دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:25 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تعدي الفعل ولزومه

تَعَدِّي الفعلِ ولُزومُهُ

عَلامةُ الفعلِ الْمُعَدَّى أنْ تَصِلْ = ها غيرُ مَصْدَرٍ بهِ نَحْوُ عَمِلْ
فانْصِبْ بهِ مفعولَهُ إنْ لمْ يَنُبْ = عنْ فاعلٍ نحوُ تَدَبَّرْتُ الكُتُبْ
ولازمٌ غيرُ الْمُعَدَّى وحُتِمْ = لُزُومُ أفعالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ
كذا افْعَلَّلَ والْمُضاهِي اقْعَنْسَسَا = وما اقْتَضَى نظافةً أوْ دَنَسَا
أو عَرَضًا أوْ طَاوَعَ الْمُعَدَّى = لواحدٍ كمَدَّهُ فامْتَدَّا
وعَدِّ لازمًا بحرْفِ جَرِّ = وإنْ حُذِفْ فالنصبُ للمُنْجَرِّ
نَقْلًا وفي أنَّ وأنْ يَطَّرِدُ = معَ أَمْنِ لَبْسٍ كعَجِبْتُ أنْ يَدُوا
والأصلُ سَبْقُ فاعلٍ معنًى كمَنْ = مِنْ أَلْبِسَنْ مَنْ زَارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ
ويَلْزَمُ الأصلُ لِمُوجِبٍ عَرَا = وتَرْكُ ذاكَ الأصْلِ حَتْمًا قدْ يُرَى
وحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إنْ لمْ يَضِرْ = كحَذْفِ ما سِيقَ جَوابًا أوْ حُصِرْ
ويُحْذَفُ النَّاصِبُها إنْ عُلِمَا = وقدْ يكونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا

  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


تَعَدِّي الفعلِ ولُزُومُه
علامةُ الفِعْلِ المُعَدَّى أَنْ تَصِلْ = هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ، نَحْوُ عَمِلْ ([1])
يَنْقَسِمُ الفعلُ إلى مُتَعَدٍّ ولازِمٍ؛ فالمُتَعَدِّي هو الذي يَصِلُ إلى مفعولِه بغيرِ حرفِ جرٍّ، نحوُ: (ضَرَبْتُ زَيْداً)، واللازمُ ما ليسَ كذلكَ، وهو ما لا يَصِلُ إلى مفعولِه إلا بحرفِ جرٍّ([2])، نحوُ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ) أو لا مفعولَ له، نحوُ: (قامَ زيدٌ) ويُسَمَّى ما يَصِلُ إلى مفعولِه بنفسِه فِعْلاً مُتَعَدِّياً وواقِعاً ومُجَاوِزاً، وما ليسَ كذلك يُسَمَّى لازماً وقاصراً وغيرَ مُتَعَدٍّ، ويُسَمَّى مُتَعَدِّياً بحرفِ جرٍّ.
وعلامةُ الفِعْلِ المُتَعَدِّي أنْ تَتَّصِلَ به هاءٌ تَعُودُ على غيرِ المصدرِ، وهي هاءُ المفعولِ به، نحوُ: (البابُ أَغْلَقْتُهُ).
واحْتَرَزَ بهاءِ غيرِ المصدرِ من هاءِ المصدرِ؛ فإنَّها تَتَّصِلُ بالمتعدِّي واللازِمِ، فلا تَدُلُّ على تَعَدِّي الفعلِ، فمثالُ المتَّصِلَةِ بالمتعدِّي: (الضَّرْبُ ضَرَبْتُهُ زَيْداً)؛ أي: ضَرَبْتُ الضربَ زَيْداً، ومثالُ المُتَّصِلَةِ باللازِمِ: (القيامُ قُمْتُهُ)؛ أي: قُمْتُ القيامَ.
فانْصِبْ بِهِ مفعولَه إنْ لم يَنُبْ = عن فاعلٍ نَحْوُ: تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ ([3])
شأنُ الفعلِ المتعدِّي أنْ يَنْصِبَ مفعولَه إنْ لم يَنُبْ عن فاعلِه، نحوُ: (تَدَبَّرْتُ الكُتُبَ)، فإنْ نابَ عنه وَجَبَ رَفْعُهُ كما تَقَدَّمَ، نحوُ: (تُدُبِّرَتِ الكُتُبُ).
وقد يُرْفَعُ المفعولُ ويُنْصَبُ الفاعلُ عندَ أَمْنِ اللَّبْسِ؛ كقولِهِم: (خَرَقَ الثوبُ المِسْمَارَ)، ولا يَنْقَاسُ ذلك، بل يُقْتَصَرُ فيه على السماعِ([4]).
والأفعالُ المُتَعَدِّيَةُ على ثلاثةِ أقسامٍ:
أحدُها: ما يَتَعَدَّى إلى مفعوليْنِ، وهي قِسْمَانِ: أَحَدُهما: ما أَصْلُ المفعوليْنِ فيه المبتدأُ والخبرُ؛ كظَنَّ وأَخَوَاتِها، والثاني: ما ليسَ أَصْلُهما ذلك؛ كأَعْطَى وكَسَا.
والقسمُ الثاني: ما يَتَعَدَّى إلى ثلاثةِ مفاعيلَ؛ كأَعْلَمَ وأَرَى.
والقسمُ الثالثُ: ما يَتَعَدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ؛ كضَرَبَ ونَحْوِه.


ولازِمٌ غَيْرُ الْمُعَدَّى وَحُتِمْ = لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ ([5])
كذا افْعَلَلَّ والمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا = وما اقْتَضَى نَظافةً أَوْ دَنَسَا ([6])
أَوْ عَرَضاً أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى = لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتَدَّا ([7])
اللازِمُ هو ما ليسَ بِمُتَعَدٍّ، وهو ما لا يَتَّصِلُ به هاءُ ضميرِ غيرِ المصدرِ، ويَتَحَتَّمُ اللُّزُومُ لكلِّ فعلٍ دالٍّ على سَجِيَّةٍ، وهي الطبيعةُ، نحو: (شَرُفَ وكَرُمَ وظَرُفَ ونَهِمَ)، وكذا كلُّ فِعْلٍ على وَزْنِ افْعَلَلَّ، نحوُ: (اقْشَعَرَّ واطْمَأَنَّ)، أو على وزنِ افْعَنْلَلَ، نحوُ: (اقْعَنْسَسَ واحْرَنْجَمَ)، أو دَلَّ على نظافةٍ؛ كـ(طَهُرَ الثوبُ ونَظُفَ)، أو على دَنَسٍ؛ كـ(دَنِسَ الثوبُ ووَسِخَ)، أو دَلَّ على عَرَضٍ، نحوُ: (مَرِضَ زيدٌ واحْمَرَّ)، أو كانَ مُطاوِعاً لِمَا تَعَدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ، نحوُ: (مَدَدْتُ الحديدَ فامْتَدَّ، ودَحْرَجْتُ زَيْداً فتَدَحْرَجَ).
واحْتَرَزَ بقولِهِ: (لواحدٍ) مِمَّا طَاوَعَ المُتَعَدِّي إلى اثنيْنِ؛ فإنَّه لا يكونُ لازماً، بل يكونُ متعدِّياً إلى مفعولٍ واحدٍ، نحوُ: (فَهَّمْتُ زيداً المسألةَ ففَهِمَهَا، وعَلَّمْتُهُ النحْوَ فتَعَلَّمَهُ).
وعَدِّ لازِماً بحَرْفِ جَرِّ = وإنْ حُذِفْ فالنصبُ للمُنْجَرِّ ([8])
نقلاً وفي (أنَّ) و(أنْ) يَطَّرِدُ = معْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا ([9])
تَقَدَّمَ أنَّ الفِعْلَ المتعدِّيَ يَصِلُ إلى مفعولِه بنفسِه، وذَكَرَ هنا أنَّ الفِعْلَ اللازِمَ يَصِلُ إلى مفعولِه بحرفِ جَرٍّ، نحوُ: (مَرَرْتُ بزيدٍ) وقد يُحْذَفُ حرفُ الجرِّ فيَصِلُ إلى مفعولِه بنفسِه، نحوُ: (مَرَرْتُ زَيْداً)، قالَ الشاعِرُ:
159- تَمُرُّونَ الدِّيَارَ ولَمْ تَعُوجُوا = كلامُكُمُ عَلَيَّ إذاً حَرَامُ ([10])
أي: تَمُرُّونَ بالدِّيَارِ. ومَذْهَبُ الجمهورِ أنه لا يَنْقَاسُ حَذْفُ حرفِ الجرِّ معَ غيرِ (أنَّ) و(أنْ)، بلْ يُقْتَصَرُ فيه على السماعِ، وذَهَبَ أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ سليمانَ البَغْدَادِيُّ، وهو الأخفشُ الصغيرُ، إلى أنه يَجُوزُ الحذفُ معَ غيرِهما قِياساً، بشرطِ تَعَيُّنِ الحرفِ ومكانِ الحذفِ، نحوُ: (بَرَيْتُ القَلَمَ بالسكِّينِ)، فيَجُوزُ عندَه حذفُ الباءِ، فتقولُ: (بَرَيْتُ القلمَ السِّكِّينَ)، فإنْ لم يَتَعَيَّنِ الحرفُ لم يَجُزِ الحذفُ، نحوُ: (رَغِبْتُ في زَيْدٍ)، فلا يَجُوزُ حذفُ (في)؛ لأنَّه لا يُدْرَى حينَئذٍ هل التقديرُ: رَغِبْتُ عن زيدٍ أو (في زيدٍ)، وكذلك إنْ لم يَتَعَيَّنْ مكانُ الحذفِ لم يَجُزْ، نحوُ: (اخْتَرْتُ القومَ مِن بني تَمِيمٍ)، فلا يَجُوزُ الحذفُ، فلا تقولُ: (اخْتَرْتُ القومَ بني تَمِيمٍ)؛ إذ لا يُدْرَى هل الأصلُ (اخْتَرْتُ القومَ من بني تَمِيمٍ) أو (اخْتَرْتُ مِن القومِ بني تَمِيمٍ).
وأمَّا (أنَّ وأنْ) فيَجُوزُ حذفُ حرفِ الجرِّ معَهما قِياساً مُطَّرِداً، بشرطِ أَمْنِ اللَّبْسِ؛ كقولِكَ: (عَجِبْتُ أنْ يَدُوا)، والأصلُ: (عَجِبْتُ مِن أنْ يَدُوا)؛ أي: مِن أنْ يُعْطُوا الدِّيَةَ.
ومثالُ ذلك معَ أنَّ بالتشديدِ: (عَجِبْتُ مِن أنك قائمٌ)، فيَجُوزُ حذفُ (مِن) فتقولُ: (عَجِبْتُ أنَّكَ قائمٌ)، فإنْ حصَلَ لَبْسٌ لم يَجُزِ الحَذْفُ، نحوُ: (رَغِبْتُ في أنْ تَقُومَ)، أو (رَغِبْتُ في أنَّكَ قائمٌ)، فلا يَجُوزُ حذفُ (في)؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ المحذوفُ (عن) فيَحْصُلُ اللَّبْسُ.
واخْتُلِفَ في مَحَلِّ (أنَّ وأنْ) عندَ حذفِ حرفِ الجرِّ؛ فذَهَبَ الأَخْفَشُ إلى أنَّهما في مَحَلِّ جَرٍّ، وذَهَبَ الكِسَائِيُّ إلى أنهما في محلِّ نصبٍ، وذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إلى تجويزِ الوجهيْنِ([11]).
وحاصلُه: أنَّ الفعلَ اللازِمَ يَصِلُ إلى المفعولِ بحرفِ الجرِّ، ثمَّ إنْ كانَ المجرورُ غيرَ (أنَّ وأنْ) لم يَجُزْ حذفُ حرفِ الجرِّ إلا سماعاً، وإنْ كانَ (أنَّ، وأنْ) جازَ ذلكَ قِياساً عندَ أَمْنِ اللَّبْسِ، وهذا هو الصحيحُ.
والأصلُ سَبْقُ فَاعِلٍ مَعْنًى كمَن = مِن (أَلْبِسَنْ مَن زَارَكُمْ نَسْجَ اليَمَنْ) ([12])
إذا تَعَدَّى الفعلُ إلى مفعوليْنِ الثاني منهما ليسَ خَبَراً في الأصلِ؛ فالأصلُ تقديمُ ما هو فاعلٌ في المعنى، نحوُ: (أَعْطَيْتُ زَيْداً دِرْهماً)، فالأصلُ تقديمُ (زَيْدٍ) على (دِرْهَمٍ)؛ لأنَّه فاعلٌ في المعنى؛ لأنَّه الآخِذُ للدِّرْهَمِ، وكذا (كَسَوْتُ زيداً جُبَّةً)، و(أَلْبِسَنْ مَن زَارَكُمْ نَسْجَ اليَمَنِ)، فـ(مَن) مفعولٌ أوَّلُ، ونَسْجَ مفعولٌ ثانٍ، والأصلُ تقديمُ مَن على نَسْجَ اليمنِ؛ لأنَّه اللابِسُ، ويَجُوزُ تقديمُ ما ليسَ فاعلاً معنًى لكنَّه خِلافُ الأصلِ.
ويَلْزَمُ الأصلُ لِمُوجِبٍ عَرَى = وتَرْكُ ذاكَ الأصلِ حَتْماً قد يُرَى ([13])
أي: يَلْزَمُ الأصلُ، وهو تقديمُ الفاعلِ في المعنى إذا طَرَأَ ما يُوجِبُ ذلك، وهو خوفُ اللَّبْسِ، نحوُ: (أَعْطَيْتُ زَيْداً عَمْراً)، فيَجِبُ تقديمُ الآخِذِ مِنهما، ولا يَجُوزُ تقديمُ غيرِه لأجلِ اللَّبْسِ؛ إذ يُحْتَمَلُ أنْ يكونَ هو الفاعِلَ، وقد يَجِبُ تقديمُ ما ليسَ فاعلاً في المعنى، وتأخيرُ ما هو فاعلٌ في المعنى، نحوُ: (أَعْطَيْتُ الدرهمَ صاحِبَه)، فلا يَجُوزُ تقديمُ صاحبَه، وإنْ كانَ فاعلاً في المعنى، فلا تقولُ: (أَعْطَيْتُ صاحبَه الدِّرْهَمَ)؛ لئلاَّ يعودَ الضميرُ على متأخِّرٍ لفظاً ورُتْبَةً، وهو مُمْتَنِعٌ، واللهُ أعلمُ([14]).
وحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ وَإِنْ لم يَضُِرْ = كحَذْفِ ما سِيقَ جَوَاباً أو حُصِرْ ([15])
الفَضْلَةُ خلافُ العُمْدَةِ، والعمدةُ ما لا يُسْتَغْنَى عنه؛ كالفاعلِ، والفَضْلَةُ ما يُمْكِنُ الاستغناءُ عنه؛ كالمفعولِ به، فيَجُوزُ حذفُ الفَضْلَةِ إنْ لم يَضُرَّ؛ كقولِكَ في (ضَرَبْتُ زيداً): (ضَرَبْتُ) بحذفِ المفعولِ به، وكقولِكَ: في (أَعْطَيْتُ زَيداً دِرهماً): (أَعْطَيْتُ)، ومنه قولُه تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}، و(أَعْطَيْتُ زيداً)، ومنه قولُه تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}، و(أَعْطَيْتُ دِرْهَماً)، قيلَ: ومِنه قولُه تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} التقديرُ واللهُ أَعْلَمُ: حَتَّى يُعْطُوكُمُ الجِزْيَةَ.
فإنْ ضَرَّ حَذْفُ الفَضْلَةِ لم يَجُزْ حَذْفُها، كما إذا وقَعَ المفعولُ به في جوابِ سؤالٍ، نحوُ أنْ يقالَ: (مَن ضَرَبْتَ؟) فتقولَ: (ضَرَبْتُ زَيْداً)، أو وَقَعَ محصوراً، نحوُ: (ما ضَرَبْتُ إلا زيداً)، فلا يَجُوزُ حذفُ (زيداً) في الموضعيْنِ؛ إذ لا يَحْصُلُ في الأولِ الجوابُ، ويَبْقَى الكلامُ في الثاني دالاًّ على نفيِ الضربِ مُطلقاً، والمقصودُ نَفْيُه عن غيرِ (زيدٍ) فلا يُفْهَمُ المقصودُ عندَ حذفِه.
ويُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا = وقدْ يكونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا ([16])
يَجُوزُ حذفُ ناصبِ الفَضْلَةِ إذا دَلَّ عليه دليلٌ، نحوُ أنْ يقالَ: (مَن ضَرَبْتَ؟) فتقولَ: (زَيْداً)، التقديرُ: (ضَرَبْتُ زيداً)، فحُذِفَ (ضَرَبْتُ) لدَلالةِ ما قبلَه عليه، وهذا الحذفُ جائزٌ، وقد يكونُ واجباً؛ كما تَقَدَّمَ في بابِ الاشتغالِ، نحوُ: (زيداً ضَرَبْتُهُ)، التقديرُ: (ضَرَبْتُ زيداً ضَرَبْتُه)، فحُذِفَ (ضَرَبْتُ) وجوباً كما تَقَدَّمَ، واللهُ أعلمُ.


([1])(علامةُ) مبتدأٌ، وعلامةُ مضافٌ و(الفِعْلِ) مُضَافٌ إليهِ،(المُعَدَّى) نعتٌ للفِعْلِ، (أنْ) مَصْدَرِيَّةٌ،َصِلْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ منصوبٌ بأنْ، وسُكِّنَ للوَقْفِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنتَ، و(أنْ) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ خبرٍ للمبتدأِ، والتقديرُ: علامةُ الفعلِ المُعَدَّى وَصْلُكَ به ها... إلخ،(ها) مفعولٌ به لِتَصِلْ، وها مضافٌ و(غَيْرِ) مُضَافٌ إليهِ، وغيرِ مضافٌ و(مَصْدَرٍ) مُضَافٌ إليهِ،(به) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَصِلْ، (نَحْوُ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛أي: وذلك نَحْوُ، ونحوُ مضافٌ و(عَمِلْ) قُصِدَ لَفْظُه: مُضَافٌ إليهِ.

([2])أَكْثَرُ النُّحَاةِ على أنَّ الفِعْلَ مِن حَيْثُ التعدِّي واللزومُ يَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْنِ: المُتَعَدِّي، واللازِمُ، ولا ثالِثَ لهما، وعبارةُ الناظِمِ والشارِحِ تَدُلُّ على أنهما يذهبانِ هذا المذهَبَ، ألاَ تَرَى أنَّ الناظِمَ يقولُ: (ولازِمٌ غيرُ المُعَدَّى)،والشارِحَ يقولُ: (واللازِمُ ما ليسَ كذلك)،وذلك يَدُلُّ على أنَّ كلَّ فِعْلٍ ليسَ بِمُتَعَدٍّ فهو لازِمٌ، فيَدُلُّ على انْحِصَارِ التقسيمِ في القِسْمَيْنِ.
ومن العلماءِ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ الفِعْلَ من هذه الجِهَةِ يَنْقَسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: الأَوَّلُ: المُتَعَدِّي، والثاني: اللازِمُ، والثالِثُ: ما ليسَ بِمُتَعَدٍّ ولا لازِمٍ، وجَعَلُوا من هذا القِسْمِ الثالِثِ الأخيرِ (كانَ) وأَخَوَاتِها؛ لأنَّها لا تَنْصِبُ المفعولَ به ولا تَتَعَدَّى إليه بحرفِ الجرِّ، كما مَثَّلُوا له ببعضِ الأفعالِ التي وَرَدَتْ تَارَةً متعدِّيَةً إلى المفعولِ به بنَفْسِها،وتَارَةً أُخْرَى مُتَعَدِّيَةً إليه بحرفِ الجرِّ، نحوُ: شَكَرْتُهُ وشَكَرْتُ له،ونَصَحْتُه ونَصَحْتُ له، وما أَشْبَهَهُما. وقد يقالُ: إنَّ (كانَ) لَيْسَتْ خارِجَةً عن القسميْنِ، بل هي مُتَعَدِّيَةٌ، وهذا جوابٌ بتحريرِ معنى كلِّ قِسْمٍ، وحِينَئِذٍ يكونُ المرادُ من المفعولِ به هو أو ما أَشْبَهَه؛كخبَرِ كانَ، أو يكونُ الجوابُ بتحريرِ مَوْضِعِ التقسيمِ، وعلى هذا يقالُ: إنَّ المُقَسَّمَ هو الأفعالُ التامَّةُ، فلَيْسَتْ (كانَ) وأَخَوَاتُها من مَوْضِعِ التقسيمِ حتى يَلْزَمَ دُخُولُها في أحدِ القِسْمَيْنِ، كما أنه قد يقالُ: إنَّ نَحْوَ (شَكَرْتُه وشَكَرْتُ له) لم تَخْرُجْ عن أحدِ القِسْمَيْنِ، بل هي إما مُتَعَدِّيَةٌ، وحرفُ الجرِّ في (شَكَرْتُ له) زائدٌ، أو لازِمَةٌ، ونَصْبُها للمفعولِ به في (شَكَرْتُه) على نَزْعِ الخافِضِ.

([3])(فانْصِبْ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنتَ،(به) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بانْصِبْ، (مَفْعُولَهُ) مفعولَ: مفعولٌ به لانْصِبْ، ومفعولَ مضافٌ والهاءُ مُضَافٌ إليهِ،ِنْ) شَرْطِيَّةٌ،(لم) نافيةٌ جازمةٌ، (يَنُبْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، جملتُه فِعْلُ الشرطِ، مجزومٌ بلم، والفاعلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى مفعولَه، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، والتقديرُ: إنْ لم يَنُبْ مفعولُه عن فاعلٍ فانْصِبْه به،(عن فاعلٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَنُبْ، (نحوُ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛أي: وذلك نحوُ،َدَبَّرْتُ) فِعلٌ وفاعلٌ، (الكُتُبْ) مفعولٌ به، ونحوُ مضافٌ والجملةُ من الفعلِ الماضي ـ وهو تَدَبَّرْتُ ـ وفاعلِه ومفعولِه في مَحَلِّ جرٍّ مُضَافٌ إليهِ، والمرادُ بالمفعولِ في قَوْلِهِ: (فانْصِبْ به مفعولَه) هو المفعولُ به؛ لأمريْنِ: أَحَدُهما: أنَّ المفعولَ عندَ الإطلاقِ هو المفعولُ به، وأمَّا بقيَّةُ المفاعيلِ فلا بُدَّ فيها من التقييدِ، تقولُ: المفعولُ معَه، والمفعولُ لأجلِه، والمفعولُ فيه، والمفعولُ المُطْلَقُ.وثانيهما: أنَّ الذي يَخْتَصُّ به الفعلُ المُتَعَدِّي هو المفعولُ به، فأمَّا غَيْرُهُ من المفاعيلِ فيَشْتَرِكُ في نصبِه المُتَعَدِّي واللازِمُ، تقولُ: ضَرَبْتُ ضَرْباً، وقُمْتُ قِياماً، وتقولُ: ذَاكَرْتُ والمِصْبَاحَ، وسِرْتُ والنِّيلَ، وتقولُ: ضَرَبْتُ ابْنِي تَأْدِيباً، وقُمْتُ إجلالاً للأميرِ، وتقولُ: لَعِبْتُ الكُرَةَ أَصِيلاً، وخَرَجْتُ مِن المَلْعَبِ لَيْلاً.

([4]) قالَ السيُوطِيُّ في (هَمعِ الهَوَامِعِ) (1: 186): (وسُمِعَ رَفْعُ المفعولِ به ونصبُ الفاعِلِ، حَكَوْا: خَرَقَ الثوبُ المِسْمَارَ، وكَسَرَ الزُّجَاجُ الحَجَرَ، وقالَ الشاعِرُ:
مِثْلُ القَنَافِذِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ = نَجْرَانَ أَوْ بَلَغَتْ سَوْآتِهِمْ هَجَرُ
فإن السَّوْآتِ هي البالِغَةُ. وسُمِعَ أيضاًً رَفْعُهُما، قالَ:
إِنَّ مَنْ صَادَ عَقْعَقاً لَمَشُومُ = كَيْفَ مَنْ صَادَ عَقْعَقَانِ وبُومُ
وسُمِعَ نَصْبُهما، قالَ:
قد سَالَمَ الْحَيَّاتِ مِنْهُ الْقَدَمَا = الأُفْعُوَانَ والشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا
والمُبِيحُ لذلك كُلِّهِ فَهْمُ المعنى وعَدَمُ الإلباسِ، ولا يُقاسُ على شيءٍ مِن ذلك). اهـ.
وقالَ ابنُ مالِكٍ في (شَرْحِ الكافِيَةِ): (وقد يَحْمِلُهُم ظُهُورُ المعنى على إعرابِ كلِّ واحدٍ مِن الفاعلِ والمفعولِ به بإعرابِ الآخَرِ؛ كقَوْلِهِم: خَرَقَ الثَّوْبُ المِسْمَارَ، ومنه قولُ الأَخْطَلِ: مِثْلُ القَنَافِذِ.. البيتَ). اهـ.
والظاهرُ من هذه العباراتِ كلِّها أَنَّ الاسمَ المنصوبَ في هذه المُثُلِ التي ذَكَرُوها هو الفاعلُ، والاسمَ المرفوعَ هو المفعولُ، وأنَّ التغييرَ لم يَحْصُلْ إلاَّ في حَرَكَاتِ الإعرابِ، لكِنْ ذَهَبَ الجَوْهَرِيُّ إلى أنَّ المنصوبَ هو المفعولُ به، والمرفوعَ هو الفاعِلُ، والتغييرُ إنما حَصَلَ في المعنى، وهذا رأيٌ لجماعةٍ مِن النُّحَاةِ، وقد اخْتَارَهُ الشَّاطِبِيُّ، وانْظُرْ ما ذَكَرْنَاه واسْتَشْهَدْنَا له في مَطْلَعِ بابِ الفاعِلِ.

([5])(ولازِمٌ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، (غَيْرُ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وغيرُ مضافٌ و(المُعَدَّى) مضافٌ إليه، (وحُتِمْ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، (لُزُومُ) نائبُ فاعلٍ لِحُتِمْ، ولُزُومُ مضافٌ و(أفعالِ) مضافٌ إليه، وأفعالِ مضافٌ و(السَّجَايَا) مضافٌ إليه، (كنَهِمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ كنَهِمَ.

([6])(كذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، (افْعَلَلَّ) قُصِدَ لَفْظُه: مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، (والمُضَاهِي) مَعْطُوفٌ على قولِه: (افْعَلَلَّ) السابِقِ، وهو اسمُ فاعلٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، وقولُه: (اقْعَنْسَسَا) مفعولُه، وقد قُصِدَ لَفْظُه، (وما) اسمٌ مَوْصُولٌ، مَعْطُوفٌ على المُضَاهِي، (اقْتَضَى) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، (نَظَافَةً) مفعولٌ به لاقْتَضَى، (أَوْ دَنَسَا) مَعْطُوفٌ على قولِهِ: (نَظَافَةً).

([7])(أو عَرَضاً) مَعْطُوفٌ على قولِهِ: (نظافةً) في البيتِ السابِقِ، (أو طَاوَعَ) أو: حرفُ عَطْفٍ، وطَاوَعَ: فعلٌ ماضٍ مَعْطُوفٌ على اقْتَضَى، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى ما الموصولةِ، (الْمُعَدَّى) مفعولٌ به لِطَاوَعَ، (لِوَاحِدٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالمُعَدَّى، (كَمَدَّهُ) مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ كَمَدَّهُ، (فَامْتَدَّا) الفاءُ عاطفةٌ، امْتَدَّ فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو.

([8])(وعَدِّ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنتَ، (لاَزِماً) مفعولٌ به لِعَدِّ، (بِحَرْفِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بعَدِّ، وحرفِ مضافٌ و(جَرِّ) مضافٌ إليه، (وإِنْ) شَرْطِيَّةٌ، (حُذِفْ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ فعلُ الشرطِ، ونائبُ الفاعلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى حَرْفِ جرِّ، (فالنَّصْبُ) الفاءُ لربطِ الجوابِ بالشرطِ، النصبُ: مبتدأٌ، (لِلْمُنْجَرِّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المُبْتَدَأِ، وجملةُ المبتدأِ وخَبَرِهِ في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرطِ.

([9])(نَقْلاً) مفعولٌ مُطْلَقٌ، أو حالٌ صَاحِبُهُ اسمُ المفعولِ المفهومُ من قولِ: (حُذِفْ)، وتَقْدِيرُه: مَنْقُولاً، (وفي أنَّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَطَّرِدُ الآتِي، (وأنْ) مَعْطُوفٌ على أنَّ، (يَطَّرِدُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى الحذفِ المفهومِ مِن حُذِفْ، (معْ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَطَّرِدُ، ومعْ مضافٌ و(أَمْنِ) مضافٌ إليه، وأَمْنِ مضافٌ و(لَبْسٍ) مضافٌ إليه، (كعَجِبْتُ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، عَجِبْتُ: فِعْلٌ وفاعلٌ، (أنْ) مَصْدَرِيَّةٌ، (يَدُوا) فِعْلٌ مُضَارِعٌ منصوبٌ بأنْ، وعلامةُ نَصْبِهِ حَذْفُ النونِ، وواوُ الجماعةِ فاعلُه، و(أنْ) ومَنْصُوبُها في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بِمِن المحذوفةِ، والتقديرُ: عَجِبْتُ مِن وَدْيِهِم ـ أي: إعطائِهِمُ الدِّيَةَ ـ والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بعَجِبَ.

([10]) البيتُ لِجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفِيِّ.
اللغةُ: (تَعُوجُوا) يقالُ: عاجَ فلانٌ بالمكانِ يَعُوجُ عَوْجاً ومَعَاجاً ـ كقالَ يَقُولُ قَوْلاً ومَقَالاً ـ إذا أقامَ به، ويقالُ: عاجَ السائرُ بمكانِ كذا، إذا عَطَفَ عليه، أو وَقَفَ به، أو عَرَّجَ عليه وتَحَوَّلَ إليه، ورِوَايَةُ الدِّيوانِ:
* أَتَمْضُونَ الرُّسُومَ وَلاَ نُحَيَّا *
الإعرابُ: (تَمُرُّونَ) فِعْلٌ وفاعلٌ، (الدِّيَارَ) منصوبٌ على نَزْعِ الخافِضِ، وأصلُه: تَمُرُّونَ بالدِّيَارِ، (ولم تَعُوجُوا) الواوُ للحالِ، ولم: نافيةٌ جازِمَةٌ، تَعُوجُوا: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مجزومٌ بلم، وعلامةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النونِ، وواوُ الجماعةِ فاعلٌ، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ، (كلامُكُمُ) كلامُ: مبتدأٌ، وكلامُ مضافٌ وضميرُ المُخَاطَبِينَ مُضافٌ إليه، (عَلَيَّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بحرامُ الآتِي، (حَرَامُ) خبرُ المُبْتَدَأِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (تَمُرُّونَ الدِّيَارَ) حيثُ حَذَفَ الجارَّ، وأَوْصَلَ الفِعْلَ اللازِمَ إلى الاسمِ الذي كانَ مجروراً فنَصَبَه، وأصلُ الكلامِ: (تَمُرُّونَ بالدِّيَارِ)، ويُسَمَّى ذلك: (الحَذْفُ والإيصالُ) وهذا قاصرٌ على السماعِ، ولا يجوزُ ارْتِكَابُه في سَعَةِ الكلامِ، إلاَّ إذا كانَ المجرورُ مَصْدراً مُؤَوَّلاً مِن (أنَّ) المُؤَكِّدَةِ معَ اسْمِها وخَبَرِها، أو مِن (أنِ) المَصْدَرِيَّةِ معَ منصوبِها.
ومثلُ هذا الشاهدِ قولُ عُمَرَ بنِ أبي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيِّ:
غَضِبَتْ أَنْ نَظَرْتُ نَحْوَ نِسَاءٍ = لَيْسَ يَعْرِفْنَنِي مَرَرْنَ الطَّرِيقَا
ومَحَلُّ الاستشهادِ قولُه: (مَرَرْنَ الطَّرِيقَا)؛ حيثُ حَذَفَ حرفَ الجرِّ ثمَّ أَوْصَلَ الفعلَ اللازِمَ إلى الاسمِ الذي كانَ مجروراً فنَصَبَه، وأصلُ الكلامِ: مَرَرْنَ بالطريقِ، وفيه شاهدٌ آخَرُ للقِيَاسِيِّ من هذا البابِ، وذلك في قَوْلِهِ (غَضِبَتْ أنْ نَظَرْتُ)، وأصلُه: غَضِبَتْ مِن أنْ نَظَرْتُ.

([11])أمَّا الذين ذَهَبُوا إلى أنَّ المصدرَ المُنْسَبِكَ من الحرفِ المصدريِّ ومعمولِه في مَحَلِّ نصبٍ بعدَ حَذْفِ حرفِ الجرِّ الذي كانَ يَقْتَضِي جَرَّهُ، فاسْتَدَلُّوا على ذلك بِشَيْئَيْنِ:
أَوَّلُهُما: أنَّ حَرْفَ الجرِّ عاملٌ ضعيفٌ، وآيةُ ضَعْفِه أنه مُخْتَصٌّ بنوعٍ واحدٍ هو الاسمُ، والعاملُ الضعيفُ لا يَقْوَى على العملِ إلاَّ إذا كانَ مذكوراً، فمتى حُذِفَ مِن الكلامِ زالَ عَمَلُه.
وثاني الدليليْنِ: أنَّ حَرْفَ الجرِّ إذا حُذِفَ مِن الكلامِ، وكانَ مَدْخُولُه غيرَ (أنَّ) و(أنْ) فنحنُ مُتَّفِقُون على أنَّ الاسمَ الذي كانَ مجروراً به يُنْصَبُ، كما في بيتِ عمرَ وبيتِ جَرِيرٍ السابقِ (رَقْمِ 159)، وكما في قَوْلِ سَاعِدَةَ بنِ جُؤيةَ الهُذَلِيِّ:
لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ = فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
وكما في قولِ المُتَلَمِّسِ جَرِيرِ بنِ عبدِ المَسيحِ يُخَاطِبُ عمرَو بنَ هِنْدٍ مَلِكَ الحِيرَةِ:
آلَيْتَ حَبَّ العِرَاقِ الدَّهْرَ أَطْعَمُهُ = والحَبُّ يَأْكُلُهُ فِي القَرْيَةِ السُّوسُ
أرادَ الأوَّلُ: كما عَسَلَ في الطريق، وأراد الثانِي: آلَيْتُ على حَبِّ العِراقِ، فلَمَّا حَذَفَا حرفَ الجرِّ نَصَبَا الاسمَ الذي كانَ مجروراً، فيَجِبُ أنْ يكونَ هذا هو الحُكْمَ معَ أنَّ وأنْ.
وأمَّا الذين ذَهَبُوا إلى أنَّ المصدرَ في مَحَلِّ جرٍّ بعدَ حَذْفِ حرفِ الجَرِّ فقد اسْتَدَلُّوا على ما ذَهَبُوا إليه بالسماعِ عن العربِ.
فمن ذلك قولُ الفَرَزْدَقِ مِن قَصِيدَةٍ يَمْدَحُ فيها عبدَ المُطَّلِبِ بنَ عبدِ اللهِ المَخْزُومِيَّ:
وما زُرْتُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ حَبِيبَةً = إِلَيَّ وَلاَ دَيْنٍ بِهَا أَنَا طَالِبُهْ
فقولُه: (ولا دَيْنٍ) مرويٌّ بِجَرِّ (دَيْنٍ) المَعْطُوفِ على المصدرِ المُنْسَبِكِ من (أنْ تكونَ... إلخ) وذلك يَدُلُّ على أنَّ هذا المصدرَ مجرورٌ؛ لِوُجُوبِ تَطَابُقِ المعطوفِ والمعطوفِ عليه في حَرَكَاتِ الإعرابِ.
وقد حَذَفَ الفَرَزْدَقُ حرفَ الجرِّ وأَبْقَى الاسمَ مجروراً على حالِه قبلَ الحَذْفِ، وذلك في قَوْلِهِ:
إِذَا قِيلَ: أَيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ = أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالأَكُفِّ الأَصَابِعُ
أصلُ الكلامِ: أشارَتْ إلى كُلَيْبٍ، فلمَّا حَذَفَ (إلى) أَبْقَى (كُلَيْبٍ) على جَرِّهِ.
فلَمَّا رَأَى سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ تَكَافُؤَ الأَدِلَّةِ، وأنَّ السَّماعَ وَرَدَ بالوجهيْنِ، ولا وَجْهَ لِتَرْجِيحِ أَحَدِهِما على الآخَرِ، جَوَّزَ كلَّ واحدٍ مِنهما.

([12])(والأصلُ) مبتدأٌ، (سَبْقُ) خبرُ المُبْتَدَأِ، وسَبْقُ مضافٌ (وفاعِلٍ) مضافٌ إليه، (مَعْنًى) منصوبٌ على نَزْعِ الخافِضِ، أو تَمْيِيزٌ، (كمَن) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ كمَن... إلخ، (مِن) حرفُ جَرٍّ، ومجرورُه قَوْلٌ محذوفٌ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ، (أَلْبِسَنْ) فِعْلُ أَمْرٍ مؤكَّدٌ بالنونِ الخفيفةِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنتَ، (مَن) اسمٌ مَوْصُولٌ مفعولٌ أَوَّلُ لأَلْبِس، (زَارَكُمْ) زَارَ: فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى مَن، وضميرُ المخاطَبينَ مفعولٌ به، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ، (نَسْجَ) مفعولٌ ثانٍ لأَلْبِس، ونَسْجَ مضافٌ و(اليمنْ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وسُكِّنَ لأجلِ الوقفِ.

([13])(ويَلْزَمُ الأَصْلُ) فعلٌ وفاعلٌ، (لِمُوجِبٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَلْزَمُ، (عَرَى) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى مُوجِبٍ، والجملةُ في مَحَلِّ جرٍّ نعتٌ لِمُوجِبٍ، (وتَرْكُ) مبتدأٌ، وتَرْكُ مضافٌ واسمُ الإشارةِ من (ذاك) مضافٌ إليه، والكافُ حَرْفُ خِطابٍ، (الأَصْلِ) بَدَلٌ أو عَطْفُ بيانٍ مِن اسمِ الإشارةِ، (حَتْماً) حالٌ مِن نائبِ الفاعِلِ المستَتِرِ في (يُرَى) الآتي، وتَقْدِيرُه باسمِ مفعولٍ؛ أي: محتوماً، (قد) حرفُ تَقْلِيلٍ، (يُرَى) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى (تَرْكُ)، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المُبْتَدَأِ.

([14])تَلْخِيصُ ما أشارَ إليه الشارِحُ والناظِمُ في هذه المسألةِ، أنَّ للمفعولِ الأوَّلِ معَ المفعولِ الثاني ـ اللذيْنِ ليسَ أَصْلُهما المبتدأَ والخبرَ ـ ثلاثةَ أحوالٍ:
الحالةُ الأُولى: يَجِبُ فيها تقديمُ الفاعلِ في المعنَى.
والحالةُ الثانيةُ: يَجِبُ فيها تقديمُ المفعولِ في المعنى.
والحالةُ الثالثةُ: يجوزُ فيها تقديمُ أَيِّهِما شِئْتَ.
وسَنُبَيِّنُ لكَ مواضِعَ كلِّ حالةٍ مِنها تَفصيلاً:
أمَّا الحالةُ الأُولى فلها ثلاثةُ مَوَاضِعَ:
أَوَّلُها: أنْ يُخَافَ اللَّبْسُ، وذلك إذا صَلَحَ كلٌّ مِن المفعوليْنِ أنْ يكونَ فاعلاً في المعنى، وذلك نحوُ: (أَعْطَيْتُ زَيْداً عَمْراً).
وثانيها: أنْ يكونَ المفعولُ في المعنى محصوراً فيه، نحوُ قولِكَ: (ما كَسَوْتُ زَيْداً إلاَّ جُبَّةً، وما أَعْطَيْتُ خَالِداً إلاَّ دِرْهَماً).
وثالِثُها: أنْ يكونَ الفاعلُ في المعنى ضَميراً، والمفعولُ في المعنى اسماً ظاهراً، نحوُ: (أَعْطَيْتُكَ دِرْهَماً).
وأمَّا الحالةُ الثانيةُ فلها ثلاثةُ مَوَاضِعَ أيضاًً:
أَوَّلُها: أنْ يكونَ الفاعلُ في المعنى مُتَّصِلاً بضميرٍ يعودُ على المفعولِ في المعنى، نحوُ: (أَعْطَيْتُ الدِّرْهَمَ صَاحِبَه)؛ إذ لو قُدِّمَ لعادَ الضميرُ على متأخِّرٍ لَفْظاً ورُتْبَةً.
وثانيها: أنْ يكونَ الفاعلُ في المعنى مِنهما مَحْصُوراً فيه، نحوُ قولِكَ: (ما أَعْطَيْتُ الدِّرْهَمَ إلاَّ زَيْداً).
وثالِثُها: أنْ يكونَ المفعولُ في المعنى مِنهما ضَميراً، والفاعلُ في المعنى اسماً ظاهراً، نحوُ قَوْلِكَ: (الدِّرْهَمُ أَعْطَيْتُه بَكْراً).
وأما الحالةُ الثالثةُ ففيما عدا ما ذَكَرْنَاه مِن مواضِعِ الحالتيْنِ، ومِنها قولُكَ: (أَعْطَيْتُ زَيْداً مالَه) يجوزُ أنْ تقولَ فيه: أَعْطَيْتُ مالَه زيداً، فالضميرُ إنْ عادَ على متأخِّرٍ لفظاً فقد عادَ على متقدِّمٍ رُتْبَةً.

([15])(وحَذْفَ) مفعولٌ به مُقَدَّمٌ لأَجِزْ، وحَذْفَ مضافٌ و(فَضْلَةٍ) مضافٌ إليه، (أَجِزْ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنتَ، (إِنْ) شَرْطِيَّةٌ، (لم) جازمةٌ نافيةٌ، (يَضِرْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مجزومٌ بلم، وجملتُه فعلُ الشرطِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى حَذْفَ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: إنْ لم يَضِرْ حَذْفُ الفَضْلَةِ فأَجِزْهُ، (كحَذْفِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أي: وذلك كائنٌ كحَذْفِ، و(ما) اسمٌ مَوْصُولٌ: مضافٌ إليه، (سِيقَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ، (جَوَاباً) مفعولٌ ثانٍ لِسِيقَ، (أو) عاطفةٌ، (حُصِرْ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ معطوفٌ على (سِيقَ).

([16])(ويُحْذَفُ) فعلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، (النَّاصِبُهَا) الناصِبُ: نائبُ فاعلِ يُحْذَفُ، وهو اسمُ فاعلٍ يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، و(ها) ضميرُ الغائبِ العائدُ إلى الفَضْلَةِ مفعولٌ به، (إنْ) شَرْطِيَّةٌ، (عُلِمَا) عُلِمَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، فِعْلُ الشرطِ، ونائبُ الفاعلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى الناصِبُ، والألِفُ للإطلاقِ، (وقد) حرفُ تقليلٍ، (يكونُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ ناقصٌ، (حَذْفُهُ) حَذْفُ: اسمُ يكونُ، وحَذْفُ مضافٌ وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى الناصِبُ مضافٌ إليه، (مُلْتَزَمَا) خبرُ يكونُ.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هذا بابُ التَّعَدِّي واللُّزومِ

الفِعْلُ ثَلاثَهُ أَنْواعٍ([1]): ‌‌
أحَدُها: مَا لا يُوصَفُ بتَعَدٍّ ولا لُزومٍ, وهو (كَانَ) وأخَواتُها, وقَدْ تَقَدَّمَتْ.
الثاني: المُتعدِّي, وله عَلامَتانِ: إحداهما: أنْ يَصِحَّ أَنْ يَتَّصِلَ به هاءُ ضميرِ غيرِ المَصْدَرِ.
الثانيةُ: أَنْ يُبْنَى منه اسْمُ مفعولٍ تَامٌّ, وذلك كـ (ضَرَبَ), ألاَ تَرَى أنَّكَ تَقُولُ: (زَيْدٌ ضَرَبَهُ عَمْرٌو). فتَصِلُ بهِ هاءَ ضميرِ غيرِ المَصدَرِ، وهو: (زَيْدٌ), وتَقُولُ: (هُوَ مَضْرُوبٌ). فيَكُونُ تَامًّا.
وحُكْمُه أنْ يَنْصِبَ المفعولَ بهِ؛ كـ (ضَرَبْتُ زَيْداً), و: َدَبَّرْتُ الكُتُبَ), إِلاَّ إِنْ نَابَ عن الفاعلِ؛ كـ (ضُرِبَ زَيْدٌ) و(تُدُبِّرَتِ الكُتُبُ).
الثالِثُ: اللاَّزِمُ وله اثْنَتَا عَشْرَةَ عَلامَةً, وهي:
أنْ لا يَتَّصِلَ به هاءُ ضَمِيرِ غيرِ المَصْدَرِ, وأنْ لا يُبْنَى منه اسْمُ مَفْعولٍ تَامٌّ, وذلك كـ (خَرَجَ)، أَلاَ تَرَى أنَّه لا يُقالُ: (زَيْدٌ خَرَجَهُ عَمْرٌو), ولا: (هُوَ مَخْرُوجٌ). وإنَّما يُقالُ: (الخُرُوجُ خَرَجَهُ عَمْرٌو), و: (هو مَخْرُوجٌبهِ أو إليهِ).
وأَنْ يَدُلَّ على سَجِيَّةٍ- وهي: ما لَيْسَ حَرَكَةَ جِسْمٍ- مِن وَصْفٍ مُلازِمٍ، نحوِ: جَبُنَ وشَجُعَ.
أو على عَرَضٍ- وهو: ما لَيْسَ حَرَكَةَ جِسْمٍ مِن وَصْفٍ غَيرِ ثَابِتٍ؛ كمَرِضَ وكَسِلَ ونَهِمَ؛ إِذَا شَبِعَ.
أو على نَظَافَةٍ كنَظُفَ وطَهُرَ ووَضُؤَ.
أو على دَنَسٍ نحوِ: نَجُسَ وقَذُرَ.
أو علَى مُطاوعةِ فاعلِه لفاعلِ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ لواحدٍ نحوِ: كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ ومَدَدْتُهُ فامْتَدَّ, فلو طَاوَعَ ما يَتَعَدَّى فِعْلُه لاثنيْنِ تَعدَّى لواحدٍ؛ كعَلَّمْتُهُ الحِسَابَ فتَعَلَّمَهُ.
أو يَكُونُ مُوازِناً لافْعَلَلَّ؛ كاقْشَعَرَّ واشْمَأَزَّ, أو لِمَا أُلْحِقَ بهِ, وهو افْوَعَلَّ؛ كاكْوَهَدَّ الفَرْخُ: إِذَا ارْتَعَدَ.
أو لافْعَنْلَلَ كاحْرَنْجَمَ, أو لِمَا أُلْحِقَ به، وهو افْعَنْلَلَ بزيادةِ إحْدَى اللامَيْنِ كاقْعَنْسَسَ الجَمَلُ: إذا أبَى يَنْقادُ, وافْعَنْلَى كاحْرَنْبَى الدِّيكُ: إِذَا انْتَفَشَ للقتالِ.
وحُكْمُ اللازمِ أَنْ يَتعدَّى بالجارِّ؛ كـ (عَجِبْتُ مِنْهُ), و(مَرَرْتُ بِهِ), و(غَضِبْتُ عَلَيْهِ).
وقدْ يُحذَفُ ويَبْقَى الجَرُّ شُذُوذاً؛ كقَولِهِ:
235_ أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بالأَكُفِّ الأَصَابِعُ([2])
أي: إلى كُلَيْبٍ.
وقَدْ يُحْذَفُ ويُنْصَبُ المجرورُ, وهو ثلاثهُ أقسامٍ:
(1) سَمَاعِيٌّ جَائِزٌ في الكلامِ المنثورِ، نحوُ: (نَصَحْتُهُ), و(شَكَرْتُهُ), والأكْثَرُ ذِكْرُ اللامِ نحوُ: {ونَصَحْتُ لَكُمْ}([3]) {أَنِ اشْكُرْ لِي}([4]).
(2) وسَمَاعِيٌّ خَاصٌّ بالشِّعْرِ؛ كقَولِهِ:
236- *... كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ*([5])
وقولِه:
237- آلَيْتَ حَبَّ العِرَاقِ الدَّهْرَ أَطعَمُهُ([6])
أي: في الطريقِ وعلى حَبِّ العراقِ.
(3) وقِيَاسِيٌّ وذلك في أَنَّ وأَنْ وكَيْ([7]) نحوُ: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَإِلَهَ إِلاَّ هُوَ}([8]) ونحوُ: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ}([9]) ونحوُ: {كَيْلاَ يَكُونَ دُولَةً}([10]) أي: بأنَّه, ومِن أَنْ جَاءَكُمْ, ولِكَيْلاَ, وذلكَ إِذَا قَدَّرْتَ (كَيْ) مَصدَرِيَّةً.
وأهْمَلَ النحْوِيُّونَ هنا ذِكْرَ (كَيْ), واشْتَرَطَ ابنُ مَالِكٍ في (أَنَّ) و(أَنْ) أمْنَ اللَّبْسِ, فمَنَعَ الحَذْفَ في نحوِ: (رَغِبْتُ فِي أَنْ تَفْعَلَ), أو:َنْ أَنْ تَفْعَلَ)؛ لإشكالِ المرادِ بعدَ الحذفِ, ويُشْكِلُ عليهِ: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}([11]), فحَذَفَ الحَرْفَ معَ أنَّ المُفسِّرِينَ اخْتَلَفُوا في المرادِ.
فَصْلٌ:
لبَعضِ المفاعيلِ الأصالةُ في التقَدُّمِ على بَعْضٍِ: إِمَّا بكونِه مُبْتدأً في الأصْلِ أو فَاعِلاً في المعنَى أو مُسَرَّحاً لَفْظاً أو تقديراً([12])،والآخَرُ مُقَيَّدٌ لَفْظاً أو تقديراً؛ وذلك كـ (زَيْداً) في: (ظَنَنْتُ زَيْداً قَائِماً), و: َعْطَيْتُ زَيْداً دِرْهماً), و: (اخْتَرْتُ زَيْداً القَوْمَ)([13]أو:(مِن القَوْمِ).
ثُمَّ قَدْ يَجِبُ الأصْلُ كما إذا خِيفَ اللَّبْسُ([14]كـ (أعْطَيْتُ زَيْداً عَمْراً), أو كانَ الثاني مَحْصوراً؛ كـ (مَا أَعْطَيْتُ زَيْداً إِلاَّ دِرْهماً), أو ظَاهِراً والأوَّلُ ضَمِيرٌ نحوَ: {إِنَّا أَعطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}([15]).
وقدْ يَمْتَنِعُ كما إذا اتَّصَلَ الأوَّلُ بضَميرِ الثاني([16]كـ (أَعْطَيْتُ المَالَ مَالِكَهُ), أو كانَ مَحْصوراً؛ كـ (مَا أَعطَيْتُ الدِّرْهَمَ إِلاَّ زَيْداً), أو مُضْمَراً والأَوَّلُ ظَاهِرٌ؛ كـ (الدِّرْهَمَ أَعطَيتُهُ زَيْداً).
فَصْلٌ: يَجوزُ حَذْفُ المفعولِ لغَرَضٍ: إمَّا لَفظِيٍّ كتَناسُبِ الفواصلِ في نحوِ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}([17]) ونحوِ: {إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}([18]) وكالإيجازِ في نحوِ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}([19]).
وإمَّا مَعْنَوِيٌّ كاحتقارِه في نحوِ: {كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ}([20]) - أي: الكافِرِينَ- أو لاستهجانِه؛ كقولِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: (مَا رَأَى مِنِّي وَلاَ رَأَيْتُ مِنْهُ) أي: العَوْرَةَ.
وقدْ يَمتنِعُ حَذْفُه كأنْ يَكُونَ مَحْصوراً نحوَ: (إِنَّمَا ضَرَبْتُ زَيْداً), أو جواباً كـ (ضَرَبْتُ زَيْداً), جواباً لمَن قالَ: )مَنْ ضَرَبْتَ؟([21]).
فصلٌ: وقَدْ يُحذَفُ نَاصِبُه إِنْ عُلِمَ؛ كقَوْلِكَ لمَن سَدَّدَ سَهْماً:(القِرْطَاسَ). ولمَن تَأَهَّبَ لسَفَرٍ: (مَكَّةَ). ولمَن قالَ: مَن أَضْرِبُ؟َرَّ النَّاسِ). بإضمارِ: تُصِيبُ, وتُرِيدُ, واضْرِبْ.
وقدْ يَجِبُ ذلك كما في الاشتغالِ؛ كـ (زَيْداً ضَرَبْتُهُ), والنداءِ كـ (يَا عَبْدَ اللهِ)([22]وفي الأمثالِ نحوَ: (الكِلابَ علَى البَقَرِ)؛ أي: أَرْسِلْ, وفيما جَرَى مَجْرَى الأمثالِ نحوَ: {انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ}([23]) أي: وَأْتُوا, وفي التحذيرِ بإِيَّاكَ وأخواتِها نحوَ: (إِيَّاكَ والأَسَدَ)؛ أي: إِيَّاكَ بَاعِدْ وَاحْذَرِ الأسدَ.
وفي التحذيرِ بغيرِها بشَرْطِ عَطْفٍ أو تَكْرارٍ نحوَ: (رَأْسَكَ والسَّيْفَ)؛ أي: بَاعِدْ واحْذَرْ, ونحوَ: (الأَسَدَ الأَسَدَ).
وفي الإغراءِ بشَرطِ أحَدِهما نحوَ: (المُرُوءَةَ والنَّجْدَةَ), ونَحْوَ: (السِّلاحَ السِّلاحَ), بتقدير:ِ الْزَمْ.


([1]) فإنْ قُلْتَ: فإنِّي أجِدُ في اللغةِ أفعالاً تَتعدَّى أحياناً بنفسِها، وتَتَعدَّى أحياناً بحَرْفِ الجرِّ، وهذا النوعُ لا يَصْدُقُ عليهِ حَدُّ الفعلِ المُتعدِّي، ولا حَدُّ الفعلِ اللازمِ، وذلك نحوُ: (نَصَحْتُ) و(شَكَرْتُ)؛ فإِنَّهم يَقولُونَ: نَصَحْتُهُ، وشَكَرْتُهُ. فيَنْصِبونَ بهِ هاءَ غَيْرِ المصدرِ، فيَكونُ الفعلُ في هذه الصورةِ مُتعدِّياً، ويقولونَ: (نَصَحْتُ لَه، وشَكَرْتُ له). فيُعَدُّونَه بحرفِ الجرِّ.
فهلْ أجْعَلُ هذهِ الأفعالَ من الفعلِ المُتعَدِّي؛ نَظَراً إلى الصورةِ الأولى, أو أجْعَلُه من الفِعْلِ اللازمِ؛ نظراً إلى الصورةِ الثانيةِ، أو أتَوَقَّفُ في أمْرِه فَلاَ أجْعَلُه من المُتعَدِّي، ولا أجْعَلُه من اللازمِ؛ نَظَراً لوُجودِ الصورتيْنِ فيه؟
فالجوابُ عن ذلك أنْ نَقولَ لكَ: اعْلَمْ أوَّلاً أنَّ المُتصَوَّرَ في هذهِ الأفعالِ وأمثالِها أنْ يَكُونَ تَعَدِّيها بنفسِها لغةَ قَبيلةٍ مِن قَبائِلِ العربِ، وتَعَدِّيها بحرفِ الجرِّ لغةَ قبيلةٍ أُخْرَى، فهي بالنَّظَرِ إلى كلِّ قبيلةٍ على حِدَتِها داخلةٌ في أحَدِ القِسْمَيْنِ؛ المُتَعَدِّي واللازِمِ، ولكنَّ نَقَلَةَ اللغةِ لم يُمَيِّزُوا في نَقْلِهم لغاتِ القَبائِلِ بَعضَها عن بعضٍ، بل جَمَعوا لنا الاستعماليْنِ على أنَّهما من كلامِ العربِ.
ونحن في كلامِنا لا نَتَكَلَّمُ بلغةِ قبيلةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ لأنَّنا لا نَستطِيعُ معرفةَ ذلك لو أرَدْنَاه، وإنَّما نتكلَّمُ بما تكلَّمَ به فُصحاءُ القبائلِ العربيَّةِ، ولو كانتِ الألفاظُ التي نتكَلَّمُ بها خَليطاً من ألفاظٍ استعمَلَها قبائِلُ شَتَّى، وليسَ في ذلك ما يُنْكَرُ ما دُمْنا لا نَخْرُجُ عمَّا تكلَّمَ به العربُ.
وبعدُ، فإنَّ للنحاةِ في هذا الموضوعِ ثلاثَةَ آراءٍ:
الرأيُ الأولُ: أنَّ هذا النوعَ قسمٌ مُستقِلٌّ قائِمٌ بذاتِه، فليسَ هو من قَبيلِ المتعدِّي، وليسَ هو من قَبيلِ اللازمِ، وأصحابُ هذا الرأيِ نَظَروا إلى الاستعماليْنِ جميعاً كما نَظَرْتَ أنتَ إليهما, فلم يَجْرُؤُوا على التمييزِ بينَ استعمالٍ واستعمالٍ آخرَ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ من الاستعماليْنِ مَنْقولٌ عن العربِ الذينَ يَجِبُ على المُتكَلِّمِ بلُغتِهم أنْ يَأْتَسِيَ بهم.
والرأْيُ الثاني: أنْ نَنْظُرَ إلى الاستعمالِ الذي يُعَدِّي هذه الأفعالَ بحرفِ الجرِّ، فنَجْعَلَهُ هو الأصْلَ، ثم نَجْعَلَ ما نَتَصَوَّرُه مُتعدِّياً بنفسِه مَنْقولاً عن اللازِمِ، بحذفِ حرفِ الجرِّ وإيصالِ الفعلِ إلى ما كانَ مَجْروراً، وهو ما يُسَمِّيهِ علماءُ العربيَّةِ (الحَذْفَ والإيصالَ) واختارَ هذا الرأْيَ ابنُ عُصفورٍ، وسيَذْكُرُ المُؤَلِّفُ أمثلةَ هذهِ الأفعالِ فيما بعدُ، على اعتبارِ هذا الرأْيِ.
الرأيُ الثالِثُ: أنْ نَنْظُرَ إلى الاستعمالِ الذي يُعَدِّي هذه الأفعالَ بنفسِها، فنَجْعَلَه هو الأصْلَ، ثم نَجْعَلَ الاستعمالَ الآخَرَ الذي يُعَدِّيها بحرفِ الجرِّ من بابِ زيادةِ حَرْفِ الجرِّ، وهذا رَأْيٌ ذَكَرَه أبو حَيَّانَ، وفيهِ مَقالٌ.

([2]) 235-هذا عَجُزُ بيتٍ من الطويلِ، وصَدْرُه قولُه:
ِذَا قِيلَ: أَيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ؟*
وهو مِن كلمةٍ للفَرَزْدَقِ هَمَّامِ بنِ غَالِبٍ, يَهْجُو فيها جريرَ بنَ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفِيِّ.
اللغةُ: (كُلَيْبٍ) هو كُلَيْبُ بنُ يَرْبُوعٍ، أبو قبيلةِ جَرِيرٍ، والباءُ في قولِه: (بالأَكُفِّ) بمعنَى معَ؛ أي: معَ الأَكُفِّ، وقولُه: (الأصَابِعُ) هو فَاعِلُ (أشَارَتْ).
الإعرابُ: (إِذَا) ظرفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ من الزمانِ، خَافِضٌ لشرطِه، منصوبٌ بجوابِه، مَبْنِيٌّ علَى السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ بأشارَتْ, (قِيلَ) فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ, مَبْنِيٌّ علَى الفتحِ لا مَحَلَّ له,َيُّ) مبتدأٌ، وهو مُضافٌ, و(الناسِ) مُضافٌ إليهِ,َرُّ) خبرُ المبتدأِ، مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مُضافٌ, و(قبيلةٍ) مُضافٌ إليه مَجْرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، ويجوزُ تنوينَُرٌّ) معَ رَفْعِه على أنه خَبَرٌ، وعليهِ يَكُونُ قولُه: (قبيلةً) منصوباً على التَّمْيِيزِ، وجملةُ المبتدأِ وخَبَرِه في مَحَلِّ رفعٍ نَائِبُ فَاعِلِ قِيلَ، وجملةُ قِيلَ ونائبِ فَاعلِه في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِِذَا)إليها, (أشارَتْ) أشارَ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ علَى الفتحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، والتاءُ علامةٌ على تأنيثِ الفاعلِ,ُلَيْبٍ) مجرورٌ بحرفِ جرٍّ محذوفٍ، والتقديرُ: أشَارَتْ إلى كُلَيبٍ، والجارُّ والمَجْرورُ مُتعَلِّقٌ بأشارتْ, (بالأَكُفِّ) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بمَحْذوفٍ, حالٌ من الأصابعِ، وقدْ عَرَفْتَ أنَّ الباءَ معناها هنا المصاحبةُ, (الأصابِعُ) فاعلُ أشَارَتْ، مرفوعٌ وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، والتقديرُ: أشارَتِ الأصابعُ حالَ كونِها مصاحبةً للأكُفِّ إلى كُلَيْبٍ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (كُلَيْبٍ) بالجرِّ، حيثُ حذَفَ حرفَ الجرِّ– وهو (إلى) المُقَدَّرُ – وأبْقَى عمَلَه، وأصلُ الكلامِ: أشارَتِ الأصابِعُ معَ الأَكُفِّ إلى كُلَيْبٍ.

([3]) سورة الأعرافِ، الآية:79.

([4]) سورة لقمانِ، الآية:14.

([5]) 236-هذهِ قِطْعةٌ من بيتٍ من الكاملِ، وهو من كلامِ سَاعِدةَ بنِ جُؤَيَّةَ، يَصِفُ رُمحاً، وهو بتمامِه:
لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ = فِيهِ، كَمَا عَسَلَ الطريقَ الثَّعْلَبُ
اللغةُ: اللَّدْنُ – بفتحٍ فسكونٍ– اللَّيِّنُ,َعْسِلُ)؛ أي: يَتحرَّكُ ويَضْطَرِبُ, (المَتْنُ) الظَّهْرُ، وهو فاعِلُ يَعْسِلُ، والباءُ في قولِه: (بهَزِّ الكَفِّ) للسببيَّةِ، والأصلُ: هو لَدْنٌ يَعْسِلُ مَتْنُهُ بسببِ هَزِّ الكَفِّ إيَّاهُ.
الإعرابُ: (لَدْنٌ) هو مَرْفوعٌ، ورفعُه إِمَّا على أنَّه خبرُ مُبتدأٍ مَحذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: هو لَدْنٌ، مَثلاً، وإمَّا على أنَّه صفةٌ لموصوفٍ مَذْكورٍ في كلامٍ سابقٍ على بيتِ الشاهدِ, (بهَزِّ) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بـَدْنٌ)، وهَزِّ مُضافٌ, و(الكَفِّ) مُضافٌ إليه، مَجْرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ,َعْسِلُ) فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ,َتْنُهُ) مَتْنُ: فَاعِلُ يَعْسِلُ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، ومتنُ مُضافٌ, وضَمِيرُ الغائبِ العائدُ على اللَّدْنِ مُضافٌ إليه مَبْنِيٌّ علَى الضمِّ في مَحَلِّ جرٍّ, (فيِه) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بيَعْسِلُ, (كما) الكافُ حرفُ جرٍّ، وما: حَرْفٌ مصدريٌّ مَبْنِيٌّ علَى السكونِ لا مَحَلَّ له,َسَلَ) فعلٌ ماضٍ, (الطريقَ) مجرورٌ بحرفِ جرٍّ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: كَمَا عَسَلَ في الطريقِ، والجارُّ والمَجْرورُ مُتعَلِّقٌ بعَسَلَ, (الثعلبُ) فاعلُ عَسَلَ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، و(ما) المصدريَّةُ معَ ما دخلَتْ عليهِ في تأويلِ مَصْدرٍ مجرورٍ بالكافِ، والجارُّ والمَجْرورُ مُتعَلِّقٌ بمَحْذوفٍ يقَعُ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ يَقَعُ مفعولاً مُطْلقاً ليَعْسِلُ المضارِعِ، وتقديرُ هذهِ المحذوفاتِ على الوَجْهِ الآتي: يَعْسِلُ مَتْنُ هذا الرمحِ اللَّدْنِ في كَفِّ صاحبِه إذا هَزَّه عَسَلاناً مُشابهاً لعَسَلانِ الثَّعْلَبِ في الطريقِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (عَسَلَ الطريقَ) حيثُ حذَفَ حرفَ الجرِّ– وهو (في) المُقَدَّرُ – ثم نَصَبَ الاسمَ الذي كانَ مَجْروراً بهِ–وهو (الطريقَ) – والأصْلُ: كما عَسَلَ في الطريقِ، على ما عَلِمْتَ في إعرابِ البيتِ.

([6]) 237-هذا صَدْرُ بَيْتٍ من البسيطِ من كلامِ المُتَلَمِّسِ، وهو جَرِيرُ بنُ عبدِ المسيحِ، وعَجُزُه:
*والحَبُّ يَأْكُلُه فِي القَرْيَةِ السُّوسُ*
اللغةُ: (آلَيْتَ) معناهُ حَلَفْتَ، ويَصِحُّ المعنَى على جعلِ التاءِ للمُتكَلِّمِ كما يَصِحُّ على جَعْلِها للمُخاطَبِ، والمُخاطَبُ هو المَلِكُ النُّعمانُ بنُ المُنْذِرِ,َبَّ العِرَاقِ) الحَبُّ: اسمُ جنسٍ جَمْعِيٌّ يَتناوَلُ الحِنْطَةَ والشَّعيرَ وغيرَهما, (أطْعَمُهُ) أَذُوقُه، وتقولُ: (طَعِمَ يَطْعَمُ) من بَابِ تَعِبَ، ومنه قولُه تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} ومصدرُ هذا الفعلِ الطَّعْمُ – بفتحِ الطاءِ– فأمَّا الطُّعْمُ، بالضمِّ، فهو اسمٌ للمطعومِ.
الإعرابُ: (آلَيْتَ) آلَى: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ علَى فتحٍ مُقدَّرٍ، وتاءُ المُتكَلِّمِ أو المُخاطَبِ فاعلُه مَبْنِيٌّ علَى الضمِّ أو الفتحِ في مَحَلِّ رفْعٍ,َبَّ) منصوبٌ على نَزْعِ الخافضِ، وأصلُ الكلامِ: آلَيْتَ على حَبِّ العراقِ، و(حَبَّ) مُضافٌ, و(العِراقِ) مُضافٌ إليه مَجْرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ, (الدَّهْرَ) منصوبٌ على الظرفيَّةِ الزمانيَّةِ, مُتعَلِّقٌ بأطْعَمُ الآتي, (أطْعَمُهُ) أطْعَمُ: فعلٌ مُضارعٌ منفيٌّ بلا محذوفةٍ، مرفوعٌ؛ لتَجرُّدِه من الناصبِ والجازمِ، وعلامةُ رَفْعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُستتِرٌ فيه وُجوباً تَقْديرُه: أنا، وضَمِيرُ الغائبِ العائدُ إلى حَبِّ العراقِ مَفْعولٌ به مَبْنِيٌّ علَى الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ, (والحَبُّ) الواوُ واوُ الحالِ، الحَبُّ: مبتدأٌ مرفوعٌ بالابتداءِ وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ,َأْكُلُه) يأكُلُ: فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ؛ لتجَرُّدِه من الناصبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِه الضمةُ الظاهرةُ، وضَمِيرُ الغائبِ العائدُ على حَبِّ العراقِ مفعولٌ به مَبْنِيٌّ علَى الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ, (في القَرْيَةِ) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بيأكُلُ, (السُّوسُ) فاعلُ يأكُلُ، وجملةُ الفعلِ المضارعِ الذي هو يأكُلُ وفاعلِه في مَحَلِّ رفعٍ, خبرُ المبتدأِ الذي هو الحَبُّ، والرابِطُ هو الضميرُ الواقعُ مفعولاً به، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ نصبٍ, حالٌ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (آلَيْتَ حَبَّ العراقِ) حيثُ حذَفَ حرفَ الجرِّ الذي كانَيَتعدَّى به الفعلُ الذي هو (آلَى), ثم لَمْ يُبْقِ الاسْمَ الذي كانَ مَجْروراً بهذا الحرفِ على ما كانَ قبلَ حَذْفِ الجارِّ، كما أبقاهُ الفَرَزْدَقُ في قولِه: (أشارَتْ كُلَيْبٍ). بل نصَبَ ذلك الاسمَ الذي كانَ مجروراً كما نَصَبَه ساعدةُ بنُ جُؤَيَّةَ صاحِبُ الشاهدِ السابقِ في قولِه: (كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ).
وهذا النصْبُ ضرورةٌ لا يجوزُ ارتكابُها إلاَّ في الشعرِ خَاصَّةً، وهو- معَ كونِه من ضروراتِ الشِّعْرِ- أكْثَرُ وُرُوداً في شعرِ العربِ من بقاءِ الاسمِ مَجْروراً بعدَ حذفِ حرفِ الجرِّ، من قِبَلِ أنَّ حرفَ الجرِّ عَامِلٌ ضعيفٌ بسببِ كونِه مُختصًّا بنوعٍ واحدٍ من أنواعِ الكلمةِ وهو الاسْمُ، والعامِلُ الضعيفُ لا يَقْوَى على العملِ وهو محذوفٌ، ونظيرُه الجازِمُ لَمَّا كانَ عَامِلاً ضعيفاً لاختصاصِه بالفعلِ, لم يَقْوَ على العملِ وهو محذوفٌ، والأصْلُ: آلَيْتَ على حَبِّ العراقِ لا أطْعَمُه الدَّهْرَ، فحذَفَ حرفَ الجَرِّ – وهو (علَى) الذي قَدَّرْناه – ثم نَصَبَ الاسمَ الذي كانَ مَجْروراً به.
فإنْ قُلْتَ: فلماذا لا تجعَلُ الكلامَ من بابِ الاشتغالِ، ويكونُ قولُه: (حَبَّ العِرَاقِ) منصوباً بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكورُ بعدَه، وأصلُ الكلامِ على هذا: آلَيْتَ لا أطْعَمُ حَبَّ العراقِ لا أطْعَمُهُ، وكيفَ حَمَلْتَ البيتَ على حذفِ حرفِ الجرِّ ونصبِ الاسمِ بإيصالِ الفعلِ إليهِ, ولم تَحْمِلْه على الذي ذَكَرْتَ، معَ أنَّ الحَذْفَ والإيصالَ بابٌ سماعيٌّ, وذلك الذي أقولُه بابٌ قِيَاسِيٌّ؟
فالجوابُ عن ذلك: أنَّ قولَه: (أطْعَمُهُ) واقعٌ في جوابِ قَسَمٍ، وهو مَنفِيٌُّ بـ(لا) على ما قَدَّرْتُ لك، وجوابُ القَسَمِ المنفيُّ بـ(لا) لا يَعْمَلُ فيما قبلَه، فلا يُفَسِّرُ عاملاً على قاعدةِ: أنَّ كلَّ ما لا يعمَلُ لا يُفَسِّرُ عاملاً، وهي أساسٌ في عامَّةِ فروعِ بابِ الاشتغالِ.

([7]) هذا الذي ذهَبَ إليهِ ابنُ هِشامٍ– من أنَّ مَحَلَّ (أنَّ) المَشْدُودَةِ وأنِ المصدريَّةِ بعدَ حذفِ حرفِ الجرِّ, نَصْبٌ – هو مذهَبُ الخليلِ بنِ أحمدَ، وذهَبَ سِيبَوَيْهِ على جوازِه، ولكنَّه جعَلَ أقْوَى منه أنْ يَكُونَ المَحلُّ جَرًّا، وهذا هو الصحيحُ في النقْلِ عن الخليلِ وعن سِيبَوَيْهِ.
وهل يُقاسُ على (أَنَّ) و(أَنْ) غيرُهما؟ والجوابُ أنَّ الذي يُرجِّحُه النحاةُ هو أنَّه لا يقاسُ غيرُهما عليهما، فلا تَقولُ: (بَرَيْتُ السِّكِّينَ القَلَمَ). على أنَّ الأصْلَ: بَرَيْتُ بالسِّكِّينِ القَلَمَ، وذهَبَ الأخفشُ الأصغرُ إلى جوازِ القياسِ عليهما بشرطِ أمْنِ اللَّبْسِ، واستَدَلَّ بوُرودِ مثلِ ذلك في قولِ الشاعرِ:
*وأُخْفِي الذي لَوْلا الأُسَى لَقَضَانِي*

([8]) سورة آل عمرانَ، الآية: 18.

([9]) سورة الأعرافِ، الآية:63.

([10]) سورة الحشرِ،الآية:7.

([11]) سورة النساءِ،الآية:127.

([12]) مُسرَّحاً؛ أي: غيرَ مُقيَّدٍ بحرفٍ من حروفِ الجرِّ.

([13]) من ذلك قولُه تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} وقولُ الفرزدقِ هَمَّامِ بنِ غالبٍ:
ومِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرِّجالَ سَمَاحَةً = وخَيْراً إذَا هَبَّ الرِّياحُ الزَّعَازِعُ

([14]) تَعَيَّنَ في المثالِ الأولِ أنْ يَكُونَ المُقَدَّمُ هو المفعولَ الأولَ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من المفعوليْنِ يَصِحُّ أنْ يَكُونَ آخِذاً, كما يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مأخوذاً، فدفعاً لالتباسِ الآخِذِ بالمأخوذِ التَزَموا تقديمَ الأوَّلِ، وفي المثالِ الثاني لَمَّا كانَ المحصورُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ متأخِّراً.
وكانَ القصدُ أنْ يَكُونَ المفعولُ الثاني مَحصوراً فقدْ وجَبَ تقديمُ الأولِ، وفي المثالِ الثالثِ لَمَّا كانَ المفعولُ الأولُ ضميراً وكانَ الأصْلُ أنه متَى أمْكَنَ المجِيءُ بالضميرِ مُتَّصِلاً لا يُعْدَلُ إلى انفصالِه إلاَّ في مسائِلَ معدودةٍ, وليسَ هذا منها- أوجَبْنا تقديمَ المفعولِ الأوَّلِ؛ لنَأْتِيَ بهِ مُتَّصِلاً.

([15]) سورةالكوثَرِ،الآية: 1.

([16]) إنَّما وجَبَ في النوعِ الأولِ أنْ يَتقدَّمَ المفعولُ الثاني؛ لأنَّكَ لو أخَّرْتَه على ما هو الأصِلُ فقُلْتَ: (أعْطَيْتُ مَالِكَهُ المَالَ). لعادَ الضميرُ على مُتأخِّرٍ لفظاً ورُتْبةً، وهو لا يجوزُ، وأمَّا النوعانِ الثاني والثالثُ فقَدْ وجَبَ تقديمُ المفعولِ الثاني فيهما على المفعولِ الأوَّلِ؛ لمثلِ ما قُلْناه في النوعيْنِ الثاني والثالثِ في صورِ تقديمِ المفعولِ الأوَّلِ وُجوباً.

([17]) سورة الضُّحَى، الآية: 3.

([18]) سورة طه، الآية: 3.

([19]) سورة البَقَرَةِ، الآية:24.

([20]) سورة المُجادَلَةِ، الآية: 21.

([21]) بَقِيَ أنَّه قد يَجِبُ حذفُ المفعولِ, ولا يجوزُ ذِكْرُه، وذلكَ كما في بابِ التنازُعِ إذا أعْمَلْتَ ثانِيَ العامليْنِ في الاسمِ المُتنازَعِ فيهِ, وكانَ الأوَّلُ يحتاجُ إلى منصوبٍ، نحوَ أنْ تَقولَ: (ضَرَبْتُ وضَرَبَنِي زَيْدٌ). إذْ لو أعمَلْتَ العاملَ الأوَّلَ في ضميرِ الاسمِ المتنازَعِ فيهِ؛ لَعادَ الضميرُ على مُتأخِّرٍ من غيرِ ضَرورةٍ.

([22]) إنَّما وجَبَ حذفُ العاملِ في الاسمِ المُتقدِّمِ في بابِ الاشتغالِ؛ لأنَّ العاملَ المُتأخِّرَ مُفَسِّرٌ له، ولا يُجْمَعُ في الكلامِ بينَ المُفَسِّرِ والمُفَسَّرِ له، ووجَبَ الحذفُ في بابِ النداءِ؛ لأنَّ (يا) عِوَضٌ عن الفعلِ، ولا يُجْمَعُ بينَ العِوضِ والمُعَوَّضِ منه.

([23]) سورة النساءِ، الآية: 171، وإنَّما وجَبَ حذفُ العاملِ في الأمثالِ الواردةِ عن العربِ بالحذفِ؛ لأنَّ ذكْرَ العاملِ يُغيِّرُ المَثَلَ عمَّا تكلَّمَ به العربُ، والأمثالُ لا تُغَيَّرُ؛ لأنَّ الغَرَضَ مِن ذِكْرِها في كلامٍ ما تَشْبِيهُ مَضْرِبِها بمَوْرِدِها، فلَزِمَ, أنْ يُلْتَزَمَ فيها أصلُه، ومن أمثلتِها قولُهم: (كِلَيْهما وتَمْراً) عندَ من رَواهُ هكذا، وما جَرَى مَجْرَى الأمثالِ, يَأْخُذْ حُكْمَها كالآيةِ الكريمةِ.‌‌‌‌‌‌



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:58 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


تَعَدِّي الفِعْلِ ولُزُومِهِ
[عَلَامَة الفِعْلِ المُتَعَدِّي]:
267 - عَلَامَةُ الفِعْلِ المُعَدَّى أَنْ تَصِلْ = "هَا" غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِِ نحوُ عَمِلْ
(عَلَامَةُ الفِعْلِ المُعَدَّى) إِلَى مفعولٍ بِهِ فَأَكْثَرَ – ويُسَمَّى أَيْضًا واقِعًا؛ لوِقُوعِهِ عَلَى المفعولِ بِهِ ، ومُجَاوِزًا لمِجَاوَزَتِهِ الفاعلَ إلى المفعولِ بِهِ – أَمْرَانِ: الأولُ: صِحَّةُ (أَنْ تَصِلْ* هَا) ضَمِيْرٍ راجعٍ إِلَى (غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ) والثانِي: أَنْ يُصَاغَ مِنْهُ اسْمُ مفعولٍ تَامٍّ ، وذلكَ (نَحْوُ عَمِلْ) فَإِنَّكَ تقولُ مِنْهُ: "الخيرُ عَمِلَهُ زَيْدٌ" فهُو مَعْمُولٌ ، بِخِلَافِ نَحْوِ: "خَرَجَ" فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْهُ: "زَيْدٌ خَرَجَهُ عَمْرٌو" ولَا "هُو مَخْرُوجٌ ، بَلْ مَخْرُوجٌ بِهِ أو إِلَيْهِ" فَلَا يَتِمُّ إلَّا بالحرفِ.
والاحترازُ بهاءِ غَيْرِ المَصْدَرِ مِنْ هَاءِ المَصْدَرِ ، فَإِنَّهَا تَتَّصِلُ باللازمِ والمُتَعَدِّي، نحوُ: "الخُرُوْجُ خَرَجَهُ زَيْدٌ" و"الضَّرْبُ ضَرَبَهُ عَمْرٌو".
تنبيهٌ: هَذِهِ الهاءُ تَتَّصِلُ بـ "كانَ" وأَخَوَاتِهَا، والمعروفُ أَنَّهَا واسِطَةٌ ، أَيْ: لَا مُتَعَدِّيَةٌ ، ولَا لَازِمَةٌ ، ولَعَلَّهُ جَعَلَهَا مِنَ المُتَعَدِّي ؛ نَظَرًا إِلَى شَبَهِهَا بهِ وُرُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى خَبَرِهَا المفعولُ.
268 - فَانْصِبْ بِهِ مَفْعُولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ = عَنْ فَاعِلٍ نَحْوُ تَدَبَّرْتُ الكُتُبْ
(فَانْصِبْ بِهِ مَفْعُولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ) ذلكَ المفعولُ (عَنْ فَاعِلٍ نَحْوُ: تَدَبَّرْتُ الكُتُبْ) فَإِنْ نَابَ عَنْهُ رَفَعْتُهُ بِهِ كَمَا سَلَفَ.
[عَلَامَةُ الفِعْلِ اللازمِ]:
269 - ولَازِمٌ غَيْرُ المُعَدَّى وحُتِمْ = لُزُوْمُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ
270 - كَذَا افْعَلَلَّ والمُضَاهِي أَقْعَنْسَسَا = وَمَا اقْتَضَى نَظَافَةً أَو دَنَسَا
271 - أو عَرَضًا أو طَاوَعَ المُعَدَّى = لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتَدَّا
(ولَازِمٌ* غَيْرُ المُعَدَّى) "غَيْرُ المُعَدَّى": مُبْتَدَأٌ ، و"لَازِمٌ": خَبَرُهُ أَيْ: مَا سِوى المُعَدَّى هُو اللازمُ ، إِذْ لَا وَاسِطَةَ، ويُسَمَّى قَاصِرًا أَيْضًا ؛ لقُصُورِهِ عَلَى الفَاعِلِ ، وغَيْرَ واقِعٍ ، وغَيْرَ مُجَاوِزٍ لذلكَ.
(وحُتِمْ* لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا): وهِي الطَّبَائِعُ ، والمُرَادُ بِأَفْعَالِ السَّجَايَا: مَا دَلَّ علَى مَعْنًى قَائِمٍ بالفاعِلِ لازِمٍ لهُ "كَنَهِمٍ" – بكسرِ الهاءِ – الرَّجُلُ إِذَا كَثُرَ أَكْلُهُ ، وشَجُعَ وجَبُنَ وحَسُنَ وقَبُحَ ، وطَالَ ، وقَصُرَ ، ومَا أَشْبَهَ ذَلكَ.
و(كذَا) مَا وَازَنَ افْعَلَلَّ نحوُ: اقْشَعَرَّ واشْمَأَزَّ واطْمَأَنَّ ، ومَا أُلْحِقَ بِهِ ، وهُو افْوَعَلَّ نحوُ: "اكْوَهَدَّ الفَرْخُ" إِذَا ارْتَعَدَ.
(وكَذَا المُضَاهِي) أَيْ: المُشَابِهُ فِي الوزنِ: افْعَنْلَلَ نحوُ: "احْرَنْجَمَ" يُقَالُ: "احْرَنْجَمَتِ الإِبِلُ" أَيْ: اجْتَمَعَتْ ، ومَا أُلْحِقَ بِهِ، وهُو وَزْنَانِ: افْعَنْلَلَ– بزيادةِ إِحْدَى اللامينِ – نحوُ: (اقْعَنْسَسَا) يُقَالُ: "اقْعَنْسَسَ البَعِيْرُ" إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الانْقِيَادِ و"افْعَنْلَى" نحوُ: "اخْرنَبَى الدِّيْكُ" إِذَا انْتَفَشَ للْقِتَالِ و "اسْلَنْقَى الرَّجُلُ" إِذَا نَامَ عَلَى ظَهْرِهِ ، وقَدْ جَاءَ مِنْهُ المُتَعَدِّي: نحوُ: "اسْرَنْدَى واغْرَنْدَى ، أَيْ عَلَا ورَكِبَ فِي قولِ الرَّاجِزِ:
397 - قَدْ جَعَلَ النُّعَاسُ يَسْرَنْدَيْنِي = أَدْفَعُهُ عَنِّي ويَغْرَنْدِيْنِى
تنبيهٌ: يجوزُ فِي "اقْعَنْسَسَ" أَنْ يكونَ مَفْعُولًا للْمُضَاهِي، والأَوْلَى أَنْ يكونَ فَاعِلًا لهُ ، والمفعولُ مَحْذُوفٌ: أَيْ : والمُضَاهِيَةُ "اقْعَنْسَسَ" لِمَا عَرَفْتَ أنَّهُ مُلْحَقٌ بـ "احْرَنْجَمَ".
(و) كذلكَ حُتِمَ أَيْضًا لزومُ (مَا اقْتَضَى) مِنَ الأفعالِ (نَظَافَةً أو دَنَسَا) نحوُ: نَظُفَ وطَهُرَ ، ووَضُؤُ ، ودَنِسَ ونَجِسَ وقَذرَ (أو عَرَضًا) وهُو: مَا لَيْسَ حركةَ جِسْمٍ مِنْ مَعْنًى قائمٍ بالفاعلِ غيرِ ثابتٍ فيهِ، كَمَرِضَ وكَسِلَ ونَشِطَ وفَرِحَ وحَزِنَ ونَهِمَ إِذَا شَبِعَ (أو طَاوَعَ المُعَدَّى* لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتَدَّا) ودَحْرَجْتُ الشيءَ فَتَدَحْرَجَ ، أَمَّا مُطَاوِعُ المُتَعَدِّي لأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ، فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ كَمَا مَرَّ.
272 - وعَدِّ لَازِمًا بحرفِ جَرِّ = وإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ للْمُنْجَرِّ
(وعَدِّ لَازِمًا بحرفِ جَرِّ): نحوُ: "ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ" بِمَعْنَى: أَذْهَبْتُهُ و"عَجِبْتُ مِنْهُ" و"غَضِبُتْ عَلَيهِ" (وإِنْ حُذِفْ) حَرْفُ الجرِّ (فَالنَّصْبُ للْمُنْجَرِّ) وجوبًا، وشَذَّ إِبْقَاؤُهُ عَلَى جَرِّهِ، فِي قولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
398 – [إِذَا قِيْلَ أَيُّ الناسِ شَرُّ قَبِيْلَةٍ] = أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالأَكُفِّ الأَصَابِعُ
أيْ: إِلَى كُلَيْبٍ.
[حَذْفُ حَرْفِ الجرِّ]:
273 - نَقْلًا وفِي "أَنَّ" و"أَنْ" يَطَّرِدُ = مَعَ أَمْنِ لَبْسٍ: كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا
وحَيْثُ حُذِفَ الجارُّ فِي غَيْرِ "أَنَّ" و"أَنْ" فَإِنَّمَا يُحْذَفُ (نَقْلًا) لا قِيَاسًا مُطَّرِدًا وذلكَ على نوعينِ:
الأولُ: وَارِدٌ فِي السِّعَةِ نحوُ: شَكَرْتُهُ ونَصَحْتُهُ وذَهَبْتُ الشَّامَ.
والثانِي: مخصوصٌ بالضرورةِ كقولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
399 - آلَيْتُ حَبَّ العِرَاقِ الدَّهْرَ أُطْعَمُهُ = والحَبُّ يَأْكُلُهُ فِي القَرْيَةِ السُّوسُ
وقولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
400 – [لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنَهُ] = فِيْهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيْقُ الثَّعْلَبُ
أَيْ: عَلَى حَبِّ العراقِ، وفِي الطريقِ.
(و) حَذْفُهُ (فِي "أَنَّ" و"أَنْ" يَطَّرِدُ) قِيَاسًا (مَعَ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا) {أَوَعَجِبْتُم أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} {شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أَيْ: مِنْ أَنْ يَدُوا: أَيْ يُعْطُوا الدِّيَّةَ، ومِنْ أَنْ جَاءَكُمْ وبِأَنَّهُ.
فَإِنْ خِيْفَ اللبْسُ امْتَنَعَ الحَذْفُ ، كَمَا فِي: "رَغِبْتُ فِي أَنْ تَفْعَلَ" أو عَنْ أَنْ تَفْعَلَ ؛ لِإِشْكَالِ المُرَادِ بَعْدَ الحذفِ.
وأمَّا قولُهُ تَعَالَى: {وتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} فيجوزُ أَنْ يكونَ الحذفُ فِيْهِ لِقَرِيْنَةٍ كانتْ أو أَنَّ الحذفَ لأجلِ الإبْهَامِ ؛ لِيَرْتَدِعَ مَنْ يَرْغَبُ فِيْهِنَّ لِجَمَالِهِنَّ ، ومَنْ يَرْغَبُ عَنْهُنَّ لِدَمَامَتِهُنَّ وفَقْرِهِنَّ ، وقَدْ أجابَ بعضُ المفسرينَ بالتقديرينِ
تنبيهانِ: الأَوَّلُ: إنَّمَا اطَّرَدَ حَذْفُ حَرْفِ الجَرِّ معَ "أَنَّ" و"أَنْ" لِطُولِهِمَا بالصِّلَةِ.
الثانِي: اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّهِمَا بعدَ الحذفِ، فَذَهَبَ الخَلِيْلُ والكِسَائِيُّ إِلَى أَنَّ محلَّهُمَا جَرٌّ ؛ تَمَسُّكًا بقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
401 - وَمَا زُرْتُ لَيْلَى أَنْ تكونَ حَبِيْبَةً = إِلَيَّ ولَا دَيْنٍ بِهَا أَنَا طَالِبُهُ.
بِجَرِّ "دَيْنٍ"، وذَهَبَ سِيْبَوَيْهِ والفَرَّاءُ إِلَى أَنَّهُمَا فِي موضعِ نصبٍ، وهُو الأَقْيَسُ.
ومِثْلُ "أَنَّ" و"أَنْ" فِي حَذْفِ حَرْفِ الجَرِّ قِيَاسًا "كَي" المصدريةُ ، نحوُ: "جِئْتُكَ كَي تَقَوْمَ" أَيْ: لِكَي تَقُومَ
[تَرْتِيْبُ المَفْعُولَاتِ]:
274 - والأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ مَعْنًى كَمَنْ = مِنْ : "أَلْبِسَنْ مَنْ زَارَكُمْ نَسْجَ اليَمَنْ"
(والأصلُ) فِي ترتيبِ مَفْعُولَي الفِعْلِ المُتَعَدِّي إِلَى اثنينِ ليسَ أَصْلُهُمَا المبتدَأَ والخبرَ (سَبْقُ فَاعِلٍ): أَيْ : أَنْ يَسْبِقَ الفَاعِلُ (مَعْنًى) مِنْهُمَا المفعولُ مَعْنًى (كَمِنْ* مَنْ) قولِكَ: (أَلْبِسَنْ مَنْ زَارَكُمْ نَسْجَ اليَمَنْ) فَإِنَّ "مَنْ" هُو اللابِسُ ، فهُو الفاعِلُ فِي المعنَى ، و"نَسْجَ اليَمَنِ" هُو المَلْبُوسُ ، فَهُو المفعولُ فِي المعنَى.
ويجوزُ العُدُولُ عَنْ هَذَا الأَصْلِ ؛ فَيَتَقَدَّمُ مَا هُو مفعولٌ فِي المعْنَى عَلَى مَا هُو فاعِلٌ فِي المعنَى، فَيُقَالُ: أَلْبِسَنْ نَسْجَ اليَمَنِ مَنْ زَارَكُمْ.
275 - ويَلْزَمُ الأَصْلُ لِمُوْجَبٍ عَرَا = وتَرْكُ ذَاكَ الأصلِ حَتْمًا قَدْ يُرَى
(و) قَدْ (يَلْزَمُ الأَصْلُ) المذكورُ (لِمُوْجَبٍ عَرَا) أَيْ: وُجِدَ ، وذَلكَ كَخَوْفِ اللَّبْسِ ، نحوُ: "أَعْطَيْتُ زَيْدًا عَمْرًا" وكونِ الثانِي مَحْصُورًا كـ "مَا أَعْطَيْتُ زَيْدًا إِلا دِرْهَمًا" أو ظَاهِرًا ، والأولُ ضميرٌ مُتَّصِلٌ ، نحوُ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ}.
(وتَرْكُ ذَاكَ الأَصْلِ) لِمَانِعٍ وُجِدَ (حَتْمًا قَدْ يُرَى) أَيْ: قَدْ يُرَى وَاجِبًا، وذَلكَ كَمَا إِذَا كانَ الذِي هُو الفَاعِلُ فِي المعنَى مَحْصوُرًا نحوُ: "مَا أَعْطَيْتُ الدِّرْهَمَ إِلَّا زَيْدًا". أو ظاهِرًا ، والثانِي ضميرًا متصلًا نحوُ: "الدِّرْهَمَ أَعْطَيْتُهُ زَيْدًا" أو مُتَلَبِّسًا بضميرِ الثانِي نحوُ: "أَسْكَنْتُ الدارَ بَانِيْهَا". فَلَوْ كانَ الثانِي مُتَلَبِّسًا بضميرِ الأوَّلِ كَمَا فِي نحوِ: "أَعْطَيْتُ زَيْدًا مَالَهُ". جَازَ وجَازَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي بابِ الفَاعِلِ.
تنبيهٌ: حُكْمُ المبتدأِ مَعَ خَبَرِهِ إِذَا وَقَعَا مفعولينِ كَحُكْمِ الفاعِلِ فِي المعنَى مَعَ المفعولِ فِي المعنَى فِي هَذِهِ الأمورِ الثلاثةِ ، فَجَوازُ تقديمِهِ فِي نحوِ: "ظَنَنْتُ زَيْدًا قَائِمًا"، وَوُجُوبُهُ فِي نحوِ: ظَنَنْتُ زَيْدًا عَمْرًا. وامْتِنَاعُهُ فِي نحوِ: "ظَنَنْتُ فِي الدارِ صِحَابَهَا".
276 - وحَذْفُ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ = كَحَذْفِ مَا سِيْقَ جَوَابًا أو حُصِرْ
(وحَذْفُ فَضْلَةٍ) وهِي المفعولُ مِنْ غَيْرِ بَابِ "ظَنَّ" (أَجِزْ): اختصارًا أو اقتصارًا (إِنْ لَمْ يَضِرْ) حَذْفُهَا كَمَا هُو الأَصْلُ ، ويكونُ ذلكَ لِغَرَضٍ ، إِمَّا لَفْظِيٌّ ؛ كَتَنَاسُبِ الفَوَاصِلِ نحوُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ونحوُ {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} وكالإِيْجَازِ فِي نحوِ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} وإِمَّا مَعْنَوِيٌّ كاحْتِقَارِهِ فِي نحوِ {كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ} أَيْ: الكافِرِيْنَ ، أو اسْتِهْجَانَهُ ، كقولِ عَائِشَةَ رَضْي اللهُ عَنْهَا: "مَا رَأَيْتُ مِنْهُ لَا رَأَىْ مِنِّي". أَيْ : العورةَ.
فَإِنْ ضَرَّ الحذفُ امْتَنَعَ ، وذلكَ (كَحَذْفِ مَا سِيْقَ جَوَابًا) لسؤالِ السائلِ: كـ"ضَرَبْتُ زَيْدًا" لِمَنْ قَالَ: "مَنْ ضَرَبْتَ" (أو حُصِرَ). نحوُ: "مَا ضَرَبْتُ إِلَّا زَيْدًا وإنَّمَا ضَرَبْتُ زَيْدًا" أو حُذِفَ عَامِلُهُ نحوُ: "إِيَّاكَ والأَسَدَ".
تنيبهٌ: قولُهُ "يَضِرْ" هُو بِكَسْرِ الضادِ مُضَارِعٌ "ضَارَ يَضِيْرُ ضَيْرًا" بمعنَى: ضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا قالَ اللهُ تَعَالَى: (لا يَضِرْكُم كَيْدُهُمْ شَيْئًا) أَيْ: لَمْ يَضُرُّكُمْ.
277 - ويُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا = وقَدْ يكونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا
(ويُحْذَفُ النَّاصِبُهَا) أَيْ: نَاصِبُ الفَضْلَةِ (إِنْ عُلِمَا) بالقَرِيْنَةِ ، وإِذَا حُذِفَ فَقَدْ يكونُ حَذْفُهُ جَائِزًا نحوُ: {قَالُوا خَيْرًا} (وقَدْ يكونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا) كَمَا فِي بابِ الاشْتِغَالِ والنداءِ والتحذيرِ والإِغْرَاءِ بِشَرْطِهِ ، ومَا كَانَ مَثَلُا:، نحوُ: "الكِلَابَ عَلَى البَقَرِ" أَيْ: "أَرْسِلِ الكِلَابَ" أو أُجْرَي مَجْرَى المَثَلِ نحوُ: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}
[تَصْيِيْرُ الفعلِ المُتَعَدِّي لازِمًا]:
خَاتِمَةٌ: يَصِيْرُ المتعدِي لازِمًا أو فِي اللازمِ بخمسةِ أَشْيَاءٍ:
الأولُ: التضمينُ لمعنًى لازمٍ، والتضمينُ: إِشْرَابُ اللفظِ معنَى لفظٍ آخَرَ ، وإِعْطَاؤُهُ حُكْمَهُ لِتَصِيْرَ الكلمةُ تُؤَدِّي مُؤَدَّى كَلِمَتَيْنِ نحوُ {فَلْيَحْذَرِ الذِيْنَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أَيْ: يَخْرُجُونَ {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أَيْ: تَنْبُ {أَذَاعُوا بِهِ} أَيْ: تَحَدَّثُوا {وأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} أَيْ: بَارِكْ لِي.
ومِنْهُ قولُ الفَرَزْدَقِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
402 - كَيْفَ تَرَانِي قَالِبًا مِجَنِّي = قَدْ قَتَلَ اللهُ زِيَادًا عَنِّي
أيْ: صَرَفَهُ بالقتلِ، وقولُ الآخَرِ [مِنَ الكَامِلِ]:
403 - ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالِنَا أَرْمَاحِنَا = .......................
أيْ: تَكَفَّلَتْ، وهُو كثيرٌ جِدًّا
الثانِي: التحويلُ إِلَى فَعُلٍ – بالضمِّ – لقصدِ المبالغةِ والتعجبِ نحوُ: "ضَرُبَ الرَّجُلُ وفَهُمَ" بمعنَى: مَا أَضْرَبَهُ وأَفْهَمَهُ.
الثالثُ: مُطَاوَعَتُهُ المُتَعَدِّي لِوَاحِدٍ كَمَا مَرَّ.
الرابعُ: الضَّعْفُ عَنِ العملِ: إِمَّا بالتَّأْخِيْرِ {إِنْ كُنْتُمْ للرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} {لِلَّذِيْنَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} أو بِكَونِِهِ فَرْعًا فِي العملِ نحوُ {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيْدُ}
الخامسُ: الضرورةُ كقولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
404 - تبَلِتْ فُؤَادَكَ فِي المَنَامِ خَرِيْدَةٌ = تَسْقِي الضَّجِيْعَ بِبَارِدٍ بَسَّامِ
[تَصْيِيْرُ الفِعْلِ اللازِمِ مُتَعَدِّيًا]:
ويصيرُ اللازمُ مُتَعَدِّيًا بسبعةِ أشياءٍ:
الأولُ: هَمْزَةُ النقلِ كمَا أَسْلَفْتُهُ:
الثانِي: تضعيفُ العَيْنِ نحوُ: "فَرِحَ زَيْدٌ" و"فَرَّحْتُ زَيْدًا" وقَدِ اجْتَمَعَا فِي قولِهِ تَعَالَى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التوراةَ والإِنْجِيْلَ}.
الثالثُ: المُفَاعَلَةُ تقولُ فِي "جَلَسَ زَيْدٌ" و"مَشَى وَسَارَ"، "جَالَسْتُ زَيْدًا ومَاشَيْتُهُ وسَايَرْتُهُ".
الرابعُ: اسْتُفْعِلَ للطلبِ أو النسبةِ للشيءِ كـ"اسْتَخْرَجْتُ المَالَ" و"اسْتَحْسَنْتُ زَيْدًا" و"اسْتَقْبَحْتُ الظُّلْمَ" وقَدْ يُنْقَلُ ذَا المفعولِ الواحدُ إِلَى اثنينِ نحوُ: "اسْتَكْتَبْتُهُ الكِتَابَ" و"اسْتَغْفَرْتُ اللهَ الذنبَ" ومِنْهُ قولُهُ: [مِنَ البَسِيطِ]:
405 - أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ أُحْصِيَهُ = [رَبَّ العِبَادِ إِلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ]
وإِنَّمَا جازَ: "اسْتَغْفَرْتُ اللهَ مِنَ الذنبِ" لِتَضَمُّنِهِ معنَى اسْتَتَبْتُ أَيْ: طَلَبْتُ التوبةَ.
الخامسُ: صَوْغُ الفِعْلِ عَلَى فَعَلْتُ بالفتحِ أَفْعُلُ بالضمِّ لإفادةِ الغَلَبَةِ، تقولُ: "كَرَمْتُ زَيْدًا أَكْرُمُهُ" أَيْ: غَلَبْتُهُ فِي الكَرَمِ.
السادسُ: التضمينُ نحوُ: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} أَيْ: لَا تَنْوُوا ؛ لِأَنَّ "عَزَمَ" لَا يَتَعَدَّى إِلَّا بـ "عَلَى" تقولُ: "عَزَمْتُ عَلَى كَذَا لَا عَزَمْتُ كَذَا" ومِنْهُ "رَحِبَتْكُمُ الطَّاعَةُ" و"طَلَعَ بِشْرٌ اليَمَنَ", أَيْ: وسِعَتْكُم وبَلَغَ اليَمَنَ.
السابعُ: إِسْقَاطُ الجَارِّ تَوَسُّعًا نحوُ {أَعَجِلْتُم أَمْرَ رَبِّكُم} أَيْ: عَنْ أَمْرِهِ {واقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} أَيْ :عَلَيْهِ، وقولُهُ:
كَمَا عَسَلَ الطَّرِيْقَ الثَّعْلَبُ.
أَيْ: فِي الطريقِ. وَليْسَ انتصابُهُمَا عَلَى الظرفيةِ خِلَافًا للفارِسِيِّ فِي الأوَّل ، وابْنِ الطَّرَاوَةِ فِي الثانِي لِعَدَمِ الإِبْهَامِ ، واللهُ أَعْلَمُ.

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


تَعَدِّي الفعْلِ ولُزومُه
علامةُ الفعْلِ الْمُتَعَدِّي وحُكْمُه
266- عَلامةُ الفعلِ الْمُعَدَّى أن تَصِلْ = ها غَيرِ مَصْدَرٍ به نحوُ عَمِلْ
267- فانْصِبْ به مفعولَه إن لن يَنُبْ = عن فاعلٍ نحوُ تَدَبَّرْتُ الكُتُبْ

يَنقسِمُ الفعلُ التامُّ مِن حيثُ التَّعَدِّي واللزومُ إلى قِسمينِ:
الأوَّلُ: الْمُتَعَدِّي: وهو الذي يَصِلُ إلى مَفعولِه بغيرِ حَرْفِ جَرٍّ، وبغيرِه مما يُؤَدِّي إلى تَعْدِيَةِ الفعْلِ اللازمِ، نحوُ: أَكْرَمْتُ الغريبَ.
الثاني: اللازِمُ: وهو الذي لا يَصِلُ إلى مفعولِه إلاَّ بحَرْفِ جَرٍّ، نحوُ: مَرَرْتُ بالمدرَسَةِ أو غيرِه مما يُؤَدِّي إلى التَّعْدِيَةِ كالهمزةِ، نحوُ: أَخْرَجْتُ زكاةَ مالِي.
وللفعْلِ الْمُتَعَدِّي علامَتَانِ:
الأُولَى: أنْ تَتَّصِلَ به هاءٌ تَعودُ على المفعولِ به، نحوُ : الكتابَ قَرَأْتُهُ، واحترَزْنَا بالمفعولِ به، مِن الهاءِ التي تَعودُ على المصدَرِ، فإنها تَتَّصِلُ بالفعْلِ الْمُتَعَدِّي، نحوُ: الإكرامَ أَكْرَمْتُه خَالِداً، واللازِمِ، نحوُ: القيامَ بالواجِبِ قُمْتُه، والهاءِ التي تعودُ على الظرْفِ، نحوُ: الليلةَ قُمْتُها، والنهارَ صُمْتُه.
الثانيةُ: أنْ يُصاغَ مِن مَصْدَرِه اسمُ مفعولٍ تامٌّ، بحيث لا يَحتاجُ إلى حَرْفِ جَرٍّ، نحوُ: الواجِبُ مكتوبٌ.
أمَّا علامةُ الفعْلِ اللازمِ فستأتي إنْ شاءَ اللهُ.
وحكْمُ الفعْلِ الْمُتَعَدِّي أنه يَنْصِبُ المفعولَ به إنْ لم يَنُبْ عن فاعلِه، والمفعولُ به: اسمٌ منصوبٌ وَقَعَ عليه فِعْلُ الفاعلِ، والمرادُ بوقوعِ الفعْلِ عليه: تَعَلُّقُه به مِن غيرِ واسِطَةٍ، سواءٌ على جِهةِ الثبوتِ مِثْلِ: فَهِمْتُ الدرْسَ، أو النفْيِ مِثلِ: لم أَفْهَمِ الدرْسَ.
وهذا معنى قولِه: (عَلامَةُ الفعْلِ الْمُعَدَّى.. إلخ) أيْ: علامةُ الفعْلِ الْمُعَدَّى إلى مفعولِه أنْ تَصِلَ به (هاءٌ) تَعودُ على غيرِ الْمَصْدَرِ وهي (هاءُ) المفعولِ به، نحوُ: عَمِلَ، فتقولُ: الخيرَ عَمِلْتُهُ، وانصِبْ بهذا الفعْلِ الْمُتَعَدِّي مفعولَه إنْ لم يَنُبْ عَنِ الفاعلِ، نحوُ: تَدَبَّرْتُ الكُتُبَ، فإنْ نابَ عَنِِ الفاعلِ رُفِعَ، فتقولُ: تَدَبَّرْتُ الكُتُبَ.
الفعْلُ اللازمُ وعلاماتُهُ
268- ولازمٌ غيرُ الْمُعَدَّى وحُتِمْ = لزومُ أفعالِ السجايا كنَهِمْ
269- كذا افْعَلَّلَ والْمُضاهِي اقْعَنْسَسَا = وما اقْتَضَى نظافةً أو دَنَسَا
270- أو عَرَضاً أو طاوَعَ الْمُعَدَّى = لواحدٍ كمَدَّه فامْتَدَّا
اللازمُ: ما ليس بِمُتَعَدٍّ فلا تَتَّصِلُ به هاءُ المفعولِ به، ولا يُصاغُ مِن مَصْدَرِه اسمُ مفعولٍ تامٍّ، وقد عُنِيَ النَّحْوِيُّونَ بالأفعالِ اللازِمَةِ، ووَضَعُوا لها العناوينَ والقواعدَ التقريبيَّةَ اعتماداً على ما وَرَدَ في مَعَاجِمِ اللغةِ، فبَعْضُ الأفعالِ اللازمةِ يُسْتَدَلُّ على لزومِهِ بمعناه، وبعضُها يُسْتَدَلُّ على لزومِه بوَزْنِه، ومِن أشْهَرِ عَلاماتِ الفعْلِ اللازمِ ما يلي:
1- كلُّ فعْلٍ دَلَّ على سَجِيَّةٍ (وهي الصِّفَةُ اللازمةُ لصاحبِها، التي لا تَكادُ تُفَارِقُه إلاَّ لسَبَبٍ قاهِرٍ) مثلِ: شَرُفَ، كَرُمَ، ظَرُفَ، نَهِمَ، سَمِنَ، نَحُفَ، والغالِبُ أنَّ هذا النوعَ يكونُ على وزْنِ (فَعُلَ).
2- كلُّ فِعْلٍ على وَزْنِ (افْعَلَلَّ) مِثْلُ: اشْمَأَزَّ، اقْشَعَرَّ، اطْمَأَنَّ.
3- كلُّ فِعْلٍ على وَزْنِ (افْعَنْلَلَ) مِثْلُ: اقْعَنْسَسَ الْجَمَلُ، احْرَنْجَمَ.
4- ما دَلَّ على نَظافةٍ، نحوُ: طَهُرَ الثوبُ، نَظُفَ المكانُ، وَضُؤَ وَجْهُه.
5- كلُّ فِعْلٍ دَلَّ على دَنَسٍ، نحوُ: دَنِسَ الثوبُ، ووَسِخَ، وقَذِرَ المكانُ ونَجِسَ.
6- كلُّ فِعْلٍ دَلَّ على عَرَضٍ (وهو المعنى الطارئُ الذي ليس له طولُ ثَبَاتٍ)، نحوُ: مَرِضَ عَلِيٌّ، واحْمَرَّ وَجْهُه، وارْتَعَشَتْ يَدُه.
7- كلُّ فِعْلٍ مطاوِعٍ لفِعْلٍ مُتَعَدٍّ لواحدٍ، نحوُ: وفَّرْتُ المالَ فتَوَفَّرَ، وكَسَرْتُ الخشبةَ فانْكَسَرَتْ، فإنْ كان مُطاوِعاً لفعلٍ مُتَعَدٍّ لاثنينِ لم يكنْ لازِماً، بل يكونُ مُتَعَدِّياً إلى واحدٍ، نحوُ: عَلَّمْتُ محمداً القرآنَ فتَعَلَّمَه، وفَهَّمْتُ صالحاً المسألةَ ففَهِمَها.
وهذا معنى قولِه (ولازمٌ غيرُ الْمُعَدَّى) أيْ: أنَّ اللازمَ غيرُ الْمُتَعَدِّي، واللازمُ محتومٌ في أفعالِ السجايا، وما كان على وَزْنِ افْعَلَلَّ.. إلخ وقولُه: (اقْعَنْسَسَا) يُقالُ: اقْعَنْسَسَ الجمَلُ: إذا أَبَى أنْ يَنقادَ وقولُه: (والْمُضَاهِي)، أي: المشابِهُ، واصطلاحُ ابنِ مالِكٍ في الألفيَّةِ أنه إذا عُلِّقَ الحكْمُ على شَبَهِ شيءٍ، فالمرادُ به ذلك اللفْظُ وشَبَهُهُ، فكأنه قالَ: واقْعَنْسَسَ ومُضَاهِيهِ، والمرادُ به كلُّ لفٍْظ بعدَ نونِه حرفانِ مِثلُ احْرَنْجَمَ.
كيفيَّةُ تَعديةِ الفعْلِ اللازمِ
271- وعَدِّ لازماً بحرْفِ جَرِّ = وإن حُذِفْ فالنصبُ للمُنْجَرِّ
272- نَقْلاً وفي أنَّ وأنْ يَطَّرِدْ = مع أَمْنِ لَبْسٍ كعَجِبْتُ أن يَدُوا
تَقَدَّمَ أنَّ الفعلَ المتعَدِّي يَصِلُ إلى مفعولِه بدونِ واسِطَةٍ، وذَكَرَ هنا أنَّ الفعْلَ اللازمَ يَصِلُ إلى مفعولِه بواسِطَةِ حَرْفِ الْجَرِّ، نحوُ: مَرَرْتُ بخالِدٍ، وقد يُحْذَفُ حَرْفُ الجرِّ فيَصِلُ إلى مفعولِه بنفسِه فتقولُ: مَرَرْتُ خالداً، قالَ الشاعرُ:
تَمُرُّونَ الديارَ ولم تَعُوجُوا = كلامُكُم عَلَيَّ إذاً حَرامُ

أيْ: تَمُرُّونَ بالدِّيارِ، فحَذَفَ حرْفَ الجرِّ، وهو منصوبٌ على نزْعِ الخافِضِ ويُسَمَّى: (الحذْفَ والإيصالَ) أيْ: حَذْفُ حرْفِ الجرِّ وإيصالُ الفعْلِ اللازمِ إلى مفعولِه بدونِ واسِطَةٍ فيَنْصِبُه.
وهذا مقصورٌ على السماعِ عَنِ العرَبِ، فيُقتصَرُ فيه على ما وَرَدَ مِن الأفعالِ فلا يُقالُ: تَمُرُّونَ المدرَسَةَ، مَثَلاً، ومِثلُه قولُهم: تَوَجَّهْتُ مَكَّةَ، وذَهبتُ الشامَ، وهو قليلٌ جِدًّا عَنِ العرَبِ، فلا يُقاسُ عليه؛ لأنَّ استعمالَه قد يُوهِمُ أنَّ الفعْلَ مُتَعَدٍّ بنَفْسِه.
أمَّا، نحوُ: (دَخلتُ البيتَ) فهو مَنصوبٌ على المفعوليَّةِ على الأَصَحِّ لا على نَزْعِ الخافِضِ؛ لأنَّ الفِعْلَ (دَخَلَ) يُستعمَلُ مُتعدِّياً تَارَةً بنَفْسِه، وتارةً بحَرْفِ الْجَرِّ.
ويَجوزُ حذْفُ حرْفِ الجرِّ قِياساً مُطَّرِداً مع (أنْ وأنَّ) بشَرْطِ أنْ يُؤْمَنَ اللَّبْسُ، وذلك بتَعَيُّنِ الحرْفِ المحذوفِ، نحوُ: عَجِبْتُ مِن أنْ سافَرَ أخوكَ، فتقولُ: عَجِبْتُ أنْ سافَرَ، أيْ: مِن سَفَرِه، ونحوُ: عَجِبْتُ مِن أنك مُسَافِرٌ، فتقولُ: عَجِبْتُ أنك مُسَافِرٌ أيْ: مِن سَفَرِك، قالَ تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ} أيْ: بأنْ تَفْشَلاَ ـ وقالَ تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} أيْ: بأنه، فـ (أنْ) و (أنَّ) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مَصْدَرٍ مجرورٍ بـ (الباءِ) وقالَ تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ} أيْ: في أنْ يُؤْمِنُوا.
فإنْ حَصَلَ لَبْسٌ امْتَنَعَ الحذْفُ، نحوُ: رَغِبْتُ في أنْ أَزُورَكَ، فلا يُحْذَفُ الحرْفُ لاحتمالِ أنْ يكونَ المحذوفُ (عن) فيَحْصُلُ اللَّبْسُ.
والْخُلاصةُ: أنَّ حَرْفَ الجرِّ إذا حُذِفَ يُنْصَبُ الاسمُ بعدَه في حالتينِ:
1- قليلةٍ غيرِ مُطَّرِدَةٍ فالنصْبُ فيها مَقصورٌ على السماعِ.
3- كثيرةٍ مُطَّرِدَةٍ فالنصْبُ فيها قياسيٌّ.
وهذا معنى قولِه: (وَعَدِّ لازِماً.. إلخ) أيْ: عَدِّ اللازمَ إلى المفعولِ بحرْفِ الجرِّ، فإنْ حُذِفَ الحرْفُ فالنصْبُ ثابتٌ للمجرورِ سماعاً، فلا يُقاسُ عليه، وفي (أنْ وأنَّ) يَطَّرِدُ الحذْفُ مع أمْنِ اللَّبْسِ، نحوُ: عَجِبْتُ أنْ يَدُوا، فأنْ وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مَصْدَرٍ مجرورٍ بمِن المحذوفةِ، والتقديرُ: عَجِبْتُ مِن وَدْيِهِم أيْ: إعطائِهم الدِّيَةَ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بعَجِبْتُ.
ترتيبُ مَفَاعِيلِ الفعْلِ الْمُتَعَدِّي لأكثرَ مِن مفعولٍ
273- والأصلُ سَبْقُ فاعلٍ معنًى كمَنْ = مِن أَلْبِسَنْ مَن زَارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ
274- ويَلْزَمُ الأصلُ لِمُوجِبٍ عَرَا = وتَرْكُ ذاك الأصْلِ حَتْماً قد يُرَى
تَقَدَّمَ أنَّ الفعلَ المتعَدِّي إمَّا أنْ يَتَعَدَّى لمفعولٍ واحدٍ أو لاثنينِ أو لثلاثةٍ، فإذا كان الفعْلُ مُتَعَدِّياً لأكثرَ مِن واحدٍ، فإنَّ لبعضِ الْمَفاعيلِ الأصالةَ في التقَدُّمِ على بعضٍ، إمَّا لكونِه مُبتدأً في الأصْلِ، كما في بابِ (ظنَّ وأخواتِها) كقولِك: علِمْتُ الصدْقَ نافعاً؛ أو لكونِه فاعلاً في المعنى كقولِك: أَعطيتُ الفقيرَ ثَوْباً.
والمقصودُ بهذا البيتِ والذي يَليهِ: أنَّ للمفعولِ الأوَّلِ مع المفعولِ الثاني في بابِ (أعطى وكسا) ثلاثَ حالاتٍ:
الأُولَى: وهي الأصْلُ، تقديمُ ما هو فاعلٌ في المعنى كقولِك: أعطيتُ الفائزَ جَائزةً، فالأصْلُ تقديمُ المفعولِ الأوَّلِ (الفائزَ) لأنه فاعِلٌ في المعنى، لأنه هو الآخِذُ، ويَجوزُ تأخيرُه، لكنه خِلافُ الأصْلِ.
الثانيةُ: وُجوبُ تقديمِ ما هو فاعلٌ في المعنى، وذلك في ثلاثِ مَسائلَ:
الأُولَى: أنْ يُخافَ اللَّبْسُ، وذلك إذا صَلَحَ كلٌّ مِن المَفْعُولَيْنِ أنْ يكونَ فاعلاً في المعنَى، نحوُ: أَعطيتُ خالداً زَميلاً في السفَرِ، فلا يَجُوزُ تأخيرُ (خالداً) لأنه لا يُعْلَمُ كونُه آخِذاً إلاَّ بتقديمِه.
الثانيةُ: أنْ يكونَ المفعولُ الثاني محصوراً فيه، نحوُ: لا أَكْسُو الأولادَ إلاَّ ما يُوافِقُ الشرْعَ فـ (الأولادَ) مفعولٌ أوَّلُ و (ما) مفعولٌ ثانٍ، ولا يَجُوزُ تقديمُ الثاني؛ لئَلاَّ يَفسُدَ الحصْرُ ويَزولَ الغرَضُ منه.
الثالثُ: أنْ يكونَ الأُوَّلُ ضميراً متَّصِلاَ والثاني اسْماً ظاهِراً، نحوُ: أعطيتُكَ كِتاباً لأنه لو أُخِّرَ لانفصَلَ.
الحالةُ الثالثةُ: وجوبُ تقديمِ ما هو مفعولٌ في المعنى وتأخيرِ ما هو فاعلٌ في المعنى، وذلك في ثلاثةِ مَسائلَ أيضاً:
الأُولَى: أنْ يكونَ المفعولُ الأوَّلُ (أي الفاعلُ في المعنى..) متَّصِلاً بضميرٍ يعودُ على المفعولِ في المعنى، نحوُ: أسْكنتُ البيتَ صاحبَه، فلو قُدِّمَ المفعولُ الأوَّلُ (صاحبَه) لعادَ الضميرُ على متأَخِّرٍ لفظاً ورُتبةً وهو ممنوعٌ.
الثانيةُ: أنْ يكونَ المفعولُ الأوَّلُ مَحصوراً، نحوُ: ما أعطيتُ الجائزةَ إلاَّ المستَحِقَّ.
الثالثةُ: أنْ يكونَ المفعولُ الأوَّلُ اسماً ظاهراً، والثاني ضميراً مُتَّصِلاً، نحوُ: الثوبُ أعطيتُه فَقيراً.
وهذا معنى قولِه: (والأصلُ سَبْقُ فاعلٍ.. إلخ) أيْ: إذا تَعَدَّى الفعْلُ لمَفْعُولَيْنِ: أحَدُهما فاعلٌ في المعنى ـ كما في بابِ أَعْطَى ـ فالأصْلُ المستَحْسَنُ أنْ يَتقدَّمَ هذا الفاعلُ في المعنى على غيرِه، ثم ساقَ الْمِثالَ: (أَلْبِسَنْ مَن زَارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ) فمَن: مفعولٌ أوَّلُ، ونَسْجَ: مفعولٌ ثانٍ، والأصْلُ تقديمُ (مَن) على (نَسْجَ اليمَنِ) لأنَّ مدلولَ (مَن) هو اللابسُ فهو فاعلٌ في المعنى، ونَسْجَ اليمَنِ: هو الملبوسُ، ويَجوزُ تقديمُه لكنَّه خِلافُ الأصْلِ.
ثم صَرَّح بعدَ ذلك بأنَّ مُراعاةَ هذا الأصْلِ ـ وهو تقديمُ الفاعلِ في المعنى ـ قد تَلْزَمُ بسببٍ موجِبٍ لِمُراعاتِها قد (عرا) أيْ: وُجِدَ، وذلك كخوفِ اللَّبْسِ مثلاً، كما صَرَّحَ بأنَّ تَرْكَ هذا الأصلِ لوُجودِ مانِعٍ يَقتضِي تَأَخُّرَ ما هو فاعلٌ في المعنى، (حَتْماً قد يُرى) أيْ: قد يُرى أَمْراً محتوماً وواجباً.
جوازُ حَذْفِ المفعولِ به الفَضْلَةِ
275- وحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إن لم يَضُِرْ = كحَذْفِ ما سِيقَ جَواباً أو حُصِرْ
الفَضْلَةُ: خِلافُ العُمدةِ، فهي التي يُمكِنُ الاستغناءُ عنها في الكلامِ؛ لأنها لا تُؤَدِّي معنىً أساسيًّا في الْجُملةِ، كالْمَفاعيلِ، والتمييزِ والحالِ، أمَّا العُمدةُ فهي التي لا يُستغنَى عنها في الكلامِ؛ لكونِها تُؤَدِّي معنًى أساسيًّا في الجملةِ، كالمبتدأِ والخبرِ والفاعلِ ونائبِه.
وليست الفَضْلَةُ دائماً يُمكِنُ الاستغناءُ عنها، فقد يَلْزَمُ ذِكْرُها لعارِضٍ، فالمفعولُ به فَضْلَةٌ، لكنْ قد يَلْزَمُ ذِكْرُه أحياناً، فلا يَصِحُّ حَذْفُه وكذا الحالُ قد يَلْزَمُ ذِكْرُها.
فالأصْلُ في المفعولِ به أنْ يكونَ مَذكوراً، ويَجوزُ حذْفُه لغَرَضٍ لفْظِيٍّ أو مَعنويٍّ، فمِنَ الأغراضِ اللفظيَّةِ تَنَاسُبُ الفواصِلِ كما في قولِه تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} أيْ: وما قَلاكَ أو أنه حُذِفَ اختصاراً؛ إذ يُعْلَمُ أنه ضميرُ المخاطَبِ وهو الرسولُ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ.
ومنها: الإيجازُ كقولِِه تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} فقد حُذِفَ مفعولُ (يَعلمونَ) للإيجازِ؛ ولأن المقصودَ ـ واللهُ أعْلَمُ ـ نَفْيُ نِسبةِ العِلْمِ المطْلَقِ إليهم لا نَفْيُ علْمِهم بشيءٍ مخصوصٍ، كأنهم لا حَظَّ لهم مِن العلْمِ لفرْطِ جَهالتِهم، وقد يُحْذَفُ المفعولانِ ـ في بابِ أَعْطَى ـ كما في قولِه تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} فقد حُذِفَ مَفْعُولاَ (أعطى) للإيجازِ، ولأنَّ الغرَضَ الثناءُ على الْمُعْطِي (بكسْرِ الطاءِ) دونَ تَعَرُّضٍ للعَطِيَّةِ والمعطَى (بفتْحِ الطاءِ) وقولُه تعالى: (واتَّقى) أيْ: واتَّقَى ربَّه، وقد يُحْذَفُ المفعولُ الأوَّلُ لأَعْطَى كما في قولِه تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} أيْ: حتى يُعْطُوكُم، وقد يُحذفُ الثاني كقولِِه تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} وإنما حُذِفَ -واللهُ أعلَمُ- ليَشْمَلَ كلَّ ما أَعطاه اللهُ تعالى لنَبِيِّهِ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ مِن خيرِ الدنيا والآخرةِ.
ومِن الأغراضِ الْمَعنويَّةِ ألاَّ يَتعلَّقَ الغرَضُ به، ويُمكِنُ أنْ يُمَثَّلَ لذلك بقولِه تعالى: {فَأَمَّا مْنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} كما تَقَدَّمَ بيانُه، وبقولِه تعالى: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ} فمَفْعُولاَ (يَسمعُ) و(يُبصِرُ) محذوفانِ لأنَّ المقصودَ ـ واللهُ أعْلَمُ ـ إثباتُ الصِّفَتَيْنِ أو نَفْيُهما بغَضِّ النظَرِ عَنِ المسموعِ والْمُبْصَرِ.
ومِن الأغراضِ الْمَعنويَّةِ إرادةُ التَّهويلِ, كقولِِه تعالى: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} التقديرُ ـ واللهُ أعلَمُ ـ سيَعلمونَ ما يَحِلُّ بهم مِنَ العُقوباتِ، أو الاختصارِ كقولِِه تعالى: {كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} أيْ: لأَغْلِبَنَّ الكُفَّارَ.
فإن اشْتَدَّتِ الحاجةُ إلى ذِكْرِ المفعولِ، به بحيث يَخْتَلُّ المعنى أو يَفْسُدُ بحَذْفِه لم يَجُز الحذْفُ، ومِن مَواضِعِ ذلك.
1- أنْ يكونَ المفعولُ به هو الجوابَ المقصودَ مِن سؤالٍ مُعَيَّنٍ مِثلِ: مَن زُرْتَ اليومَ؟ فتقولُ: زُرتُ عَمِّي، فلا يَجُوزُ حذْفُ المفعولِ به: (عَمِّي) لأنه لا يَحْصُلُ الجوابُ.
2- أنْ يكونَ المفعولُ به مَحصوراً، نحوُ: ما زُرْتُ اليومَ إلاَّ عَمِّي، فلا يَجُوزُ حذْفُ المفعولِ به المحصورِ لئَلاَّ يَبقَى الكلامُ دالاًّ على نفيِ الزيارةِ مُطْلَقاً، والمقصودُ نَفْيُها عن غيرِ (الْعَمِّ).
قالَ ابنُ مالكٍ: (وحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ... إلخ) أيْ: أَجِزْ حَذْفَ الفَضْلَةِ، والمرادُ هنا المفعولُ به ـ بشَرْطِ ألاَّ يَضُرَّ حَذْفُها، فإنْ ضَرَّ حَذْفُها امْتَنَعَ، كما لو وَقَعَتْ جَواباً لسؤالٍ، أو كانتْ مَحصورةً، وقولُه: (إنْ لَمْ يَضِر) بكسْرِ الضادِ، مضارعٌ مجزومٌ ماضِيهِ (ضارَّ) بمعنى (ضَرَّ).
حذْفُ ناصبِ الفَضْلَةِ
276- ويُحْذَفُ الناصبُها إن عُلِمَا = وقد يكونُ حَذْفُه مُلْتَزَمَا
الأَصْلُ في عاملِ المفعولِ به أنْ يكونَ مَذكوراً، وقد يُحْذَفُ جَوازاً أو وُجوباً.
فيَجوزُ حَذْفُه إذا دلَّ عليه دليلٌ، نحوُ: مَن زُرْتَ اليومَ؟ فتقولُ: صَدِيقِي، التقديرُ: زُرتُ صَديقِي، فحُذِفَ الفعْلُ (زُرْتُ) لدَلالةِ ما قَبلَه عليه، ومِنه قولُه تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً} فأخاهم: مَفعولٌ به لفعْلٍ مَحذوفٍ دَلَّ عليه ما تَقَدَّمَ تقديرُه: أَرْسَلْنَا، ويَجِبُ حَذْفُه في أبوابٍ مُعَيَّنَةٍ منها: بابُ الاشتغالِ ـ كما تَقَدَّمَ ـ كقولِِه تعالى {أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ}.
ومنها في بابِ النداءِ، نحوُ: يا طالِبَ العلْمِ احْفَظْ وقْتَكَ، قالَ تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ} فإنَّ المنادَى منصوبٌ بعامِلٍ محذوفٍ وُجوباً، تقديرُه: أَدْعُو أو أُنادِي: وحَرْفُ النداءِ عِوَضٌ عنه.
ومنها: الأمثالُ المسموعةُ عَنِ العرَبِ بالنصْبِ، نحوُ: أَحَشَفاً وسُوءَ كِيْلَةٍ فـ (حَشَفَاً) منصوبٌ بفِعْلٍ محذوفٍ أيْ: أتَجْمَعُ حَشَفاً وسُوءَ كِيْلَةٍ.
وهذا معنى قولِه: (ويُحْذَفُ الناصبُها.. إلخ) أيْ: يُحْذَفُ ناصبُ الفَضْلَةِ ـ أي: المفعولُ به ـ إنْ عُلِمَ الناصبُ بقَرينةٍ، وقد يكونُ حذْفُ الناصِبِ أحياناً لازِماً لا بُدَّ منه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الفعل, تعدد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir