دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 01:44 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي سورة الملك (الآيات: 13-22)

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 02:53 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

(13 -14) {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *} هذا إخبارٌ مِن اللَّهِ بسَعَةِ عِلْمِه وشُمولِ لُطْفِه، فقالَ: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ}؛ أي: كُلُّهَا سواءٌ لَدَيْهِ، لا يَخْفَى عليهِ منها خَافيةٌ، فـ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ أي: بما فيها مِن النيَّاتِ والإراداتِ، فكيفَ بالأقوالِ والأفعالِ التي تُسْمَعُ وتُرَى؟
ثم قالَ مُسْتَدِلاًّ بدليلٍ عقْلِيٍّ على علْمِه: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} فمَن خَلَقَ الخلْقَ وأَتْقَنَه وأَحْسَنَه، كيف لا يَعْلَمُه، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الذي لَطُفَ عِلْمُه وخَبَرُه، حتى أَدْرَكَ السرائرَ والضمائرَ، والْخَبايَا والخفايَا والعُيوبَ، وهو الذي {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}.
ومِن مَعانِي اللطيفِ: أنه الذي يَلْطُفُ بعَبْدِه ووَلِيِّهِ، فيَسُوقُ إليه الْبِرَّ والإحسانَ مِن حيثُ لا يَشْعُرُ، ويَعْصِمُه مِن الشَّرِّ مِن حيثُ لا يَحْتَسِبُ، ويُرَقِّيهِ إلى أعْلَى الْمَراتبِ بأسبابٍ لا تكونُ مِن العَبْدِ على بالٍ، حتى إنَّه يُذِيقُه الْمَكارِهَ لِيَتَوَصَّلَ بها إلى الْمَحَابِّ الجليلةِ، والمقاماتِ النَّبيلةِ.
(15) {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ *}
أي: هو الذي سَخَّرَ لكم الأرضَ وذَلَّلَها؛ لتُدْرِكوا منها كُلَّ ما تَعَلَّقَتْ به حاجَتُكم مِن غَرْسٍ وبِناءٍ وحَرْثٍ، وطُرُقٍ يُتَوَصَّلُ بها إلى الأقطارِ النائيةِ، والبُلدانِ الشاسعةِ، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}؛ أي: لِطَلَبِ الرزْقِ والمكاسِبِ.
{وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}؛ أي: بعدَ أنْ تَنْتَقِلُوا مِن هذه الدارِ التي جَعَلَها اللَّهُ امتحاناً، وبُلْغَةً يُتَبَلَّغُ بها إلى الدارِ الآخرةِ، تُبْعَثُونَ بعدَ مَوتِكم وتُحْشَرُونَ إلى اللَّهِ، ليُجَازِيَكم بأعمالِكم الْحَسَنَةِ والسيِّئَةِ.
(16 -18) {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ *}.
هذا تَهديدٌ ووَعيدٌ لِمَنِ استَمَرَّ في طُغيانِه وتَعَدِّيهِ، وعِصيانِه الْمُوجِبِ للنَّكَالِ، وحُلولِ العُقوبةِ، فقالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وهو اللَّهُ تعالى العالِي على خَلْقِه.
{أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} بكم وتَضْطَرِبُ، حتى تُتْلِفَكُمْ وتُهْلِكَكُم.
{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً}؛ أي: عَذاباً مِن السماءِ يَحْصِبُكم ويَنْتَقِمُ اللَّهُ منكم، {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}؛ أي: كيفَ يَأْتِيكُم ما أَنْذَرَتْكُم به الرسُلُ والكتُبُ.
فلا تَحْسَبُوا أنَّ أَمْنَكُم مِن اللَّهِ أنْ يُعاقِبَكم بعِقابٍ مِن الأرضِ ومِن السماءِ يَنْفَعُكم، فسَتَجِدُونَ عاقبةَ أمْرِكم، سواءٌ طالَ عليكم الزمانُ أو قَصُرَ.
فإنَّ مَن قَبْلَكم كَذَّبُوا كما كَذَّبْتُم، فأَهْلَكَهم اللَّهُ تعالى، فانْظُرُوا كيفَ إنكارُ اللَّهِ عليهم، عَاجَلَهم بالعُقوبةِ الدُّنْيَوِيَّةِ قبلَ عُقوبةِ الآخِرَةِ، فاحْذَرُوا أنْ يُصِيبَكم ما أصابَهم.
(19) {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ *} وهذا عِتابٌ وحَثٌّ على النظَرِ إلى حالةِ الطَّيْرِ التي سَخَّرَها اللَّهُ، وسَخَّرَ لها الجوَّ والهواءَ تَصُفُّ فيه أَجْنِحَتَها للطَّيَرَانِ، وتَقْبِضُها للوُقوعِ، فتَظَلُّ سابحةً في الْجَوِّ، مُترَدِّدَةً فيه بحَسَبِ إرادتِها وحاجتِها.
{مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ}؛ فإِنَّه الذي سَخَّرَ لَهُنَّ الجوَّ، وجَعَلَ أجسادَهُنَّ وخِلْقَتَهُنَّ في حالةٍ مُسْتَعِدَّةٍ للطيرانِ، فمَن نَظَرَ في حالةِ الطيرِ واعْتَبَرَ فيها دَلَّتْه على قُدرةِ البارِي وعِنايتِه الرَّبَّانِيَّةِ، وأنَّه الواحدُ الأَحَدُ، الذي لا تَنْبَغِي العِبادةُ إلاَّ له.
{إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} فهو الْمُدَبِّرُ لعِبادِه بما يَلِيقُ بهم، وتَقْتَضِيهِ حِكْمَتُه.
(20 -21) {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ *}.
يقولُ تعالى للعُتاةِ النافِرِينَ عن أمْرِه، الْمُعْرِضِينَ عن الحقِّ: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ}؛ أي: يَنْصُرُكم إذَا أَرادَ بكم الرحمنُ سُوءاً فيَدْفَعُه عنكم؛ أي: مَن الذي يَنصُرُكم على أَعدائِكم غيرُ الرحمنِ؟!
فإنَّه تعالى هو الناصرُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ، وغيرُه مِن الْخَلْقِ لوِ اجْتَمَعُوا على نصْرِ عبدٍ، لم يَنْفَعُوه مِثقالَ ذَرَّةٍ، على أيِّ عَدُوٍّ كانَ.
فاستمرارُ الكافرِينَ على كُفْرِهم، بعدَ أنْ عَلِمُوا أنَّه لا يَنْصُرُهم أحَدٌ مِن دونِ الرحمنِ ـ غُرورٌ وسَفَهٌ.
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ}؛ أي: الرزْقُ كلُّه مِن اللَّهِ، فلو أَمْسَكَ عنكم رِزقَه، فمَن الذي يُرْسِلُه لكم؟
فإنَّ الخلْقَ لا يَقْدِرُونَ على رِزْقِ أنفُسِهم فكيفَ بغَيْرِهم؟!
فالرازقُ المُنْعِمُ، الذي لا يُصيبُ العِبادَ نِعمةٌ إلاَّ منه، هو الذي يَسْتَحِقُّ أنْ يُفْرَدَ بالعِبادةِ.
ولكنِ الكافرونُ {لَجُّوا}؛ أي: اسْتَمَرُّوا {فِي عُتُوٍّ}؛ أي: قَسوةٍ وعَدَمِ لِينٍ للْحَقِّ، {وَنُفُورٍ}؛ أي: شُرودٍ عن الْحَقِّ.
(22) {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *}؛ أي: أيُّ الرَّجُلَيْنِ أَهْدَى؟ مَن كانَ تائِهاً في الضلالِ غارقاً في الكفْرِ قدِ انْتَكَسَ قلبُه فَصارَ الحقُّ عندَه باطلاً، والباطلُ حقًّا؟ ومَن كانَ عالِماً بالْحَقِّ، مُؤْثِراً له، عامِلاً به، يَمشِي على الصراطِ المستقيمِ في أقوالِه وأعمالِه وجميعِ أحوالِه؟
فبِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إلى حالِ هذينِ الرجُلينِ، يُعْلَمُ الفرْقُ بينَهما، والمُهْتَدِي مِن الضالِّ منهما، والأحوالُ أكْبَرُ شاهِدٍ مِن الأقوالِ.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 09:57 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر

13-{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} المعنى: إنْ أَخْفَيْتُمْ كلامَكُم أو جَهَرْتُمْ به في أمْرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكلُّ ذلك يَعلَمُه اللهُ، لا يَخفَى عليه منه خَافيةٌ.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} هي مُضْمَرَاتُ القلوبِ.
14-{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} ألاَ يَعلمُ السرَّ ومُضْمَراتِ القلوبِ مَن خَلَقَ ذلك وأَوْجَدَهُ؟ فهوتعالى الذي خَلَقَ الإنسانَ بيدِه، وأَعْلَمُ شيءٍ بالمصنوعِ صانِعُه.
{وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الذي لَطُفَ علْمُه بما في القلوبِ، الخبيرُ بما تُسِرُّه وتُضْمِرُه مِن الأمورِ، لا تَخْفَى عليه مِن ذلك خافيةٌ.
15-{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً} أيْ: سَهلةً لَيِّنَةً تَستَقِرُّونَ عليها، ولم يَجْعَلْها خَشِنَةً بحيثُ يَمتنِعُ عليكم السكونُ فيها والمشْيُ عليها.
{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} طُرُقِها وأَطْرَافِها وجَوانِبِها.
{وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} أي: مما رَزَقَكم وخَلَقَه لكم في الأرضِ يَمْتَنُّ اللهُ على بَنِي آدمَ بتَمْكِينِهم مِن هذه الأرضِ، وإعطائِهم القُدُرَاتِ لتحصيلِ خَيْرَاتِها. ولكن عليهم أنْ يَعْلَمُوا أنهم إليه صائرونَ، ولذلك قالَ: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أيْ: البعْثُ مِن قُبُورِكم، لا إلى غيرِه.
16-{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ} هو اللهُ تعالى.
{أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} يَقْلَعُها بكم كما فَعَلَ بقارونَ، بعدما جَعَلَها لكم ذَلولاً وتَمْشُونَ في مَنَاكِبِها.
{فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} أيْ: تَضْطَرِبُ وتَتحرَّكُ على خِلافِ ما كانتْ عليه مِن السكونِ والتذليلِ.
17-{أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} حِجارةً مِن السماءِ، كما أَرْسَلَها على قومِ لُوطٍ وأصحابِ الفيلِ، وقِيلَ: رِيحٌ فيها حِجارةٌ.
{فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} أي: إِنذارِي إذا عايَنْتُمُ العذابَ، ولا يَنفعُكُم هذا العِلْمُ.
18-{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أيْ: فكيف كان إِنكارِي عليهم بما أَصَبْتُهم به مِن العذابِ الفَظيعِ؟
19-{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} صافَّةً لأَجْنِحَتِها في الهواءِ وتَبْسُطُها عندَ طَيَرَانِها، {وَيَقْبِضْنَ} أيْ: يَضْمُمْنَ أجْنِحَتَهُنَّ.
{مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الهواءِ عندَ الطيرانِ والقبْضِ والبَسْطِ.
{إِلاَّ الرَّحْمَنُ} القادرُ على كلِّ شيءٍ، أيْ: بما جَعَلَ في الطَّيْرِ مِن دِقَّةِ الصَّنْعَةِ، في خِفَّةِ أجسامِها، وكِسْوَتِها بالريشِ ونَشْرِه بطريقةٍ مُعَيَّنَةٍ، إذا ضَرَبَ بها الهواءَ ارتفَعَ في الجوِّ، وتَقَدَّمَ إلى الأمامِ، فسُبحانَ خالِقِها.
{إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} لا يَخفَى عليه شَيءٌ.
20-{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ} المعنى:أنه لا جُنْدَ لكم يَمْنَعُكم مِن عذابِ اللهِ، بل مِن هذا الْحَقيرِ الذي هو في زَعْمِكم جُنْدٌ لكم يَتَوَلَّى نَصْرَكم إنْ لم يَنْصُرْكم اللهُ برَحمتِه وعَوْنِه.
{إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ} عظيمٍ مِن جِهةِ الشيطانِ، يَغُرُّهُم به.
21-{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} أي: مَن الذي يُدِرُّ عليكم الأرزاقَ، مِن الْمَطَرِ وغيرِه، إنْ أَمْسَكَ اللهُ ذلك ومَنَعَه عنكم؟
{بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} تَمَادَوْا في عِنادٍ واستكبارٍ عن الحقِّ، ونفورٍ عنه، ولم يَعْتَبِرُوا ولا تَفَكَّرُوا.
22-{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى} هو الكافرُ، يَكُبُّ على مَعاصِي اللهِ في الدنيا، فيَحْشُرُه اللهُ يومَ القِيامةِ على وَجْهِه.
{أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا} مُعْتَدِلاً ناظِراً إلى ما بينَ يَدَيْهِ.
{عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أي: على طريقٍ مُسْتَوٍ لا اعوجاجَ به ولا انحرافَ فيه. وهذا هو المؤمنُ الذي سارَ على مَنهجِ اللهِ في الدنيا على هُدًى وبَصيرةٍ، فيُحشَرُ في الآخِرةِ سَوِيًّا على صراطٍ مُستقيمٍ يُؤَدِّي به إلى الْجَنَّةِ.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 10:00 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} في التفسيرِ: أنَّ الكُفَّارَ كانَ بعضُهم يقولُ لبعضٍ: أَسِرُّوا بقولِكم حتى لا يَسمعَ ربُّ محمَّدٍ فيُخْبِرَه قولَكم. فأَنْزَلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ.
وقولُه: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أيْ: بما في الصُّدورِ: قالَ الحسَنُ: يَعلمُ مِن السِّرِّ ما يَعلَمُ مِن العَلانِيَةِ، ويَعلَمُ مِن العَلانيةِ ما يَعلَمُ مِن السِّرِّ.
قولُه تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} استفهامٌ بمعنى الإنكارِ والتوبيخِ، والمعنى: ألاَ يَعلمُ مَن في الصدورِ مَن خلَقَ الصدورَ، ويُقالُ: ألاَ يَعلَمُ ما خَلَقَ (مَن) بمعنى (ما)، وهو مِثلُ قولِه تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} أيْ: ومَن بَناهَا.
وقولُه: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أي: اللطيفُ في عِلْمِه، يَعلَمُ ما يُظْهَرُ وما يُسَرُّ، وكُلُّ ما دَقَّ يُقالُ: لَطيفٌ. ويُقالُ: الْخَبيرُ هو العالِمُ.
قولُه تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً} أيْ: مُذَلَّلَةً، وتَذليلُها تَسهيلُ السَّيْرِ فيها والقَرارِ عليها.
وقولُه: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} أيْ: في جَوانِبِها ويُقالُ: في فِجَاجِها، ويُقالُ: في طُرُقِها، وقيلَ: في جِبَالِها، وعن بُشَيْرِ بنِ كعْبٍ الأنصاريِّ أنه كان يَقرأُ هذه السورةَ، فبَلَغَ هذه الآيةَ فقالَ لجاريةٍ له: إنْ عَرَفْتِي معنى قولِه: {فِي مَنَاكِبِهَا} فأنتِ حُرَّةٌ. فقالتْ: في جِبَالِها. فشَحَّ الرجُلُ بالجاريةِ وجَعَلَ يَسألُ أبا الدرداءِ فقالَ: دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ، خَلِّهَا. وحكَى قَتادةُ عن أبي الْجَلْدِ قالَ: الأرْضُ كلُّها أربعةٌ وعِشرونَ ألْفَ فَرْسَخٍ، اثنا عشرَ ألْفاً للسُّودانِ، وثمانيةُ آلافٍ للرُّومِ، وثلاثةُ آلافٍ للعَجَمِ، وألْفٌ للعَرَبِ.
وقولُه: {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أيْ: في الآخِرَةِ.
قولُه تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} قالَ ابنُ عبَّاسٍ: أي: اللهَ.
وقولُه: {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} أيْ: تَضطرِبُ وتَدورُ، ويُقالُ: تَمورُ أيْ: تُخْسَفُ بكم حتى تَجعلَكم في أسفَلِ الأَرَضينَ، قالَ الشاعرُ:
رَمَيْنَ فأَقْصَدْنَ القُلوبَ ولن تَرَى دَماً مَائِراً إلا جَرَى في الْحَيَازِمِ

أيْ: سائِلاً.
قولُه تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أيْ: أَأَمِنتُمْ ربَّكُمْ، {أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} أيْ: رِيحاً ذاتَ حَصباءٍ، ويُقالُ: حِجارةً فيُهْلِكَكُم بها، والْحَصباءُ الحجارةُ.
وقولُه: {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} أيْ: إِنْذَارِي، والمعنى: كنْتُ مُحِقًّا في إنذارِي إيَّاكُم العذابَ.
قولُه تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أيْ: إنكارِي.
قولُه تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} يُقالُ: صَفَّ الطيْرُ جَناحَه إذا بَسَطَه، وقَبَضَه إذا ضَرَبَه، والمرادُ مِن القَبْضِ هو ضرْبُ الْجَناحَيْنِ بالْجَنْبَيْنِ، وهذا القبْضُ والبسْطُ في بعضِ الطيورِ لا في جميعِ الطيورِ، فإنَّ بعضَها يَقْبِضُ بكلِّ حالٍ، وبعضَها يَبْسُطُ تارَةً ويَقْبِضُ أُخرى.
وقولُه: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ} يَعنِي: ما يُمْسِكُهُنَّ عن الوُقوعِ إلاَّ الرحمنُ، قالوا: والهواءُ للطيرِ بِمَنزِلَةِ الماءِ للسابِحِ، فهو يَسبَحُ في الهواءِ بجَنَاحَيْهِ كما يَسبحُ الإنسانُ في الماءِ بأَطرافِه.
وقولُه: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} أيْ: عَليمٌ.
قولُه تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ} معناه: أينَ هذا الذي هو جُنْدٌ لكم يَمنعُكم مِن عذابِ اللهِ؟ وهو استفهامٌ بمعنى التوبيخِ والإنكارِ.
وقولُه تعالى: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ} أيْ: ما الكافرونَ إلاَّ في غُرورٍ.
قولُه تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ} المعنى: أنَّ اللهَ هو الذي يَرزقُكم، إنْ أمْسَكَ رِزْقَه فمَن ذا الذي يَرْزُقُكم سِواهُ؟
وقولُه: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} العُتُوُّ هو التَّمادِي في الكفْرِ، والنُّفورُ هو التباعُدُ عن الحقِّ، ويُقالُ: المعنى: أنَّ اللَّجَاجَ حَمَلَهم على الكفْرِ والنفورِ عن الْحَقِّ، فإنَّ الدلائِلَ أَظْهَرُ وأَبْيَنُ مِن أنْ تَخفَى على أحَدٍ، والعرَبُ تُسَمِّي كلَّ سَفيهٍ متَمَرِّدٍ مُتَمَادٍ في الباطِلِ عَاتِياً.
قولُه تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} في الضَّلالةِ لا يُبصِرُ الحقَّ. ويُقالُ: مُكِبًّا على وَجْهِه أيْ: لا يَنظُرُ مِن بينِ يَديهِ، ولا عن يَمينِه ولا عن يَسَارِه، ولا مِن خَلْفِه، وقيلَ: إنَّ هذا في الآخِرَةِ، فإنَّ اللهَ تعالى يَحْشُرُ الكُفَّارَ على وُجوهِهم على ما نَطَقَ به القرآنُ في غيرِ هذا الْمَوْضِعِ، وقد ثَبَتَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((إِنَّ الَّذِي قَدَرَ أَنْ يُمَشِّيَهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمَشِّيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ)).
وقولُه: {أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أيْ: يَمْشِي في طريقِ الْحَقِّ بنُورِ الهدى، ويُقالُ: يَنظُرُ مِن بينِ يَديْهِ وعن يَمينِه وعنْ يَسارِه ومِن خَلْفِه، وقيلَ: هو في الآخِرَةِ.
وعن عِكرمةَ قالَ: قولُه: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} هو أبو جَهلٍ, وقولُه: {أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهو عَمَّارُ بنُ ياسِرٍ، وحَكَى بعضُهم عن ابنِ عبَّاسٍ: أنه حَمزةُ بنُ عبدِ الْمُطَّلِبِ وكُنيتُه أبو عمارةَ.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 08:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى منبّهًا على أنّه مطّلعٌ على الضّمائر والسّرائر: {وأسرّوا قولكم أو اجهروا به إنّه عليمٌ بذات الصّدور} أي: بما خطر في القلوب.
{ألا يعلم من خلق}؟ أي: ألا يعلم الخالق. وقيل: معناه ألا يعلم اللّه مخلوقه؟ والأوّل أولى، لقوله: {وهو اللّطيف الخبير}
ثمّ ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إيّاها لهم، بأن جعلها قارّةً ساكنةً لا تمتدّ ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال، وأنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السّبل، وهيّأها فيها من المنافع ومواضع الزّروع والثّمار، فقال: {هو الّذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها} أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وتردّدوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتّجارات، واعلموا أنّ سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا، إلّا أن ييسّره اللّه لكم؛ ولهذا قال: {وكلوا من رزقه} فالسّعي في السّبب لا ينافي التّوكّل، كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو عبد الرّحمن، حدّثنا حيوة، أخبرني بكر بن عمرٍو، أنّه سمع عبد اللّه بن هبيرة يقول: إنّه سمع أبا تميمٍ الجيشاني يقول: إنّه سمع عمر بن الخطّاب يقول: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "لو أنّكم تتوكّلون على اللّه حقّ توكّله، لرزقكم كما يرزق الطّير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا".
رواه التّرمذيّ والنّسائيّ وابن ماجه من حديث ابن هبيرة وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ. فأثبت لها رواحًا وغدوًّا لطلب الرّزق، مع توكّلها على اللّه، عزّ وجلّ، وهو المسخّر المسيّر المسبّب. {وإليه النّشور} أي: المرجع يوم القيامة.
قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وقتادة والسّدّيّ: {مناكبها} أطرافها وفجاجها ونواحيها. وقال ابن عبّاسٍ وقتادة: {مناكبها} الجبال.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن حكّامٍ الأزديّ، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبيرٍ، عن بشير بن كعبٍ: أنّه قرأ هذه الآية: {فامشوا في مناكبها} فقال لأمّ ولدٍ له: إن علمت {مناكبها} فأنت عتيقةٌ. فقالت: هي الجبال. فسأل أبا الدّرداء فقال: هي الجبال.
وهذا أيضًا من لطفه ورحمته بخلقه أنّه قادرٌ على تعذيبهم، بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح، ويؤجّل ولا يعجّل، كما قال: {ولو يؤاخذ اللّه النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّةٍ ولكن يؤخّرهم إلى أجلٍ مسمًّى فإذا جاء أجلهم فإنّ اللّه كان بعباده بصيرًا} [فاطرٍ: 45].
وقال هاهنا: {أأمنتم من في السّماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} أي: تذهب وتجيء وتضطرب، {أم أمنتم من في السّماء أن يرسل عليكم حاصبًا} أي: ريحًا فيها حصباء تدمغكم، كما قال: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرّ أو يرسل عليكم حاصبًا ثمّ لا تجدوا لكم وكيلا} [الإسراء: 68]. وهكذا توعّدهم هاهنا بقوله: {فستعلمون كيف نذير} أي: كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلّف عنه وكذّب به.
ثمّ قال: {ولقد كذّب الّذين من قبلهم} أي: من الأمم السّالفة والقرون الخالية، {فكيف كان نكير} أي: فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؟ أي: عظيمًا شديدًا أليمًا.
ثمّ قال تعالى: {أولم يروا إلى الطّير فوقهم صافّاتٍ ويقبضن} أي: تارةً يصفّفن أجنحتهنّ في الهواء، وتارةً تجمع جناحًا وتنشر جناحًا {ما يمسكهنّ} أي: في الجوّ {إلا الرّحمن} أي: بما سخّر لهنّ من الهواء، من رحمته ولطفه، {إنّه بكلّ شيءٍ بصيرٌ} أي: بما يصلح كلّ شيءٍ من مخلوقاته. وهذه كقوله: {ألم يروا إلى الطّير مسخّراتٍ في جوّ السّماء ما يمسكهنّ إلا اللّه إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون} [النّحل: 79] .
يقول تعالى للمشركين الّذين عبدوا غيره، يبتغون عندهم نصرًا ورزقًا، منكرًا عليهم فيما اعتقدوه، ومخبرا لهم أنّه لا يحصل لهم ما أمّلوه، فقال: {أمّن هذا الّذي هو جندٌ لكم ينصركم من دون الرّحمن} أي: ليس لكم من دونه من وليٍّ ولا واقٍ، ولا ناصر لكم غيره؛ ولهذا قال: {إن الكافرون إلا في غرورٍ}
ثمّ قال: {أمّن هذا الّذي يرزقكم إن أمسك رزقه}؟! أي: من هذا الّذي إذا قطع اللّه رزقه عنكم يرزقكم بعده؟! أي: لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق، وينصر إلّا اللّه، عزّ وجلّ، وحده لا شريك له، أي: وهم يعلمون ذلك، ومع هذا يعبدون غيره؛ ولهذا قال: {بل لجّوا} أي: استمرّوا في طغيانهم وإفكهم وضلالهم {في عتوٍّ ونفورٍ} أي: في معاندةً واستكبارًا ونفورًا على أدبارهم عن الحقّ، [أي] لا يسمعون له ولا يتّبعونه.
ثمّ قال: {أفمن يمشي مكبًّا على وجهه أهدى أمّن يمشي سويًّا على صراطٍ مستقيمٍ}؟: وهذا مثلٌ ضربه اللّه للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبّا على وجهه، أي: يمشي منحنيًا لا مستويًا على وجهه، أي: لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب؟ بل تائهٌ حائرٌ ضالٌّ، أهذا أهدى {أمّن يمشي سويًّا} أي: منتصب القامة {على صراطٍ مستقيمٍ} أي: على طريقٍ واضحٍ بيّنٍ، وهو في نفسه مستقيمٌ، وطريقه مستقيمةٌ. هذا مثلهم في الدّنيا، وكذلك يكونون في الآخرة. فالمؤمن يحشر يمشي سويًّا على صراط مستقيم، مفض به إلى الجنّة الفيحاء، وأمّا الكافر فإنّه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنّم، {احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون اللّه فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنّهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون}
قال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا ابن نمير، حدّثنا إسماعيل، عن نفيع قال: سمعت أنس بن مالكٍ يقول: قيل: يا رسول اللّه، كيف يحشر النّاس على وجوههم؟ فقال: "أليس الّذي أمشاهم على أرجلهم قادرًا على أن يمشيهم على وجوههم".
وهذا الحديث مخرّجٌ في الصّحيحين من طريق [يونس بن محمّدٍ، عن شيبان، عن قتادة، عن أنسٍ، به نحوه] ). [تفسير القرآن العظيم: 8/179-182]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الملك, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir