دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الوصايا

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 جمادى الأولى 1431هـ/7-05-2010م, 03:02 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب الوصايا

كتابُ الوَصايا

يُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ خيرًا ـ وهو المالُ الكثيرُ ـ أن يُوصِيَ بالْخُمُسِ، ولا تَجوزُ بأكثرَ من الثُّلُثِ لأَجْنَبِيٍّ، ولا لوارثٍ بشيءٍ إلا بإجازةِ الوَرَثَةِ لها بعدَ الموتِ فتَصِحُّ تَنْفِيذًا، وتُكْرَهُ وَصِيَّةُ فقيرٍ وارثُه مُحتاجٌ، وتَجوزُ بالكُلِّ لِمَن لا وَارثَ له، وإن لم يَفِ الثلُثُ بالوَصايا فالنَّقْصُ بالقِسطِ، وإن أَوْصَى لوارِثٍ فصارَ عندَ الموتِ غيرَ وارثٍ صَحَّتْ والعكْسُ بالعكسِ، ويُعتبَرُ القَبولُ بعدَ الموتِ وإن طالَ لا قَبْلَه، ويَثْبُتُ الْمِلكُ به عَقِبَ الموتِ، ومَن قَبِلَها ثم رَدَّها لم يَصِحَّ الرَّدُّ، ويَجوزُ الرجوعُ في الوَصِيَّةِ، وإن قالَ: إن قَدِمَ زيدٌ فله ما أَوْصَيْتُ به لعمرٍو فقَدِمَ في حياتِه فله، وبعدَها لعمرٍو، ويَخْرُجُ الواجبُ كلُّه من دَيْنٍ وحَجٍّ وغيرِه من كلِّ مالِه بعدَ موتِه وإن لم يُوصِ به، فإن قالَ: أَدُّوا الواجِبَ من ثُلُثِي بُدِئَ به، فإن بَقِيَ منه شيءٌ أَخَذَه صاحبُ التَّبَرُّعِ وإلا سَقَطَ.


  #2  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 02:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.........................

  #3  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 02:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

كتابُ الوَصَايَا

جمعُ وَصِيَّةٍ، مأخوذةٌ مِن: وَصَيْتُ الشيءَ. إذا وَصَلْتَه، فالمُوصِي وَصَلَ ما كانَ له في حَيَاتِهِ بِمَا بعدَ مَوْتِه. واصطلاحاً: الأمرُ بالتصرُّفِ بعدَ الموتِ. أو : التبرُّعُ بالمالِ بعدَه.
وتَصِحُّ الوصيَّةُ مِن البالِغِ الرشيدِ، ومِن الصبيِّ العاقلِ والسَّفِيهِ بالمالِ، ومِن الأخرسِ بإشارةٍ مفهومةٍ، وإنْ وُجِدَتْ وَصِيَّةُ إنسانٍ بِخَطِّهِ الثابتِ بِبَيِّنَةٍ أو إقرارِ وَرَثَةٍ -صَحَّتْ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ ويُشْهِدَ عليها، و (يُسَنُّ لِمَن تَرَكَ خيراً، وهو المالُ الكثيرُ) عُرْفاً (أنْ يُوصِيَ بالخُمُسِ). رُوِيَ عن أبي بَكْرٍ وعليٍّ . وهو ظاهرُ قولِ السلَفِ.
قالَ أبو بَكْرٍ: (رَضِيتُ بما رَضِيَ اللَّهُ به لنفسِهِ)، يعني في قَوْلِهِ تعالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}.
(ولا تَجُوزُ) الوصيَّةُ (بأكثرَ مِن الثلُثِ لأجنبِيٍّ) لِمَن له وَارِثٌ، (ولا لوارِثٍ بشيءٍ، إلاَّ بإجازةِ الوَرَثَةِ لهما بعدَ الموتِ)؛ لقولِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسَعْدٍ حِينَ قالَ: أُوصِي بمَالِي كُلِّه؟ قالَ: ((لاَ)). قالَ: بالشَّطْرِ؟ قالَ: ((لاَ)). قالَ: بالثلُثِ؟ قالَ: ((الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وقولِهِ عليه السلامُ: ((لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ.
وإنْ وَصَّى لِكُلِّ وارثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ إِرْثِهِ، جازَ؛ لأنَّ حقَّ الوارِثِ في القَدْرِ، لا في العَيْنِ. والوَصِيَّةُ بالثلُثِ فما دُونَ لأجنبِيٍّ تَلْزَمُ بلا إِجَازَةٍ، وإذا أَجَازَ الوَرَثَةُ ما زَادَ على الثُّلُثِ، أو لِوارثٍ؛ (فـ) إنَّها (تَصِحُّ تَنْفِيذاً)؛ لأنَّها إمضاءٌ لقولِ المُوَرَّثِ بلفظِ: أَجَزْتُ. أو: أَمْضَيْتُ. أو: نَفَّذْتُ. ولا تُعْتَبَرُ لها أحكامُ الهِبَةِ. (وتُكْرَهُ وَصِيَّةُ فَقِيرٍ) عُرْفاً، (وَارِثُه مُحتاجٌ)؛ لأنَّه عَدَلَ عن أقاربِه المحاويجِ إلى الأجانبِ.
(وتَجُوزُ) الوصيَّةُ (بالكُلِّ لِمَن لا وَارِثَ له) رُوِيَ عن ابنِ مَسْعُودٍ؛ لأنَّ المنعَ فيما زَادَ على الثلُثِ لحقِّ الوَرَثَةِ، فإذا عُدِمُوا، زالَ المانِعُ، (وإنْ لم يَفِ الثلُثُ بالوَصَايا)، أو لم تُجِزِ الوَرَثَةُ (فالنَّقْصُ) على الجميعِ (بالقِسْطِ) فيَتَحَاصُّونَ، فلا فرقَ بينَ مُتَقَدِّمِها ومُتَأَخِّرِها والعِتْقِ وغَيْرِهِ؛ لأنَّهم تَسَاوَوْا في الأصلِ وتَفَاوَتُوا في المِقدارِ فوَجَبَتِ المُحَاصَّةُ كمَسَائلِ العَوْلِ، (وإنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ فصَارَ عندَ المَوْتِ غيرَ وارِثٍ) كأخٍ حُجِبَ بابنٍ تَجَدَّدَ، (صَحَّتِ) الوَصِيَّةُ اعْتِبَاراً بحالِ المَوْتِ؛ لأنَّه الحالُ الذي يَحْصُلُ به الانتقالُ إلى الوارِثِ والموصَى له، (والعكسُ بالعكسِ)، فمَن أَوْصَى لأخيه معَ وُجُودِ ابْنِهِ فماتَ ابنُه، بَطَلَتِ الوصيَّةُ إنْ لم تُجِزْ باقِي الوَرَثَةِ، (ويُعْتَبَرُ) لِمِلْكِ المُوصَى له المُعَيَّنِ المُوصَى به (القَبُولُ) بالقولِ أو ما قامَ مَقَامَه؛ كالهِبَةِ، (بعدَ الموتِ)؛ لأنَّه وقتُ ثُبُوتِ حقِّه، وهو على التراخِي، فيَصِحُّ (وإنْ طالَ الزَّمَنُ) بينَ القَبولِ والموتِ، و (لا) يَصِحُّ القبولُ (قبلَه)؛ أي: قبلَ الموتِ؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ له حقٌّ، وإنْ كانَتِ الوصيَّةُ لغيرِ مُعَيَّنٍ كالفُقَرَاءِ، أو مَنْ لا يُمْكِنُ حَصْرُهم؛ كبَنِي تَمِيمٍ، أو مصلحةِ مَسْجِدٍ ونحوِهِ، أو حَجٍّ- لم تَفْتَقِرْ إلى قَبُولٍ، ولَزِمَتْ بِمُجَرَّدِ الموتِ، (ويَثْبُتُ المِلْكُ به)؛ أي: بالقَبُولِ (عَقِبَ الموتِ) قَدَّمَه في (الرعايةِ)، والصحيحُ أنَّ المِلْكَ حينَ القَبُولِ كسَائرِ العُقُودِ؛ لأنَّ القَبُولَ سببٌ، والحُكْمُ لا يَتَقَدَّمُ سَبَبَه، فما حَدَثَ قبلَ القَبُولِ مِن نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ، فهو للوَرَثَةِ، والمُتَّصِلُ يَتْبَعُها. (ومَن قَبِلَها)؛ أي: الوَصِيَّةَ (ثُمَّ رَدَّهَا) ولو قَبْلَ القبضِ (لم يَصِحَّ الردُّ)؛ لأنَّ مِلْكَه قد اسْتَقَرَّ عليها بالقَبُولِ، إلاَّ أنْ يَرْضَى الوَرَثَةُ بذلك، فتكونُ هِبَةً مِنه لهم تُعْتَبَرُ شُرُوطُها، (ويَجُوزُ الرجوعُ في الوصيَّةِ)؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: يُغَيِّرُ الرَّجُلُ ما شَاءَ في وَصِيَّتِهِ. فإذا قالَ: رَجَعْتُ في وَصِيَّتِي. أو: أَبْطَلْتُها. ونحوُه، بَطَلَتْ. وكذا إنْ وُجِدَ مِنه ما يَدُلُّ على الرجوعِ، (وإن قالَ) المُوصِي: (إنْ قَدِمَ زيدٌ فله ما وَصَّيْتُ به لِعَمْرٍو. فَقَدِمَ) زيدٌ (في حياتِهِ)؛ أي: حياةِ الموصِي، (فله)؛ أي: فالوصيَّةُ لزيدٍ؛ لِرُجُوعِه عن الأوَّلِ، وصَرْفِه إلى الثانِي مُعَلِّقاً بالشرطِ وقد وُجِدَ، (و) إنْ قَدِمَ زيدٌ (بعدَها)؛ أي: بعدَ حياةِ المُوصِي فالوصيَّةُ (لعمرٍو)؛ لأنَّه لَمَّا ماتَ قبلَ قُدُومِهِ اسْتَقَرَّتْ له؛ لِعَدَمِ الشرطِ في زيدٍ؛ لأنَّ قُدُومَه إِنَّما كانَ بعدَ مِلْكِ الأوَّلِ، وانقطاعِ حقِّ المُوصِي منه.
(ويُخْرِجُ) وَصِيٌّ فوارِثٌ فحاكِمٌ (الواجِبَ كُلَّه مِن دَيْنٍ وحَجٍّ وغَيْرِهِ) كزكاةٍ ونَذْرٍ وكفَّارَةٍ (مِن كُلِّ مالِهِ بعدَ مَوْتِهِ، وإنْ لم يُوصِ به)؛ لقولِه تعالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، ولقولِ عليٍّ: (قَضَى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
(فإنْ قالَ: أَدُّوا الواجِبَ مِن ثُلُثِي. بُدِئَ به)؛ أي: بالواجبِ، (فإنْ بَقِيَ منه)؛ أي: مِن الثلُثِ (شيءٌ، أَخَذَهُ صاحِبُ التبرُّعِ)؛ لِتَعْيِينِ المُوصَى، (وإلاَّ) يَفْضُلْ شيءٌ (سَقَطَ) التبرُّعُ؛ لأنَّه لم يُوصِ له بشيءٍ إلاَّ أنْ يُجِيزَ الورثةُ فيُعْطَى ما أُوصِيَ له به، وإنْ بَقِيَ مِن الواجبِ شيءٌ تُمِّمَ مِن رأسِ المالِ.


  #4  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 02:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


كتاب الوصايا([1])

جمع وصية([2]) مأْخوذة من وصيت الشيءَ: إذا وصلته([3]). فالموصى وصل ما كان له في حياته بما بعد موته([4]) واصطلاحا: الأمر بالتصرف بعد الموت([5]) أَو التبرع بالمال بعده([6]).
وتصح الوصية من البالغ الرشيد([7]) ومن الصبي العاقل([8]) والسفيه بالمال([9]) ومن الأَخرس بإِشارة مفهومة([10]) وإِن وجدت وصية إنسان بخطه الثابت ببينة أَو إِقرار ورثته صحت([11]) ويستحب أَن يكتب وصيته، ويشهد عليها([12]).
و(يسن لمن ترك خيرًا، وهو المال الكثير) عرفا([13]) (أَن يوصي بالخمس) ([14]).

روي عن أَبي بكر وعلي([15]) وهو ظاهر قول السلف([16]) قال أَبو بكر: رضيت بما رضى الله به لنفسه، يعنى في قوله تعالى:
]وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ[([17]). (ولا تجوز) الوصية (بأَكثر من الثلث لأجنبى)([18]) لمن له وارث([19]).


(ولا لوارث بشيء([20]) إِلا بإِجازة الورثة لهما بعد الموت)([21]) لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد([22]) حين قال: أوصي بمالي كله؟ قال: «لا» قال: بالشطر؟ قال «لا»([23]) قال: بالثلث؟ قال «الثلث والثلث كثير» متفق عليه([24]).

وقوله عليه السلام: «لا وصية لوارث» رواه أَحمد وأَبو داود، والترمذي وحسنه([25]). وإن وصي لكل وارث بمعين بقدر إِرثه جاز([26]) لأَن حق الوارث في القدر لا في العين([27]) والوصية بالثلث فما دون لأَجنبي تلزم بلا إجازة([28]).
وإِذا أَجاز الورثة ما زاد على الثلث([29]) أَو لوارثٍ (فـ)ـأِنها (تصح تنفيذا) ([30]) لأَنها إِمضاء لقول المورث([31]) بلفظ: أَجزت، أَو أَمضيت، أَو أَنفذت([32]). ولا تعتبر لها أَحكام الهبة([33]).

(وتكره وصية فقير) عرفا([34]) (وارثه محتاج) ([35]) لأَنه عدل من أَقاربه المحاويج إلى الأَجانب([36]) (وتجوز) الوصية (بالكل لمن لا وارث له) ([37]) روي عن ابن مسعود([38]) لأَن المنع فيما زاد على الثلث لحق الورثة فإذا عدموا زال المانع([39]).

(وإِن لم يف الثلث بالوصايا) ([40]) أَو لم تجز الورثة (فالنقص) على الجميع (بالقسط)([41]) فيتحاصون، ولا فرق بين متقدمها ومتأَخرها([42]) والعتق وغيره([43]) لأَنهم تساووا في الأصل، وتفاوتوا في المقدار، فوجبت المحاصة، كمسائل العول([44]) (وإِن أَوصي لوارث، فصار عند الموت غير وارث) كأَخ حجب بابن تجدد (صحت) الوصية([45]).

اعتبارا بحال الموت([46]) لأَنه الحال الذي يحصل به الانتقال إلى الوارث والموصي له([47]) (والعكس بالعكس) فمن أَوصي لأَخيه مع وجود ابنه، فمات ابنه، بطلت الوصية إِن لم نجز باقي الورثة([48]) (ويعتبر) لملك الموصي له المعين، الموصي به (القبول) بالقول([49]) أَو ما قام مقامه كالهبة([50]) (بعد الموت) لأَنه وقت ثبوت حقه([51]) وهو على التراخي، فيصح (وإِن طال) الزمن بين القبول والموت([52])

و(لا) يصح القبول (قبله) أي قبل الموت، لأنه لم يثبت له حق([53]) وإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء([54]) أَو من لا يمكن حصرهم كبني تميم([55]) أَو مصلحة مسجد ونحوه([56]) أَو حج، لم تفتقر إلى قبول، ولزمت بمجرد الموت([57]) (ويثبت الملك به) أي بالقبول (عقب الموت) ([58]) قدمه في الرعاية([59]) والصحيح أَن الملك حين القبول كسائر العقود([60]).

لأن القبول سبب، والحكم لا يتقدم سببه([61]) فما حدث قبل القبول، من نماء منفصل، فهو للورثة([62]) والمتصل يتبعها([63]) (ومن قبلها) أي الوصية (ثم ردها)([64]) ولو قبل القبض (لم يصح الرد)([65]) لأَن ملكه قد استقر عليها بالقبول([66]) إلا أَن يرضى الورثة بذلك([67]) فتكون هبة منه لهم، تعتبر شروطها([68]).

(ويجوز الرجوع في الوصية) ([69]) لقول عمر: يغير الرجل ما شاءَ في وصيته([70])فإذا قال: رجعت في وصيتى؛ أَو أَبطلتها، ونحوه بطلت([71]) وكذا إن وجد منه ما يدل على الرجوع([72]) (وإن قال) الموصي: (إن قدم زيد فله ما وصيت به لعمرو فقدم) زيد (في حياته) أي حياة الموصي (فله) أي فالوصية لزيد([73]) لرجوعه عن الأَول، وصرفه إلى الثاني، معلقا بشرط وقد وجد([74]).

(و) إِن قدم زيد (بعدها) أي بعد حياة الموصي فالوصية (لعمرو) ([75]) لأَنه لما مات قبل قدومه استقرت له([76]) لعدم الشرط في زيد([77]) لأَن قدومه إنما كان بعد ملك الأَول، وانقطاع حق الموصي منه([78]) (ويخرج) وصى فوارث فحاكم (الواجب كله من دين وحج([79]) وغيره) كزكاة، ونذر، وكفارة (من كل ماله بعد موته، وإِن لم يوص به)([80]) لقوله تعالى (من بعد وصية يوصي بها أَو دين)([81]).

ولقول علي: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية رواه الترمذي([82]) (فإن قال: أَدوا الواجب من ثلثى([83]) بدئ به) أي بالوجب([84]) (فإن بقي منه) أي من اللث (شيء، أَخذه صاحب التبرع) ([85]) لتعيين الموصي([86]).

(وإِلا) يفضل شيء([87]) (سقط) التبرع، لأَنه لم يوص له بشيء([88]) إلا أَن يجيز الورثة([89]) فيعطى ما أَوصي له به([90]) وإِن بقي من الواجب شيء([91]) تمم من رأْس المال([92]).


([1]) هي الأمر بالتصرف بعد الموت، يقال: وصى توصية، وأوصى إيصاء والاسم الوصية، والوصاية بفتح الواو وكسرها.
([2]) أي الوصايا جمع وصية، كالعطايا جمع عطية، والقضايا جمع قضية.
([3]) والشيء بالشيء اتصل.
([4]) من تبرع، وتوكيل على نحو صغير، وقضاء دين وغيره، والوصية لغة الأمر، قال تعالى (ووصي بها إبراهيم بنيه) وقال (ذلكم وصاكم به) وقول الخطيب: أوصيكم بتقوى الله.
([5]) كأن يوصي إلى إنسان بتزويج بناته، أو غسله أو الصلاة عليه، أو تفرقة ثلثه، أو غير ذلك.
([6]) أي أو الوصية: التبرع بالمال بعد الموت، بخلاف الهبة، وقال ابن رشد: الوصية بالجملة هي هبة الرجل ماله لشخص آخر، أو لأشخاص بعد موته، أو عتق غلامه، سواء صرح بلفظ الوصية أو لم يصرح به، وهذا العقد عند أهل العلم من العقود الجائزة. اهـ.
والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى (كتب عليكم إذ حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية).
وقال صلى الله عليه وسلم «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به، يبيت
ليلتين إلا ووصيته مكتوبة» وإذن الشارع بالتصرف عند الموت بثلث المال، من الألطاف الإلهية، والتكثير من الأعمال الصالحة. وفي الخبر: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم، عند وفاتكم، زيادة في حسناتكم» وأجمعوا على جوازها.

([7]) سواء كان عدلا أو فاسقا، رجلا أو امرأة، مسلما أو كافرا، ما لم يغرغر، وصوب في الفروع: ما دام عقله ثابتا، ومتى بلغت الروح الحلقوم لم تصح وصيته، ولا غيرها من تصرفاته، باتفاق الفقهاء.
([8]) أي للوصية، لأنها تصرف تمحض نفعا له، فصح كالصلاة، ولا تصح ممن له دون سبع، ومجنون، ومبرسم، ونحوهم، عند جماهير العلماء، وأجازها عمر لشخص له عشر سنين، ولم ينكر.
([9]) لأنها تمحضت نفعا له من غير ضرر، فصحت منه كعباداته.
([10]) لأن تعبيره إنما يحصل بذلك عرفا، فهي كاللفظ من قادر عليه، لا ممن لا تفهم إشارته، ولا ممن اعتقل لسانه بإشارة ولو فهمت، إذا لم يكن مأيوسا من نطقه، كقادر على الكلام.
([11]) وعمل بها؛ اختاره الشيخ وغيره، لقوله «إلا ووصيته مكتوبة» ولأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه يكتبون إلى الأقطار وإلى عمالهم، ولأنها تنبئ عن المقصود كاللفظ.
([12]) أي ويستحب للإنسان أن يكتب وصيته لخبر «إلا ووصيته مكتوبة عنده»
ويستحب أن يشهد عليها قطعا للنزاع، ولأنه أحوط وأحفظ، ويعمل بها، ما لم يعلم رجوعه عنها، وإن تطاولت مدته، وفي بعض وصايا السلف: وإن حدث به حادث الموت.

