السؤال الأول: (عامّ لجميع الطلاب)
اذكر خمس فوائد سلوكية من دراستك لتفسير سورة العصر، وبيّن وجه دلالة السورة عليها.
1- أغلى ما يملكه الإنسان هو الوقت, فهو رأس ماله الذي بحسب ما يتاجر به يكون جنيه في الآخرة, فيحسن بالعبد استغلاله فيما يحبه الله ويرضاه, واغتنام ما يأتيه من أوقات فراغ فيما يدر عليه نفعا, فلا يعلم العبد متى يأتيه ما يشغله ويلهيه, وهذا من قوله تعالى:"والعصر", فقد أقسم الله بالعصر, الذي هو الدهر الي يقع فيه الليل والنهار, وهو محل أفعال العباد, فدل ٌإقسام الله به على عظيم شأنه, وأهميته, ووجوب الانتباه له وملاحظته.
2- الإنسان وما يملكه من شباب وقوة وصحة ومال, لا بد سائر إلى النقصان والهلاك, فيجدر به أن لا يغتر بشبابه ولا بقوته ولا بماله, وأن لا يدفعه هذا كله إلى الاستكبار على خالقه, ورد ما أمر به ربه, ولا يدفعه ذلك إلى التجبر على عباد الله, واحتقارهم وظلمهم بما لديه من سلطة, ويؤخذ هذا من قوله تعالى:"إن الإنسان لفي خسر".
3- يربي العلم صاحبه, ويدفعه إلى حسن الأخلاق والعمل, ويحميه من سيئها, ويريه مواطن الفتن ليجتنبها, وهذا من قوله تعالى:"إلا الذين آمنوا", فاستثنت الآية من الخسران من آمن, والإيمان لا يكون إلا عن علم, فهذا من العلم الذي نفع صاحبه وأنجاه من الخسران.
4- حاجة الناس إلى الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر, فلا يصلح حالهم إن ذهبت هذه الشعيرة, وهذا لا يكون إلا عن علم, وحق على من تعلم أن ينفع الناس بما علم, وأن يعرفهم بربهم, ويريهم الطريق الموصلة إليه, وهذا من قوله تعالى:"وتواصوا بالحق".
5- جميع ما في هذه الدنيا يحتاج إلى صبر, فالعبد أحوج إلى الصبر منه إلى غيره, فإلتزامه الطريق المستقيم يحتاج منه إلى صبر, واجتنابه طريق المغضوب عليهم والضالين, يحتاج إلى صبر, وما يواجهه من أقدار لا يملك أمامها شيئا, يحتاج منه أيضا إلى صبر, فحري بالعبد أن يفطن لهذا, فيتصبر علىما يلاقيه, ويصبر غيره, ويستعين بربه, حتى يصبح الصبر سجية عنده, وهذا من قوله تعالى:"وتواصوا بالصبر", فلا يكفي أن يعود العبد نفسه على الخير, بل يبين لأخوانه الخير ويدلهم عليه.
المجموعة الثانية:
السؤال الأول: فسّر قول الله تعالى:-
{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)} العاديات.
"إن الإنسان لربه لكنود": أقسم الله تعالى بالخيل ووصف حالها في الجهاد, وأثره في النصر, على جحود الإنسان وكفره, فهو يعدد المصائب وينسى نعم ربه التي أنعم بها عليه, وينسى في حال تنعمه بها أداء حق شكرها, فلا يؤدي حق ربه من الشكر, ولا يؤدي حق الخلق في ما أعطاه الله من اموال, بل يركن إلى الدنيا مضيعا للوقت والمال والحقوق.
"وإنه على ذلك لشهيد"وهو شاهد على حاله هذه, معترفا بها, لا يستطيع إنكارها لوضوح ذلك عليه بلسان الحال ولسان المقال, كما إن ربه مطلع عليه, شاهد على حاله, محاسبا إياه عليها يوم الحساب, وهذا فيه ما فيه من الوعيد والتهديد, كقوله تعالى:"ألم يعلم أن الله يرى".
"وإنه لحب الخير لشديد":وهذا الإنسان الجحود الكفور, تعلق قلبه بالمال تعلقا كبيرا, حتى طغى حبه على ما سواه, ودفعه تعلقه هذا إلى الحرص والخوف عليه, فضيع حقوق ربه وحقوق الخلق, ولم يكترث من أي طريق يأتيه: أمن حلال أو حرام, بل ضيع وقته في تحصيله وتخزينه, كما قال تعالى:"وجمع فأوعى".
"أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور":فتوعده الله بما سيكون من حساب يوم القيامة, حيث تتزلزل الأرض, وتخرج ما فيها من الأموات والمعادن الثمينة, كما قال عليه الصلاة والسلام:"تقيء الأرض أفلاذ كبدها، أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا ", وفي هذا تزهيد للعبد في الدنيا ليلتفت إلى ما يصلح حاله في الدار الآخرة.
"وحصل ما في الصدور": وفي هذا اليوم تظهر ما أخفته نفوس الناس, ويظهر ما أخفوه من اعمال, فينقلب السر علانية, وتظهر على وجوههم أعمالهم من خير وشر, كما قال تعالى:"يوم تبلى السرائر", وهذا لتعد عليهم أعمالهم حتى ما نسوه منها,"أحصاه الله ونسوه", ويكون حسابهم على ما كسبته أيديهم في الدنيا.
"إن ربهم بهم يومئذ لخبير": ولما كان الله تعالى مطلع عليهم, شهيد على أعمالهم, خبير ببواطن نفوسهم, عليم بهم, فهو سبحانه وتعالى من سيتولى حسابهم, فالأحرى بالعبد أن يحسن عمله, ويعمل بما أمره به ربه سبحانه, وينتهي عما نهاه عنه, ويجعل نصب عينيه الدار الآخرة فيعمل لها, حتى ينجو من أهوال يوم النشور.
السؤال الثاني:
حرر القول في المسائل التالية:
1: متعلّق الجار والمجرور في قوله تعالى: {في عمد ممدّدة} الهمزة.
لا بد من تعلق الجار والمجرور بفعل أو بما في معناه, ليبين معناهما والمراد بهما, ومتعلق الجار والمجرور في قوله تعالى:"في عمد ممددة" ورد فيه ثلاثة أقوال, فهو إما:
حال من الضمير المجرور في "عليهم", أي هم كائنين في عمد ممددة موثقين.
أو خبر مبتدأ مضمر, أي هم في عمد, وقال ابن عباس: أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد, في أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب.
أو صفة لمؤصدة, بمعنى إن الأبواب تؤصد وتطبق عليهم, وتمدد على الأبواب العمد لئلا يخرجوا منها, فلا يفتح عليهم باب ولا يدخل روح.
2: المراد بالنعيم في قوله تعالى: {ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم} التكاثر.
جاء في المراد ب "النعيم" عدة أقوال, وجميعها متقاربة لاتعارض بينها وتصب في معنى واحد, ويجمع هذه الأقوال ما ذكره مجاهد بقوله: كل لذة من لذات الدنيا, ومثله السعدي حيث قال: هي جميع النعم التي تنعمتم بها", وتشمل النعم التي شغلت الإنسان عن العمل للدار الآخرة, والنعم التي لم تشغله وأدى حقها من الشكر, وجاءت أقوال عن السلف ذكرت بعض أفراد هذا العموم, مثل ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام, إن"طيب النفس من النعيم", وقوله في تفسير النعيم:"شبع البطون، وبارد الشّراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق، ولذّة النّوم", وقوله:نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس:"الصحة والفراغ", وقال ابن عباس: صحّة الأبدان والأسماع والأبصار, وقال سعيد بن جبير:حتى شربة العسل. وقال ابن كثير في إن المراد به ما انعم الله به على العبد من الصحة والأمن والرزق, وساق حديث أبي هريرة لما أخرج الجوع الرسول عليه الصلاة والسلام, وأبو بكر وعمر, فانطلقوا حتى أتوا بيت رجلٍ من الأنصار فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبي صلى اللّه عليه وسلم: "أين فلان؟" فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء. فجاء صاحبهم يحمل قربته؛ فقال: مرحبا، ما زار العباد نبي أفضل من نبيّ زارني اليوم. فعلق قربته بكرب نخلة، وانطلق فجاءهم بعذق؛ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلّم: "ألا كنت اجتنيت؟" فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم. ثم أخذ الشفرة؛ فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلّم:"إياك والحلوب".
فذبح لهم يومئذٍ فأكلوا؛ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم:"لتسألن عن هذا يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا، فهذا من النعيم", رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.