مجلس مذاكرة تفسير سور: الجمعة، والمنافقون، والتغابن
السؤال الأول: استخلص المسائل ولخّصأقوال المفسّرين في تفسير قوله تعالى:
)هو الّذي بعث فيالأمّيّين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإنكانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ (2)) الجمعة.
المسائل التفسيرية/
- معنى الأميّ:
الأُمِّيُّ في الأصْلِالذي لا يَكتُبُ ولا يَقرأُ المكتوبَ. ش
- المراد بالأميين:
وردت أقوال للمفسرين [ابن كثير، السعدي، الأشقر] في المراد بالأميين وهي أقوال متقاربة حاصلها أنهم: العرب الذينَ لا كتابَ عندَهم، ولا أثَرَ رِسالةٍ، ممن يحسن الكتابة أو لا يحسنها وكان الغالب لا يحسن ذلك، أو غيرهم مِمَّن لَيسوا مِن أهلِ الكتابِ.كما قال تعالى:{وقل للّذينأوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليكالبلاغ واللّه بصيرٌ}
- تخصيص الأميين بالذكر:
لأن المنّة عليهم أبلغ وآكد، كما في قوله: {وإنّه لذكرٌ لك ولقومك}[الزّخرف: 44]وهو ذكرٌ لغيرهم يتذكّرون به. وكذا قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين} ك
- الدخول الأولي في الآية والدخول العام:
الدخول الأولي للآية هو الأميين ولكن تخصيص الأمّيّين بالذّكر لا ينفي من عداهم بل هم داخلون في عمومها، قال تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} [الأعراف: 158]وقوله: {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19]وقوله إخبارًا عن القرآن: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده} [هودٍ: 17]، إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على عموم بعثته صلوات اللّه وسلامه عليه إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم.
- مرجع الضمير في قوله {منهم}:
أي من الأميين وذكر ابن كثير أنهم من أهل مكة
- أسباب بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكونه منهم:
1. تصديق إجابة اللّه لخليله إبراهيم، حين دعا لأهل مكّة أن يبعث اللّه فيهم رسولًا منهم.
2. لاشتداد الحاجة لذلك، لما حصل من التبديل والتغيير والمخالفة واستبدال التّوحيد بالشرك واليقين بالشك، فبَعَثَ اللَّهُ فيهم رَسولاً مِنهم يَعْرِفونَ نَسَبَه وأَوصافَه الجميلةَوصِدْقَه، وأَنْزَلَ عليهِ كتابَه. ك س
- مقصد الآية:
امتنان اللَّهُ تعالى على العباد بأعظَمَ مِنَّة وهي إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وشكره عليها ك
- معنى ضلال مبين:
في شرْكٍ وذَهابٍ عن الحقِّ، وعبادة للأصنامِ والأشجارِ والأحْجارِ، وغايةِ جهلٍ بعُلومِالأنبياءِ. ك س ش
- تضمن الآية لصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم:
أنه رسول من الأميين، ومع كونِه كذلك أُمِّيًّا لا يَقرأُ ولا يَكتبُ، ولا تَعلَّمَ ذلك مِنأحَدٍ إلا أنه أتى بكتاب حق وهو القرآنَ؛ ذكر هذا المعنى ك س ش
- المراد بالآيات في قوله: {آياته}:
يَعنِي القرآنَ. ش
- معنى آية:
هي العلامة القاطعةَ الموجِبَةَ للإيمانِ واليَقِينِ. س
- المراد بتزكية الرسول للأمة:
1- يُطَهِّرُهم مِن دَنَسِ الكفْرِ والذنوبِ وسَيِّئِ الأخلاقِ. ك س ش
2- يَجعلُهمأزكياءَ القلوبِ بالإيمانِ. ك ش
ولا منافاة بين القولين حيث أنه لو زكت قلوبهم لزكت أفعالهم وأن زكاة الأفعال من زكاة القلوب
- المراد بعلم الكتاب: ش
1- الكتابُ القرآنُ
2- الكتابُ الخطُّ بالقلَمِ، مالِكُ بنُ أنَسٍ.
- المراد بالحكمة:ش
1- الحكمةُ السنَّةُ،
2- الحكمَةُالفقْهُ في الدِّينِ مالِكُ بنُ أنَسٍ.
- متعلق التعليم والتزكية:
بعدَ هذا التعليمِ والتَّزْكيةِ كانوا مِن أعْلَمِ الخَلْقِ، بل كانوا أئمَّةَأهلِ العلْمِ والدِّينِ، وأكمَلَ الخَلْقِ أخلاقاً وأَحسنَهم هَدْياًوسَمْتا، فاهتدوابأنْفُسِهم، وهدوا غيرَهم، فصارُوا أئمَّةَ المُهتدِينَ وقَادةَ الْمُتَّقِينَ. س
السؤال الثاني:
ما المراد بالسعي للصلاة في يوم الجمعة؟
- هو المُبادَرَةُ إليها، والاهتمامُ لها، والمشي إليها، والاشتغال بأسبابها،وجعْلُها أهَمَّ الأشغالِ، والسعي لها بالقلب والعمل لا بالمشي السّريع فإن ذلك منهي عنه.
الأدلة/
1- قوله تعالى:{ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهومؤمنٌ}[الإسراء: 19]
2- قراءة عمر بن الخطّاب وابن مسعودٍرضي اللّه عنهما لهذه الآية فكانا يقرآنها: "فامضوا إلى ذكر اللّه".
3- عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليهوسلّم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصّلاة، وعليكم السّكينة والوقار، ولاتسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا". لفظه للبخاريّ
4- عن أبي قتادةقال: بينما نحن نصلي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذ سمع جلبة رجالٍ، فلمّاصلّى قال: "ما شأنكم؟ ". قالوا: استعجلنا إلى الصّلاة. قال: "فلا تفعلوا، إذا أتيتمالصّلاة فامشوا وعليكم بالسّكينة فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتمّوا". أخرجاه
5- عن أبيهريرة، رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصّلاةفلا تأتوها تسعون، ولكن ائتوها تمشون، وعليكم السّكينة والوقار، فما أدركتم فصلّوا،وما فاتكم فأتمّوا".رواه عبد الرّزّاق،ورواه التّرمذيّ، من حديث عبد الرّزّاق كذلك وأخرجه من طريقيزيد بن زريع، عن معمرٌ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، بمثله
6- قوله تعالى: {فلمّا بلغ معه السّعي}[الصّافّات: 102]أي: المشي معه. وهذا منتأولقتادة
اذكر مرجع اسم الإشارة في قوله تعالى: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)) الجمعة.
ترجع للفضل العظيم وهو بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي فضل للأمة جميعًا، ونعمة نبوته صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل النعم.
ما المراد بيوم التغابن؟ ولم سمّي بذلك؟
يوم القيامة. قول ابن عبّاسٍ
سمي بذلك/
أصل الغبن: يُقالُ: غَبَنْتُ فُلاناً. إذابايَعْتَه أو شارَيْتَه فكانَ النقْصُ عليه،
سبب التسمية: لأن في أرض المحشر يَظْهَرُ التغابُنُ والتفاوُتُ بينَ الخلائق، فيَغْبِنُ المُؤمنونَالفاسقِينَ،(أهل الجنّة يغبنون أهلالنّار) ،فيدخلهؤلاء إلى الجنّة، ويذهب بأولئك إلى النّار فكأنَّ أهلَ النارِ استَبْدَلُوا الخيرَ بالشرِّ، والجيِّدَ بالرديءِ والنعيمَبالعذابِ، وأهْلَ الجنةِ على العكْسِ مِن ذلك، قول قتادة ومجاهدٌ.فيَعْرِفُ المُجْرِمونَ أنَّهم على غيرِ شيءٍ، وأنَّهم همالخَاسِرونَ، ولا غَبْنَ أعظَمُ مِن غَبْنِ أهلِ الجنَّةِ أهلَ النارِ فالْمَغبونُ مَن غُبِنَ أهلَهومَنازِلَه في الجنَّةِ.
السؤال الثالث: استدل لما يلي وبيّن وجه الاستدلال:-
أ: عموم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً}
الأميين هم العرب وتخصيص الأمّيّين بالذّكر لا ينفي من عداهم، ولكنّ المنّة عليهم أبلغ وآكد، وكذا قوله: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا}[الأعراف: 158]
ب: وجوب العمل بالعلم.
{مثل الّذين حمّلوا التّوراة ثمّ لم يحملوها كمثل الحماريحمل أسفارًا بئس مثل القوم الّذين كذّبوا بآيات اللّه واللّه لا يهدي القومالظّالمين}(5)
ذم الله اليهود لحملهم للعلم مع بعدهم عن العمل به بل كانوا أشد من ذلك إذ أنهم كانوا يحرفون العلم، وشبههم بالحمار الذي يحمل الكتب ولا يعقل منها شيء بل هم أسوء منه لأن الحمار لا عقل له يستبصر به وهؤلاء لهم عقول ليستبصروا بها ولم ينتفعوا، فذم الله لهم دليل على وجوب اقتران العلم بالعمل.
ج: بطلان ادعاء اليهود أنهم أولياء لله من دون الناس.
{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُلِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌبِالظَّالِمِينَ}(7)
تحداهم الله بتمني الموت ليتبين صدقهم في دعواهم ولَمَّا لم يَقَعْ مِنهم تمني ذلك، عُلِمَ أنَّهم عالِمونَ ببُطلانِما هم عليهِ وفَسادِه.
د: خطر المنافقين.
- {اتّخذوا أيمانهم جنّةً فصدّوا عن سبيل اللّه} صدوا غيرهم عن أعمال الخير لما يصنعونه من التشكيك والقدح في النبوة. كقولهم: {هُمُالَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىيَنْفَضُّوا (7)
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَىالْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ (8) }وغير ذلك
- {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}هم خطرٌ؛ لأنهم عيون لأعدائك من الكفار.
السؤال الرابع: اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من دراستك لتفسير قوله تعالى:-
أ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)} التغابن.
1- الصبر والاحتساب والاستسلام لقضاء اللّه عند نزول المصيبة فإن ذلك يورث القلب اليقين ويرزق العبد الثبات هذا مع ما يدخر له في الآخرة من الأجر والثواب العظيم -من منطوق الآية-
2- الابتعاد عن الهلع والجزع عند المصائب وكل حال لأن من تمثل ذلك فإن الله يخذله، ويكله إلى نفسه، ومن وكل إلى نفسه ضاع. -من المفهوم المخالف للآية11-
3- امتثال طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر واجتناب النواهي، وتحقيق الواجب، فإن الحجة قد قامت، والله أرسل، والرسول بلغ، ولم يبقى علينا سوى الاتباع لنحظى بخير الدنيا والآخرة. -من المفهوم الموافق للآية 12-
4- الدعوة إلى الله والصبر على الأذى، ولن يضر الداعي ما يناله من صد المدعوين ومعصيتهم بل ذلك يبوء به صاحبه والداعي إنما أمر بالبلاغ {فإنما على رسولنا البلاغ المبين} الأمر لرسوله أمر لأمته.
5- الصدق في توكل العبد على الله؛ ظاهرا وباطنا، فإن صدق التوكل من إيمان المرء وحسن ظنه بربه وتحقيق وحدانيته لله. -من مفهوم الآية13-