وقال أنس: كانوا يكتبون في صدرو وصاياهم (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا ما أوصي به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصي من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله، إن كانوا مؤمنين... الخ، وفي وصية أبي الدرداء نحوه.
([13]) فلا يتقدر بشيء، لأنه لا نص في تقديره، ورجح الموفق: أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية، لقوله «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». وقال الشعبي: ما من مال أعظم أجرًا من مال يتركه الرجل لولده، يغنيهم به عن الناس. وليست الوصية واجبة عند جمهور العلماء، لأن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص.
وقال على لرجل: إنما تركت شيئًا يسيرًا، فدعه لورثتك. وإنما تجب على من عليه دين، أو عنده وديعة، أو عليه واجب، يوصي بالخروج منه، ومحله إذا كان عاجزًا عن تنجيزه، ولم يعلم بذلك غيره، ممن يثبت الحق بشهادته. ولا يندب أن يكتب الأشياء المحقرة، ولا ما جرت العادة بالخروج منه، والوفاء به عن قرب.
([14]) أي: يستحب له أن يوصي، لما تقدم. والأفضل بالخمس، فعن العلاء بن زياد، أنه سأل العلماء، فتتابعوا على الخمس. وقال الشعبي: الخمس أحب إليهم من الثلث.
([15]) فعن علي: لأن أوصي بالخمس، أحب إلى من أن أوصي بالربع. وقال الموفق: هو الأفضل للغنى.
([16]) وعلماء البصرة قاله الموفق.
([17]) فأوصي t هو وعلى بالخمس.
([18]) والمراد غير وارث، والأولى أن لا يستوعب الثلث، لقوله «والثلث كثير» مع إخباره بكثرة ماله، وقلة عياله. وقال بعض السلف: لم يكن منا من يبلغ في وصيته الثلث، حتى ينقص منه شيئًا، للخبر. والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون، إذا كانوا فقراء، في قول جمهور العلماء.
وقال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء فيما علمت، إذا كانوا ذوى حاجة، لأن الله كتب الوصية للوالدين والأقربين، فخرج منه الوارثون، بقوله صلى الله عليه وسلم «لا وصية لوارث» وبقي سائر الأقارب على الوصية لهم، وأقله الاستحباب وقال تعالى: ]وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ[ ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل، فكذلك بعد الموت. فإن أوصي لغيرهم وتركهم صحت، في قول أكثر أهل العلم، وإن لم يكن له قريب فقير، فلمسكين وعالم وديَّنٍ، ونحوهم.
([19]) لتعلق حق الورثة بما زاد على الثلث، سواء كان الإرث بفرض، أو تعصيب.
([20]) نص عليه، وهو مذهب جمهور العلماء، سواء وجدت في صحة الموصي أو مرضه. وتحرم المضارة في الوصية، لقوله ]غَيْرَ مُضَارٍّ[ وفي الحديث «إن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضره الموت، فيضار في الوصية، فتجب له النار» وقال ابن عباس: الإضرار في الوصية من الكبائر.
([21]) وكذا قبله في مرض الموت، وقال الشيخ: لا تصح لوارث بغير رضى الورثة، ويدخل وارثه في الوصية العامة. اهـ. وإن لم يجز الورثة لأجنبي بأكثر من الثلث بطل، قال الموفق: في قول أكثر العلماء. وقال ابن المنذر وابن عبد البر: في الوصية للوارث: تبطل بإجماع أهل العلم.
([22]) يعنى ابن أبي وقاص t.
([23]) وذلك أنه قال: يا رسول الله، أما ذو مال، ولا يرثنى إلا ابنة لي واحدة، قاله في حجة الوداع، ثم ولد له بعد ذلك، قيل أكثر من عشرة، ومن البنات اثنتا عشرة، والشطر النصف.
([24]) وصفه بالكثرة بالنسبة إلى ما دونه، وأن الأولى الاقتصار على ما دونه، كما قال ابن عباس: وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع في الوصية. وتقدم أن الأفضل الخمس، ويجوز بالثلث، لهذا الخبر، ولخبر الذي أعتق ستة أعبد عند موته، فأعتق صلى الله عليه وسلم اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدًا؛ فدل الحديثان أنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، لمن له وارث، وهو قول: جمهور العلماء. وحكاه بعضهم إجماعا.
([25]) وله شواهد، قال الحافظ: ولا يخلو, إسناد كل منها من مقال، لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا.
وقال الشيخ: اتفقت الأمة عليه؛ وذكر الشافعي أنه متواتر، فقال: وجدنا أهل الفتيا، ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي، من قريش وغيرهم، لا يختلفون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: «لا وصية لوارث» ويأثرونه عمن لقوه من أهل العلم.
قال الحافظ: في هذا إجماع العلماء على مقتضاه. وأخرج البخاري عن ابن عباس موقوفا نحوه.
وقال الشيخ: ولما كان ما ذكره تعالى من تحريم تعدي الحدود، عقب ذكر الفرائض المحدودة، دل على أنه لا يجوز أن يزاد أحد من أهل الفرائض على ما قدر له، ودل على أنه لا تجوز الوصية لهم، وكان هذا ناسخا لما أمر به أولا، من الوصية للوالدين والأقربين.
([26]) كرجل خلف ابنا وبنتا، وعبدا قيمته مائة، وأمة قيمتها خمسون، فوصي للابن بالعبد، وللبنت بالأمة صحت.
([27]) كما لو عاوض بعض ورثته أو غيره، فإنه يصح بثمن المثل، سواء كان في الصحة أو المرض.
([28]) لخبر ستة الأعبد، حيث أعتق اثنين، وأرق أربعة، ولإجازته لسعد بالثلث وقال الوزير: أجمعوا على أنه إنما يسحب للموصي أن يوصي بدون الثلث، مع إجازتهم له، أي الثلث، عملا بإطلاق النصوص. وقال أيضا: أجمعوا على أن
الوصية بالثلث لغير وارث جائزة، وأنها لا تفتقر إلى إجازة الورثة، وعلى أن ما زاد على الثلث إذا أوصي به من ترك ابنين أو عصبة، أنه لا ينفذ إلا الثلث، وأن الباقي موقوف على إجازة الورثة، فإن أجازوه نفذ، وإن أبطلوه لم ينفذ، واتفقوا على أن لا وصية لوارث إلا أن يجيز ذلك الورثة.

([29]) فإنها تصح هذه الوصية المنهي عنها تنفيذًا.
([30]) قال الموفق: في قول الجمهور من أهل العلم، وقال بعض الأصحاب باطلة، إلا أن يعطوه عطية مبتدأة، وظاهر مذهب أحمد والشافعي: أن الوصية صحيحة في نفسها، لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح، والخبر قد روى فيه:
«إلا أن يجيز الورثة» وحسنه الحافظ، فيكفي: أجزت، ونحوه، وإلا كانت هبة مبتدأة.

([31]) وتنفيذ لما وصي به.
([32]) أي بلفظ: أجزت ما زاد على الثلث، أو ما للوارث، أو أمضيته، أو أنفذته. ونحو ذلك، كرضيت بما فعله؛ فإذا قال ذلك لزمت الوصية، لأن الحق لهم، فلزم بإجازتهم، كما يبطل بردهم، بالإجماع.
([33]) أي: ولا يعتبر للإجازة بما زاد على الثلث، أو ما لوارث أحكام الهبة ابتداء من وارث، فلا تفتقر إلى شروط الهبة، مما تتوقف عليه صحتها، ولا تثبت أحكامها فيما وقعت فيه الإجازة، فلا يرجع أب وارث من موص أجاز وصيته لابنه، ولا يحنث بها من حلف لا يهب، وتلزم بغير قبول وقبض، لأنها تنفيذ لا تبرع بالمال.
([34]) وهو ما يتعارف بين الناس أنه فقير، فلا يتقدر بشيء.
([35]) لقوله صلى الله عليه وسلم «إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة، يتكففون الناس» وتقدم أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية.
([36]) وتقدم: أن إعطاء القريب المحتاج أفضل من إعطاء الأجانب؛ فتركه لهم كعطيتهم إياه، فيكون أفضل من الوصية به لغيرهم، ويختلف باختلاف حال الورثة، وكثرتهم وقلتهم، وغناهم وفقرهم.
([37]) لقوله «إنك أن تذر ورثتك أغنياء» الحديث، وهنا لا وارث له يتعلق حقه بماله.
([38]) قال الموفق: ثبت عن ابن مسعود، وبه قال عبيدة السلماني، ومسروق، وإسحاق، وأهل العراق.
([39]) ولأنه لم يتعلق به حق وارث، ولا غريم، أشبه الصحة، وقال ابن القيم: الصحيح أن له ذلك، لأنه إنما منعه الشارع فيما زاد على الثلث، إذا كان له ورثة، فمن لا وارث له لا يعترض عليه فيما صنع في ماله. اهـ. فلو وصى أحد الزوجين للآخر بكل ما له، فله كله، إرثا ووصية، إذا لم يكن وارث غيره. ولو رد أحدهما بطلت في قدر فرضه من ثلثيه، لأنهما لا يرد عليهما، والاعتبار بكون من وصى له وارثا - أولا - عند الموت.
([40]) تحاصوا في الثلث، فيدخل النقص على الجميع كل بقسطه.
([41]) أي أو لم تجز الورثة ما زاد على الثلث، أو لوارث، فالنقص على الجميع في الوصية، ولو كان وصية بعضهم عتقا، أو عطية معلقة بالموت، بالقسط كمسائل العول.
([42]) لأنها تبرع بعد الموت، فوجد دفعة واحدة.
([43]) أي سواء في ذلك، لا يقدم العتق على غيره. قال الوزير: إذا وهب ثم وهب، أو أعتق ثم أعتق في مرضه، وعجز الثلث، فقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد - في إحدى روايتيه: يتحاصان.
([44]) أي إذا زادت الفروض عن المال فلو وصي لواحد بثلث ماله، ولآخر بمائة، ولثالث بعبد قيمته خمسون، وبثلاثين لفداء أسير، ولعمارة مسجد بعشرين، وكان ثلث ماله مائة، وبلغ مجموع الوصايا ثلاثمائة، نسبت منها الثلث فهو ثلثها، فيعطى كل واحد ثلث وصيته.
([45]) وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وغيرهم. لأنه عند الموت ليس بوارث، أو أوصي لثلاثة إخوة متفرقين، ولم يولد له، لم تصح لغير الأخ من الأب أو ولد له بنت، صحت لغير الأخ من الأبوين.
([46]) أي فالاعتبار بكون من وصي له وارثا أو لا عند الموت، قال الموفق: لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت.
([47]) فاعتبرت الوصية به، فلو وصي لأجنبية، وأوصت له، ثم تزوجها، لم تجز وصيتها، وإن أوصي أحدهما للآخر، ثم طلقها جازت، لأنه صار غير وارث.
([48]) لأن أخاه حال موته صار وارثا، فلم تصح الوصية، والعطية ملحقة بالوصية في ذلك.
([49]) بعد الموت، كقبلت، سواء كان واحدا كزيد، أو جمعا محصورا، كأولاد عمرو، لأنه تمليك مال فاعتبر قبوله بالقول، كالهبة.
([50]) أي ويحصل القبول بما قام مقام القول، من الأخذ، والفعل الدال على الرضا، كالهبة، والبيع ونحوهما.
([51]) فاشترط لثبوت الملك، قال الموفق: في قول جمهور الفقهاء، لأنها تمليك مال من هو لمن أهل الملك، متعين، فاعتبر قبوله.
([52]) أي: والقبول باللفظ، أو ما قام مقامه، على الفور والتراخي، قولاً واحدًا، فيصح. وإن طال الزمن بين قبول الموصي له وموت الموصي.
([53]) ولا يعتبر الرد قبل الموت، لأنه أيضا لم يثبت له حق، بل بعده تبطل بلا خلاف، لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله، وكذا إن لم يرد، ولم يقبل، حكم عليه بالرد، وبطل حقه من الوصية، وترجع للورثة، كأن الوصية لم تكن، وإن عين بالرد واحدا، لم يكن له ذلك، وكان لجميعهم، بخلاف ما لو قبل، فله أن يخص من شاء.
([54]) وكالمساكين، والعلماء، والغزاة، لم تفتقر إلى قبول.
([55]) وبني هاشم ونحوهم، ممن لا يمكن حصرهم، لم تفتقر إلى قبول.
([56]) أي أو كانت الوصية لغير معين، كمسجد، وقنطرة، ورباط، وثغر، لم يشترط القبول، وهذا مذهب مالك، والشافعي.
([57]) لأن اعتبار القبول منهم متعذر، فسقط اعتباره، كالوقف عليهم.
([58]) ذكره أبو الخطاب وجهًا، وهو ظاهر مذهب الشافعي.
([59]) وعبارة المقنع: ولا يثبت الملك للموصي له إلا بالقبول بعد الموت.
([60]) وكذا عبارة المنتهى وغيره قال الموفق: في الصحيح من المذهب، وهو قول مالك وأهل العراق، وروي عن الشافعي.
([61]) أي: لأن القبول سبب الملك، والحكم على الملك لا يتقدم سببه وهو القبول، فثبت الملك من حينه، ولأنه تملك عين لمعين، يفتقر إلى القبول، فلم يسبق الملك القبول، كسائر العقود.
([62]) أي ورثة الموصي، ككسب، وثمرة وولد، لملكهم العين حينئذ.
([63]) أي يتبع العين الموصي بها، كسمن، وتعلم صنعة، كسائر العقود والفسوخ.
([64]) بعد القبض، لم يصح الرد قولاً واحدا.
([65]) ولو في مكيل وموزون، والوجه الثاني يصح الرد؛ قدمه في المغني، لأنه لا يستقر ملكهم عليه قبل قبضه، ولأنهم لما ملكوا الرد من غير قبول، ملكوا الرد من غير قبض، وغير المكيل والموزون لا يصح الرد، لأن ملكهم قد استقر عليه، فهو كالمقبوض.
([66]) فحصل الملك به ولو من غير قبض، فلم يملك رده كسائر أملاكه، ومشى عليه في الإقناع، والمنتهي، وغيرهما.
([67]) أي برد الموصي له الوصية.
([68]) من اعتبار إيجاب وقبول، ولزوم بالقبض، وغير ذلك مما تقدم.
([69]) باتفاق أهل العلم، فيما وصي به، وفي بعضه، إلا العتق والأكثر على جواز الرجوع فيه، حكاه الموفق وغيره.
([70]) وهو قول عطاء، وجابر، ومالك، والشافعي، وغيرهم، ولأنها عطية تنجز بالموت، فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها.
([71]) كرددتها، أو غيرتها، أو فسختها، لأنه صريح في الجوع, وإن قال في الموصي به: هو لورثتى أو في ميراثي؛ فرجوع، أو: ما وصيت به لفلان فلفلان؛ قال الموفق: لا نعلم فيه مخالفا، لأنه صرح بالجوع عن الأول.
([72]) كالبيع، أو العرض على البيع، أو الهبة، أو الرهن، وكذا لو غزل القطن ونحوه، أو أحبل الجارية، لا إن آجرها، أو زرعها، أو خلطه بما يتميز منه، ونحو ذلك.
([73]) إن قبلها، عاد زيد إلى الغيبة أو لم يعد، لوجود الشرط.
([74]) أي الشرط فاستحقه قال في الإنصاف بلا نزع.
([75]) دون زيد، لانقطاع حقه من الوصية بموت الموصي قبل قدومه، وانتقالها لعمرو.
([76]) أي لعمرو، لثبوته له بالموت والقبول.
([77]) وهو قدومه في حياة الموصي. وإن قال: ثلثي لزيد، وإن رد الوصية فلعمرو، فردها زيد فلعمرو.
([78]) ولم يؤثر وجود الشرط بعد ذلك، كمن علق طلاقا أو عتقا بشرط، فلم يوجد إلا بعد موته.
([79]) من كل ماله بعد موته، والمراد بحج متوفرة شروطه، كأمن طريق ونحوه، كما تقدم.
([80]) سواء كان لله أو لآدمي، لأن حق الورثة بعد أداء الدين بلا نزاع.
([81]) فالإرث مؤخر عنهما إجماعا. والحكمة في تقديم ذكر الوصية: أنها لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض، فكان في إخراجها مشقة على الوارث، فقدمت حثا على إخراجها، وجيء بكلمة «أو» التي للتسوية، فيستويان في الاهتمام وإن كان مقدما عليها.
([82]) ورواه أحمد وغيره، دل على تقديم الدين على الوصية، وفي الصحيح «اقضوا الله فالله أحق بالوفاء» فإن وصي معه بتبرع، اعتبر الثلث من الباقي بعد أداء الواجب.
([83]) أي فإن قال من عليه واجب: أدوا الواجب من ثلثي. أخرج من الثلث، وكأنه قصد إرفاق ورثته لذلك، وإن وصي بتبرع وقال: أدوا الواجب من ثلث مالي.
([84]) من ثلث المال، وإن قرن به التبرع مثل أن يقول: حجوا عني، وأدوا ديني، وتصدقوا عني، فصحح الموفق وغيره: أن الواجب من رأس المال.
([85]) لأن الدين تجب البداءة به قبل الميراث والتبرع، فإذا عينه في الثلث وجبت البداءة به، وما فضل للتبرع.
([86]) فأخرج له ما بقي، عملا بوصيته.
([87]) أي من الثلث لصاحب التبرع، بعد إخراج الواجب منه.
([88]) حيث لم يبق له بعد الواجب شيء.
([89]) أي إلا أن يجيز الورثة التبرع الموصي به.
([90]) كما تقدم من إجازة الورثة فيما زاد على الثلث، أو لوارث.
([91]) لم يف به ثلث المال الموصي به.
([92]) كما لو لم يوص به، والواجب لا يتقيد بالثلث.


  #5  
قديم 28 جمادى الآخرة 1431هـ/10-06-2010م, 07:06 PM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

كتابُ الوَصايا
يُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ خيرًا ـ وهو المالُ الكثيرُ ـ أن يُوصِيَ بالْخُمُسِ، ولا تَجوزُ بأكثرَ من الثُّلُثِ لأَجْنَبِيٍّ، ولا لوارثٍ بشيءٍ إلا بإجازةِ الوَرَثَةِ لها بعدَ الموتِ فتَصِحُّ تَنْفِيذًا، وتُكْرَهُ وَصِيَّةُ فقيرٍ وارثُه مُحتاجٌ، وتَجوزُ بالكُلِّ لِمَن لا وَارثَ له، وإن لم يَفِ الثلُثُ بالوَصايا فالنَّقْصُ بالقِسطِ، وإن أَوْصَى لوارِثٍ فصارَ عندَ الموتِ غيرَ وارثٍ صَحَّتْ والعكْسُ بالعكسِ، ويُعتبَرُ القَبولُ بعدَ الموتِ وإن طالَ لا قَبْلَه، ويَثْبُتُ الْمِلكُ به عَقِبَ الموتِ، ومَن قَبِلَها ثم رَدَّها لم يَصِحَّ الرَّدُّ، ويَجوزُ الرجوعُ في الوَصِيَّةِ، وإن قالَ: إن قَدِمَ زيدٌ فله ما أَوْصَيْتُ به لعمرٍو فقَدِمَ في حياتِه فله، وبعدَها لعمرٍو، ويَخْرُجُ الواجبُ كلُّه من دَيْنٍ وحَجٍّ وغيرِه من كلِّ مالِه بعدَ موتِه وإن لم يُوصِ به، فإن قالَ: أَدُّوا الواجِبَ من ثُلُثِي بُدِئَ به، فإن بَقِيَ منه شيءٌ أَخَذَه صاحبُ التَّبَرُّعِ وإلا سَقَطَ.

[(1)] جمع وصية ، وهي لغة : مأخوذة من وصيت الشيء إذا وصلته ، سميت بذلك لأن الموصي وصل ما كان له في حياته بما بعد موته وتطلق على الأمر . قال تعالى : { ووصي بها إبراهيم بنيه } , وقال تعالى {ذلكم وصاكم به} وتعريفها اصطلاحاً : هي الأمر بالتصرف بعد الموت أو التبرع بالمال بعده ، ودليل مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع ؛ قال تعالى {كتب عليكم إذ حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } وقال صلى الله عليه وسلم (( إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ))، وأجمع العلماء على جوازها .
(2) هذا بيان لحكمها ومقدارها . وهذا المقدار مروي عن أبي بكر وعلي - رضي الله عنهما - قال أبو بكر : ( رضيت بما رضي الله به لنفسه ) يعني قوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ} .
(3) إذا كان له وارث لتعلق حق الورثة بما زاد على الثلث .
لقول النبى صلى الله عليه وسلم لسعدحين قال (( أوصي بمالي كله ؟ قال : لا . قال : فالشطر . قال : لا . قال : فالثلث . قال : الثلث والثلث كثير )) متفق عليه .
(4) لقوله صلى الله عليه وسلم (( لا وصية لوارث )) رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
(5) أى : إذا أجاز الورثة الوصية بما زاد على الثلث أو للوارث فإنها تصح تنفيذاً
أي : إمضاء المورث لا ابتداء منهم .
(6) لأنه عدل عن أقاربه المحاويج إلى الأجانب .
(7) لقوله صلى الله عليه وسلم (( إنك أن تذر ورثتك أغنياء )) وهنا لا وارث له يتعلق حقه بالمال .
(8) فيتحاصون في الثلث فيدخل النقص على الجميع كل بقسطه .
(9) كأخ حجب بابن تجدد بعد الوصية للأخ فتصبح أعتباراً بحال الموت لأنه الحال
الذي يحصل به الانتقال إلى الوارث والموصى له .
(10) فمن أوصى لأخيه مع وجود ابنه فمات ابنه بطلت الوصية إن لم تجز بقية الورثة .
(11) أي : يعتبر قبول الموصى له الوصية بقول أو فعل بعد موت الموصي لأنه وقت ثبوت حقه .
(12) أي : القبول على التراخي فيصح وإن طال الزمن بين الموت والقبول .
(13) أي : لا يصح قبول الوصية قبل موت الموصي لأنه لم يثبت له حق .
(14) أي : لا يثبت الملك للموصى له إلا بالقبول بعد الموت .
(15) لأن ملكه قد استقر عليها بالقبول إلا أن يرضى الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم .
(16) أي : يجوز للموصي أن يرجع عن وصيته لأﻧﻬا عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها ، ولأنه قول جماعة من الصحابة .
(17) أي : فالوصية لزيد لرجوعه في حياة الموصي وقد عدل عن الأول وصرفه إلى الثانى معلقاً بشرط وقد وجد .
(18) إن رجع زيد بعد حياة الموصي فالوصية لعمرو لأﻧﻬا استقرت له بموت الموصي قبل قدوم زيد .
(19) لقوله تعالى :{من بعد وصية يوصي بها أَو دين} فالإرث مؤخر عنهما . ولقول علي رضى الله عنه ( بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية ) رواه الترمذي .
(20) لأنه لم يوص له بشيء إلا أن أجاز الورثة .


  #6  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 01:42 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

كِتابُ الوَصَايَا

يُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ خَيْراً وَهُوَ المَالُ الكَثِيرُ أن يُوصِيَ بِالخُمُسِ، .........
الوصية : هي التبرع بالمال بعد الموت، أو الأمر بالتصرف بعده.
فالتبرع بالمال بعد الموت بأن يقول: إذا مت فأعطوا فلاناً ألف ريال.
وأما الأمر بالتصرف بعده، مثل أن يقول: إذا مت فالوصي على أولادي الصغار فلان، فالأول بالمال والثاني بالحقوق.
ومن الوصية بالتصرف ما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حين جعل أمر الخلافة شورى بين الستة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
والوصية تجري فيها الأحكام الخمسة كما سيتبيَّن إن شاء الله تعالى.
قوله: «يسن لمن ترك خيراً» ، وإنما قال المؤلف: «لمن ترك خيراً» لمطابقة الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] .
وتكون الوصية للأقارب غير الوارثين، ودليل ذلك قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}، والآية عامة في الوارث وغير الوارث؛ لأنه قال: {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}، لكن نقول: هذه الآية مُخَصَّصة بآيات المواريث، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث))، فيكون العموم في قوله تعالى: {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} مخصوصاً بآيات المواريث.
فإن قال قائل: هل يمكن أن يكون الوالدان غيرَ وارثين؟
فالجواب: يمكن أن يكونا غير وارثين، كما لو كانا كافرين والولد مسلم، فإنه يوصي لهما؛ لقول الله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] .
وقوله: «يسن» صريح في أن الوصية للأقارب غير الوارثين ليست واجبة، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وقالوا: إن آيات المواريث نسخت قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ *}.
فأكثر العلماء على أن آيات المواريث ناسخة لهذه الآية، وأنه لا يُعمَل بأي حرف منها؛ لأنها منسوخة، والنسخ رفع الحكم.
ولكن أبى ذلك عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فقال: إن الآية محكمة، وأن الوصية واجبة للأقارب غير الوارثين، وما ذهب إليه أقرب إلى الصواب.
فإن قال قائل: إن الله يقول: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] ، ويقول: {وَلأَِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 10] ، والسدس إذا أُخِذَت منه الوصية التي هي الخمس يكون سدساً إلا خمساً؟
فيقال: إن الله ـ تعالى ـ بَيَّن فقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 10، 11] ، فالآيات صريحة أن هذه القسمة بعد الوصية، وحينئذٍ إذا عدنا إلى الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}فقوله: {كُتِبَ} أي: فرض، وإسقاط هذا الفرض يحتاج إلى دليل بَيِّن.
وأيضاً قوله: {حَقًّا}، أي: أُحِقُّ هذا حقاً وأثبته إثباتاً.
وأيضاً قوله:{عَلَى الْمُتَّقِينَ}، أي: على ذوي التقوى، وهذا يدل على أن الوصية من التقوى، ومخالفة التقوى حرام.
ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أن الوصية للأقارب غير الوارثين واجبة؛ لأن الآية صريحة، والنسخ ليس بالأمر الهيِّن أن يُدَّعى مع هذه الصراحة، ومع إمكان الجمع بين هذه الآية وآية المواريث، والجمع أن آيات المواريث صريحة في أنها من بعد وصية، وكيف نلغي هذه الأوصاف العظيمة: {كُتِبَ}، {حَقًّا}، {عَلَى الْمُتَّقِينَ} مع إمكان العمل بآيات المواريث وهذه الآية؟! ولأنه لا دليل على النسخ.
فإذا قال قائل: لو كان الوجوب باقياً لتوافرت النقول عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بالوصية، مع أن الوصية بين الصحابة قليلة، فالجواب: لا شك أن هذا الاحتمال يضعف القول بالوجوب، لكن ما دام أمامنا شيء صريح من كتاب الله ـ عزّ وجل ـ فإن عدم العمل به يدل على أن من الصحابة أو أكثر الصحابة يقولون بأن الوجوب منسوخ، ونحن إنما نكلف بما يدل عليه كلام الله ـ عزّ وجل ـ.
فالصحيح أن آية الوصية محكمة، وأنه يجب العمل بها، لكن نسخ منها من كان وارثاً من هؤلاء المذكورين، فإنه لا يوصى له، وبقي من ليس بوارث.
قوله: «وهو المال الكثير» المال الكثير يُرجَع فيه إلى العرف وإلى أحوال الناس، فإذا كانت الدراهم كثيرة فالمال الكثير كثير، وإذا كان الناس عندهم قلة في المال فالقليل يكون كثيراً، حتى إن بعض الفقهاء يقول: من ملك خمسين درهماً فهو غني لا تحل له الزكاة، وفي وقتنا الحاضر الخمسون درهماً لا توجب أن يكون الإنسان غنياً؛ لأنها يمكن أن تنفد في عشرة أيام، وليس في سنة كاملة.
فالحاصل أن المال الكثير يرجع فيه إلى العرف، فقد يكون القليل كثيراً في وقت، وقد يكون الكثير قليلاً في وقت آخر.
وقوله: «وهو المال الكثير» مفهومه أنه لو ترك مالاً قليلاً لا تسن له الوصية، ودليل هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ: «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة» ، وصاحب المال القليل إذا أوصى فإنه ربما يجعل ورثته عالة على الناس.
قوله: «أن يوصي بالخُمس» ، الدليل على تعيُّن الخُمس هو ما ورد عن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «أوصي بما رضيه الله لنفسه» وهو الخمس، ولكن ليس بلازم، إنما اختاره أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وهو داخل في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((الثلث والثلث كثير)) .
والمؤلف لم يبيِّن لمن تُصرف الوصية، والجواب: أنها تصرف في أعمال الخير، وأولاها القرابة الذين لا يرثون؛ لأن الله فرض الوصية لهم، فإذا قلنا: إن الآية لم تنسخ صارت الوصية للقرابة الذين لا يرثون واجبة، وإذا قلنا: إنها منسوخة صارت مستحبة، فتصرف إلى الأقارب غير الورثة سواء كانوا أغنياء أو فقراء، وإذا أوصى إلى جهة عامة صار أكثر أجراً وأعم نفعاً.

وَلاَ تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِن الثُّلُثِ لأَِجْنَبِيٍّ وَلاَ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الوَرَثَةِ لَهَا بَعْدَ المَوْتِ، فَتَصِحُّ تَنْفِيذاً،..........
قوله: «ولا تجوز» ، أي: الوصية.
قوله: «بأكثر من الثلث» ، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ وقد نازله فيما يوصي به، فقال للنبي وهو في مرض ظن أنه مرض الموت: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: ((لا)) ، قال: فالنصف؟ قال: ((لا)) ـ وكلمة: ((لا)) في مقام الاستفتاء تعني التحريم ـ فقال: فالثلث؟ قال: ((الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) .
قوله: «لأجنبي» ، المراد بالأجنبي هنا من لا يرث بدليل:
قوله: «ولا لوارث بشيء» ، فالوارث لا يجوز للإنسان أن يوصي له لا بقليل ولا بكثير؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)) ، ولأن الوصية للوارث تؤدي إلى أن يأخذ من المال أكثر ممّا فرض الله له، وهذا تعدٍّ لحدود الله، وغير الوارث تجوز بالثلث فأقل؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لسعد ـ رضي الله عنه ـ: ((الثلث والثلث كثير)) .
قوله: «إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت فتصح تنفيذاً» ، ظاهر كلامه ـ رحمه الله ـ أنه إذا أجازها الورثة صارت حلالاً، وفيه نظر، والصواب أنها حرام، لكن من جهة التنفيذ تتوقف على إجازة الورثة، فتصح تنفيذاً لا ابتداء عطية.
وقوله: «إلا بإجازة الورثة» ، وكيف تجوز لهم بذلك، وقد منع النبي صلّى الله عليه وسلّم سعداً ـ رضي الله عنه ـ من الزيادة عن الثلث، ولم يقل: إلا أن يشاء ورثتك؟! فالجواب: أنهم قالوا: إنما منعت الوصية بزائد عن الثلث مراعاة لحقّ الورثة، فإذا أسقطوا حقهم فلا تحريم، ولكن الصحيح أنه حرام أن يوصى بزائد على الثلث، لكن هل ينفذ أو لا؟ هذا هو الذي يتوقف على إجازة الورثة، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا وصية لوارث إلا بإجازة الورثة)).فإذا قال قائل: إذا كان الحق للورثة ثم وافقوا بعد الموت فكيف يقال: إنه حرام؟!
يقال: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما استنزله سعد ـ رضي الله عنه ـ وقال: الثلثين، والشطر، قال: ((لا)) ولم يقل: إلا أن يجيز الورثة، ولأن الإنسان إذا أوصى بأكثر من الثلث لأجنبي، أو بشيء للوارث فقد يجيز الورثة بعد الموت حياءً وخجلاً ودرءاً لكلام الناس، وهذا وارد بلا شك، أن الورثة إذا أوصى لأحدهم بزيادة على ميراثه، أو أوصى لأجنبي بزيادة على الثلث، ربما يوافقون حياءً وخجلاً عن إغماض، أو يخشون إن ردوا الوصية أن يتحدث الناس فيهم، فلذلك نرى أنها حرام بكل حال، حتى وإن كان يقول: إن الورثة بعدي سوف يجيزون هذا، والدليل:
أولاً: حديث سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم منعه، ولم يقل: إلا أن يجيز الورثة.
ثانياً: أنهم إذا أجازوا فقد يجيزون حياءً وخجلاً لا عن اقتناع.
فإذا أوصى بما يزيد عن الثلث لأجنبي أو لوارث بشيء فهو آثم، والتنفيذ يتوقف على إجازة الورثة لما سبق.
وقوله: «إلا بإجازة الورثة» يشمل من يرث بالفرض، أو بالتعصيب، فعلى هذا لا بد من موافقة الزوجة ـ مثلاً ـ أو الزوج، ولا بد من موافقة الأم، ولا بد من موافقة العم إذا كان وارثاً بالتعصيب.
والوارث الذي يملك الإجازة هو البالغ، العاقل، الرشيد، فهذه ثلاثة شروط.
فإجازة غير البالغ لا تعتبر؛ لأنه لا يملك التبرع بشيء من ماله، وإجازة المجنون غير معتبرة؛ لأنه لا قصد له، ولا إرادة له، ولا عقل له، وإجازة السفيه ـ وهو الذي لا يحسن التصرف في المال ـ لا عبرة بها.
وقوله: «بعد الموت» متعلق بـ: «إجازة» يعني إلا إذا أجازها الورثة بعد الموت، فإن أجازوها قبل الموت فلا عبرة بإجازتهم؛ لأنهم لم يملكوا المال بعد حتى يملكوا التبرع بشيء منه؛ لأن الإجازة معناها التبرع، ولأن هذا الوارث اليوم قد يكون هو الموروث، فكثيراً ما يكون رجل صحيح وآخر مدنِف فيموت الأول قبل الثاني، فلا يعتد بإجازتهم إلا إذا كانت بعد الموت.
وعلى هذا فلو أن المريض لما رأى دنو أجله جمع الورثة وقال لهم: أنا مالي مائة ألف، وأنا أرغب أن أوصي ببناء مسجد، وبناء المسجد يكلف خمسين ألفاً فهل تسمحون؟ فقالوا: نعم نسمح، ثم مات، فهل يُنَفذ بناء المسجد؟
الجواب: ينفذ منه ما لا يزيد على الثلث، وأما ما زاد على الثلث فلا، فإن قال قائل: هؤلاء سمحوا وأذنوا، فالجواب: أنهم أذنوا قبل أن يملكوا المال؛ لأنهم لا يملكون المال إلا بعد موت المورِّث، فإذنهم وإذن من لم يكن وارثاً على حد سواء؛ لأنهم الآن غير وارثين ولا مالكين للمال، ولا يعلم، فربما أن هذا المريض الذي يُخشَى أن أجله قريب، يموت الأصحاء قبله، وهذا يقع كثيراً.
القول الثاني : أن إجازتهم قبل الموت معتبرة مطلقاً.
القول الثالث : التفصيل أنه إذا كان مرضه مرضاً مخوفاً فإن إذنهم جائز، ولذلك منعناه من التبرع بما زاد على الثلث لتعلق حقهم بماله، فهم هنا يُسقِطون حقهم من الاعتراض، ولا يتبرعون بالمال؛ لأن المال لم يملكوه بعد، ويدل لهذا أن المريض مرض الموت لا يمكن أن يتبرع بأكثر من الثلث من أجل حقهم، ولو قلنا: إن حقهم لا يكون إلا بعد الموت لقلنا: يتبرع بما شاء، وأما إن أجازوا في الصحة فلا وجه لإجازتهم، وإجازتهم غير معتبرة، وهذا القول هو الصحيح، أنهم إذا أذنوا بالوصية بما زاد على الثلث، أو لأحد الورثة فلا بأس إذا كان في مرض الموت المخوف، أما في الصحة فلا عبرة بإجازتهم.
والوصية لأحد الورثة مثل أن يجمعهم، ويقول لهم: يا أبنائي أخوكم الصغير محتاج أكثر، أنتم موظفون وهو قاصر، أنا أريد أن أوصي له بمثل نصيبه من الميراث أو أكثر، فيوافقون على هذا، فالقول الراجح أن هذه الموافقة نافذة وجائزة، إلا إذا علمنا أنهم إنما أذِنوا حياءً وخجلاً فلا عبرة بهذا الإذن.
مسألة: لو أوصى لكل وارث بمقدار حقه، كأن يكون له أربعة أبناء وقال: أوصيت لكل واحد بالربع، فإنه يجوز؛ لأنه ليس في هذا ظلم لأحد، ولكن لو أوصى لوارث بمعين بمقدار حقه، بأن كان له أربعة أبناء وكان عنده أربع شقق متساوية القيمة، فهل يجوز أن يوصي لكل واحد من الأبناء بشقة تساوي حقه؟ فالمذهب أنه لا بأس بذلك.
والقول الثاني : لا يصح وهو أصح، حتى لو كانت متساوية من كل وجه؛ لأن كل وارث حقه مشاع في التركة، فكيف نلزمه بإفراز حقه بدون رضاه؟! ثم ربما يحصل تشاحن فيما بينهم، ثم إن الموصي قد يقدر أن قيمها واحدة وهي مختلفة.
وقوله: «فتصح تنفيذاً» أي: تصح الوصية تنفيذاً لا ابتداء عطية، وعلى هذا فلا يعتبر شروط العطية في هذا التنفيذ؛ لأنه تنفيذ لتصرف الغير، وعليه فلو كان أحد الورثة مريضاً مرض الموت، وليس له مال إلا ما ورثه من مورثه، وأجاز فتصح إجازته ولو استوعبت جميع المال؛ لأنه لم يتبرع بشيء، فغاية ما هنالك أنه أجاز تصرف المُوَرِّث قبل أن يملكه هو؛ لأن المورث قد أوصى به لفلان، فتكون إجازة الوارث ليست ابتداء عطية، وليست تبرعاً محضاً، وإنما هي تنفيذ لتصرف غيره.
وَتُكْرَهُ وَصِيَّةُ فَقِيرٍ وَارِثُهُ مُحْتَاجٌ وَتَجُوزُ بِالكُلِّ لِمَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالوَصَايا فَالنَّقْصُ بِالقِسْطِ، .....
قوله: «وتكره وصية فقير» المراد بالفقير هنا الفقير عرفاً، وليس الفقير في باب الزكاة، فالفقير في باب الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته سنة، والفقير هنا ما عُدَّ عند الناس فقيراً، وهو من لم يترك مالاً كثيراً، ولو كان عنده مؤونة نفسه لمدة سنة.
قوله: «وارثه محتاج» يعني وارثه ـ أيضاً ـ فقير مثله، يحتاج إلى المال، فهذا يكره أن يوصي؛ لأنه بعد موته تتعلق نفس الوارث بالمال، والموصي إنما أوصى طلباً للأجر، والأولى أن نعطي المال لمن له الحق شرعاً، وهو محتاج، ولا نعطيه شخصاً أجنبياً، فما دام الوارث محتاجاً والمال قليل، فإنه يكره للإنسان أن يوصي ولو بالثلث.
فإذا قال: أنا أريد الخير، فأنا أوصي بثلث مالي للمساجد. قلنا: إغناء الورثة خير لك، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة))
فعندنا ثلاثة أحكام للوصية:
وصية مسنونة، ووصية محرمة، ووصية مكروهة وهي وصية الفقير الذي وارثه محتاج، فإن كان وارثه غير محتاج وهو فقير فالوصية مباحة؛ لأن الأصل فيها الإباحة.
قوله: «وتجوز بالكل لمن لا وارث له» ، أي: تجوز الوصية بكل ماله لمن لا وارث له، فإذا كان رجل ليس له وارث وعنده أموال عظيمة، وأوصى بهذه الأموال أن تعمر بها المساجد فيجوز؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم علل منع الزيادة على الثلث بقوله: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة))، فإذا لم يكن له وارث فهنا لا أحد يطالبه بمال، فتجوز الوصية بالكل لمن لا وارث له.
هذه أربعة أحكام تكليفية في الوصية، بقي الحكم الخامس وهو وجوب الوصية، فتجب الوصية بكل حق واجب على الموصي ليس عليه بينة، مثاله: رجل عليه دَين وليس لصاحب الدَّين شهود، فيجب على المدين أن يوصي بقضاء دينه، إلا إذا كان عليه بينة، فإنه إذا كان عليه بينة فلا يمكن أن يضيع، ولكن بشرط أن تكون البينة موجودة، معلومة، موثوقة،
فهذه ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون البينة موجودة، فإن كانت البينة قد ماتت، فالمدين يعرف أن فلاناً وفلاناً يشهدان على أن في ذمته لفلان كذا، لكن مات الرجلان، فوجود هذه البينة وعدمها سواء؛ لأن صاحب الحق يضيع حقه إذا لم توجد البينة.
الثاني: أن تكون معلومة، فإن لم تكن معلومة فلا فائدة منها، ومعنى معلومة أي في المكان الفلاني، ويمكن بكل سهولة أن نستدعيها، أما إذا كانت غير معلومة كرجل أشهد على دينه فلان بن فلان وفلان بن فلان، وكان ذلك في موسم الحج والشاهدان من الحجاج، فهذه البينة غير معلومة، ولو فرض أنها معلومة فغير مقدور على إحضارها إذا قدرنا أنهم في أقصى الغرب، أو أقصى الشرق.
الثالث: أن تكون موثوقة، فإن كانت البينة غير موثوقة، بحيث يعرف الموصي أن هذين الرجلين لو شهدا عند الحاكم لرد شهادتهما، فلا فائدة من ذلك، وسواء رد شهادتهما لفسقهما، أو لقرابة بينهما وبين من له الحق، أو لغير ذلك.
وبهذا تقرر أن الوصية تجري فيها الأحكام التكليفية الخمسة.
قوله: «وإن لم يفِ الثلث بالوصايا فالنقص بالقسط» سبق أنه يُبدأ بالأول فالأول في العطية، وأن الوصايا يُسوَّى فيها بين المتقدم والمتأخر، فإذا أوصى لجماعة وزادت الوصية على الثلث فإن النقص يكون بالقسط، فلو أوصى لشخص بألف، ولآخر بألفين، ولثالث بثلاثة، وماله تسعة آلاف، فهنا مجموع الوصايا ستة آلاف، يزيد على الثلث، فهل نبدأ بالأول فالأول، أو نأخذ بالأكثر، أو ماذا؟
يقول المؤلف: «فالنقص بالقسط» ، وكيفية ذلك أن تنسب الثلث إلى مجموع الوصايا، فما بلغ من النسبة فلكل واحد من وصيته مثل تلك النسبة.
ففي مثالنا مجموع الوصايا ستة آلاف، والثلث ثلاثة آلاف، فننسب الثلث إلى مجموع الوصايا يكون النصف، فنعطي كل واحد نصف ما أوصى له به، فنعطي صاحب الألف خمسمائة، وصاحب الألفين ألفاً، وصاحب الثلاثة ألفاً وخمسمائة، فالجميع ثلاثة آلاف وهو الثلث.
لكن لو أوصى لواحد بمعين ولآخر بمشاع، مثل أن يوصي لشخص بسيارة قيمتها ستمائة درهم، وللثاني بخمسمائة درهم، وتوفي وكان مجموع ماله ثلاثة آلاف درهم، والوصية ألف ومائة، فالوصية إذاً زادت على الثلث، فننسب الثلث ألفاً إلى مجموع الوصايا ألف ومائة، فتكون النسبة عشرة من أحد عشر.
فلصاحب السيارة ستة منسوبة إلى عشرة من أحد عشر، ولصاحب الخمسمائة خمسة منسوبة إلى عشرة من أحد عشر، فيدخل صاحب الخمسمائة على صاحب السيارة بشيء، فتكون السيارة مشتركة.
وَإِنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ فَصَارَ عِنْدَ المَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ صَحَّتْ، والعَكْسُ بِالعَكْسِ، وَيُعْتَبَرُ القَبُولُ بَعْدَ المَوْتِ وَإِنْ طَالَ، لاَ قَبْلَهُ .....
قوله: «وإن أوصى لوارث فصار عند الموت غير وارث صحت» ، سبق أنه لا يحل له أن يوصي لوارث لا بقليل ولا بكثير، والوقت الذي يعتبر فيه كونه وارثاً هو الموت، لا وقت الوصية، فإذا أوصى لوارث فصار عند الموت غير وارث فالوصية صحيحة، مثال ذلك: أوصى لأخيه الشقيق ثم وُلِدَ له بعد ذلك ابن، فالأخ الشقيق كان عند الوصية وارثاً، ثم لما وُلِدَ للموصي ابن صار الأخ غير وارث، فتصح الوصية له.
قوله: «والعكس بالعكس» ، فلو كان له ابن وأخ، فأوصى للأخ وهو الآن غير وارث؛ لأن الابن يحجبه، ثم مات الابن فصار الأخ وارثاً، فالوصية غير صحيحة؛ لأنه صار عند الموت وارثاً فتبطل الوصية، ويكتفى بما قُدِّر له من الميراث.
المهم أن القاعدة: أن اعتبار كون الموصى له وارثاً أو غير وارث هو وقت الموت دون وقت الوصية.
وهل العطية كالوصية، أو المعتبر وقت الإعطاء؟
في هذا خلاف بين فقهائنا رحمهم الله، فمنهم من قال: إن العطية كالوصية، فيعتبر في كون المعطَى وارثاً أو غير وارث وقت الموت.
ومنهم من قال: بل هو وقت الإعطاء؛ لأنه وقت ملكه إياها.
قوله: «ويعتبر القبول بعد الموت وإن طال» ، أي: قبول الموصى له الوصية معتبر بعد الموت.
قوله: «لا قبله» ، فلو قَبِلَ قَبْل الموت فالقبول غير صحيح، فلو أوصى رجل لآخر ببيت، وقَبِل الموصَى له البيت من حين علمه بالوصية، فلا يصح القبول ولا ينتقل ملك البيت إلى الموصى له؛ لأن الوصية لا تنفذ إلا بعد الموت، إذاً قبوله وعدمه سواء، ما دام الموصي على قيد الحياة، فيعتبر القبول بعد الموت ولو بلحظة.
فلو أُخبر بأن فلاناً أوصى له بالبيت ولم يقبل في الحال، وتأخر قبوله فلا بأس بهذا؛ لأن المعتبر القبول بعد الموت ولو طال، ولا يشترط أن يقبل حين علمه بالوصية؛ لأن أصل الوصية قبل أن يموت الموصي عقدٌ جائز، فكذلك ـ أيضاً ـ قبل أن يقبل الموصى له هي عقد جائز، إذا شاء قبل وإذا شاء رد.
إذاً من شرط قبول الموصى له أن يكون قبوله بعد الموت، فإن قَبِلَ قبله فلا عبرة بقبوله.
ويستثنى من ذلك ما إذا كانت الوصية لغير عاقل أو لغير محصور.
مثال الأول: لو أوصى بدراهم تصرف في بناء المساجد، فلا يقال: يشترط لصحة الوصية أن يقبل مدير الأوقاف؛ لأن المساجد جهة، وليست ذات ملك.
مثال الثاني: لو أوصى بدراهم للفقراء فلا يشترط اجتماع الفقراء كلهم ليقولوا: قبلنا الوصية؛ لأن هذا مستحيل، ولو أوصى لبني زيد، فإن كانوا قبيلة لم يشترط القبول لعدم إمكان حصرهم، وإن كانوا لصلبه فإنه يمكن حصرهم فيشترط القبول، أما غير العاقل وغير المحصور، فإن الوصية تثبت بمجرد موت الموصي.
وَيَثبُتُ المُلْكُ بِهِ عَقِبَ المَوْتِ، ومَنْ قَبِلَهَا ثُمَّ رَدَّهَا لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ، وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الوَصِيَّةِ ........
قوله: «ويثبت الملك به» أي بالقبول.
قوله: «عقب الموت» ولو طال الزمن بين موت الموصي وقبول الموصى له، وعلى هذا فما حدث من نماء بين موت الموصي وقبول الموصى له فهو للموصى له؛ لأنه يثبت ملكه للموصى به من حين موت الموصي.
مثال ذلك : رجل أُوصِيَ له ببيت وكان يؤجر في اليوم الواحد بمائة ريال، ثم لم يقبل الموصَى له إلا بعد عشرة إيام من موت الموصي ـ فالنماء ألف ريال ـ يكون للموصى له؛ لأن المؤلف يقول: «يثبت الملك به» ، أي: بالقبول «عقب الموت» ، أي: من حين موت الموصي، مع أنه بالأول ليس على ملكه، فهو محتمل أن يكون للورثة أو للموصى له، لكن لما قَبِل انسحب الملك بأثر رجعي ـ كما يقولون ـ فصار النماء من موت الموصي إلى قبول الموصى له، للموصَى له، هذا ما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ.
وقال بعض العلماء ـ وهو المشهور من المذهب ـ: إنه لا يثبت الملك إلا بالقبول؛ لأنه قبل أن يقبل ليس ملكه، وبناءً على هذا ففي مثالنا السابق تكون ألف الريال للورثة؛ لأن ملك الموصَى له للموصى به لم يثبت إلا بعد قبوله.
والمسألة محتملة، فكلام المؤلف ـ رحمه الله ـ له قوة؛ لأن ملك الموصَى له للموصى به ملك مراعى، فإن قَبِل فهو ملكه من حين زال ملك الموصي عنه، وملك الموصي يزول عنه بالموت، والمذهب له وجهة نظر أيضاً؛ لأنه لم يثبت ملكه إياه إلا بالقبول، فكيف يكون نماء ملك غيره له؟! فالمسألة مترددة بين هذا وهذا، والقاضي إذا تحاكم الورثة والموصَى له عنده يرجح ما يراه راجحاً، والأولى والأحسن والأحوط أن يصطلح الورثة والموصى له في مثل هذه الحال.
قوله: «ومن قبلها» أي: الوصية، أي: الموصى به.
قوله: «ثم ردها لم يصح الرد» لأنها دخلت ملكه، لكن لو قبلها الورثة، أي قبلوا ردَّه للوصية صار ابتداء هبة لهم من الموصَى له.
مثاله: أوصى رجل بهذا البيت لفلان، فَقَبِل، وصار البيت له، ثم بعد ذلك نَدَّمَهُ بعض الناس، فجاء للورثة وقال: أنا تعجَّلت وقبلت الوصية والآن أردها، فقال الورثة: لا نقبل، فنأخذ بقول الورثة؛ لأنه لما قبلها دخلت في ملكه، لكن لو قَبِلَ الورثة الرد صار ابتداء هبة، فكأنه أعطاهم من جديد، وبناءً على ذلك لو كان له غرماء وكان محجوراً عليه فإن هبته للورثة غير صحيحة؛ لأنه محجور عليه.
قوله: «ويجوز الرجوع في الوصية» أي: يجوز للموصي أن يرجع في وصيته؛ وذلك لأنها تبرع معلق بالموت، ولم يحصل الموت فله أن يرجع.
مثاله: أوصى رجل بهذا البيت ليسكنه الفقراء، فهو أوصى به لله ـ تعالى ـ صدقة، ثم بعد ذلك رجع، وقال: فسخت وصيتي، فإنه يصح.
فإن قال قائل: أليس أخرجه لله؟
فالجواب: بلى، لكنه لم يخرج عن ملكه، فهو كالرجل يعزل الدراهم ليتصدق بها، أو يكيل الطعام ليتصدق به، ثم يبدو له فيرجع، فالرجوع صحيح؛ لأنه لم يخرجه عن ملكه، فهذا الذي رجع في وصيته ـ ولو كانت صدقة لله ـ رجوعه صحيح؛ لأنها لم تخرج عن ملكه.
وهل يجوز أن يغير في الوصية ويبدل ويقدم ويؤخر؟ نعم يجوز؛ لأنه إذا جاز الرجوع في الأصل؛ جاز الرجوع في الشرط والوصف، فإذا أوصى بهذا البيت أن يُجْعَلَ للفقراء، ثم بدا له أن يحوله لطلبة العلم جاز ذلك.
ولهذا ينبغي للإنسان إذا أوصى في شيء ثم بدا له بعد ذلك أن يغير وكتب الوصية الثانية، فإنه ينبغي له أن يقول: هذه الوصية ناسخة لما سبقها؛ حتى لا يكون وصيتان ويرتبك الورثة.
ويكون الرجوع في الوصية بالقول وبالفعل، فإذا قال: اشهدوا أني رجعت في وصيتي، أو أني فسخت وصيتي، فهذا رجوع بالقول.
ويكون الرجوع بالفعل كأن يكتب بيده: إني قد أوصيت بالدار الفلانية لسكنى الفقراء لكني رجعت في وصيتي، فهذا رجوع بالفعل؛ لأنه كتب ولم ينطق ولا بكلمة.
مثال ثانٍ : أوصى بالبيت أن يكون سكناً للفقراء ثم باع البيت، فهذا رجوع بالفعل؛ لأنه لما باعه نقل ملكه، فبطلت الوصية لانتقال ملك الموصي عن الموصى به.
إذاً الرجوع يكون بالقول، وبالفعل، والفعل إما كتابة، وإما تصرف يدل على الرجوع.
لكن لو أوصى بهذا البيت لسكنى الفقراء ثم أجَّره، فهذا ليس رجوعاً؛ لأنه لم ينقل ملكه، فالملك باقٍ حتى مع التأجير، وإذا قدر أنه مات فالإجارة تبقى إلى أن تتم المدة، ثم يسكنه الفقراء؛ لأنه موصى به لهم.
فإذا قال قائل: كيف جاز الرجوع في الوصية؟
قلنا: لأنها لا تنفذ إلا بعد الموت، ومن هنا نعلم صحة الهبة المشروطة بشرط، خلافاً للمذهب، مثل أن يقول لشخص: إن تزوجت فقد وهبت لك هذا البيت تسكنه أنت وزوجتك، فهذا يجوز؛ لأن المسلمين على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرَّم حلالاً، والصحيح أن جميع العقود يجوز فيها التعليق إلا إذا كان هذا التعليق يحق باطلاً أو يبطل حقاً.
وَإِن قَالَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلَهُ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِعَمْرٍو، فَقَدِمَ فِي حَيَاتِهِ فَلَهُ وَبَعْدَهَا لِعَمْرٍو.
قوله: «وإن قال» ، أي: الموصي.
قوله: «إن قدم زيد فله ما أوصيت به لعمرو فقدم» ، يعني زيداً .
قوله: «في حياته فله» ، أي: حياة الموصي، فهنا يكون الموصى به لزيد؛ لأنه قدم قبل أن يملك عمرو الوصية.
قوله: «وبعدها لعمرو» ، أي: بعد حياته، فإن قدم زيد بعد حياة الموصي فإنها تكون لعمرو؛ لأنه لما توفي الرجل تعلق حق الموصى له بهذه العين، ولا يمكن أن نبطل حقه من أجل قدوم زيد، وسواء قدم زيد قبل قبول عمرو الوصية أو بعد القبول، فإن كان قدم بعد قبول عمرو فالأمر واضح؛ لأن عمراً ملكها، وإن كان قدم قبل قبوله فلأن حق عمرو تعلق بها.
وهذا مبني على ما سبق من جواز الرجوع في الوصية، لأنه لما قال: «إن قدم زيد فله ما أوصيت به لعمرو» كان رجوعاً في الوصية.
مثال ذلك: أوصى بهذه السيارة لعمرو، ثم قال بعد الوصية بيوم أو يومين أو شهر أو شهرين: إن قدم زيد فله ما أوصيت به لعمرو، فقدم زيد قبل أن يموت الموصي فتكون السيارة لزيد، أما إذا قدم بعد أن مات الموصي فتكون لعمرو؛ لأنه لما قدم في حياة الموصي فإنه تم الشرط، حيث قال: إن قدم فله ما أوصيت به لعمرو، أما إذا قدم بعد موته فقد تعلق بها حق عمرو، إن كان قد قَبِلَها فقد ملكها، وإن كان لم يقبلها فهو أحق بها؛ لأنها موصى بها له.
ولو أوصى بهذه السيارة لعمرو ثم أوصى بها لزيد ثم مات، فكيف يكون الحال؟ هل نقول: إنهما يشتركان فيها، أو نقول: إنها للآخِر منهما؟
فيها قولان:
الأول: أنهما يشتركان فيها؛ لأنها عين أُوصِي بها لشخصين فيشتركان فيها، ولكن هذا الاشتراك اشتراك تزاحم، فإن قبلا الوصية فالسيارة بينهما، وإن ردها أحدهما صارت كلها للآخَر.
وقال بعض العلماء: بل الاشتراك يكون اشتراك ملك، بمعنى أنه إذا لم يقبلها أحدهما فإن نصيبه يرجع للورثة وللآخَر نصيبه، لكن الأول أصح بلا شك؛ لأنهما لم يملكاها بعقد حتى نقول: إنه اشتراك ملك، بل هو اشتراك تزاحم، فإن قبلاها فهي بينهما، وإن لم يقبلاها فهي لمن قبِلها كاملة.
الثاني: أنه إذا أوصى بها لزيد ثم أوصى بها لعمرو فهي للآخِر منهما؛ لأن الوصية بها للثاني رجوع عن الوصية بها للأول، وهذا القول هو الصحيح، أن الأول ليس له منها نصيب وعمل الناس اليوم على هذا، ومثل ذلك لو أوصى بالبيت يصرف في كذا ثم أوصى به ثانية وقال: يصرف في كذا، فهل نقول: يصرف في المصرفَيْن جميعاً، أو في الثاني منهما؟
الجواب: ينبني على الخلاف، ولهذا ذكرت فيما سبق أنه ينبغي للموصي إذا كتب وصية أن يقول: هذه الوصية ناسخة لما سبقها؛ حتى لا يحصل ارتباك بين الورثة والموصَى له.
ويستفاد من هذا جواز تعليق الوصية، وهو كذلك، فالوصية يجوز أن تعلق بشرط، وله أمثلة كثيرة، منها: لو قال: إنْ طلب زيد العلم فله هذه المكتبة، ثم مات الموصي وقد طلب زيد العلم فإن الوصية تثبت؛ لأن الوصية تبرع وليست معاوضة.
وَيُخْرَجُ الوَاجِبُ كُلُّهُ، مِنْ دَيْنٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ،
قوله: «ويُخرَجُ الواجب كله، من دين وحج وغيره من كل ماله بعد موته وإن لم يوصِ به» إذا مات الإنسان يتعلق بتركته خمسة حقوق:
أولاً: تجهيزه، ثانياً: الدَّين برهن، ثالثاً: الدَّين المرسل، رابعاً: الوصية، خامساً: الإرث.
فنقدم ما يتعلق بالتجهيز، فلو مات وخلف مائة ريال وهو لا يجهز إلا بمائة جهَّزناه بها، حتى وإن كان عليه دين؛ لأن تجهيزه بمنزلة ثياب المُفلَّس وطعامه وشرابه، فهي حاجة شخصية، فكما أن المفلس الذي عليه الديون، لا نبيع ثيابه التي عليه ولا نأخذ طعامه الذي يأكله؛ لأن هذا تتعلق به حاجته بنفسه، فكذلك تجهيزه.
بعد ذلك الدَّيْنُ الذي برَهْن، ثم الدَّيْن الذي بغير رهن، فالديون تخرج قبل كل شيء.
وظاهر كلامه ـ رحمه الله ـ «من دين وحج» أنه يحج عنه وإن كان الرجل قد ترك الحج لا يريد الحج، ولكن في هذا نظراً، فإن القول الراجح أنه إذا ترك الحج لا يريد الحج فإنه لا يُقضى عنه، ويترك لربه يعاقبه يوم القيامة؛ لأنه ترك الحج وهو لا يريده، أما لو فرض أن الرجل متهاون، يقول: أحج العام القادم وهكذا، فهذا يتوجب القول بقضاء الحج عنه، وقد ذكر هذا ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه تهذيب السنن، وقال: قواعد الشريعة تقتضي ألا يقضى عنه الحج، ومثله الزكاة، فإن تركها الإنسان بخلاً لا تفريطاً في الأداء فإننا لا نؤدي الزكاة عنه، أما لو تركها تفريطاً ثم مات فهنا يتوجه أن نؤدي الزكاة عنه؛ لأنه يرجو أن يؤديها لكن عاجله الأجل.
وقوله: «من كل ماله» أي: يخرج الدين من كل ماله لا من الوصية، سواء أوصى به أو لم يوصِ، ثم بعد ذلك الوصية ثم بعدها الميراث.
وقوله: «من دين وحج وغيره» يشمل الكفارات إذا كان عليه كفارات، والزكاة إذا كان عليه زكاة؛ لأن هذا واجب لله ـ عزّ وجل ـ، والحج كذلك.
ولنضرب لهذا مثلاً برجل توفي وأوصى بالثلث وعليه دين عشرة آلاف ريال، ولما توفي لم نجد عنده إلا عشرة آلاف ريال، فإنه يقضى دينه حتى وإن كان أوصى بشيء فالوصية باطلة، حتى لو أوصى بشيء معين، فنبطل الوصية ونوفي الدَّين، فالدَّين مقدم على الوصايا وعلى المواريث.
ولعل قائلاً يقول: أليس الله ـ تبارك وتعالى ـ قدم الوصية على الدين فقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، وفي الآية الثانية: {يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] ، فبدأ بالوصية، والقاعدة أنه يبدأ بالأهم فالأهم؟
فالجواب عن هذا من وجهين :
أولاً: أن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: «إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قضى بالدين قبل الوصية».
ثانياً: أن الحكمة في تقديم الوصية هو الاعتناء بها؛ لأن الوصية لا مُطالب بها والدين له مُطالب، فالوصية لما كانت لا مطالب بها ربما يتوانى الورثة في تنفيذها، أو يجحدونها أيضاً، والدين لا يمكنهم هذا فيه، فلو أنهم توانوا في قضائه فصاحبه يطالب.
والخلاصة : أنه يقضى الدين قبل الوصية، وبعد قضاء الدين نرجع للوصية، وننظر إن استغرقت أكثر من الثلث الباقي بعد الدين لم ينفذ منها إلا الثلث، فإذا قدَّرنا أن رجلاً عنده أربعون ألفاً وعليه عشرة آلاف دين، وقد أوصى بالثلث، فإننا نجعل الوصية في هذه المسألة عشرة آلاف، ولو أننا اعتبرنا الوصية قبل الدين لكانت ثلاثة عشر ألفاً وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثاً، لكننا لا نعتبر الوصية إلا بعد قضاء الدين، فنخرج أولاً الدين ثم ننظر إلى ثلث الباقي وننفذ منه الوصية، ولهذا قال:((من كل ماله بعد موته وإن لم يوصِ به)) ، يعني وإن لم يوصِ الميت المدين بقضائه؛ لأنه حق واجب عليه، وسبق لنا أنه إذا كان هذا الدين ليس به بيِّنة فإنه يجب عليه أن يوصي به.
فَإِنْ قَالَ: أَدُّوا الوَاجِبَ مِنْ ثُلُثِي بُدِئَ بِهِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ أَخَذَهُ صَاحِبُ التَّبَرُّعِ، وَإِلاَّ سَقَطَ.
قوله: «فإن قال» يعني الميت.
قوله: «أدوا الواجب من ثلثي بُدئ به، فإن بقي منه شيء أخذه صاحب التبرع، وإلا سقط» ، «الواجب» أي: الحج، أو الكفارة، أو الدَّين، فإننا نفصل الثلث عن التركة ونبدأ به، فنخرج الدين من الثلث، فإما أن يزيد الدين على الثلث، وإما أن ينقص، وإما أن يساوي، فإن ساوى فالأمر واضح، فلو قال: أدوا الواجب من ثلثي، ولما مات وفرزنا التركة وجدنا أن الثلث عشرة آلاف، وأن الدين عشرة آلاف، فإننا نخرج الثلث ولا يكون له وصية؛ لأنه أوصى أن يُقضى الدين من الثلث وقد أديناه.
الصورة الثانية: النقص، لما فرزنا التركة وجدنا أن الثلث سبعة آلاف والدين عشرة آلاف، فنوفي الواجب سبعة آلاف ونأخذ الثلاثة الباقية من التركة.
الصورة الثالثة: الزيادة، قال: أدوا الواجب من ثلثي، وثلثه عشرة آلاف، فأحصينا الواجب وجدناه سبعة، فنخرج السبعة في الواجب والباقي تبرع.
مثال ذلك : يقول: أوصيت بثُلُث مالي لزيد، ثم قال: أوصيت أن تخرجوا زكاتي من الثلث ومات الرجل، وكان ثلثه ثلاثين ألفاً وعليه زكاة عشرون ألفاً، فإن أعطينا زيداً الثلث سقطت الزكاة، وإن أدَّينا الزكاة لم يبق لزيد إلا عشرة، فماذا نعمل؟
يقول المؤلف: تخرج الزكاة من الثلث فإن بقي شيء أخذه صاحب التبرع، وإن ساوت الزكاة الثلث أخرجناها، والموصى له ليس له شيء.
أما لو قال: أوصيت لزيد بثلث مالي والمال تسعة آلاف، ثم مات وعليه زكاة ثلاثة آلاف، فنخرج ثلاثة آلاف للزكاة فالباقي ستة، لزيد ألفان، لكن لو قال: أخرجوا الزكاة من ثلثي لم يبق لزيد شيء.
وقوله: «وإلا سقط» يدخل تحتها صورتان:
الأولى: أن يكون الثلث بقدر الدَّين.
الثانية: أن يكون الدين أكثر من الثلث.
وما هو الأفضل للميت؟
نقول: هذا يرجع إلى حال الورثة، إذا كانوا أغنياء فليكن قضاء الواجب من التركة، وإذا كانوا فقراء فليقل: من ثلثي، حتى لا يضيق عليهم.


[1] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم/ باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ (3700).
[2] سبق تخريجه ص(116).
[3] سبق تخريجه ص(118).
[4] سبق تخريجه ص(131).
[5] سبق تخريجه ص(116).
[6] سبق تخريجه ص(118).
[7] أخرجه الدارقطني (4150) ط/الرسالة، والبيهقي (6/263) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال الحافظ في التلخيص (1370): والمعروف المرسل، وضعفه في الإرواء (1656)؛ وأخرجه الدارقطني (4154) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ، قال الحافظ في التلخيص (1370): إسناده واهٍ.
[8] سبق تخريجه ص(118).
[9] أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة التمريض في الوصايا/ باب تأويل قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}؛ ووصله الإمام أحمد (1/79)؛ والترمذي في الفرائض/ باب ما جاء في ميراث الإخوة من الأب والأم (2094)؛ وابن ماجه في الوصايا/ باب الدين قبل الوصية (2715) عن علي ـ رضي الله عنه ـ، قال الحافظ في الفتح (5/444) ط/دار الريان: «إسناده ضعيف، ولكن العمل عليه كما قال الترمذي». وحسنه في الإرواء (1667).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوصايا, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir