حرر القول في واحدة من المسائل التالية:
2: الوقف والابتداء في قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}.
هذه المسألة تفسيرية ؛ لغوية لها ؛ و علاقة بعلوم القران –الوقف والابتداء –المحكم المتشابه-؛ عقدية مسألة التأويل؛ وبالقراءات
أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنّة
-سنن سعيد بن منصور .(ت227)
- الجامع في علوم القرآن لعبد الله بن وهب المصري ت ( 197 )
-- صحيح البخاري ت (256)
المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث :
- تفسير السيوطي ،جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت911هـ)
المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة
- تفسير عبدالرزاق (211)
- جامع البيان أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ( 310هـ)
- تفسير القرآن العظيم ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (327هـ)
- معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (516هـ).
المرتبة الرابعة: التفاسير المسندة التي طُبع شيء منها :
-تفسير ابن المنذر . (ت:319)
المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة :
---تفسير ابن وهب(197)
- تفسير مجاهد بن جبر،من رواية عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (352هـ)
المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير
- المحرر الوجيز لابن عطية(542هـ).
- النكت والعيون للماوري(450هـ).
- زاد المسير لابن الجوزي (597هـ).
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(671هـ).
- تفسير ابن كثير لإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (774 هـ)
المرتبة الثامنة: شروح الأحاديث :
- فتح الباري لابن حجر: ت ( 852ه)
- عمدة القاري لمحمود بن أحمد بن موسى العيني ت :( 855)
- إرشاد الساري لأحمد بن محمد القسطلاني ت ( 923)
-شرح مشكل الآثار للطحاوي (321)
-
كتب أحكام القران
- أحكام القران لأبي بكر الجصاص (370)
- أحكام القران بالكيا الهراسي (504)
ومن المصادر اللغوية :
من المرتبة الأولى كتب معاني القران:
- معاني للقران للفراء (207)
- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة الدينوري ت :( 276)
- معاني القرآن أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (338هـ)
-المرتبة الثانية كتب غريب القران
- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة (276)
- مفردات غريب القران الأصبهاني (502)
ومن المرتبة الثالثة :
- الأضداد ، لمحمد بن القاسم بن بشار الأنباري (328)
المرتبة الرابعة: التفاسير التي يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية،
مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام (728هـ)
- وما جمع من تفسير ابن القيّم رحمه الله. (751هـ)
أضواء البيان للشنقيطي (1393ه)
- والتحرير والتنوير لابن عاشور. (1393ه)
المرتبة الخامسة كتب خاصة بالمسألة
-فهم القران للمحاسبي (243)
-تأويل مشكل القران ابن قتيبة (276)
-القطع والائتناف أبو جعفر النحاس (338)
- إعراب القران للنحاس ( 338 )
-الانتصار للقرآن للباقلاني (403)
-المكتفى في الوقف والابتداء أبو عمرو الداني (444هـ)
- إبطال التأويلات لأخبار الصفات القاضي أبو يعلى (ات: 458هـ)
-إعراب القران للأصبهانى (535 هـ)
-التبيان في إعراب القران العكبري (616هـ)
-البرهان في علوم القرآن الزركشي (المتوفى: 794هـ)
-معترك الأقران في إعجاز القرآن، السيوطى (911)
-منار الهدىفي بيان الوقف والابتداء الأشموني (ت 1100هـ)
-مباحث في علوم القرآن مناع بن خليل القطان (1420هـ)
-مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر د مساعد الطيار
-القرآن ونقض مطاعن الرهبان د صلاح عبد الفتاح الخالدي
-التفسير والتأويل في القرآن صلاح عبد الفتاح الخالدي (معاصر)
-محاضرات في علوم القرآن أبو عبد الله غانم بن قدوري
**************
ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
لأهل العلم قولان في هذه المسألة
الأول : الوقف على لفظ الجلالة ( إلا الله ) ، ثم الابتداء بما بعده .
الثاني : وصل قوله تعالى ( والراسخون في العلم ) بلفظ الجلالة .
عرض الأقوال:
القول الأول : الوقف على لفظ الجلالة ( وما يعلم تأويله إلا الله )؛ وهو وقف تام ، ثم الابتداء بما بعده ( والراسخون في العلم يقولون آمنّا به ..) .
ومِمَّنْ قالَ به منَ السَّلفِ: عَائِشَةُ بنت الصِّديقِ) (58)،وابن عباس(68) ؛ وعُرْوَةُ بُنُ الزُّبَيرِ (:94)، وأبي الشّعثاء، وأبي نهيك؛وعُمَرُ بُنُ عَبْدِ العَزِيزِ (:101)، ومَالِكُ بُنُ أَنَسٍ (ت:179) وغيرُهم.
وقال به من اللُّغويِّين: عليُّ بن حمزة الكِسَائِيُّ (ت:183) ، وأبو زكريَّا الفَرَّاءُ (ت:207) ، والأخْفشُ (ت:215) ، وأبو عُبَيدٍ القاسم بن سلام(ت:224) ، وأبو حَاتِم السجستانيُّ (ت:255) ، وأبو إسحاق الزَّجَّاجُ (ت:311) ، وأبو بكر بن الأنباريِّ (ت:328) ، وغيرُهم.وهو اختيار ابن جريرو الشنقيطي
وهو مذهب الأكثرون من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم خصوصاً أهل السنة كما قال السيوطي
و قال السيوطى :وهو أصح الروايات عن ابن عباس.
قال ابن السمعاني: لم يذهب إلى القول الأخر إلا شرذمة قليلة.
تخريج القول الأول :
-أما قول عائشة فأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق نافعٍ بن عمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة، عنها .
- قال ابن جرير :حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا خالد بن نزارٍ، عن نافعٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قوله: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به} قالت: كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه، ولم يعلموا تأويله ) .
وقال ابن المنذر حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عنها
قال ابن أبي حاتم حَدَّثَنَا أَبِي ثنا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، ثنا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عنها
• أما قول ابن عباس فأخرجه عبد الرزاق من طريق معمر عن ابن طاووس عن أبيه عنه ، ورواه ابن جرير عنه . عن الحسن بن يحيى
حدث عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه} يقول الرّاسخون في العلم: آمنّا به.
• و أمّا قول عروة فأخرجه ابن وهب عن ابن أبي الزناد، عن هشام ، عنه ، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن وهب بسنده .
- قال ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن أبي الزّناد، قال: قال هشام بن عروة:.....و كان أبي يقول في هذه الآية {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم} أنّ الرّاسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنّهم يقولون: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا}.
•و أما قول أبي نهيك الأسدي فأخرجه ابن جرير من طريق يحيى بن واضح عن عبيد الله عنه .
- قال ابن جرير : حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن أبي نهيكٍ الأسديّ، قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم} فيقول: إنّكم تصلون هذه الآية وإنّها مقطوعةٌ {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} فانتهى علمهم إلى قولهم الّذي قالوا.
• و أما قول أبي الشعثاء فأخرجه ابن أبي حاتم منطريق أبي تميلة عن أبي منيب عنه
.
قال ابن أبي حاتم: حدّثنا عبد اللّه بن سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو تميلة، أنبأ أبو منيبٍ، عن أبي الشّعثاء وأبي نهيكٍ في قوله: وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم قال:
إنّكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعةٌ ثمّ يقرأ: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كل من عند ربّنا فأثنى عليهم إلى قوله الّذين قالوا وما يعلم تأويله إلا اللّه ثمّ قال: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به
- أما قول عمر ابن العزيز فأخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق عن عمرو بن عثمان عنه
قال ابن جرير حدثنا المثنى ، قال : حدثنا ابن دكين ، قال : حدثنا عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : { الرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ } انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا : { آمَنّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا } .
- وقال ابن المنذر :حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد العزيز، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو نعيم، قَالَ: حَدَّثَنَا عمرو بْن عثمان،عنه
-أما قول مالك فقد أخرجه ابن جرير من طريق يونس عن أشهب عنه.
قال ابن جرير : حدثني يونس قال : أخبرنا أشهب ، عن مالك في قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } قال : ثم ابتدأ فقال : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } وليس يعلمون تأويله .
- وروى قوله أيضا ابن القاسم ذكره ابن رشد في البيان والتحصيل
قال ابن رشد : قال ابن القاسم : وسألته-يعني مالكا- عن تفسير قول الله عز وجل : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } أيعلم تأويله الراسخون في العلم ؟ قال : لا ، إنما تفسير ذلك أن الله عز وجل قال : { وما يعلم تأويله إلا الله } ثم أخبر فقال : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } ليس يعلمون تأويله . والآية التي بعدها أشد عندي قوله : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } .
-أما قول أبي عبيد القاسم بن سلام فقد أخرجه ابن المنذر
قال ابن المنذر: حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد العزيز، عَنْ أبي عبيد، قَالَ: " قَدْ خولف مجاهد فِي هَذَا التفسير، يعني: أن الراسخين فِي العلم يعلمون تأويله " قَالَ أبو عبيد: وإنما المعروف فِيهِ أن الْكَلام انقطع عِنْد قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ} ، ثُمَّ ابتدأ، فَقَالَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} ، فوصفهم بالإيمان، ولم يصفهم بالعلم بالتأويل
الحجج والأقوال :
وكانت حجج القوم على ما صحة ذهبوا إليه من أوجه:
1-جهة دلالة الآية
-المتشابهات فيها لَبْساً وإِشكالاً، ومَعْناها غيرُ واضحٍ وُضوحَ معنى المحكَمات فأنى يكون لهم العلم به..قَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي من أَيْن يعلمُونَ تَأْوِيله وَإِنَّمَا انْتهى علم الراسخين إِلَى أَن قَالُوا {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا}.
-
-هذه الآية جاءت على وزان ما جاءت به كثير من آيات الذكر الحكيم في مدح الذين يؤمنون بالغيب كما قال {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالغيب}..فلو كانت الواو للعطف لم يكن هناك غيب يؤمنون به ويمدحون عليه
- اللَّهَ سبحانه وتعالى قَالَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}. أي صدقنا به ؛ ولم يقل أنهم يقولوا علمنا به. فلم يقتضى العطف المشاركة في العلم .فأنى يكونوا لهم العلم..
-الآيات جاءت في سياق ذم مبتغي التأويل؛ فلو كان ذلك للراسخين في العلم معلوما لكان مبتغيه ممدوحا لا مذموما
- معنى التأويل هو ما تؤول إليه حقيقة الأمور
2-ترتب لوازم فاسدة بالقول بأن الواو في قوله "والراسخون " للعطف:
-يقتضي مشاركة الراسخين الله عزوجل في العلم..وعلم الله لا يشاركه أحد ؛ فهذا من المحال .فاحتاج الكلام إلى إضمار و الإضمار ترك الحقيقة..ولاقتضى ذلك إضافة قول "أمنا به " إِلَى اللَّهِ، وَلَا يجوز إِضافة ذَا القَوْل إِلَى الله تَعَالَى.
-يلزم منه أنه لا يكون في القران متشابه ، ، وَكَانَ جَمِيعه محكما، وَقد أخبر اللَّه تَعَالَى: أَن فِيهِ محكما، وَفِيه متشابها.
- لزم أن يكون قَوْلُهُ: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} مُبْتَدَأً، وَلا يَصِحُّ الابْتِدَاءُ بِهِ لأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ، وَإِذَا كَانَتِ الْوَاوُ لِلاسْتِئْنَافِ حَصَلَ الْمُبْتَدَأُ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} فَيَكُونُ كَلامًا مُفِيدًا لأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا قَبْلَهُ
-لزم منه أن قوله تعالى " كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا" لا فائدة فيه .
3-جهة القراءات
وعضدوا قولهم هذا بما ورد من قراءات في الآية
1-- قراءة عبد الله ابن مسعود فقد كان يقرأ رضي الله عنه " إنْ تأويله إلا عند الله ، والراسخون في العلم يقولون
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش، قال في قراءة ابن مسعود: وإنْ تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به. ذكر ذلك السيوطي في معترك الأقران ورجعت غلى كتاب المصاحف فلم أجده بهذا اللفظ....بل قال ابن أبي داود فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (الْحَيُّ الْقَيَّامُ) ، (وَإِنْ حَقِيقَةُ تَأْوِيلِهِ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ. وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ)
2 - قراءة أبىّ وابن عباس رضي الله عنهما فقد قرءا " ويقول الراسخون "
حدث عبد الرزاق الصنعاني قال نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : كان ابن عباس يقرؤها : [ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به ]
وهذه القراءة وإن لم تثبتْ بها القراءة فأقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن، فيقدم كلامه في ذلك على مَنْ دونه.
و رد أن هذه القراءات مخالفة للرسم المصحف وإن صحّت فليس فيها حجة لمن قال الراسخون في العلم ويقول الراسخون في العلم آمنا بالله. فأظهر ضمير الراسخين ليبيّن المعنى كما أنشد سيبويه: [الخفيف]
-لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا .
-4 جهة الآثار والحديث المروية
- ومما تمسكوا به حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 293)
قال حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا ثَلَاثَ خِلَالٍ: أَنْ يُكْثَرَ لَهُمْ مِنَ الْمَالِ فَيَتَحَاسَدُوا فَيَقْتَتِلُوا، وَأَنْ يُفْتَحَ لَهُمُ الْكُتُبُ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنُ يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ، وَلَيْسَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبَّنَا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ، وَأَنْ يَرَوْا ذَا عِلْمِهِمْ فَيُضَيِّعُوهُ وَلَا يُبَالُونَ عَلَيْهِ "
- و بما رَوَاهُ ابْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ: حَلالٌ وَحَرَامٌ لا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِالْجَهَالَةِ بِهِ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعَرَبُ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ، وَمُتَشَابِهٌ لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ، مَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ كَاذِبٌ "
وقد روي هذا الأثر موقوفا على ابن عباس قال: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ حَلَالٍ وحرام ووجه لا يسع أحد جَهَالَتُهُ وَوَجْهٍ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَوَجْهٌ تَأْوِيلٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ"
-وبما روى أَبُو هُرَيْرَةَ وعبد الله بن عمرو، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يحمل هَذَا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " فوجه الدلالة أنه منع التأويل فِي ذَلِكَ.
-وأيضا بما أخرجه ابن مَرْدَويه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به.
-وبما أخرج الحاكم، عن ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحِلّوا حلاله وحرِّموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نُهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: (آمنّا به كلّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) .
5- واستدلوا أيضا بجملة من آثار تدل أن السلف من الصحابة توقفوا في تفسير بعض الآيات القران وأوكلوا علمها إلى الله
-ما روي عن أبي بكر الصديق أنه قال لما سئل عن الأب :أي سماء تضلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم
- وَقَالَ حميد، عن أنس: تلى عمر عَلَى المنبر: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقال: هَذِهِ الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع عَلَى نفسه فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هَذَا لهو التكلف.
-وروي عن ابن عباس أنه قال لا أدري ما الأواه [التوبة: 114] وما غِسْلِينٍ [الحاقة: 36].
- وعن ابن أَبِي مليكة قَالَ: دخلت عَلَى ابن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان، فقال له عبد الله: يا أَبَا العباس {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} أي يوم هَذَا؟ فقال ابن عباس: من أنت؟ فانتسب له فلما عرفه قَالَ: مرحبا بك، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} أي يوم هَذَا؟ قَالَ: أنا سألتك يا ابن العباس لتخبرني؟ قَالَ: أيام سماها الله، عَزَّ وَجَلَّ، هو أعلم بها كيف تكون، أكره أن أقول فِي كتاب الله، عَزَّ وَجَلَّ، بما لا أعلم.
-وأخرج الدارمي في مسنده، عن سليمان بن يسار - أن رجلا يقال له صَبِيغ قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر - وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت، قال: أنا عبد الله صبيغ، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه حتى أدمى رأسه.
وفي رواية عنده: فضربه بالجريد حتى ترك ظهره دَبِراً، ثم تركه حتى برأ، فدعا به ليعود، فقال: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، فأذن له إلى أرضه. وكتب إلى أبي موسى الأشعري ألا يجالسه أحد من المسلمين
- وأخرج الدارمي، عن عمر بن الخطاب - أنه قال: إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله
فهذه الآثار تدل على أن المتشابه مما لا يعلمه إلا الله، وأن الخوض فيه مذموم
-قالوا أن التـأويل في الآية معناه ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره المغيَّبة، وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى، فلا يعلم متى وقوعها ولا كيفية وقوعها إلا هو سبحانه، ومن ادَّعى علمها فقد كذب على الله.
-
6- جهة النحو وقواعد اللغة
- جملة "يقولون" في محل نصب حال على القول بأن الواو عاطفة وهذا الإعراب مشكل من جهات
-:
1- أَنَّهَا حَالٌ مِنَ الْمَعْطُوفِ وَهُوَ الرَّاسِخُونَ، دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ. وَالْمَعْرُوفُ إِتْيَانُ الْحَالِ مِنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَعًا كَقَوْلِكِ: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو رَاكِبَيْنِ.
2- المعروف من قواعد اللغة أن الحال قيد لعاملها ووصف لصحابها.. فيشكل تقييد العامل "يعلم" بهذه الحال " يقولونا أمنا" ..لأن مفهومه أنهم حال عدم قولهم أمنا به لا يعلمون تأويله وهذا باطل.فهذا دليل قوي على منع الحالية في جملة يقولون على القول بالعطف.
7- الرد على المعترض
-ولا مجال للمعترض أن يقول أن قولكم هذا يلزم منه أننا كلفنا بالإيمان بما نحيط علما بحقيقته ؛فيقال أنه غير ممتنع صحة الإيمان بما لا نعلم حقيقته وقد أمرنا أَنْ نُؤْمِنَ بِمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَبِالْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَبِالنَّارِ وَأَلِيمِ عَذَابِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّا لا نُحِيطُ عِلْمًا بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى التَّفْصِيلِ..
ومما اعترض عليه. أنه لا فائدة في خطاب لا يعلم تأويله ..ويستحيل أن يكون في القران ما لا فائدة فيه قيل بل فيه فائدة وهو اختبارالعبد بالإيمان به؛ ليؤمن به المؤمن فيسعد ؛ ويكفر به الكافر فيشقى..ثم يقال لَئِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا لا يُفِيدُ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَمْرَنَا بِالإِيمَانِ بِمَلائِكَتِه وَرُسُلِهِ وَنَعِيمِ الْجَنَّةِ لا يُفِيدُ لأَنَّا لا نَعْلَمُهُ ولا قائل به
. وقيل أن الله تعبد عباده من كتابه بما لا يعلمون وهو المتشابه كما تعبدهم من دينه بما لا يعقلون وهو التعبدات
-ومما يرد به على القول الأخر استدلالهم بقول مجاهد قالوا..والحديثان اللَّذان احتجَّ بهما أَصحابُ القول الأخر لا يصحَّحان، لأَنَّ ابن أَبي نَجيح هو الرَّاوي لهما عن مجاهد. وقد قال ابن عُيينة: لم يسمع ابن أَبي نَجيح التفسيرَ
عن مُجاهد، والآثار كلّها تُبْطِلها.
توجيه القول
هذا القول مبني على أمور:
- الواو في "والراسخون" للاستئناف؛ "والراسخون" رفع بالابتداء و "يقولون" في موضع رفع خبر
- معنى التشابه و التأويل ؛ فالمتشابه معناه ما لا يعلم ويعرف معناه
-التأويل معناه ما تؤول إليه حقيقة الأمر
- جوزا أن يتعبدنا الله بالإيمان بما لا يعرف معناه اختبارا و وابتلاء
القول الثاني:
وصل قوله تعالى ( والراسخون في العلم ) بلفظ الجلالة .. الواو عاطفة ؛عطف الراسخون في العلم على لفظ الجلالة الله..والمعنى وما يعلم تأويله إلى الله والراسخون في العلم..اشترك الراسخون في العلم مع الله عزوجل في معرفة تأويل المتشابه
وقال به من السَّلفِ: ابنُ عَبَّاسٍ (ت:68) ، ومجاهد (ت:104) ، والرَّبيعُ بن أنس البكريُّ (ت:139). وقتادة(117)
ومن اللُّغويِّين: ابنُ قتيبة (ت:276) ، وعليُّ بنُ سليمانَ الأخفشُ (ت:315) ، وغيرهم.
والنحاس(338)..و وابو البقاء العكبري (616ه)؛ وهو اختيار الطاهر ابن عاشور
والفراء وأبي عبيدة وأبي حاتم كما ذكر ذلك أبو جعفر النحاس ولم أجد فيما وصلت من كلامهم ما يدل عليه.
******
تخريج الأقوال
•فأما قول ابن عباس (68) فرواه ابن جرير وابن المنذر و عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني من طريق ابن نجيح عن مجاهد عنه .
قال ابن جرير : حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: أنا ممّن يعلم تأويله.
قال ابن المنذر : حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِه
•وأما قول مجاهد(104) فرواه ابن جرير وعبد الرحمان من طريق ابن أبي نجيح عنه .
ورواه .وابن المنذر وأبي القاسم بن سلام في فضائل القران عبيد من طريق أبي جريج عنه
و رواه عبد بن حميد كما ذكر السيوطى
- قال ابن جرير : حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، والرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.
قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: نا آدَمُ، قَالَ: نا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قَالَ: " يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ , وَ {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] "
قال ابن المنذر حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد العزيز، عَنْ أبي عبيد، قَالَ: حَدَّثَنَا حجاج، عَنْ ابْن جريج، عَنه
وقال أبو عبيد قال حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] قَالَ: «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ» . وَفِي غَيْرِ قَوْلِ مُجَاهِدٍ قَالَ: انْتَهَى عِلْمُهُمْ إِلَى أَنْ قَالُوا {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]
قال السيوطي : أخرج عبيد بن حميد عن مجاهد في قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) - قال: يعلمون تأويله ... ويقولون آمنّا له
•وأما قول الضحاك(105) فأخرجه ابن أبي حاتم من طريق حم بن نوح عن أبي معاذ عن أبي مصلح عنه
.
قال ابن أبي حاتم
حدّثنا عبد اللّه بن سليمان الأشعث، ثنا حم بن نوحٍ، ثنا أبو معاذٍ، ثنا أبو مصلحٍ، عن الضّحّاك: وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم .
- أما قول قتادة(117)فأخرجه ابن أبي حاتم من طريق شيبان عنه وابن المنذر
قال ابن أبي حاتم خرجه ابن ابي
أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الطُّوسِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ قَالَ: آمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَعَمِلُوا بِمُحْكَمِهِ، فَأَحَلُّوا حَلالَهُ وَحَرَّمُوا حَرَامَهُ.
-قال ابن المنذر أَخْبَرَنَا محمد بْن عَبْد اللهِ بْن عَبْد الحكم، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن وهب ....وَقَالَ قتادة " الراسخون فِي العلم، قَالُوا: كُلّ من عِنْد ربنا آمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمة
•وأما قول محمد بن جعفر بن الزبير 110-120 ، فرواه ابن جرير من طريق ابن حميدٍ، عن سلمة، عن ابن إسحاق عنه .
قال ابن جرير حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } الذي أراد ما أراد إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به . فكيف يختلف وهو قولٌ واحدٌ من رب واحد ؟ ثم ردوا تأويل المتشابهة على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد ، فاتسق بقولهم الكتاب ، وصدّق بعضه بعضا ، فنفذت به الحجة ، وظهر به العذر ، وزاح به الباطل ، ودمغ به الكفر
•وأما قول الربيع(139) فرواه ابن جرير من طريق ابن أبي جعفر عن أبيه عنه .
- قال ابن جرير : حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {والرّاسخون في العلم} يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.
الحجج والأقوال
-قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ لم ينزل الله آيَة إِلَّا وَهُوَ يحب أَن تعلم فِي مَاذَا نزلت وَمَا عني بهَا.
-قَالَ الرَّاغِبُ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ وَذَهَبَ عَامَّةُ الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ كُلَّ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى إِبْطَالِ فَائِدَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَحَمَلُوا قَوْلَهُ: {وَالرَّاسِخُونَ} بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا اللَّهُ} وَقَوْلُهُ: {يَقُولُونَ} جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ
قال الطاهر ابن عاشور:.. فَقَوْلُهُ: وَالرَّاسِخُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ، وَفِي هَذَا الْعَطْفِ تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ: كَقَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ ."
-المتشابه ليس يستحيل معرفته على العلماء وليس مما استأثر الله بالعلم به.بل المراد بالمتشابهات هو ما خفيت دلالته و احتاج لمعرفة المراد منه مزيد بحث و نظر و استدلال بخلاف المحكم فهو الذي اتضحت دلالته.
- الآيات المتشابهة ليستْ بوضوحِ الآياتِ المحكَمات، ولَنْ يُعْرَفَ معناها بدقَّةٍ وإِتْقانٍ إِلّا بَحَمْلها على أُصولِها من الآياتِ المحْكَمات، وهذا ممكنٌ يتمُّ على أَيْدي الراسخين في العلم.
--التأويل في الآية معناه التفسير. وعليه جاز عطف الراسخين في العلم على لفظ الجلالة "الله " لأن الراسخين في العلم يعلمون تفسيره فجاز وصل لفظ الجلالة بما بعده والوقف على لفظ (العلم).
-الرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ، لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ لَمْ يَعْلَمُوا نَاسِخَهُ مِنْ مَنْسُوخِهِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا حَلالَهُ مِنْ حَرَامِهِ، وَلا مُحْكَمَهُ مِنْ مُتَشَابِهِهِ.
-- إذا لم يدخل الراسخون مع الله فِي العلم لم يكن لهم فضل عَلَى من لم يرسخ فِي العلم، لأن كل المسلمين يقولون آمنا به..فبأي شيء يكون لهم الرسوخ في العلم..وقد مدحهم الله بالرسوخ في العلم
وقد رد أن فضيلتهم تحصل بمعرفتهم الأحكام المحكمات مالا يعرفه غيرهم، وقد قيل: إن فضيلتهم تحصل بإيمانهم بالغيب عَلَى من لم يؤمن به.
-أنه يلزم على القول بأنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم تأويله..وهذا لا قائل به..وإذا جاز أن يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم مع قول الله تعالى:" وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ" جاز أن يعرفه الرّبّانيون من صحابته. والمفسرون من أمته
-قد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس فقال: «اللهم علّمه التأويل، وفقّهه في الدين»..أي علمه معاني كتابك .
وكان عمر إذا وقع مشكل في كتاب الله يستدعيه ويقول له : غص غوّاص .
- وروى عبد الرّزّاق ، عن إسرائيل»، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: كلّ القرآن أعلم إلا أربعا: غسلين، وحنانا، والأوّاه، والرّقيم..ففيه دلالة أن من الصحابة من يعلم التأويل
-ما روي عن ابن عباس أنه كان يقول : أَنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ وَيَقُولُ عِنْدَ قِرَاءَةِ قَوْلِهِ فِي أَصْحَابِ الْكَهْفِ: {ما يعلمهم إلا قليل} أَنَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَلِيلِ
-وقد قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقف عند كل آية وأسأله عن تفسيرها.
فهذه الآثار تبين أن بعض الصحابة كانوا يعلمون جميع معاني القران
- لم نجد آية في كتاب الله توقف فيها أهل العلم من السلف و الخلف و قالوا لا نعلم معناها بل فسروا و تكلموا في جميع آي القران حَتَّى أنهم فَسَّرُوا الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِثْلَ: الم وحم وص وق
- الله أنزل القران بلسان عربي مبين " فكل ما في القران معلوم ومفهوم المعنى ومن ذلك الآيات المتشابهات
ولم يخاطبنا الله في القران بشيء لا نعلم معناه.لهذا كان لزاما على العلماء الراسخين في العلم بيان معاني القران ومن ذلك معنى الآيات المتشابهات وإلا لزم أن يكون في القران شيء غير معلوم المعنى وهذا لا يصح
- أن الله عزوجل قال {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}؛ فيلزم منه أن يكون كل آيات القران بينة واضحة
-الله أمرنا بتدبر القران قال تعالى : " أفلا يتدبروا القران أم على قلوب أقفالها "..ولا يعقل أن يتدبر العبد ما لا يعلم معناه
-قَالَ الله تعالى في ختام هذه الآيات : {وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هُنَا تَذَكُّرًا يَخْتَصُّ بِهِ أُولُو الْأَلْبَابِ فَإِنْ كَانَ مَا ثَمَّ إلَّا الْإِيمَانُ بِأَلْفَاظٍ فَلَا يُذَكِّرُ لِمَا يَدُلُّهُمْ عَلَى مَا أُرِيدَ بِالْمُتَشَابِهِ.
توجيه القول
هذا القول مبني على أمور:
- الواو في "والراسخون" للعطف؛ عطف الراسخون على الله ..و "يقولون" في موضع نصب حال من "الراسخون" .والمعنى وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم قائلين آمنا به .
- المتشابه معناه ما خفي معناه و احتاج لمزيد بحث ونظر و استدلال للوصول إلى معناه.
التأويل معناه التفسير
-لا يوجد في كتاب الله شيء لا يعرف معناه
-
ا لمناقشة
ومما سبق يتبن أن سبب الخلاف في المسألة اختلافهم في معنى المتشابه و في معنى التأويل فترتب على ذلك الاختلاف في معنى الواو في "والراسخون" .
قال الزركشي في كتابه البرهان:..وَتَرَدُّدُ الْوَاوِ فِي {وَالرَّاسِخُونَ} بَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ وَالْعَطْفِ وَمِنْ ثَمَّ ثَارَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ
والذي عليه المحققون من العلم أن المتشابه قسمان:
-1 ما لا يعرف معناه وهو الذي استأثر الله بعلمه ، فلا يعلم تأويله أحد غيره سبحانه جل وعلا ..وهو ما أطلق عليه بالمتشابه الحقيقي وهذا هو مراد أصحاب القول الأول .
2-ما خفيت دلالته ولم تتضح معناه ؛ فاحتيج إلى مزيد نظر و استدلال لمعرفة معناه..وهو الذي أطلق عليه لفظ المتشابه النسبي
قال الراغب " "والمتشابه من القرآن ما أُشْكِلَ تفسيره لمشابهته بغيره، إمَّا من حيث اللفظ أو من حيث المعنى.
وهذا قد يخفى على بعض دون بعض.. فلابد من وقت وفي زمن من الزمان أن يوجد في الأمة من يعرف تأويله حتى تقيم الله به الحجة على الخلق..وهذا هو مراد أصحاب القول الثاني أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل
-كما أن من أسباب الاختلاف اختلافهم في معنى التأويل وقد بين أهل العلم المحققون أن التأويل يطلق على ثلاثة إطلاقات:
الْأَوَّلُ: يطلق على الحقيقة التي يؤول إليها الأمر ؛..فتأويل ما أخبر الله به عن ذاته وصفاته هو حقيقة ذاته المقدسة وما لها من حقائق الصفات، وتأويل ما أخبر الله به عن اليوم الآخر هو نفسه ما يكون في اليوم الآخر..والتأويل بهذا المعنى ورد به القران كقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ }.
.وهذا مما لا يمكن لأحد أن يعلم تأويله لا الراسخين في العلم ولا غيرهم .
الثَّانِي: يُرَادُ بِهِ التفسير والبيان ، وهو أيضا قد ورد بهذا المعنى في كتاب الله قال تعالى "{ {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}...وَمِنْهُ أيضا بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِ عَبَّاسٍ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» .وهذا مما يعلمه الراسخون في العلم
الثَّالِثُ: هُوَ مَعْنَاهُ الْمُتَعَارَفُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ إِلَى مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ...وهذا المعنى لا يدخل معنا في بيان معنى الآية لأنه اصطلاح حادث متأخر قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : وَأَمَّا لَفْظُ التَّأْوِيلِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِ، فَلَمْ يَكُنِ السَّلَفُ يُرِيدُونَ بِلَفْظِ التَّأْوِيلِ هَذَا وَلَا هُوَ مَعْنَى التَّأْوِيلِ فِي كِتَابِ.
.وبعد هذا البيان يمكن التقريب بين القولين والجمع بينهما فيقال:
فالوقف الأول: {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ}، ثم تبتدئ {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}.
مبني على أنَّ المراد بالمتشابه ما استأثر الله بالعلم به و بالتأويل: ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره المغيَّبة، وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى، فلا يعلم متى وقوعها ولا كيفية وقوعها إلا هو سبحانه، ومن ادَّعى علمها فقد كذب على الله.
وأما الوقف الثاني: {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، ثم يجوز الوصل أو الابتداء بجملة {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}.
وهذا الوقف مبني على أن المراد بالمتشابه ما خفيت دلالته و بالتأويل: التفسير، والتفسير يعلمه الراسخون في العلم بخلاف ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره التي لا يعلمها إلا الله، فهم يشتركون في معرفة المعنى، حيث إنه ليس من العلم الذي يختصُّ بالله تعالى.
وعلى هذا لا يجوز أن يقال: إن في القرآن آيات لا يُعرف معناها، بل جميع القرآن معلوم المعنى للعلماء، وهم يتفاوتون في معرفة تلك المعاني.
وكلا المعنيين متغايرين..وليسا متضادين..قال الأشموني :...وبين الوقفين تضادّ ومراقبة. فإن وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر، وقد قال بكل منهما طائفة من المفسرين.اهـ
وهذا الوقف ما يسمى عند أهل لهذا الفن بوقف التعانق ؛ إذا وقف على أحدها امتنع الوقف على الأخر
قال الدكتور مساعد الطيار :"وهما اللذان يصلح أن ينطبق عليهما وقف التعانق."
وقد ذهب إلى الجمع بين القولين جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية قال رحمه الله:..وكلا الْقَوْلَيْنِ حق بِاعْتِبَار فَإِن لفظ التَّأْوِيل يُرَاد بِهِ التَّفْسِير وَمَعْرِفَة مَعَانِيه...وَقد يَعْنِي بالتأويل مَا اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ من كَيْفيَّة مَا أخبر بِهِ عَن نَفسه وَعَن الْيَوْم الآخر وَقت السَّاعَة ونزول عِيسَى وَنَحْو ذَلِك .فَهَذَا التَّأْوِيل لَا يُعلمهُ الا الله" اهـ
والله أعلم