دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 12:44 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المسح على الخفين

بابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ
يَجوزُ يومًا وليلةً، ولِمُسافِرٍ ثلاثةً بلياليها من حَدَثٍ بعدَ لُبْسٍ على طاهِرٍ مُباحٍ ساتِرٍ للمفروضِ يَثْبُتُ بنفسِه من خُفٍّ وجَوْرَبٍ صَفيقٍ ونحوِهما، وعلى عِمامةٍ لرَجُلٍ مُحَنَّكَةٍ أو ذاتِ ذُؤابةٍ وعلى خُمُرِ نساءٍ مُدَارَةٍ تحتَ حُلُوقِهِنَّ في حَدَثٍ أَصْغَرَ، وجَبيرةٍ لم تَتَجاوَزْ قَدْرَ الحاجةِ ولو في أَكبرَ إلى حِلِّها إذا لبِس ذلك بعدَ كمالِ الطهارةِ، ومَن مَسَحَ في سَفَرٍ ثم أقامَ أو عَكَسَ أو شَكَّ في ابتدائِه فمَسْحُ مُقيمٍ، وإن أَحْدَثَ ثم سافرَ قبلَ مَسْحِه فمَسْحُ مسافرٍ، ولا يَمْسَحُ قلانسَ ولفافةً ولا ما يَسْقُطُ من القَدَمِ أو يُرَى منه بعضُه، فإن لَبِسَ خُفًّا على خُفٍّ قبلَ الْحَدَثِ فالحكْمُ للفَوقَانِيِّ، ويَمْسَحُ أكثرَ العمامةِ وظاهرَ قَدَمِ الْخُفِّ من أصابعِه إلى ساقِه دونَ أسفَلِه وعَقِبِه، وعلى جميعِ الْجَبيرةِ ومتى ظَهَرَ بعضُ مَحَلِّ الفرْضِ بعدَ الْحَدَثِ أو تَمَّتْ مُدَّتُه استَأْنَفَ الطهارةَ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 03:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

........................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 03:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي



بابُ مَسْحِ الخُفَّيْنِ
وغَيْرِهِمَا مِن الحَوَائِلِ، وهو رُخْصَةٌ وأَفْضَلُ مِن غَسْلٍ، ويَرْفَعُ الحَدَثَ ولا يُسَنُّ أن يَلْبَسَ ليَمْسَحَ.
(يَجُوزُ يَوْماً ولَيْلَةً) لمُقِيمٍ ومُسَافِرٍ لا يُبَاحُ له القَصْرُ، (ولِمُسَافِرٍ) سَفَراً يُبِيحُ القَصْرَ (ثَلاثَةُ) أيَّامٍ (بلَيَالِيهَا) لحديثِ عَلِيٍّ يَرْفَعُه:
((لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ وللمُقِيمِ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ)) رواهُ مُسْلِمٌ، ويَخْلَعُ عندَ انقضاءِ المُدَّةِ، فإن خافَ أو تَضَرَّرَ رَفِيقُه
بانتِظَارِه تَيَمَّمَ فإن مسَحَ وصَلَّى أعادَ.
(و) ابتِدَاءُ المُدَّةِ (مِن حَدَثٍ بَعْدَ لُبْسٍ علَى طَاهِرِ) العَيْنِ؛ فلا يَمْسَحُ على نَجِسٍ ولو في ضَرُورَةٍ، ويَتَيَمَّمُ معَهَا لمَسْتُورٍ
(مُبَاحٍ) فلا يَجُوزُ المَسْحُ على مَغْصُوبٍ ولا على حريرٍ لرَجُلٍ؛ لأنَّ لُبْسَهُ مَعْصِيَةٌ فلا تُسْتَبَاحُ به الرُّخْصَةُ.
(سَاتِرٍ للفُرُوضِ) ولو بشَدِّه أو شرجِه كالزربولِ الذي له سَاقٌ وعُرًى يَدْخُلُ بَعْضَهَا في بعضٍ فلا يَمْسَحُ ما لا يَسْتُرُ
مَحِلَّ الفَرْضِ لقِصَرِه أو سِعَتِه أو صَفَائِه أو خَرْقٍ فيه وإن صَغُرَ حتَّى مَوْضِعِ الخَرَزِ، فإن انضَمَّ ولم يَبْدُ مِنْهُ شَيْءٌ جَازَ المَسْحُ عليه.
(يَثْبُتُ بنَفْسِه) فإن لم يَثْبُتْ إلا بشَدَّةٍ لم يَجُزِ المَسْحُ عليه، وإن ثُبِّتَ بنَعْلَيْنِ مَسَحَ إلى خَلْعِهِمَا ما دامَت مُدَّتُه، ولا يجوزُ المَسْحُ على ما يَسْقُطُ.
(مِن خُفٍّ) بَيَانٌ لطَاهِرٍ؛ أي: يَجُوزُ المَسْحُ على خُفٍّ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ المَشْيِ فيه عُرْفاً.
قالَ الإمامُ أَحْمَدُ: ليسَ في قَلْبِي مِن المَسْحِ شَيْءٌ فيه أَرْبَعُونَ حَدِيثاً عَن رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ.
(وجَوْرَبٍ صَفِيقٍ) وهو ما يُلْبَسُ في الرِّجْلِ على هَيْئَةِ الخُفِّ مِن غَيْرِ الجِلْدِ؛ لأنَّهُ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ مَسَحَ على الجَوْرَبَيْنِ والنَّعْلَيْنِ
رواهُ أَحْمَدُ وغَيْرُه وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، (ونَحْوِهِمَا)؛ أي: نَحْوِ الخُفِّ والجَوْرَبِ كالجُرْمُوقِ ويُسَمَّى المُوقَ، وهو خُفٌّ قَصِيرٌ، فيَصِحُّ
المَسْحُ عليه لفِعْلِه عليه السَّلامُ، رواهُ أَحْمَدُ وغَيْرُه.
(و) يَصِحُّ المَسْحُ أَيْضاً (على عِمَامَةٍ) مُبَاحَةٍ (لرَجُلٍ) لا لمَرْأَةٍ؛ لأنَّهُ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ مسحَ على الخُفَّيْنِ والعِمَامَةِ، قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
هذا إذا كانَت (مُحَنَّكَةٍ) وهي التي يُدَارُ مِنْهَا تَحْتَ الحَنَكِ كَوْرٌ ـ بفَتْحِ الكَافِ ـ فأَكْثَرُ .
(أو ذَاتِ ذُؤَابَةٍ) بضَمِّ المُعْجَمَةِ وبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وهي طَرَفُ العِمَامَةِ المُرْخَى، فلا يَصِحُّ المَسْحُ على العِمَامَةِ الصَّمَّاءِ
ويُشْتَرَطُ أَيْضاً أنْ تَكُونَ سَاتِرَةً لِمَا لم تَجْرِ العَادَةُ بكَشْفِه كمُقَدَّمِ الرَّأْسِ والأُذُنَيْنِ وجَوَانِبِ الرَّأْسِ فيُعْفَى عنه لمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ
بخِلافِ الخُفِّ، ويُسْتَحَبُّ مَسْحُه معَهَا، (و) على (خُمُرِ نِسَاءٍ مُدَارَةٍ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ) لمَشَقَّةِ نَزْعِهَا كالعِمَامَةِ بخِلافِ وِقَايَةِ الرَّأْسِ.
وإنَّمَا يَمْسَحُ جَمِيعَ ما تَقَدَّمَ (في حَدَثٍ أَصْغَرَ) لا في حدثٍ أَكْبَرُ بل يَغْسِلُ ما تَحْتَها (و) يَمْسَحُ على (جَبِيرَةٍ) مَشْدُودَةٍ على كَسْرٍ أو جُرْحٍ ونَحْوِهِمَا .
(لم تَتَجَاوَزْ قَدْرَ الحَاجَةِ) وهو مَوْضِعُ الجُرْحِ والكَسْرِ وما قَرُبَ مِنْهُ بحيثُ يُحْتَاجُ إليه في شَدِّهَا، فإن تَعَدَّى شَدُّها مَحِلَّ الحَاجَةِ نَزَعَهَا، فإن خَشِيَ
تَلَفاً أو ضَرَراً تَيَمَّمَ لزَائِدٍ، ودَوَاءٌ على البَدَنِ تَضَرَّرَ بقَلْعِهِ كجَبِيرَةٍ في المَسْحِ عليه.
(ولو في) حَدَثٍ (أَكْبَرَ) لحديثِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ:
((إِنَّمَا كانَ يَكْفِيهِ أنْ يَتَيَمَّمَ ويَعْضِدَ أو يَعْصِبَ على جُرْحِه خِرْقَةٌ ويَمْسَحُ عليها ويَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِه)) رواهُ أَبُو دَاوُدَ.
والمَسْحُ عليها عَزِيمَةً (إلى حَلِّهَا)؛ أي: يَمْسَحُ على الجَبِيرَةِ إلى حَلِّهَا أو بُرْءِ ما تَحْتَها، وليسَ مُؤَقَّتاً كالمَسْحِ على الخُفَّيْنِ ونَحْوِهِمَا
لأنَّ مَسْحَها للضَّرُورَةِ فيَتَقَدَّرُ بقَدْرِهَا (إذا لَبِسَ ذلك)؛ أي: ما تَقَدَّمَ مِن الخُفَّيْنِ ونَحْوِهِما والعِمَامَةِ والخِمَارِ والجَبِيرَةِ .
(بعدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ) بالمَاءِ ولو مَسَحَ فيها على حَائِلٍ أو تَيَمَّمَ لجُرْحٍ، فلو غَسَلَ رِجْلاً ثُمَّ أَدْخَلَهَا الخُفَّ خَلَعَ، ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ غَسْلِ الأُخْرَى
ولو نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ حَدَثَيْهِ وغَسَلَ رِجْلَيْهِ وأَدْخَلَهُمَا الخُفَّ ثُمَّ تَمَّمَ طَهَارَتَهُ، أو مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ لَبِسَ العِمَامَةَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ
أو تَيَمَّمَ ولَبِسَ الخُفَّ أو غَيْرَهُ لم يَمْسَحْ ولو جَبِيرَةً، فإنْ خافَ نَزْعَهَا تَيَمَّمَ.
ويَمْسَحُ مَن بهِ سَلَسُ بَوْلٍ أو نَحْوِه إذا لَبِسَ بعدَ الطَّهَارَةِ؛ لأنَّهَا كَامِلَةً في حَقِّهِ، فإنْ زالَ عُذْرُه لَزِمَهُ الخَلْعُ واستِئْنَافُ
الطَّهَارَةِ كالمُتَيَمِّمِ يَجِدُ المَاءَ.
(ومَن مَسَحَ في سَفَرٍ ثُمَّ أقَامَ) أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ إن بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وإلا خلَعَ.
(أو عَكَسَ)؛ أي: مسَحَ مُقِيماً ثُمَّ سَافَرَ لم يَزِدْ على مَسْحِ مُقِيمٍ تَغْلِيباً لجَانِبِ الحَضَرِ.
(أو شَكَّ في ابتِدَائِهِ)؛ أي: ابتِدَاءِ المَسْحِ هل كانَ حَضَراً أو سَفَراً (فمَسْحُ مُقِيمٍ)؛ أي: فيَمْسَحُ تَتِمَّةَ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ فَقَط؛ لأنَّهُ المُتَيَقَّنُ.
(وإنْ أَحْدَثَ) في الحَضَرِ (ثُمَّ سافَرَ قَبْلَ مَسْحِه فمَسْحُ مُسَافِرٍ)؛ لأنَّهُ ابتدَأَ المَسْحَ مُسَافِراً.
(ولا يَمْسَحُ قَلانِسَ) جَمْعُ قَلَنْسُوَةٍ، وهي المُبَطَّنَاتُ كدَنِيَّاتِ القُضَاةِ والنَّومِياتِ قالَ في
(مَجْمَعِ البَحْرَيْنِ):على هَيْئَةِ مَا تَتَّخِذُه الصُّوفِيَّةُ الآنَ.
(ولا) يَمْسَحُ (لِفَافَةً) وهِي الخِرْقَةُ تُشَدُّ على الرِّجْل تَحْتَهَا نَعْلٌ أو لا، ولو معَ مَشَقَّةٍ لعَدَمِ ثُبُوتِهَا بنَفْسِهَا.
(ولا) يَمْسَحُ (ما يَسْقُطُ مِن القَدَمِ أو) خُفًّا (يُرَى مِنْهُ بَعْضُه)؛ أي: بَعْضُ القَدَمِ أو شَيْءٌ مِن مَحِلِّ الفَرْضِ؛ لأنَّ ما ظهَرَ فَرْضُهُ الغَسْلُ.
ولا يُجَامِعُ المَسْحَ (فإنْ لَبِسَ خُفًّا علَى خُفٍّ قَبْلَ الحَدَثِ) ولو معَ خَرْقِ أَحَدِ الخُفَّيْنِ (فالحُكْمُ لـ) للخُفِّ (الفَوْقَانِيِّ)
لأنَّهُ سَاتِرٌ فأَشْبَهَ المُنْفَرِدَ، وكذا لو لَبِسَهُ على لِفَافَةٍ، وإن كانا مُخَرَّقَيْنِ لم يَجُزِ المَسْحُ ولو سَتَرَا، وإن أَدْخَلَ يدَهُ مِن تَحْتِ الفَوْقَانِيِّ
ومَسَحَ الذي تحتَهُ جازَ، وإنْ أَحْدَثَ ثُمَّ لَبِسَ الفَوْقَانِيَّ قبلَ مَسْحِ التَّحْتَانِيِّ أو بَعْدَهُ لم يَمْسَحِ الفَوْقَانِيَّ بل مَا تَحْتَهُ، ولو نَزَعَ الفَوْقَانِيَّ
بعدَ مَسْحِه لَزِمَ نَزْعُ ما تَحْتَهُ.
(ويَمْسَحُ) وُجُوباً (أَكْثَرَ العِمَامَةِ) ويَخْتَصُّ ذلك بدَوَائِرِهَا، (و) يَمْسَحُ أَكْثَرَ (ظَاهِرِ قَدَمِ الخُفِّ) والجُرْمُوقِ والجَوْرَبِ
وسُنَّ أن يَمْسَحَ بأَصَابِعِ يَدِه (مِن أَصَابِعِهِ)؛ أي: أصابعِ رِجْلَيْهِ (إلى سَاقِه) يَمْسَحُ رِجْلَهُ اليُمْنَى بيَدِه اليُمْنَى
ورِجْلَهُ اليُسْرَى بيَدِه اليُسْرَى ويُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ إذا مَسَحَ، وكَيْفَ مسحَ أَجْزَأَ، ويُكْرَهُ غَسْلُه وتَكْرَارُ مَسْحِه
(دُونَ أَسْفَلِه)؛ أي: أَسْفَلِ الخُفِّ (وعَقِبِهِ) فلا يُسَنُّ مَسْحُهُمَا ولا يَجْزِي لو اقتَصَرَ عليه.
(و) يَمْسَحُ وُجُوباً (على جَمِيعِ الجَبِيرَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِن حَدِيثِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ (ومتَى ظهَرَ بَعْضُ مَحِلِّ الفَرْضِ) مِمَّن مَسَحَ
(بَعْدَ الحَدَثِ) بخَرْقِ الخُفِّ، أو خُرُوجِ بَعْضِ القَدَمِ إلى سَاقِ الخُفِّ، أو ظهَرَ بَعْضُ رَأْسٍ وفَحُشَ، أو زَالَت جَبِيرَةٌ؛ استَأْنَفَ الطَّهَارَةَ
فإِنْ تَطَهَّرَ ولَبِسَ الخُفَّ ولم يُحْدِثْ لم تَبْطُلْ طَهَارَتُه بخَلْعِه ولو كانَ تَوَضَّأَ تَجْدِيداً ومَسَحَ.
(أو تَمَّتْ مُدَّتُه)؛ أي: مُدَّةُ المَسْحِ (استَأْنَفَ الطَّهَارَةَ) ولو في صَلاةٍ؛ لأنَّ المَسْحَ أُقِيمَ مَقَامَ الغَسْلِ، فإذا زالَ
أو انقَضَت مُدَّتُه بَطَلَت الطَّهَارَةُ في المَمْسُوحِ فتَبْطُلُ في جَمِيعِهَا لكَوْنِهَا لا تَتَبَعَّضُ.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 11:49 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب مسح الخفين

وغيرهما من الحوائل([1]) وهو رخصة([2]).
وأفضل من غسل([3]) ويرفع الحدث([4]) ولا يسن أن يلبس ليمسح([5]) (يجوز يوما وليلة) لمقيم([6]).
ومسافر لا يباح له القصر([7]) (ولمسافر) سفرا يبيح القصر (ثلاثا) أيام (بلياليها)([8]) لحديث علي يرفعه «للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة» رواه مسلم([9]).
ويخلع عند انقضاء المدة([10]) إن خاف أو تضرر رفيقه بانتظاره تيمم([11]) فإن مسح وصلى أعاد([12]) وابتداء المدة (من حدث بعد لبس([13]) على طاهر) العين فلا يمسح على نجس ولو في ضرورة([14]).


ويتيمم معها لمستور([15]) (مباح) فلا يجوز المسح على مغصوب([16]) ولا على حرير لرجل([17]) لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة([18]) (ساتر للمفروض)([19]) ولو بشده أوشرجه([20]).


كالزربول الذي له ساق وعرى يدخل بعضها في بعض([21]) فلا يمسح ما لا يستر محل الفرض لقصره أو سعته أو صفائه([22]) أو خرق فيه وإن صغر حتى موضع الخرز([23]) فإن انضم ولم يبد منه شيء جاز المسح عليه([24]).


(يثبت بنفسه)([25]) فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه([26]) وإن ثبت بنعلين مسح إلى خلعهما ما دامت مدته([27]) ولا يجوز المسح على ما يسقط([28]) (من خف) بيان لطاهر([29]) أي يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفا([30]) قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم([31]).


(وجورب صفيق)([32]) وهو ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد، لأنه صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين، رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي([33]) (ونحوهما) أي نحو الخف والجورب كالجرموق([34]).


ويسمى الموق([35]) وهو خف قصير، فيصح المسح عليه([36]) لفعله عليه السلام رواه أحمد وغيره([37]) (و) يصح المسح أيضا (على عمامة) مباحة([38]) (لرجل) لا لامرأة([39]) لأنه صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة، قال الترمذي: حسن صحيح([40]).
هذا إذا كانت (محنكة)([41]) وهي التي يدار منها تحت الحنك كور بفتح الكاف فأكثر([42]) (أو ذات ذؤابة) بضم المعجمة وبعدها همزة مفتوحة([43]) وهي طرف العمامة المرخى([44]) فلا يصح المسح على العمامة الصماء([45]).
ويشترط أيضا أن تكون ساترة لما لم تجر العادة بكشفه([46]) كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس فيعفى عنه لمشقة التحرز منه([47]) بخلاف الخف([48]) ويستحب مسحه معها([49]) (و) على (خمر نساء مدارة تحت حلوقهن)([50]).
لمشقة نزعها كالعمامة بخلاف وقاية الرأس([51]) وإنما يمسح جميع ما تقدم (في حدث أصغر)([52]) لا في حدث أكبر بل يغسل ما تحتها([53]) (و) يمسح على (جبيرة) مشدودة على كسر أو جرح ونحوهما([54]) (لم تتجاوز قدر الحاجة) وهو موضع الجرح والكسر وما قرب منه([55]).


بحيث يحتاج إليه في شدها([56]) فإن تعدى شدها محل الحاجة نزعها([57]) فإن خشي تلفا أو ضررا تيمم لزائد([58]) ودواء على البدن تضرر بقلعة كجبيرة في المسح عليه([59]).


(ولو في) حدث (أكبر)([60]) لحديث صاحب الشجة([61]) «إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد أو يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها، ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود([62]).


والمسح عليها عزيمة([63]) (إلى حلها) أي يمسح على الجبيرة إلى حلها أو برء ما تحتها([64]) وليس مؤقتا كالمسح على الخفين ونحوهما، لأن مسحها للضرورة فيتقدر بقدرها([65]).
(إذا لبس ذلك) أي ما تقدم من الخفين ونحوهما، والعمامة والخمار والجبيرة(بعد كمال الطهارة) بالماء([66]) ولو مسح فيها على حائل([67]).


أو تيمم لجرح([68]) فلو غسل رجلا ثم أدخلها الخف، خلع ثم لبس بعد غسل الأخرى([69]) ولو نوى جنب رفع حدثيه وغسل رجليه وأدخلهما الخف، ثم تمم طهارته([70]) أو مسح رأسه ثم لبس العمامة ثم غسل رجليه([71]) أو تيمم ولبس الخف أو غيره لم يمسح([72]) ولو جبيرة([73]).
فإن خاف نزعها تيمم([74])، ويمسح من به سلس بول أو نحوه([75]) إذا لبس بعد الطهارة لأنها كاملة في حقه([76]) فإن زال عذره لزمه الخلع واستئناف الطهارة كالمتيمم يجد الماء([77]) (وإن مسح في سفر ثم أقام) أتم مسح مقيم إن بقي منه شيء([78]) وإلا خلع([79]) (أو عكس) أي مسح مقيما ثم سافر، لم يزد على مسح مقيم، تغليبا لجانب الحضر([80]).
(أو شك في ابتدائه) أي ابتداء المسح هل كان حضرا أو سفرا؟ (فمسح مقيم) أي فيمسح تتمة يوم وليلة فقط، لأنه المتيقن([81]) (وإن أحدث) في الحضر (ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر) لأنه ابتدأ المسح مسافر([82]) (ولا يمسح قلانس) جمع قلنسوة([83]).
وهي المبطنات، كدنيات القضاة، والنوميات([84]) قال في مجمع البحرين: على هيئة ما تتخذه الصوفية الآن([85]) (و) لا يمسح (لفافة) وهي الخرقة تشد على الرجل تحتها نعل أو لا، ولو مع مشقة لعدم ثبوتها بنفسها([86]) (ولا) يمسح (ما يسقط من القدم([87]) أو) خفا.


(يرى منه بعضه) أي بعض القدم، أو شيء من محل الفرض([88]) لأن ما ظهر فرضه الغسل، ولا يجامع المسح([89]) (فإن لبس خفا على خف قبل الحدث) ولو مع خرق أحد الخفين (فالحكم للـ) خف الـ (فوقاني) لأنه ساتر فأشبه المنفرد([90]) وكذا لو لبسه على لفافة([91]) وإن كانا مخرقين لم يجز المسح ولو سترا([92]).


وإن أدخل يده من تحت الفوقاني ومسح الذي تحته جاز([93]) وإن أحدث ثم لبس الفوقاني قبل مسح التحتاني أو بعده لم يمسح الفوقاني، بل ما تحته([94]) ولو نزع الفوقاني بعد مسحه لزم نزع ما تحته([95]) (ويمسح) وجوبا (أكثر العمامة)([96]) ويختص ذلك بدوائرها([97]) (و) يمسح أكثر (ظاهر قدم الخف) والجرموق والجورب([98]).


وسن أن يمسح بأصابع يده (من أصابعه) أي أصابع رجليه (إلى ساقه) يمسح رجله اليمنى بيده اليمني ورجله اليسرى بيده اليسرى، ويفرج أصابعه إذا مسح([99]) وكيف مسح أجزأ([100]) ويكره غسله، وتكرار مسحه([101]) (دون أسفله) أي أسفل الخف (وعقبه) فلا يسن مسحهما([102]).


ولا يجزئ لو اقتصر عليه([103]) (و) يمسح وجوبا (على جميع الجبيرة) لما تقدم من حديث صاحب الشجة([104]) (ومتى ظهر بعض محل الفرض) ممن يمسح (بعد الحدث) بخرق الخف، أو خروج بعض القدم إلى ساق الخف([105]) أو ظهر بعض رأس وفحش([106]).
أو زالت جبيرة استأنف الطهارة([107]) فإن تطهر ولبس الخف ولم يحدث لم تبطل طهارته بخلعه، ولو كان توضأ تجديدا ومسح([108]) (أو تمت مدته) أي مدة المسح([109]) (استأنف الطهارة)([110]) ولو في صلاة([111]) لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال([112]) وانقضت مدته بطلت الطهارة في الممسوح([113]).
فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض([114]).



([1]) كالجوربين والجرموقين والعمامة والخمار والعصابة ونحو ذلك، وعبر بعضهم بمسح الحائل وهو أشمل، والمسح لغة: إمرار اليد على الشيء، وشرعا: إصابة البلة لحائل مخصوص في زمن مخصوص، والحف واحد الخفاف التي تلبس على الرجل، سمي بذلك لخفته، وهو شرعا: الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه، أعقبه الوضوء لأنه بدل عن غسل ما تحته، وحيث أنه يجوز أن يعدل إليه المتوضئ، ودلت عليه الأحاديث الصحيحة المستفيضة المتواترة في مسحه صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر وأمره بذلك وترخيصه فيه، قال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، وقال النووي: روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة، ويأتي قول الإمام أحمد: ليس في نفسي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ونقل ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على جوازه، واتفق عليه أهل السنة والجماعة وقال ابن القيم: صح في الحضر والسفر، ولم ينسخ حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومال الشيخ إلى أن السنة ليست معارضة لآية المائدة بل مبينة، ومال أيضا إلى أن حمل قراءة الآية بالخفض على مسح الخفين.

([2]) أي المسح رخصة، وهي لغة الانتقال من صعوبة إلى سهولة، وشرعا، ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، وفي الحديث إن الله يحب أن يؤخذ برخصة وعنه عزيمة وهي لغة: القصد المؤكد، وشرعا، حكما ثابت بدليل شرعي خال عن معارض راجح، وهما وصفان للحكم الوضعي، والفرق بينهما أن الرخصة ما جاء على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، وهي لا تستباح بالمعاصي، والعزيمة، ما جاء على وفق دليل شرعي خال عن معارض راجح، وهي ما جاز فعلها، ولو في حال المعصية.

([3]) لقوله عليه الصلاة والسلام بهذا أمرني ربي، رواه أبو داود بإسناد صحيح، ولحديث صفوان: أمرنا أن لا ننزع خفافنا الحديث صححه الترمذي، ولحديث إن الله يحب أن تؤتي رخصه، ومخالفة لأهل البدع، ولأنه عليه الصلاة والسلام وأصحابه إنما طلبوا الأفضل.
وقال الشيخ: الأفضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه، فالأفضل للابس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خفيه، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والأفضل لمن قدماه مكشوفتان غسلهما، وقد يجب المسح كما سيأتي أو يكره.

([4]) أي ويرفع المسح على الحائل الحدث عما تحته نص عليه، وإن كان موقتا لأنه طهارة بالماء أشبه الغسل، ولأن رفع الحدث شرط للصلاة مع القدرة فلو لم يحصل بالمسح لما صحت الصلاة به.

([5]) أي لا يسن أن يلبس خفا ونحوه ليمسح.
قال الشيخ: ولا يتحرى لبس الخف ليمسح إنما كان عليه الصلاة والسلام يغسل قدميه إن كانتا مكشوفتين ويمسح إذا كان لابسا للخف، وقال ابن القيم: ولم يكن صلى الله عليه وسلم يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانت في الخف مسح عليهما، وإن كانت مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه.
قال الشيخ: وهذا أعدل الأقوال.

([6]) أي يجوز في الوضوء بدلا عن غسل الرجلين المسح على الخفين ونحوهما
لا على خف رجل واحدة مع غسل الأخرى، يوما وليلة لمقيم، قال النووي وغيره: بلا خلاف سواء سبق اليوم ليلته أو لا، ولو أحدث في أثناء النهار اعتبر قدر الماضي منه كما يأتي، وتعبيرهم (بيجوز) فيه تنبيه على أنه لا يجب ولا يسن، ولا يحرم، ولا يكره، إلا إن أحدث ومعه ماء يكفي المسح فقط، أو خاف فوت الجمعة أو الجماعة، أو عرفة أو إنقاذ أسير، أو تعينت عليه صلاة الميت، وخاف انفجاره، أو خاف خروج الوقت إذا اشتغل بالطهارة أو نحو ذلك، وجب وحرم تركه أو ترك المسح رغبة عن السنة، أو شكا في جوازه كره أو حرم.

([7]) كعاص بسفره ونحوه، ثم يخلع كالمقيم، فلا يستبيح به الرخصة وكذا مسافر دون المسافة، وتعليل بعض الأصحاب لا يدل عليه نص من كتاب ولا سنة ولا قياس، بل الإطلاق يدل على جوازه مطلقا، وهو مذهب الجمهور.

([8]) بلا خلاف قاله النووي وغيره، واختار الشيخ وغيره ما سمي سفرا، لعدم التحديد ويأتي في بابه.

([9]) ورواه أهل السنن وأحمد وصححه وقال: هو مرفوع يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر إلخ وأخرج أحمد والترمذي وصححه عن صفوان أمرنا يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم، ولكن من جنابة، قال أحمد: هذا أجود حديث في المسح، لأنه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وقال البخاري: وليس في التوقيت أصح من حديث صفوان فدل على التوقيت وعلى اختصاصه بالوضوء دون الغسل وهو إجماع، لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الحسنة والصحيحة، وقال الترمذي: هو قول عامة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال الخطابي: هو قول عامة الفقهاء، وقال الطحاوي: ليس لأحد أن يترك الآثار المتواترة في التوقيت إلى مثل حديث ابن عمارة.

([10]) لمفهوم أحاديث التوقيت.

([11]) أي فإن خاف من النزع لنحو مرض تيمم، أو خاف تضرر رفيقه وفي الاختيارات، لا تتوقت مدة المسح في حق المسافر الذي يشق اشتغاله بالخلع واللبس كالبريد.

([12]) أي فإن مسح بعد انقضاء المدة وصلى أعاد، لانقضاء وقته، نص عليه، وقيل: يمسح كالجبيرة اختاره الشيخ، ويأتي قوله: لا ينتقض وضوءه بانقضاء المدة.

([13]) أي ووقت ابتداء مدة المسح من وقت جواز مسح بعد حدث عند الجمهور، وفي رواية في حديث صوفان من الحدث إلى الحدث، ولأنها عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها لامن وقت مسح، وعنه منه اختاره المنذري وقال النووي: هو أصح دليلا بعد لبس بضم اللام إلى مثله من الثاني، وإلى الرابع: لأن وقت المسح يدخل بذلك فاعتبرت مدته منه، فيمسح فيها لما يشاء من الصلوات، وإن مضت المدة بع الحدث ولم يمسح فيها فليس له المسح، ويخلع لفراغ مدته، وما لم يحدث فلا تحتسب المدة، وكذا من المسح على القول به.

([14]) لأن نجس العين منهي عنه، فلا يصح المسح عليه خفا كان أو غيره.

([15]) أي يتيمم مع الضرورة من لبس نجسا ساترا للعضو كخف نجس العين، وكذا إن كان النجس عمامة أو جبيرة فإنه يتيمم عند الضرورة بدل غسل ما ستر بذلك النجس، وقالوا يعيد ما صلى به لأنه حامل للنجاسة، ومن فعل ما أمر به بحسب وسعه فلا إعادة عليه، وليس في الشريعة إيجاب الصلاة مرتين إلا بتفريط، فإن كان طاهر العين وتنجس باطنه صح المسح عليه، ويستبيح به مس المصحف، ولا صلاة إلا بغسله أو عند الضرورة.

([16]) ولا تستباح به الرخصة قاله الشيخ وغيره، ولو لضرورة فقوله: (مباح) أي مطلقا مع الضرورة وعدمها، وقيل: إلا لضرورة برد ونحوه، وقيل: يجوز مطلقا، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، لأن المعصية لا تختص اللبس، فلو تركه لم يزل إثم الغصب.

([17]) ولو محرما لبسهما لحاجته، بأن لم يجد النعلين، لأن شرط الممسوح إباحته مطلقا، وهما لا يباحان للمحرم مطلقا، بل في بعض الأحوال.

([18]) فإن صلى أعاد الطهارة والصلاة.

([19]) أي فلا يجوز المسح على ما لا يستر محل الفرض، وهو القدم، قالوا: حكم ما استتر المسح، وما ظهر الغسل، ولا سبيل إلى الجمع بينهما، فوجب الغسل، لأنه الأصل، قال الشيخ: وقولهم: إن فرض ما ظهر الغسل وما بطن المسح، خطأ بالإجماع، والشارع أجاز المسح على الخفين مطلقا، ولم يشترط الستر فلا أصل له.

([20]) أي ربطه بخيط ونحوه، أو شرجه بالعري والأزرار قبل اللبس أو بعده، قبل الحدث، بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض.

([21]) فيستتر بذلك محل الفرض فيصح بذلك المسح عليه، يعني على الزربول وهو نوع من الخفاف عامية جمعه زرابيل، والعرى هي العيون التي توضع فيها الأزرار، جمع عروة، كمدية ومدى.

([22]) أي بحيث يظهر بعض محل الفرض لقصره، أو يرى بعض محل الفرض لسعته، أو يصف البشرة لصفائه، كزجاج رقيق، أو خفته كجورب رقيق، ويجب الغسل.

([23]) أي ولا يمسح على الخف لخرق في الخف وإن صغر الخرق، قال الشيخ: ومذهب مالك وأبي حنيفة وابن المبارك وغيرهم أنه يجوز المسح على ما فيه خرق يسير، وهو أصح، وهو قياس أصول أحمد ونصوصه، واختار جواز المسح على المخرق، إلا أن يتخرق أكثره، مادام اسمه باقيا، والمشي فيه ممكنا، وإلا فكالنعل، وقال: معلوم أن الخفاف في العادة لا يخلو كثير منها عن فتق أو خرق، وكان كثير من الصحابة فقراء، والعادة في اليسير لا يرقع، ولما ورد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح حمل على الإطلاق، والتحديد لا بد له من دليل، قال: والشارع علق المسح بمسمى الخف، ولم يفرق بين خف وخف، فيدخل في ذلك المفتوق والمخروق وغيرهما من غير تحديد، ومن فرق بين هذا وهذا فقد فرق بين ما جمع الله بينه فرقا لا أصل له.

([24]) أي فإن انضم الخرق ونحوه بلبسه جاز المسح عليه، لحصول الشرط، وهو ستر محل الفرض، ولا يعتبر موالاة المشي فيه.

([25]) في الساق، ولا يسترسل عند المشي.

([26]) لفوات شرطه نص عليه، وقال الشيخ: فيه وجهان، أصحهما أنه يمسح عليه، وهذا الشرط لا أصل له في كلام أحمد، بل المنصوص عنه أنه يجوز المسح على الجوربين فغيرهما أولى، فلو لم يثبت الملبوس إلا بشده بخيط متصل أو منفصل جاز المسح عليه.

([27]) أي مسح على أحدهما قدر الواجب إلى خلعهما ما دامت مدة المسح.

([28]) أي لا يصح المسح على خف يسقط أي يخرج منالقدم إلا بشده.

([29]) أي في قولهما السابق: بعد لبس على طاهر العين.

([30]) فلا يشترط كون الخف يمنع نفوذ الماء، ولا كونه معتادا، فيصح المسح على خف من جلود أو لبود أو خشب أو حديد أو زجاج لا يصف البشرة حيث أمكن المشي فيه، قيل: بقدر ما يتردد المسافر في حاجته، لأن ما لا يمكن متابعة المشي عليه لا تدعو الحاجة إليه فلم تتعلق به الرخصة، ولو قال: على خف طاهر يمكن إلخ لكان أولى,.

([31]) وذكر ابن مندة من رواه فكانوا ثمانين صحابيا، منهم العشرة رضي الله عنهم.

([32]) ضد الخفيف الذي يصف القدم من صوف أو غيره نعل أولا، وقال الزركشي: غشاء من صوف يتخذ للدفاء، أي فيجوز المسح عليه، قال في الإنصاف: بلا نزاع، إن كانا منعلين أو مجلدين، وكذا إن كانا من خرق على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وجمع الجوارب جوارب وجوارة أعجمي معرب.

([33]) وصححه غيره، فرواه أحمد وأهل السنن عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وقال ابن المنذر، يروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، قال في المبدع: فكان كالإجماع، ولأن الجورب في معنى الخف لأنه ساتر لمحل الفرض، وورد أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه، رواه أبو داود وغيره، وحمل على أنه إذا لبسهما فوق الجوربين، وأما الخفان المقطوعان والنعلان وكلما يلبس تحت الكعبين من مداس وجمجم وغيرها فلا يجوز المسح عليه، قال شيخ الإسلام: باتفاق المسلمين.

([34]) بضم الجيم، نوع من الخفاف، قال الجوهري: الذي يلبس فوقه لحفظه من الطين وغيره، وقال ابن سيدة: خف صغير، وقال النووي: شيء يشبه الخف فيه اتساع، يلبس فوق الخف في البلاد الباردة، وهو معرب يعني من سرموزة وكذا كل كلمة فيها جيم وقاف، قاله غير واحد من أهل اللغة، وتعريب الاسم العجمي وإعرابه هو أن يتفوه به العرب على مناهجها، بتغيير ما يقال: عربته العرب وأعربته.

([35]) بضم الميم فارسي معرب من موزة.

([36]) لأنه ساتر محل الفرض، أشبه الخف، وجواز المسح عليه مذهب جمهور العلماء، وقال أبو حامد، هو قول كافة العلماء.

([37]) فرواه الترمذي وأبو داود عن بلال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين، ومن تدبر ألفاظ الشريعة وأعطى القياس حقه علم أن الرخصة في هذا الباب واسعة، وأن ذلك من محاسن الشريعة، ومن الحنيفية السمحة، والأدلة على رفع الحرج عن هذه الأمة بلغت مبلغ القطع (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ومقصود الشارع من مشروعية الرخصة، الرفق عن تحمل المشاق، فالأخذ بها مطلقا موافقة لقصده.

([38]) لا محرمة كمغصوبة أو حرير، والعمامة هي ما يلف على الرأس، جمعها عمائم وعمام.

([39]) لأنها منهية عن التشبه بالرجال، فلا تمسح عليها، وقيل: يجوز لحاجة برد ونحوه، وأما ما تقدم من المسح على الخفين فحكمها حكم الرجل بلا نزاع، لأنه معتاد لها، ولأنه أقيم مقام الغسل فاستويا فيه كالتيمم.

([40]) ومعناه عند مسلم وروي البخاري عن عمرو بن أمية: رأيت رسول الله r مسح على عمامته وخفيه، ولأبي داود عن ثوبان: أمرهم أن يمسحوا على العصائب، يعني العمائم، وله عن بلال ويمسح على عمامته، وأحاديث المسح عليها أخرجها غير واحد من الأئمة البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وغيرهم من طرق قوية متصلة، ولأنه عضو سقط فرضه في التيمم، فجاز المسح على حائل دونه كالرجل في الخف، وقال عمر: من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله، وقال به أبو بكر وغيره، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، وهو مذهب جماعة من السلف وظاهر الأحاديث.

([41]) لأنها عمامة العرب، ويشق نزعها، وهي أكثر سترا قال الجوهري: الحنك ما تحت الذقن من الإنسان.

([42]) أي أكثر من كور، والكور مصدر، وكل كور دور.

([43]) سميت بذلك تشبيها لها بذؤابة الشعر.

([44]) لأن إرخاءها سنة، وذكر شيخ الإسلام سبب إرخائها أنه صلى الله عليه وسلم اتخذها صبيحة المنام بالمدينة، لما رآى رب العزة، فقال فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفي، فعلمت ما بين السماء والأرض صححه البخاري، وعن ابن عمر أنه كان يعتم بين كتفيه، وقال: عمم النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع، أي فيصح المسح عليها إذا كانت كذلك، اختاره الموفق وابن عقيل والشيخ وغيرهم، وقال في شرح العمدة: يشترط أن يكون للعمامة ذؤابة أو محنكة، لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة، وقد نهي عن التشبه بهم، فلم يستبح بها الرخصة، كالخف المغصوب.

([45]) يعني غير المحنكة أوذات الذؤابة لأنها لم تكن عمة المسلمين، ولا يشق نزعها، وروي أبو عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن
الإقتعاط وكان أحمد يكرهه كراهة شديدة وقال الشيخ: لا ترتقي إلى التحريم قال في الفروع، ولعل ظاهر من جوز المسح إباحة لبسها، وهو متجه لأنه فعل أبناء المهاجرين والأنصار وفي المبدع: ذكر ابن شهاب وغيره وجها بالجواز، وقالوا: لم يفرق أحمد، وفي مفردات، ابن عقيل، هو مذهبه، واختاره الشيخ تقي الدين وقال: هي كالقلانس المبطنة وأولى، لأنها في الستر ومشقة النزع لا تقصر عنها.

([46]) لأن العمامة نابت عن الشعر.

([47]) ولا يجب مسح مقدم الرأس، ولا يجب مسح الأذنين معها، لأنه لم ينقل قال الشارح: لا نعلم فيه خلافا وكذا جوانب الرأس.

([48]) أي فلا بد من ستر جميع المفروض.

([49]) أي مسح ما جرت العادة بكشفه مع العمامة، كمقدم الرأس ونحوه، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح بناصيته، قال الشيخ: ومن فعل ما جاءت به السنة من المسح بناصيته وعمامته أجزأه مع العذر بلا نزاع، وأجزأه بدون العذر عند الأئمة الثلاثة رحمهم الله تعالى.

([50]) خمر بضم الخاء والميم وقد تسكن، جمع خمار، وهو النصيف والقناع، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وكل ما ستر شيئا فهو خمار، أي يصح المسح على خمر نساء، مدارة تلك الخمر تحت حلوقهن، لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، ذكره ابن المنذر، وروى الإمام أحمد عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخمار، ولفظ سعيد بن منصور: على النصيف. وقال الشيخ في خمر النساء من الرخصة التي تشبه أصول الشريعة، وتوفق الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن خافت من البرد ونحوه مسحت على خمارها، فإن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، وينبغي أن تمسح مع هذا بعض شعرها، وأما إذا لم يكن بها حاجة إلى ذلك ففيه نزاع بين العلماء اهـ، والنساء من الجموح التي لا واحد لها من لفظها كالرهط والقوم وكذا النسوة.

([51]) أي فإنه لا يشق نزعها فتشبه طاقية الرجل قال الشارح وغيره: لا نعلم فيه خلافا لأنه لا يشق نزعها كطاقية الرجل.

([52]) يعني ما تقدم من الخفين والعمامة ونحوهما.

([53]) أي ما تحت الحوائل من خف وعمامة ونحوهما إجماعا.

([54]) كوجع وعصابة شد بها رأسه أو غيرها، وسميتا جبيرة تفاؤلا، قال بعض أهل اللغة: وهي أعواد ونحوها تربط على الكسر أو الجرح ليلتئم فعلية بمعنى فاعلة، وقال الأزهري وغيره: هي الخشب التي تسوى فتوضع على موضع الكسر فتشد عليه حتى ينجبر على استوائها واحدتها جبارة بكسر الجيم، وجبيرة بفتحها وهما بمعنى، وفي الحاوي: الجبيرة ما كان على الكسر واللصوق بفتح اللام ما كان على قرح.

([55]) وما لا بد من وضع الجبيرة عليه من الصحيح، لأنه لا بد أن توضح على طرفي الصحيح ليرجع على الكسر، والمسح على الجبيرة مجمع عليه.

([56]) لأنه موضع حاجة فتقدر بقدرها، أي فيجب تعميم الجبيرة التي تتجاوز قدر الحاجة مرة واحدة لضرورة المشقة بكشفها، وإلا فمسح الجرح البارز أولى من مسح الجبيرة نص عليه، والقياس والآثار تشهد بصحة ذلك.

([57]) أي فإن تجاوز شدة الجبيرة محل الحاجة من وضعها نزعها، وظاهره أنه ينزع جميعها وجوبا، واستظهر بعضهم أنه لا يلزمه إلا نزع ما زاد على قدر الحاجة، إلا أن يصور ذلك بما إذا كان الشد بجميعه في غير محل الحاجة، ويمكن أن يصور أيضا بما إذا لم يتمكن من نزع الزائد إلا بنزع الكل، وقال الزركشي لأن المجاوزة إنما تقع غالبا لسهو أو غفلة أو دهشة فمنع الرخصة نادر في ذلك ومع الخوف من النزع فيه حرج ومشقة، وتعمد ذلك نادر فلا يفرد بحكم وفيه وجه يخزئ المسح على الزائد، اختاره الحلال وغيره، لأنه قد صارت ضرورة عليه، أشبهت موضع الكسر، وسهل فيه أحمد، لأنه مما لا ينضبط وهو شديد جدا، فلا بأس كيفما شدها.

([58]) على قدر الحاجة، وغسل ما سوى ذلك، فيجمع إذا بين الغسل والمسح والتيمم قيل ذلك خروجا من الخلاف، وقال غير واحد، لا يحتاج مع مسحها إلى تيمم، لأنه محل واحد فلا يجمع فيه بين بدلين كالخف، وإن لم يكن عليه عصابة وضر مسحه غسل الصحيح وتيمم للجريح.

([59]) وكذا لصوق على جرح ونحوه، ولو قارا في شق، أو كان بأصبعه فألقمها مرارة، أو فصاد وخاف انفجار الدم بإصابة الماء كجبيرة، فيجوز المسح عليه نص عليه، وروي عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قرحة فألقمها مرارة، وكان يتوضأ عليها.

([60]) فيجوز المسح عليها، لا على غير الجبيرة ونحوها في الطهارة الكبرى إجماعا لأن الضرر يلحق بنزعها بخلاف غيرها من الحوائل.

([61]) اشتهر بذلك وهو: عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يقول بيديه هكذا الحديث.

([62]) ورواه ابن ماجه وغيره وصححه ابن السكن لكن ما ورد عن ابن عباس بدون ذكر التيمم قال الحافظ لم يقع عن عطاء عن ابن عباس ذكر التيمم فثبت أن الزبير بن خريق تفرد بها، ويشهد له حديث علي: انكسرت إحدى زندي فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر، رواه ابن ماجه وروي عن ابن عمر أنه توضأ وكفه معصوبة فمسح عليهما وعلى العصابة، وغسل ما سوى ذلك، وقال في المبدع: وهو قول ابن عمر ولم يعرف له مخالف ولأنه عضو تعذر غسله بالماء فمسح ما فوقه كشعر الرأس، وقياسا على مسح الخفين، والعمامة وقال الشيخ: مسح الجبيرة يقوم مقام غسل نفس العضو، لأنه مسح على حائل فأجزأ من غير تيمم، كمسح الخف بل هو أولى اهـ . والعضد الضم، والعصب الشد، أي يمسح على تلك الشجة بعد العضد، أي ضم بعضها إلى بعض أو العصب أي الشد عليها بخرقة ونحوها، من عصب الشيء لواه وشده لأنه مسح أبيح للضرورة أشبه التيمم، والذي في سنن أبي داود يعصر، بدل يعضد قال شارحه أي يقطر عليها الماء، والمراد به أن يمسح على الخرقة.

([63]) فيمسح عليها العاصي بسفره، وتقدم تعريف العزيمة، والحاصل أنه إن كان في أعضاء الوضوء جرح وهو محدث الحدث الأصغر، أو في جسده جرح وهو محدث الحدث الأكبر، فإن قدر على غسل الجرح من غير ضرر وجب عليه غسله في الوضوء والغسل، وإن خاف من غسله بالماء ضرر بدنه وجب عليه غسله في الوضوء والغسل، وإن خاف من غسله بالماء ضرر بدنه أو زيادته أو تأخر برئه فله أن يمسح على ذلك العضو مباشرة، فإن خاف من وصول البلل إليه من المسح ضررا فإنه يجعل عليه جبيرة ثم يمسح على الجبيرة، والمسح واحدة ولو كان على موضع يغسل ثلاثا فإن شأن المسح التخفيف.

([64]) حلها بفتح الحاء أن نقضها من حل العقدة يحلها حلا نقضها وفكها وفتحها، وإذا زالت فكخف، وقيل طهارته باقية، اختاره الشيخ مطلقا، كإزالة شعر، وقال: إذا قلع بعد الوضوء فيه نزاع، والأظهر أنه لا ينتقض الوضوء، لأن الجبيرة كالجزء من البدن.

([65]) أي ليس المسح على الجبيرة ونحوها مؤقتا كالخفين، بل إلى حلها أو برء ما تحتها، لأن مسحها للضرورة فيتقدر بقدر الضرورة إليها، ويفارق مسح الجبيرة الخف في أشياء، منها أنه لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرورة بنزعها، ووجوب استيعابها بالمسح لعدم التضرر في ذلك، والمسح عليها من غير تأقيت، وجواز المسح عليها في الطهارة الكبرى للمشقة في نزعها حينئذ وأن المسح عليها عزيمة، ونظمها ابن نصر الله فقال:
عزيمة ضرورة لم يشمل



والخرق والتوقيت فيها أهمل


وكلها امسح في الطهارتين



وقبلها الطهر على قولين


زاد في الإنصاف: أنه يتعين على صاحب الجبيرة المسح بخلاف الخف، وأنه يجوز المسح عليها إذا كانت من حرير ونحوه، على رواية صحة الصلاة في ذلك، بخلاف الخف، وأنه يجوز في سفر المعصية، ثم قال: ويرجع ذلك كله أو معظمه إلى أن مسح الجبيرة عزيمة، ومسح الخف ونحوه رخصة، قال الشيخ: إذا لم يكن نزعها إلا بضرر صارت بمنزلة الجلد وشعر الرأس والظفر، ويمسح عليها وإن شدها على حدث عند أكثر العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وهو الصواب وقال: قياسها على الخفين قياس فاسد، وذكر الفرق بينهما من وجوه.

([66]) أما الخفان فإذا توضأ وضوءا كاملا ثم أدخلهما فله المسح بلا نزاع، لما في الصحيحين وغيرهما، ودعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، وروى الحميدي وغيره عن المغيرة: أيمسح أحدنا على الخفين؟ قال: نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان، ولأحمد وابن خزيمة عن صفوان قال: أمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر. صححه الخطابي والحافظ، وهذا واضح الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس. وقال النووي وغيره: إذا لبس محدثا لم يجز المسح إجماعا، وهذا سادس الشروط هنا وفي المنتهى ثمانية لكونه عد عدم وصفه للبشرة شرطا، وعدم سعته شرطا آخر، وهما معلومان من الشرط الثاني.

([67]) بأن توضأ وضوءا كاملا مسح فيه على نحو عمامة أو جبيرة ثم لبس نحو خف فله المسح عليها، لأنها طهارة كاملة رافعة للحدث، كالتي لم يمسح فيها على حائل.

([68]) أي أو تيمم في طهارة بماء لجرح في بعض أعضائه ثم لبس نحو خف جاز المسح عليه، لتقدم الطهارة بماء في الجملة.

([69]) لتكمل الطهارة، وعنه يجوز وفاقا لأبي حنيفة.
قال الشيخ: والصواب قول أبي حنيفة أن طهارة المسح يشترط لها دوام الطهارة دون ابتدائها، وقال: ومن غسل إحدى رجليه ثم أدخلها الخف قبل غسل الأخرى فإنه يجوز له المسح عليها من غير اشتراط خلع، ولبسه قبل إكمال الطهارة كلبسه بعدها.

([70]) أي لم يجز له المسح، لأنه لم يلبسه بعد كمال الطهارة.

([71]) خلع العمامة ثم لبسها ليوجد شرط المسح كالخف، وعنه: لا تشترط الطهارة لمسح العمامة، فلو لبس محدثا ثم توضأ وغسل رجليه جاز له المسح اختاره الشيخ وغيره، وقال: يتوجه أن العمامة لا يشترط لها ابتداء اللبس على طهارة، ويكفي فيها الطهارة المستدامة، لأن العادة أن من توضأ مسح رأسه ورفع العمامة ثم أعادها، ولا يبقي مكشوف الرأس إلى آخر الوضوء، وما قاله رواية عن أحمد حكاها عنه جماعة.

([72]) أي لو تيمم لطهارة لعجزه عن استعمال الماء أو عدم الماء، فلا يمسح إذا وجد الماء، بل يخلع ويستأنف الطهارة.

([73]) بناء على أن تقدم الطهارة على شدها شرط، وعنه: ليس بشرط اختاره جمع منهم الشيخ، ومال إليه الموفق والشارح والمجد، وصوبه في الإنصاف وغيره
لحديث صاحب الشجة وغيره، ولأن اشتراط الطهارة يشق، لأن الجرح يقع فجأة، أو في وقت لا يعلم الماسح وقوعه فيه، فلو اشترطت الطهارة والحالة هذه لأفضي إلى الحرج والمشقة، وهما منتفيان شرعا.

([74]) لغسل ما تحتها، لأنه موضع يخاف الضرر باستعمال الماء فيه، وهذا أيضا بناء على اشتراط تقدم الطهارة على شدها.

([75]) كمستحاضة ومن به قروح سيالة.

([76]) ولأن صاحب العذر أحق بالترخص من غيره، بل طهارته ترفع الحدث.

([77]) بأن انقطع نحو سلس البول خلع، لأن طهارته إنما صحت للعذر، فإذا زال حكم ببطلانها.

([78]) أي من اليوم والليلة، قال غير واحد: لا نعلم فيه خلافا، لأنه صار مقيما فلم يجز له أن يمسح مسح المسافر، والمراد إقامة تمنع القصر، وكذا قال الزركشي وغيره، إذا مسح أقل من يوم وليلة ثم أقام، أو قدم أتم مسح مقيم، لا خلاف في هذا نعلمه، لما تقدم من تغليب جانب الحضر.

([79]) أي وإن لم يبق من المدة شيء، بأن مضى بعد الحدث يوم وليلة، أو أكثر خلع الخف، لانقطاع السفر، قال ابن تميم: رواية واحدة.

([80]) وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما، لأنه الأصل، وقال في المبدع
والفروع: اختاره الأكثر، وعنه مسح مسافر نقلها عنه جماعة، وفاقا لأبي حنيفة وغيره لقوله يمسح المسافر، إلخ وهذا مسافر، وكما لو أحدث وهو مقيم، ولم يمسح حتى سافر، وجعلها الخلال رواية واحدة، وقال: نقل عنه أحد عشر نفسا أنه يتم مسح مسافر، ورجع عن قوله: يتم مسح مقيم، واختاره هو وأبو بكر وأبو الخطاب.
قال في الفائق، وهو المختار، ولو مسح إحدى رجليه في الحضر والأخرى في السفر يتوجه خلاف، ومقتضى كلامهم لا يزيد على مسح مقيم تغليبا للأصل، والرواية الثانية ظاهرة.

([81]) وفاقا للشافعي وغيره، لأن الأصل الغسل، وإن شك في بقاء المدة لم يجز المسح مقيما كان أو مسافرا اتفاقا، لأن الأصل الغسل، ولو خالف وفعل فبان بقاؤها صح وضوءه.

([82]) قال غير واحد: لا نعلم فيه خلافا، بين أهل العلم، لقوله: يمسح المسافر إلخ ونقل الإجماع في ذلك النووي وغيره.

([83]) بفتح القاف واللام وسكون النون وضم السين المهملة وفتح الواو، وقد تبدل ياء وقد تبدل ألفا وتفتح السين فيقال قلنساة، وقد تحذف النون بعدها هاء تأنيث وفي الاختيارات ويجوز المسح على العمامة الصماء، وهي القلانس، والمحكي عن أحمد الكراهة، والأقرب أنها كراهة لا ترتقي إلى التحريم ومثل
هذا لا يمنع الترخص وتحمل كراهة السلف لغير المحنكة من بعض الوجوه، وعن أحمد يجوز اختاره الخلال وجزم به في الوجيز، وقال: روي عن صحابيين عمر وأبي موسى، وروي عن أنس، ولأنه ملبوس معتاد ساتر للرأس أشبه العمامة المحنكة.

([84]) الدنيات قلانس كبار أيضا، كانت القضاة تلبسها قديما، تسميها العامة الشاشية شبهت بالدن، لاستواء صنعته في أسفله: كهيئة القوس، والنوميات قلانس تلبس عند النوم.

([85]) مجمع البحرين لابن عبد القوي على المقنع ولم يتمه، والصوفية نسبة إلى الصوف، قال الشيخ: الصوفي المتبتل للعبادة وتصفية النفس من الأخلاق المذمومة، قانعا بالكفاية لا لابس خرقة، أو لزوم شكل مخصوص في اللبسة ونحوها.

([86]) قال في الفروع: في الأصح، قال الشيخ: والصواب أنه يمسح على اللفائق، وهي بالمسح أولى من الخف والجورب، ومن ادعى في ذلك إجماعا فليس معه إلا عدم العلم، ولا يمكنه أن ينقل المنع عن عشرة من العلماء المشهورين، وذكر أن علة المسح الحاجة إلى ستر الرأس والمشقة في نزع الساتر في الغسل، وأنه ليس لشكل الساتر ولا لجنسه ولا لثبوته بنفسه أو بغيره دخل في ذلك.

([87]) لفوات شرطه، وهو ثبوته بنفسه.

([88]) أي فلا يمسح عليه، لعدم ستره محل الفرض.

([89]) إذ لا يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد، وكما لو غسل إحدى رجليه فيجب غسل الأخرى، وما بطن فرضه المسح فلا يجامعه، قال الشيخ: وقول القائل إن ما ظهر فرضه الغسل ممنوع، فإن الماسح على الخف لا يستوعبه بالمسح، كالمسح على الجبيرة، بل يمسح أعلاه دون عقبه، وكذلك يقوم مقام غسل الرجل، فمسح بعض الخف كاف عما يحاذي الممسوح، وما لا يحاذيه، فإذا كان الخرق في العقب لم يجب غسل ذلك الموضع ولا مسحه، ولو كان على ظهر القدم لم يجب مسح كل جزء من ظهر القدم، وباب المسح على الخفين مما جاءت السنة فيه بالرخصة، حتى جاءت بالمسح على الجوارب والعمائم وغير ذلك، فلا يناقض مقصود الشارع من التوسعة بالحرج والتضييق.

([90]) قال عثمان: ويدخل في هذه العبارة أربع صور: لأنهما إما أن يكونا صحيحين أو مخرقين، أو الأعلى صحيحا، والأسفل مخرقا، أو عكسه، ففي الأولى يصح على أيهما شاء، وفي الثانية لا يصح على شيء منهما ولو سترا، وفي الثالثة يصح على الأعلى فقط، وفي الرابعة على أيهما شاء.

([91]) أي جاز المسح عليه لأنه خف ساتر لمحل الفرض أشبه ما لو انفرد.

([92]) لأن كل واحد منهما غير صالح للمسح على انفراده، ومسح كل من الخف الفوقاني والتحتاني بدل مستقل من الغسل على الصحيح من المذهب، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين لمالك والشافعي.

([93]) لأن كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح عليه، فإن كان أحدهما صحيحا جاز المسح على الفوقاني ولا يجوز على التحتاني، إلا أن يكون هو الصحيح.

([94]) لأنه لبس الفوقاني على غير طهارة.

([95]) وإعادة الوضوء، لأن محل المسح قد زال، ومفهومه أنه إذا كان قبل مسحه لم ينزع الثاني، وأنه إذا كان الممسوح الثاني فكذلك وعنه: لا يلزمه نزعه فيتوضأ، أو يمسح التحتاني منفردا، وأطلقهما في الفروع.

([96]) لأنها ممسوحة على وجه البدل، فأجزأ فيها ذلك كالخف.

([97]) وهي أكوارها دون وسطها، وإن كان تحت العمامة قلنسوة يظهر بعضها استحب المسح عليها، لأنهما صارا كالعمامة الواحدة، وما جرت العادة بكشفه من الرأس استحب أن يمسح عليه من العمامة، لأنه ثبت أنه مسح بناصيته وعمامته، ولا يجب مسح الأذنين معها، قال الشارح وغيره: لا نعلم فيه خلافا، لأنه لم ينقل.

([98]) جعلا للأكثر كالكل، على الصحيح من المذهب، ولا يسن استيعابه، قال الوزير: أجمعوا على أن المسح يختص بما حاذى ظاهر الخف.

([99]) هذه صفة المسح المسنون، لحديث المغيرة، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهور الخفين، رواه أحمد وأبو داود وصححه الترمذي، وقال البخاري: هو أصح من حديث رجاء بن حيوة، ولفظه مسح أعلى الخف وأسفله، وقال هو وأبو زرعة: ليس بصحيح، ولفظ البيهقي: مسح على خفيه، وضع يده اليمنى على خفه الأيمن، واليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح إلى أعلاه مسحة واحدة، وحكى ابن المنذر وغيره أنه يجزئ الاقتصار على مسح ظاهر الخف بلا خلاف.

([100]) فإن بدأ من ساقه إلى أصابعه أجزأ، ولم يرد في كيفية المسح ولا الكمية حديث يعتمد عليه إلا حديث علي في بيان محل المسح، فحيث فعل المكلف ما يسمى مسحا لغة أجزأ، وقال أحمد: كيفما فعلت فهو جائز.

([101]) أي يكره غسل الخف ونحوه، لعدوله عن السنة المأمور بها، ولإفساده الخف ونحوه، قال النووي: بلا خلاف، ويكره تكرار مسحه، لأنه لم يثبت فيه شيء، فلا يصار إليه، ولأنه في معنى غسله، ولا يسن إجماعا، وقال الشيخ: المسح لا يسن فيه التكرار، وأجمعوا على أن المسح على الخفين مرة واحدة مجزئ.

([102]) لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمسح ظاهره، قال ابن القيم: ولم يصح عنه مسح أسفلهما، وإنما جاءت في حديث منقطع، والأحاديث الصحيحة على خلافه، (وعقبه) بفتح العين وكسر القاف هذا الأصل ويجوز إسكان القاف مع فتح العين وكسرها.

([103]) بلا خلاف حكاه ابن المنذر وغيره.
وقال الموفق وغيره: إن مسح أسفله وعقبه لم يجزئه في قول أكثر العلماء، وأنه لم يقل بالأجزاء إلا أشهب وبعض الشافعية ولا حجة لهم في ذلك، لقول علي: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه، رواه أحمد وأبو داود والدارقطني، وقال الحافظ: إسناده صحيح.

([104]) قريبا عن جابر، واستيعابها بالمسح مذهب أبي حنيفة والشافعي، لقيامه مقام الغسل، وذلك ما لم يتضرر فيعدل إلى التيمم.

([105]) استأنف الطهارة لأن مسح الخف أقيم مقام غسل الرجلين، فإذا زال الساتر الذي جعل بدلا بطل حكم الطهارة، كالمتيمم يجد الماء، ولأن الإنتقاض لا يتجزأ وإن خرج منه شيء لسعة أو غيرها كخروج عقبة لم ينتقض إجماعا، وعنه يجزئ غسل قدميه وفاقا لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقول مالك: إن غسل رجليه مكانه صحت، وقال الشيخ: ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور، واختار أنها لا تبطل كإزالة الشعر الممسوح عليه.

([106]) بضم الحاء وفتحها أي كثر في الرأس فقط استأنف الطهارة ومقتضى الإطلاق طال الزمن أو لم يطل، لأن مسح العمامة قام مقام الرأس، وعلم منه أن
انكشاف يسير لا يضر وقال الشيخ: ورفع العمامة يسيرا لا يضر للمشقة، وقال أحمد: لا بأس إذا لم يفحش.

([107]) لأن مسحها بدل من غسل ما تحتها، وقيل: طهارته باقية قبل البرء اختاره الشيخ وكذا بعده كإزالة الشعر.

([108]) لبقائه على طهارته التي لبس فيها.

([109]) وهي اليوم والليلة، أو الثلاثة من وقت جواز مسح بعد حدث، أو انتقض كور فأكثر من عمامته، أو انقطع دم مستحاضة، أو زال ضرر من به سلس البول ونحوه.

([110]) وجها واحدا في الجملة وفاقا، إلا ما روي عن مالك للأحاديث الواردة في التوقيت، ولأن الحكم بطهارته إنما كان لوجود العذر فإذا زال حكم ببطلانها وذلك إذا كان عنده ماء وإلا فلا، وقال الشيخ: ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف بإنقضاء المدة على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور.

([111]) أي ولو كان حين تمت مدة المسح في صلاة بطلت، واستأنف، لأنها طهارة مؤقتة فبطلت بانتهاء وقتها، وإن كان فيها ولا ماء مضى.

([112]) أي المسح بطلت الطهارة في الممسوح.

([113]) والمبطل حقيقة هو الحدث السابق، وقال الشارح وغيره: ونزع أحد
الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم، منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي اهـ، وأجمعوا على أنه متى نزع أحد الخفين وجب عليه نزع الآخر.

([114]) وقيده بعضهم بالصغرى، والصحيح عند المحققين أن المسألة ليست مبنية على وجوب الموالاة، بل على أن المسح يرفع الحدث، وأن الحدث لا يتبعض في النقض، فإذا خلع عاد الحدث إلى العضو فسرى إلى بقية الأعضاء، فلا فرق قدمه الشيخ في شرح العمدة، وقال هو وأبو المعالي: إنه الصحيح من المذهب عند المحققين، وعنه: يجزئ مسح رأسه وغسل رجليه، وفاقا لأبي حنيفة ومالك، وقول للشافعي، والقول ببطلان الطهارة من المفردات، وهذا على وجوب الموالاة عند أبي محمد، وعند: أبي البركات على رفع الحدث، ومن تيمم وعليه خف ونحوه ثم خلع بعد تيممه لم يبطل تيممه بذلك، اختاره الشيخ. قال الموفق وغيره: لأن مبطل الوضوء نزع ما هو ممسوح عليه فيه ولم يوجد ههنا، ولأن إباحة المسح لا يصير بها ماسحا، ولا بمنزلة الماسح.


  #5  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 07:08 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

يَجُوزُ لمقيمٍ يوماً وليلةً ..........
قوله: «يجوزُ لمقيمٍ يوماً وليلةً» ،
عبَّر بالجواز، فهل الجوازُ مُنْصَبٌّ على بيان المدَّة، أو على بيان الحكم؟

إن كان على بيان المدَّة فلا إِشكال فيه، يعني: أن الجواز متعلِّق بهذه المدَّة.
وإِن كان مُنْصَباً على بيان الحكم فقد يكون فيه إِشكال، وهو أنَّ المسحَ على الخُفَّين للابسهما سُنَّةٌ، وخلْعُهما لغسلِ الرِّجلِ بدعة خلاف السُّنَّة.
لكن قد يُجابُ عن هذا الإشكال بأن نقول:
إِن المؤلِّفَ عبَّر بالجواز دفعاً لقول من يقول بالمنع، وهذا لا يُنافي أن يكون مشروعاً، والعلماءُ يعبِّرون بما يقتضي الإِباحة في مقابلة من يقول بالمنع، وإن كان الحكم عندهم ليس مقصوراً على الجواز، بل هو إِما واجب، أو مستحبٌّ.

ونظيرُ ذلك: قول بعضهم:
ولمن أحرم بالحجِّ مفرداً ولم يُسقِ الهدي أن يفسخه لعمرة ليكونَ متمتِّعاً[(409)].

فالتعبير باللام الدالَّة على الجواز في مقابل من منع ذلك؛ لأنَّ بعض العلماء يقول بعدم الجواز؛ لأن هذا من إبطال العمل.
وقوله: «لمقيم» يشمل المستوطن والمقيمَ؛ لأن الفقهاء رحمهم الله يرون أن النَّاس لهم ثلاث حالات:
إحداها: الإقامة.
الثانية: الاستيطان.
الثالثة: السَّفر.
ويُفرِّقون في أحكام هذه الأحوال.
والصَّحيح: أنَّه ليس هناك إلا استيطان أو سفر، وهذا اختيار شيخ الإسلام[(410)]، وأن الإقامة باعتبارها قسماً ثالثاً ينفرد بأحكام خاصَّة لا توجد في الكتاب، ولا في السُّنَّة.

والإِقامة عند الفقهاء: هي أن يقيمَ المسافرُ إقامةً تمنع القصْرَ ورُخَصَ السَّفرِ؛ ولا يكون مستوطناً، وعلى هذا فإِنه مقيم، فلا تنعقد به الجمعةُ، ولا تجب عليه؛ أي: بنفسه، ولا يكون خطيباً، ولا إماماً فيها، حتى لو أراد أن يقيم سنتين، أو ثلاثاً.
والمستوطنُ: الذي اتَّخَذَ البلدَ وطناً له.
وحكم المقيم في المسح على الخُفَّين كحكم المستوطن، كما أنَّ حكمه كحكم المستوطن في وجوب إِتمام الصَّلاة، وفي تحريم الفِطْرِ في رمضان، لكن ليس هو كالمستوطن في مسألة الجمعة، فلا تجب عليه بنفسه، ولا يكون إِماماً فيها، ولا خطيباً، وحينئذٍ يكون في مرتبة بين مرتبتين، ولا دليل على هذه المرتبة.
وقوله: «يوماً وليلة» لحديث عليٍّ رضي الله عنه قال: «جعل النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن»، أخرجه مسلم[(411)].
وهذا نَصٌّ صريحٌ بَيِّنٌ مُفَصَّلٌ.

ولمسافرٍ ثلاثةً بلَيَالِيها من حَدَثٍ بَعْدَ لُبْسٍ ...........

قوله: «ولمسافر ثلاثةً بلياليها» ،
إطلاقُ المؤلِّف رحمه الله يشمل السَّفر الطَّويل والقصير.

ويشمل سفرَ القَصر وغيره؛ لأن هناك سفراً طويلاً لكن لا يُقْصَر فيه كالسَّفر المحرَّم، أو المكروهِ على المذهبِ، كمن سافر لشُرب الخمر أو الاستمتاع بالبغايا.
والمذهب: أنَّ السَّفر هنا مُقيَّدٌ بالسَّفر الذي يُباحُ فيه القَصرُ، ولعلَّه مراد المؤلِّف رحمه الله.
قوله: «من حَدَثٍ بعد لُبْسٍ» ،
من: للابتداء، يعني: أنَّ ابتداءَ المدَّةِ سواءٌ كانت يوماً وليلة؛ أم ثلاثة أيَّام، من الحَدَث بعد اللبس، وهذا هو المذهب؛ لأنّ الحَدَثَ سببُ وجوب الوُضُوء فعلَّق الحكم به، وإِلا فإنَّ المسحَ لا يتحقَّقُ إلا في أوَّل مرَّة يمسحُ.

ونظيرُ هذا قولُهم في بيع الثِّمار: إذا باع نخلاً قد تشقَّقَ طَلْعُهُ فالثَّمر للبائع؛ مع أن الحديث: «من باع نخلاً قد أُبِّرتْ...»[(412)]، لكن قالوا: إِن التشقُّقَ سببٌ للتَّأبير فأُنيط الحكم به[(413)].
والذي يمكن أن يُعلِّق به ابتداء المُدَّة ثلاثة أمور:
الأول: حال اللُّبس.
الثاني: حال الحَدَث.
الثالث: حال المسح.
أما حال اللِّبس، فلا تبتدئ المدَّة من اللِّبس قولاً واحداً في المذهب، وأما حال الحَدَث فالمذهبُ: أن المدَّة تبتدئُ منه.
والقول الثاني: تبتدئُ من المسح[(414)]؛ لأنَّ الأحاديث: «يمسح المسافرُ على الخفين ثلاث ليال، والمقيم يوماً وليلة»[(415)]... إلخ، ولا يمكن أن يَصْدُقَ عليه أنَّه ماسح إِلا بفعل المسح، وهذا هو الصَّحيح.
ويدلُّ له أن الفقهاء أنفسهم ـ رحمهم الله ـ قالوا: لو أن رجلاً لبس الخُفَّين وهو مقيمٌ؛ ثم أحدثَ؛ ثم سافر؛ ومسحَ في السَّفَر أوَّل مرَّة، فإنه يُتِمُّ مسح مسافر[(416)]. وهذا يدلُّ على أنَّه يعتَبر ابتداء المدَّة من المسح وهو ظاهرٌ.
فالصَّوابُ: أن العِبْرَةَ بالمسح وليس بالحَدَثِ.
مثال ذلك: رجلٌ توضَّأ لصلاة الفجر ولبس الخُفَّين، وبقي على طهارته إلى السَّاعة التَّاسعة ضُحى، ثم أحدث ولم يتوضَّأ، وتوضأ في السَّاعة الثانية عشرة، فالمذهب: تبتدئ المُدَّةُ من السَّاعة التَّاسعة.
وعلى القول الرَّاجح: تبتدئ من السَّاعة الثَّانية عشرة إلى أن يأتي دورها من اليوم الثَّاني إِن كان مقيماً، ومن اليوم الرَّابع إن كان مسافراً.
فالمقيمُ أربعٌ وعشرون ساعةً، والمسافر اثنتان وسبعون ساعةً.
وأما قول العامَّة: إنَّ المدَّة خمسُ صلوات فهذا غير صحيح؛ لأنَّ الإِنسانَ قد يُصلِّي أكثر من ذلك ومُدَّة المسح باقية وهو مقيم، كما لو لبس الخُفَّين لصلاة الفَجر، وبقي على طهارته إِلى أن صَلَّى العشاء، فهذا يوم كامل لا يُحسب عليه؛ لأن المدَّة قبل المسح أوَّل مرَّة لا تُحسَبُ، فإذا مسح من الغَدِ لصلاة الفجر، فإِذا بقيَ على طهارته إلى صلاة العشاء من اليوم الثالث، فيكون قد صَلَّى خمس عشرة صلاة وهو مقيمٌ.

على طَاهِرٍ .........

قوله: «على طاهر» ،
هذا هو الشَّرط الثَّاني من شُروطِ صِحَّةِ المسحِ على الخُفَّين، وهو أن يكونَ الملبوس طاهراً.

والطَّاهر: يُطلَقُ على طاهر العين، فيخرج به نجس العين.
وقد يُطْلَقُ الطَّاهرُ على ما لم تُصبْه نجاسةٌ، كما لو قلت: يجب عليك أن تُصلِّيَ بثوبٍ طاهر، أي: لم تُصبْه نجاسةٌ.
والمراد هنا طاهر العين؛ لأن من الخِفَاف ما هو نجس العين كما لو كان خُفَّا من جلد حمار، ومنه ما هو طاهر العين لكنَّه متنجِّس؛ أي: أصابته نجاسة، كما لو كان الخُفُّ من جلد بعيرٍ مُذكَّى لكن أصابته نجاسة، فالأوَّل نجاسته نجاسة عينيَّة؛ والثَّاني نجاسته نجاسة حُكميَّة، وعلى هذا يجوز المسح على الخُفِّ المتنجِّس، لكن لا يُصلِّي به، لأنه يُشترط للصَّلاة اجتناب النَّجاسة.
وفائدة هذا أن يستبيح بهذا الوُضُوء مسَّ المصحف؛ لأنه لا يُشترط للَمْسِ المصحف أن يكون متطهِّراً من النَّجاسة، ولكن يُشترط أن يكون متطهِّراً من الحدث.
أما لو اتَّخذ خُفًّا من جلد ميتة مدبوغ تحلُّ بالذَّكَاة، فإِن هذا ينبني على الخلاف[(417)]:
إن قلنا: لا يطهرُ ـ وهو المذهبُ ـ لم يَجُز المسح عليه.
وإن قلنا: يطهُر بالدَّبغ جازَ المسحُ عليه.
ووجه اشتراط الطَّهارة:
أن المسحَ على نجس العين لا يزيدُه إلا تلويثاً، بل إن اليد إذا باشرت هذا النَّجسَ وهي مبلولةٌ تنجَّست.

وربما يُؤخَذُ من قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «فإِنِّي أدخلتُهما طاهرتين»[(418)].
لكن معنى الحديث أدْخَلتُهما، أي: القدمين طاهرتين، كما يفسِّره بعض الألفاظ[(419)].

مُبَاحٍ ..............
قوله: «مباحٍ» ،
احترازاً من المحرَّم، هذا هو الشَّرط الثَّالث، والمحرَّم نوعان:

الأول: محرَّم لكسبه كالمغصوب، والمسروق.
الثاني: محرَّم لعينه كالحرير للرَّجُلِ، وكذا لو اتَّخَذ «شُرَاباً» (وهو الجورب) فيها صُور فهذا محرَّمٌ،
ولا يُقال: إِن هذا من باب ما يُمتهن؛ لأنَّ هذا من باب اللباس، واللباس الذي فيه صُورٌ حرام بكلِّ حال، فلو كان على «الشُّراب» صورةُ أسدٍ مثلاً فلا يجوز المسح عليه.

وكلا هذين النوعين لا يجوز المسحُ عليهما.
ولا نعلم دليلاً بيِّنا على ذلك.
وأما التَّعليل: فلأنَّ المسح على الخُفَّين رُخْصَة، فلا تُستباحُ بالمعصية؛ ولأن القول بجواز المسح على ما كان محرَّماً مقتضاه إقرار هذا الإنسان على لبس هذا المحرَّم، والمحرَّم يجب إِنكاره.
وربما نقول: بالقياس على بطلان صلاة المُسْبِلِ[(420)] ـ إن صحَّ الحديثُ ـ فإِن المُسْبِلَ تبطل صلاتُه، لأنَّه لبس ثوباً محرَّماً، فإِذا فسدت الصَّلاةُ بلبس الثَّوب المحرَّم؛ فإنَّ المسح أيضاً يكون فاسداً بلبس الخُفِّ المحرَّم.

ساتِرٍ للمفْرُوضِ،.............

قوله: «ساترٍ للمفْروضِ» ،
أي: للمفْروض غسلُه من الرِّجْلِ، وهذا هو الشَّرط الرابع، فيُشترَط لجواز المسح على الخُفَّين أن يكون ساتراً للمفروض.

ومعنى «ساتر» ألا يتبيَّنَ شيءٌ من المفروض من ورائه؛ سواءٌ كان ذلك من أجل صفائه، أو خفَّته، أو من أجل خروق فيه.
لأنَّه إِذا كان به خُروقٌ بانَ من ورائه المفروضُ، فلا يصحُّ المسحُ عليه حتى قال بعض أهل العلم ـ وهو المشهور من المذهب ـ: لو كان هذا الخَرْقُ بمقدار رأس المخراز.
والتَّعليل: أن ما كان خفيفاً أو به خُروق، فإِن ما ظَهَرَ؛ فَرْضُهُ الغُسْل، والغُسْل لا يجامعُ المسحَ، إِذ لا يجتمعان في عضوٍ واحد.
وأمَّا ما يصف البشرة لصفائه؛ فلأنه يُشترَطُ السَّتر وهذا غير ساترٍ، بدليل أن الإِنسان لو صلَّى في ثوب يصف البشرةَ لصفائه فصلاتُه باطلةٌ.
وذهب الشافعيةُ إِلى: أنَّ ما لا يَسْتُرُ لصفائه يجوز المسحُ عليه[(421)]، لأنَّ محلَّ الفرض مستورٌ لا يمكن أن يصل إِليه الماء، وكونُه تُرى من ورائه البشرةُ لا يضرُّ، فليست هذه عورة يجب سترها حتى نقول:
إن ما يصف البشرة لا يصحُّ المسح عليه.

وليس في السُّنَّة ما يدلُّ على اشتراط ستر الرِّجْل في الخُفِّ.
وهذا تعليل جَيّدٌ من الشَّافعية.
وقال بعض العلماء: إنه لا يُشترطُ أن يكون ساتراً للمفروض[(422)].
واستدلُّوا: بأن النُّصوص الواردةَ في المسح على الخُفَّين مُطْلَقةٌ، وما وَرَدَ مُطْلَقاً فإنه يجب أن يبقى على إِطلاقه، وأيُّ أحد من النَّاس يُضيف إِليه قيداً فعليه الدَّليل، وإلا فالواجب أن نُطلق ما أطلقه اللَّهُ ورسولُه، ونقيِّد ما قيَّده الله ورسولُه.
ولأن كثيراً من الصَّحابة كانوا فُقَراء، وغالب الفُقراء لا تخلو خفافهم من خُرُوق، فإذا كان هذا غالباً أو كثيراً من قوم في عهد الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم؛ ولم ينبِّه عليه الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم، دَلَّ على أنَّه ليس بشرط. وهذا اختيار شيخ الإسلام[(423)].
وأما قولهم: إِنَّ ما ظَهَرَ؛ فرضُه الغُسْلُ، فلا يجامع المسحَ، فهذا مبنيٌّ على قولهم: إِنه لا بُدَّ من ستر المفروض، فهم جاؤوا بدليل مبنيٍّ على اختيارهم، واستدلُّوا بالدعوى على نفس المُدَّعَى، فيُقال لهم: مَنْ قال: إِنَّ ما ظَهَرَ؛ فرضُه الغُسْل؟
بل نقول: إِن الخُفَّ إِذا جاء على وفق ما أطلقتْه السُّنَّةُ؛ فما ظَهَرَ من القدم لا يجب غسْلُه، بل يكون تابعاً للخُفِّ، ويُمسحُ عليه.
وأما قولهم: لا يجتمع مسحٌ وغُسْلٌ في عضو واحد، فهذا مُنتقضٌ بالجَبيرة إِذا كانت في نصف الذِّراع، فالمسحُ على الجبيرة، والغُسْلُ على ما ليس عليه جبيرة، وعلى تسليم أنَّه لا بُدَّ من ستر كُلِّ القدم نقول: ما ظهر يُغسَلُ، وما استتر بالخُفِّ يُمسحُ كالجبيرة، ولكن هذا غيرُ مُسلَّم، وما اختاره شيخ الإسلام هو الرَّاجح؛ لأن هذه الخفاف لا تسلم غالباً من الخروق، فكيف نشقُّ على النَّاس ونلزمُهم بذلك. ثم إِن كثيراً من النَّاس الآن يستعملون جواربَ خفيفة، ويرونَها مفيدةً للرِّجْل، ويحصُل بها التَّسخينُ، وقد بعث النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم سريةً، فأصابهم البردُ، فأمرَهم أن يمسحوا على العصائب (يعني العمائم) والتَّساخين (يعني الخِفَاف)[(424)]، والتَّساخين هي الخِفاف؛ لأنها يُقصد بها تسخينُ الرِّجل، وتسخينُ الرِّجْل يحصُلُ من مثل هذه الجوارب.
إذاً؛ هذا الشَّرط محل خلاف بين أهل العلم، والصَّحيحُ عدم اعتباره.

َثْبُتُ بِنَفْسِهِ ...........

قوله: «يَثْبُتُ بنفسه» ،
أي: لا بُدَّ أن يثبت بنفسه، أو بنعلين فيُمسحُ عليه إِلى خلعهما، وهذا هو الشَّرط الخامس لجواز المسح على الخُفَّين، فإِن كان لا يثبت إِلا بشدِّه فلا يجوزُ المسح عليه. هذا المذهب.

فلو فُرِضَ أنَّ رَجُلاً رِجْلُه صغيرةٌ، ولبس خُفَّاً واسعاً لكنَّه ربطه على رجْله بحيث لا يسقط مع المشي، فلا يصحُ المسحُ عليه.
والصَّحيح: أنه يصحُّ، والدَّليلُ على ذلك أن النُّصوصَ الواردة في المسحِ على الخُفَّين مُطلقةٌ، فما دام أنه يَنْتَفِعُ به ويمشي فيه فما المانع؟ ولا دليل على المنع.
وقد لا يجدُ الإِنسانُ إلا هذا الخُفَّ الواسع فيكونُ في منعه من المسح عليه مشقَّة، لكن اليوم ـ الحمد لله ـ كلُّ إنسانٍ يجد ما يريد.
لكن لو فُرِضَ أنَّ هذا الرَّجُلَ قدمُه صغيرة، وليس عنده إلا هذا الخُفُّ الكبير الواسع وقال: أنا إِذا لَبِسْتُه وشددتُه مشيت، وإن لم أشدُدْهُ سقط عن قدمي، ماذا نقول له؟
نقول: على المذهبِ لا يجوزُ، وعلى القول الرَّاجحِ يجوزُ، ووجه رجحانه أنَّه لا دليل على هذا الشَّرط.
فإن قال قائل: ما هو الدَّليلُ على جواز المسح عليه؟
نقولُ: الدَّليلُ عدم الدَّليلِ، أي عدمُ الدَّليلِ على اشتراط أن يَثْبُتَ بنفسه.

مِنْ خُفٍّ،.............
قوله: «من خُفٍّ» ، من: بيانيَّة لقوله: «طاهر»، فالجارُ والمجرورُ بيان لطاهر، و«من»: إذا كانت بيانيَّة فإِن الجار والمجرور في موضع نصب على الحال، يعني حال كونه من خُفٍّ.
والخُفُّ: ما يكون من الجلد.
والجوارب: ما يكون من غير الجلد كالخرق وشبهها، فيجوز المسح على هذا وعلى هذا.

ودليل المسح على الجوارب القياس على الخُفِّ، إذ لا فرق بينهما في حاجة الرِّجْل إليهما، والعِلَّة فيهما واحدة، فيكون هذا من باب الشُّمول المعنوي، أو بالعموم اللفظي كما في حديث: «أن يمسحوا على العصائب والتَّساخين»[(425)].
والتَّساخينُ يعمُّ كلَّ ما يُسخِّنُ الرِّجْلَ.
وأمَّا «المُوق» فإنه خُفٌّ قصير يُمْسَحُ عليه، وقد ثبت أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم مسح على الموقين[(426)].

وجَوْرَبٍ صَفِيقٍ،...........
قوله: «وجَوْرَبٍ صفيق» ، اشترط المؤلِّفُ أن يكون صفيقاً؛ لأنَّه لا بُدَّ أن يكون ساتراً للمفروض على المذهب، وغير الصَّفيق لا يستر.

وَنَحْوِهِمَا، وعلى عِمَامَةٍ لرجلٍ ..........

قوله: «ونحوهما» ، أي: مثلهما من كلِّ ما يُلبَسُ على الرِّجْل سواء سُمِّي خُفَّاً، أم جورباً، أم مُوقاً، أم جُرموقاً، أم غير ذلك، فإِنَّه يجوز المسح عليه؛ لأن العِلَّة واحدة.
قوله: «وعلى عِمَامةٍ لرجُل» ، أي ويجوز المسح على عِمَامة الرَّجل، والعِمامةُ: ما يُعمَّمُ به الرَّأس، ويكوَّرُ عليه، وهي معروفةٌ.
والدَّليل على جواز المسح عليها حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «مسح بناصيته، وعلى العِمامة، وعلى خُفّيه»[(427)].
وقد يُعبَّر عنها بالخِمَار كما في «صحيح مسلم»: «مسح على الخُفَّين والخِمَار»[(428)]، قال: يعني العِمَامة[(429)].
ففسَّر الخِمَار بالعِمَامة، ولولا هذا التفسير لقلنا بجواز المسح على «الغُترة»، إِذا كانت مخمِّرة للرَّأس، كما يجوز في خُمُر النِّساء.
وقوله: «لرَجُل»، أي: لا للمرأة، وهو أحد شروط جواز المسح على العِمامة، فلا يجوز للمرأة المسحُ على العِمَامة، لأنَّ لبسها لها حرام لما فيه من التشبُّه بالرِّجَال، وقد لعن رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم المتشبهين من الرِّجال بالنِّساء، والمتشبهات من النِّساء بالرِّجال[(430)].
ويُشترطُ لها ما يُشترَطُ للخُفِّ من طهارة العين، وأن تكونَ مباحةً، فلا يجوز المسح على عمامةٍ نجسة فيها صورٌ، أو عمامةِ حريرٍ.
وقوله: «لرَجُل»، كلمة رَجُل في الغالب تُطلَقُ على البالغ، وهذا ليس بمراد هنا، بل يجوزُ للصبيِّ أن يلبس عِمامةً ويمسحَ عليها.
وكلمة «ذَكَر» تُطْلَقُ على ما يُقابل الأنثى.

مُحَنَّكَةٍ، أَوْ ذَاتِ ذُؤَابَةٍ ...........
قوله: «محنَّكة أو ذات ذؤابة» ، هذا هو الشَّرط الثَّاني لجواز المسح على العِمَامة، فالمحنَّكة هي التي يُدار منها تحت الحنك، وذات الذؤابة هي التي يكون أحد أطرافها متدلِّياً من الخلف، وذات: بمعنى صاحبة.
فاشترط المؤلِّفُ للعِمامة شرطين:
الأول: أن تكون لرَجُل.
الثاني: أن تكون محنَّكة، أو ذات ذؤابة.
مع اشتراط أن تكون مباحة، وطاهرة العين.
والدَّليل على اشتراط التَّحنيك، أو ذات الذؤابة: أنَّ هذا هو الذي جرت العادةُ بلبسه عند العرب.
ولأن المحنَّكة هي التي يَشقُّ نزعها، بخلاف المُكوَّرة بدون تحنيك.
وعارض شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الشرط[(431)]، وقال:
إِنَّه لا دليل على اشتراط أن تكون محنَّكة، أو ذات ذؤابة.

بل النصُّ جاء: «العِمامة»[(432)] ولم يذكر قيداً آخر، فمتى ثبتت العِمَامة جاز المسحُ عليها.
ولأنَّ الحكمة من المسح على العِمَامة لا تتعيَّنُ في مشقَّة النَّزع، بل قد تكون الحكمةُ أنَّه لو حرَّكها ربما تَنْفَلُّ أكوارُها.
ولأنَّه لو نَزَع العِمَامة، فإِن الغالب أنَّ الرَّأس قد أصابه العرقُ والسُّخونَة فإِذا نزعها، فقد يُصاب بضررٍ بسبب الهواء؛ ولهذا رُخِّصَ له المسح عليها.
ولا يجب أن يَمسحَ ما ظهر من الرَّأس، لكن قالوا: يُسَنَّ أن يمسحَ معها ما ظهر من الرَّأس؛ لأنَّه سيظهر قليلٌ من النَّاصية ومن الخلف غالباً؛ فيجب المسح عليها، ويستحب المسح على ما ظَهَرَ.

وعلى خُمُر نِسَاءٍ .............
قوله: «وعلى خُمُر نساءٍ» ، أي ويجوزُ المسحُ على خُمُرِ نساءٍ.
خُمُرِ: جمع خِمَار، وهو مأخوذٌ من الخُمْرة، وهو ما يُغطَّى به الشيءُ. فخِمَار المرأة: ما تُغطِّي به رأسها.
واختلف العلماء في جواز مسح المرأة على خمارها.
فقال بعضهم: إِنه لا يجزئ[(433)] لأن الله تعالى أمر بمسح الرَّأس في قوله: {{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}} [المائدة: 6] ، وإِذا مَسَحَتْ على الخمار فإِنها لم تمسح على الرَّأس؛ بل مسحت على حائل وهو الخمار فلا يجوز.
وقال آخرون بالجواز، وقاسوا الخِمَار على عِمَامة الرَّجُل، فالخِمَار للمرأة بمنزلة العِمَامة للرَّجُل، والمشقَّة موجودة في كليهما.
وعلى كُلِّ حالٍ إِذا كان هناك مشقَّة إِما لبرودة الجوِّ، أو لمشقَّة النَّزع واللَّفّ مرَّة أخرى، فالتَّسامح في مثل هذا لا بأس به، وإلا فالأوْلى ألاَّ تمسح ولم ترد نصوصٌ صحيحة في هذا الباب[(434)].
ولو كان الرَّأس ملبَّداً بحنَّاء، أو صمغ، أو عسل، أو نحو ذلك فيجوز المسح؛ لأنه ثبت أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في إحرامه ملبِّداً رأسَه[(435)] فما وُضع على الرَّأس مِنَ التَّلبيد فهو تابع له.
وهذا يدلُّ على أن طهارة الرَّأس فيها شيء من التَّسهيل.
وعلى هذا؛ فلو لبَّدت المرأة رأسها بالحِنَّاء جاز لها المسحُ عليه، ولا حاجة إلى أن تنقض رأسَها، وتَحُتُّ هذا الحنَّاء.
وكذا لو شدَّت على رأسها حُليًّا وهو ما يُسمّى بالهامة، جاز لها المسحُ عليه؛ لأننا إِذا جوَّزنا المسح على الخمار فهذا من باب أَوْلَى.
وقد يُقال:
إن له أصلاً وهو الخاتم، فالرَّسول (ص) كان يلبس الخاتم[(436)] ومع ذلك فإِنَّه قد لا يدخل الماءُ بين الخاتم والجلد، فمثل هذه الأشياء قد يُسامِحُ فيها الشَّرع، ولا سيما أن الرَّأس من أصله لا يجب تطهيرُه بالغسل، وإنما يطهرُ بالمسح، فلذلك خُفِّفَتْ طهارتُه بالمسح.

وقوله: «على خُمر نساء»، يفيد أنَّ ذلك شرطٌ، وهو أن يكون الخمارُ على نساء.

مُدَارَةٍ تَحت حُلُوقِهِنَّ ............
قوله: «مُدَارةٍ تحت حُلُوقِهن» ، هذا هو الشَّرط الثَّاني، فلا بُدَّ أن تكون مدارةً تحت الحلق، لا مطلقةً مرسلةً؛ لأن هذه لا يشقُّ نزعُها بخلافِ المُدارةِ.
وهل يُشترطُ لها توقيت كتوقيت الخُفِّ؟ فيه خلاف.
والمذهب أنَّه يُشترط، وقال بعض العلماء: لا يُشترط، لأنه لم يثبت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه وقَّتها، ولأنَّ طهارة العُضوِ التي هي عليه أخفُّ من طهارة الرِّجْلِ، فلا يمكن إِلحاقُها بالخُفِّ، فإِذا كانت عليكَ فامسح عليها، ولا توقيتَ فيها، وممن ذهب إلى هذا القول: الشَّوكاني في «نيل الأوطار»[(437)]، وجماعة من أهل العلم[(438)].


فِي حَدَثٍ أَصْغَرَ،............
قوله: «في حَدَثٍ أصغر» ، الحَدَث: وصفٌ قائمٌ بالبَدَن يمنع من الصَّلاة ونحوها مما تُشترط له الطَّهارة.
وهو قسمان:
الأول: أكبر وهو ما أوجب الغسل.
الثاني: أصغر وهو ما أوجب الوُضُوء.
فالعِمامةُ، والخُفُّ، والخِمارُ، إِنما تمسحُ في الحَدَث الأصغر دون الأكبر، والدَّليل على ذلك حديث صفوان بن عَسَّال قال: «أمَرنا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم إِذا كُنَّا سَفْراً ألاَّ ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم»[(439)].
فقوله: «إلا من جنابة»، يعني به الحدَثَ الأكبر.
وقوله: «ولكن من غائط وبول ونوم»، هذا الحدث الأصغر. فلو حصل على الإِنسان جنابة مدَّةَ المسح فإنه لا يمسح، بل يجب عليه الغُسلُ؛ لأنَّ الحدث الأكبر ليس فيه شيء ممسوح، لا أصلي ولا فرعي، إلا الجبيرة كما يأتي.
تـنـبـيـه:
تَبيَّنَ مما سبق أن لهذه الممسوحات الثلاثة: الخُفّ والعِمامة والخِمار شروطاً تتفق فيها؛ وشروطاً تختصُّ بكل واحد. فالشُّروط المتفقة هي:
1 ـ أن تكون في الحدث الأصغر.
2 ـ أن يكون الملبوس طاهراً.
3 ـ أن يكون مباحاً.
4 ـ أن يكون لبسها على طهارة.
5 ـ أن يكون المسح في المدَّة المحددة.
هذا ما ذكره المؤلِّفُ وقد عرفت الخلاف في بعضها.
وأما الشُّروط المختلفة فالخفُّ يُشتَرطُ أن يكون ساتراً للمفروض، ولا يُشتَرَطُ ذلك في العِمَامة والخِمَار، والعِمَامة يُشترَطُ أن تكونَ على رَجُلٍ، والخِمَار يُشترَط أن يكون على أنثى، والخُفُّ يجوزُ المسح عليه للذُّكور والإِناث.

وجَبِيرَةٍ،...........
قوله: «وجبيرة» ،
أي: ويجوز المسحُ على جبيرةٍ، والجبيرة: فعيلة بمعنى فاعلة، وهي أعوادٌ توضعُ على الكسرِ ثم يُرْبَطُ عليها ليلتئمَ. والآن بدلها الجبسُ.

وأما «جبير» بالنسبة للمكسور فهو بمعنى مفعول أي مجبورٌ.
ويُسمَّى الكسيرُ جبيراً من باب التفاؤل، كما يُسمَّى اللَّديغُ سليماً مع أنه لا يُدرى هل يسلم أم لا؟
وتُسمَّى الأرضُ التي لا ماء فيها ولا شجر مَفَازة من باب التَّفاؤل.

لَمْ تَتَجَاوزْ قَدْرَ الحَاجَةِ، ولو فِي أكْبَرَ ........

قوله: «لم تتجاوز قَدْرَ الحاجة» ، هذا أحدُ الشُّروطِ، وتتجاوز: أي تتعدَّى.
والحاجة: هي الكسر، وكلُّ ما قَرُبَ منه مما يُحتاجُ إليه في شدِّها.
فإِذا أمكن أن نجعل طول العيدان شبراً، فإِنَّنا لا نجعلُها شبراً وزيادة، لعدم الحاجة إلى هذا الزَّائد.
وكذا إذا احتجنا إلى أربطةٍ غليظة استعملناها، وإلا استعملنا أربطةً دقيقة.
وإِذا كان الكسر في الأصبع واحتجنا أن نربط كلَّ الرَّاحة لتستريحَ اليدُ جاز ذلك لوجود الحاجة.
فإِن تجاوزت قَدْرَ الحاجة، لم يُمسح عليها، لكن إِن أمكن نزعُها بلا ضرر نُزِعَ ما تجاوز قدَر الحاجةِ، فإِنْ لم يُمكنْ فقيل: يمسح على ما كان على قدر الحاجةِ ويتيمَّم عن الزَّائد[(440)]. والرَّاجح أنه يمسحُ على الجميعِ بلا تيمُّم؛ لأنَّه لما كان يتضرَّرُ بنزع الزَّائدِ صار الجميع بمنزلةِ الجَبيرة.
قوله: «ولو في أكبر» ، لو: لرفع التَّوهُّمِ، لأنه في العِمَامة والخِمارِ والخُفَّين قال: «في حدث أصغر»، ولو لم يقل هنا «ولو في أكبر» لتوهَّمَ متوهِّمٌ أن المسحَ عليها في الحدث الأصغر فقط مع أنَّه يجوز المسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر.
وذلك لوجوه:
1 ـ حديث صاحب الشّجَّة ـ بناءً على أنه حديث حسن، ويُحتَجُّ به ـ فإِن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِنمَّا كان يكفيه أن يتيمَّمَ؛ ويعصِبَ على جُرحه خِرقةً ثم يمسح عليها»[(441)].
وهذا في الحدث الأكبر، لأن الرَّجل أجنب.
2 ـ أن المسح على الجبيرة من باب الضَّرورة، والضَّرورة لا فرق فيها بين الحدث الأكبر والأصغر، بخلاف المسح على الخفين فهو رخصة.
3 ـ أنَّ هذا العضو الواجبَ غسلُه سُتِرَ بما يسوغُ ستره به شرعاً فجاز المسحُ عليه كالخُفَّين.
4 ـ أنَّ المسحَ وردَ التعبُّد به من حيثُ الجُملةُ، فإذا عجزنا عن الغسل انتقلنا إلى المسح كمرحلة أخرى.
5 ـ أنَّ تطهير محلِّ الجبيرة بالمسح بالماء، أقرب إلى الغسل من العدول إلى التيمُّم، والأحاديث في المسح على الجبيرة وإن كانت ضعيفة إلا أن بعضها يجبر بعضاً.

ثم إِننا يمكن أن نقيسها ولو من وَجْهٍ بعيد على المسح على الخُفَّين، فنقول:
إِنَّ هذا عضو مستور بما يجوز لُبْسُه شرعاً فيكون فرضُه المسحُ. وهذا القياسُ وإِن كان فيه شيءٌ من الضَّعف من جهة أن المسح على الخفَّين رخصةٌ ومؤقَّتٌ، والمسحُ على الجبيرةِ عزيمةٌ وغير مُؤقَّت، والمسحُ على الخُفَّين يكون في الحدث الأصغر، وهذا في الأصغر والأكبر، والمسحُ على الخُفَّين يكون على ظاهر القدم، وهذا يكون على جميعها، ولكن مع ما في هذا القياس من النَّظر إِلا أنه قويٌّ من حيث الأصلُ، وهو أنَّه مستورٌ بما يسوغُ ستره به شرعاً فجاز المسح عليه كالخُفَّين، وهذا ما عليه جمهور العلماء.

وقال بعضُ العلماء ـ كابن حزم ـ لا يمسحُ على الجبيرة[(442)]؛ لأنَّ أحاديثها ضعيفةٌ، ولا يَرَى أنه ينجبر بعضها ببعض، ولا يَرَى القياس.
واختلف القائلون بعدم جواز المسح.
فقال بعضهم: إِنه يسقطُ الغُسْل إِلى بدل، وهو التيمُّم[(443)] بأن يِغْسِلَ أعضاءَ الطَّهارةِ ويتيمَّمَ عن الموضع الذي فيه الجبيرة، لأنَّه عاجزٌ عن استعمال الماء، والعجز عن البعض كالعجز عن الكُلِّ فيتيمَّم.
وقال آخرون: إنه لا يتيمَّمُ، ولا يمسحُ[(444)]؛ لأنه عجز عن غسل هذا العضو فسقط كسائر الواجبات، وهذا أضعفُ الأقوال أنه يسقط الغسلُ إلى غير تيمُّمٍ، ولا مسح، لأنَّ العضو موجود ليس بمفقود حتى يسقط فرضه، فإذا عجز عن تطهيره بالماء تطهر ببدله.
ورُبَّما يعمُّه قوله تعالى: {{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}} [المائدة: 6] ، وهذا مريضٌ؛ لأن الكسر أو الجُرحَ نوعٌ من المرض فجاز فيه التيمُّمُ.
وإذا قُلنا: لا بُدَّ من التيمُّم أو المسح، فإِن المسح أقرب إلى الطَّهارة بالماء، لأنه طهارة بالماء، وذاك طهارة بالتُّراب.
وأيضاً: التيمُّم قد يكون في غير محلِّ الجبيرة؛ لأن التيمُّم في الوجه والكفَّين فقط، والجبيرة قد تكون ـ مثلاً ـ في الذِّراع أو السَّاق.
فأقرب هذه الأقوال: جواز المسح عليها.
وهل يُجمعُ بين المسحِ والتيمُّم؟
قال بعض العلماء: يجبُ الجمعُ بينهما احتياطاً[(445)].
والصَّحيح: أنَّه لا يجب الجمعُ بينهما؛ لأن القائلين بوجوب التيمُّم لا يقولون بوجوب المسح، والقائلين بوجوب المسح لا يقولون بوجوب التيمُّم؛ فالقول بوجوب الجمع بينهما خارج عن القولين.
ولأن إيجاب طهارتين لعضو واحد مخالفٌ للقواعد الشرعيَّة؛ لأنَّنا نقول: يجب تطهير هذا العضو إما بكذا أو بكذا.
أما إيجاب تطهيره بطهارتين فهذا لا نظير له في الشَّرع، ولا يُكلِّف الله عبداً بعبادتين سببُهما واحد.
قال العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ: إن الجُرحَ ونحوَه إِما أن يكون مكشوفاً، أو مستوراً.
فإِن كان مكشوفاً فالواجبُ غسلُه بالماء، فإِن تعذَّر فالمسحُ، فإِن تعذَّر المسحُ فالتيمُّمُ، وهذا على الترتيب.
وإن كان مستوراً بما يسوغُ ستره به؛ فليس فيه إلا المسحُ فقط، فإِن أضره المسحُ مع كونه مستوراً، فيعدل إلى التيمُّم، كما لو كان مكشوفاً، هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة.

إِلى حَلِّهَا، ............
قوله: «إِلى حَلِّها» ،
بفتح الحاء أي: إِزالتها، وكسر الحاء لحنٌ فاحشٌ يغيِّر المعنى؛ لأنه بالكسر يكون المعنى إلى أن تكون حلالاً، وهذا يفسدُ المعنى، فيمسحُ على الجبيرة إِلى حَلِّها إِمَّا ببرء ما تحتها، وإِمَّا لسبب آخر.

فإذا برئ الجرحُ وجب إِزالتها؛ لأن السببَ الذي جاز من أجله وضعُ الجبيرة والمسحُ عليها زال، وإِذا زال السبب انتفى المُسبَّب.

إِذَا لَبِسَ ذلك بَعْدَ كَمَال الطهارةِ.
قوله: «إِذا لَبِسَ ذلك» ، المشارُ إليه الأنواع الأربعة: الخُفُّ، والعِمامةُ، والخِمارُ، والجبيرةُ.
قوله: «بعد كمال الطَّهارة» ، لم يقلْ: بعد الطَّهارة حتى لا يتجوَّز متجوِّزٌ، فيقول: بعد الطَّهارة، أي: بعد أكثرها.
فلو أنَّ رَجُلاً عليه جنابةٌ وغسل رجليه، ولبس الخُفَّين، ثم أكمل الغسل لم يجزْ؛ لعدم اكتمال الطَّهارة.
صحيحٌ أن الرِّجلين طهُرتا، لأن الغسل من الجنابة لا ترتيب فيه، لكن لم تكتمل الطهارة.
ولو توضَّأ رَجُلٌ ثم غسل رِجْلَه اليُمنى، فأدخلها الخُفَّ، ثم غسل اليُسرى؛ فالمشهورُ من المذهب: عدمُ الجواز، لقوله: «إذا لَبِسَ ذلك بعد كمال الطَّهارة»، فهو لمَّا لبس الخُفَّ في الرِّجْلِ اليُمنى لبسها قبل اكتمال الطَّهارة لبقاء غسل اليُسرى، فلا بُدَّ من غسل اليُسرى قبل إِدخال اليُمنى الخُفَّ.
ودليل هذا القول: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فإِنِّي أدخلتُهما طاهرتين»[(446)].
فقوله: «طاهرتين» وصفٌ للقدمين، فهل المعنى أدخلتُ كلَّ واحدة وهما طاهرتان، فيكون أدخلهما بعد كمال الطهارة.
أو أن المعنى: أدخلتُ كُلَّ واحدة طاهرة، فتجوز الصُّورة التي ذكرنا؟ هذا محتمل.
واختار شيخ الإِسلام: أنه يجوز إِذا طَهَّر اليُمنى أن يلبسَ الخفَّ، ثم يطهِّر اليسرى، ثم يلبس الخُفَّ[(447)].
وقال: إنه أدخلهما طاهرتين، فلم يُدخل اليُمنى إلا بعد أن طهَّرها، واليُسرى كذلك، فيصدقُ عليه أنه أدخلهما طاهرتين.
وعلى المذهب: لو أن رجلاً فعل هذا، نقول له: اخلع اليمنى ثم البسها؛ لأنَّك إذا لبستها بعد خلعها لبستها بعد كمال الطَّهارة.
ورُبَّما يُقال: هذا نوعٌ من العبث؛ إذ لا معنى لخلعها ثم لبسها مرَّةً أخرى؛ لأن هذا لم يؤثِّر شيئاً، ما دام أنه لا يجب إعادة تطهير الرِّجْل فقد حصل المقصودُ.
ولكن روى أهلُ السُّنن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رَخَّصَ للمقيم إِذا توضَّأ فلبس خُفّيه أن يمسح يوماً وليلة[(448)].
فقوله: «إِذا توضَّأ» قد يُرَجِّح المشهورَ من المذهب؛ لأن مَنْ لم يغسل الرِّجل اليسرى لم يصدق عليه أنه توضَّأ.
وهذا ما دام هو الأحوط فسلوكه أَوْلى، ولكن لا نجسُر على رَجُلٍ غسلَ رِجْلَه اليمنى ثم أدخلها الخفَّ، ثم غسل اليسرى ثم أدخلها الخُفَّ أن نقولَ له: أعدْ صلاتك ووضوءك، لكن نأمر من لم يفعل ألا يفعل احتياطاً.
وأما اشتراط كمال الطَّهارة في الجبيرة، فضعيفٌ لما يأتي:
الأول: أنه لا دليل على ذلك، ولا يصحُّ قياسُها على الخُفَّين لوجود الفروق بينهما.
الثاني: أنها تأتي مفاجأةً، وليست كالخُفِّ متى شئت لبسته.
وعدم الاشتراط هو اختيار شيخ الإسلام[(449)]، ورواية قويَّة عن أحمد اختارها كثيرٌ من الأصحاب[(450)].
ويكون هذا من الفروق بين الجبيرة والخُفِّ.
ومن الفروق أيضاً بين الجبيرة وبقيَّة الممسوحات:
1 ـ أن الجبيرة لا تختصُّ بعضوٍ معيَّن، والخُفُّ يختصُّ بالرِّجْلِ، والعِمَامة والخِمَار يختصَّانِ بالرَّأسِ.
وبهذا نعرف خطأَ من أفتى أن المرأةَ يجوز لها وضع «المناكير» لمدَّة يوم وليلة؛ لأن المسح إِنما ورد فيما يُلبس على الرَّأس والرِّجْلِ فقط، ولهذا لما كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في تبوك عليه جُبَّةٌ شاميَّةٌ وأراد أن يُخرِجَ ذراعيْه من أكمامه ليتوضَّأ، فلم يستطعْ لضيق أكمامِه، فأخرج يده من تحت الجُبَّة، وأَلقَى الجُبَّةَ على منكبيه، حتى صبَّ عليه المغيرةُ رضي الله عنه[(451)]، ولو كان المسح جائزاً على غير القدم والرَّأس، لمسح النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في مثل هذا الحال على كُمَّيهِ.
2 ـ أن المسحَ على الجبيرة جائزٌ في الحَدَثين، وباقي الممسوحات لا يجوز إلا في الحدث الأصغر.
3 ـ أن المسح على الجبيرة غيرُ مؤقَّت، وباقي الممسوحات مؤقّتةٌ، وسبقَ الخلافُ في العِمَامة[(452)].
4 ـ أنَّ الجبيرةَ لا تُشترطُ لها الطَّهارةُ ـ على القول الرَّاجح ـ وبقيَّةُ الممسوحات لا تُلبسُ إلا على طهارة، على خلاف بين أهلِ العلمِ في اشتراطِ الطهارة بالنسبة للعِمَامة والخِمارِ[(453)].

وَمَنْ مسحَ في سَفَرٍ، ثُمَّ أقَامَ، أوْ عَكَسَ،...........

قوله: «ومن مسحَ في سَفَر، ثم أقام» ، من مَسَحَ في سَفَرٍ ثم أقام، فإِنَّه يُتمُّ مسحَ مقيم إِن بقيَ من المدَّة شيءٌ، وإِن انتهت المدَّةُ خَلَعَ.
مثاله: مسافرٌ أقبلَ على بلده وحان وقتُ الصَّلاة، فمسحَ ثم وصل إلى البلد، فإِنَّه يُتمُّ مسحَ مقيمٍ؛ لأن المسحَ ثلاثة أيَّام لمن كان مسافراً والآن انقطع السَّفرُ، فكما أنَّه لا يجوزُ له قَصْرُ الصَّلاة لمَّا وصلَ إلى بلده، فكذا لا يجوز له أن يتمَّ مَسْحَ مسافرٍ.
فإن كان مضى على مسحه يومٌ وليلة، ثم وصلَ بلدَه فإِنه يخلعُ، وإِن مضى يومان خَلَعَ، وإن مضى يومٌ بقي له ليلة.
قوله: «أو عَكَسَ» ، أي: مسح في إقامة ثم سافر، فإنه يتمَّ مسح مقيم تغليباً لجانب الحظر احتياطاً.
مثاله: مسح يوماً وهو مقيم، ثم سافر، فإنه يبقى عليه ليلة، وما بعد الليلة اجتمع فيه مبيحٌ وحاظرٌ، فالسَّفَر يبيحه والحَضَر يمنعه، فيُغَلَّبُ جانبُ الحظر احتياطاً؛ لأنك إذا خلعت وغسلت قدميك فلا شُبهة في عبادتك، وإن مسحت ففي عبادتك شُبهة، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «دَعْ ما يَريْبُك إلى ما لا يَرِيبُك»[(454)].
والرِّواية الثانية عن أحمد: أنه يُتِمُّ مسح مسافر؛ لأنَّه وُجِدَ السَّببُ الذي يستبيح به هذه المدَّة، قبل أن تنتهي مُدَّة الإِقامة، أما لو انتهت مُدَّةُ الإقامة كأن يتمَّ له يومٌ وليلة؛ ثم يسافر بعد ذلك قبل أن يمسح؛ ففي هذه الحال يجب عليه أن يخلعَ[(455)].
وهذه الرِّواية قيل: إِن أحمد رحمه الله رجع إليها (455) ، وهذه رواية قويَّة.
مسألة: إذا دخل عليه الوقت ثم سافر، هل يُصلِّي صلاة مسافر أو مقيم؟
المذهب: يُصلِّي صلاة مقيم.
والصَّحيح: أنه يُصلِّي صلاة مسافر.
فهذه المسألة قريبة من هذه؛ لأنَّه الآن صَلَّى وهو مسافر، وقد قال الله تعالى: {{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ}} [النساء: 101] .
كما أنه إذا دخل عليه الوقتُ وهو مسافر، ثم وصل بلده فإنه يُتمُّ.

أوْ شَكَّ في ابْتِدائِهِ، فَمَسْحَ مُقِيْمٍ، وإِنْ أَحْدَثَ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ مَسْحِهِ فَمَسْحَ مُسَافِرٍ، ولا يَمْسَحُ قَلاَنِسَ،.........
قوله: «أو شَكَّ في ابتدائه...» ، يعني هل مَسَحَ وهو مسافرٌ أو مسحَ وهو مقيمٌ؟ فإِنه يُتمُّ مسح مقيم احتياطاً، وهو المذهب.
وبناءً على الرِّواية الثَّانية ـ في المسألة السَّابقة ـ يتمُّ مسح مسافر؛ لأنَّ هذه الرِّواية الثَّانية يُباح عليها أن يُتمَّ مسح مسافر، ولو تيقن أنه ابتدأ المسح مقيماً.
والصَّحيح في هذه المسائل الثلاث:
أنَّه إِذا مسح مسافراً ثم أقام فإنه يتمُّ مسح مقيم، وإذا مسح مقيماً ثم سافر أو شَكَّ في ابتداء مسحه فإِنه يُتمُّ مسح مسافر، ما لم تنته مُدَّة الحضر قبل سفره، فإِن انتهت فلا يمكن أن يمسح.

قوله: «وإن أحْدَث ثم سافر قبل مَسْحه فَمَسْحَ مسافرٍ» ، أي: أحدث وهو مقيمٌ، ثم سافر قبل أن يمسحَ، فإِنَّه يمسحُ مسحَ مسافرٍ؛ لأنَّه لم يبتدئ المسحَ في الحضر، وإِنَّما كان ابتداء مسحه في السَّفر. وعلى هذا يتبيَّن لنا رُجحان القول الذي اخترناه من قبل: بأنَّ ابتداءَ مُدَّة المسحِ من المسح لا من الحَدَث، وَهُمْ هُنَا قد وافقوا على أنَّ الحُكم معلَّقٌ بالمسح لا بالحَدَث، ويُلزمُ الأصحاب ـ رحمهم الله ـ أن يقولوا بالقول الرَّاجح؛ أو يطردوا القاعدة، ويجعلوا الحكم منوطاً بالحَدَث، ويقولوا: إِذا أحدثَ ثم سافر، ومسحَ في السَّفر، فيلزمُه أن يمسحَ مسحَ مقيمٍ؛ وإِلا حصلَ التَّناقض.
قوله: «ولا يَمْسَحُ قَلانس» ، القلانس جمع قَلَنْسُوَة، نوع من اللباس الذي يُوضع على الرَّأس، وهي عبارة عن طاقيَّة كبيرة، فمثل هذا النوع لا يجوزُ المسحَ عليه؛ لأن الأصلَ وجوبُ مسح الرَّأس لقوله تعالى: {{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}} [المائدة: 6] .
وعَدَل عن الأصل في العِمَامة، لورود النَّصِّ بها.
وقال بعض الأصحاب: يمسحُ على القَلانس، إِذا كانت مثل العِمَامة يشقُّ نزعُها[(456)]، أمَّا ما لا يشقُّ نزعُه كالطاقيَّة المعروفة فلا يمسح عليها. ففرَّق بين ما يشقُّ نزعه وما لا يشقُّ.
وهذا القول قويٌّ، لأنَّ الشَّارع لا يفرِّق بين متماثلين كما أنه لا يجمع بين متفرقين[(457)]؛ لأن الشَّرع من حكيمٍ عليم، والعِبْرة في الأمور بمعانيها، لا بصورها.
وما دام أن الشَّرع قد أجاز المسحَ على العِمَامة، فكلُّ ما كان مثلها في مشقَّة النَّزع فإِنه يُعطى حكمَها.

ولاَ لِفَافَةَ، ............

قوله: «ولا لِفَافة» ، أي: في القَدَم، فلا يمسح الإِنسان لِفافة لفَّها على قدمه؛ لأنَّها ليست بخُفٍّ فلا يشملُها حكمُه.
وكان النَّاس في زمنٍ مضى في فاقةٍ وإعواز، لا يجدون خُفًّا، فيأخذ الإِنسانُ خِرقة ويلفُها على رجله ثم يربطُها.
وعلَّة عدم الجواز أنَّ الأصلَ وجوبُ غسل القدم، وخولِفَ هذا الأصل في الخُفِّ لورود النَّصِّ به، فيبقى ما عداه على الأصل.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله جوازَ المسح على اللِّفافةِ[(458)]، وهو الصَّحيحُ؛ لأن اللِّفَافة يُعذَرُ فيها صاحبُها أكثر من الخُفِّ؛ لأنَّ خلعَ الخُفِّ ثم غسل الرِّجْل، ثم لبْسَ الخُفِّ أسهل من الذي يَحُلُّ هذه اللِّفافة ثم يعيدها مرَّة أخرى، فإِذا كان الشَّرع أباح المسح على الخُفِّ، فاللِّفافة من باب أولى.
وأيضاً: فإِن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمر السَّريَّة التي بعثها بأن يمسحوا على العصائب والتَّساخين[(459)].
فنأخذ من كلمة «التَّساخين» جواز المسح على اللِّفافة؛ لأنَّه يحصُل بها التَّسخين.
والغرض الذي من أجله تُلبس الخِفَاف موجودٌ في لبس اللِّفافة.

ولا مَا يَسْقُطُ مِنَ القَدَمِ،.........

قوله: «ولا ما لا يسقط من القَدَم» ،
يعني: ولا يمسح ما يسقط من القَدَم، وهذا بناءً على أنه يُشترط لجواز المسح على الخُفِّ ثبوتُه بنفسه، أو بنعلين إلى خلعهما؛ لأن ما لا يثبت خُفٌّ غيرُ معتاد؛ فلا يشمله النصُّ، والنَّاس لا يلبسون خِفافاً تسقط عند المشي، ولا فائدة في مثل هذا، وهذا ظاهرٌ فيمن يمشي فإِنَّه لا يلبسه.

لكن لو فُرض أن مريضاً مُقْعَداً لَبِسَ مثل هذا الخُفِّ للتدفئة، فلا يجوز له المسح على كلام المؤلِّف.
ولأنَّ الذي يسقط من القَدَم سيكون واسعاً، وإخراج الرِّجْلِ من هذا الخُفِّ سهلٌ، فيخرجها ثم يغسلها، ثم ينشِّفها ثم يردُّها.

أو يُرَى منه بَعْضُهُ، فإِن لَبِسَ خُفًّا على خُفٍّ قَبْلَ الحدثِ فالحكمُ للفوقاني............
قوله: «أو يُرى منه بعضُه» ،
أي: إِذا كان الخُفُّ يُرى منه بعضُ القَدَم فإِنه لا يُمسح ولو كان قليلاً، وهذا مبنيٌّ على ما سبق من اشتراط أن يكون الخُفُّ ساتراً للمفروض.

وسواء كان يُرى من وراء حائل؛ مثل أن يكون خفيفاً؛ أو من البلاستيك، أم من غير حائل. فلو فُرِضَ أن في الخُفِّ خَرقاً قَدْرَ سَمِّ الخِيَاطِ، أو كان جزء منه عليه بلاستيك يُرى من ورائه القَدَم؛ فالمذهب أنَّه لا يجوز المسح عليه.
وسبق بيان أن الصَّحيح جواز ذلك[(460)].
قوله: «فإِن لَبِسَ خُفًّا على خُفٍّ قبل الحَدَث فالحُكم للفوقاني» ، وهذا يقع كثيراً كالشُّراب والكنادر، فهذا خُفٌّ على جَورب.
ولا يجوز المسح عليهما إِن كانا مَخْرُوقين على المذهب، ولو سَتَرَا؛ لأنَّه لو انفرد كلُّ واحد منهما لم يجز المسح عليه، فلا يمسح عليهما.
مثاله:
لو لَبِسَ خُفَّين أحدُهما مخروق من فوق، والآخر مخروق من أسفل، فالسَّتر الآن حاصل، لكن لو انفرد كلُّ واحد لم يجز المسحُ عليه فلا يجوز المسح عليهما.

ولو كانا سليمين جاز المسحُ عليهما، لأنَّه لو انفرد كلُّ واحد منهما جاز المسح عليه.
والصَّحيح: جواز المسح عليهما مطلقاً، بناءً على أنه لا يُشترط سترُ محلِّ الفرض ما دام اسم الخُفِّ باقياً.
وإِذا لَبِسَ خُفًّا على خُفٍّ على وجه يصحُّ معه المسحُ، فإِن كان قبل الحدث فالحكم للفوقاني، وإن كان بعد الحدث فالحكم للتحتاني، فلو لَبِسَ خفًّا ثم أحدث، ثم لبس خُفًّا آخر فالحكم للتحتاني، فلا يجوزُ أن يمسح على الأعلى.
فإِن لَبِسَ الأعلى بعد أن أحدث، ومسح الأسفل فالحكم للأسفل، كما لو لبس خُفًّا ثم أحدث، ثم مسح عليه، ثم لبس خفًّا آخر فوق الأوَّل وهو على طهارةِ مَسْحٍ عند لبسه للثاني، فالمذهب أنَّ الحكم للتَّحتاني؛ لأنَّه لبس الثاني بعد الحَدَث.
وقال بعض العلماء: إِذا لبس الثَّاني على طهارة؛ جاز له أن يمسح عليه[(461)]؛ لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «فإني أدخلتهما طاهرتين»[(462)]،
وهو شامل لطهارتهما بالغسل والمسح، وهذا قول قويٌّ كما ترى.
ويؤيِّدُه: أنَّ الأصحاب ـ رحمهم الله ـ نَصُّوا على أن المسح على الخُفَّين رافع للحدث، فيكون قد لَبِسَ الثَّاني على طهارة تامَّة، فلماذا لا يمسح؟[(463)].

أما لو لَبِسَ الثَّاني وهو محدثٌ فإِنه لا يمسحُ؛ لأنه لبسه على غير طهارة.
وقوله: «فالحكم للفوقاني» هذا لبيان الجواز فإِنه يجوز أن يمسحَ على التَّحتاني حتى ولو كان الحكم للفوقاني.
وإِذا كان في الحال التي يمسح فيها الأعلى؛ فَخَلَعه بعد مسحه؛ فإِنه لا يمسح التَّحتاني، هذا هو المذهب.
والقول الثَّاني: يجوز جعلاً للخُفَّين كالظِّهارة والبِطَانة[(464)]، وذلك فيما لو كان هناك خُفٌّ مكوَّنٌ من طبقتين العُليا تُسمَّى الظِّهارة والسُّفلى تُسمَّى البِطَانة، فلو فرضنا في مثل هذا الخُفِّ أنه تمزَّق من الظِّهارة بعد المسح عليه، وهو الوجه الأعلى فإِنه يمسح على البِطَانة، وهي الوجه الأسفل حتى على المذهب[(465)].
فالذين يقولون بجواز المسح على الخُفِّ الأسفل بعد خلع الخُفِّ الأعلى بعد الحدث قالوا: إِنما هو بمنزلة الظِّهارة والبطانة، فهو بمنزلة الخُفِّ الواحد.
وهذا القول أيسر للنَّاس؛ لأن كثيراً من الناس يلبس الخُفَّين على الجورب ويمسح عليهما، فإِذا أراد النوم خلعهما، فعلى المذهب لا يمسح على الجورب بعد خلع الخُفَّين؛ لأنَّ زمن المسح ينتهي بخلع الممسوح. وعلى القول الثَّاني: يجوز له أن يمسحَ على الجورب، فإذا مسح ولبس خُفَّيه جاز له أن يمسح عليه مرَّة ثانية؛ لأنه لبسهما على طهارة، ولا شَكَّ أنَّ هذا أيسر للنَّاس؛ والفتوى به حسنة، ولا سيَّما إِذا كان قد صدر من المستفتي ما قبل ذلك فيُفتى بما هو أحوط.

ويَمْسَح أكثَرَ العِمَامة، وظاهِرِ قَدَم الخُفِّ ..........
قوله: «ويمسحُ أكثرَ العِمَامة» ،
هذا بيان لوضع المسح وكيفيته في الممسوحات، ففي العِمَامة لا بُدَّ أن يكون المسح شاملاً لأكثر العِمَامة، فلو مسح جُزءاً منها لم يصحَّ، وإن مسح الكُلَّ فلا حرج، ويستحبُّ إِذا كانت النَّاصيةُ بادية أن يمسحها مع العِمَامة.

قوله: «وظاهر قَدَم الخُفِّ» ، هذا بيان لمسح الخُفَّين.
وقوله: «ظاهر» بالجرِّ يعني: ويمسحُ أكثر ظاهر القدم؛ لأن المسح مختصٌّ بالظَّاهر لحديث المغيرة بن شعبة[(466)]: «مسح خفيه» فإِنَّ ظاهره أن المسحَ لأعلى الخُفِّ.
ولحديث عليٍّ رضي الله عنه قال: «لو كان الدِّين بالرَّأي، لكان أسفلُ الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح أعلى الخُفِّ»[(467)]. وهذا الحديث وإِنْ كان فيه نَظَرٌ؛ لكن حسَّنه بعضهم.
وفي قوله: «لو كان الدِّين بالرَّأي» إِشكال، فإِن الرَّأي هو العقل.
وهل الدِّين مخالفٌ للعقل؟ الجواب: لا، ولكن مرادُ عليٍّ رضي الله عنه ـ إِن صحَّ نسبته إليه ـ هو باديَ الرَّأي كما قال تعالى: {{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}} [هود: 27] ، أي: في ظاهر الأمر.
لأنه عند التَّأمُّل نجد أن مسح أعلى الخُفِّ هو الأَولى، وهو الذي يدلُّ عليه العقل، لأنَّ هذا المسح لا يُراد به التَّنظيف والتنقيةُ، وإنما يُرادُ به التعبُّد، ولو أنَّنا مسحنا أسفلَ الخُفِّ لكان في ذلك تلويثٌ له.

مِنْ أَصابِعِه إلى ساقِه دون أسْفَلِهِ، وعَقِبِه، وعَلَى جَمِيعِ الجَبِيْرَة............
قوله: «من أصابعه إِلى ساقه» ، بيَّن المؤلِّفُ كيفيَّة المسح: بأن يبتدئ من أصابعه أي أصابع رجله إلى ساقه، وقد وردت آثارٌ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أنه يمسح بأصابعه مفرَّقة حتى يُرى فوق ظهر الخُفِّ خُطوطٌ كالأصابع[(468)].
قوله: «دون أسفله وعقبه» ، لأنهما ليسا من أعلى القدم، والمسح إِنما ورد في الأعلى كما سبق في حديث المغيرة، فإِنَّ له روايات[(469)] تدلُّ على ما دلَّ عليه حديثُ علي رضي الله عنه.
وإذا كان الخُفُّ أكبر من القدم، فهل يمسحُ من طرف الخُفِّ أو طرف الأصابع؟
إِن نظرنا إلى الظَّاهر؛ فإِنَّه إِن مسح على خُفَّيه مسح من طرف الخُفِّ إلى ساقه؛ بقطع النَّظر عن كون الرِّجْل فيه صغيرة أو كبيرة، وإِن نظرنا إلى المعنى قلنا: الخُفُّ هنا زائدٌ عن الحاجة والزَّائدُ لا حُكم له، ويكونُ الحكم مما يُحاذي الأصابع، والعمل بالظَّاهر هو الأحوط.

تـنـبـيـه:
لم يبيِّن المؤلِّفُ رحمه الله هل يمسح على الخُفَّين معاً أو يبدأ باليُمنى؛
فقيل: يمسح عليهما معاً لظاهر حديث المغيرة.
وقيل: يبدأ باليُمنى؛ لأن المسح بدلٌ عن الغسل، والبَدلُ له حكم المبدلُ.
وهذا فيما إِذا كان يمكنه أن يمسحَ بيديه جميعاً، أما إذا كان لا يمكنه، مثلَ أن تكون إحدى يديه مقطوعة أو مشلولة فإِنه يبدأ باليمنى.

قوله: «وعلى جميع الجبيرة» ، أي: يمسح على جميع الجبيرة؛ لأن ظاهرَ حديث صاحب الشُّجَّة وهو قوله: «ويمسح عليها»[(470)] شامل لكلِّ الجبيرة من كلِّ جانب.
ولو غسل الممسوح بدل المسح: فقال بعض أهل العلم: لا يجزئ[(471)] لأنَّه خلاف ما جاء به الشَّرع، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ»[(472)]، ثم إِننا بالغسل نقلب الرُّخصة إِلى مشقَّة.
وقال بعض العلماء: يجزئ الغسل[(473)]؛ لأنَّه أكمل في الإِنقاء، وإِنما عدل إلى المسح تخفيفاً.

وتوسَّط بعضُهم فقال: يجزئ الغسلُ إِن أَمَرَّ يده عليها[(474)]؛ لأنَّ إِمرار اليد جعل الغسل مسحاً، وهذا أحوطُ؛ لكن الاقتصار على المسح أفضل وأَوْلى.

ومَتَى ظَهَرَ بعضُ مَحلِّ الفَرْضِ بَعْدَ الحدثِ،...........
قوله: «ومتى ظهر بعضُ محلِّ الفرض بعد الحدث» ، فَرْضُ الرِّجْلِ أن تُغسَلَ إِلى الكعبين، فإِذا ظهر من القدم بعضُ محلِّ الفرض كالكعب مثلاً، وكذا لو أن الجورب تمزَّق وظهر طرفُ الإبهام، أو بعض العَقِب، أو أن العِمَامة ارتفعت عمّا جرت به العادة فإِنه يلزمه أن يستأنفَ الطَّهارة، ويغسل رِجليْه، ويمسحَ على رأسه.
وهذا بالنسبة للعِمَامة مبنيٌّ على اشتراط الطَّهارة للبسها.
وعلى القول بعدم اشتراط الطَّهارة بالنسبة للعمامة (474) فإِنه يعيد لفَّها ولا يستأنف الطَّهارة.

وبالنسبة للخُفَّين ونحوهما مبنيٌّ على أنَّ ما ظَهَرَ؛ فرضُه الغسلُ، وإِذا كان فرضه الغسلُ فإن الغسلَ لا يُجامِعُ المسحَ، فلا بُدَّ من استئنافِ الطَّهارة؛ وغسل القدمين، ثم يلبسُ بعد ذلك.
وقول المؤلِّف رحمه الله: «بعد الحدث»، يُفهم منه أنه لو ظهر بعضُ محلِّ الفرض، أو كلُّه قبل الحدث الأوَّل فإِنه لا يضرُّ.
كما لو لبس خُفَّيه لصلاة الصُّبح، وبقي على طهارته إِلى قُرب الظُّهر، وفي الضُّحى خلع خُفَّيه، ثم لبسهما وهو على طهارته الأولى فإِنه لا يستأنف الطَّهارة.
مسألة: إذا خلع الخُفين ونحوهما هل يلزمُه استئناف الطَّهارة؟
اختُلِفَ في هذه المسألة على أربعة أقوال[(475)]:

القول الأول:
ما ذهب إليه المؤلِّفُ رحمه الله أنه يلزمه استئناف الطَّهارة، حتى ولو كان ظهورها بعد الوُضُوء بقليل وقبل جفاف الأعضاء، فإِنه يجبُ عليه الوُضُوء، والعِلَّة: أنَّه لمَّا زال الممسوحُ بطلت الطَّهارة في موضعه، والطَّهارةُ لا تتبعّضُ، فإِذا بطلت في عضوٍ من الأعضاء بطلت في الجميع، وهذا هو المذهب.

القول الثاني:
أنه إِذا خلع قبل أن تَجِفَّ الأعضاء أجزأه أن يغسل قدميه فقط، لأنَّه لمَّا بطلت الطَّهارةُ في الرِّجْلَين؛ والأعضاء لم تنشَفْ، فِإنَّ الموالاة لم تَفُتْ، وحينئذٍ يبني على الوُضُوء الأوَّل فيغسل قدميه.

القول الثالث:
أن يلزمه أن يغسلَ قدميه فقط، ولو جفَّت الأعضاءُ قبل ذلك، وهذا مبنيٌّ على عدم اشتراط الموالاة في الوُضُوء.

القولُ الرَّابعُ:
ـ وهو اختيار شيخ الإسلام[(476)] ـ أن الطَّهارة لا تبطل سواء فاتت الموالاة أم لم تَفُتْ، حتى يوجد ناقضٌ من نواقض الوُضُوء المعروفة، لكن لا يعيده في هذه الحال ليستأنف المسح عليه؛ لأنَّه لو قيل بذلك لم يكن لتوقيت المسح فائدة؛ إِذ كلُّ مَنْ أراد استمرار المسح خلع الخُفَّ، ثم لَبسه، ثم استأنف المدَّة.

وحجته: أن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعيٍّ، وما ثبت بمقتضى دليل شرعيٍّ، فإِنه لا ينتقض إلا بدليل شرعيٍّ، وإِلا فالأصل بقاء الطَّهارة، وهذا القول هو الصَّحيحُ، ويؤيِّده من القياس: أنَّه لو كان على رَجُلٍ شَعْرٌ كثيرٌ، ثم مسح على شعره؛ بحيث لا يصل إلى باطن رأسه شيء من البلل، ثم حلق شعره بعد الوُضُوء فطهارتُه لا تنتقض.
فإن قيل: إن المسح على الرَّأس أصلٌ، والمسحُ على الخُفِّ فرعٌ، فكيف يُساوى بين الأصل والفرع.
فالجواب: أن المسحَ ما دام تعلَّق بشيء قد زال، وقد اتفقنا على ذلك، فكونه أصليًّا، أو فرعيًّا غير مؤثِّر في الحكم.

أوْ تَمَّتْ مُدَّتُهُ اسْتَأْنَفَ الطَّهارة.
قوله: «أو تمَّت مدَّتُه استأنف الطَّهارة» ،
يعني إِذا تَمَّت المدَّة، ولو كان على طهارة، فإنه يجب عليه إِذا أراد أن يُصلِّيَ ـ مثلاً ـ أن يستأنفَ الطَّهارة.

مثاله:
إِذا مَسَحَ يوم الثلاثاء الساعة الثانية عشرة، فإِذا صارت الساعة الثانية عشرة من يوم الأربعاء انتهت المدَّة فبطل الوُضُوء، فعليه أن يستأنفَ الطَّهارة، فيتوضَّأ وُضُوءاً كاملاً. هكذا قرَّر المؤلِّفُ رحمه الله.

ولا دليل على ذلك من كتاب الله تعالى، ولا من سُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولا من إجماع أهل العلم.
والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وقّتَ مدَّة المسح، ليُعرَفَ بذلك انتهاء مدَّة المسح، لا انتهاء الطَّهارة. فالصَّحيحُ أنَّه إِذا تَمَّت المدَّةُ، والإِنسان على طهارة، فلا تبطل، لأنها ثبتت بمقتضى دليل شرعيٍّ، وما ثبت بمقتضى دليل شرعيٍّ، فلا ينتقض إِلا بدليل شرعيٍّ آخر، ولا دليل على ذلك في هذه المسألة، والأصلُ بقاء الطَّهارة، وهذا اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى[(477)].
فإن قيل: ألا توجبون عليه الوُضُوء احتياطاً؟
قلنا: الاحتياط بابٌ واسعٌ، ولكن ما هو الاحتياط؟ هل هو بلزوم الأيسر؟ أو بلزوم الأشدِّ؟ أو بلزوم ما اقتضته الشَّريعة؟ الأخير هو الاحتياط.
فإِذا شككنا هل اقتضته الشَّريعةُ أم لا؟ اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ: فقال بعضهم: نسلك الأيسرَ[(478)]؛ لأن الأصلَ براءة الذِّمَّة؛ ولأنَّ الدينَ مبنيٌّ على اليُسر والسُّهولة.
وقال آخرون: نسلك الأشدَّ (478) ؛ لأنه أحوط، وأبعد عن الشُّبهة.
ولكن في مسألة نقض الوُضُوء عندنا أصل أصَّله النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو قوله في الرَّجُل يُخيَّل إِليه أنَّه يجدُ الشَّيء في بطنه في الصَّلاة، فقال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً»[(479)].
فلم يوجب النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الوُضُوء إلا على من تيقَّن سبب وجوبه، ولا فرق بين كون سبب الوجوب مشكوكاً فيه من حيث الواقعُ كما في الحديث، أو من حيث الحكمُ الشَّرعي، فإِن كُلاًّ فيه شَكٌّ، هذا شكٌّ في الواقع هل حصل النَّاقض أم لم يحصُل، وهذا شكٌّ في الحكم؛ هل يوجبه الشَّرع أم لا؟.
فالحديث: دَلَّ على أن الوُضُوء لا ينتقض إلا باليقين، وهنا لا يقين.
وعلى هذا؛ فالرَّاجح ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا تنتقض الطَّهارة بانتهاء المدَّة، لعدم الدَّليل.
وأيُّ إِنسان أتى بدليل فيجب علينا أن نتَّبع الدَّليل، وإذا لم يكن هناك دليلٌ فلا يسوغ أن نُلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، لأنَّ أهل العلم مسؤولون أمام الله، ومؤتمنون على الشَّريعة؛ ولهذا جاء في الحديث: «أنهم ورثة الأنبياء»[(480)].
وكذلك ـ على المذهب ـ لو برئ ما تحت الجبيرة، لزمه أن يستأنف الطَّهارة إِذا كانت في أعضاء الوُضُوء.
وإِذا كانت في أعضاء الغسل، كما لو اغتسل من جنابة ومسح عليها لزمه أن يغسل ما تحتها، ولا يلزمه الغسل كاملاً، لأن الموالاة على المذهب لا تُشترط في الغسل.
وكذلك لو انحلَّت الجبيرةُ استأنفَ الطَّهارةَ في الوُضُوءِ إِذا كانت في أحد أعضاء الوُضُوء.
والصَّحيح كما سبق: أنه لا تبطل الطَّهارة لبرء ما تحتها، أو انتقاضها، ويعيد شدَّها في الحال، أو متى شاء؛ لأن الجبيرة ـ على القول الرَّاجح ـ لا يُشترط لوضعها الطَّهارةُ كما سبق[(481)].


  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1431هـ/12-05-2010م, 05:15 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد

المسح هو إمرار اليد على المحل .
والمراد به هنا مسحهما : أي الخفان بإمرار اليد بالماء ، فعلى ذلك يكون المعنى : إمرار اليد بالماء مبتلة على الخفين من غير إسالة للماء ، فلا يكون فيه إسالة وإنما مجرد بلُّ العضو بالماء .
الخفان : هنا : ما يلبس علي الرجل من الجلد الرقيق وهو ما يسمى عندنا بـ" الكنادر " بخلاف الجوارب وهي ما تكون من صوف ونحوه فسيأتي الكلام عليها .
إذن : هذا الملبوس الذي يغطي القدمين ويباشر الأرض لأنه يمشى عليه ويصنع من الجلد ونحوه يسمى الخف .
والمسح على الخفين دل عليه الكتاب والسنة والإجماع :
أما الكتاب : فهي آية المائدة : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة …… }([1]) في قراءة سبعية ، فقد قرأ بعض السبعة { وأرجلِكم } بالكسر ، فتكون الرجل ممسوحة ، وذلك لأنه سبحان وتعالى قال { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم }([2]) هذا على توجيه من توجيهات اللغة في هذه الآية ، وهو ما اختاره بعض أهل العلم . وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله بإثبات المسح على الخفين .
وأما السنة : فقد تواترت في الدلالة علي جواز المسح على الخفين ، حتى ذكره الإمام أحمد عن سبعة وثلاثين صحابياً ( 37 ) فقال رحمه الله : " سبعة وثلاثون نفساً يروون المسح على الخفين " وذكره ابن مندة عن أكثر من ثمانين (صحابيــاً) ، منهم العشرة المبشرون بالجنة .
ولعل ذكر الإمام أحمد لذلك العدد إنما هو في الأحاديث الصحيحة ، وما ذكره ابن مندة في الأحاديث الصحيحة وغيرها .وقد ذكر صاحب " نصب الراية " عن ثمانية وأربعين حديث([3]) ( 48 ) في المسح على الخفين .
وقد جزم كثير من أهل العلم بأن الأحاديث في هذا الباب متواترة ، وممن جزم بذلك شيخ الإسلام والحافظ ابن حجر وغيرهما من أهل العلم .
وقد أنكر المسح على الخفين طوائف من المبتدعة كالرافضة والخوارج ، ومن هنا أدخل أهل العلم هذا الباب في باب العقائد فيشيرون إلي هذه المسألة لخلاف المبتدعة في هذا الباب .
ومن أنكر المسح علي الخفين فهو مبتدع ؛ لأن الأحاديث فيه متواترة ، ومن أنكر شيئاً مما ثبت بالتواتر فهو مبتدع كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فمن أنكر شيئاً مما ثبت بالتواتر كأحاديث الحوض ونحوها فهو مبتدع .
أما الإجماع : فقد أجمع العلماء علي جواز المسح علي الخفين وممن ذكره : ابن المبارك وابن المنذر .
فإذن : المسح علي الخفين ثابت بالكتاب والسنة والإجماع .
لذا قال المؤلف : ( يجوز …. ) .
فالمسح على الخفين جائز ولا ينكر جوازه عالم بالسنة إذ السنة قد تواترت بجوازه .
لكن إذا ثبت لنا جوازه فهل الأفضل غسل القدمين أم الأفضل المسح على الخفين ؟
قولان لأهل العلم :
1- فذهب جمهور الفقهاء إلى : أن غسل القدمين أفضل من المسح وهو رواية عن الإمام أحمد .
قالوا : لأن هذا هو الأصل ، فالأصل هو الغسل .
2- وذهب الحنابلة في المشهور عندهم إلى : أن الأفضل هو المسح .
واستدلوا :
بما رواه الخمسة إلا أبا داود من حديث صفوان بن عسَّال قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفْراً ألا ننـزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم ) ([4])والحديث إسناده صحيح لكن في رواية للنسائي : ( رخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم ) .
فعلي ذلك يكون الأمر الوارد في حديث صفوان إنما هو أمر لبيان الإباحة والرخصة كما في قوله تعالى { وإذا حللتم فاصطادوا }([5]) .
واستدلوا : بما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم ( مسح على خفه وقال : بهذا أمرني ربي ) ([6])لكن الحديث إسناده ضعيف .
وأصح ما استدلوا به " ثبوتاً واستدلالاً " ما رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ) ([7]).
- واختار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم : أن الأفضل هو الموافق لحال الماسح أو الغاسل فإذا كان لابساً لخفيه والأفضل له أن يمسح عليها .
وإذا كان خالعاً لهما كاشفاً قدميه فالأفضل له الغسل ولا يشرع له تكلف لبس الخفين بل يفعل ما يوافق حاله .
وهذا هو الظاهر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه إذا كان لابساً خفيه فإنه يمسح عليه ، وإن كان خالعاً لهما فإنه يغسل قدميه ، وقد ثبت في الصحيحين إن النبي صلى الله عليه وسلم ( ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ) ([8]) .
فعلي ذلك : يفعل الموافق لحاله ، فلا يتكلف حالاً بل يفعل ما يوافقه ، وبذلك يكون قد فعل ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يثبت عنه أنه كان يتكلف شيئاً من الحالين بل كان يفعل الموافق لحاله .

قوله : ( يجوز للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها )
يجوز للمقيم أن يمسح يوماً وليله أي أربعاً وعشرون ساعة ، وأما للمسافر فثلاثة أيام بلياليها أي اثنتان وسبعون ساعة ، ولا يحسب ذلك بالصلوات ، بل يحسب باليوم والليلة وهما أربع وعشرون ساعة .
ودليل ذلك : ما ثبت في صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب قال : ( جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوماً وليلة ) ([9]) .
- وهذا مذهب جمهور أهل العلم : وأن مدة المسح للمسافر ثلاثة أيام بلياليها ، وللمقيم يوم وليلة .
- وذهب المالكية في المشهور عندهم : أنها لا وقت لها بل تفعل مطلقاً من غير مدة محددة
واستدلوا بأحاديث :
الحديث الأول :ما رواه أبو داود من حديث أبي بن عمارة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الخفين فقال : ( أمسح على الخفين ؟ قال : نعم ، قال : يوماً ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يوماً ) فقال : ويومين ؟فقال : ( ويومين ) فقال : وثلاثة ؟ قال : نعم وما شئت ) ([10])
لكن الحديث إسناده ضعيف فلا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الحديث الثاني :ما رواه خزيمة بن ثابت – كما في أبي داود وغيره – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة ، قال ( ولو استزدناه لزادنا ) ([11]) .
والحديث فيه انقطاع ، وقد ضعفه البخاري ثم إن قول الصحابي لو صح فليس فيه دليل على أن المدة مطلقة ، كيف وقد قيدها النبي صلى الله عليه وسلم بما تقدم بل فيه أن الصحابي قد ظن وتوقع أنهم لو طلبوا منه الزيادة لزاد ولم يطلبوا منه فلا يحكم بالظن ولا يحكم بأمر لا يعلم .
فهذا الحديث لو صح فلا يدل علي أن المدة مطلقة .
الحديث الثالث : ما رواه البيهقي وصححه شيخ الإسلام ورواه الحاكم وصححه : أن عقبة بن عامر خرج من الشام إلي المدينة من الجمعة إلي الجمعة فقال له عمر : ( متي أولجت الخفين في رجليك ) فقال ( يوم الجمعة ) فقال : ( فهل نزعتها ) فقال : لا ، فقال ( أصبت السنة )[12] والحديث صحيح .
لا شك أن هذا الحديث يشكل على مذهب الجمهور ، ولكن ليس فيه ما يدل علي تمام قولهم بل فيه دليل على ما اختاره شيخ الإسلام من أن المسافر إذا كان يشق عليه خلع الخفين ولبسهما ، كأن يكون بريداً في مصلحة المسلمين وشق عليه لئلا يؤخر الخير على المسلمين ويشق عليه أن ينزل فيخلع الخفين ، فإنه يجوز له أن يمسح ما شاء – هذا هو الذي يدل عليه الحديث المتقدم ، وهو حديث لأنه قال ( أصبت السنة ) ففيه رفع إلي النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا القول هو الراجح – أي أنه لا يجوز أن يزيد علي الوقت المحدود إلا إذا كان في حال السفر وكان يشق عليه أن يخلع ويلبس فإنه يجوز له ذلك .
ويصح أن تكون هذه المسألة من باب القياس علي الجبيرة فإنها لا تؤقت وهي ما توضع علي الكسر ، فإنه يمسح عليها مطلقاً من غير تحديد بوقت .
إذن الراجح : ما اختاره شيخ الإسلام من استثناء من يشق عليه أن يخلع ويلبس كأن يكون بريداً في مصلحة المسلمين .

قوله : ( من حدث بعد لبس ) :
صورة ذلك :
رجل لبس خفه ثم أحدث ، كأن يكون توضأ الفجر ولبس خفيه ثم نام بعد الفجر في حوالي الساعة العاشرة ، فإنه حينئذ : يكون قد انتقض وضوؤه بمجرد نومه ، ففي أول النوم يكون قد انتقض وضوؤه ، وهو نام في الساعة العاشرة فيستمر وقت المسح إلي الساعة العاشرة من الغد فيتم له أربعاً وعشرين ساعة .
إذن : الحساب يكون – من الحدث بعد اللبس – وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم .


وحجتهم : قالوا : إنه إذا أحدث فإنه – حينئذ – يكون قد جاز له أن يمسح علي الخفين وينقلهما بها الطهارة وسواء فعل الطهارة أم لم يفعلها ، فالمقصود أنه جاز له أن يمسح .
لكن هذا فيه نظر فإننا في المثال السابق : إن قلنا إنه نام في الساعة العاشرة واستيقظ في الثانية عشر فهل يمكنه أن يتوضأ في الساعة الحادية عشرة أو الحادية عشرة ونصف وهو غير مكلف وهو نائم ، فهذا القول فيه نظر ظاهر .
- لذا ذهب الإمام أحمد في رواية عنه وهو اختيار ابن المنذر ، ومن الشافعية النووي وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي : وأنه يكون التوقيت من المسح ، ودليل ذلك ظواهر الأدلة الشرعية ، فإن الأدلة الشرعية إنما صرحت بالمسح .
وهو قبل أن يمسح لم يشرع به بعد فكيف يكون محسوباً من وقته ، فعلى ذلك يكون الحساب من المسح إلى أن تتم المدة .
ففي المثال السابق إذا نام في الساعة العاشرة ثم استيقظ في الساعة الثانية عشر فتوضأ ومسح علي خفيه فإنه يبدأ التوقيت من الساعة الثانية عشر ويستمر إلي الثانية عشرة من الغد .
فعلي ذلك يكون من المسح لا من الحدث ، هذا هو الراجح .

قوله : ( على طاهر مباح ساتر للمفروض يثبت بنفسه ) .
قوله " طاهر " قيده الشرَّاح بأن يكون طاهر العين ، وقد تقدم أن جلد الميتة نجس ، فلو كان الخف من جلد ميتة فإن ذلك لا يجوز أن يمسح عليه ما لم يبت فيه الدباغ .
وأظهر منه في التمثيل أن يضرب ذلك بجلد الكلب فهو نجس ولو دبغ ، فإذا كان الخف من جلد كلب قالوا فلا يصح المسح عليه ؛ لأن ذلك منهي عنه ، والمسح رخصة فكيف يستباح بها المحرم ؟، فإن هذا محرم ، وهذه رخصة فكيف تجيز الرخصة فعل أمر محرم؟ .
وظاهر قولهم ( طاهر العين ) : أنه لو كان نجس الحكم وليس بنجس العين أنه لا شيء فيه فيجوز المسح عليه .
إذن : نجس العين فهذا لا يجوز المسح عليه كجلد الكلب ونحوه .
أما ما كان نجس الحكم وهو طاهر العين ، كأن يكون من جلد حيوان طاهر في الحياة فهو طاهر لكن في أسفله نجاسة فهل يجوز المسح عليه ؟
الجواب : يجوز ذلك وإن كانت الصلاة لا تجوز فيه في أصح الوجهين في مذهب الحنابلة ، لأن إزالة النجاسة من شروط الصلاة ، وأما الوضوء فإنه يصح وإن كان على بعض أعضاء الجسم نجاسة .
فإذن عندنا حالتان :
الحالة الأولي : ما كان نجس العين ، فلا يمكن أن يطهر مطلقاً كجلد الكلب ونحوه – فهذا لا يصح أن يمسح عليه .
وعللوا ذلك : بأن الشارع قد نهى عنه فكيف يستباح من أجل رخصة ؟.
الحالة الثانية : ما كان نجساً حكماً فهو في الأصل طاهر لكن وقعت عليه النجاسة ، فيصح أن يمسح على الخف . لأن إزالة النجاسة شرط في الصلاة وليس شرطاً في الوضوء وقد تقدم البحث في هذا في مسألة هل يجوز الوضوء قبل الاستنجاء .
إذن : إن كان نجس العين فلا يصح ، وأما إذا كان نجس الحكم فإنه يصح المسح عليه .
وهناك تعليل آخر – في مسألة ما كان نجس العين – وهي أنه عندما يمس الماء فإن الماء ينجس بذلك فتكون الطهارة بماء نجس .
فإن كان جلداً رقيقاً عليه مادة أخرى بحيث إن الماء لا يتغير بالنجاسة ففي عدم إجزاء المسح عليه نظر ، نعم هو محرم لكن في عدم الإجزاء نظر .
إذن : إذا مسح علي خف من جلد نجس العين فقد حرمه الحنابلة وقالوا : هو لا يجزئ .
ونحن نوافقهم علي التحريم .
وأما الإجزاء فإننا نقول :
إن كان الماء ينجس بالملاقاة فما قالوه قوي ؛ لأن التطهر حينئذ يكون بماء نجس .
وأما إذا كان لا يتغير كأن يكون مطلياً بمادة أخرى فإن في عدم الإجزاء نظر ، بل الأظهر أن ذلك يجزئ مع التحريم .
ومثل ذلك : فيما إذا كان محرماً ، فإنه قيده بقوله ( مباح ) أي على أن يكون الخف مباحاً أي حلالاً ، فإذا كان الخف مما يحرم أن يستخدمه كأن يكون مغصوباً فلا يجوز المسح عليه . لكن هل يجزئ المسح عليه ؟
قالوا : لا يجزئ لأن هذا الخف منهي عن لبسه فلا تستباح بمثله رخصة .
والأظهر ما تقدم : وأنه يجزئ ، وهو قول في المذهب مع أنه يكون آثماً للبسه هذا الخف المحرم .
فإذا كانت هناك ضرورة فلبس خفاً محرماً فحينئذ يزول التحريم ؛ لأن المحرمات تباح عند الضرورة .
إذن : إذا لبس خفاً محرماً فالمشهور في المذهب أنه لا يجزئ لأنه منهي عنه فلا تباح الرخصة .
وذهب بعض الحنابلة إلي أنه يجزئ عنه وهو أرجح فإن الرخصة في المسح ، أما ما فعله فإنه يكون آثماً عليه ، والعلم عند الله تعالى .

قوله : ( ساتراً للمفروض ) .
أن يكون ساتراً للمفروض فلا يظهر منه شيء من القدمين من أطراف الأصابع إلي الكعبين .
فعلى ذلك : لو ظهرت الكعبان أو أطراف الأصابع فلا يجزئ ولو كان ساتراً من أطراف الأصابع إلي الكعبين ولكن اللون يظهر منه أي لون البشرة فكذلك لا يجزئ .
وظاهر ذلك : ولو كان فيه خرق يسير جداً فإنه لا يجزئ المسح عليه .
إذن : يشترط أن يكون ساتراً للمفروض ستراً كاملاً فلا يظهر منه([13]) البشرة شيء .
فإذا كان واسعاً أو مخروقاً أو كان صافياً أو لا يغطي الكعبين فإن ذلك كله لا يجزئ ، واستدلوا بتعليل : وهو قولهم : إن الأمر إذا كان على خلاف ما تقدم فإنه يجب غسل الظاهر ومسح المغطى فحينئذ : يجمع بين الغسل والمسح وهذا أمر لا يشرع ، فلا يشرع الجمع بين الغسل والمسح .
لكن هذا التعليل ضعيف ، ذلك لأن المسح إنما يكون لظاهر القدم ولا يعمم العضو كله بالمسح ، فليس المسح للمغطى كله بل إنما يكون لظاهر القدم .
والصواب : أن هذه المسائل المتقدمة كلها يجوز المسح .
ونقف عليها واحدة واحدة :
أما إذا كان الخف صافياً :
- فمذهب الشافعية : جواز المسح عليه ؛ لأنه يسمى في الحقيقة خفاً ، وهو كذلك على قاعدتهم - مغط للكعبين وساتر للمفروض وكونه صافياً لا يمنع من المسح عليه .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز المسح علي التساخين ؛ لأنها تسخن القدم ، والخف الساتر الذي يكون صافياً يثبت فيه التسخين ، فمذهب الشافعية جواز المسح عليه وهو الراجح .
أما الخف المخرقة :
فلا يخلو هذا الخرق أن يكون يسيراً أو كبير .
أما إذا كان يسيراً : فذهب المالكية والأحناف خلافاً للشافعية والحنابلة : إلى جواز المسح عليه .
وعلل المالكية والأحناف جواز ذلك : بأن خفاف الصحابة مع فقرهم لا تخلو من أمثال هذه الخروق ولم يثبت النهي عن ذلك وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
أما إن كانت خروقاً كثيرة : فالأحناف والمالكية فيها كمذهب الحنابلة والشافعية .
- وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية : إلى أن الخرق وإن كان واسعاً فيجوز أن يمسح على الخف ما دام يسمى خفاً .
فما دام هذا الجلد الملبوس للقدمين يسمى خفاً فإنه يجوز المسح عليه ، لأن الشارع أجاز المسح على الخفين مطلقاً ولم يقيده بقيد ولا حدده بحد ، فما دام يسمى خفاً فإنه يجوز المسح عليه – وهذا هو الراجح - .
فالراجح : أنه وإن كانت خروقاً كثيرة فيجوز المسح عليه ما دام يسمى خفاً ، فما دام يسمى خفاً فما هو الدليل الذي يمنع من المسح عليه وهو ما زال خفاً يدخل في إطلاقات النصوص المتقدمة .
أما إذا كان الخف غير ساتر للكعبين :
- فالجماهير على أنه لا يجوز المسح عليه .
- وذهب الأوزاعي وهو اختيار ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية : إلى أنه يجوز المسح عليه ، والعلة هي العلة المتقدمة قالوا : لأنه يسمى خفاً فيدخل حينئذ في إطلاقات النصوص الشرعية ، فما هو الدليل على المنع منه؟ .
فعلى ذلك : ما يلبس على الأقدام – في هذا الزمان – من الأحذية التي الغالب فيها أن تكون دون الكعبين فإنها على هذا المذهب وهو الراجح يجوز المسح عليها ، فهي وإن كانت غير ساترة للكعبين ، فما هو الدليل الذي يدل على المنع من ذلك؟!
فإن إطلاقات النصوص تدل علي دخول ذلك .
وهذا القول مع قوته فإن في النفس منه شيء ؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الخفين في الحج أمر بتقطيعهما حتى يكونا كهيئة النعلين أي دون الكعبين ، فظاهر هذا أن خفافهم – المعتادة – كانت فوق الكعبين ، ولكن لقائل أن يقول : إن خفافهم التي حكم عليها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك هي المعتادة عندهم .
وأما إطلاقات النصوص فهي شاملة للمعتادة عندهم وغيرها ، و النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر قطعها وأن يكون أسفل من الكعبين – ذكر ذلك ؛ لأن المعتاد عندهم أن يكون ذلك دون الكعبين ، وأما خفاف غيرهم فلا يمنع أن تكون دون الكعبين وهي داخلة في عمومات النصوص الشرعية – والعلم عند الله تعالى - .

قوله : ( يثبت بنفسه )
أي لابد وأن يثبت الخف بنفسه من غير أن يكون مشدوداً أو مربوطاً أو غير ذلك .
فلو كان الخف لا يثبت على القدم إلا بربطه بحبل ونحو ذلك فإنه لا يجزئ المسح عليه ، فلابد أن يكون ثابتاً بنفسه بصنعته ، وأن تكون الصنعة بمجرد ما يلبس الخف يكون ثابتاً بنفسه .
أما إذا كان يحتاج إلى ربط أو نحو ذلك فإنه لا يجوز المسح عليه – وهذا القول ضعيف .
لذا ذهب بعض الحنابلة وهو وجه عندهم وهو اختيار شيخ الإسلام : إلى أنه تجزئ عنه إذا كان ثابتاً بنفسه أو كان ثابتاً بغيره ؛ وذلك أنه إذا كان ثابتاً بغيره فهو في معنى ما كان ثابتاً بنفسه ، فلا فرق بين أن يكون ثابتاً في الصفة([14]) أو يكون ثابتاً بغيره بربط أو شد ونحوه .
وعلل الحنابلة عدم جواز ذلك بأن المعتاد من الخفاف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الخفاف الثابتة بنفسها .
والجواب على ذلك :
أن يقال : هي وإن كانت العادة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن القياس يدخل ما كان ثابتاً بغيره فيها .
فما كان ثابتاً بغيره فإنه يقاس على ما كان ثابتاً بنفسه .
إذاً : المشهور عند الحنابلة أنه لابد أن يكون الخف ثابتاً بنفسه ، وإن كان ثابتاً بغيره بربط أو شد أو نحوه فإنه لا يجزئ وهذا قول ضعيف .
وهناك وجه عند الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام أن ذلك لا يشترط والله أعلم .

قال المؤلف رحمه الله : ( من خف وجورب صفيق ونحوهما ) :
شرع المؤلف في بيان ما يجوز مسحه فقال :
( من خف ) : وقد تقدم تعريف الخفاف وأنها ما يصنع من الجلود ، ويتمكن بسبب صنعتها من الجلود من المشي عليها .
ولا شك أن ما يصنع من بعض المواد التي هي شبيهة بالجلود كأن يصنع من البلاستيك ونحو ذلك ، فحكمه حكمها أي حكم الجلود وقد تقدم اتفاق أهل العلم على جواز مسح الخفاف .

قوله : ( وجورب صفيق ) :
الجورب : هو ما يصنع على القدمين من الصوف ونحوه من الخرق ونحوها وهو ما يسمى عندنا ( بالشرابات ) .
وهي لا يمكن أن تباشر الأرض بها علي سبيل الدوام وإنما يمكنه أن يمشي بها ، ولكن إذا أكثر فيها من المشي فإنها تفسد وتتقطع .
فهذه الجوارب يجوز المسح عليها وهو مذهب الحنابلة خلافاً لمذهب جمهور الفقهاء ، وذهب إلى جواز المسح إسحاق وأبو يوسف .
وما ذهب إليه الحنابلة هو مذهب جمهور السلف بل هو مذهب الصحابة فقد ذكر ابن المنذر عن تسعة من الصحابة ، وزاد عليه أبو داود أربعة من الصحابة فثبت عن ثلاثة عشر صحابياً ، ولم يثبت لهم مخالف .
والقاعدة : أن الصحابي إذا قال قولاً ولم يعرف له مخالف فإن قوله حجة .
فهذه الآثار عن الصحابة دلت على جواز المسح علي الجوارب .
وهناك أدلة على جواز المسح علي الجوربين .
منها ما رواه أبو داود في سننه والحديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( بعث سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا علي العصائب " العمائم" والتساخين ) ([15]) وهي ما يسخن القدم من الخفاف ، ومثلها الجوارب فإنها كذلك تسخن القدم .
واستدلوا : بما رواه الترمذي من حديث هُزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( مسح على الجوربين والنعلين ) ([16]) .
والحديث حسنه الترمذي ، ولكن هذا التحسين منه مخالف بعامة أهل الحديث ، فإن عامة أهل الحديث خالفوا الترمذي في ذلك ، ومن هؤلاء عبد الرحمن بن مهدي وابن معين وسفيان الثوري والإمام أحمد وكذلك ضعفه النسائي وغيرهم ، وتضعيفهم ليس لسنده فإن سنده صحيح وإنما التعليل لأن عامة الرواة عن المغيرة سوى هزيل بن شرحبيل قد رووه بلفظ المسح على الخفين لا المسح على الجوربين ، فخالف عامتهم فرواه بلفظ المسح علي الجوربين ، فكان الحديث بذلك شاذاً ، فالحديث إذن : معلل عند عامه أهل العلم .
واستدلوا : بالقياس الصحيح ، فإن الجوربين كالخفين ولا فارق مؤثر بينهما فالخفان وإن كان يمكن المشي بهما على الأرض فإن هذا السبب ليس مما يغير من الحكم شيئاً ، فإن الجوارب تلبس معها النعال فتكون كهيئة الخفاف تماماً .
ثم إن المشي بالخفاف ليس هو العلة الحقيقية في جواز المسح عليها ، وإنما العلة الحقيقية لها هي مشقة نزعها ، فلما ثبتت المشقة في نزعها والحرج ، والشريعة قد أتت برفع الحرج كان هذا الحكم ، فحينئذ لا فرق في ذلك بين الجوارب والخفاف .
إذن : ما ذهب إليه الحنابلة وهو مذهب جمهور السلف وهو مذهب الصحابة وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه وغيرهما من المحققين أن الجوارب يجوز المسح عليها هو الراجح .
وقوله : ( صفيقين ) : الصفيق هو الكثيف أي الذي لا يظهر منه الجلد ، فلون الجلد لا يظهر منه .
فعلى ذلك الشرابات التي لا تستر الجلد بل تظهره لا يجوز المسح عليها في المشهور من المذهب ، وقد تقدم البحث في مسألة شبيهة لها في الكلام على الخفاف ، ومثلها هذه كذلك ، فقد ذهب بعض أهل العلم وهو مذهب إسحاق وأبي يوسف إلى : أنه لا حرج في المسح علي الصافية التي لا تستر الجلد بل تظهره ، فلا يشترط أن يكون الجورب صفيقاً كما لا يشترط أن يكون الخف صفيقاً بل لو كان غير ساتر فلا بأس ؛ لأن العلة ثابتة فيه أي في الجورب غير الصفيق – كما هي ثابتة في الصفيق ، فإن مشقة النـزع والحاجة إليه ثابتة له كما هي ثابتة في الصفيق ، والشريعة لا تفرق بين المتماثلات .
كذلك إذا كان فيه خروق وهو باق علي مسماه فيجوز المسح عليه خلافاً للمشهور كما تقدم .

قوله : ( ونحوهما ) :
كأن يكون من مادة أخرى غير الصوف أو غير الجلد فإنه يجوز المسح عليها .
أما اللفائف ، فسيأتي الكلام عليها ، وأن المشهور في المذهب عدم جواز المسح عليها ، وأن الراجح خلاف ذلك .

قوله : ( وعلى عمامة رجل محنكة أو ذات ذؤابة )
العمامة : معروفة
وقوله ( محنكة ) : أي مدارة تحت حنكه .
( ذات ذؤابة ) : الذؤابة هي الطرف المرخى من العمامة خلف الرأس .
إذن هنا مسألتان :
المسألة الأولي : جواز المسح على العمامة .
المسألة الثانية : أن هذا مخصوص بالمحنكة وذات الذؤابة .
أما المسألة الأولي : فهذا هو المشهور في المذهب ، وأن المسح على العمامة جائز .
واستدلوا : بما روى البخاري عن عمرو بن أمية قال ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه ) ([17]) .
قال الإمام أحمد : " هذا من خمسة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم "
أي ورد عن خمسة من الصحابة لكل واحد منهم طريق منفرد وأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته .
قال ابن المنذر : ( ومسح على العمامة أبو بكر ، وبه قال عمر و أبو أمامة وأنس ) وهولاء الصحابة الذين جزم ابن المنذر بمسحهم على العمامة لا يعلم لهم مخالف .
- وذهب الجمهور : إلى أن المسح على العمامة لا يجوز ؛ قالوا : وإنما مسح النبي صلى الله عليه وسلم عمامته مع ناصيته ، فلم يكتف بالعمامة ، بل مسح معها الناصية ، كما ثبت ذلك في مسلم من حديث المغيرة بن شعبة .
واستدلوا : بقوله تعالى { امسحوا برؤوسكم }([18]) والمسح على العمامة ليس مسحاً علي الرأس .
والراجح هو القول الأول .
أما الجواب على أهل القول الثاني :
أما قولهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته ، فهذا إنما هو في حديث المغيرة .
وأما الأحاديث الأخرى فمخرجها يختلف .
نعم يستحب له أن يمسح على ما يخرج من رأسه عادة مع العمامة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المغيرة ، وأما الأحاديث الأخرى كحديث عمرو بن أمية فإنما فيها مجرد المسح علي العمامة فقط ، والفعل لا عموم له ، ففعله في حديث المغيرة لا يقيد به غيره من الأحاديث .
قالوا : وقد أمر الله بغسل الرجلين ، ومع ذلك مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين ، كما أننا أجزنا المسح على الخفين فكذلك نجيز المسح على العمامة .
قالوا : والقياس الصحيح يدل على ذلك ، فإن الرأس يسقط مسحه في التيمم كما أن الرجلين يسقط مسحهما في التيمم ، فيقاس هذا على هذا .
إذن : الصواب مذهب الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام من جواز المسح على العمامة – وسيأتي البحث في المسائل المتفرعة على القول بمسح العمامة وشروط ذلك .
ولكن من باب ربط المسائل بعضها ببعض : فإن حكم العمامة كحكم الخف تماماً ، فعلى ذلك – على المذهب – لابد أن يكون طاهر العين مباحاً ونحو ذلك مما تقدم من أحكام الخف وما سيأتي كذلك .
أما المسألة الثانية :
وهي قوله : (محنكة أو ذات ذؤابة ) .
إذن لابد أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة .
قالوا : لأنها هي عمائم العرب وهي المعتادة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فعلى ذلك لا يمسح إلا عليها .
فعلى ذلك : العمامة الصماء - وهي ما ليست بمحنكة ولا ذات ذؤابة -لا يجوز المسح عليها عندهم .
واختار شيخ الإسلام جواز المسح عليها من باب القياس الصحيح من إلحاق النظير بنظيره ، فإنه لا فرق مؤثر بين العمامة الصماء وبين ذات الذؤابة والمحنكة .
هل يجوز المسح على القلنسوة ؟
القلنسوة : هي شبيهة بالطاقية التي نلبسها لكنها كبيرة تشبه العمامة ويشق نزعها .
صح المسح علي القلنسوة عن صحابيين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
الأول : أنس بن مالك كما في مصنف عبد الرزاق[19] .
والثاني : أبو موسى الأشعري كما عند ابن المنذر .
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد واختاره بعض أصحابه .
والمشهور عند فقهاء الحنابلة وغيرهم : عدم جواز المسح عليها .
والصحيح جواز ذلك ؛ لثبوت ذلك عن هذين الصحابيين ولا يعلم لهما مخالف .
ولأن النظير يلحق بنظيره والقلنسوة كالعمامة تماماً .
أما الطاقية فليست العلة الثابتة في العمامة ثابتة فيها فعلى ذلك لا يجوز المسح عليها ، قال الموفق : " لا نعلم في ذلك خلافاً "
إذن : كل ما يوضع على الرأس من العمائم وما يشابهها فإنه يجوز المسح عليه .

قوله : ( وخمر نساء مدارة تحت حلوقهن )
هذه المسألة ذات شقين :
الشق الأول : جواز المسح علي خمر النساء ، وواحده خمار وهو ما تضعه المرأة على رأسها .
والشق الثاني : وفيه أنه يكون مداراً تحت حلوقهن .
ودليل هذه المسألة ما رواه ابن المنذر وهو ثابت عن أم سلمة أنها كانت تمسح على خمارها.
أما دليل إدارته تحت الحلق : فلأنه إن لم يكن مداراً على الحلق فإنه لا مشقة في نزعه مطلقاً فحينئذ لا يجوز أن يمسح عليه بخلاف ما إذا كان مداراً على الحلق .
فإن المشقة تكون ثابتة في نزعه .
- وهذا خلاف ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من عدم جواز المسح على الخمار .
والصحيح هو القول بجواز المسح كما تقدم عن أم سلمة .
ولقياس النظير على النظير ، فهذا شبيه بالعمامة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( النساء شقائق الرجال ) ([20]) أما إن لم يكن مداراً على الحلق بل كان مرخى مطلق فهل يجوز المسح عليه ؟
الجواب : لا يجوز المسح عليه لأنه لا مشقة في نزعه فلم يكن في حكم العمامة .
فإن قيل : فهل يجوز للرجل أن يمسح على شماغه([21]) ونحو ذلك ؟
فنقول : إذا أداره على حلقه جاز له المسح عليه وإن لم يدره فإنه لا يجوز أن يمسح عليه .
فإن قيل : فهل له أن يديره مطلقاً أم ليس له ذلك إلا لحاجة ؟
فالجواب : ليس له ذلك إلا لحاجة كأن يكون في برد شديد فأداره على حلقه وخشي إذا كشفه أن يحدث له شيء من المشقة من البرد ونحوه فإنه – حينئذ – لا فرق بينه وبين ما تقدم من المسائل .
وهذه من المسائل التي هي مسائل بحث .
إذن : لا بأس أن يقال كذلك بما نلبسه من شماغ ونحوه إذا فعله في برد ونحوه فإنه يجوز له أن يمسحه فإنه شبيه بالخمر وبالعمائم ونحوها لمشقة نزعه .

قوله : ( في حدث أصغر )
هذا في الخفاف والجوارب والعمامة والخمر ، فحل ذلك إنما يكون من حدث أصغر .
لحديث صفوان بن عسال وفيه : ( إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم ) ([22])
فعلي ذلك : إذا أراد أن يغتسل فلا يجوز له أن يمسح على خفيه ولا عمامته ولا جوربه ، ولا المرأة على خمارها ، وإنما يجب أن يباشر العضو بالغسل .
إذن : الخفاف وما يلحق بها من العمائم ونحوها إنما يجوز المسح عليها إذا كان ذلك في حدث أصغر ، وأما الحدث الأكبر فلا يجوز المسح عليها .

قوله : ( وجبيرة لم تتجاوز قدر الحاجة )
الجبيرة هي ما يشد به الكسر أو الجرح من خشب أو خرق أو نحوها .
ما حكم المسح عليها ؟
قال هنا : ( وجبيرة ) أي يمسح عليها .
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في المسح على الجبيرة ، لكن صح ذلك عن ابن عمر كما في سنن البيهقي بإسناد صحيح وذكره ابن المنذر عن ابن عباس ولا يعرف لهما مخالف ، وبه قال جماهير أهل العلم من جواز المسح علي الجبائر وهو موضع ضرورة وقد قال تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم }([23]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) ([24])
أما ما روى أبو داود وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم ( قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب علي جرحه خرقة ثم يمسح عليها ثم يغسل سائر جسده ) ([25]) فالحديث إسناده ضعيف .
فلا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجبيرة حديث وإنما ثبت ذلك عن بعض الصحابة كما تقدم .
لكن قيده بقوله : ( لم يتجاوز قدر الحاجة ) وذلك بأن تكون في موضع الجرح وما يكون حوله مما يحتاج إليه في وضع الجبيرة .
فإن الجبيرة : إذا كانت في كسر عظم ونحوه فإنها تكون على طرفي الصحيح من أجل أن يستقيم الكسر .
فوضعها على طرفي الصحيح إذا كان بقدر الحاجة لها فذلك جائز .
فإن وضعها زائدة فإنه لا يجوز أن يمسح على هذا القدر الزائد لأنه لا حاجة إليه .
إذن : لابد أن تكون على قدر الحاجة ، فتوضع على الكسر وما قارب الكسر مما لا يتم الجبر إلا به ، أما إذا زاد على ذلك فإنه لا يجوز .
ولا يجوز كذلك المسح عليه بل يجب عليه أن يزيله ويغسل موضعه – هذا إذا كان هذا الزائد في موضع الغسل – لكن مثلا كان الكسر في المرفق فكان منه أن جبر المرفق ورفقه إلى العضد مع أنه يكفي أن يكون إلى منتصف العضد وكانت الطهارة طهارة صغرى فهذا لا يغيره لأن الموضع ليس موضع غسل .
أما في الطهارة الكبرى فلا يجوز له أن يترك هذا الموضع من غير غسل فهو مغطى من غير حاجة إلى تغطيته .

قال : ( إلى حَلِّها ) :
فهي ليست مؤقتة بوقت لأنها ضرورة ، فليست مقيدة بيوم وليلة ولا ثلاثة أيام بلياليها لأنها ضرورة .


وقوله : ( ولو في أكبر ) :
لأنها ضرورة فليست كالخف أو نحوه يمكنه أن ينزعه ويغسل جسده فليس الأمر في الجبيرة كذلك فإنه يتضرر بنزعها ويتأخر برؤه بل ربما زاد ذلك في مرضه ، فحينئذ المسألة مسألة ضرورة فيجوز له أن يمسح عليها سواء كان ذلك في حدث أصغر أو أكبر.

تقدم اختيار شيخ الإسلام في أن الخفين لا يشترط في جواز المسح عليهما أن يبلغا الكعبين .
ورأيت اختياراً له ذكره تلميذه ابن مفلح : " وهو أنه يجوز له أن يمسح على النعلين والقدمين إن كانا " أي النعلان " يشق نزعهما بيد أو رجل كما جاءت به الآثار "
فالحجة في ما وردت به السنة ، وذلك نحو النعال السبتية التي يشق نزعها فيحتاج في نزعها إلى اليد أو الرجل ونحو ذلك فإنها في حكم الخفين .
وهذا كما يدل عليه القياس على الخفين ، تدل عليه كذلك الآثار فقد روى أبو داود – والحديث صحيح – من حديث أوس بن أوس([26]) الثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( مسح على نعليه وقدميه ) ([27]) وصح أيضاً المسح على النعلين في ابن خزيمة والبزار من حديث ابن عمر بإسناد صحيح .
ونحوه من حديث ابن عمر من طريق آخر في سنن البيهقي ، فعلى ذلك ، يجوز أن يمسح على النعلين إن ثبت فيهما ما ثبت في الخف من مشقة النزع ، ويمسح معهما القدمين أي ظاهر القدمين .

قال المؤلف رحمه الله : ( إذا لبس ذلك بعد كمال الطهارة )
قوله " ذلك " : إشارة إلى ما تقدم ذكره من الخفاف والعمائم والجبائر ، أنها لا يجوز المسح عليها إلا إذا لبست بعد كمال الطهارة .
أما الخف والجورب فإن دليلهما ، ما ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة قال : ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال : دعهما فإني أدخلتهما طاهرين ) ([28])أي أدخلتهما القدمين وهما أي القدمان طاهرتان .
والجورب مثل الخف في الحكم تماماً فإنه لا فارق بينهما .
وأما العمائم فقالوا : قياساً على الخفاف والجوارب .
ووجَّه شيخ الإسلام عدم شرطية ذلك في العمائم ، وأنه لا يشترط أن يكون لبسها على طهارة
ومثل ذلك : ما تقدم من خمر النساء والقلانس ونحوه مما يلبس على الرأس .
فقد وجه شيخ الإسلام القول بعدم شرطية لبس العمائم على طهارة .
وما قاله قوي ، وعلة ذلك : الفرق الواضح بين العمائم وبين الخفين ، فإن العمائم يكثر خلعها ونزعها فلم يكن القياس له وجه .
فإذن : العمائم يكثر نزعها بخلاف الخفاف ، لذا تقدم أنه يمسح على الخفاف في السفر ثلاثة أيام بلياليهن ، وللمقيم يوماً وليله ، بخلاف العمائم فإنها يكثر خلعها لذا وجه شيخ الإسلام عدم شرطية ذلك فيها .
ويدخل في قولهم : الجبائر ، فعلى ذلك يشترط في الجبيرة أن يلبسها على طهارة كاملة .
فمثلاً : رجل أصيب بكسر أو جرح فعلى هذا القول : ينتظر به حتى يتطهر .
لكن هذا القول ضعيف وذلك لأن الجبيرة إنما تلبس للضرورة ، وإذا ثبت هذا فإن تكليف المكلف الطهارة قبلها فيه حرج ومشقة .
لذا ذهب بعض فقهاء الحنابلة وهو الوجه الثاني عندهم : إلى عدم اشتراط ذلك ، وهو الراجح .
فالراجح أنه لا يشترط أن يشدها على بدنه على طهارة لأن الجبيرة موضع ضرورة ويلحق المكلف الحرج في اشتراط ذلك .
فإذن : لا يجوز المسح على الخف والجورب إلا إذا لبس على طهارة .
أما العمائم فالأقوى أنه لا يشترط لبسها على طهارة ومثل ذلك الجبائر .

وفي قوله : ( بعد كمال الطهارة ) مسألة وهي :
أنه لابد أن يكون هذا اللبس للخفين بعد أن تمت طهارته ، فلو لبسهما وقد بعَّض([29]) الطهارة ولم يتمها فإن هذا لا يجزئه .
ومن صور هذه المسألة :
لو أن رجلاً توضأ فلما غسل رجله اليمنى لبس الخف الأيمن ثم لما غسل رجله اليسرى لبس الخف الأيسر .
فإن هذا لا يجزئه وهذا هو مذهب الشافعية .
واستدلوا : بما رواه ابن خزيمة وحسنه البخاري من حديث أبي بكرة الثقفي :( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للمسافر بثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوماً وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما ) .
والشاهد قوله : ( إذا تطهر فلبس خفيه ) فجعل لبس الخفين بعد التطهر ، وهو قبل أن يغسل قدمه اليسرى لم تتم له الطهارة بعد .
ومثله الحديث المتفق عليه ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرين ) ([30])أي أنه أدخل الخفين القدمين وهما – أي القدمان – طاهرتان .
وذهب أبو حنيفة وهو رواية عن الإمام أحمد واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية – : إلى أنه لا يشترط ذلك .
قالوا : لأنه يصدق عليه أنه لبس الخفين على طهارة .
وفيما يظهر القول الأول فيه قوة ، فإن الطهارة لا تتم إلا بعد أن يغسل قدميه ، والمسألة محل بحث ونظر .
إذن فهنا قولان :
الجمهور قالوا : إنه يشترط أن يتم الطهارة كلها .
والقول الثاني : إنه لا يشترط ذلك ، بل لو لبس الخف الأيمن ثم غسل الرجل اليسرى ثم لبس الخف الأيسر فإنه يجوز له بعد ذلك أن يمسح عليها .
وعلة هذا القول : أنه يصدق عليه أنه لبس الخفين طاهراً ، لكن ظاهر الحديث المتقدم أن اللبس يكون بعد التطهر .
فإن قيل : إذا فعل ذلك بمعنى : غسل رجله اليمنى ثم لبس الخف الأيمن ثم غسل رجله اليسرى ثم لبس الخف فما المخرج ؟
الجواب : يخلع الخف الأول ثم يلبسه ، لأنه لا يشترط الترتيب في لبس الخفين فلو أن رجلاً مثلاً : غسل رجليه ثم لبس الخف الأيسر قبل الأيمن فلا بأس ولا حرج .
فإن قيل : فما الفائدة من هذا الخلع فإنه لا فرق بين الأمرين ؟
فالجواب : أنه ثمت فرق بينهما ، فإن الفرق أنه لبسه في المرة الأولى وهو لم يثبت طاهراً بعد ، فإنه لا يثبت طاهراً من الحدث الأصغر أو الأكبر إلا إذا تمت له الطهارة أما لبسه الثاني فإنه قد فعله بعد تمام طهارته .

قوله : ( ومن مسح في سفر ثم أقام أو عكس أو شك في ابتدائه فمسح مقيم )
هنا ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : ( من مسح في سفر ثم أقام )
إذا مسح وهو مسافر بأن لبس خفه في سفر ومسح عليها لكنه قبل أن يتم المدة انتقل إلى الإقامة ، فحينئذ يتم مسح مقيم ، فينظر ما بقي له من مدة المقيم وهذا بإجماع أهل العلم كما حكاه ابن المنذر رحمه الله .
المسألة الثانية : عكس ذلك وهي أن يمسح في حال الإقامة ثم يسافر .
قالوا : يتم مسح مقيم ، إذن : يتم ما كان قد بدأه فإذا مضى يوم وليلة فإنه يجب عليه أن يغسل قدمه هذا هو مذهب الحنابلة .
وتعليلهم : أنه قد اجتمع عندنا مانع ومبيح فرجحنا المانع على المبيح.
فالمبيح أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن هو السفر ، والمانع هو كونه ابتدأه بالحضر ، فيرجح الجانب المانع على المبيح تغليباً له ، وهذا من باب الاحتياط
- وذهب أبو حنيفة وهو رواية عن الإمام أحمد ، وذكر الخلال أن الإمام أحمد رجع إلى هذا القول : وأنه يمسح مسح مسافر .
وهذا هو الراجح، لأنه أصبح مسافراً فحينئذ جاز له أن يرخص برخص المسافرين ومن ذلك تمام المدة .
ثم أن العلة وهي رفع المشقة والحرج في المسافر ثابتة لمن ابتدأه في حال الإقامة كثبوتها فيمن ابتدأه في حال السفر ، وهذا هو الراجح لأنه أصبح مسافراً ولا نظر إلى ابتدائه .
نعم يـبني عليه ابتداء الوقت لكنه لا يمنع من أن يكون قد أتم المدة العليا وهي ثلاثة أيام بلياليها .
فالراجح أن المسافر إذا كان قد مسح وهو مقيم ثم سافر فإنه يتم مسح مسافر لأن الوصف الذي علق الشارع به هذا الحكم ثابت به وهو السفر
وكذلك العلة ثابتة فيه وهي رفع الحرج
المسألة الثالثة : ( أوشك في ابتدائه فمسح مقيم )
مثال : رجل مسافر قال : لا أدري هل ابتدأت المسح وأنا مسافر أو مقيم ؟
قالوا : يمسح مسح مقيم تغليـباً لجانب الحظر .
والراجح أنه يتم مسح مسافر لأن هذه المسألة أولى من المسألة السابقة ، فإن المسألة السابقة التي تقدم ترجيحها قد تيقن أنه ابتدأه مقيماً ومع ذلك جاز له مسح مسافر ، فهذه المسألة أولى لأنه يجهل هل ابتدأه مسافراً أم مقيماً ،
فإذا رجحنا في المسألة السابقة أنه يمسح مسح مسافر فأولى من ذلك إذا شككنا فيه .
فالراجح : بناءً على القول الراجح ، أنه إذا شك في المسح وهو مسافر هل ابتدأه وهو مسافر أم مقيم فإنه يتم مسح مسافر .
مسألة : إذا شك في المدة يعني مدة المسح هل ما زالت باقية أم إنها انتهت فما الحكم ؟
مثال : رجل مسافر وقال : لا أدري هل بقي من مدة المسح شيء أم لا ؟
فإنه يبني على الأصل ، والأصل هو الغسل ، فالأصل أن القدمين يغسلان ، والمسح إنما هو رخصة .

فعلى ذلك : تبني على الأصل وهو غسل القدمين – وهذا قد اتفق أهل العلم عليه – كما أنه هو الاحتياط في هذا الباب العظيم الذي هو مرتبط بهذا الباب العظيم وهو الصلاة .

قوله : ( وإن أحدث ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر )
هذا استثناء لما تقدم في المسألة السابقة .
تقدم أن المذهب أنه لو مسح مقيماً ثم سافر فإنه يتم مسح مقيم . لكن إذا لبس رجل خفيه وأحدث ثم سافر ومسح عليهما وهو مسافر :
قالوا : يتم مسح مسافر وهذا مما اتفق عليه أهل العلم حتى حكي إجماعاً
وذلك لأنه مسافر ، فالوصف الذي علق فيه الشارع الحكم ثابت فيه ، والعلة وهي رفع الحرج ثابتة فيه .
وهذا مشكل على المذهب ، فإنه قد تقدم أن مدة المسح تبدأ – عندهم – من الحدث وهو مذهب الجمهور ، وهو هنا قد أحدث في حال الإقامة ، وقد مضى من ذلك مدة ثم سافر ، فهذا مشكل على المذهب وعلى غيره ممن قال بهذا القول .
- لذا ذهب الإمام أحمد في رواية : إلى أنه يتم مسح مقيم ، وهذه الرواية أصح بناء على القول المتقدم .
وهذا مما يدل على ضعف القول المتقدم الذي فيه أن الوقت يـبدأ من الحدث ، وقد قال الموفق في هذه المسألة – أي مسألة من لبس خفيه ثم أحدث ثم سافر ومسح وهو مسافر قال : ( لا نعلم في ذلك خلافاً ) حتى حكي ذلك إجماعاً ، وإن كان فيه رواية عن الإمام أحمد بخلاف ذلك لكن المشهور عنه هو أنه يتم مسح مسافر وهذا من الاضطراب والاختلاف ، فإن مما يدل على ضعف القول أن يضطرب فيه أو أن يختلف فيه .
فإذا رأيت القول يختلف فيه في الفروع أو المسائل فإن ذلك يدل على ضعفه .
فإذن على المذهب : رجل لبس خفيه ثم أحدث ثم سافر ومسح فإنه يمسح مسح مسافر .
ولو أنه لبس خفيه ثم أحدث ثم مسح مقيماً ثم سافر فإنه يتم مسح مقيم ، فخالفوا بين أمرين لا فارق مؤثر بينهما ، بل الواجب عليهم أن يتقيدوا بقولهم المتقدم فتكون المدة مبتدأة من الحدث .
فالراجح : أنه من سافر وقد بقيت مدة من مسحه وهو مقيم فإنه يمسح مسح مسافر لأن الوصف وهو السفر ثابت به ، والعلة هي رفع الحرج ثابت فيه .

قوله : ( ولا يمسح قلانس ولا لفافة ولا ما يسقط من القدم أو يرى فيه بعضه )
قوله : ( ولا يمسح قلانس ) هذا هو المذهب
وقد تقدم أن الراجح وهو رواية لأحمد جواز المسح عليها .
قوله : ( ولا لفافة )
اللفافة هي : ما يلف على الرجل حتى يكون كهيئة الخف أو الجورب .
والعلة أنها لم تثبت بنفسها بل تثبت بالربط والشد .
لكن هذا القول تقدم ضعفه وأنه لا يشترط في الخف والجورب أن يثبت بنفسه ، بل لو ثبت بربط أو شد فإنه يثبت له الحكم كما يثبت له لو ثبت بنفسه .
بل – في الحقيقة – أن مسح اللفافة أولى من مسح الجورب أو الخف وذلك لأن مشقة النزع في اللفافة أشد منها في الخف والجورب ، فإن خلع الخف والجورب أهون من خلع اللفافة ، فهي أولى بهذا الحكم .
لذا اختار شيخ الإسلام وهو قول في المذهب : إن اللفافة يصح المسح عليها وهو اختيار كثير من المحققين كالشيخ السعدي – خلافاً للمشهور في المذهب –

قوله : (ولا ما يسقط من القدم )
فالذي يسقط من القدم كذلك لا يجوز المسح عليه .
قالوا : لأنه لا يثبت بنفسه .
وقد تقدم تضعيف هذا التعليل وأنه إذا كان يسقط من القدم ثم شد بشيء أو ربط فيه بشيء فإنه يجوز المسح عليه .
ومثل ذلك : قوله : ( أو يرى منه بعضه ) : إذا كان فيه خرق بحيث أنه يرى من خلاله شيء من القدم ، فإن المذهب أنه لا يجوز المسح عليه سواء كان الخرق يسيراً أو كثيراً .
وسواء كان ذلك لخرق أو كان لشفافيته وصفائه ، فلو ظهر من القدم شيئاً لصفاء الخف فلا يجوز المسح عليه .
وتقدم ترجيح جواز المسح على الخف الصافي وكذلك المخروق .
تقدم شرح قول المؤلف : ( إذا لبس ذلك بعد طهارة كاملة )
واعلم أن مما يستثنى من الطهارة التيمم ، فإن من تيمم ولبس خفيه فليس له أن يمسح عليهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح – وسيأتي تخريجه في موضعه – ( فليتق الله وليمسه بشرته ) أي عليه إذا وجد الماء أن يتقي الله وأن يمس الماء بشرته .
وهذا يدل على أن طهارة التيمم لا يجوز أن يبنى عليها مسح الخفين – وهذا هو المشهور في المذهب –
واعلم أن لفظة ( بعد كمال الطهارة ) يدخل فيها من فيه حدث متجدد كسلس البول والاستحاضة ذلك لأن هذه الطهارة كمال في حقه .
فلو أن من به حدث متجدد وهو يجب عليه الوضوء لكل صلاة فلو توضأ فلبس خفيه فيجوز له أن يمسح عليهما لأن هذه هي الطهارة الكاملة في حقه .
واعلم أنه لا يشترط – كما هو والمشهور في المذهب – لا يشترط أن يبني المسح على الخفين علي طهارة خالية من المسح خلافاً لبعض الحنابلة .
فمثلاً : رجل توضأ فمسح على عمامته ، فهذا الوضوء مستحل فيه مسح ، ثم لبس خفيه ، فهل يجوز أن يمسح عليهما ؟
الجواب : نعم لأن هذا المسح منه في طهارة كاملة فهو قد بني هذا على طهارة ذات مسح ، فإنه قد استبدل مسح رأسه بمسح عمامته ولكن هذا الوضوء مع ذلك وضوء كامل لأن هذا البدل قام مقام المبدل منه .

قال المؤلف رحمه الله : ( فإن لبس خفاً على خف قبل الحدث فالحكم للفوقاني )
رجل لبس خفاً على خف في كل رجل ، أو جمع بين جوربين في كل رجل ، فحينئذ ما حكم المسح على الفوقاني ؟
هنا ثلاث صور :
الصورة الأولى : وهي ما ذكره المؤلف:رجل توضأ فلبس خفيه ثم مباشرة وقبل أن يحدث لبس خفين آخرين .
إذن : ما زال عليه وضوؤه الأصلي فما زال وضوؤه ذا غسل للرجلين .
فالحكم : إنه يمسح على الفوقاني .
ولا شك أن له أن يمسح على التحتاني أيضاً ؛ لأن التحتاني لم تثبت بدليته بعد عن القدم فإنه لم يمسح عليه بعد وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم .
وحينئذ : يكون الخفاف كالخف الواحد – أي في الحكم –
إذن : إذا لبس خفين ثم لبس فوقهما خفين فإنه يمسح على الفوقاني لأن هذا خف ساتر وقد لبسه على خف لم يمسح بعد ولم يثبت الحدث بعد .
الصورة الثانية : وهي مقابلة لهذه الصورة وهي : أن يلبس الخف الثاني بعد الحدث .
مثال : رجل لبس الخفين ثم أحدث ثم لبس خفين آخرين فهذا اللبس ليس مما يبنى عليه المسح ؛ ذلك لأنه لبسه على غير طهارة بل على حدث .
ومعلوم أن اللبس على الحدث لا يجيز المسح على الخفين ؛ لأنه ولابد أن يكون لبسه على طهارة ، وهنا قد لبس الخفين على حدث ويخرج على قول شيخ الإسلام العمامة المسح عليه لكثرة نزعه
الصورة الثالثة : أن يلبس الخفين ثم يحدث ثم يمسح عليهما ثم يلبس خفين آخرين .
فهل يجوز له أن يمسح على الخفين الآخرين أم لا يجوز بل يمسح على الخفين الأولين ؟
قولان لأهل العلم :
فالمشهور في المذهب : أنه لا يجوز أن يمسح على الفوقانين بل الحكم للتحتانين .
و عللوا ذلك : بأن الخفين الأوليين بدلان عن القدم فهما يمسحان مكان غسل القدم ، والبدل لا يجوز أن يوضع عنه بدل ، فهو بدل فكيف يكون له بدل آخر .
هذا هو المشهور في المذهب وهو أنه لا يجوز المسح على الفوقاني ، لأن الخفين الأوليين بدل عن غسل القدم والبدل لا بدل له .
2- والقول الثاني ، وهو مذهب ذهب إليه بعض الشافعية قالوا : بل يجوز أن يمسح عليهما – أي الفوقانيين ؛ لأنه قد أدخل هذين الخفين على طهارة ، وهذان الخفان يكون لهما حكم واحد فهما كالخف الواحد فكلاهما غطاء للقدم ، فيكون حكمهما كالخف الواحد الذي له ظهارة([31]) وبطانة ، فهذا ظهارته وهذا بطانته .
فقالوا : يجوز المسح عليهما لأن الخفين في حكم واحد .
وهذا القول أظهر من القول الأول .
نعود إلى الصورة الأولى وهي : ما إذا لبس خفيه بعد الخفين الأولين مباشرة وليس بعد حدث ، فقد تقدم أنه يجوز المسح على الخف الفوقاني – فإذا مسح عليه فالمشهور في المذهب أنه يثبت الحكم له دون التحتاني ويكون التحتاني كأنه جزء من القدم .
صورة ذلك :
رجل لبس خفين وقبل أن يحدث فما زالت طهارته طهارة غسل القدمين ، لبس خفين آخرين فمسح عليهما ، فهذا المسح جائز له عند جمهور أهل العلم ، فإذا ثبت هذا المسح فإنه – حينئذ – يكون للفوقاني .
فلو خلع الفوقاني فإنه يثبت ذلك الحكم للتحتاني فيكون كأنه قد خُلع – أي التحتاني – وحينئذ يجب عليه أن يغسل قدميه .
إذن : لو لبس الفوقاني فمسح عليه ثم أراد أن يخلع الفوقاني فيجب عليه أن يخلع التحتاني .
قالوا : لأن المسح ثابت له – أي الفوقاني – فإذا انكشف فقد انكشف محل المسح وبقي الغسل ، وهو إنما ثبت للقدمين .
والقول الثاني ، وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره جماعة من أصحابه كالمجد وهو مذهب الجمهور : أنه لا يثبت الخلع للتحتاني بخلع الفوقاني قالوا : لأنه إذا خلع الفوقاني فإن القدم ما زالت مغطاة بخف قد لبس على طهارة وهي كخف واحد ، وقد تقدم هذا التعليل – فكأن أحدهما ظهارته والآخر بطانته .
وهذا القول أظهر، وأنه إذا لبس الخفين الآخرين ومسح عليهما ثم نزعهما فإنه لا يجب عليه أن ينزع التحتاني ويغسل القدمين بل له أن يمسح على التحتاني ويبقى على المدة الأصلية للخفين أو الأربع خفاف .
واعلم أن الخفين - ونريد بالخفين الخف الأعلى والخف الأسفل-لهما أربع أحوال :
الحالة الأولى :
أن يكونا صحيحين ، فهنا لا إشكال في المسألة المتقدمة ؛ لأنكليهما يصح أن يمسح عليه منفرداً .
الحالة الثانية :
أن يكونا كلاهما منخرقاً ، فكلاهما فيه خرق :
- فالمشهور في المذهب : أنه لا يجوز له أن يمسح عليهما جميعاً ؛ لأن القدم لم يثبت عليها خف صحيح .
- والقول الثاني في المذهب : أنه يجوز أن يمسح عليهما لأنهما بمجموعهما يستران القدم .
وهذا أصح لأن القدم قد ثبت ساتر لها فجاز أن يمسح عليه .
الحالة الثالثة :
أن يكون الأسفل منخرقاً والأعلى صحيحاً ، فلا يجوز له أن ينفرد بمسح الأسفل دون الأعلى لأن الأسفل المباشر للرجل منخرق غير ساتر لها – وهذا على القول المرجوح – ، خلافاً للراجح الذي تقدم .
وأما الأعلى فإنه يمسح عليه ؛ لأنه إذا مسح عليه فيقع المسح على ساتر للقدم .
الحالة الرابعة :
أن يكون الأسفل صحيحاً والأعلى منخرقاً
فهل يجوز أن يمسح الأعلى أم لابد أن يمسح الأسفل ؟
قولان في المذهب .
القول الأول : إنه لا يجوز له أن يمسح على الأعلى لأنه بمسحه على الأعلى يباشر المسح بما لا يجوز المسح عليه ،
وأما الأسفل فإنه خف صحيح فإذا مسح عليه فإنه يمسح على ساتر صحيح فوجب عليه أن يمسح على الأسفل دون الأعلى .
وهذا من حيث القواعد المذهبية أصح ، وأما من حيث القول الراجح الذي تقدم - وأن المسح على الخفين – يجعلهما كالخف الواحد ، فإنه يترجح القول الذي يقول بجواز المسح على الخف الأعلى وإن كان منخرقاً .
وكذلك من باب أولى على القول بأن الخف يجوز المسح عليه وإن كان منخرقاً فإنه لا أشكال في ترجيح هذا القول .
إذا كان أحدهما منخرقاً والآخر صحيحاً فيجوز على القول الراجح أن يمسح على الأعلى – في الصورتين كليهما – .
وأما إذا تقيدنا بقاعدة المذهب من عدم جواز المسح على المنخرق إذا كان هو الأسفل فلا يجوز المسح عليه وإن كان هو الأعلى فكذلك لا يجوز المسح عليه بل يجب أن يباشر المسح بساتر صحيح .

قوله : ( ويمسح أكثر العمامة )
قياساً على الخف ، فلا يجب عليه أن يمسح العمامة كلها ، بل يجوز له قياساً على الخف – أن يمسح أكثرها فكلاهما بدل عن عضو ، فهذا بدل عن القدمين ، والخف يمسح ظاهره – كما سيأتي – فكذلك العمامة يكتفي بمسح أكثرها ولا يجب أن يستوفيها بالمسح .
وذكر الحنابلة أنه يختص المسح بدوائرها أي بكوْر العمامة دون وسطها ، ولم أر دليلاً يدل على ذلك .
بل الأظهر أنه يمسح على الإطلاق عمامته ، وأن يكتفي بمسح أكثرها من غير أن يحدد ذلك بكورها دون وسطها .

قوله : ( وظاهر قدم الخف من أصابعه إلى ساقه دون أسفله وعقبه )
( وظاهر قدم الخف ) : أي فلا يمسح أسفله وإنما يمسح أعلاه أي أعلى الخف .
ودليل ذلك : ما روى أبو داود والترمذي من حديث علي قال : ( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى من أعلاه ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه ) ([32])
ويدل عليه ما رواه أبو داود والترمذي من حديث المغيرة بن شعبة قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما ) ([33])
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على أسفل الخف .
وأما ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( مسح أعلى الخف وأسفله ) ([34])فالحديث إسناده منقطع ، وقد ضعفه أحمد والبخاري وأبو زرعة وغيرهم من أئمة الحديث ، فالحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
إذن : المشروع له أن يمسح ظاهر خفيه .
فإن مسح أسفله دون ظاهره فلا يجزئه ذلك ؛ لأن كل عمل ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو رد ، وأمره إنما هو مسح ظاهر الخف دون أسفله .
فإذن : يجب أن يمسح ظاهر الخف دون أسفله ولا يشرع له أن يمسح أسفله ، فإذا اكتفى بأسفله فإن المسح باطل ؛ لأن ذلك خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله : ( من أصابعه إلى ساقه ) :
لما روى البيهقي من حديث الحسن عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( مسح على خفيه فوضع اليمنى على خفه الأيمن واليسرى على خفه الأيسر ثم ذهب منهما إلى أعلاه مسحة واحدة ) ([35])
لكن الحديث إسناده منقطع ، فإن الحسن لم يسمع من المغيرة .
قال الإمام أحمد : ( كيفما فعل أجزأه باليد الواحدة أو باليدين ) سواء بدأ من الأسفل إلى الأعلى ، أو من الأعلى إلي الأسفل ، وسواء مسح ذلك على الصورة المتقدمة في الحديث : اليمنى على الأيمن واليسرى على الأيسر
أو اليمنى على الأيسر ، واليسرى على اليمنى ، أو مسح باليمنى كليهما أو باليسرى كليهما ، فكل ذلك جائز لا حرج فيه ، والحديث الذي تقدم ذكره إسناده ضعيف

قوله : ( وعلى جميع الجبيرة )
هذا هو مذهب جمهور أهل العلم وأنه يجب المسح على الجبيرة كلها ، فلا يكتفي بمسح بعضها ، ولو كان ذلك الممسوح أكثرها ، بل يجب أن يعمها بالمسح ؛ وذلك لأنها بدل عن العضو الواجب غسله وهي يجب مسحها من باب قوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم }[36] .
فإن قيل : ألا تقاس على الخفين ؟
فالجواب : لا تقاس على الخفين للفوارق بينهما وقد تقدم ذكر بعضها .
- منها إنها لا ترتبط بالمدة .
- ومنها إنها لا يشترط فيها الطهارة .
- ومنها أنها لا تختص بعضو من الأعضاء وإنما عامة في أي عضو – وغير ذلك من الفوارق الثابتة بينهما .
- وكذلك ، أنها يمسح عليها من الحدث الأكبر بخلاف الخف .
- والفرق الخامس كونها تمسح جميعها .
فإذا ثبت الفارق فإنه لا يجوز القياس بل نبقى على الأصل ، وهو أن البدل له حكم المبدل ، والمبدل : يجب أن يعمم بالغسل ولكن الغسل غير ممكن فحينئذ ينـتقل إلى المسح ، ولا شك أن غسل الجبيرة يؤثر فيها إفساداً فناب المسح عنه .

قوله : ( ومتى ظهر بعض محل الفرض بعد الحدث أو تمت مدته استأنف الطهارة )
إذا طهر بعض محل الفرض فإنه يبطل وضوؤه .
صورة ذلك :
رجل عليه خفان وكان منه مسح عليهما فخلعهما فإن الوضوء يـبطل – وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء – ؛
قالوا : لأنه بخلع خفه قد أزال محل المسح ولأن النبي صلى الله عليه وسلم – وهذا في تمام المدة – قد وضع مدة محددة فمتى انتهت هذه المدة يبطل المسح .
إذن : إذا خلع أحد الخفين أو انكشف بعض القدم فإنه يبطل وضوؤه ؛ ذلك لأن محل المسح قد زال فما دام قد زال فإنه يبطل الوضوء في القدم ، وإذا بطل الوضوء في القدم فإنه يبطل الوضوء في سائر الأعضاء .
وكذلك تمام المدة ، فإذا تمت المدة التي حدد النبي صلى الله عليه وسلم فيـبطل هذا المسح وببطلان المسح تبطل طهارة القدم ، وببطلان طهارة القدم تبطل الطهارة كلها .
- وذهب الحسن وقتادة في المسألتين كلتيهما وهو – اختيار شيخ الإسلام ومذهب ابن حزم – ذهبوا : إلى أن الخلع وتمام المدة لا يـبطلان الوضوء فإذا خلع خفيه فإن وضوءه باق وكذلك إذا تمت المدة فإن وضوءه باق .
أما الخلع : فقالوا هو نظير حلق الرأس ، فمن حلق رأسه فإن وضوءه يـبقى .
ثم إن خلع الخفين ليس من نواقض الوضوء فليس بحدث ينقض الوضوء ، والأصل بقاء الطهارة وثبوتها ولا يمكن أن ينقض إلا بدليل ، فما هو الدليل على النقض .
وزوال الممسوح لا يدل على انتقاض الطهارة بدليل أن حلق الرأس لا ينقض الطهارة بالاتفاق .
وأما تمام المدة فقالوا إنما وضع النبي صلى الله عليه وسلم المدة لبيان الوقت الذي يجوز فيه المسح وقد تقدمت الأدلة التي ظاهرها هذا القول وأن هذه المدة إنما للمسح وليس في الأدلة أنه لا يجوز له أن يصلي بوضوء ثبت في وقت المسح .
فلو أنه مسح قبل ساعة من انتهاء مدة المسح فإذا تمت المدة فلا يجوز له أن يمسح ، هذا هو ظاهر الأدلة ، وليس في الأدلة أنه لا يجوز له أن يصلي بهذا الوضوء الذي قد انبنى على هذا المسح ، والأصل بقاء الطهارة ولا دليل يدل على نقضها .
إذن : الراجح : ما ذهب إليه الحسن البصري وهو اختيار شيخ الإسلام من أن خلع الخفين وانتهاء مدة المسح لا ينقض الوضوء .

([1]) سورة المائدة .

([2]) سورة المائدة .

([3]) وكذا ، ولعل الصواب : صحابياً ، أو حديثاً دون " عن " . فليراجع نصب الراية .

([4]) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة ، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم ( 95 ) باللفظ نفسه ، وأخرجه النسائي في كتاب الطهارة ، باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر ( 126 ) قال : أخبرنا قتيبة قال حدثنا سفيان عن عاصم بن زر عن صفوان بن عسال قال : رخص لنا النبي r إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن " . وابن ماجه في كتاب الطهارة ، باب الوضوء من النوم ( 478 ) .

([5]) سورة المائدة .

([6]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة ، آخر حديث في باب المسح على الخفين ( 156 ) قال : " حدثنا أحمد بن يونس حدثنا بن حَيٍ هو الحسن بن صالح عن بكير بن عامر البَجَلي عن عبد الرحمن بن أبي نُعْم عن المغيرة بن شُعبة أن رسول الله r مسح على الخفين فقلت : يا رسول الله أنسيت ؟ قال : ( بل أنت نسيت ، بهذا أمرني ربي عز وجل ) .

([7]) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، مسند المكثرين ي، مسند عبد الله بن مسعود ( 5866 ) ( 5873 ) بلفظ : " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته " .

([8]) أخرجه البخاري كتاب الحدود ، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله ( 6786 ) ، وأخرجه في كتاب المناقب ،باب صفة النبي r ( 3560 ) . وفي كتاب الأدب ، باب قول النبي r يسروا ولا تعسروا ( 6126 ) . وأخرجه مسلم ( 2327 ) .

([9]) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة ، باب التوقيت في المسح على الخفين ( 276 ) بلفظ : عن شُريح بن هانئ قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت : عليك بابن أبي طالب فسله ، فإنه كان يسافر مع رسول الله r ، فسألناه فقال : " جعل رسول الله r ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم " .

([10]) أخرجه أبو داود في باب التوقيت في المسح من كتاب الطهارة ( 158 ) قال : " حدثنا يحيى بن معين حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق ، أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن عبد الرحمن بن رَزين عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قَطن عن أُبيّ بن عمارة - قال يحيى بن أيوب : وكان قد صلى مع رسول الله r القبلتين - أنه قال : يا رسول الله أمسح على الخفين ؟ قال : ( نعم ) قال : يوماً ؟ قال : ( يوماً ) قال : ويومين ؟ قال : ( ويومين ) قال : وثلاثة ؟ قال : ( نعم ، وما شئت ) . وأخرجه ابن ماجه في الطهارة 557 ، سنن أبي داود مع المعالم [ 1 / 109 ] .

([11]) أخرجه أبو داود في نفس الباب السابق ( 157 ) قال : " حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله الجَدَلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي r قال : ( المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ، وللمقيم يوم وليلة ) قال أبو داود : رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده ، قال فيه : " ولو استزدناه لزادنا ) . وأخرجه الترمذي في الطهارة 95 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه في الطهارة 553 . سنن أبي داود مع المعالم [ 1 / 109 ] .

[12]أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم ( 1332 ) ، في كتاب الطهارة ، باب ما ورد في ترك التوقيت قال رحمه الله : " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا بحر بن نصر بن سابق الخرلاني كذا - ، ثنا بشر بن بكر ، ثنا موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني قال : خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة فدخلت على عمر بن الخطاب ، فقال : متى أولجت خفيك في رجليك ؟ قلت : يوم الجمعة ، قال : فهل نزعتهما ؟ قلت : لا ، قال : أصبت السنة " . قال ( 1333 ) : وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر بن الحسن ، قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أنبأ ابن وهب ، قال : وثنا بحر بن نصر ، قال : قرئ على ابن وهب أخبرنا ابن لهيعة وعمرو بن الحارث اولليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم البلوي أنه سمع علي بن رباح اللخمي يخبر أن عقبة بن عامر الاجهني كذا ، ولعل الصواب : الجهني - قال : قدمت على عمر بن الخطاب بفتح من الشام وعلي خفان لي جرمقانيان غليظان ، فنظر إليهما عمر فقال : كم ذلك منذ لم تنزعهما ؟ قال : قلت : لبستهما يوم الجمعة واليوم يوم الجمعة ثمان ، قال : أصبت . ورواه مفضل بن فضالة عن يزيد بن أبي حبيب وقال فيه : أصبت السنة " . وقال أيضاً ( 1334 ) أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، ثنا أحمد بن عبيد ، ثنا عبيد بن شريك ، نا يحيى بن بكير ، ثنا مفضل بن فضالة ، عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم البلوي ، عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر عن عمر مثله ، وقال : أصبت السنة " .

([13]) كذا في الأصل ، ولعل الصواب : من .

([14]) لعلها : الصنعة

([15]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة ، باب المسح على العمامة ( 146 ) قال : " حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ، حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال : بعث رسول الله r سرية فأصابهم البرد ، فلما قدموا على رسول الله r أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين " .

([16]) أخرجه الترمذيفيكتاب الطهارة ، باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين ( 99 ) قال : " حدثنا هنَّاد ومحمود بن غيلان قالا حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هُزيل بن شُرحبيل عن المغيرة بن شعبة قال : توضأ النبي r ومسح على الجوربين والنعلين " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، قالوا : يمسح على الجوربين وإن لم تكن نعلين إذا كان ثخينين . وقال وفي الباب عن أبي موسى . قال أبو عيسى : سمعت صالح بن محمد الترمذي قال : سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول : دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان فسمح عليهما ثم قال : فعلت اليوم شيئاً لم أكن أفعله ، مسحت على الجوربين وهما غير منعَّلين " .

([17]) أخرجه البخاري في باب الوضوء ، كتاب المسح على الخفين ( 204 ) بلفظ : عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري أن أباه أخبره : أنه رأى النبي r يمسح على الخفين . وبلفظ ( 205 ) : رأيت النبي r يمسح على عمامته " .

([18]) سورة المائدة .

[19] مصنف عبد الرزاق ج: 1 ص: 190
باب المسح على القلنسوة 745 عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن سعيد بن عبد الله بن ضرار قال : رأيت أنس بن مالك أتى الخلاء ثم خرج وعليه قلنسوة بيضاء مزرورة فمسح على القلنسوة وعلى جوربين له مِرعزاً أسودين ثم صلى ، قال الثوري والقلنسوة بمنزلة العمامة " .

([20]) أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم ( 24999 ) ، باقي مسند الأنصار ، باقي المسند السابق ، وبرقم ( 25869 ) نحوه في مسند أم سليم . انترنت ، موقع الإسلام .

([21]) أي الغترة .

([22]) رواه الخمسة إلا أبا داود كما تقدم صْ 2 .

([23]) سورة التغابن 16 .

([24]) متفق عليه ، وقد تقدم . أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ( 7288 ) فقال رحمه الله تعالى : " حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال : ( دعوني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ) "
وأخرجه مسلم في كتاب الحج ( 1337 ) [ صحيح مسلم بشرح النووي ( 9 / 100 ) ] فقال : " وحدثني زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله r فقال : ( أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ) فقال رجلٌ : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً ، فقال رسول الله r : ( لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ) ثم قال : ( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) " .
وأخرجه أيضاً في كتاب الفضائل بعد حديث ( 2357 ) [ صحيح مسلم بشرح النووي ( 15 / 109 ) ] فقال : " حدثني حرملة بن يحيى التُّجيبي أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيَّب قالا : كان أبو هريرة يحدث أنه سمع رسول الله r يقول : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ) .
وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف حدثنا أبو سلمة وهو منصور بن سلمة الخزاعي أخبرنا ليث عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله سواء .
حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي كلاهما عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة - يعني الحِزامي - ح وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان كلاهما عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ح وحدثناه عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن محمد بن زياد سمع أبا هريرة ح وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة ، كلهم قال عن النبي r ذروني ما تركتكم ، وفي حديث همام : ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم ثم ذكروا نحو حديث الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة " .


([25]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة ، باب في المجروح يتيمم ( 336 ) قال : حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي حدثنا محمد بن سلمة عن الزبير بن خُريق عن عطاء عن جابر قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجَرٌ فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على النبي r أُخبر بذلك فقال : ( قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا ، فإنما شفاء العي السؤال ، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب - شك موسى على جرحه خرقة ثم يسمح عليها ويغسل سائر جسده ) .

([26]) كذا في الأصل ، والصواب : أوس بن أبي أوس الثقفي كما في سنن أبي داود .

([27]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة ، بعدبابالمسح على الجوربين ( 160 ) قال : " حدثنا مسدد وعباد بن موسى ، قالا : حدثنا هُشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه قال عباد : قال أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي أن رسول الله r توضأ ومسح على نعليه وقدميه ،وقال عباد : رأيت رسول الله r أتى كظامة قوم - يعني الميضأة ولم يذكر مسدد الميضأة والكظامة ، ثم اتفقا : " فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه " .

([28]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء ، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان ( 206 ) ، ولفظه : " كنت مع النبي r في سفر ، فأهويت لأنزع خفيه ، فقال : ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) فمسح عليهما . وأخرجه مسلم برقم ( 274 ) .

([29]) بتشديد العين .

([30]) تقدم قريباً .

([31]) كذا في الأصل .

([32]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة ، باب كيف المسح ( 162 ) قال : " حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص - يعني ابن غياث - عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير ، عن علي رضي الله عنه قال : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله r يمسح على ظاهر خفيه " . ولم أجده في الترمذي ، بل قال في حاشية أبي داود : " تفرد به أبو داود " .

([33]) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة ، باب ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما ( 98 ) ، وأخرج أبو داود في كتاب الطهارة ، باب كيف المسح عن المغيرة ( 161 ) : أن رسول الله r كان يسمح على الخفين " وقال غير محمد : على ظهر الخفين " .

([34]) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة ، باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله ( 97 ) . وأخرجه أبو داود في كتاب الطهارة ، باب كيف المسح ( 165 ) قال : " حدثنا موسى بن مروان ومحمود بن خالد الدمشقي ، المعنى ، قالا : حدثنا الوليد ، قال محمود : أخبرنا ثور بن يزيد عن رجاء بن حَيْوَة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة قال : وضَّأت النبي r في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما " . وأخرجه ابن ماجه في الطهارة برقم 550 ، سنن أبي داود مع المعالم [ 1 / 116 ] .

([35]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم [ 1385 ] قال : " وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الوليد الفقيه ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثناأبوأسامة عن أشعث عن الحسن عن المغيرة بن شعبة قال : " رأيت رسول الله r بال ثم جاء حتى توضأ ثم مسح على خفيه ووضع يده اليمنىعلىخفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسرثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أصابع رسول الله على الخفين"

[36]

  #7  
قديم 6 محرم 1434هـ/19-11-2012م, 05:38 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول : هل يشترط فى المسح على العمامة والخمار أن يكونا قد لُبِسَا على طهارة ؟
الجواب : لا يُشترط ، لعدم الدليل على الاشتراط، وهو الراجح من قولي أهل العلم، وهو مذهب الإمام أحمد وأهل الحديث، وذهب أبو ثور وبعض الأحناف إلى اشتراط لبسها على طهارة قياساً على الخفين، ولا يصح القياس هنا للفارق.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المسح, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir