السادس: ما معنى قولكم: (والفرض والواجب مترادفان خلافاً لأبي حنيفة، وهو لفظي)؟ مع أن أبا حنيفة يقول: (الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني)، ومن جحد ما ثبت بدليل قطعي كفر، ومن جحد ما ثبت بدليل ظني لم يكفر؟
. . .
ترادف الفرض والواجب:
وأما ترادف الفرض والواجب فواضح، لأن الذي يدعي أبو حنيفة أنه واجب غر فرض، إن مدح فاعله وعاقب تاركه فهو الفرض عندنا، وإن لم يعاقب تاركه مع مدحه فاعله فهو السنة، وإن لم يعاقب تاركه ولم يمدح فاعله فإما أن يذمه فهو الحرام، وإما أن لا يمدحه ولا يذمه بل يكون قد نهاه بنهي مخصوص فهو المكروه، أو بغير مخصوص فهو خلاف الأولى، وإما أن يكون قد نفي عنه الذم والمدح فهو المباح فالقسمة عقلية لا مخرج عنها.
وقولكم: (من جحد ما ثبت بدليل قطعي كفر)، نقول: على تقدير تسليمه الثابت بدليل قطعي: قد يكون فرضًا وقد يكون حرامًا ثبتت حرمته بالقطع، فأي تعلق له بما نحن فيه؟
ثم نقول: غاية الأمر أن بعض الواجبات يكفر جاحدها، وهذا مسلم، فإن قال أبو حنيفة: لا أسميه واجبًا وإنما أسميه فرضًا. نقول: هذا خلاف في اللفظ، فإنك تُكَفِّر ببعض الواجبات إذا جحدت وتنفي عنها اسم الوجوب، ونحن نكَفِّر بها أيضًا ولكن لا ننفي عنها اسم الوجوب.
فالحاصل أن ما يطلبه الشارع من المكلف قسمناه نحن إلى قسمين، قسم ذم تاركه فسميناه واجبًا وفرضًا، وقسم لم يذمه فسميناه سنة ونافلة.
وقسموه هم إلى ثلاثة أقسام، قسم ثبت بالقطع فسموه بالفرض وقسم ثبت بالظن فسموه بالواجب، وقسم لا ذم فيه فسموه بالسنة، ثم الكلام في التكفير مسألة أخرى.
واعلم أن أبا حنيفة لا يكفر جاحد القطعي مطلقاً، ولا نحن أيضاً نكفره، بل بشرط الشهرة والإجماع فإن فقدا لم يكفر بلا خلاف، وإن فقد أحدهما دون آخر ففيه نظر وتردد، ونحن قد أحسنا القول في ذلك في آخر كتاب الإجماع من (جمع الجوامع).