دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:36 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي هل النهي تكليف؟

مَسْأَلَةٌ: لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ، فَالْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ: أي الانتهاء وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ، وَقِيلَ فِعْلُ الضِّدِّ، وَقَالَ قَوْمٌ الِانْتِفَاءُ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ قَصَدُ التَّرْكَ، وَالْأَمْرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ إلْزَامًا، وَقَبْلَهُ إعْلَامًا، وَالْأَكْثَرُ يَسْتَمِرُّ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ، وَقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَنْقَطِعُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ , وَهُوَ التَّحْقِيقُ فَالْمَلَامُ قَبْلَهَا عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْكَفِّ الْمَنْهِيِّ.


  #2  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 05:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ): وَبِهِ ظَاهِرٌ فِي الْأَمْرِ لِأَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلْفِعْلِ وَأَمَّا فِي النَّهْيِ الْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (فَالْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ) أَيْ الِانْتِهَاءُ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) أَيْ وَالِدِهِ وَذَلِكَ فِعْلٌ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الضِّدِّ لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَقِيلَ) هُوَ (فِعْلُ الضِّدِّ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ. (وَقَالَ قَوْمٌ) مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ هُوَ غَيْرُ فِعْلٍ، وَهُوَ (الِانْتِفَاءُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَذَلِكَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ بِأَنْ لَا يَشَاءَ فِعْلَهُ الَّذِي يُوجَدُ بِمَشِيئَتِهِ، فَإِذَا قِيلَ: لَا تَتَحَرَّكُ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ عَلَى الْأَوَّلِ الِانْتِهَاءُ عَنْ التَّحَرُّكِ الْحَاصِلِ بِفِعْلِ ضِدِّهِ مِنْ السُّكُونِ وَعَلَى الثَّانِي فِعْلُ ضِدِّهِ وَعَلَى الثَّالِثِ انْتِفَاؤُهُ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ عَدَمُهُ مِنْ السُّكُونِ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ عَلَى الْجَمِيعِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِي الْإِتْيَانِ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ فِي النَّهْيِ مَعَ الِانْتِهَاءِ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (قَصَدَ التَّرْكَ) لَهُ امْتِثَالًا فَيَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ وَالْأَصَحُّ (لَا) وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَشْهُورِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} (وَالْأَمْرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ) لَهُ (بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ إلْزَامًا وَقَبْلَهُ إعْلَامًا وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْجُمْهُورِ قَالُوا (يَسْتَمِرُّ) تَعَلُّقُهُ الْإِلْزَامِيُّ بِهِ (حَالَ الْمُبَاشَرَةِ) لَهُ (وَ) قَالَ (إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَنْقَطِعُ) التَّعَلُّقُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ طَلَبُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ كَالصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ لِانْتِفَائِهِ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ. (وَقَالَ قَوْمٌ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ (لَا يَتَوَجَّهُ) الْأَمْرُ بِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ إلْزَامًا (إلَّا عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ) لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (, وَهُوَ التَّحْقِيقُ) إذْ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا حِينَئِذٍ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الْعِصْيَانِ بِتَرْكِهِ فَجَوَابُهُ قَوْلُهُ (فَالْمَلَامُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ اللَّوْمُ وَالذَّمُّ (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ بِأَنَّ تَرْكَ الْفِعْلِ أَيْ اللَّوْمِ حَالَ التَّرْكِ (عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْكَفِّ) عَنْ الْفِعْلِ (الْمَنْهِيِّ) ذَلِكَ الْكَفِّ عَنْهُ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ تَرْكِهِ.

  #3  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 05:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (مسألة: لا تكليف إلا بفعل، فالمكلف، به في النهي: الكف، أي: الانتهاء، وفاقاً للشيخ الإمام، وقيل: فعل الضد، وقالَ قوم: الانتفاء، وقيل: يشترط قصد الترك).
ش: لا خلاف أن المكلف به في الأمر الفعل، وأما المكلف به في النهي ففيه أربعة مذاهب أصحها عندَ ابن الحاجب وغيره: أنه كف النفس عن الفعل، والكف فعل.
الثاني: وينسب للجمهور: أنه فعل ضد المنهي عنه، فإذا قالَ: لا تتحرك، فمعناه: افعل ضد الحركة.
الثالث، وبه قالَ أبو هاشم: انتفاء الفعل فالمكلف به في هذا المثال، نفس ألا تفعل، وهو عدم الحركة، وكأن الجمهور نظروا إلى حقيقة ما هو مكلف به، وأبو هاشم نظر إلى المقصود، وهو إعدام دخول المنهي عنه في الوجود، والمختار عندَ المصنف ـ تبعاً لوالده رحمهما الله تعالى ـ الأول، وحرر العبارة عنه فقالَ: إن مطلوبه الكف، أي: الانتهاء، فإذا قلت: لا تسافر، فقد نهيته عن السفر والنهي يقتضي الانتهاء لأنَّه مطاوعه، يقال: نهيته فانتهى، والانتهاء: هو الانصراف عن المنهي عنه، وهو الترك، قالَ: واللغة والمعقول يشهدان له، وفرق بينَ قولنا: لا تسافر وبين قولنا: أقم فإنَّ أقم أمر بالإقامة من حيث هي، فقد لا يستحضر معها السفر، وأن لا تسافر: نهي عن السفر، فمن أقام قاصداً ترك السفر يقال فيه انتهى عن السفر، ومن لم يخطر السفر له بالكلية، لا يقال له انتهى عن السفر والانتهاء أمر معقول وهو فعل، ويصح التكليف به، وكذلك في جميع النواهي الشرعية، كالزنا والسرقة والشرب ونحوها، المقصود في جميعها الانتهاء عن تلك الرذائل، ومن لازم ذلك الانتهاء التلبس بفعل ضد من أضداد المنهي عنه، قالَ: فالعبارة المحررة أن يقال: المطلوب بالنهي الانتهاء، فيلزم من الانتهاء فعل ضد من أضداد المنهي عنه، والعبارة المنقولة عن الجمهور مختلفة فإنَّ النهي قسيم الأمر، والأمر: طلب الفعل فلو كانَ النهي طلب فعل الضد لكان أمراً، ولكان النهي من الأمر، وقسيم الشيء لا يكون قسماً منه.
[سقط صـ 293]
(الدلائل والأعلام) بأن الواجب على الإنسان في المنهيات إذا ذكرها، اعتقاد تحريمها، وهو على أول الحال من الاعتقاد والكف، وقول المصنف: (وقيل: يشترط قصد الترك) هذا قول غريب، إن أجري على ظاهره، حتى يأثم إذا تركه ولم يقصد الترك وإنما يتجه هذا في حصول الثواب وهي مسألة أخرى، ثمَّ رأيت في (المسودة) لابن تَيْمِيَّةَ ما نصه، وقيل: إن قصد الكف معَ التمكن من الفعل أثيب، وإلا فلا ثواب ولا عقاب، انتهى.
وقد قالَ القاضي حسين في باب صفة الصلاة من تعليقه: الشرعية تشتمل على الأوامر والنواهي، فما كانَ من النواهي لا يحتاج إلى صحة تركها إلى النية، وما كانَ من الأوامر لا يصح امتثاله بدون النية.
انتهى.
وإذا قلنا: يشترط قصد الترك، فهل يحتاج إلى نية خاصة في الجزئيات أو يكفي نية عامة لكل منهي عنه، فيه نظر.
ص: (والأمر عندَ الجمهور بتعلق الفعل قبل المباشرة بعد دخول وقته إلزاماً، وقبله إعلاماً).
ش: النقول في هذه المسألة مضطربة، فقال القاضي في مختصر التقريب: الفعل مأمور به في حال حدوثه، ثمَّ قالَ المحققون من أصحابنا: الأمر قبل حدوث الفعل المأمور به أمر إيجاب وإلزام، ولكنه يتضمن الاقتضاء والترغيب، وإذا تحقق الامتثال فالأمر يتعلق به، ولكنه لا يقتضى ترغيباً معَ تحقق المقصود، وذهب بعض من ينتمي إلى التحقيق، إلى أنه إنما يؤمر به حال المباشرة، وإذا تقدم عليه، فهو أمر إنذار، وإعلام بحقيقة الوجوب عندَ الوقوع، قالَ: وهذا باطل، انتهى.
وهذا الذي زيفه هو الذي يدل عليه صريح نقل الإمام الرَّازِيّ عن الأصحاب كما قالَ الصفي الهندي قالَ: ونقل إمام الحرمين في مذهب أصحاب الشيخ، ما يقتضي أنه ليس بمأمور به قبل حدوثه، وهو الذي يقتضيه أصلهم أن الاستطاعة معَ الفعل لا قبله، لكن أصلهم الآخر ـ وهو جواز تكليف المحال ـ يقتضي جواز الأمر بالفعل حقيقة قبل الاستطاعة، فعلى هذا يكون المأمور مأموراً قبل التلبس بالفعل، والمأمور به مأموراً به قبل حدوثه، لكن لعلهم فرعوا هذا في استحالته، أي وإن قالُوا بجوازه، لكنهم قالُوا ذاك بناء على عدم وقوعه، ونقل الكل عن المعتزلة، أي أن الفعل إنما يصير مأموراً به عندَهم قبل حدوثه لا عندَه، بل عندَه ينقطع تعلق التكليف، به، وهو اختيار إمام الحرمين، وهو موافق لأصلهم في أن الاستطاعة قبل الفعل، وأن تكليف مالا يطاق، غير جائز، ونقل بعضهم، كالآمدي: أن الناس اتفقوا على جواز كون الفعل مأموراً به قبل حدوثه سوى شذوذ من أصحابنا، وعلى امتناع كون ذلك وقت حدوثه، فأثبته أصحابنا، ونفاه المعتزلة، وبه يشعر كلام الغزالي، وهذا صريح في أن الخلاف بينَ معظم الأصحاب والمعتزلة في المأمور، والمأمور إنما هو في وقت التلبس والحدوث لا قبله، والنقل الأول يقتضي تحققه فيهما، فبينهما تناقض، ولا يجمع بينَهما بأن يقال: إن الأول تفريع منهم على استحالة تكليف المحال، والثاني على جوازه ـ لأنَّه يقتضي جواز كون الفعل مأموراً به بعد حدوثه، وهذا الناقل نقل امتناعه وفاقاً، والتحقيق أنه قبل المباشرة مكلف بإيقاع الفعل في الزمن المستقبل، وامتناع الفعل في هذه الحالة بناء على عدم علته التامة، لا ينافي كون الفعل مقدوراً ومختاراً له، بمعنى صحة تعلق إرادته وقصده إلى إيقاعه، وإنما الممتنع تكليف ما لا يطاق، بمعنى أن يكون الفعل مما لا يصح تعلق قدرة العبد به، وقصده إلى إيجاده، وبهذا يندفع قولهم: إن الفعل تدور علته التامة ممتنع، ومعها واجب، فلا تكليف إلا بالمحال؛ لأنَّ في الأول تكليفاً بالمشروط عندَ عدم الشرط، وفي الثاني تكليفاً بتحصيل الحاصل.
ص: (والأكثر: يستمر حال المباشرة، وقالَ إمام الحرمين والغزالي: ينقطع).
ش: ما حكاه عن الأكثر سبق نقل الآمدي أنه عن الأصحاب، وقالَ ابن برهان: إنه قول أهل السنة، وقالت المعتزلة: ينقطع تعلق التكليف به واختاره الإمام والغزالي؛ لأنَّ حقيقة الأمر الاقتضاء والطلب، والحاصل لا يطلب، وجوابه أنه غير مقتضي حال الإيقاع، ولكنه معَ هذا مأمور به، بمعنى أنه طاعة وامتثال، وهذا لا يخالف فيه أحد.
ص: (وقالَ قوم: لا يتوجه إلا عندَ المباشرة، وهو التحقيق.
ش: هذا القول هو اختيار الإمام فخر الدين والبيضاوي وغيرهما ونسبه المصنف إلى الأشعري، قالَ: وقول إمام الحرمين: إن هذا المذهب لا يرتضيه لنفسه عاقل مؤول، للعلم بأنه لا يطلق مثل هذه العبارة على من دون الشيخ، وذلك أنه ألزم الشيخ تحصيل الحاصل، ثمَّ قالَ: يقال في الحادث: هذا هو الذي أمر به المخاطب، فأما أن يستمر القول في تعلق الأمر به طلباً واقتضاء معَ حصوله، فلا يرتضى هذا لنفسه عاقل، ومراده بالمذهب الذي لا يرتضيه لنفسه عاقل، إيجاب تحصيل الحاصل الذي ألزم الشيخ به، وهو يعرف أن الشيخ لا يقوله ولا غيره، ووجه ما ادعاه المصنف من التحقيق في هذا المذهب، أمور منها: أن الأمر يتناول زمان إمكان الفعل، لامتناع التكليف بالواجب والممتنع، وزمان وقوع الفعل زمان إمكانه، فإنَّه ليس زمان امتناعه، لامتناع وقوع الفعل في زمن امتناعه، وليس زمان وجوبه الذاتي قطعاً، فإنَّ كانَ له وجوب فيه، كانَ ذلك الوجوب وجوبا بشرط المحمول أي: بشرط وجوده، وأنه لا يمتنع، أمَّا حال وقوعه أو قبله وفاقاً، فلو كانَ الوجوب بشرط المحمول مانعاً من التكليف، لم يكن المأمور مأموراً أصلاً، فثبت أن زمان الوقوع زمان إمكانه، فوجب أن يتناول الأمر إياه.
ومنها: أنه قبل المباشرة مشغول بالضد، فهو مكلف بترك الضد، فلا يكون مكلفاً بالفعل في تلك الحالة وإلا لاجتمع النقيضان، وكان تكليفاً بما لا يطاق، ولأنَّه لو كانَ كذلك لم يكن ممتثلاً إلا في مدة الحال وذلك محال، ولأن الله تعالى لا يكلف بشيئين في حالة واحدة، ولهذا قلنا عندَ كل جزء، هو مكلف به، وقبله وبعده ليس مكلفاً به؛ لأنَّه يلزم أن يكون مكلفاً بالشيء وضده في حالة واحدة، بل كلما انقضى جزء يقتضي تكليفه به، وكلما دخل في جزء كلف به إلخ، فإنَّ قلت: فعلى هذا لا يصح أن يعاقب على ترك الفعل بل على فعل الضد، قلنا: بل يعاقب على ترك الفعل وعدمه، صح ترك فعل الضد حين تحصيل المباشرة، فإنَّ قلت: ما فررت منه وقعت فيه، وهو أنه كيف يكون مكلفاً بالشيء وضده ـ.
قلت: لا نسلم: بل هو في هذه الحالة، مكلف بالترك، وهو الإعدام فما كلف بشيءٍ آخر ولا يجيء هذا الإعدام إلا بالمباشرة من الفعل، وهذا جزء من الفعل الذي هو الواجب، ولا يقال: إن هذا مقدمة الواجب فصح قولهم: إن الأمر قبل المباشرة، محال.
ص: (فالملام قبلها على التلبس بالكف المنهي عنه).
ش: هذا جواب سؤال مقدر تقديره، أنه يلزم من القول بأنه لا يتوجه إلا عندَ المباشرة سلب التكاليف، وأن المكلف لا يعطي بترك مأمور؛ لأنَّه إن أتى به كانَ ممتثلاً، وإن لم يأت به كانَ معذوراً لعدم التكليف.
وجوابه، أنه لا يلزم؛ لأنَّا نلومه على التلبس بالكف، والكف عندَنا فعل، وهو حرام، فقد باشر الترك، فتوجه عليه التكليف، فالحرمة حال مباشرة الترك، والعقاب ليس إلا على الترك، وهذا من النفائس، وقد أشار إليه إمام الحرمين في مسألة: تكليف ما لا يطاق.

  #4  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 05:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: لا تكليف إلا بفعل، فالمكلف به في النهي الكف، أي: الانتهاء، وفاقاً للشيخ الإمام، وقيل: بفعل الضد، وقال قوم: الانتفاء، وقيل: يشترط قصد الترك.
ش: لا خلاف أن المكلف به في الأمر الفعل، وأما في المنهي ففيه أربعة مذاهب.
أصحها عند ابن الحاجب وغيره: أنه كف النفس عن الفعل، والكف فعل، وفسر المصنف تبعاً لوالده الكف بالانتهاء.
قال: فإذا قلت: لا تسافر، فقد نهيته عن السفر، والنهي يقتضي الانتهاء، لأنه مطاوعه، يقال: نهيته فانتهى، والانتهاء هو الانصراف عن المنهي عنه وهو الترك.
قال: واللغة والمعقول يشهدان له، وفرق بين قولنا: لا تسافر، وقولنا: أقم، لأن أقم أمر بالإقامة من حيث هي، فقد لا تستحضر معها السفر، ولا تسافر نهي عن السفر، فمن أقام قاصداً ترك السفر يقال فيه: انتهى عن السفر، ومن لم يخطر له السفر بالكلية لا يقال: انتهى عن السفر، والانتهاء أمر معقول، وهو فعل، ويصح التكليف به، وكذلك في جميع النواهي الشرعية، كالزنا والسرقة والشرب ونحوها، المقصود في جميعها الانتهاء عن تلك الرزائل ومن لازم ذلك الانتهاء التلبس بفعل ضد من أضداد المنهي عنه، انتهى.
فقوله: (وفاقاً للشيخ للإمام) يحتمل أن يكون في اختيار هذا القول، وهو أن المكلف به في النهي الكف، ويحتمل أن يكون في تفسير الكف بالانتهاء، والله أعلم.
المذهب الثاني: أن المكلف به في النهي فعل ضد المنهي عنه فإذا قال: لا تتحرك، فمعناه افعل ما يضاد الحركة، وحكي هذا عن الجمهور، وضعف بأن النهي قسيم الأمر، والأمر طلب الفعل، فلو كان النهي طلب فعل الضد لكان أمراً، ولكان النهي من الأمر، وقسيم الشيء لا يكون قسيماً منه.
الثالث وبه قال أبو هاشم: أنه انتفاء الفعل، فالمكلف به في قولنا: (لا تتحرك) نفس أن لا يفعل، وهو عدم الحركة.
الرابع: أنه يشترط في امتثال النهي قصد ترك المنهي عنه، وهل يكتفى بنية ترك المنهيات في الجملة، أو لا بد من نية خاصة في كل منهي؟
فيه نظر، وهذا القول غير معروف، ومقتضاه أنه إذا لم يقترن بالترك قصد يأثم وهو بعيد، والمتجه نفي الثواب فقط، والمعروف قول مفصل بين الترك المجرد المقصود لنفسه من غير أن يقصد معه ضده كالصوم، فالمكلف به فيه الفعل، ولهذا وجبت فيه النية، وبين الترك المقصود من جهة إيقاع ضده كالزنا، فالمكلف به فيه الضد، وهذا هو ظاهر كلام الغزالي في (المستصفى).
ص: والأمر عند الجمهور يتعلق بالفعل قبل المباشرة بعد دخول وقته إلزاماً وقبله إعلاماً، والأكثر يستمر حال المباشرة، وقال إمام الحرمين والغزالي: ينقطع، وقال قوم: لا يتوجه إلا عند المباشرة، وهو التحقيق، فالملام قبلها على التلبس بالكف المنهي.
ش: هذه المسألة في وقت توجه الأمر للمكلف، وهي كما قال القرافي أغمض مسألة في أصول الفقه مع قلة جدواها، وأنه لا يظهر لها ثمرة في الفروع، وفيها للأشاعرة مذاهب.
الأول: أنه يتوجه قبل مباشرة الفعل بعد دخول وقته على سبيل الإلزام وقبله على سبيل الإعلام، ثم اختلف هؤلاء في أنه يستمر حال المباشرة أو ينقطع، فالأكثرون على الأول.
واعتمد المصنف في نقل هذه عن الجمهور قول الآمدي: اتفق الناس على جواز كون الفعل مأموراً به قبل حدوثه، سوى شذوذ من أصحابنا، وعلى امتناع كونه كذلك بعد حدوثه، واختلفوا في جواز كونه كذلك، وقت حدوثه، فأثبته أصحابنا، ونفاه المعتزلة، وبه يشعر كلام الغزالي انتهى.
وقال آخرون: ينقطع توجه التكليف حال المباشرة، وحكاه المصنف عن إمام الحرمين والغزالي، وهو المذهب الثاني.
والمذهب الثالث: أنه لا يتوجه قبل المباشرة أصلاً، ولا يتوجه إلا عندها، وادعى المصنف أن هذا هو التحقيق، وحكاه عن الأشعري، واختاره الإمام فخر الدين والبيضاوي وغيرهما، وقال الصفي الهندي: وهو الذي يدل عليه صريح نقل الإمام الرازي عن الأصحاب، قال: ونقل إمام الحرمين في مذهب أصحاب الشيخ ما يقتضي أنه ليس بمأمور به قبل حدوثه، وهو الذييقتضيه أصلهم: أن الاستطاعة مع الفعل لا قبله، لكن أصلهم الآخر وهو جواز التكليف بالمحال يقتضي جواز الأمر بالفعل حقيقة قبل الاستطاعة، فعلى هذا يكون المأمور مأموراً قبل التلبس بالفعل، والمأمور به مأمور به قبل حدوثه، لكن لعلهم فرعوا هذا على استحالته، أو وإن قالوا بجوازه، لكنهم قالوا ذلك بناء على عدم وقوعه، انتهى.
وقوله: (فالملام قبلها) إلى آخره، جواب عن سؤال مقدر على هذا القول الأخير، تقديره: أن القول به يؤدي إلى سلب التكاليف، فإنه يقول: لا أفعل حتى أكلف، والفرض أنه لا يكلف حتى يفعل، وجوابه أنه قبل المباشرة متلبس بالترك وهو فعل، فإنه كف النفس عن الفعل، فقد باشر الترك، فتوجه إليه التكليف بترك الترك حالة مباشرته للترك، وذلك بالفعل، وصار الملام على ذلك، وهذاجواب نفيس أشار إليه إمام الحرمين في مسألة تكليف ما لا يطاق، وأما المعتزلة فإنهم متفقون على توجه التكليف قبل المباشرة وانقطاعه عندها، ولم يحكه المصنف عنهم، وإنما حكاه عن الغزالي وإمامه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النهي, هل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir