السؤال السادس: وجّه رسالة لطالب علم توصيه فيها بالاجتهاد في طلب العلم وتحذّره من التعالم والمتعالمين.
اعلم أن طلب العلم شأنه عظيم، فهو علم متعلق بما جاء به الله ورسوله، فطالب هذا العلم يتلقاه من مصدرين أساسيين هما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ,ولذلك كان ثوابه أعظم الثواب، فالمتحدث فيه هو في الحقيقة مبلغ عن الله شريعته، تابع في مهمته ما جاءت به الرسل، مبتغ في علمه ما فيه صلاح للبشر، فإذا أقاموا العباد دين الله الذي ارتضاه لهم فلحوا وفازوا بأعظم النعيم الدنيوي والأخروي، ورفعهم الله بإقامة هذا الدين ونصرهم وأيدهم بنصره الذي لايرد، قال تعالى:(ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، ولا يكون هذا الإيمان متحقق إلا بمعرفة هدى الله سبحانه وتعالى، ولا يعرف هدى الله إلا بطلب العلم الشرعي من مصدريه القرآن والسنة، ولذلك عظم الله قدر هذا العلم وأجزل لطالبه الثواب إن صلحت نيته، قال تعالى:(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وقال صلى الله عليه وسلم: ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)،
فلما عظم أجر طالب العلم لكونه مبلغا عن الله شرائع دينه، عظم ذنب من طلب هذا العلم وأخل فيه قصده، وأذهب فيه عمله وجهده، فإذا فسدت مقاصده، واشترى الدنيا بطلبه للعلم، ولم يخلص لله في طلبه، لم يزده علمه إلا وبالا، قال صلى الله عليه وسلم:( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة).
وهذا العلم لا ينال إلا بسلوك جادة السلف الصالح وعلى فهمهم، ومن سار على نهجههم من الأئمة الربانيين إلى يوم الدين، وكما أن الرجل إن أراد أن يدرس تخصصا علميا ذهب إلى خيرة أهله المتخصصين، فطلب العلم الشرعي أولى بأن يقصد فيه أهله، ويحذر فيه من المتعالمين، الذين أظهروا العلم وأخفوا جهلهم، فضلوا وأضلوا.
فاحذر يا طالب العلم من إبتغاء العلم لدى المتعالمين، والإعجاب بقولهم وحديثهم وتتبع مشوراتهم، فهم قطاع طرق على طلبة العلم، فأضعفوا همم الطلاب، وجروهم لتتبع زلات العلماء والجدل والمراء، وأفسدوا مقاصدهم، وأضاعوا وقتهم في التشتت بين مناهج الطلب والشيوخ والكتب، وما كان ذلك لهم إلا باكتسائهم بلباس العلم ظاهرا، وبإخفائهم ما في قلوبهم من زبغ، فشابهوا أهل النفاق في مخالفة ظاهرهم لباطنهم، قال تعالى عن المنافقين:( ولتعرفنهم في لحن القول)، وكذلك المتعالمون فأمرهم ظاهر لأهل العلم ولمن أعطاه الله بصيرة في العلم، فالله يظهر زلاتهم ويكشف مقاصدهم، فإن الألسن مغارف القلوب، ولكن خطرهم بالغ الأثر على العوام والميتدئين، فوجب الحذر منهم وسؤال أهل العلم الصادقين عما أشكل على طالب العلم، والابتعاد عمن حذروا منه العلماء من المتعالمين، ومعرفة أهم علاماتهم للحذر من اتباع أهوائهم وشبهاتهم وزخرف قولهم.
ومن أهم علاماتهم:
- فساد مقاصدهم في طلب العلم، وطلبهم للدنيا وسعيهم لها، فهي مبلغ علمهم، وغاية مطلبهم.
- حب الظهور والشهرة.
- الكبر والعجب.
- الاضطراب والتناقض.
- تخلف العمل عن العلم.
- التسرع والعجلة في الفتوى، وعدم التثبت.
- كثرة الجدال والتشغيب على العلماء وتتبع زلاتهم.
فعلى طالب العلم أن يحذر من مجالسة المتعالمين، والأخذ منهم، وأن يحذر من أن يسلك طريقهم بأن يبتغي الدنيا بطلبه للعلم، ويحذر من اتباع الهوى، ولي عنق الأدلة لموافقة الهوى، وأن يحذر من أن يسعى للظهور والشهرة والتصدر، فالصبر الصبر على طلب العلم، ولا يتعجل الثمرة قبل أوانها، فمن تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه، وأن يحرص على التثبت من الأدلة، قال تعالى:( ولاتقف ما ليس لك به علم )،وأن يحرص على العمل بما تعلمه، ليرزق بركة العلم، وليثبته الله على المقاصد الصحيحة لطلب العلم، قال علي بن أبي طالب:(هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل)، وأن يراجع نيته في طلب العلم ويسأل الله الإخلاص والقبول، وأن يبتعد عن داء العجب والكبر، بل ينقاد أشد الانقياد للحق متى تبين، وأن يحذر من تتبع زلات العلماء، ومن الجدل والمراء، قال صلى الله عليه وسلم:(لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار).