دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي علامات الفعل وعلامة الحرف

بتا فَعَلْتَ وأَتَتْ وَيَا افْعَلِي = ونونِ أَقْبِلَنْ فِعْلٌ يَنْجَلِي
سِوَاهُمَا الحرفُ كَهَلْ وفي ولَمْ = فعلٌ مضارِعٌ يَلِي لمْ كَيَشَمْ
وماضِيَ الأفعالِ بالتَّا مِزْ وَسِمْ = بالنُّونِ فِعْلَ الأمرِ إنْ أَمْرٌ فُهِمْ
والأمرُ إنْ لمْ يكُ للنونِ مَحَلْ = فيهِ هوَ اسمٌ نحوُ صَهْ وحَيَّهَلْ


  #2  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 09:52 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي منحة الجليل على شرح ابن عقيل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد

بِتَا فَعَلْتُ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي = وَنُونِ أَقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْجَلِي(1)
ثُمَّ ذكَرَ المصنِّفُ أنَّ الفعلَ يَمتازُ عن الاسمِ والحرفِ بتاءِ (فَعَلْتُ) والمرادُ بها تاءُ الفاعلِ، وهي المضمومةُ للمتكلِّمِ، نحوُ: (فَعَلْتُ)، والمفتوحةُ للمخاطَبِ؛ نحوُ: (تَبَارَكْتَ) والمكسورةُ للمخاطَبَةِ؛ نحوُ: (فَعَلْتِ).
ويَمْتَازُ أيضاً بتاءِ (أَتَتْ) والمرادُ بها تاءُ التأنيثِ الساكنةِ، نحوُ: (نِعْمَتْ) و(بِئْسَتْ) فاحْتَرَزْنا بالساكنةِ عن اللاحقةِ للأسماءِ؛ فإنَّها تكونُ متحرِّكةً بحركةِ الإعرابِ، نحوُ: (هذه مُسْلِمةٌ، ورأيتُ مُسْلِمةً، ومررتُ بمسلمةٍ) ومن اللاحقةِ للحرفِ،
نحوُ: (لاتَ ورُبَّتَ وثُمَّتَ) (2) وأمَّا تسكينُها معَ (رُبَّ) و(ثُمَّ) فقليلٌ، نحوُ: (رُبَّتْ وثُمَّتْ).
ويَمْتَازُ أيضاً بياءِ (افْعَلِي) والمرادُ بها ياءُ الفاعلةِ، وتَلْحَقُ فعلَ الأمرِ، نحوَ: (اضْرِبِي) والفعلَ المضارعَ، نحوَ: (تَضْرِبِينَ) ولا تَلْحَقُ الماضِيَ.
وإنما قالَ المصنِّفُ: (يا افْعَلِي) ولم يَقُلْ: (ياءِ الضميرِ)؛ لأنَّ هذه تدخُلُ فيها ياءُ المتكلِّمِ، وهي لا تَخْتَصُّ بالفعلِ، بل تكونُ فيه، نحوُ: (أَكْرَمَنِي) وفي الاسمِ، نحوُ: (غُلامِي)، وفي الحرفِ، نحوُ: (إنِّي)، بخلافِ ياءِ (افْعَلِي) فإنَّ المرادَ بها ياءُ الفاعلةِ على ما تَقَدَّمَ، وهي لا تكونُ إلاَّ في الفعلِ.
وممَّا يُمَيِّزُ الفعلَ نونُ (أَقْبِلَنَّ) والمرادُ بها نونُ التوكيدِ، خفيفةً كانَتْ أو ثقيلةً، فالخفيفةُ نحوُ قولِه تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ}، والثقيلةُ نحوُ قولِه تعالى: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ}.
فمعنى البيتِ: يَنْجَلِي الفعلُ بتاءِ الفاعلِ وتاءِ التأنيثِ الساكنةِ (3) وياءِ الفاعلةِ ونونِ التوكيدِ.

سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَهَلْ وَفِي وَلَمْ = فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ(4)
وَمَاضِيَ الأَفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ = بِالنُّونِ فِعْلَ الأَمْرِ إِنْ أَمْرٌ فُهِمْ(5)
يُشِيرُ إلى أنَّ الحرفَ يَمْتازُ عن الاسمِ والفعلِ بخُلُوِّه عن علاماتِ الأسماءِ وعلاماتِ الأفعالِ، ثمَّ مَثَّلَ بـ(هَلْ وَفِي وَلَمْ)؛ منبِّهاً على أنَّ الحرفَ يَنقسِمُ إلى قِسميْنِ: مُخْتَصٍّ وغيرِ مختصٍّ، فأشارَ بِهَلْ إلى غيرِ المختَصِّ، وهو الذي يَدْخُلُ على الأسماءِ والأفعالِ، نحوُ: (هَلْ زَيْدٌ قَائِمٌ)، و(هلْ قامَ زيدٌ) وأشارَ بفي ولَمْ إلى المختَصِّ، وهو قِسمانِ: مُخْتَصٌّ بالأسماءِ؛ كفِي، نحوُ: (زيدٌ في الدارِ) ومختصٌّ بالأفعالِ كلَمْ، نحوُ: (لم يَقُمْ زيدٌ).
ثم شَرَعَ في تَبْيِينِ أنَّ الفعلَ ينقسِمُ إلى ماضٍ ومضارِعٍ وأمرٍ، فجَعَلَ علامةَ المضارِعِ صِحَّةَ دخولِ لَمْ عليه؛ كقولِكَ في يَشَمُّ: (لم يَشَمْ)، وفي يَضْرِبُ (لم يَضْرِبْ) وإليه أشارَ بقولِه: (فِعْلٌ مضارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ).
ثم أشارَ إلى ما يُمَيِّزُ الفعلَ الماضيَ بقولِه: (وماضِيَ الأفعالِ بالتَّا مِزْ) أي: مَيِّزْ ماضِيَ الأفعالِ بالتاءِ، والمرادُ بها تاءُ الفاعلِ وتاءُ التأنيثِ الساكنةُ، وكلٌّ مِنهما لا يدخُلُ إلاَّ على ماضي اللفظِ، نحوُ: (تَبَارَكْتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ) و(نِعْمَتِ المرأةُ هِنْدٌ) و(بِئْسَتِ المرأةُ دَعْدٌ).
ثم ذكَرَ في بقيَّةِ البيتِ أنَّ علامةَ فعلِ الأمرِ قَبُولُ نونِ التوكيدِ والدَّلالةُ على الأمرِ بصيغتِه، نحوُ: اضْرِبَنْ واخْرُجَنَّ.
فإنْ دَلَّتِ الكَلِمَةُ على الأمرِ ولم تَقْبَلْ نونَ التوكيدِ فهي اسمُ فعلٍ (6) وإلى ذلكَ أشارَ بقولِه:
والأمرُ إنْ لَمْ يَكُ للنُّونِ مَحَلْ = فيهِ هوَ اسمٌ نَحْوُ صَهْ وحَيَّهَلْ(7)
فصَهْ وحَيَّهَلْ اسمانِ، وإنْ دَلاَّ على الأمرِ؛ لعَدَمِ قَبُولِهِما نونَ التوكيدِ، فلا تقولُ: صَهَنَّ ولا حَيَّهَلَنَّ وإنْ كانَتْ صه بمعنى اسْكُتْ، وحَيَّهَلْ بمعنى أَقْبِلْ، فالفارِقُ(8) بينَهما قَبُولُ نونِ التوكيدِ وعَدَمُه نحوَ: (اسْكُتَنَّ وأَقْبِلَنَّ) ولا يَجُوزُ ذلك في (صَهْ وحَيَّهَلْ).

([1]) (بِتَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بـ (يَنْجَلِي) الواقعِ هو وفاعلُه الضميرُ المُسْتَتِرُ فيه في محلِّ رفعٍ خبراً عن المبتدأِ، فإنْ قُلْتَ: يَلْزَمُ تقديمُ معمولِ الخبرِ الفعليِّ على المبتدأِ وهو لا يَجُوزُ؛ قُلْتُ: إنَّ ضرورةَ الشِّعْرِ هي التي أَلْجَأَتْهُ إلى ذلك، وإنَّ المعمولَ لكونِه جارًّا ومجروراً يُحْتَمَلُ فيه ذلك التقدُّمُ الذي لا يَسُوغُ في غيرِه، وتا مضافٌ و(فَعَلْتُ) قَصَدَ لَفْظَهُ: مضافٌ إليه، (وأَتَتْ) الواوُ حرفُ عطفٍ، أَتَتْ: قَصَدَ لَفْظَهُ أيضاًً: معطوفٌ على فَعَلْتَ، (وَيَا) معطوفٌ على تاءٍ، ويا مضافٌ، و (افعلي) مضافٌ إليه، وهو مقصودُ لفظِه أيضاًً، (وَنُونِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، نونِ: معطوفٌ على تاءٍ، وهو مضافٌ، و(أَقْبِلَنَّ) قصدُ لفظِه: مضافٌ إليه، (فِعْلٌ) مبتدأٌ، (يَنْجَلِي) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى (فِعْلٌ)، والجملةُ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ.
([2]) أمَّا دخولُ التاءِ على (لا) فأَشْهَرُ مِن أنْ يُسْتَدَلَّ عليه، بلْ قد اسْتُعْمِلَتْ (لاتَ) حرفَ نَفْيٍ بكثرةٍ، ووَرَدَ استعمالُه في فَصيحِ الكلامِ، ومِن ذلك قولُه تعالى: {وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ}، وأمَّا دُخُولُها على رُبَّ ففي نحوِ قولِ الشاعرِ:
ورُبَّتَ سائلٍ عَنِّي حَفِيٍّ = أَعَارَتْ عَيْنُهُ أَمْ لَمْ تَعَارَا
ونحوِ قولِ الآخَرِ:
مَاوِيَّ يَا رُبَّتَمَا غَارَةٍ = شَعْوَاءَ كَاللَّذْعَةِ بِالْمِيسَمِ
وأمَّا دُخُولُها على ثُمَّ ففي نحوِ قولِ الشاعرِ:
ولَقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي = فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لاَ يَعْنِينِي
([3]) بقَبولِ تاءِ التأنيثِ وتاءِ الفاعلِ أَبْطَلَ الجمهورُ مَذْهَبَ القائلِ بأنَّ (ليسَ) حرفٌ، ومَذْهَبَ القائلِ بأنَّ (عَسَى) حرفٌ، وبقَبُولِ تاءِ التأنيثِ وَحْدَها أَبْطَلُوا مَذْهَبَ القائلِ بأنَّ (نِعْمَ) و(بِئْسَ) اسمانِ.
([4]) (سِوَاهُمَا) سِوَى: خبرٌ مقدَّمٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدَّرَةٍ على الألفِ، مَنَعَ مِن ظُهُورِها التعذُّرُ، وسِوَى مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (الحَرْفُ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، ويَجُوزُ العكسُ، لكنَّ الأَوْلَى ما قَدَّمْنَاهُ، (كَهَلْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وذلكَ كَهَلْ، (وفي، ولم) معطوفانِ على هلْ، (فِعْلٌ) مبتدأٌ، (مضارِعٌ) نعتٌ له، (يَلِي) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً، تقديرُه هو، يَعُودُ على فعلٌ مضارِعٌ، والجملةُ خبرُ المبتدأِ، (لَمْ) مفعولٌ به لـ (يَلِي)، وقد قَصَدَ لَفْظَه، (كَيَشَمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ يَقَعُ خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وذلك كَيَشَمْ، وتقديرُ البيتِ كلِّه: الحرفُ سِوَى الاسمِ والفعلِ، وذلك كهَلْ وفي ولَمْ، والفعلُ المضارِعُ يلي لَمْ، وذلك كائنٌ كيَشَمْ، ويَشَمْ فعلٌ مضارعٌ ماضيه قولُكَ: شَمِمْتُ الطِّيبَ ونحوَه ـ من بابِ فَرِحَ ـ إذا نَشِقْتَه، وفيه لغةٌ أُخْرَى من بابِ نَصَرَ يَنْصُرُ حكاها الفَرَّاءُ.
([5]) (وماضِيَ) الواوُ للاستئنافِ، ماضي: مفعولٌ به مقدَّمٌ لقولِه مِزْ الآتي، وماضِيَ مضافٌ و(الأفعالِ) مضافٌ إليه، (بِالتَّا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمِزْ، (مِزْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (وَسِمْ) الواوُ عاطفةٌ أو للاستئنافِ، سِمْ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تقديرُه أنتَ، (بِالنُّونِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بسِمْ، (فِعْلَ) مفعولٌ به لسِمْ، وفِعْلَ مضافٌ و(الأَمْرِ) مضافٌ إليه، (إِنْ) حرفُ شرطٍ، (أَمْرٌ) نائبُ فاعلٍ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكورُ بعدَه، وتقديرُه: إنْ فُهِمَ أمرٌ، (فُهِمْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ على (أمرٌ)، والجملةُ من الفعلِ ونائبِ فاعلِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ تَفْسِيرِيَّةٌ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه المذكورُ، وتقديرُه: (عن فَهْمِ أمرٍ فسِمْ بالنونِ ـ إلخ) وتقديرُ البيتِ: مَيِّزِ الماضِيَ مِن الأفعالِ بقَبولِ التاءِ التي ذَكَرْنا أنها مِن علاماتِ كونِ الكَلِمَةِ فِعلاً، وعَلِّمْ فعلَ الأمرِ بقَبُولِ النونِ إن فُهِمَ مِنه الطلبُ.
ومِزْ: أمرٌ مِن مازَ الشيءَ يَمِيزُهُ مَيْزاً - مثلُ باعَ يَبِيعُ بَيْعاً - إذا مَيَّزَهُ، وسِمْ: أمرٌ مِن وَسَمَ الشيءَ يَسِمُه وَسْماً- مثلُ وَصَفَه يَصِفُه وَصْفاً - إذا جَعَلَ له علامةً يَعْرِفُه بها، والأمرُ في قَوْلِهِ: (إِنْ أَمْرٌ فُهِمْ) هو الأمرُ اللُّغَوِيُّ، ومعناه الطلبُ الجازِمُ على وجهِ الاستعلاءِ.
([6]) وكذا إذا دَلَّتِ الكَلِمَةُ على معنى الفعلِ المضارِعِ ولم تَقْبَلْ علامتَه ـ وهي لم ـ فإنَّها تكونُ اسمَ فعلٍ مضارِعٍ، نحوُ: أَوَّهْ وأُفٍّ، بمعنَى أَتَوَجَّعُ وأَتَضَجَّرُ، وإنْ دَلَّتْ الكَلِمَةُ على معنى الفعلِ الماضي وامْتَنَعَ قَبُولُها علامَتَه امْتِناعاً راجعاً إلى ذاتِ الكَلِمَةِ فإنَّها تكونُ اسمَ فعلٍ ماضٍ، نحوُ: هَيْهَاتَ وشَتَّانَ، بمعنى بَعُدَ وافْتَرَقَ، فإنْ كانَ امتناعُ قَبُولِ الكَلِمَةِ الدالَّةِ على الماضِي لا يَرْجِعُ إلى ذاتِ الكَلِمَةِ، كما في فِعْلِ التعجُّبِ، نحوُ: (ما أَحْسَنَ السماءَ) وكما في (حَبَّذَا الاجتهادُ) فإنَّ ذلك لا يَمْنَعُ مِن كونِ الكَلِمَةِ فِعلاً.
([7]) (والأمرُ) الواوُ عاطفةٌ أو للاستئنافِ، الأمرُ: مبتدأٌ، (إِنْ) حرفُ شرطٍ، (لَمْ) حرفُ نفيٍ وجزمٍ، (يَكُ) فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ مجزومٌ بلم، وعلامةُ جزمِه سكونُ النونِ المحذوفةِ للتخفيفِ، وأصلُه يَكُنْ، (للنونِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ يَكُ مقدَّماً، (مَحَلْ) اسمُها مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وسُكِّنَ لأجلِ الوقفِ، (فِيهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ نعتٍ لمَحَلٍّ، (هُوَ اسْمٌ) مبتدأٌ وخبرٌ، والجملةُ مِنهما في مَحَلِّ جزمِ جوابِ الشرطِ، وإنما لم يَجِئْ بالفاءِ للضرورةِ، والجملةُ مِن الشرطِ وجوابِه في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، أو تُجْعَلُ جملةُ (هُوَ اسْمٌ) في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو قولُه: (الأمرُ) في أوَّلِ البيتِ، وتكونُ جملةُ جوابِ الشرطِ محذوفةً دَلَّتْ عليها جملةُ المبتدأِ وخبرِه، والتقديرُ على هذا: والدالُّ على الأمرِ هو اسمٌ إنْ لم يَكُنْ فيه محلٌّ للنونِ فهو اسمٌ، وحُذِفَ جوابُ الشرطِ عندَما لا يكونُ فعلُ الشرطِ ماضياً ضرورةً أيضاًً، فالبيتُ لا يَخْلُو من الضرورةِ، (نَحْوُ) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وذلكَ نحوُ، ونحوُ مضافٌ و(صَهْ) مضافٌ إليه، وقدْ قَصَدَ لفظَه، (وَحَيَّهَلْ) معطوفٌ على صَهْ.
([8]) أربعُ فوائدَ:
الأُولَى: أسماءُ الأفعالِ على ثلاثةِ أنواعٍ:
النوعُ الأوَّلُ: ما هو واجبُ التنكيرِ،، وذلك نحوُ: وَيْهاً ووَاهاً.
والنوعُ الثاني: ما هو واجبُ التعريفِ، وذلك نحوُ: نَزَالِ وتَرَاكِ وبابِهما.
والثالثُ: ما هو جائزُ التنكيرِ والتعريفِ، وذلك نحوُ: صَهْ ومَهْ، فما نُوِّنَ وُجوباً أو جَوَازاً فهو نَكِرَةٌ، وما لم يُنَوَّنْ فهو معرفةٌ.
والفائدةُ الثانيةُ: تُوَافِقُ أسماءُ الأفعالِ الأفعالَ في ثلاثةِ أُمورٍ:
أَوَّلُها: الدَّلالةُ على المعنَى.
وثانيها: أنَّ كلَّ واحدٍ مِن أسماءِ الأفعالِ يُوَافِقُ الفعلَ الذي يكونُ بمعناه في التعدِّي واللُّزُومِ غَالِباً.
وثالِثُها: أنه يُوَافِقُ الفعلَ الذي بمعناه في إظهارِ الفاعلِ وإضمارِه، ومِن غير الغالبِ في التعدِّي نحوُ: (آمِينَ) فإنَّه لم يُحْفَظْ في كلامِ العربِ تَعَدِّيهِ لمفعولٍ، معَ أنه بمعنَى: اسْتَجِبْ، وهو فعلٌ مُتَعَدٍّ، وكذا (إِيهِ) فإنَّه لازمٌ معَ أنَّ الفعلَ الذي بمعناه ـ وهو زِدْنِي ـ مُتَعَدٍّ.
وتُخَالِفُها في سبعةِ أُمُورٍ:
الأَوَّلُ: أنه لا يَبْرُزُ معَها ضميرٌ، بل تَقُولُ: (صَهْ) بلفظٍ واحدٍ للمفردِ والمثنَّى والجمعِ المذكَّرِ والمؤنَّثِ، بخلافِ (اسْكُتْ) فإنكَ تقولُ: اسْكُتِي، واسْكُتَا، واسْكُتُوا، واسْكُتْنَ.
والثاني: أنها لا يَتَقَدَّمُ معمولُها عليها، فلا تقولُ: (زيداً عَلَيْكَ) كما تقولُ: (مُحَمَّداً الْزَمْ).
والثالثُ: أنه يَجُوزُ توكيدُ الفعلِ توكيداً لفظيًّا باسمِ الفعلِ، تقولُ: انْزِلْ نَزَالِ، وتقولُ: اسْكُتْ صَهْ، كما تقولُ: انْزِلِ انْزِلْ، واسْكُتِ اسْكُتْ، ولا يَجُوزُ توكيدُ اسمِ الفعلِ بالفعلِ.
والرابعُ: أنَّ الفعلَ إذا دَلَّ على الطلبِ جازَ نصبُ المضارِعِ في جوابِه، فتقولُ: انْزِلْ فأُحَدِّثَكَ، ولا يَجُوزُ نصبُ المضارِعِ في جوابِ اسمِ الفعلِ ولو كانَ دالاًّ على الطلبِ؛ كصَهْ ونَزَالِ.
والخامسُ: أنَّ أسماءَ الأفعالِ لا تَعْمَلُ مُضْمَرَةً، بحيثُ تُحْذَفُ ويَبْقَى معمولُها، ولا مُتَأَخِّرَةً عن معمولِها، بل مَتَى وَجَدْتَ مَعْمُولاً تَقَدَّمَ على اسمِ فعلٍ تَعَيَّنَ عليكَ تقديرُ فِعْلٍ عامِلٍ فيه؛ فنحوُ قولُ الشاعرِ:
يا أَيُّهَا المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا = إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا
يُقَدِّرُ: خُذْ دَلْوِي، ولا يَجُوزُ أنْ يكونَ قولُه: (دَلْوِي) مَعْمُولاً لدُونَكَا الموجودِ، ولا لآخَرَ مِثْلِه محذوفٍ، على الأصحِّ.
والسادسُ: أنَّ أسماءَ الأفعالِ غيرُ مُتَصَرِّفَةٍ، فلا تَخْتَلِفُ أَبْنِيَتُها لاختلافِ الزمانِ، بخلافِ الأفعالِ.
والسابعُ: أنها لا تَقْبَلُ علاماتِ الأفعالِ؛ كالنواصِبِ والجوازمِ ونونِ التوكيدِ وياءِ المخاطَبَةِ وتاءِ الفاعلِ، وهو ما ذَكَرَه الشارحُ في هذا الموضعِ.
فاحْفَظْ هذا كُلَّهْ، وكُنْ مِنه على ثَبَتٍ، واللهُ يَتَوَلاَّكَ.
الفائدةُ الثالثةُ: اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في أسماءِ الأفعالِ؛ فقالَ جمهورُ البَصْرِيِّينَ: هي أسماءٌ قامَتْ مقامَ الأفعالِ في العملِ، ولا تَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الأفعالِ بحيثُ تَخْتَلِفُ أَبْنِيَتُها لاختلافِ الزمانِ، ولا تُصْرَفُ الأسماءُ بحيثُ يُسْنَدُ إليها إسناداً مَعْنَوِيًّا فتَقَعَ مُبْتَدأً وفَاعِلاً، وبهذا فارَقَتِ الصفاتِ كأسماءِ الفاعلينَ والمفعولينَ.
وقالَ جمهورُ الكُوفِيِّينَ: إنها أفعالٌ؛ لأنَّها تَدُلُّ على الحَدَثِ والزمانِ، كلُّ ما في البابِ أنها جامدةٌ لا تَتَصَرَّفُ، فهي كليسَ وعسَى ونحوِهما.
وقالَ أبو جَعْفَرِ بنُ صابرٍ: هي نوعٌ خاصٌّ مِن أنواعِ الكَلِمَةِ، فلَيْسَتْ أفعالاً، ولَيْسَتْ أسماءً؛ لأنَّها لا تَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الأفعالِ ولا تصرُّفَ الأسماءِ، ولأنَّها لا تَقْبَلُ علامةَ الأسماءِ ولا علامةَ الأفعالِ. وأَعْطَاهَا أبو جَعْفَرٍ اسماً خاصًّا بها حيثُ سَمَّاها (خَالِفَةً).
والفائدةُ الرابعةُ: ما ذَكَرَه الناظِمُ مِن أنَّ الفعلَ ثلاثةُ أقسامٍ: ماضٍ ومضارعٌ وأمرٌ ـ هو مذهَبُ البَصْرِيِّينَ مِن النُّحاةِ، وذهَبَ الكُوفِيُّون إلى أنَّ الفعلَ قِسمانِ: ماضٍ ومضارِعٌ، وأمَّا ما نُسَمِّيه فعلَ الأمرِ فهو عندَهم مِن المضارِعِ ومُقْتَطَعٌ منه، فأصلُ (اضْرِبْ) عندَهم (لَتَضْرِبْ) بلامِ الأمرِ، فحُذِفَتِ اللامُ، ثمَّ حُذِفَ حرفُ المضارعةِ، ثمَّ جِيءَ بهمزةِ الوصلِ تَوَصُّلاً إلى النطقِ بالضادِ الساكنةِ. وهو تَكَلُّفٌ لا داعِيَ له.


  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 03:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فَصْلٌ: يَنْجَلِي الْفِعْلُ بِأَرْبَعِ عَلامَاتٍ:
إِحْدَاهَا: تاءُ الْفَاعِلِ، مُتَكَلِّماً كَانَ كـ (قُمْتُ)، أَوْ مُخَاطَباً نَحْوَ: (تَبَارَكْتَ).
الثَّانِيَةُ: تاءُ التأنيثِ الساكنةُ، كـ (قَامَتْ، وَقَعَدَتْ)، فَأَمَّا الْمُتَحَرِّكَةُ فَتَخْتَصُّ بالاسمِ كَـ (قَائِمَةٍ) ([1]).
وَبِهَاتَيْنِ العَلامَتَيْنِ رُدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ حَرْفِيَّةَ (لَيْسَ) و (عَسَى) ([2])، وبالعلامةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَنْ زَعَمَ اسْمِيَّةَ (نِعْمَ) وَ(بِئْسَ) ([3]).
الثَّالِثَةُ: يَاءُ الْمُخَاطَبَةِ: كَـ (قُومِي)، وَبِهَذِهِ رُدَّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ (هَاتِ) وَ(تَعَالَ) اسْمَا فِعْلَيْنِ.
الرابعةُ: نُونُ التوكيدِ شَدِيدَةً أَوْ خَفِيفَةً، نَحْوَ: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً} ([4])، وَأَمَّا قَوْلُهُ:

4 - أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا
فَضَرُورَةٌ.
فَصْلٌ
وَيُعْرَفُ الحرفُ بِأَنَّهُ لا يَحْسُنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ العَلامَاتِ التِّسْعِ: كَهَلْ، وَفِي، وَلَمْ.
وَقَدْ أُشِيرَ بهذهِ المُثُلِ إِلَى أنواعِ الْحُرُوفِ ([5]): فَإِنَّ مِنْهَا مَا لا يَخْتَصُّ بالأسماءِ وَلا بالأفعالِ؛ فَلا يَعْمَلُ شَيْئاً: كَهَلْ، تَقُولُ: (هَلْ زَيْدٌ أَخُوكَ؟)، وَ (هَلْ يَقُومُ؟)، وَمِنْهَا مَا يَخْتَصُّ بالأسماءِ، فَيَعْمَلُ فِيهَا: كَفِي، نَحْوَ: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ} ([6])، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ}([7])، وَمِنْهَا مَا يَخْتَصُّ بالأفعالِ، فَيَعْمَلُ فِيهَا: كَلَمْ، نَحْوُ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}([8]).
فَصْلٌ: وَالفِعْلُ جِنْسٌ تَحْتَهُ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: الْمُضَارِعُ، وعلامتُهُ أَنْ يَصْلُحَ لأَنْ يَلِيَ (لَمْ)، نَحْوُ: (لَمْ يَقُمْ)،(لَمْ يَشَمَّ)، والأفصحُ فِيهِ فَتْحُ الشِّينِ لا ضَمُّهَا، والأفصحُ فِي الماضي: شَمِمْتُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، لا فَتْحِهَا. وَإِنَّمَا سُمِّيَ مُضَارِعاً؛ لِمُشَابَهَتِهِ للاسمِ؛ وَلِهَذَا ([9]) أُعْرِبَ وَاسْتَحَقَّ التقديمَ فِي الذِّكْرِ عَلَى أَخَوَيْهِ.
وَمَتَى دَلَّتْ كَلِمَةٌ عَلَى مَعْنَى الْمُضَارِعِ وَلَمْ تَقْبَلْ (لَمْ) فَهِيَ اسْمٌ ([10]). كَأَوَّهْ وَأُفٍّ بِمَعْنَى: أَتَوَجَّعُ وَأَتَضَجَّرُ.
الثَّانِي: الْمَاضِي، وَيَتَمَيَّزُ بِقَبُولِ تاءِ الْفَاعِلِ: كَتَبَارَكَ، وَعَسَى، وَلَيْسَ، أَوْ تَاءِ التأنيثِ الساكنةِ: كَنِعْمَ، وَبِئْسَ، وَعَسَى، وَلَيْسَ ([11]).
وَمَتَى دَلَّتْ كَلِمَةٌ عَلَى مَعْنَى الماضِي وَلَمْ تَقْبَلْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فَهِيَ اسْمٌ: كَهَيْهَاتَ، وَشَتَّانَ، بِمَعْنَى: بَعُدَ، وَافْتَرَقَ ([12]).
الثَّالِثُ: الأَمْرُ، وَعَلامتُهُ، أَنْ يَقْبَلَ نُونَ التوكيدِ مَعَ دلالتِهِ عَلَى الأَمْرِ، نَحْوَ: (قُومَنَّ)، فَإِنْ قَبِلَتْ كَلِمَةٌ النُّونَ، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى الأَمْرِ، فَهِيَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ، نَحْوَ: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً} ([13])، وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الأَمْرِ وَلَمْ تَقْبَلِ النُّونَ، فَهِيَ اسْمٌ: كَنَزَالِ، وَدَرَاكِ ([14])، بِمَعْنَى: انْزِلْ وَأَدْرِكْ، وَهَذَا أَوْلَى مِنَ التَّمْثِيلِ بِـ (صَهْ)، وَ(حَيَّهَلْ)، فَإِنَّ اسْمِيَّتَهُمَا مَعْلُومَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لأَنَّهُمَا يَقْبَلانِ التَّنْوِينَ.

([1]) التاءُ المُتَحَرِّكَةُ إمَّا أَنْ تكونَ حَرَكَتُهَا حركةَ إعرابٍ كَـ (قَائِمَةٍ)، وهذهِ تَخْتَصُّ بالاسمِ كَمَا قَالَ، وَإِمَّا أَنْ تكونَ حَرَكَتُهَا حَرَكَةَ بِنَاءٍ، وهذهِ تَدْخُلُ عَلَى الحرفِ فِي لاتَ وَرُبَّتَ وَثُمَّةَ، وتكونُ فِي الاسمِ أيضاً نَحْوَ (لا قُوَّةَ)، وَمِنْ شواهدِ دخولِ تاءِ التأنيثِ عَلَى (رُبَّ) قَوْلُهُ:
مَاوِيَّ يَا رُبَّتَمَا غَارَةٍ = شَعْوَاءَ مِثْلِ اللَّذْعَةِ بِالْمِيسَمِ
[لعل هنا سقط: وقوله]

وَرُبَّتَ سَائِلٍ عَنِّي حَفِيٍّ = أَعَارَتْ عَيْنُهُ أَمْ لَمْ تَعَارَا
وَمِنْ شَوَاهِدِ دُخُولِهَا عَلَى ثُمَّ قَوْلُهُ:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي = فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لا يَعْنِينِي
وَأَمَّا دُخُولُهَا عَلَى (لا) فَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ، فَقَدْ قَالُوا: (لاتَ)، وَوَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الكريمِ: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ}. وَقَالَ الشاعرُ:

نَدِمَ الْبُغَاةُ وَلاتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ = وَالْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وَخِيمُ
وَقَالَ أَبُو زُبَيْدٍ الطَّائِيُّ:

طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلاتَ أَوَانٍ = فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ
([2]) ذَهَبَ الفارسيُّ وَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ شُقَيْرٍ إِلَى أَنَّ (لَيْسَ) حَرْفٌ؛ لِكَوْنِهَا دالَّةً عَلَى النَّفْيِ مِثْلَ (مَا)، وَذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ (عَسَى) حَرْفٌ؛ لِكَوْنِهَا دالَّةً عَلَى التَّرَجِّي مثلَ لَعَلَّ، وَالصحيحُ أَنَّهُمَا فِعْلانِ، بِدَلِيلِ قَبُولِهِمَا تَاءَ التأنيثِ فِي نَحْوِ: لَيْسَتْ هِنْدٌ مُفْلِحَةً وَعَسَتْ هِنْدٌ أَنْ تَزُورَنَا، وَتَاءَ الفاعلِ فِي نَحْوِ: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، ونحوِ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ}. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِيَّتِهِمَا أَيْضاً: أَنَّهُ يَجُوزُ فِي خَبَرِ (لَيْسَ) تَقْدِيمُهُ عَلَى اسْمِهَا إِجْمَاعاً وَعَلَيْهَا عَلَى الراجحِ، و (مَا) لا يَجُوزُ مَعَهَا إِلاَّ مَجِيءُ خَبَرِهَا مُتَأَخِّراً عَنْهَا وَعَنِ اسْمِهَا.
([3]) تَقَدَّمَ قَرِيباً أَنَّ الْكُوفِيِّينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ (نِعْمَ، وَبِئْسَ) اسْمَانِ، مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بدخولِ حَرْفِ الجرِّ عَلَيْهِمَا، فَقَدْ حَكَوْا أَنَّ أَعْرَابِيًّا بُشِّرَ بِولادةِ امرأتِهِ أُنْثَى، فَقَالَ: (وَاللهِ مَا هِيَ بِنِعْمَ الْوَلَدُ)، وَحَكَوْا أَنَّ أَعْرَابِيًّا ذَهَبَ لزيارةِ أَحِبَّائِهِ عَلَى حِمَارٍ بَطِيءِ السيرِ، فَقَالَ: (نِعْمَ السَّيْرُ عَلَى بِئْسَ الْعَيرُ)، وَقَدْ رُدَّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ حَرْفَ الجرِّ فِي التقديرِ دَاخِلٌ عَلَى اسْمٍ.
وَجُمْلَةَ (بِئْسَ الْعَيْرُ) مَعْمُولَةٌ للاسمِ المُقَدَّرِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلامِ: وَاللهِ مَا هِيَ بِوَلَدٍ مَقُولٍ فِيهِ: نِعْمَ السَّيْرُ، عَلَى عَيرٍ مَقُولٍ فِيهِ: بِئْسَ العَيرُ.
وَالدليلُ عَلَى أَنَّ دخولَ حَرْفِ الجرِّ فِي اللفظِ لا يَدُلُّ عَلَى اسميَّةِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي اللفظِ عَلَى الفعلِ الَّذِي انْعَقَدَ الإجماعُ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ، مثلُ قَوْلِ الشاعرِ:

واللهِ مَا لَيْلِي بِنَامَ صَاحِبُهْ = وَلا مُخَالِطِ اللِّيَانِ جَانِبُهْ
فَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ (نَامَ) فِعْلٌ مَاضٍ، فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَنَّ الْبَاءَ دَاخِلَةٌ عَلَى اسْمٍ، وَيَكُونَ التقديرُ: وَاللهِ مَا لَيْلِي بِمَقُولٍ فِيهِ: نَامَ صَاحِبُهُ، وَحَيْثُ لَزِمَ هَهُنَا فَلْيَلْزَمْ مِثْلُهُ فِي (نِعْمَ) و(َبِئْسَ) لِثُبُوتِ فِعْلِيَّتِهِمَا بِدُخُولِ تاءِ التأنيثِ وتاءِ الفاعلِ عَلَيْهِمَا.
([4]) سُورَةُ يُوسُفَ، الآيَةُ: 32.
4 - هَذَا بَيْتٌ مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ، وَقَدْ نُسِبَ هَذَا البيتُ إِلَى رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ، وَلا يُوجَدُ فِي دِيوَانِهِ، وَلَكِنَّهُ نُشِرَ فِي زياداتِ الديوانِ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ السُّكَّرِيُّ فِي أَشْعَارِ الهَذَلِيِّينَ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ مع أبياتٍ أُخْرَى، وَهِيَ:

أَرَيْتَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُمْلُودَا = مُرَجَّلاً وَيَلْبَسُ الْبُرُودَا
وَلا تَرَى مَالاً لَهُ مَعْدُودَا = أَقَائِلُنَّ............
اللغةُ: (أُمْلُودَا) - بِضَمِّ الهمزةِ وسكونِ الميمِ. هُوَ الناعِمُ، (مُرَجَّلاً) أَصْلُ الْكَلامِ: مُرَجَّلاً شَعْرُهُ، فَحَذَفَ المضافَ - وَهُوَ الشعرُ - وَأَقَامَ المضافَ إِلَيْهِ - وَهُوَ الضميرُ المجرورُ مَحَلاًّ بالإضافةِ - مُقَامَهُ، فَارْتَفَعَ وَاسْتَتَرَ، (الْبُرُودَا) جَمْعُ بُرْدٍ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الراءِ - وَهُوَ ضَرْبٌ مَعْرُوفٌ مِنَ الثِّيَابِ.
المَعْنَى: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ أَمَةً لَهُ، فَلَمَّا حَبِلَتْ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ حَبَلُهَا مِنْهُ، فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ لَهُ هَذِهِ الأبياتَ. وَحَكَى غَيْرُهُ فِي بَيَانِ مَعَانِي الأبياتِ: أَخْبِرْنِي إِنْ جَاءَتْ هَذِهِ المرأةُ بِشَابٍّ مُرَجَّلِ الشعرِ حَسَنِ المَلْمَسِ كَأَنَّهُ الغُصْنُ الناعمُ لِيَتَزَوَّجَهَا، أَفَأَنْتَ مُوَافِقٌ عَلَى ذَلِكَ آمِرٌ بِإِحْضَارِ الشهودِ لِيَحْضُرُوا عَقْدَ زَوَاجِهَا؟ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْهُ، يَعْنِي أَنَّ الاستفهامَ إِنْكَارِيٌّ.
الإعرابُ: (أَقَائِلُنَّ) الهَمْزَةُ للاستفهامِ، قَائِلُنَّ: خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ مَرْفُوعٌ بِالواوِ المحذوفةِ للتَّخَلُّصِ مِنَ التقاءِ السَّاكِنَيْنِ نِيَابَةً عَن الضمَّةِ؛ لأَنَّهُ جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، وَالنونُ المَحْذُوفَةُ لاجتماعِ الأمثالِ عِوَضٌ عَن التنوينِ فِي الاسمِ المفردِ، وأصلُ الْكَلامِ: أَأَنْتُمْ قَائِلُونَ، فَلَمَّا أَدْخَلَ نونَ التوكيدِ الثقيلةَ صَارَ قَائِلُونَنَّ، بِتَشْدِيدِ النُّونِ بَعْدَ النُّونِ المُعَوَّضِ بِهَا عَنْ تنوينِ المُفْرَدِ، فَحَذَفَ النُّونَ الأُولَى تَخَلُّصاً مِن اجتماعِ ثلاثةِ الأمثالِ، فَصَارَ قَائِلُونَّ بِتَشْدِيدِ النُّونِ - ثُمَّ حَذَفَ الْوَاوَ تَخَلُّصاً مِن التقاءِ السَّاكِنَيْنِ. (أَحْضِرُوا) فِعْلٌ أَمْرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى حذفِ النُّونِ، وواوُ الجماعةِ فَاعِلُهُ، (الشُّهُودَا) مَفْعُولٌ بِهِ لـ (أَحْضِرُوا)، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ فِي محلِّ نصبٍ مَقُولُ الْقَوْلِ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (أَقَائِلُنَّ) حَيْثُ دَخَلَتْ نُونُ التوكيدِ عَلَى اسْمِ الفاعلِ ضرورةً، وَحَقُّهَا أَلاَّ تَدْخُلَ إِلاَّ عَلَى الفعلِ المضارعِ وفعلِ الأَمْرِ، وَالَّذِي سَهَّلَ هَذِهِ الضرورةَ شَبهُ اسْمِ الفاعلِ المَقْرُونِ بهمزةِ الاستفهامِ بالفعلِ المضارعِ، وَنَظِيرُ هَذَا الشاهدِ قَوْلُ الآخرِ، وَيُنْسَبُ إِلَى رُؤْبَةَ أَيْضاً:
أَشَاهِرُنَّ بَعْدَنَا السُّيُوفَا
وَكَثِيرٌ مِن النَّاسِ يُنْكِرُونَ هَذِهِ الروايةَ فِي البَيْتَيْنِ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ الروايةَ فِي البيتِ المُسْتَشْهَدِ بِهِ: (أَقَائِلُونَ) وَفِي البيتِ الَّذِي أَنْشَدْنَاهُ: (أَشَاهِرُونَ) بالواوِ الَّتِي هِيَ علامةُ الرفعِ والنونِ المُعَوَّضِ بِهَا عَن التنوينِ فِي الاسمِ المُفْرَدِ، وَلا شُذُوذَ فِي وَاحِدٍ مِنَ البَيْتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلا ضرورةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
([5]) قَسَّمَ المُؤَلِّفُ الحرفَ إِلَى ثلاثةِ أقسامٍ: مُخْتَصٌّ بالاسمِ، وَمُخْتَصٌّ بالفعلِ، وَمُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَأَشَارَ إِلَى قاعدةٍ عَامَّةٍ فِي هَذَا الموضوعِ خُلاصَتُهَا أَنَّ مِنْ حَقِّ الحَرْفِ الخاصِّ أَنْ يَعْمَلَ فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ العملَ الخاصَّ بِهِ، يَعْنِي أَنَّ حَقَّ الحرفِ المُخْتَصِّ بالاسمِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ الجرَّ؛ لأَنَّ الجرَّ هُوَ الَّذِي يَخُصُّ الأسماءَ، وَمِنْ حَقِّ الحرفِ المُخْتَصِّ بالفعلِ أَنْ يَعْمَلَ الجزمَ؛ لأَنَّ الجزمَ هُوَ الَّذِي يَخُصُّ الأفعالَ.
وَمِنْ حَقِّ الحرفِ المُشْتَرَكِ أَلاَّ يَعْمَلَ شَيْئاً، وَهَذَا هُوَ الأصلُ، فما جَاءَ عَلَيْهِ لا تُطْلَبُ لَهُ عِلَّةٌ، فحروفُ الجرِّ الَّتِي تَجُرُّ الأسماءَ والتي مَثَّلَ لَهَا بِفِي لا يُسْأَلُ عَنْ عِلَّتِهَا، وَحُرُوفُ الجزمِ الَّتِي مَثَّلَ لَهَا بِـ (لَمْ) لا يُسْأَلُ عَنْ عِلَّتِهَا. وَالحروفُ المُشْتَرَكَةُ المُهْمَلَةُ الَّتِي مَثَّلَ لَهَا بِـ (هَلْ) لا يُسْأَلُ عَنْ عِلَّتِهَا، ولكن قَدْ وَرَدَتْ حُرُوفٌ مُخْتَصَّةٌ بالاسمِ وَعَمِلَتْ غَيْرَ الجرِّ، وَوَرَدَتْ حُرُوفٌ مُخْتَصَّةٌ بالفعلِ وَعَمِلَتْ غَيْرَ الجَزْمِ، وَوَرَدَتْ حُرُوفٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَعَمِلَتْ، وَوَرَدَتْ حُرُوفٌ مُخْتَصَّةٌ بالفعلِ وَقَدْ أُهْمِلَتْ، وَوَرَدَتْ حُرُوفٌ مُخْتَصَّةٌ بالاسمِ وَأُهْمِلَتْ، فهذهِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ جَاءَتْ عَلَى خلافِ الأصلِ، فَلا بُدَّ لِمَجِيئِهَا عَلَى خلافِ الأصلِ مِنْ عِلَّةٍ.
وَمِن النوعِ الأوَّلِ - وَهُوَ الحرفُ المُخْتَصُّ بالاسمِ الَّذِي يَعْمَلُ غَيْرَ الجرِّ -، (إِنَّ) وَأَخَوَاتُهَا، وَعِلَّةُ عَمَلِهَا النَّصْبَ والرَّفْعَ: أَنَّهَا أَشْبَهَتِ الأفعالَ فِي لَفْظِهَا بِمَجِيئِهَا عَلَى ثلاثةِ أَحْرُفٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي مَعْنَاهَا لدلالةِ (إِنَّ) عَلَى مَعْنَى أُؤَكِّدُ، ودلالةِ (كَأَنَّ) عَلَى مَعْنَى أُشَبِّهُ وَهَلُمَّ جَرًّا.
وَمِن النوعِ الثاني: نَوَاصِبُ المضارعِ؛ فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بالفعلِ ولم تَعْمَلِ الجزمَ فِي اللغةِ الفُصْحَى، بَلْ عَمِلَتِ النصبَ، وَعِلَّةُ ذَلِكَ -عَلَى مَا ذَكَرَهُ النُّحَاةُ - أَنَّ (لَنْ) أَشْبَهَتْ (لا) النافيةَ للجنسِ فِي مَعْنَاهَا، فَعَمِلَتْ عَمَلَهَا فِيمَا اخْتَصَّتْ بِهِ، وَحُمِلَ الباقِي عَلَيْهَا.
وَمِنَ النوعِ الثالثِ - وَهُوَ الحرفُ المُشْتَرَكُ الَّذِي يَعْمَلُ -، (مَا، وَلا) اللَّتَانِ تَرْفَعَانِ الاسمَ وَتَنْصِبَانِ الخبرَ، وَعِلَّةُ عَمَلِهِمَا ذَلِكَ أَنَّهُمَا أَشْبَهَا (لَيْسَ) فِي المَعْنَى، فَعَمِلا عَمَلَهَا.
وَمِن النوعِ الرابعِ - وَهُوَ الحرفُ الَّذِي يَخْتَصُّ بالفعلِ وَقَدْ أُهْمِلَ -، قَدْ، وَالسينُ، وَسَوْفَ؛ فَإِنَّهَا لا تَدْخُلُ إِلاَّ عَلَى الأفعالِ وَلا يَعْمَلْنَ: معَ ذَلِكَ شَيْئاً، وَعِلَّةُ إِهْمَالِهِنَّ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَزَلَ مَنْزِلَةَ الجُزْءِ مِنَ الفعلِ، وَجُزْءُ الشيءِ لا يَعْمَلُ فِيهِ.
ومِن النوعِ الخامسِ - وَهُوَ الحرفُ المُخْتَصُّ بالاسمِ وَقَدْ أُهْمِلَ. حَرْفُ التعريفِ، وَهُوَ أل عِنْدَ عَامَّةِ الْعَرَبِ، وأَمْ فِي لُغَةِ حِمْيَرَ، وَعِلَّةُ إِهْمَالِهِ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الجزءِ مِن الاسمِ بدليلِ أَنَّ العاملَ يَتَجَاوَزُهُ.
([6]) سُورَةُ الذارياتِ، الآيَةُ: 20.
([7]) سُورَةُ الذارياتِ، الآيَةُ: 22.
([8]) سُورَةُ الإخلاصِ، الآيَةُ: 3.
([9]) (لِهَذَا)؛ أَيْ: لِمُضَارَعَتِهِ للاسمِ، والمرادُ بالاسمِ الَّذِي أَشْبَهَهُ المضارعُ: اسْمُ الفاعلِ، وَقَد اقْتَضَتْ مُضَارَعَتُهُ للاسمِ شَيْئَيْنِ، الأَوَّلُ: الإعرابُ؛ لأَنَّ الإعرابَ أَصْلٌ فِي الأسماءِ، والثاني: التقديمُ عَلَى الماضِي والأمرِ فِي الذِّكْرِ؛ لأَنَّ الاسمَ أَشْرَفُ الأنواعِ، وَقَدْ أَشْبَهَهُ الفعلُ المضارعُ؛ فَنَالَ مِنْهُ شَرَفَ التَّقَدُّمِ، وَشَبَهُ الفعلِ المضارعِ للاسمِ حَاصِلٌ فِي اللفظِ والمَعْنَى: أَمَّا شَبَهُهُ إِيَّاهُ فِي اللفظِ، فَلأنَّهُ يَجْرِي مَعَهُ فِي الحركاتِ والسَّكَنَاتِ، وَفِي عَدَدِ الحروفِ، وَفِي تَعْيِينِ الحروفِ الأصليَّةِ والحروفِ الزائدةِ، وَانْظُرْ إِلَى (يَنْصُر) مع (نَاصِر)، وَفِي (يَضْرِبُ) مع (ضَارِب) تَجِدْ ذَلِكَ وَاضِحاً، وَأَمَّا شَبَهُهُ إِيَّاهُ فِي المعنَى؛ فلأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ للحالِ وللاستقبالِ، ثُمَّ تَقُومُ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ تُخَصِّصُهُ بِأَحَدِهِمَا.
([10]) فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ دَلَّتْ كلماتٌ عَلَى مَعَانِي الأفعالِ المضارعةِ ولمْ تَقْبَلْ (لَمْ) وَلَيْسَتْ - مع ذَلِكَ -، أَسْمَاءَ أفعالٍ، بَلْ هِيَ حُرُوفٌ، وَمِنْ ذَلِكَ حَرْفُ النداءِ؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى (أَدْعُو)، وَحَرْفُ الاستثناءِ؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى أَسْتَثْنِي، وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا كَثِيرَةٌ.
فالجوابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ المرادَ إِذَا دَلَّتْ كَلِمَةٌ بِهَيْئَتِهَا، لا بِصِيغَتِهَا، عَلَى مَعْنَى المضارعِ، وَمَا ذَكَرْتَ وَنَحْوُهُ لا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى المضارعِ بِهَيْئَتِهِ.
([11]) ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ مِن التمثيلِ أَنْ يُرَى أَنَّ (تَبَارَكَ) لا تَدْخُلُ عَلَيْهِ إِلاَّ تاءُ الفاعلِ، وأنَّ (نِعْمَ) وَ(بِئْسَ) لا تَدْخُلُ عَلَيْهِمَا إِلاَّ تاءُ التأنيثِ، وأنَّ عَسَى وَلَيْسَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمَا التَّاءَانِ: أَمَّا فِي (تَبَارَكَ) فَهُوَ تَابِعٌ لابْنِ مَالِكٍ فِي (شَرْحِ الْكَافِيَةِ)، وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنَ النُّحَاةِ، فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ هَذَا الفعلَ تَلْحَقُهُ تاءُ الفاعلِ، فَتَقُولُ: (تَبَارَكْتَ يَا اللَّهُ)، وَتَلْحَقُهُ تاءُ التأنيثِ أَيْضاً، فَتَقُولُ: (تَبَارَكَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ)، وَأَمَّا فِيمَا بَقِيَ فما يَدُلُّ عَلَيْهِ ظاهرُ كلامِهِ صَحِيحٌ، فَـ (نِعْمَ) وَ(بِئْسَ) لا تَقْتَرِنُ بِهِمَا تَاءُ الفاعلِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ مالكٍ فِي شرحِ الكافيَةِ، و(َعَسَى) وَ(لَيْسَ) تَلْحَقُهُمَا تَاءُ الفاعلِ، تَقُولُ (لَسْتُ ذَاهِباً، وَعَسَيْتَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا)، وَتَلْحَقُهُمَا تاءُ التأنيثِ، فَتَقُولُ: (لَيْسَتْ هِنْدٌ بِمُفْلِحَةٍ، وَعَسَتْ زَيْنَبُ أَنْ تَزُورَنَا).
([12]) قَدْ وَرَدَتْ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الماضِي وَلا تَقْبَلُ التَّاءَيْنِ، وَهِيَ مع ذَلِكَ أفعالٌ وَلَيْسَتْ أَسْمَاءَ أفعالٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ: حَبَّذَا: فِي المدحِ، وَمِثْلُ: مَا أَحْسَنَهُ فِي التَّعَجُّبِ، وَلا يَضُرُّ ذَلِكَ؛ لأَنَّ عَدَمَ لَحَاقِهِنَّ إِحْدَى التَّاءَيْنِ عَارِضٌ لا أَصْلِيٌّ.
([13]) سُورَةُ يُوسُفَ، الآيَةُ: 32، وَقَدْ تَقْبَلُ كلمةٌ النُّونَ وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى الأَمْرِ، وَلا تَكُونُ، مع ذَلِكَ، فِعْلاً مُضَارِعاً، وَذَلِكَ كَفِعْلِ التَّعَجُّبِ الَّذِي عَلَى صورةِ الأَمْرِ، نَحْوَ: (أَحْسِنْ بِزَيْدٍ)، ونحوَ قَوْلِ الشاعرِ:
فَأَحْرِ بِهِ مِنْ طُولِ فَقْرٍ وَأَحْرِيَا
فَإِنَّ الأصلَ: (وَأَحْرِيَنْ)، فَقُلِبَتْ نونُ التوكيدِ أَلِفاً.
([14]) الكلمةُ التي تَدُلُّ عَلَى الأَمْرِ وَلا تَقْبَلُ النُّونَ، إمَّا أَنْ تكونَ اسْمَ فِعْلٍ، كَنَزَالِ وَدَرَاكِ؛ فَإِنَّهُمَا بِمَعْنَى: انْزِلْ وَأَدْرِكْ، وَلا تَقْبَلانِ نونَ التوكيدِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَصْدَراً، نَحْوُ قَوْلِ الشاعرِ:
فَصَبْراً فِي مَجَالِ الْمَوْتِ صَبْراً = فَمَا نَيْلُ الْخُلُودِ بِمُسْتَطَاعِ
فَإِنَّ المَعْنَى: اصْبِرْ فِي مَجَالِ الْمَوْتِ، وَلا تَقْبَلُ كلمةُ (صَبْراً) نُونَ التوكيدِ.


  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 03:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

11- بِتَا فَعَلْتُ، وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِـــي = وَنُونِ أَقْبِلَـنَّ فِعْـلٌ يَنْجَلِــي
(بِتَا) الفاعل: متكلِّمًا كان نحو: (فعلتُ) بضمِّ التاءِ، أو مخاطبَا، نحو: تباركتَ يا اللَّهُ بفتحِها، أو مُخَاطَبَةٍ، نحوُ: " قُمْتِ يا هندُ " بكسرِها (و) تاءِ التأنيثِ الساكنةِ أصالةً، نحوُ: (أتَتْ) هندُ. والاحترازُ بالأصالةِ عن الحركةِ العارضةِ، نحوُ: { قَالَتْ أُمَّةٌ} بنقلِ ضمَّةِ الهمزةِ إلى التاءِ، و{ قَالَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ} بكسرِ التاءِ ؛ لالتقاءِ الساكنينِ، و"قَالَتَا" بفتحِها لذلك، أما تاءُ التأنيثِ المتحرِّكَةِ أصالةً فلا تختصُّ بالفعلِ ، بل إنْ كانَتْ حركتُها إعرابًا اختصتْ بالاسمِ، نحوُ: "فاطمةُ"، و"قائمةُ"، وإنْ كانَتْ غيرَ إعرابٍِ فلا تختصُّ بالفعل، بل تكونُ في الاسمِ نحوِ: "لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللَّهِ" وفي الفعلِ، نحوُ: "هندُ تقومُ"، وفي الحرفِ ، نحوُ: "رَبَّتَ" و "ثَمَّتَ"، وبهاتينِ العلامتينِ - وهما تاءُ الفاعلِ وتاءُ التأنيثِ الساكنةِ - ردَّ على مَنْ زعمَ مِنَ البصريينَ كالفارسيِّ حرفيَّةَ "ليسَ" وعلى مَنْ زَعَمَ مِنَ الكوفيِّينَ حرفيَّةَ "عسى"، وبالثانية ردَّ على مَنْ زعَمَ مِنَ الكوفيِّينَ كالفرَّاءِ اسميَّةِ نِعْم َوبِئْسَ.
تنبيهٌ : اشترك َالتاءانِ في لحاقِ "ليس" و "عسى" وانفرَدَتِ الساكنةُ بـ "نِعْمَ" و"بِئْس"َ، وانفردَتِ تاءُ الفاعلِ بـ "تباركَ" هكذا مشى عليه الناظمُ، فأنَّهُ قالَ في (شرحِ الكافيةِ): وقد انفردَتْ-يعني تاءُ التأنيثِ- بلحاقِها نِعْمَ و"بئسَ" كما انفردَتْ تاءُ الفاعلِ بلحاقِها "تباركَ" وفي (شرحِ الآجروميَّةِ) للشِّهَابِ البجائيِّ أن تبارَكَ تقبلُ التاءينِ، تقول: "تَبَارَكْتَ يَا اللَّهِ" و"تَبَارَكَتْ أسماءُ اللَّهِ".
(وَيَا افْعلَيِ) يعني ياءَ المخاطبَةِ، ويشترِكُ في لحاقِها الأمرُ والمضارعُ ، نحوُ: "قُوميِ يا هِنْدُ " و " أنتِ يا هندُ تقومينَ " (ونونِ) التوكيدِ: ثقيلةً كانت أو خفيفةً ، نحوُ: (أَقِبَلْنَّ) ونحوُ: { لَنَسْفَعًا} وقد اجتمعتَا حكايةً في قولِه: { لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَا}، وأمَّا لحاقُها اسمَ الفاعلِ في قولِه [من الرجز]:
12- أَشَاهِرُنَّ بَعْدَنَا السُّيُوفَا
وقوله [من الرجز]:
13- أَقَائِلَنْ أَحْضِرُوا الشهُودَا
فشاذٌّ.
(فِعْلٌ يَنْجَلِي) مبتدأٌ وخبرٌ، وسُوِّغَ الابتداءُ بفعلٍ قصَدَ الجنسَ ، مثلَ قولِهم: تَمْرَةٌ خيرٌ من جرادةٍ، وبِتَا: متعلِّقٌ بينجَلِي، أي: يتَّضِحُ الفعلُ ويمتازُ عن قَسِيمَيْهِ بهذِه العلاماتِ لاختصاصِهَا بهِ، فلا توجدُ مع غيرِه إلا في شذوذٍ كما تقدَّمَ.
تنبيهٌ : قولُهم في علاماتِ الاسمِ والفعلِ : " يُعْرَفُ بِكَذَا وكَذَا" هو مِنْ بابِ الحكمِ بالجميعِ لا بالمجموعِ، أي: كلُّ واحدٍ علامةٌ بمفردِه، لا جزءُ علامةٍ.

***
12- سِوَاهُمَا الحَرْفُ كـ "هَلْ" و "فِي" و "لَمْ" = فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كـ "يَشَمْ"
13- وَمَاضِي الأَفْعاَلِ بـ "التَّاءِ" مِزْ، وَسِمْ = بِالنُّونِ فِعْلَ الأَمْرِ، إِنْ أَمْرٌ فُهِمْ
(سِوَاهُمَا) أي: سوى قابلِي العلاماتِ التسعِ المذكورةِ (الحرفُ)؛ لما عُلِمَ من انحصارِ أنواعِ الكلمةِ في الثلاثةِ، أي: علامةُ الحرفيةِ أنْ لا تقبلَ الكلمةُ شيئًا مِنْ علاماتِ الأسماءِ ولا شيئًا مِنْ علاماتِ الأَفْعَالِ.
ثُمَّ الحرفُ على ثلاثةِ أنواعٍ : مشترَكٌ (كهَلْ) فإنَّكَ تقولُ : "هلْ زيدٌ قائمٌ"، و"هل يَقْعُدُ؟" ومختصٌّ بالأسماءِ، نحوُ: (في) ومختصٌ بالأفعالِ ، نحوُ: (لَمْ).
تنبيهَان: الأَوَّلُ: إنما عُدَّت "هل" مِنَ المشتركِ نظرًا إلى ما عرضَ لها في الاستعمالِ مِنْ دخولِها على الجملتين، نحوُ: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُون}" {وَهَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} لا نظرًا إلى أصلِها من الاختصاصِ بالفعلِ ، ألا ترى كيفَ وجبَ النصبُ وامتنعَ الرفعُ بالابتداءِ في نحوِ: هل زيدًا أَكْرَمْتَه كما سيجيءُ في بابِه، ووجبَ كونِ زيدًا فاعلاً لا مبتدأً في هل زيدٌ قامَ ، التقدير: هل قامَ زيدٌ قامَ؛ وذلك لأنَّهُا إذا لم ترَ الفعلَ في حيِّزِهَا تَسَلَّتْ عنه ذاهلةً، وَإِنْ رَأَتْهُ في حيَزِّهَا حَنَّتْ إليه لسابقِ الأُلْفَةِ فلم ترضَ حينئذٍ إلا بمعانقتِهِ.
الثاني: حقُّ الحرفِ المشترِكِ الإهمالُ ، وحقُّ المختصِّ بقبيلٍ أن يعملَ العملَ الخاصَّ بذلك القبيلِ، وإنما عمِلَتْ "مَا" و"لا" وَ"إِنْ" النافياتُ معَ عدمِ الاختصاصِ، لعارضِ الحملِ على "ليس"، على أنَّ مِنَ العربِ مَنْ يُهْمِلُهُنَّ على الأصلِ كما سيأتي، وإنَّما لم تعمَلْ "ها" التنبيهِ و"أل" المعرَّفَةِ معَ اختصاصِهما بالأسماءِ ولا "قد" والسين وسوف وأحرفِ المضارعةِ مع اختصاصِهِنَّ بالأفعالِ لتنزيلِهِنَّ منزلةَ الجزءِ مِنْ مدخولِهِنَّ، وجزءُ الشيءِ لا يعمَلُ فيه، وإنما لم تعمَلْ "إنْ" وأخواتُها وأحرفُ النداءِ لِمَا يُذْكَرُ في موضعِه، وإنما عمَلَتْ لَنْ النصبَ دونَ الجزمِ حَمْلاً على "لا" النافيةِ للجنسِ لأنَّهُا بمعناها؛ على أنَّ بعضَهم جزَمَ بها كما سيأتي.
ولمَّا كانت أنواعُ الفعلِ ثلاثةً: مضارعٍ ، وماضٍ، وأمرٍ؛ أخذ في تمييزِ كلٍّ منها عن أخويه مبتدِئًا بالمضارعِ لشرفِه بمضارعتهِ الاسمَ- أي: بمشابهتِه- كما سيأتي بيانُهُ ، فقالَ: (فِعْلٌ مُضَارِعُ يَلِي) أي: يتبَعُ (لم) النافيةَ، أي: يُنْفَى بها (كيَشَمْ) بفتحِ الشينِ ، مضارعُ شَمَمْتُ الطِّيْبَ ونحوُه بالكسرِ، من بابِ "عَلِمَ يَعْلَمُ"، هذه اللغةُ الفصحى، وجاءَ أيضًا من بابِ نصرَ ينصُر، حكَى هذه اللغةَ الفرَّاءُ وابنُ الأعرابيِّ ويعقوبُ وغيرُهم، ولا عبرةَ بتخطِئَةِ ابنِ درستويهِ العامَّةِ في النطقِ بها.
(وَمَاضِي الأَفْعَالِ بِالتَّا) المذكورةِ، أي: تاءِ فَعَلَْت وَأَتَتْ (مِزْ) لاختصاصِ كلٍّ منهُما بِهِ، ومِزْ: أَمْرٌ مِنْ مَازَهُ يَمِيزُهُ، يُقَالُ: مَزْتَهُ فَامْتَازَ، ومَيَّزْتَهُ فَتَمَيَّزَ (وَسِمْ) أي: عَلِّمْ (بالنونِ) المذكورةِ، أي: نونِ التوكيدِ (فِعْلَ الأَمْرِ إِنْ أَمْرٌ) أي: طُلِبَ (فَهْمٍ) مِنَ اللفظِ ، أي: علامةُ فعلِ الأمرِ مجموعِ شيئينِ: إفهامُ الكلمةِ اللُّغَوِيُّ وهو الطلبُ وقبولُهَا نونَ التوكيدِ؛ فالدورُ مُنْتَفٍ، فَإِنْ قَبِلَتِ الكلمةُ النونَ ولم تُفِهِمِ الأَمْرَ فَهِيَ مضارعٌ، نحوُ: "هَلْ تَفْعَلَنَّ" أو فِعْلُ تعجُّبٍ، نحوُ: "أَحْسِنَنَّ بِزَيدٍ" فإنَّ "أَحْسِن" لفظُه لفظُ الأمرِ، وليس بأمرٍ على الصحيحِ كما ستعرفُهُ.
***
14- وَالأَمْرُ إِنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ = فِيهِ هُوَ اسْمٌ نَحْوُ: صَهْ وحَيَّهَلْ
(وَالأَمْرُ) أي: اللفُظُ الدالُّ على الطلبِ ( إِنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ فِيه) فَلَيْسَ بِفِعْلِ أَمْرٍ: بل (هو اسمٌ): إما مصدرٌ، نحوُ [من الطويل]:
14- يَمُرُّونَ بِالدَّهْنَا خِفَافًا عِيَابُهُمْ = وَيَرْجِعْنَ مِنْ دَارَيْنَ بُجْرَ الحَقَائِبِ
عَلَى حِينِ أَلْهَى النَّاسَ جُلُّ أُمُورِهِمْ = فَنَدْلاً زُرَيْقُ المالُ نَدْلَ الثَّعَالِبِ
أي: انْدُلْ،
وَإِمَّا اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ (نحو: صَهْ) فَإِنَّ معناه: اسْكُتْ (وحَيَّهَلْ) معناه: أَقْبِلْ، أو قَدِّمْ، أو عجِّلْ، ولا محلَّ للنونِ فيهما.
تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ: كما ينتفِي كونُ الكلمةِ الدالةِ على الطلبِ فعلَ أمرٍ عندَ انتفاءِ قبولِ النونِ، كذلك ينتفي كونُ الكلمةِِ الدالَّةِ على معنى المضارعِ فعلاً مضارعًا عندَ انتفاءِ قبولِ لَمْ، كأَوَّهْ بِمَعْنَى: أَتَوَجَّعْ، وَأُفٍ بِمَعْنَى: أَتَضَجَّر، وينتفي كونُ الكلمةِ الدالَّةِ على معنى الماضي فعلاً ماضيًا عند انتفاءِ قبولِ التاءِ: كهيهاتَ بمعنى: بَعُدَ، وشتَّانَ بمعنى: افترَقَ، فهذه أيضًا أسماءُ أفعالٍ فكانَ الأَوْلَى أنْ يقولَ [من الرجز]:
وما يُرى كالفعلِ معنًى وانْخَزَلْ = عَنْ شَرْطِهِ اسمٌ نحوَ صه وحيَّهَلْ
ليشملَ أسماءَ الأفعالِ الثلاثةَ، ولعلَّهُ إنما اقتصَرَ في ذلك على فعْلِ الأمرِ لكثرةِ مجيءِ اسمِ الفعلِ بمعنى الأمرِ، وقلَّةِ مجيئِه بمعنى الماضي والمضارعِ كما ستعرِفُهُ.
الثاني: إنما يكونُ انتفاءُ قبولِ التاءِ دالاً على انتفاءِ الفعليَّةِ إذا كانَ للذاتِ، فإنْ كانَ لعارضٍ فلا، وذلك كما في أفعلَ في التعجُّبِ، و"ما عدا" و"ما خلا" و"حاشَا" في الاستثناءِ، و"حبَّذَا" في المدحِ، فإنَّها لا تقبلُ إحدى التاءينِ مع أنَّهَا أفعالٌ ماضيَةٌ، لأنَّ عدمَ قبولِها التاءَ عارضٌ ، نَشَأَ مِنَ استعمالِها في التعجُّبِ والاستثناءِ والمدحِ، بخلافِ أسماءِ الأفعالِ؛ فإنَّها غيرُ قابلةٍ للتاءِ لذاتِهَا.
الثالثُ: إنما دلَّ انتفاءُ قبولِ "لم" والتاءِ والنونِ على انتفاءِ الفعليَّةِ مع كونِ هذه الأحرفِ علاماتٍ والعلامةُ ملزومةٌ لا لازِمَةٌ فهي مطَّرِدَةٌ ولا يلزمُ انعكاسُها، أي: يلزمُ من وجودِها الوجودُ، ولا يلزَمُ عن عدمِها العدمُ؛ لكونِها مساويةً للازمِ، فهي كالإنسانِ ، وقابلُ الكتابةِ يستلزِمُ نَفْيُ كُلٍّ منهما نفيَ الآخرِ، بخلافِ الاسمِ وقبولِ النداءِ، فإن قبولَ النداءِ علامةٌ للاسمِ ملزومةٌ له، وهي اخصُّ منه؛ إذ يقالُ كلُّ قابلٍ للنداءِ اسمٌ، ولا عكس، وهذا هو الأصلُ في العلامةِ.


  #5  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 03:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

عَلاَماتُ الفعْلِ

11- بتا فَعَلْتَ وأَتَتْ ويا افْعَلِي = ونونِ أَقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْجَلِي
لَمَّا ذَكَرَ عَلاَماتِ الاسْمِ ذَكَرَ عَلاَمَاتِ الفِعْلِ، وهي:
1- تاءُ الفاعِلِ: للمتكَلِّمِ، نحوُ: قُمتُ بواجِبِي، أو للمخاطَبِ، نحوُ:أنتَ زُرْتَ المريضَ، قالَ تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}، أو للمخاطَبَةِ، نحوُ:أنتِ رَبَّيْتِ أولادَكِ، قالَ تعالى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}.
2- تاءُ التأنيثِ الساكنةُ أصالةً، نحوُ: صامَتْ هِنْدٌ يومَ الخميسِ، قالَ تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ}، وقد تَتَحَرَّكُ بالكسْرِ أو الفتْحِ لعارِضٍ؛ كالتخَلُّصِ مِن التقاءِ الساكِنَيْنِ، فالأوَّلُ نحوُ: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ}، والثاني نحوُ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.
وقد تُوجَدُ الساكنةُ في بعضِ الحروفِ، نحوُ: رُبَّتْ وَثُمَّتْ بالتسكينِ، وهذا قليلٌ، والأكثَرُ الفتْحُ، نحوُ: مَن أعطاهُ اللَّه مالاً ثُمَّتَ أسْرَفَ فيه كان مَلُوماً.
3- ياءُ المخاطَبَةِ، نحوُ: احْذَرِي أعداءَ المرأةِ، قالَ تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}، وإنما قالَ ابنُ مالِكٍ: (ويا افْعَلِي) ولم يَقُلْ: (ياءِ الضميرِ)؛ لأنَّ هذه تَشْمَلُ ياءَ المتكَلِّمِ، وليسَتْ خاصَّةً بالفعْلِ، بل تكونُ فيه وفي الاسمِ والحرْفِ، كقولِه تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}، وقولِه تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ}.
4- نونُ التوكيدِ؛ ثَقيلةً كانَتْ أو خَفيفةً، فالأُولَى نحوُ: واللَّهِ لأَفْعَلَنَّ الخيرَ، والثانيةُ نحوُ: احْذَرَنَ قولَ السُّوءِ، قالَ تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
وهذا معنَى قولِه: (بتَا فَعَلْتَ.. إلخ)؛ أي: أنَّ الفعْلَ (يَنجَلِي)؛ أيْ: يَنكشِفُ ويَتَمَيَّزُ مِن غيرِه بإحدَى العَلاماتِ الآتيةِ، وقد ذَكَرَها، وهذه العلاماتُ مُوَزَّعَةٌ بينَ أنواعِ الفِعْلِ، لكلِّ نَوْعٍ بعضٌ منها في آخِرِه دونَ بعضٍ.

علاماتُ الْحَرْفِ
12- سِوَاهُمَا الحرفُ كهَلْ وفي ولَمْ = ...............
علامةُ الحرْفِ أنه لا يَحْسُنُ فيه شيءٌ مِن عَلاماتِ الأسماءِ، ولا عَلاماتِ الأفعالِ، والحرْفُ ثلاثةُ أنواعٍ:
1- مُخْتَصٌّ بالاسمِ، مِثْلُ حروفِ الْجَرِّ، وإنَّ وأخواتِها.
2- مُخْتَصٌّ بالفِعْلِ مِثلُ: قد والسينِ وسَوفَ ولَمْ.
3- مُشْتَرِكٌ بينَ الاسمِ والفعْلِ، مِثلُ: هل، وما.

أقسامُ الفِعْلِ وعَلاَمَاتُها
12- سِواهما الحرفُ كهَلْ وفي ولَمْ = فعلٌ مضارِعٌ يَلِي لم كَيَشَمْ
13- وماضِيَ الأفعالِ بالتَّا مِزْ وَسِمْ = بالنونِ فِعْلَ الأمرِ إنْ أَمْرٌ فُهِمْ
لَمَّا ذَكَرَ عَلاماتِ الفِعْلِ مُجْمَلَةً، شَرَعَ في بيانِ أقسامِ الفِعْلِ، وعلامَةِ كلِّ قِسْمٍ.
1- فالفِعْلُ المضارِعُ هو ما دَلَّ على حَدَثٍ وزَمَنٍ صالِحٍ للحالِ أو الاستقبالِ، وعَلامتُه صِحَّةُ دُخولِ (لم) عليه، كقولِه تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}.
2- والفعْلُ الماضي هو ما دَلَّ على حَدَثٍ وزَمَنٍ فاتَ قَبْلَ النُّطْقِ به، وعَلامتُه قَبُولُ تاءِ الفاعِلِ، نحوُ: {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ}، أو تاءِ التأنيثِ الساكنةِ، نحوُ: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}.
3- فعْلُ الأمْرِ، وهو ما دَلَّ بذاتِه على أمْرٍ مطلوبٍ تَحقيقُه في زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، وله عَلامتانِ:
الأُولَى: دَلالتُه على الطَّلَبِ.
الثانيةُ: قَبُولُ نُونِ التوكيدِ، نحوُ: أَكْرِمَنَّ الْمِسكينَ، ولم يَأتِ في القرآنِ فعْلُ الأمرِ مُؤَكَّداً بالنونِ على الرغْمِ مِن جَوازِ توكيدِه بها.
وهذا هو الْمُرادُ بقولِه: (فعلٌ مضارِعٌ يَلِي لم... إلخ) أيْ: أنَّ علامَةَ المضارِعِ أنْ يَلِيَ (لم) الجازِمَةَ.
وقولُه: (كـيَشَمْ) هو فِعْلٌ مضارِعٌ بفَتْحِ الشينِ على الأَفْصَحِ، ماضِيهِ (شَمَّ) مِن قولِكَ: شَمِمْتُ الطِّيبَ، وهو مِن بابِ فَرِحَ، ثم ذَكَرَ أنَّ الماضيَ يَخْتَصُّ مِن تلكَ العَلاماتِ بقَبُولِه التاءَ المتحَرِّكَةَ للفاعِلِ أو الساكنةَ للتأنيثِ.
ومعنى (مِزْ) أي: مَيِّزْ.
ثم بَيَّنَ أنَّ فعْلَ الأمْرِ يُوسَمُ- أيْ: يُعْلَمُ ويُعْرَفُ- بقَبولِه نونَ التوكيدِ، معَ دَلالتِه على الطَّلَبِ، وهو معنى قولِه: (إنْ أمْرٌ فُهِمْ).
اسمُ فعْلِ الأمْرِ
14- والأمرُ إنْ لم يكُ للنونِ مَحَلْ = فيهِ هُوَ اسمٌ نحوُ صَهْ وحَيَّهَلْ
إذا دَلَّتِ الكَلِمَةُ على الطلَبِ، ولم تَقْبَلْ نونَ التوكيدِ فهي اسْمُ فعْلِ أمْرٍ، مِثلُ: صَهٍ إذا تَكَلَّمَ غيرُك، فهي وإنْ دَلَّتْ على طَلَبِ السكوتِ؛ لأنها بمعنَى اسْكُتْ، لكنَّها لا تَقْبَلُ النونَ، ومِثْلُه: حَيَّهَلْ بمعنى: أَقْبِلْ.
وَخَصَّ ابنُ مالِكٍ اسمَ فِعْلِ الأمرِ بالذكْرِ دونَ اسمِ الفعْلِ المضارِعِ، نحوُ: {فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}؛ أي: أَتَضَجَّرُ،، واسمِ الفعْلِ الماضي نحوُ: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}؛ أيْ: بَعُدَ- لكثرتِه في اللغةِ دونَ أَخَوَيْهِ، كما سَيُذْكَرُ ذلك في بابِ أسماءِ الأفعالِ.
فإنْ قَبِلَتِ الكَلِمَةُ النونَ، ولم تَدُلَّ على الأمْرِ، فهي فِعْلٌ مُضارِعٌ، نحوُ: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ}.
وهذا معنى قولِه: (والأمرُ إنْ لم يَكُ للنونِ مَحَلْ فيهِ...) أيْ: إنْ دَلَّتِ الكَلِمَةُ على الطلَبِ، وهذا مأخوذٌ مِن قولِه: (والأمْرُ)، ولم تَقْبَلْ نونَ التوكيدِ، فهي اسمُ فِعْلِ أمْرٍ، وقولُه: (هو اسمٌ) خبرُ الْمُبتدأِ (الأمرُ) وليسَ جواباً للشرْطِ لعَدَمِ اقترانِه بالفاءِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الفعل, علامات

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir