اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد العزيز الداخل
المقدمة الثالثة: شرح مسائل نزول سورة الفاتحة
في نزول سورة الفاتحة جُملة من المسائل، من أهمها:
المسألة الأولى: الخلاف في مكيّة سورة الفاتحة:
سورة الفاتحة مكية لقول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}، وقد صحّ تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للمراد بالسبع المثاني أنها فاتحة الكتاب من حديث أبيّ بن كعب وحديث أبي سعيد بن المعلى وحديث أبي هريرة رضي الله عنهم جميعاً، وهي أحاديث صحيحة لا مطعن فيها، وسورة الحجر سورة مكية باتفاق العلماء.
وقد صحَّ عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ما يوافق تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، وروي ما يوافقه عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة بأسانيد فيها مقال.
وصحّ هذا التفسير عن جماعة من التابعين.
وصحّ ما يفيد النصّ على أنها مكية عن أبي العالية الرياحي والربيع بن أنس البكري.
ولا يصحّ خلاف ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا عن أحد من التابعين إلا ما روي عن مجاهد رحمه الله أنه قال: (نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن وابن ابي شيبة في مصنفه بلفظ مقارب.
قال الحسين بن الفضل البجلي: (لكل عالم هفوة، وهذه مُنكرة من مجاهد لأنّه تفرَّد بها، والعلماء على خلافه). ذكره الثعلبي.
وقيل: نزلت مرتين: مرة بمكَّة ومرة بالمدينة، وهذا القولُ نُسب إلى الحسين بن الفضل البجلي وفيه النسبة إليه نظر، وقال به القشيري في تفسيره.
وقد حمل الشوكانيُّ هذا القول على إرادة الجمع بين القولين المتقدّمين، وهو جمع فيه نظر، والقول بتكرر النزول لا يصحّ إلا بدليل صحيح يُستند إليه.
وقيل: نزل نصفها بمكة، ونصفها الآخر بالمدينة، وهذا القول ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره، وهو قول باطل لا أصل له,
قال ابن كثير: (وهو غريب جداً).
وجمهور أهل العلم على أنَّ الفاتحة مكيَّة، وهو الصواب، والله تعالى أعلم.
المسألة الثانية: خبر نزول سورة الفاتحة
كان لنزول سورة الفاتحة شأن خاصٌّ يدلّ على فضلها وعظمتها، وفيه إشارة إلى ما ينبغي أن تُتلقَّى به هذه السورة من حسن التلقّي والقبول والتكريم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: " هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم"، فنزل منه ملك، فقال: "هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم"؛ فسلَّم وقال: (أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته). رواه مسلم.
النقيض هو الصوت، ونقيض السقف تحرّك أجزائه حتى يُحدث صوتاً.
وفي هذا الحديث بشارة عظيمة للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولأمّته بما اختصّهم الله به من إنزال سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة عليهم دون سائر الأمم.
وأنزلَ ملكاً كريماً إلى السماء لم ينزل من قبل، وما نزل إلا ليبلّغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هذه البشارات العظيمة، وما تضمّنته كلّ بشارة منها من كرامات جليلة للنبيّ صلى الله عليه وسلّم ولأمّته تستوجب شكر الله تعالى ومحبّته واتّباع رضوانه؛ فهي نور عظيم البركة واسع الهدايات جليل البصائر، وهي كرامة خاصّة لهذه الأمّة؛ لم تُعطها أمّة من الأمم، ودعاء الداعي بها مستجاب؛ وأكّد هذه البشارة بتأكيد جامع بين أسلوبي الحصر والاستغراق؛ (لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته).
فلا يُستثنى منهما حرف، والحرف هنا كلّ جملة طلبية كانت أو خبرية؛ فالجملة الطلبية عطاؤها الإجابة، والجملة الخبرية عطاؤها الذكرُ والإثابة.
وقوله: (لن تقرأ) القراءة المعتبرة هنا هي القراءة التي يحبّها الله تعالى ويرضاها، وهي القراءة التي اشتملت على شرطي القبول من الإخلاص والمتابعة؛ فإذا قرأ العبد الفاتحة قراءة مخلصاً فيها لله جلّ وعلا، ومتبعاً فيها النبي صلى الله عليه وسلم كانت قراءته متّقبَّلة نافعة.
المسألة الثالثة: ترتيب نزول سورة الفاتحة
لا يصحّ في ترتيب نزول سورة الفاتحة حديث ولا أثر مما وقفت عليه، ولا تحديد لتاريخ نزولها، وقد روي في ذلك حديث مرسل عن أبي ميسرة الهمداني، وآثار ضعيفة عن ابن عباس وجابر بن زيد وعطاء الخراساني وابن شهاب الزهري، وهي آثار ضعيفة جداً في ترتيب نزول سور القرآن، لا يصحّ منها شيء.
وأما مرسل أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني فهو ما أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من طريق يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لخديجة: ((إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، وقد والله خشيت أن يكون هذا أمراً))
فقالت: (معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فو الله إنك لتؤدي الأمانة، أو تصل الرحم، وتصدق الحديث)
فلما دخل أبو بكر وليس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ذكرت خديجة حديثه له وقالت: يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ أبو بكر بيده، فقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال: ومن أخبرك؟
قال: خديجة، فانطلقا إليه، فقصَّا عليه.
فقال: (( إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد، يا محمد، فأنطلق هاربا في الأرض))
فقال: لا تفعل فإذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني؛ فلما خلا ناداه يا محمد قل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. حتى بلغ. ولا الضالين قل: لا إله إلا الله، فأتى ورقة فذكر ذلك له فقال له ورقة أبشر، ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل، وأنك سوف تُؤمر بالجهاد بعد يومك هذا ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك).
وهذا الخبر رجاله ثقات يونس بن عمرو هو ابن أبي إسحاق السبيعي، وأبو ميسرة تابعيٌّ ثقة من كبار التابعين وفضلائهم، لكن هذا الخبر فيه حروف منكرة؛ فلا يحتجّ به لإرساله، ولما فيه من نكارة، ولمخالفته ما صحّ في الأحاديث الصحيحة من أنَّ أوَّل ما نزل من القرآن صدر سورة اقرأ.
وقد رواه أيضاً الثعلبي والواحدي من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة، وقد اختلفا في إسناده ومتنه.
قال ابن حجر في العجاب:(وهو مرسل ورجاله ثقات؛ فإن ثبت حُمل على أنَّ ذلك كان بعد قصة غار حراء، ولعله كان بعد فترة الوحي والعلم عند الله تعالى).
ومما ينبغي التنبيه عليه قول الزمخشري في كشافه: (وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب).
وقال ابن عاشور: (وقد حقّق بعض العلماء أنّها نزلت عند فرض الصّلاة فقرأ المسلمون بها في الصّلاة عند فرضها)ا.هـ.
وهذا القول يفتقر إلى دليل، وحديث ابن عباس المتقدّم دالٌّ على أنّ سورة الفاتحة نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في الأرض، والصلاة فرضت عليه في السماء لمّا عُرج به.
المسألة الرابعة: هل نزلت سورة الفاتحة من كنز تحت العرش؟
رُوي في هذه المسألة حديثان ضعيفان:
أحدهما: حديث يُروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« إن الله عز وجل أعطاني فيما منَّ به علي؛ إني أعطيتك فاتحة الكتاب، وهي من كنوز عرشي، ثم قسمتها بيني وبينك نصفين » رواه ابن الضريس في فضائل القرآن والعقيلي في الضعفاء والبيهقي في شعب الإيمان والديلمي في مسند الفردوس، وفي إسناده صالح بن بشير، وهو متروك الحديث.
والآخر: حديث يُروى علي بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه أنّه سئل عن فاتحة الكتاب، فقال: حدّثنا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ تغيّر لونه، وردّدها ساعةً حين ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: (أنها نزلت من كنزٍ تحت العرش). رواه إسحاق بن راهويه كما في إتحاف الخيرة والديلمي في مسند الفردوس، وهو منقطع الإسناد.
وقد صحّ من حديث حذيفة بن اليمان وحديث أبي ذرٍّ رضي الله عنهما أنّ الذي نزل من تحت العرش خواتيم سورة البقرة.
ولذلك لا نجزم في هذه المسألة بنفي ولا إثبات.
|
في المسألة الأولى " الفاتحة مكية " في السطر الثاني مكتوب " وسورة الحجر مكية باتفاق العلماء " .. فهل هذا خطأ طباعة, وإن كان صحيحًا فما علاقتها بالفاتحة ؟