتاب وهو الفهم الصحيح ثم العمل، واليهود منهم منافقين كما قال الشيخ بن عيثمين يدعون أنهم من أهل الكتاب، ومنهم الأتباع المقلدين لرؤسائهم، ومنهم أصحاب الأماني الباطلة.
وهذه وإن كانت في حق اليهود كما دلت عليه النصوص؛ فإن فيه أيضا تنبيه للمؤمنين وتحذير لهم، بأن من أكرمه الله بحمل الكتاب ولم يعمل به، كان بمنزلة الأمي وإن جمعه كاملا لا يسقط منه حرفا. بل قد يدخله ذلك في باب الوعيد كما دلت بذلك الأحاديث الصحيحة.
قال تعالى:(وإن هم إلا يظنون).
· معنى إن.
(وإن) نافية وهي بمعنى وما. ذكره القرطبي وابن عطية.
· معنى الظن.
*قال ابن عطية: الظن: هو الميل لأحد الجائزين.
*وذكر ابن كثير قولا لمجاهد أن معنى يظنون: يكذبون.
وفي قوله تعالى:(وإن هم إلا يظنون).
*قال قتادة: ليسوا على يقين فإن كذب الرؤساء أو صدقوا تابعوهم. ذكره ابن الجوزي.
وجاء عن قتادة وأبو العالية والربيع: يظنون الظنون بغير الحق. ذكره ابن كثير.
*ولا يخفى على عاقل أن من لم يكن له علم ولا فهم يقوده إلى الحق، فهو إما ساع بظنه بعيد عن اليقين، أو تابع لكل ناعق؛ وأني يتبين له الحق وليس له نصيب من العلم والفهم، وفقْد العلم وعدم الفهم يوردان العبد موارد الهلاك جنبنا الله واياكم، ورزقنا العلم النافع الذي يقود لرضوانه.

والحمد لله رب العالمين.






المراجع:
1/ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي.
2/ الجامع لأحكام القرآن. شمس الدين القرطبي.
3/ تفسير القرآن العظيم. لابن كثير.
3/ جامع البيان عن تأويل آي القرآن. ابن جرير الطبري
4/ التحرير والتنوير. لمحمد الطاهر بن محمد عاشور ت(1393) ه
5/ النكت والعيون. للماوردي.
6/ زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي.
7/ اللباب في علوم الكتاب. لابن عادل.
8/ معاني القرآن. للزجاج.
9/ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. للشيخ العلامة محمد الأمين بن محمد الجكني الشنقيطي.
10/ تفسير القرآن الكريم. الفاتحة والبقرة لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين.
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
والرسائل المكتوبة بأسلوب التقرير العلمي لابد فيها أيضا من ظهور أسلوب الكاتب وأن يحسن عرضه للمسألة وانتقاله منها إلى المسألة التي تليها، لا أن يسرد العناصر سردا.
التقويم: ب
وفقك الله وسدّدك.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 15 جمادى الأولى 1438هـ/11-02-2017م, 02:45 AM
فاطمة محمود صالح فاطمة محمود صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: الدوحة - قطر
المشاركات: 297
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى : { ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [ مريم : ٦٩ ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
أقسم الله في الآيات السابقة بنفسه وهو من أعظم وأجل الأقسام ، كما أنه تهديد وتأكيد لهذه الطائفة والفرقة بأنهم سيحشرون بعد الموت هم ومن وسوس لهم من الشياطين ، جاثون حول جهنم بخزي وذل ومهانة ، ثم يأتي في هذه الآية مشهد النزع وهي صورة مهيبة ومفزعة تفطر القلوب لمن كان أشد عتوا وتجبرا فيقذف به في النار.
وفي هذه الرسالة القصيرة نوضح ونبين معاني ودلالات بعض الألفاظ ، كمعنى النزع والشيعة والعتو ، ولماذا استخدم صفة الرحمن دون غيره من الصفات ؟ وما المراد من الآية إجمالا ؟
فنبدأ مستعينين بالله متوكلين عليه ....

ففعل نزع في اللغة من :
نزَعَ يَنزِع نَزْعًا ، فهو نازِع ، والمفعول مَنْزوع للمتعدي
أو نزع ينزع تنزيعا ، فهو منزع والمفعول منزع .
وله معان عدة منها :
نزع الشيء من مكانه : أي قلعه بشدة ، جذبه ، حوّله عن موضعه ، وأزاله .
وقيل هو إخراج شيء من غيره ، ومنه نزَع يده من جيبه ، نزع الماء من البئر .
وقيل نزَع الشّيءَ من فلان : أي سلَبَه إيّاه .

وجاء في المراد بقوله { لننزعن } ثلاثة أوجه :
أحدهما: لننادين ، قاله ابن جريج والكسائي ، ذكره ابن عطية والماوردي .
والثاني: لنستخرجن ، قاله مقاتل ، ذكره الماوردي
والثالث: لنبدأن ، قاله ابن جريج و ذكره السيوطي
وكلها معان متقاربة ولا تعارض فيما بينها ويمكن الجمع بينها وسيذكر ذلك لاحقا عند بيان الآية مجملا .

وأما لفظ شيعة في اللغة :
هي جمع شيع وأشياع ، من "فعلة" كفرقة وفتية , لها معان عدة :
قيل هي الطائفة والأمة والجماعة المرتبطة بمذهب ودين من الأديان ، وهو معنى ومراد الآية .
قال تعالى{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا } [ الأنعام : 159 ] وقوله تعالى { ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين } [ الحجر : 9 ]
وقيل هو الأتباع والأنصار ، قال تعالى {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ }[ القصص: 15 ]
وقيل التشايع بمعنى التفرق ، واستدل الطبري بقول ابن مسعود أو سعد : إني أكره أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : شيعت بين أمتي ، بمعنى : فرقت ."
وقيل الشَّيْعُ تأتي بمعنى مقدار من العدد كقولهم أَقمت عنده شهرا أَو شَيْعَ شَهْرٍ كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها بَعْدَ بَدْرٍ بِشهر أَو شَيْعِه أَي مِقْدارَه أَو قريباً منه .
وهذه خلاصة ما ذكره ابن منظور والشنقيطي وأحمد مختار في معجم اللغة العربية

وهنا نذكر فائدة بديعية لابن القيم في الفرق بين الشيعة والأشياع ؟
فقال " الأشياع هم التبع والشيعة هم الجماعة الذين شايعوا أي: تَبِعَ بعضُهم بعضًا ، فتعاونوا على أمر من الأمور ، يقال من ذلك : تشايع القوم : إذا تعاونوا; ومنه قولهم للرجل الشجاع : إنه لمشيع : أي معان "
وفي غالب الأمر لفظ الشيعة تستعمل في القرآن في مقام الذم ، كهذه الآية وكقوله تعالى :{ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا } [ الأنعام : 159 ] وقوله تعالى : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ } [سبأ : 54 ] ، فهي من الشياع والإشاعة والتي هي ضد وخلاف الائتلاف والاجتماع، وعليه فلفظ الشيع تطلق على فرق الضلال لتفرقهم واختلافهم .

وفي إعراب { أيهم } اختلف العلماء على ثلاثة أقوال :
1) فقيل أنه مرفوع على الحكاية ، وتقديره : ثم لننزعن من كل شيعة الذين يقال فيهم أيهم أشد.وهو مذهب الخليل بن أحمد ويونس على اختلاف في التخريج ، واستحسنه واختاره الزجاج قاله عنه النحاس وذكره أيضا البغوي والقرطبي والشوكاني وهو قول الجمهور
وأنشد الخليل أحمد فقال :
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
أي فأبيت بمنزلة الذي يقال له لا هو حرج ولا محروم .

2) وقيل أن أي اسم موصول ، مبنية على الضم ، ، فيحذف صدر الجملة التي هي صلته ، لأنها خالفت أخواتها ( ما ، ومن والذي ) في الحذف ، وتقديره : أيهم هو أشد عتيا على الرحمن .
وهو قول سيبويه وذكره القرطبي وأبو حيان الأندلسي والشوكاني وابن عاشور وغيرهم .
وقد أجمع جمهور النحويين على خطأ سيبويه في هذه المسالة وهو ما قاله أبو جعفرالنحاس عن أبي اسحاق الزجاج قال: ما تبين أن سيبويه غلط في كتابه إلاّ في موضعين هذا أحدهما.
وللنحويين في إعراب ( أيهم ) في هذا الموضع كلام طويل ، ويوجد تفصيلا لها في كتاب ( علل النحو لأبي الحسن الوراق في باب الحروف التي ترفع الأسماء والنعوت والأخبار وأيضا في كتاب
مجالس العلماء للزجاجي) يمكن الرجوع لهما.

3) وقيل : على الاستئناف، ولم تعمل " لننزعن " شيئا ، فيجوز الحذف على : من كل شيعة ، كقوله تعالى { ووهبنا لهم من رحمتنا } [ مريم : 255 ] أي : لننزعن بعض كل شيعة ، فكأن قائلا قال : من هم ؟ فقيل : أيهم أشد عتيا ، فتكون ( أيهم ) موصولة خبر مبتدأ محذوف ، وهو قول يونس وذكره الزجاج والبغوي والزمخشري والقرطبي والشوكاني ، والقول فيه تكلف لا ضرورة لها .

و{ أيهم أشد } فيها قراءتان بالرفع وبالنصب .
فقد اتفق جمهور القراء على قراءة : ( أيهم ) بالرفع ، وقرأ بعض الكوفيين ، ومعاذ بن مسلم ، وهارون القارئ بالنصب ، وهو ما ذكره ابن عطية والقرطبي والزمخشري والشوكاني.

وفي سبب ذكر صفة الرحمن دون غيرها من الصفات
وذلك لتشنيع وتفظيع عتوهم ، لأن الله تعالى شديد الرحمة بـالخلق وله حق الشكر والإحسان لا الكفر به والجحود والطغيان . ذكره ابن عاشور .

وأما لفظ عتيا في اللغة :
جمع عات ، وقد نصب على الحال ، وهو مصدر بوزن فعول مثل : خروج وجلوس ، من العتو فقلبت الواو ياء .
ولها عدة معان :
قيل الافتراء وهي بلغة بني تميم ، قاله بعض أهل اللغة.
وقيل العصيان والتجبر والتمرد، قاله ابن عباس ورواه عنه ابن أبي حاتم وابن جرير وهو رأي الجمهور .
واستدل ابن عطية بقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال:يندلق عنق من النار فيقول: إني أمرت بكل جبار عنيد، فتلتقطهم ...
وقيل الجرأة ، قاله ابن عباس و الكلبي
وقيل الكفر والفجور. قاله مجاهد وعطية
وهو ما ذكره والماوردي البغوي وأبو حيان الأندلسي والسيوطي والألوسي وابن عاشور.

وذكر فيها قراءتان : حيث قرأها حمزة والكسائي وحفص وخلف بكسر العين إتباعا لحركة التاء والقراءة الأخرى عند بقية القراء بضمها . وهو قول ابن عباس . ذكره وأبو حيان الأندلسي والسيوطي والألوسي وابن عاشور.
واستدل السيوطي بقول ابن عباس قال : لا أدري كيف قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : ( عتيا ) أو : ( جثيا ) فإنهما جميعا بالضم . أخرجه الحاكم .

فيكون إعراب الآية على النحو التالي :
{ثُمَّ } حرف عطف { لَنَنْزِعَنَّ } اللام للقسم ووقعت في جواب القسم وهو فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وفاعله مستتر{ مِنْ كُلِّ} متعلقان بننزعن { شِيعَةٍ } مضاف إليه مجرور بالكسرة { أَيُّهُمْ } اسم موصول بمعنى الذي وهو مفعول به { أَشَدُّ} خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أشد { عَلَى الرَّحْمنِ } على حرف جر ، والرحمن اسم مجرور بالكسرة وهما متعلقان بأشد {عِتِيًّا } تمييز منصوب . ذكره الدعاس في كتابه إعراب القرآن .

وجاء بالمراد بـقوله تعالى { ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا } قولان :[/color]
1) لنأخذن من كل أمة وجماعة وطائفة من طوائف الفساد والظلم ، تشايعت وتعاونت على الكفر بالله أشدهم عتوا ، وتمردا فلنبدأن بإصلائه وتعذيبه في جهنم ، فيحبس الأول على الآخر ، حتى إذا اكتمل عددهم ، جاءهم ، ثم يبدأ بالأكابرفالأكابر جرما وظلما وكفرا و أعصاهم فأعصاهم ، وأغلظهم إثما فأغلظم ، وأعتاهم فأعتاهم .
وهو حصيلة ما رواه الثوري عن ابن مسعود ، وابن عباس ومجاهد وابن جريج ، ورواه ابن بشار وابن أبي الحاتم عن أبي الأحوص ، وأبو جعفرالنحاس وأبو اسحق الزجاج ، وذكره الطبري والبغوي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي وأبو حيان الأندلسي وابن القيم وابن كثير والسيوطي والألوسي والشوكاني والسعدي وابن عاشور .

واستدل الشنقيطي والزمخشري بقول الله تعالى: { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} [ النحل : 88 ] ، وقوله تعالى { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } [ العنكبوت : 13 ] وقوله:{ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون } [ النحل : 25 ]

2) لننزعن من أهل كل دين قادتهم وأئمتهم ورؤساءهم في الشر، ليتضاعف جرمهم بكونهم ضالين ومضلين ، فيقدم إلى العذاب من هو أكبر جرما وأشد كفرا . قاله قتاده وابن جريح والكلبي وغيرهم من السلف ، ذكره البغوي وابن كثير والسيوطي والشوكاني والسعدي وابن عاشور والشنقيطي .

واستدل ابن كثير والسعدي والشنقيطي بقوله تعالى { حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون } [ الأعراف : 38 ، 39 ]

ويمكن الجمع بين القولين ، فالظاهر في معنى الآية أن الله يقسم بنفسه ويؤكد أنه سيخرجهم ويميز كل فرقة وطائفة من طوائف الظلم والفساد فيبدأ بأعصاهم فأعصاهم ، وأعتاهم فأعتاهم ، فيعذبه ويلقيه في النار على حسب مرتبتهم في الكفر والضلال والإضلال ، وفيه إشارة أيضا أن الرؤساء والقادة والأئمة في الكفر والشر يعذبون قبل غيرهم ثم يليهم الأتباع كما كانوا لهم في الدنيا ويشدد عليهم في العذاب بسبب ضلالهم وإضلالهم، وهذا تهديد لعظماء المشركين مثل أبي جهل وأمية بن خلف ونظرائهم .

هذا والله تعالى أعلى وأعلم- وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.


المراجع :
• جامع البيان في تأويل القرآن .لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري (310هـ )
• معاني القرآن للزجاج ( 311 هـ )
• معاني القرآن الكريم لأبي جعفر النَّحَّاس (338هـ )
• النكت والعيون للماوردي ( 450 هـ )
• معالم التنزيل للبغوي ( 510هـ )
• المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ )
• تفسير الكشاف لأبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ( 538 هـ )
• زاد المسير في علوم التفسير لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ( 597 هـ )
• الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 671هـ )
• لسان العرب لابن منظور الأنصاري ( 711 هـ )
• البحر المحيط في التفسير لأبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (745هـ )
• بدائع الفوائد لابن القيم.(ت 751ﻫ )
• تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
• الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي ( 911هـ (.
•فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني . ( 1255هـ (
• روح المعاني لشهاب الدين السيد محمود الألوسي . ( 1270هـ (
• تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ (
• في ظلال القرآن لسيد قطب ( 1385 هـ )
• التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ )
• أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (1393هـ )
• معجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد مختار عمر(1424هـ)
• إعراب القرآن لأحمد عبيد الدعاس- أحمد محمد حميدان - إسماعيل محمود القاسم ( طبعة 1425 هـ )

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 17 رمضان 1438هـ/11-06-2017م, 02:10 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منيرة جابر الخالدي مشاهدة المشاركة
الموضوع/ تحرير سبب نزول سورة المجادلة

المقصد/ تحرير مسألة واحدة (سبب النزول).


قال اللَّه تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)

ورد في سبب نزول صدر سورة المجادلة عدة آثار، يمكن إرجاعها لأربعة أحاديث أو أربعة أقسام، والباقي إنما هو اختلاف في الروايات:
1- أخرج الإمام أحمد والبخاري تعليقا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَلِّمُهُ وَأَنَا في ناحية البيت ما أسمع ما تقوله، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها «2» إِلَى آخَرِ الْآيَةِ.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ والحاكم وصححه وابن مردويه.

*وهناك بعض الفروق بين روايات هذا الحديث:
- الأول: اختلاف في اللفظ :
*فبعضها بلفظ: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات) وبعضها: *( تبارك الذي وسع سمعه كل شيء)
- الثاني:*
أن في بعضها إبهام للمجادِلة، فذكرت: المجادِلة، المرأة. وفي بعضها تصريح بالاسم وأنها خولة.

2- أخرج أبو داود *عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها إلى الفرض فقال يعتق رقبة قالت: لا يجد قال : فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قالت فأتي ساعتئذ بعرق من تمر قلت يا رسول الله فإني أعينه بعرق آخر قال قد أحسنت اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك.

*وأخرج الإمام *أَحْمَدُ *عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: فِيَّ وَاللَّهِ وَفِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا فَرَاجَعْتُهُ بِشَيْءٍ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَنْ نَفْسِي قَالَتْ: قُلْتُ كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لَا تَخْلُصُ إِلَيَّ، وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ، قالت: فواثبني، فامتنعت مِنْهُ فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابًا، ثُمَّ خَرَجْتُ حتى جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْهُ وَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ مَا أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ، قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا خُوَيْلَةُ ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ» .
قَالَتْ: فو الله مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ، فَتَغَشَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كَانَ يَتَغَشَّاهُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ لِي: «يَا خُوَيْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صاحبك قرآنا- ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ- إلى قوله تعالى- وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ قَالَتْ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً» قَالَتْ:
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ، قَالَ «فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قالت: فقلت والله إنه لشيخ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ «فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ» قَالَتْ: فَقُلْتُ والله يا رسول الله مَا ذَاكَ عِنْدَهُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ «1» مِنْ تَمْرٍ» قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وأنا سأعينه بعرق آخر قال «قد أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي بِهِ عَنْهُ ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا» قَالَتْ: فَفَعَلْتُ.


*وهذا الحديث رواه أبو داوود في كتاب الظهار بسند صحيح بطريقين.
وأخرجه أحمد، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي، والطبري من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام.
وأخرجه عبد الرزاق وابن جرير عن أبي إسحاق.
وأخرج النحاس ، وابن مردويه ، والبيهقي، والطبري عن ابن عباس.
ورواية أبا داود لا تفصيل فيها، وإنما التفصيل في روايات أهل التفسير. وأسباب النزول يزيد بعضها على بعض. وقد استقصاها ابن جرير الطبري بأسانيده عن ابن عباس وقتادة وأبي العالية ومحمد بن كعب القرظي.

* ولم نورد جميع الروايات هنا؛ إختصارا، ويمكن الرجوع لها في مواطنها. وثمة توافق واختلاف ظهر في المقارنة بينها:

فأما التوافق:
فجميعها متفقة على أن المرأة المجادلة: خولة أو خويلة أو جملة وورد خملة، على اختلاف في نسبها وأن زوجها أوس بن الصامت.

وأما الفروق:
- فبعضها ذكرت أنها امتنعت منه واستعارت ثياب من جارتها وخرجت لتسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي بعضها طلبت منه فاستحى فأمرها هي بالذهاب، وفي بعضها أنه أمرها بالذهاب مباشرة.
- أن بعضها ذكرت أن زوجته خولة كفّرت عنه من غير أن تستأمره، بينما في روايات أنه طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعينه.
- بعض الروايات أنها جاءت واشتكت، وفي بعضها أنها عندما جاءت قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ما أمرنا في شأنك بشيء، وهذا يوحي أن مجيئها هذا سبقه مجيء لها بهذا الشأن .
- وكذلك بالنسبة لنزول الوحي ففي بعضها ورد أنها ما برحت مكانها حتى نزل الوحي، وفي رواية قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ما أُمِرْتُ فِي شأْنِكِ بِشَيْءٍ حتى الآنَ، وَلَكِنْ ارْجِعي إلى بَيْتِكِ، فإنْ أُومَرْ بِشَيْءٍ لا أغْمِمْهُ عَلَيْكِ إنْ شَاءَ اللهُ، فرجعت إلى بيتها.
- في روايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع زوجها ولم يطلب منها ذلك، بينما دعاه في بعضها، وفي أخرى طلب منها أن تأتيه به.
- وفي بعض الروايات أبهمت غاسلة شعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخرى ذكرت أنها عائشة رضي الله عنها، وفي رواية أن عنده: ماشطة.
- وفي الكفارة؛ في بعض الروايات أمره بما بعده مباشرة عندما تعذرت عليه الكفارة الأولى، وفي بعضها قال: ما أنا بزائدك.
- وبالمقارنة بين القسم الأول والثاني:
أن في الأول عائشة رضي الله عنها كانت في ناحية من البيت وتسمع بعض كلامها ويخفى عليها بعضه، وفي الثاني في بعض الروايات أنها هي الغاسلة وهي التي قالت لها عندما نزل الوحي: وراءك.


3- روى ابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا : خَوْلَةُ، وَهُوَ يَسِيرُ مَعَ النَّاسِ ، فَاسْتَوْقَفَتْهُ ، فَوَقَفَ لَهَا ، وَدَنَا مِنْهَا وَأَصْغَى إِلَيْهَا رَأْسَهُ ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهَا ، حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا وَانْصَرَفَتْ ، فقال لَهُ رَجُلٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : حَبَسْتَ رِجَالَ قُرَيْشٍ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ ، قَالَ : " وَيْحَكَ ، وَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ ؟ " ، قَالَ : لَا ، قَالَ : " هَذِهِ امْرَأَةٌ سَمِعَ اللَّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ ، هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَنْصَرِفْ عَنِّي إِلَى اللَّيْلِ مَا انْصَرَفْتُ حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا " .


4- أخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال ابن العلاء البياضي قال كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتابع بي حتى أصبح فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا والله فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال أنت بذاك يا سلمة قلت أنا بذاك يا رسول الله مرتين وأنا صابر لأمر الله فاحكم في ما أراك الله قال حرر رقبة قلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم. زاد ابن العلاء قال ابن إدريس بياضة بطن من بني زريق.

وأخرجه عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد، *وابن ماجه ، والطبراني ، والبغوي في معجمه والحاكم وصححه.





🔲الخلاصة:
*بالنظر إلى هذه الأقسام يتضح أن:
- الثلاثة الأولى منها تدل على أن سبب النزول قصة خولة وزوجها أوس بن الصامت.
- والرابع: سلمة بن صخر.

* وبالنظر والتأمل للأحاديث الواردة في هاتين القصتين، وسياق الآيات، تبين التالي:
- في حديث خولة لم يحكم لها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد نزول الوحي، مما يدل على أن الحكم لم يوجد بعد. بينما في قصة سلمة أمره بالكفارة مباشرة.
- أن المذكور في سياق الآية، أن المجادِلة امرأة. وسلمة هو الذي ذهب للرسول صلى الله عليه وسلم فسأله.
- في حديث خولة قالت: فِيَّ وَاللَّهِ وَفِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، وفي حديث سلمة لم يُذكر أن الآية نزلت في ذلك. ونسبه ابن عطية إلى النقّاش أن الآية نزلت بسبب قصته، وقال ابن عاشور: ولا يُعرف هذا لغيره.

🔲النتيجة:
*يتبين أن سبب نزول الآيات هو: قصة خولة وزوجها أوس بن الصامت.*





__________________________________
المصادر:
*
- تفسير ابن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن. *تحقيق أحمد شاكر
- تفسير ابن عطية،*المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. *
- تفسير ابن كثير، تحقيق:محمد حسين شمس الدين. ط،*دار الكتب العلمية
- التحرير والتنوير لابن عاشور. ط، الدار التونسية.
-*معاني القرآن وإعرابه للزجاج.تحقيق:عبد الجليل عبده شبلي. ط، دار الكتب*
- أضواء البيان للشنقيطي. ط، دار الكتب
وجميعها نسخة المكتبة الشاملة
- تفسير ابن أبي حاتم
- تفسير عبد الرزاق
- صحيح البخاري
- سنن أبي داود
- فتح القدير
- المحرر في أسباب النزول. د. خالد المزيني
بارك الله فيك وشكر جهدك.
موضوع الرسالة لا إشكال فيه، ولكن ما دمت اخترت تحقيق المرويات فينبغي أن تذكري طرق الحديث ومخارجه.
هذا الحديث له نحو أربعة طرق: طريق الأعمش، وطريق محمد بن إسحاق، وطريق داوود بن أبي هند ، وطريق أبي حمزة الثمالي.
فيجب ذكر كل طريق ومن أخرجه واختلاف الروايات فيه وأقوال العلماء في التصحيح والتضعيف.
وإذا كان في البحث مشقّة لعدم الإلمام الكافي بالمطلوب فيمكنك تغيير موضوع الرسالة، وفقك الله وسدّدك.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 17 رمضان 1438هـ/11-06-2017م, 02:00 PM
منيرة جابر الخالدي منيرة جابر الخالدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 364
افتراضي

إن شاء الله

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 11 ربيع الأول 1439هـ/29-11-2017م, 09:22 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة محمود صالح مشاهدة المشاركة
رسالة في تفسير قول الله تعالى : { ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [ مريم : ٦٩ ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
أقسم الله في الآيات السابقة بنفسه وهو من أعظم وأجل الأقسام ، كما أنه تهديد وتأكيد لهذه الطائفة والفرقة بأنهم سيحشرون بعد الموت هم ومن وسوس لهم من الشياطين ، جاثون حول جهنم بخزي وذل ومهانة ، ثم يأتي في هذه الآية مشهد النزع وهي صورة مهيبة ومفزعة تفطر القلوب لمن كان أشد عتوا وتجبرا فيقذف به في النار.
وفي هذه الرسالة القصيرة نوضح ونبين معاني ودلالات بعض الألفاظ ، كمعنى النزع والشيعة والعتو ، ولماذا استخدم صفة الرحمن دون غيره من الصفات ؟ وما المراد من الآية إجمالا ؟
فنبدأ مستعينين بالله متوكلين عليه ....

ففعل نزع في اللغة من :
نزَعَ يَنزِع نَزْعًا ، فهو نازِع ، والمفعول مَنْزوع للمتعدي
أو نزع ينزع تنزيعا ، فهو منزع والمفعول منزع .
وله معان عدة منها :
نزع الشيء من مكانه : أي قلعه بشدة ، جذبه ، حوّله عن موضعه ، وأزاله .
وقيل هو إخراج شيء من غيره ، ومنه نزَع يده من جيبه ، نزع الماء من البئر .
وقيل نزَع الشّيءَ من فلان : أي سلَبَه إيّاه .

وجاء في المراد بقوله { لننزعن } ثلاثة أوجه :
أحدهما: لننادين ، قاله ابن جريج والكسائي ، ذكره ابن عطية والماوردي .
والثاني: لنستخرجن ، قاله مقاتل ، ذكره الماوردي
والثالث: لنبدأن ، قاله ابن جريج و ذكره السيوطي
وكلها معان متقاربة ولا تعارض فيما بينها ويمكن الجمع بينها وسيذكر ذلك لاحقا عند بيان الآية مجملا .

وأما لفظ شيعة في اللغة :
هي جمع شيع وأشياع ، من "فعلة" كفرقة وفتية , لها معان عدة :
قيل هي الطائفة والأمة والجماعة المرتبطة بمذهب ودين من الأديان ، وهو معنى ومراد الآية .
قال تعالى{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا } [ الأنعام : 159 ] وقوله تعالى { ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين } [ الحجر : 9 ]
وقيل هو الأتباع والأنصار ، قال تعالى {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ }[ القصص: 15 ]
وقيل التشايع بمعنى التفرق ، واستدل الطبري بقول ابن مسعود أو سعد : إني أكره أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : شيعت بين أمتي ، بمعنى : فرقت ."
وقيل الشَّيْعُ تأتي بمعنى مقدار من العدد كقولهم أَقمت عنده شهرا أَو شَيْعَ شَهْرٍ كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها بَعْدَ بَدْرٍ بِشهر أَو شَيْعِه أَي مِقْدارَه أَو قريباً منه .
وهذه خلاصة ما ذكره ابن منظور والشنقيطي وأحمد مختار في معجم اللغة العربية

وهنا نذكر فائدة بديعية لابن القيم في الفرق بين الشيعة والأشياع ؟
فقال " الأشياع هم التبع والشيعة هم الجماعة الذين شايعوا أي: تَبِعَ بعضُهم بعضًا ، فتعاونوا على أمر من الأمور ، يقال من ذلك : تشايع القوم : إذا تعاونوا; ومنه قولهم للرجل الشجاع : إنه لمشيع : أي معان "
وفي غالب الأمر لفظ الشيعة تستعمل في القرآن في مقام الذم ، كهذه الآية وكقوله تعالى :{ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا } [ الأنعام : 159 ] وقوله تعالى : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ } [سبأ : 54 ] ، فهي من الشياع والإشاعة والتي هي ضد وخلاف الائتلاف والاجتماع، وعليه فلفظ الشيع تطلق على فرق الضلال لتفرقهم واختلافهم .

وفي إعراب { أيهم } اختلف العلماء على ثلاثة أقوال :
1) فقيل أنه مرفوع على الحكاية ، وتقديره : ثم لننزعن من كل شيعة الذين يقال فيهم أيهم أشد.وهو مذهب الخليل بن أحمد ويونس على اختلاف في التخريج ، واستحسنه واختاره الزجاج قاله عنه النحاس وذكره أيضا البغوي والقرطبي والشوكاني وهو قول الجمهور
وأنشد الخليل أحمد فقال :
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
أي فأبيت بمنزلة الذي يقال له لا هو حرج ولا محروم .

2) وقيل أن أي اسم موصول ، مبنية على الضم ، ، فيحذف صدر الجملة التي هي صلته ، لأنها خالفت أخواتها ( ما ، ومن والذي ) في الحذف ، وتقديره : أيهم هو أشد عتيا على الرحمن .
وهو قول سيبويه وذكره القرطبي وأبو حيان الأندلسي والشوكاني وابن عاشور وغيرهم .
وقد أجمع جمهور النحويين على خطأ سيبويه في هذه المسالة وهو ما قاله أبو جعفرالنحاس عن أبي اسحاق الزجاج قال: ما تبين أن سيبويه غلط في كتابه إلاّ في موضعين هذا أحدهما.
وللنحويين في إعراب ( أيهم ) في هذا الموضع كلام طويل ، ويوجد تفصيلا لها في كتاب ( علل النحو لأبي الحسن الوراق في باب الحروف التي ترفع الأسماء والنعوت والأخبار وأيضا في كتاب
مجالس العلماء للزجاجي) يمكن الرجوع لهما.

3) وقيل : على الاستئناف، ولم تعمل " لننزعن " شيئا ، فيجوز الحذف على : من كل شيعة ، كقوله تعالى { ووهبنا لهم من رحمتنا } [ مريم : 255 ] أي : لننزعن بعض كل شيعة ، فكأن قائلا قال : من هم ؟ فقيل : أيهم أشد عتيا ، فتكون ( أيهم ) موصولة خبر مبتدأ محذوف ، وهو قول يونس وذكره الزجاج والبغوي والزمخشري والقرطبي والشوكاني ، والقول فيه تكلف لا ضرورة لها .

و{ أيهم أشد } فيها قراءتان بالرفع وبالنصب .
فقد اتفق جمهور القراء على قراءة : ( أيهم ) بالرفع ، وقرأ بعض الكوفيين ، ومعاذ بن مسلم ، وهارون القارئ بالنصب ، وهو ما ذكره ابن عطية والقرطبي والزمخشري والشوكاني.

وفي سبب ذكر صفة الرحمن دون غيرها من الصفات
وذلك لتشنيع وتفظيع عتوهم ، لأن الله تعالى شديد الرحمة بـالخلق وله حق الشكر والإحسان لا الكفر به والجحود والطغيان . ذكره ابن عاشور .

وأما لفظ عتيا في اللغة :
جمع عات ، وقد نصب على الحال ، وهو مصدر بوزن فعول مثل : خروج وجلوس ، من العتو فقلبت الواو ياء .
ولها عدة معان :
قيل الافتراء وهي بلغة بني تميم ، قاله بعض أهل اللغة.
وقيل العصيان والتجبر والتمرد، قاله ابن عباس ورواه عنه ابن أبي حاتم وابن جرير وهو رأي الجمهور .
واستدل ابن عطية بقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال:يندلق عنق من النار فيقول: إني أمرت بكل جبار عنيد، فتلتقطهم ...
وقيل الجرأة ، قاله ابن عباس و الكلبي
وقيل الكفر والفجور. قاله مجاهد وعطية
وهو ما ذكره والماوردي البغوي وأبو حيان الأندلسي والسيوطي والألوسي وابن عاشور.

وذكر فيها قراءتان : حيث قرأها حمزة والكسائي وحفص وخلف بكسر العين إتباعا لحركة التاء والقراءة الأخرى عند بقية القراء بضمها . وهو قول ابن عباس . ذكره وأبو حيان الأندلسي والسيوطي والألوسي وابن عاشور.
واستدل السيوطي بقول ابن عباس قال : لا أدري كيف قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : ( عتيا ) أو : ( جثيا ) فإنهما جميعا بالضم . أخرجه الحاكم .

فيكون إعراب الآية على النحو التالي :
{ثُمَّ } حرف عطف { لَنَنْزِعَنَّ } اللام للقسم ووقعت في جواب القسم وهو فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وفاعله مستتر{ مِنْ كُلِّ} متعلقان بننزعن { شِيعَةٍ } مضاف إليه مجرور بالكسرة { أَيُّهُمْ } اسم موصول بمعنى الذي وهو مفعول به { أَشَدُّ} خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أشد { عَلَى الرَّحْمنِ } على حرف جر ، والرحمن اسم مجرور بالكسرة وهما متعلقان بأشد {عِتِيًّا } تمييز منصوب . ذكره الدعاس في كتابه إعراب القرآن .

وجاء بالمراد بـقوله تعالى { ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا } قولان :[/color]
1) لنأخذن من كل أمة وجماعة وطائفة من طوائف الفساد والظلم ، تشايعت وتعاونت على الكفر بالله أشدهم عتوا ، وتمردا فلنبدأن بإصلائه وتعذيبه في جهنم ، فيحبس الأول على الآخر ، حتى إذا اكتمل عددهم ، جاءهم ، ثم يبدأ بالأكابرفالأكابر جرما وظلما وكفرا و أعصاهم فأعصاهم ، وأغلظهم إثما فأغلظم ، وأعتاهم فأعتاهم .
وهو حصيلة ما رواه الثوري عن ابن مسعود ، وابن عباس ومجاهد وابن جريج ، ورواه ابن بشار وابن أبي الحاتم عن أبي الأحوص ، وأبو جعفرالنحاس وأبو اسحق الزجاج ، وذكره الطبري والبغوي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي وأبو حيان الأندلسي وابن القيم وابن كثير والسيوطي والألوسي والشوكاني والسعدي وابن عاشور .

واستدل الشنقيطي والزمخشري بقول الله تعالى: { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} [ النحل : 88 ] ، وقوله تعالى { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } [ العنكبوت : 13 ] وقوله:{ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون } [ النحل : 25 ]

2) لننزعن من أهل كل دين قادتهم وأئمتهم ورؤساءهم في الشر، ليتضاعف جرمهم بكونهم ضالين ومضلين ، فيقدم إلى العذاب من هو أكبر جرما وأشد كفرا . قاله قتاده وابن جريح والكلبي وغيرهم من السلف ، ذكره البغوي وابن كثير والسيوطي والشوكاني والسعدي وابن عاشور والشنقيطي .

واستدل ابن كثير والسعدي والشنقيطي بقوله تعالى { حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون } [ الأعراف : 38 ، 39 ]

ويمكن الجمع بين القولين ، فالظاهر في معنى الآية أن الله يقسم بنفسه ويؤكد أنه سيخرجهم ويميز كل فرقة وطائفة من طوائف الظلم والفساد فيبدأ بأعصاهم فأعصاهم ، وأعتاهم فأعتاهم ، فيعذبه ويلقيه في النار على حسب مرتبتهم في الكفر والضلال والإضلال ، وفيه إشارة أيضا أن الرؤساء والقادة والأئمة في الكفر والشر يعذبون قبل غيرهم ثم يليهم الأتباع كما كانوا لهم في الدنيا ويشدد عليهم في العذاب بسبب ضلالهم وإضلالهم، وهذا تهديد لعظماء المشركين مثل أبي جهل وأمية بن خلف ونظرائهم .

هذا والله تعالى أعلى وأعلم- وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.


المراجع :
• جامع البيان في تأويل القرآن .لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري (310هـ )
• معاني القرآن للزجاج ( 311 هـ )
• معاني القرآن الكريم لأبي جعفر النَّحَّاس (338هـ )
• النكت والعيون للماوردي ( 450 هـ )
• معالم التنزيل للبغوي ( 510هـ )
• المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ )
• تفسير الكشاف لأبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ( 538 هـ )
• زاد المسير في علوم التفسير لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ( 597 هـ )
• الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 671هـ )
• لسان العرب لابن منظور الأنصاري ( 711 هـ )
• البحر المحيط في التفسير لأبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (745هـ )
• بدائع الفوائد لابن القيم.(ت 751ﻫ )
• تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
• الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي ( 911هـ (.
•فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني . ( 1255هـ (
• روح المعاني لشهاب الدين السيد محمود الألوسي . ( 1270هـ (
• تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ (
• في ظلال القرآن لسيد قطب ( 1385 هـ )
• التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ )
• أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (1393هـ )
• معجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد مختار عمر(1424هـ)
• إعراب القرآن لأحمد عبيد الدعاس- أحمد محمد حميدان - إسماعيل محمود القاسم ( طبعة 1425 هـ )


أحسنتِ، بارك الله فيكِ، ونفع بكِ، وأثني على مجهودك الواضح في الرسالة، وتنوع مصادرك واهتمامك بالمراجع اللغوية مع التفاسير لبحث المسائل اللغوية.

الملحوظات:

1: بالنسبة للمقدمة: ذكرتِ قسم الله عز وجل بنفسه، ومن الواضح أنه يتعلق بآية سابقة، فالأولى بيان الآية، كقولكِ: أقسم الله عز وجل بنفسه في قوله :{ فوربّك لنحشرنهم }.
2: عند نقل كلام العلماء بنصه نذكر من قال به ولا نكتفي بمجرد نسخه ولصقه، أما إن كان الكلام من مجموع ما فهمتِ من كلام العلماء وبأسلوبك فلا يُنسب.
مثال : ما ذكرتيه من معنى كلمة النزع لغة.
3: المصادر التي تُعنى بتحرير الأقوال ونسبتها إلى أهل السلف منها مصادر أصلية ومصادر ناقلة أو بديلة، ونحنُ وإن رجعنا للمصادر الناقلة فهذا لما في بعضها من مميزات من حسن عناية بتحرير الأقوال ... إلخ، لكن ينبغي بعدها أن نرجع للمصدر الأصلي للتأكد من صحة نسبة القول لقائله، ومن المصادر الأصلية تفسير ابن جرير الطبري وهو ضمن قائمة مراجعك، وتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير عبد الرزاق ...

إذا رجعتِ إليهم تجدين أنه ينقل القول عن الصحابي أو التابعي مسبوق بإسناده إليه فيقول :"حدثنا فلان عن فلان.." حتى يصل إليه. وهذا يفيدنا بعد ذلك في التحقق من هذه النسبة.
4: ما جعلتيه تحت معنى الآية إجمالا، الأولى أن يكون تحت بيان المراد بالذين هم أشد على الرحمن عتيا، والظاهر من كلام المفسرين الجمع بين القولين فمن قال رؤوساؤهم وقادتهم قيدها بقوله : "في الشر " فهي بمعنى أعظمهم كفرًا ومعصيةً.


5: قولكِ: ( وأما لفظ شيعة فهي جمع شيع وأشياع .. ) ، لعلكِ تقصدين أنها تُجمع على ... !
6: من الأخطاء اللغوية:

- قولك: " وللنحويين في إعراب ( أيهم ) في هذا الموضع كلام طويل ، ويوجد تفصيلا لها في كتاب "، الصواب : ( ويوجد تفصيل ) لأن الفعل يوجد مبني لما لم يسم فاعله، وتفصيل: نائب فاعل مرفوع بالضمة.

- إتّباعًا ، الصواب : اتّباعًا ، تكتب بهمزة وصل لأنها مصدر خماسي.

- راجعي كتاب علل النحو لابن الوراق فيه تفصيل وتوضيح لأقوال الخليل وسيبويه ويونس،في مسألة الخلاف في إعراب " أيهم "، وخلاصتها أن سيبويه جعلها مبنية على الضم إن كانت بمعنى الذي، والخليل جعلها معربة على تقدير الحكاية ويونس ألغى عمل الفعل.




التقويم : أ.
بارك الله فيكِ ونفع بكِ وزادكِ علمًا وفقهًا وهدىً.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:10 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir