دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 02:39 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي هل يقتضي النهي الفساد؟

وَمُطْلَقُ نَهْيِ التَّحْرِيمِ، وَكَذَا التَّنْزِيهُ فِي الْأَظْهَرِ لِلْفَسَادِ شَرْعًا، وَقِيلَ لُغَةً، وَقِيلَ مَعْنًى فِيمَا عَدَا الْمُعَامَلَاتِ مُطْلَقًا وَفِيهَا إنْ رَجَعَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَوْ اُحْتُمِلَ رُجُوعَهُ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ أَوْ لَازِمٍ لها وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ فِي الْعِبَادَاتِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ لِخَارِجٍ كَالْوُضُوءِ بِمَغْصُوبٍ لَمْ يُفِدْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُفِيدُ مُطْلَقًا وَلَفْظُهُ حَقِيقَةٌ، وَإِنْ انْتَفَى الْفَسَادُ لِدَلِيلٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفِيدُ مُطْلَقًا، نَعَمْ الْمَنْهِيُّ لِعَيْنِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَفَسَادُهُ عَرَضِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَنْهِيُّ لِوَصْفِهِ يُفِيدُ الصِّحَّةَ له وَقِيلَ إنْ نفي عَنْهُ الْقَبُولَ، وَقِيلَ بَلْ النَّفْيُ دَلِيلُ الْفَسَادِ، وَنَفْيُ الْإِجْزَاءِ كَنَفْيِ الْقَبُولِ، وَقِيلَ أَوْلَى بِالْفَسَادِ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي منع الموانع للقاضي: عبد الوهاب السبكي


الرابع عشر: ما معنى قولكم في النهي: (وكذا التنزيه في الأظهر) إلى قولكم: (قال ابن عبد السلام أو احتمل رجوعه)؟
. . .
وأما قولنا في باب النهي عقب قولنا: ومطلق نهي التحريم: (وكذا التنزيه في الأظهر) إلى آخره. فمعناه واضح، مقرر في كل من شرحي المختصر والمنهاج، وليس في (جمع الجوامع) زيادة عليهما، إلاَّ في موضعين، أحدهما: التنبيه على أن محل الخلاف في أن النهي هل يقتضي الفساد؟ إنما هو في التحريم.
وأن التنزيه ملحق به على الأظهر، وإنما ألحقناه به، لأن المكروه مطلوب الترك، والصحة أمر شرعي، فلا يمكن كونه صحيحاً، لأن تركه يوجب عدم الاعتبار به، إذا وقع، وذلك هو الفساد؛ وهذا قريب مما قدمناه في مقدمة مسألة الصلاة في الدار المغصوبة: حيث قلنا: (إن مطلق الأمر لا يتناول المكروه خلافاً لأبي حنيفة)، وبنينا عليه عدم صحة الصلاة في الأوقات المكروهة، وإن قلنا: إنها كراهة تنزيه، والحجة على أن المكروه لا يتناوله الأمر أنه مطلوب الترك، والمأمور مطلوب الفعل، فيتناقضان.
والثاني: ما ذكره شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، وذلك أن علماءنا رحمهم الله تعالى ذكروا أن النهي في المعاملات يقتضي الفساد، إن رجع إلى أمر داخل فيها أو لازم، فإن كان راجعاً إلى أمر خارج، لم يقتض الفساد، كالنهي عن البيع وقت النداء.
فصرحوا بالراجع إلى أمر داخل أو خارج، أو لازم، وسكتوا عما شككنا فيه: أراجع هو إلى داخل أو خارج؟، وهو مكان مهم، لم أر من ذكره غير ابن عبد السلام، فإنه قال في (القواعد): (كل تصرف نهي عنه لأمر يجاوره أو يقارنه مع توفر شرائطه وأركانه فهو صحيح، وكل تصرف نهي عنه ولم يعلم لماذا نهي عنه؟ فهو باطل؛ حملاً للفظ النهي على الحقيقة، انتهى)، ذكره بعد أن ذكر المنهي عنه لعينه. والذي لم يعلم لماذا نهي عنه، ألأَمْرٍ داخل أو خارج؟ هو المحتمل، لأن يرجع إلى داخل.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(وَمُطْلَقُ نَهْيِ التَّحْرِيمِ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ (وَكَذَا التَّنْزِيهُ فِي الْأَظْهَرِ لِلْفَسَادِ) أَيْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذَا وَقَعَ (شَرْعًا) إذْ لَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الشَّرْعِ (وَقِيلَ لُغَةً) لِفَهْمِ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ (وَقِيلَ مَعْنًى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُنْهَى عَنْهُ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا يَقْتَضِي فَسَادَهُ (فِيمَا عَدَا الْمُعَامَلَاتِ) مِنْ عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ ثَمَرَةٌ كَصَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَلَا تَصِحُّ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَكَذَا التَّنْزِيهُ فِي الصَّحِيحِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا فِي جُمْلَةِ الشُّمُولِ بِالْأَظْهَرِ وَكَالْوَطْءِ زِنًا فَلَا يُثْبِتُ النَّسَبَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رَجَعَ النَّهْيُ فِيمَا ذُكِرَ إلَى نَفْسِهِ كَصَلَاةِ الْحَائِضِ وَصَوْمِهَا أَوْ لَازِمِهِ كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِهِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ وَكَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِفَسَادِ الْأَوْقَاتِ اللَّازِمَةِ لَهَا بِفِعْلِهَا فِيهَا. (وَفِيهَا) أَيْ فِي الْمُعَامَلَاتِ (إنْ رَجَعَ) النَّهْيُ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ فِيهَا كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ أَيْ مَا فِي الْبُطُونِ مِنْ الْأَجِنَّةِ لِانْعِدَامِ الْمَبِيعِ وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ الْمَبِيعِ (قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَوْ اُحْتُمِلَ رُجُوعَهُ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ) فِيهَا تَغْلِيبًا لَهُ عَلَى الْخَارِجِ (أَوْ) رَجَعَ إلَى أَمْرٍ (لَازِمٍ) كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ اللَّازِمَةِ بِالشَّرْطِ (وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ النَّهْيَ لِلْفَسَادِ فِيمَا ذُكِرَ أَمَّا فِي الْعِبَادَةِ فَلِمُنَافَاةِ النَّهْيِ عَنْهُ لِأَنْ يَكُونَ عِبَادَةً أَيْ مَأْمُورًا بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ. وَأَمَّا فِي الْمُعَامَلَةِ فَلِاسْتِدْلَالِ الْأَوَّلِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ عَلَى فَسَادِهَا بِالنَّهْيِ عَنْهَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فَظَاهِرٌ. (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيُّ لِلْفَسَادِ (فِي الْعِبَادَاتِ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ فَفَسَادُهَا بِفَوَاتِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ عُرِفَ مِنْ خَارِجٍ عَنْ النَّهْيِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ اسْتَدَلُّوا بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ عَلَى فَسَادِهَا وَدُونَ غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَفَسَادُهُ مِنْ خَارِجٍ أَيْضًا (فَإِنْ كَانَ) مُطْلَقُ النَّهْيِ (لِخَارِجٍ) عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَيْ غَيْرِ لَازِمٍ لَهُ (كَالْوُضُوءِ بِمَغْصُوبٍ) لِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ أَيْضًا وَكَالْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ لِتَفْوِيتِهَا الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ أَيْضًا وَكَالصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْمَغْصُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ (لَمْ يُفِدْ) أَيْ الْفَسَادَ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْخَارِجُ. (وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) مُطْلَقُ النَّهْيِ (يُفِيدُ) الْفَسَادَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً لَمْ يَكُنْ لِخَارِجٍ أَوْ كَانَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ فَيُفِيدُ الْفَسَادَ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لِلْخَارِجِ عِنْدَهُ قَالَ (وَلَفْظُهُ حَقِيقَةٌ وَإِنْ انْتَفَى الْفَسَادُ لِدَلِيلٍ) كَمَا فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ لِلْأَمْرِ بِمُرَاجَعَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ جَمِيعِ مُوجِبِهِ مِنْ الْكَفِّ وَالْفَسَادِ فَهُوَ كَالْعَامِّ الَّذِي خُصَّ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيمَا بَقِيَ كَمَا سَيَأْتِي. (وَ) قَالَ (أَبُو حَنِيفَةَ) مُطْلَقُ النَّهْيِ (لَا يُفِيدُ) الْفَسَادَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَ لِخَارِجٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ لِمَا سَيَأْتِي فِي إفَادَتِهِ الصِّحَّةَ قَالَ (نَعَمْ الْمَنْهِيُّ) عَنْهُ (لِعَيْنِهِ) كَصَلَاةِ الْحَائِضِ وَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ (غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَفَسَادُهُ عَرَضِيٌّ) أَيْ عَرَضَ لِلنَّهْيِ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الْمَشْرُوعِ مَجَازًا عَنْ النَّفْيِ الَّذِي الْأَصْلُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِهِ لِانْعِدَامِ مَحِلِّهِ هَذَا فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْمَشْرُوعِ أَمَّا غَيْرُهُ كَالزِّنَا بِالزَّايِ فَالنَّهْيُ فِيهِ عَلَى حَالِهِ وَفَسَادُهُ مِنْ خَارِجٍ. (ثُمَّ قَالَ وَالْمَنْهِيُّ) عَنْهُ (لِوَصْفِهِ) كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِهِ عَنْ الضِّيَافَةِ وَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ (يُفِيدُ) النَّهْيُ فِيهِ (الصِّحَّةَ) لَهُ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَسْتَدْعِي إمْكَانَ وُجُودِهِ وَإِلَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ لَغْوًا كَقَوْلِك لِلْأَعْمَى لَا تُبْصِرْ فَيَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ عَنْ نَذْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا مُطْلَقًا لِفَسَادِهِ بِوَصْفِهِ اللَّازِمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَتَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لِخَارِجٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ إذَا أُسْقِطَتْ الزِّيَادَةُ لَا مُطْلَقًا لِفَسَادِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بِالْقَبْضِ الْمِلْكَ الْخَبِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِمُطْلَقِ النَّهْيِ عَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ أَوْ عَدَمِهِ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي ذَلِكَ اتِّفَاقًا (وَقِيلَ إنْ نَفَى عَنْهُ الْقَبُولَ) أَيْ نَفْيُهُ عَنْ الشَّيْءِ يُفِيدُ الصِّحَّةَ لَهُ لِظُهُورِ النَّفْيِ فِي عَدَمِ الثَّوَابِ دُونَ الِاعْتِدَادِ (وَقِيلَ بَلْ النَّفْيُ دَلِيلُ الْفَسَادِ) لِظُهُورِهِ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ (وَنَفْيُ الْإِجْزَاءِ كَنَفْيِ الْقَبُولِ) فِي أَنَّهُ يُفِيدُ الْفَسَادَ أَوْ الصِّحَّةَ قَوْلَانِ بِنَاءً لِلْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ الْكِفَايَةُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَلِلثَّانِي عَلَى أَنَّهُ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ فَإِنَّ مَا لَا يُسْقِطُهُ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْفِعْلِ ثَانِيًا قَدْ يَصِحُّ كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ. (وَقِيلَ) هُوَ (أَوْلَى بِالْفَسَادِ) مِنْ نَفْيِ الْقَبُولِ لِتَبَادُرِ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ مِنْهُ إلَى الذِّهْنِ وَعَلَى الْفَسَادِ فِي الْأَوَّلِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ {لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ} وَفِي الثَّانِي حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ {لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ.}

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


(ص) ومطلق نهي التحريم، وكذا التنزيه في الأظهر، للفساد شرعا، وقيل: لغة، وقيل: معنى فيما عدا المعاملات مطلقا، وفيها إن رجع، قال ابن عبد السلام: أو احتمل رجوعه إلى أمر داخل، أو لازم، وفاقا للأكثر وقال الغزالي والإمام: في العبادات فقط.
(ش): النهي عن الشيء هل يدل على فساده؟
فيه مذاهب:
أحدها: أنه يقتضي الفساد مطلقا في العبادات والمعاملات وعزاه ابن السمعاني لأكثر الأصحاب، وقال: إنه الظاهر من مذهب الشافعي رضي الله عنه وعلى هذا، فهل يدل عليه من جهة الشرع أو وضع اللغة، لأن صيغته (تدل على عدم المشروعية)؟ وجهان.
حكاهما القاضي في (التقريب) وابن السمعاني، ونقل عن طائفة من الحنفية ثالثا: أنه يقتضيه (من جهة المعنى لا من حيث اللفظ، لأن النهي يدل على قبح المنهي عنه وحظره، وهو مضاد للمشروعية، وقال: إنه الأولى.
والثاني: لا يقتضيه مطلقا، واختاره القفال الشاشي والقاضي أبو بكر والغزالي وغيرهم، قالوا: وإنما الاعتماد في فساده على فوات الشرط، ويعرف الشرط بدليل يدل عليه، وعلى ارتباط الصحة به، والقائلون به افترقوا فرقتين: فالجمهور على أنه لا يدل على الصحة أيضا، بل يحتاج إلى دليل خارجي من براءة ذمة أو وجوب فعل مثله، وادعى القاضي فيه الاتفاق ومنهم من قال: بل يدل على الصحة، وعزى لأبي حنفية ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى.
والثالث: وهو ما أورده المصنف: التفصيل بين المعاملات، وما عداها من العبادات والإيقاعات ففي العبادات والإيقاعات يدل على الفساد مطلقا، أي سواء نهي عنها لعينها أو لأمر خارج عنها لازم لها، وفي المعاملات ينظر، فإن رجع إلى أمر داخل فيها، كبيع الملاقيح أو إلى أمر خارج عنه لازم كبيع الربا فإن المفاضلة لازمة للعقد 0
اقتضي الفساد في هذين وإن رجع إلى أمر خارج غير لازم، لم يقتض الفساد، كالبيع وقت نداء الجمعة فإن النهي فيه راجع إلى تفويت الجمعة، وهو أمر مفارق غير لازم للعقد، هكذا صرح الأصحاب بالراجع إلى أمر داخل أو خارج أو لازم، وكنوا عما شككنا فيه أراجع إلى داخل أو خارج، وقد تعرض الشيخ عز الدين في (القواعد) فقال: كل تصرف منهي عنه لأمر يجاوره أو يفارقه مع توفير شرائطه وأركانه فهو صحيح، وكل تصرف نهي عنه، ولم يعلم لماذا نهي عنه فهو باطل حملا للفظ النهي على الحقيقة، انتهى. وهي مسألة مهمة زادها المصنف على الأصوليين.
والرابع: أنه يدل على الفساد في العبادات فقط دون المعاملات والإيقاعات وهو مذهب أبي الحسين البصري واختاره الإمام في (المحصول) ونقله المصنف عن الغزالي وفيه نظر.
وقد صرح في آخر المسألة من (المستصفى) بأن كل نهي يتضمن ارتكابه الإخلال بشرطه دل على الفساد من حيث الإخلال بالشرط لا من حيث النهي وهذا تفصيل آخر حكاه ابن السمعاني إن كان في فعل النهي إخلال بشرط في صحته إن كان عبادة أو نفوذه إن كان عقدا وجب القضاء بفساده، وإن لم يكن فيه إخلال بما ذكرنا لم يجب القضاء بفساده.
تنبيهات: الأول: احترز بـ (مطلق النهي) عن النهي المقيد المقترن بقرينة تدل على الفساد، أو تدل على عدمه، فليس من محل الخلاف.
الثاني: أشار بقوله: (نهي التحريم) إلى موضع الخلاف في النهي، هل يقتضي الفساد إنما هو التحريم وأن التنزيه ملحق به في الأظهر، لأن المكروه مطلوب الترك والصحة أمر شرعي، فلا يمكن كونه صحيحا، لأن طلب تركه يوجب عدم الاعتبار به، إذا وقع وذلك هو الفساد ولكن يعكر على تعبيره بالأظهر قول الصفي الهندي: محل الخلاف في نهي التحريم أما التنزيه فلا خلاف فيه على ما يشعر به كلامهم، صرح بذلك بعض المصنفين. انتهى.
أي لا خلاف في عدم اقتضائه الفساد لكن ما قاله الهندي ممنوع، وقد سبق في مسألة أن الأمر لا يتناول المكروه، خلافه ولهذا صحح الأصحاب فساد الصلاة في الوقت المكروه، وإن قلنا النهي للتنزيه، ولا ينقضه عدم فساد الصلاة في الحمام والكنيسة ونحوها، فإن عدم الفساد في تلك لدليل يخصها، ولهذا لم يختلف أصحابنا في عدم إفسادها وإن اختلفوا في الصلاة في الوقت المكروه، وكذا الوضوء بالماء المشمس، الكراهة فيه للتنزيه قطعا، ولا يمنع صحة الطهارة بلا خلاف.‌‌
الثالث: ما اختاره المصنف من المذاهب، عمدته فيه أن ابن برهان حكاه عن الشافعي رضي الله عنه وذكر غيره أنه منصوص في (الرسالة) لكن قد يورد على إطلاقهم الفساد فيما عدا المعاملات، أن النهي قد يكون للتحريم ولا يمنع الصحة في الأمر الخارج، كاستعمال أواني الذهب والفضة في الطهارة، وكذا يرد على إطلاقهم الفساد في اللازم بيع الحاضر للبادي فإن النهي لأمر خارج لازم ومع ذلك لم يقتض الفساد ويبعد أن نقول: خرج ذلك بدليل لأنه استرواح لا يليق بالقواعد.
(ص) فإن كان لخارج كالوضوء بمغصوب لم يفد عند الأكثر، وقال أحمد: يفيد مطلقا.
(ش) ما سبق في النهي عن الشيء لرجوعه لأمر داخل أو خارج لازم، فإن كان لأمر خارج عنه ينفك عنه في بعض موارده، سواء كان في العبادات كالصلاة في الدار المغصوبة والوضوء والتيمم بمغصوب والذبح بسكين مغصوب، فإن النهي راجع لأمر خارج عن الصلاة والوضوء، وهو شغل مال الغير أو إتلافه أو في العقود كالبيع وقت النداء، أو في الإيقاعات كطلاق الحائض، فالأكثرون على أنه لا يقتضي الفساد ونقل بعضهم الاتفاق فيه، لكن عن أحمد: أنه يفيد مطلقا أي في النهي عنه لعينه أو لخارج عنه ولهذا أبطل الصلاة في الدار المغصوبة، وسبق هناك. وفي تعميم الإطلاق عنه نظر. وإنما قال ذلك في بعض العبادات وبعض العقود خاصة كالبيع عند النداء والصلاة في المغصوب وإلا فهو موافق على وقوع الطلاق في الحيض، وفي طهر جامعها فيه وإرسال الثلاث، وإن كان منهيا عنها.
(ص) ولفظه حقيقة وإن اقتضى الفساد لدليل.
(ش) هذا مفرع على المنقول عن أحمد، أن النهي يقتضي الفساد وهو أنه إذا قام دليل على النهي ليس للفساد، كان اللفظ باقيا على حقيقته، ولم يكن مجازا لأنه لم ينتقل عن جميع موجبه، وإنما انتقل عن بعض موجبه فصار كالعموم الذي خرج بعضه تنفي حقيقته فيما بقي وهذا ذكره ابن عقيل في كتابه (الواضح) وهو مبني على أن لفظ النهي يدل على الفساد بصيغته وإلا فإذا قلنا: إنه يدل عليه شرعا أو معنى، لم يكن فيه إخراج بعض مدلول اللفظ، ولعل هذه المسألة من فوائد الخلاف السابق أنه يدل لغة أو شرعا.
(ص) وأبو حنيفة: لا يفيد مطلقا، نعم المنهي عنه لعينه غير مشروع ففساده عرضي، ثم قال: والمنهي عنه لوصفه يفيد الصحة.
(ش) أطلق بعضهم النقل عن الحنفية، أن النهي بـ (لا) يفيد الفساد واستدرك عليه المصنف فقال: إنما خلافهم في المنهي عنه لغيره، أما المنهي عنه لعينه، فلا يختلفون في فساده، بذلك صرح أبو زيد في (تقويم الأدلة) وغيره ثم قال – يعني: أبو حنيفة – والمنهي عنه لوصفه، وإن كان لا يفيد الفساد فلا يفيد الصحة أي: ولم يقل ذلك في المنهي عنه لعينه، وقد صرح شمس الأئمة السرخسي من الحنفية بأن المنهي عنه لعينه غير مشروع أصلا وعبارة ابن الحاجب توهم أن القائل بالصحة يطرده فيها وليس كذلك، فلهذا استظهره المصنف، وتحرير مذهبهم أنه يدل على فساد ذلك الوصف لا فساد المنهي عنه وهو الأصل لكونه مشروعا بدون الوصف، وبنوا على هذا ما لو باع درهما بدرهمين، ثم طرحا الزيادة، أنه يصح العقد واحتج القائلون باقتضائه الصحة أن النهي عن التصرف يقتضي إمكانه والقدرة عليه، لأن نهي العاجز قبيح، إذ لا يقال للزمن لا تقم، وللأعمى: لا تبصر وأجيب بأن ذلك إذا كان المنهي عنه أمرا محسوسا فإن كان تصرفا شرعيا على معنى أنه لا تفيد أحكامه لم يقبح كما إذا نهي المحدث عن الصلاة والحائض عن الصوم وأيضا فنهي العباد إنما يقبح إذا لم يكن العجز مستفادا من النهي كما ذكرتم فإن استفيد منه فإنه صحيح، كما إذا أنهى الموكل وكيله عن البيع فإنه يصير عاجزا لأنه يصير بالنهي معزولا، فلا يكون ذلك قبيحا، وإن كان نهيا للعاجز لما كان العجز مستفادا من النهي، ولعل هذا معنى قول أئمتنا: النهي عن التصرفات الشرعية يكون نسخا لها، لأنه بسبب النهي يعجز عنه ويتعطل عن أحكامه.
(ص) وقيل: إن نفى عنه القبول، وقيل: بل النفي دليل الفساد.
(ش): إذا نفي عن الفعل القبول نحو: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث)) فقيل: يقتضي الصحة بناء على تغاير الصحة والقبول، ويظهر أثر عدم القبول في نفي الثواب وعدم الصحة في سقوط القضاء وقيل بل نفي القبول يدل على الفساد وهي قضية استدلال أصحابنا بالحديثين السابقين على اشتراط الطهارة وستر العورة في الصلاة بناء على أن الصحة والقبول متلازمان، وممن حكى الخلاف في هذه المسألة ابن عقيل من الحنابلة في كتابه في (الأصول)، وقال: الصحيح لا يكون إلا مقبولا ولا يكون مردودا إلا ويكون باطلا وحكى ابن دقيق العيد في تفسير القبول قولين:
أحدهما: ترتيب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء يقال: قبل فلان عذر فلان، إذا رتب على عذره الغرض المطلوب وهو عدم المؤاخذة بالجناية وعلى هذا فالصحة والقبول متلازمان.
والثاني: إن القبول كون العبادة بحيث يترتب الثواب عليها، وعلى هذا فالقبول أخص من الصحة فكل مقبول صحيح ولا ينعكس.
(ص) ونفي الإجزاء كنفي القبول، وقيل: أولى بالفساد.
(ش) مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن)) رواه الدارقطني وقوله: ((أربع لا تجزئ في الأضاحي)) فيه مذهبان:
أصحهما: القطع أنه لنفي القبول.
والثاني: فيه الخلاف السابق بالترتيب وأولى بدلالته على الفساد، لأن الصحة قد توجد حيث لا قبول، بخلاف الإجزاء مع الصحة.

  #5  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: ومطلق نهي التحريم وكذا التنزيه في الأظهر للفساد شرعاً، وقيل: لغة وقيل: معنى فيما عدا المعاملات مطلقاً، وفيها إن رجع، قال ابن عبد السلام: أو احتمل رجوعه إلى أمر داخل أو لازم وفاقاً للأكثر، وقال الغزالي والإمام: في العبادات فقط.
ش: النهي عن الشيء هل يدل على فساده أم لا؟
فيه مذاهب:
الأول: أنه يقتضي الفساد مطلقاً في العبادات والمعاملات، وحكاه القاضي أبو بكر عن جمهور أصحاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة، وحكاه ابن السمعاني عن أكثر الأصحاب، وقال: إنه الظاهر من مذهب الشافعي.
الثاني: أنه لا يقتضيه، نقله القاضي عن جمهور المتكلمين، والإمام عن أكثر الفقهاء، والآمدي عن المحققين، واختاره القفال الشاشي، والقاضي أبو بكر والغزالي وغيرهم، وعلى هذا الثاني قولان.
أحدهما وبه قال الجمهور: إنه لا يدل على الصحة أيضاً، وادعى القاضي فيه الاتفاق.
والثاني: أنه يدل على الصحة، وحكي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن.
الثالث وهو الذي نقله المصنف عن الأكثرين وحكاه ابن برهان عن نص الشافعي وحكي عن نص (الرسالة) التفصيل، فإن كان في غير المعاملات وهي العبادات والإيقاعات دل على الفساد مطلقاً، وإن كان في المعاملات فإن رجع إلى أمر داخل فيها كبيع الملاقيح، أو أمر خارج ولازم كالربا اقتضى الفساد، وإن رجع إلى أمر خارج غير لازم لم يقتض الفساد، وذلك كالنهي عن البيع وقت نداء الجمعة فإن النهي عنه راجح إلى تفويت الجمعة، وهو أمر خارج غير لازم للعقد.
فإن شك هل هو راجع إلى داخل أو خارج حكمنا بفساده أيضاً، وهو معنى قول المصنف: قال ابن عبد السلام: (أو احتمل رجوعه) وأشار بذلك إلى قوله في القواعد: وكل تصرف نهي عنه ولم يعلم لماذا نهي عنه فهو باطل حملاً للفظ النهي على الحقيقة.
قال الشارح: وهي مسألة مهمة زادها المصنف على الأصوليين.
الرابع: أنه يدل على الفساد في العبادات فقط، وهو مذهب أبي الحسين البصري واختاره الإمام في (المحصول) وفي نقله عن الغزالي نظر، فقد صرح في آخر المسألة من (المستصفى) بأن كل نهي تضمن ارتكابه الإخلال بشرطه دل على الفساد من حيث الإخلال بالشرط، لا من حيث النهي.
تنبيه:
قوله: (مطلق النهي) خرج به ما اقترن به ما يدل على الفساد أو الصحة، فليس من محل الخلاف، وبين بإضافة النهي إلى التحريم أن المحل المتفق على جريان هذا الخلاف فيه أن يكون النهي للتحريم، فإن كان للتنزيه ففيه خلاف, الذي رجحه المصنف أنه كنهي التحريم لأن المكروه مطلوب الترك فلا يعتبر به إذا وقع، وذلك هو الفساد، ويخالف ذلك قول الصفي الهندي: محل الخلاف في نهي التحريم أما التنزيه فلا خلاف فيه على ما يشعر به كلامهم، وصرح بذلك بعض المصنفين.
قلت: وذكر ابن الصلاح والنووي أن الصلاة في الأوقات المكروهة لا تنعقد، وإن قلنا إن الكراهة فيها للتنزيه، واستشكله شيخنا الإسنوي بأنه كيف يباح الإقدام على ما لا ينعقد وهو تلاعب ولا إشكال فيه، لأن نهي التنزيه إذا رجع إلى نفس الصلاة يضاد الصحة فإن المكروه غير داخل في مطلق الأمر، وإلا يلزم كون الشيء مطلوباً منهياً ولا يصح إلا ما كان مطلوباً، والله أعلم.
تنبيه آخر:
إذا قلنا باقتضاء النهي الفساد فهل ذلك من جهة الشرع أو اللغة؟
فيه مذهبان: نقلهما القاضي أبو بكر في (التقريب) وابن السمعاني، ونقل عن طائفة من الحنفية أنه يقتضيه من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، لأن النهي يدل على قبح المنهي عنه، وهو مضاد للمشروعية، وقال إنه الأولى فلذلك نقل فيه المصنف ثلاثة مذاهب، وصحح الآمدي وابن الحاجب أنه يدل عليه شرعاً وجزم به البيضاوي.
ص: فإن كان لخارج كالوضوء بمغصوب لم يفد عند الأكثر، وقال أحمد: يفيد مطلقاً، ولفظه حقيقة وإن انتفى الفساد لدليل.
ش: تقدم أن النهي إنما يدل على الفساد إذا كان لأمر داخل في المنهي عنه أو خارج عنه لازم له، فأما إذا كان لأمر، خارج عنه غير لازم له فإنه لا يفيد الفساد عند الأكثرين، وقال أحمد بن حنبل: بل يفيده أيضاً، وذلك كالوضوء بماء مغصوب، فإن المنهي عنه لأمر خارج عنه ـ وهو الغصب ـ ينفك بالإذن من صاحبه أو الملك، ويترتب على قول الإمام أحمد باقتضاء النهي الفساد مطلقاً، أنه لو قام الدليل في نهي خاص على أنه ليس للفساد ولم يخرج النهي المذكور عن كونه باقياً على حقيقته.
- لم يصر مجازا، لأنه لم ينتقل عن جميع موجبه بل عن بعضه، فهو كالعموم الذي خص بعضه، فإنه حقيقة فيما بقي، ذكره ابن عقيل في الواضح.
قال الشارح: وهو مبني على أن لفظ النهي يدل على الفساد بصيغته، فإن قلنا من جهة الشرع أو المعنى لم يكن فيه إخراج بعض مدلول اللفظ.
قلت: ولك أن تقول: قد رجح المصنف أن النهي يدل على الفساد في العبادات مطلقاً، والتفصيل إنما هو في المعاملات، وحكاه عن الأكثرين، والوضوء من العبادات، فاقتضى كلامه فيه الفساد إذا كان لمغصوب فكيف يحكي هذا هنا عن أحمد خاصة، ويجعله فيه مخالفاً للأكثر، وأيضاً فقد تقدم لنا قول أن النهي يدل على الفساد مطلقاً، وأن القاضي نقله عن جمهور الشافعية، والحنفية، والمالكية، فكيف يجتمع ذلك مع تخصيصه الفساد في هذه الصورة بالنقل عن أحمد.
ص: وأبو حنيفة لا يفيد مطلقاً نعم المنهي لعينه غير مشروع ففساده عرضي ثم قال والمنهي لوصفه يفيد الصحة.
ش: اشتهر عن أبي حنيفة أن النهي لا يفيد الفساد مطلقاً، واستدرك المصنف على هذا أن ذلك إنما هو في المنهي عنه لغيره، أما المنهي عنه لعينه فلا خلاف في فساده، وقد صرح أبو زيد في (تقويم الأدلة)، وقال شمس الأئمة السرخسي: إن المنهي عنه لعينه غير مشروع أصلاً، فيترتب على ذلك أن فساده عرضي، ثم قال أي أبو حنيفة: إن المنهي عنه لوصفه لا يفيد الصحة، وإنما يفيد ذلك الوصف خاصة كما لو تبايعا درهماً بدرهمين ثم طرح زيادته فإنه يصح العقد.
قلت: وكيف يجتمع نفي الخلاف مع ما تقدم من حكاية قول بأنه لا يقتضي الفساد مطلقاً.
ص: وقيل: إن نفي عنه القبول، وقيل: بل النفي دليل الفساد، ونفي الإجزاء كنفي القبول، وقيل: أولى بالفساد.
ش: إذا ورد من الشرع نفي القبول عن عباداة، فهل يدل ذلك على صحتها أو فسادها؟ مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) وقوله: ((لا يقبل الله صلاة حائض)) أي: من بلغت سن الحيض ((إلا بخمار)) فيه قولان، حكاهما ابن عقيل من الحنابلة في كتابه في الأصول، فمن قال بالأول ـ وهو مراد المصنف بقوله: (وقيل: إن نفى عنه القبول) أي يفيد الصحة لقوله فيما قبله: يفيد الصحة ـ قال: إن القبول والصحة متغايران يظهر أثر الأول الثواب، والثاني في عدم القضاء، ومن قال بالثاني جعلهما متلازمين وهو مقتضى استدلال أصحابنا، وغيرهم بالحديثين المذكورين على اشتراط الطهارة وستر العورة في الصلاة، وحكى الشيخ تقي الدين في (شرح العمدة) في تفسير القبول قولين: أحدهما: أنه يرتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء، يقال: قبل عذر فلان إذا رتب عليه الغرض المطلوب، وهو عدم المؤاخذة، وعلى هذا فالصحة والقبول متلازمان.
والثاني: أن القبول كون العبادة بحيث يترتب الثواب عليها، وعلى هذا فهو أخص من الصحة، فكل مقبول صحيح، ولا ينعكس.
قلت: الذي ظهر لي في كون هذين الحديثين المذكورين نفى فيهما القبول وانتفت معه الصحة، وجاء في أحاديث أخر نفي القبول، فلم ينتف معه الصحة، كصلاة شارب الخمر، والعبد الآبق، وآتي العراف أنا ننظر فيما نفي فيه القبول، فإن قارنت ذلك الفعل معصية كالأحاديث الثلاثة المذكورة أجزأ، فانتفاء القبول (أي الثواب) لأن إثم المعصية أحبطه، وإن لم يقارنه معصية كالحديثين الأولين، فانتفاء القبول بسببه انتفاء شرط وهو الطهارة في أحد الحديثين وستر العورة في الآخر، ويلزم من عدم الشرط عدم المشروط، والله أعلم.
أما نفي الإجزاء نحو قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تجزئ صلاة من لا يقرأ فيها بأم القرآن)) فالمشهور أنه كنفي الصحة فيعود فيه ما سبق.
والثاني: أنه أولى بالفساد، فيعود فيه الخلاف بالترتيب، لأن الصحة قد توجد، حيث لا قبول بخلاف الإجزاء مع الصحة.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
يقتضي, هل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir