دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 جمادى الآخرة 1438هـ/20-03-2017م, 01:18 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس الخامس: مجلس مذاكرة القسم السادس عشر من تفسير سورة البقرة من الآية 219 إلى الآية 232

مجلس مذاكرة القسم السادس عشر من تفسير سورة البقرة
الآيات (219 - 232)


المطلوب:
- تختار كلّ مجموعة درساً من الدورس، وتعدّ له ملخّصاً وافياً في رسالة تفسيرية تحرر بأسلوب التقرير العلمي.
- الأعضاء المستقلّون يلخّصون نصف درس.

تعليمات:
- ستكون الدرجة موحدة لجميع أعضاء المجموعة.
- آخر موعد لنشر المشاركات صباح يوم الأحد.

وفقكم الله وسددكم.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 جمادى الآخرة 1438هـ/20-03-2017م, 07:17 AM
هلال الجعدار هلال الجعدار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 608
افتراضي استفسار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل الرسالة مقتصرة على دروس اليومين الماضيين؟ أم على دروس الأسبوع كله؟

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 جمادى الآخرة 1438هـ/20-03-2017م, 06:52 PM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هلال الجعدار مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل الرسالة مقتصرة على دروس اليومين الماضيين؟ أم على دروس الأسبوع كله؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
على دروس الأسبوع كله.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 جمادى الآخرة 1438هـ/24-03-2017م, 03:20 PM
هلال الجعدار هلال الجعدار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 608
افتراضي المجلس الخامس- رسالة في أحكام الحلف-

رسالة في أحكام الحلف


قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}
سبب نزول الآية: ورد في نزول هذه الآية خمسة أقوال:
1-قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن رواحة ينهاه عن قطيعة ختنه بشير بن النعمان، وذلك أن ابن رواحة حلف أن لا يدخل عليه أبدا، ولا يكلمه، ولا يصلح بينه وبين امرأته، ويقول: قد حلفت بالله أن لا أفعل، ولا يحل لي إلا أن أبر في يميني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.ذكره الواحدي في أسباب النزول، وابن حجر في العجاب في بيان الأسباب، وابن عطية في تفسيره
2-وروي عن مقاتل بن سليمان أنه قال: نزلت في أبي بكر الصديق وفي ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وكان أبو بكر حلف أن لا يصله حتى يسلم وكان الرجل إذا حلف قال لا يحل لي إلا أن أبر وكان هذا قبل أن تنزل الكفارة.ذكره ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب، وابن عطية في تفسيره
3- أخرج الطبري عن ابن جريج أنه قال: نزلت في أبي بكر حين حلف أن لا ينفق على مسطح حين خاض مع أهل الإفك.ذكره ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب، والسيوطي في لباب النقول، وابن عطية في تفسيره
4- وروي العوفي عن ابن عباس كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله فنهى الله عن ذلك بهذه الآية. ذكره ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب.
5- و روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا].ذكره ابن عطية في تفسيره
المسائل التفسيرية:
معنى{عُرْضَةً}:عرضةً فعلة بناء للمفعول، أي كثيرا ما يتعرض بما ذكر، تقول [جمل عرضة للركوب] و [فرس عرضة للجري]. ذكره ابن عطية
المراد بـ{عُرْضَةً}: أي لا تعرضوا باليمين باللّه فتكون مانعة لكم من أن تبروا وتتقوا، وفيها النهي عن الإكثار من الإيمان لأن الحنث مع الإكثار.خُلاصة ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
مراد قولهِ تعالى:{لِأَيْمَانِكُمْ}: ورد في تقدير المراد بها أقوال:
الأول:أن المعنى فيما تريدون الشدة فيه من ترك صلة الرحم والبر والإصلاح. وهذا قول ابن عباس وإبراهيم النخعي ومجاهد والربيع وغيرهم
الثاني: أي كراهة أن تبروا. قاله المهدوي
الثالث: أن المعنى ولا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح، فلا يحتاج إلى تقدير «لا» بعد «أن»، ويحتمل أن يكون هذا التأويل في الذي يريد الإصلاح بين الناس، فيحلف حانثا ليكمل غرضه، ويحتمل أن يكون على ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا»، فالمعنى: إذا أردتم لأنفسكم البر. قاله ابن عطية
الرابع: أن المعنى أن يكون الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله تعالى، فقال عليّ يمين، وهو لم يحلف. ذكره الزجاج
الخامس: أن المعنى لا تجعلوا أيمانكم باللّه تعالى مانعةً لكم من البرّ وصلة الرّحم إذا حلفتم على تركها. قاله الطبري وابن كثير، وذكر جميع هذه الأقوال ابن عطيه
السادس: جوز الزجاج أن يكون موضع " أن ": رفعا، فيكون المعنى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، أن تبروا وتتقوا وتصلحوا أولى، أي البر والتقى أولى، ويكون أولى محذوفا كما جاء حذف أشياء في القرآن. ذكره الزجاج
{أَنْ تَبَرُّوا}: البر جميع وجوه الخير، وهو مضاد للإثم، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة بن معبد الأسدي: ((جئتَ تسألُ عنِ البرِّ والإثمِ ؟ قال : قلتُ : نعم قال استفتِ قلبَك . البِرُّ ما اطمأنَّتْ إليه النفسُ واطمأنَّ إليه القلبُ ، والإثمُ ما حاك في النفسِ وتردَّدَ في النفسِ وإنْ أفتاكَ الناسُ وأفتوك ، وفي روايةٍ : وإن أفتاك المُفْتُونَ)). رواه النووي

{وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}:أي سميعٌ لأقوال العباد عليمٌ بنياتهم، وهو مجاز على الجميع. ذكره ابن عطية
مقصد الآية:أي لا تعرضوا اسم الله تعالى للأيمان به، ولا تكثروا من الأيمان فإن الحنث مع الإكثار، وفيه قلة رعي لحق الله تعالى، وذلكلأنهم كانوا يعتلون في البر بأنهم حلفوا، فأعلم اللّه أن الإثم إنما هو في الإقامة على ترك البر والتقوى، وإن اليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور، فلا تجعلوا أيمانكم باللّه تعالى مانعةً لكم من البرّ وصلة الرّحم إذا حلفتم على تركها، فقد روي البخاريّ ومسلم وغيرهمامن حديث أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: ((واللّه لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند اللّه من أن يعطي كفّارته الّتي افترض اللّه عليه))، وروي البخاري ايضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((من استلجّ في أهله بيمينٍ، فهو أعظم إثمًا، ليس تغني الكفّارة))، وروي عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: [لا تجعلنّ عرضةً ليمينك ألّا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير].خُلاصة ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
سبب نزول الآية:
قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن هشام قال أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها {لا يؤاخذكم الله باللغو}، قال: قالت: [أنزلت في قوله: لا والله وبلى والله]. ذكره مقبل بن هادي الوادعي في الصحيح المسند في أسباب النزول
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ}:أي لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللّاغية، وهي الّتي لا يقصدها الحالف، والمؤاخذة هي التناول بالعقوبة، قال ابن عطية: وقد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو، فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارةذكره ابن عطية وابن كثير
{بِاللَّغْوِ}: اللغو من لغا يلغو لغوا ولغى يلغي لغيا، ولغة القرآن بالواو، وهو سقط الكلام الذي لا حكم له، ويستعمل في الهجر والرفث وما لا حكم له من الأيمان، وهو كل ما لا خير فيه مما يؤثم فيه أو يكون غير محتاج إليه في الكلام فهو لغو ولغى.ذكره الزجاج وابن عطية
{بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}: واليَمينُ: القَسَمُ، سمىَ بذلك لأنَّهم كانوا يَتَماسحونَ بأيمانِهم، فيتحالفونَواليمين ( الحلف ) في الشرع : هو تأكيد الشيء بذكر معظّم بصيغة مخصوصة بالباء أو التاء أو الواو، أو : هي توكيد الأمر المحلوف عليه بذكر الله، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته على وجه مخصوص، وتسمى الحلف أو القسم. واليمين فيها معنى التعظيم للمحلوف به، والأيمان اللّاغية، هي الّتي لا يقصدها الحالف، بل تجري على لسانه عادةً من غير تعقيدٍ ولا تأكيدٍ. ذكره ابن كثير وابن عثيمين في القول المفيد على كتاب التوحيد
المراد {بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}: اختلف العلماء في اليمين التي هي لغو، وورد فيها أقوال:
الأول: أنها قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة: لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين. وهذا قول ابن عباس وعائشة وعامر الشعبي وأبو صالح ومجاهد، ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
الثاني: أن اللغو أيمان المكره.وهذا القول حكاه ابن عبد البر، ذكره ابن عطية
الثالث:أن لغو اليمين ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك، ومقصود اليقين هنا هو غلبة الظن، أطلق عليه الفقهاء لفظة اليقين تجوزا، وقد روي أن قوما تراجعوا القول بينهم وهم يرمون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فحلف أحدهم: لقد أصبت وأخطأت يا فلان، فإذا الأمر بخلافه، فقال رجل: حنث يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيمان الرماة لغو لا إثم فيها ولا كفارة))،وقال الإمام مالك:[مثله أن يرى الرجل على بعد فيعتقد أنه فلان لا يشك، فيحلف، ثم يجيء غير المحلوف عليه] وهذا قول آخر لابن عباس وأبو هريرة وعائشة والحسن وغيرهم. ذكره ابن عطية وابن كثير
الرابع: أنها الحلف في المعاصي كالذي يحلف ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم، فبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة عليه، وقال سعيد بن جبير بل يُكفر كأنه لا يراها لغواً.وهذا قول سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الله وعروة ابنا الزبير، ذكره ابن عطية
الخامس: أنها الحلف في حال الغضب، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمين في غضب)). وهذا قول ابن عباس وطاووس، ذكره ابن عطية وابن كثير
السادس: وقيل لغو اليمين أن يحرم الرجل على نفسه ما أحل الله فيقول مالي عليّ حرام إن فعلت كذا، أو الحلال عليّ حرام.وهو قول مكحول الدمشقي وجماعة من العلماء، وقال به مالك بن أنسإلا في الزوجة فإنه ألزم فيها التحريم إلا أن يخرجها الحالف بقلبه.ذكره ابن عطية وابن كثير
السابع:وقيل: لغو اليمين دعاء الرجل على نفسه أعمى الله بصره، أذهب الله ماله، هو يهودي، هو مشرك.وهذا قول زيد بن أسلم وابنه، ذكره ابن عطية وابن كثير
الثامن:وقيل : لغو اليمين ما يحلف عليه الرجل ثم ينساه. وهو قول إبراهيم النخعي، ذكره ابن عطية وابن كثير
التاسع: أن معنى اللغو الإثم، وقيل له لغو لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة، فالمعنى لا يؤاخذكم اللّه بالإثم في الحلف إذا كفرتم. وهذا قول الزجاج، وهو شبيه بقول ابن عباس والضحاك: أن لغو اليمين هو المكفرة، أي إذا كفرت اليمين فحينئذ سقطت وصارت لغوا، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير.ذكره ابن عطية ثم ضعفه
{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}: وردفي المراد بها قولان:
الأول: هو أن يحلف على الشّيء وهو يعلم أنّه كاذبٌ، وهي اليمين الكاذبة الغموس، وهي كقوله: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} الآية [المائدة:89] وهذا قول ابن عباس ومجاهد والنخعي وغيرهما، ذكره ابن عطية وابن كثير
الثاني: أنه في الرجل يقول هو مشرك إن فعل، أي هذا لغو إلا أن يعقد الإشراك بقلبه ويسكبه. قاله زيد بن اسلم، ذكره ابن عطية
{وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}:أي: غفورٌ لعباده، حليمٌ عليهم، وهما صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة، إذا هو باب رفق وتوسعة. ابن عطية وابن كثير



فوائد من الآيات

1- النهي عن كثرة الحلف، فقد روي البخاري عن أبي هريرة أنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ :((الحلِفُ مُنفِقَةٌ للسلعةِ، مُمحِقَةٌ للبركةِ)).
2- أن البر والتقوى وغيرها من الصالحات فعلها أولى من الاستمرار على اليمن، بل الاستمرار على اليمين آثم لصاحبها من الخروج منها بالتّكفير، كما جاء في البخاري من حديث أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((واللّه لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند اللّه من أن يعطي كفّارته الّتي افترض اللّه عليه))، وبه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((من استلجّ في أهله بيمينٍ، فهو أعظم إثمًا، ليس تغني الكفّارة))، وقد روي عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: [لا تجعلنّ عرضةً ليمينك ألّا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير].

3- التكفير عن اليمين وفعل الخير، فقد ثبت في الصّحيحين، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّي واللّه -إن شاء اللّه -لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيرًا منها إلّا أتيت الّذي هو خيرٌ وتحلّلتها))، وثبت فيهما أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال لعبدالرحمن بن سمرة: ((وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت خيرًا منها فأت الّذي هو خيرٌ وكفّر عن يمينك))، وروي مسلم عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفّر عن يمينه، وليفعل الّذي هو خيرٌ)).

4- أن حروف القسم ثلاثة:

- الباء : وهي أعمّها لأنها تدخل على الظاهر والمضمر ، وعلى اسم الله وغيره ويذكر معها فعل القسم ويحذف . فيذكر نحو {وأقسموا بالله جهد أيمانهم}.

- الواو : لا يذكر معها فعل القسم ولا تدخل على الضمير ويحلف بها مع كل اسم .
-
التاء : لا يُذكر معها فعل القسم ، وتختص بـ ( الله - رب ) فتقول : تالله ، تربّ. ذكره ابن عثيمين في القول المفيد على كتاب التوحيد


5- أن المخلوق لا يقسم إلا بالله جل وتعالى أو بأي اسم من أسمائه أو بصفة من صفاته ، ولا يجوز له أن يقسم بالمخلوق، قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)). البخاري ومسلم

6- أن الحلف بغير الله له حالات :
فإما أن يكون شركاً أكبر : وهذا إن اعتقد الحالف أن المحلوف به مساوٍ لله تعالى في التعظيم .
وإما أن يكونشركاً أصغر : وهو تعظيم المحلوف به من غير اعتقاد المساواة .
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حلف بغير الله فقد أشرك )).رواه البخاري وأبو داوود واللفظ له
- وقد حكى ابن تيمية رحمه الله إجماع الصحابة على ذلك. الفتاوى 1 / 204


7- معرفة ما جاء في كفارة الحلف بغير الله:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق )).البخاري ومسلم
-
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه حلف باللات والعزى، فقال له النبي صلى اللهعليه وسلم: ((قل لا إله إلا الله وحده ثلاثاً، واتفل عن شمالك ثلاثاً، وتعوذ بالله من الشيطان، ولا تعُد)).رواه أحمد ، وهذا مستفاد من كلام ابن عطية وابن كثير


8- أن الناس في الحلف من جهة الانعقاد قسمان: إما مسلم أو كافر :
فالمسلم له حالان :
-
أن يكون مكرهاً . فلا تنعقد يمينه .
-
أن يكون مختاراً قاصداً توفرت فيه شروط انعقاد اليمين فهذا تنعقد يمينه .
أمّا الكافر : فإنه يقع يمينه . فإذا أسلم وفّى بما حلف ، لحديث عمر رضي الله عنه : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة ، فقال له صلى الله عليه وسلم : ((أوف بنذرك)). البخاري ومسلم


9- أن اليمين أقسام ثلاثة:
الأول:اليمين المنعقدة .
وهي : يمين على أمر مستقبل وهي تنعقد، وفيها الكفارة إن حنث.
الثانية:اليمين الغموس .
وهي : يمين على أمر مضى كذباً ، وهي من أكبر الكبائر ، وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار ؛ ولا تنعقد ولا كفارة فيها وتجب المبادرة بالتوبة منها .
الثالثة:اليمين اللغو .
وهي على نوعين :
-
قسم على أمر ماضٍ بغلبة الظن فبان خلافه .لا حنث فيه ولا كفارة .
-
قسم مما يجري على اللسان حيث لا يقصد اليمين كقوله : لا والله .. لتأكلن والله . .
وهذه اليمين لا تنعقد، ولا كفارة فيها، ولا يؤاخذ بها الحالف، لقوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ }. خُلاصة ما ذكره الثلاثة وخاصة الزجاج


10- ومن الفائدة السابقة يتبين لنا أن كفارة اليمين تجب بشروط خمسة :
1-أن تكون يميناً منعقدة .
2- أن يكون القسم على أمر مستقبلي .
3- الحنث في القسم . بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله .
4- الاختيار وعدم الإكراه . ويمينه باقية .
5-الذكر . لأن الناسي معذور بنسيانه ، ويمينه باقية .


11- أحكام الحنث في اليمين .
-
سنة :
يسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً، كمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، فيفعل الذي هو خير ويكفر عن يمينه، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، فليأتها، وليكفر عن يمينه )).
-
واجب :
يجب نقض اليمين إذا حلف على ترك واجب كمن حلف لا يصل رحمه، أو حلف على فعل محرم كمن حلف ليشربن الخمر، فيجب نقض اليمين، ويكفر عنها.
-
مباح :
ويباح نقض اليمين كما إذا حلف على فعل مباح، أو حلف على تركه، ويكفر عن يمينه.
-
حرام :
نقض اليمين المنعقدة لغير سبب مباح .
ومن ذلك :
من حرم على نفسه حلالاً سوى زوجته من طعام أو غيره لم يحرم عليه، وعليه إن فعله كفارة يمين، لقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ "التحريم


12- أن من حفظ اليمين:

- ابتداء: عدم الإكثار من اليمين، وأن يُحلف بالله وعدم الحلف بغيره، وأن يكون الحلف على مباح،وأن يحلف صادقاً، والحدّ الأدنى في هذا الحلف بغلبة الظن.

- وحفظ اليمين وسطاً :بعدم الحنث فيها، وأن لا يُجعل الله عرضة وحائلا أي حائلاً عن فعل البر، ونقض اليمين إذا تبيّن له أن غيرها أفضل منها ويكفّر لقول الله تعالى : {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : حائلا عن عمل البر، و لحديث عبد الرحمن بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : (( إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها ؛ فكفّر عن يمينك وائت الذي هو خير)). البخاري

- وحفظ اليمين انتهاءً: يكون بالوفاء بها، والكفارة عند الحنث فيها .

13- وهى فائدة خارجة عن مضمون الآيات، ولكنها ضرورية، ألا وهي كفارة اليمين .
قال الله تعالى في بيان كفارة اليمين: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة
فيخير من لزمته كفارة يمين بين:
1- إطعام عشرة مساكين نصف صاع من قوت البلد .
2- كسوة عشرة مساكين ما يُجزئ في الصلاة.
3- عتق رقبة مؤمنة.
- وهو مخير في هذه الثلاثة السابقة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، ولا يجوز الصيام إلا عند العجز عن الثلاثة السابقة.
- و يجوز تقديم الكفارة على الحنث، ويجوز تأخيرها عنه، فإن قدمها كانت محللة لليمين، وإن أخرها كانت مكفرة له. ذكره صاحب الصيد الثمينفي أحكام اليمين

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 جمادى الآخرة 1438هـ/24-03-2017م, 10:27 PM
كوثر التايه كوثر التايه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 787
افتراضي

مجموعة : ( كوثر التايه-هناء هلال-نبيلة الصفدي)
الآيات 219-221

رسالة تفسرية في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌوَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَمَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِلَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَعَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْفَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَاللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلَا تَنْكِحُواالْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍوَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواوَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَإِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِوَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
الآية استئنافية في هذه السورة الكريمة التي حوت عدد من الأحكام والتشريعات التي بها مايصلح أحوال الناس والمجتمع، وتتخلص من أدران الجاهلية ومعتقداتها، وفي الآيات ثلاثة أسئلة وأجوبتها: سؤال حول الخمر والميسر، وآخر حول الانفاق، وثالث حول اليتامى، في سياق الأمر بالدخول في شرائع الاسلام كلها.وهو سؤال عن حكم شرب الخمر وبيعها وشرائها، وعن حكم القمار
والآية نزلت في نفر من المسلمين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الأحكام، فقد نقل ابن كثير رواية الامام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال: لمّا نزل تحريم الخمر قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ [ومنافع للنّاس]} فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًاشافيًا. فنزلت الآية التي في النّساء: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاةوأنتم سكارى} [النّساء: 43]، فكان منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقام الصّلاة نادى: ألّا يقربنّ الصّلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّنلنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر، فقرئت عليه،فلمّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91]؟ قال عمر: انتهينا،انتهينا.
ونقل الواحدي وابن كثير من سنن الترمذي –كتاب التفسير- وسنن أبي داود في الأشربة، ومستدرك الحاكم عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار أنه أتوا النبي صلى الله عليه وسألوه فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال،فأنزل الله تعالى الآية.
وكذا رواه ابن أبي حاتم عن سفيان، عن أبي اسحاق، عن عمرو بن شرحبيل، عن عمر رضي الله عنه وذكره ابن كثير وقال: "لكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. واللّه أعلم. وقال علي بن المديني: هذا إسناد صالحٌ وصحّحه التّرمذيّ.
وقال الطاهر بن عاشور: "وشرب الخمر عمل متأصل في البشر قديما لم تحرمه الشرائع لا القدر المسكر بله مادونه، وأما ما يذكره بعض علماء الاسلام: إن الاسكار حرام في الشرائع كلها فلا شاهد عليه بل الشواهد على ضده متوافرة.... وشيوع شرب الخمر في الجاهلية معلوم لمن علم أدبهم وتاريخهم، فقد كانت الخمر قوام أود حياتهم ، وقصارى لذاتهم ومسرة زمانهم، وملهى أوقاتهم، قال طرفة:
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى***وجدك لم أحفل منى قام عُوَّدي
فمنهن سبقي العاذلات بشرية***كُميت متى ما تعل بالماء تُزبِدِ"
ولهذا يتبين لنا من الحكم الالهية والتدرج في التحريم ما يجعل أمر التحريم مقبولاَ بل وقد تلهفت النفوس لمعرفته عند الصحابة رضي الله عنهم.
القراءات :
* قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ
* كثير» بالثاء المثلثة ، وحجتها أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الخمر ولعن معها عشرة: بائعها، ومبتاعها، والمشتراة له، وعاصرها، والمعصورة له، وساقيها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، فهذه آثام كثيرة، وأيضا فجمع المنافع يحسن معه جمع الآثام، و «كثير» بالثاء المثلثة يعطي ذلك
*قرأ باقي القراء وجمهور الناس «كبير» بالباء بواحدة وحجتها أن الذنب في القمار وشرب الخمر من الكبائر فوصفه بالكبير أليق.
والقراءاتان جمعتا وصفين مختلفين من جهة ، فيكون الإثم كثيراً باعتبار آحاده، كبيراً باعتبار كيفيته.
* قُلِ الْعَفْوَ
*قرأ جمهور الناس «العفو» بالنصب،
* وقرأ أبو عمرو وحده «العفو» بالرفع،
*واختلف عن ابن كثير،
وسبب هذا الاختلاف هو (ماذا) في "وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ "هل هي مركبة أم لا؟
*من جعل «ما» ابتداء و «ذا» خبره بمعنى الذي وقدر الضمير في ينفقون هـ عائدا قرأ «العفو» بالرفع، لتصح مناسبة الجمل، ورفعه على الابتداء تقديره العفو إنفاقكم، أو كأنه قال: ما الذي ينفقون؟ الذي تنفقون العفو،
*من جعل ماذا اسما واحدا مفعولا ب ينفقون، قرأ «قل العفو» بالنصب بإضمار فعل، وصح له التناسب، كأنه قيل أنفقوا العفو
*ورفع «العفو» مع نصب «ما» جائز ضعيف، وكذلك نصبه مع رفعها

وفي معنى الخمرلغة: والخمر اسم مشتق من مصدر خمر الشيء خمره من باب نصر إذا ستره ، فهي من خمر إذا ستر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خمروا الإناء»[1]، ومنه خمار المرأة، والخمر ما واراك من شجر وغيره، والخمرة التي يسجد عليها إنما سميت بذلك لأنها تستر الوجه عن الأرض،وكذلك قيل للعجين قد اختمر لأن فطرته قد غطاها الخمر أعني الاختمار - يقال قد اختمر العجين وخمرته، وفطرته وأفطرته.


ماهي الخمر المحرمة؟
وقال ابن عطية: "اجتمعت الأمة على خمر العنب-إذا غلت ورمت بالزبد-أنها حرام قليلها وكثيرها.
قال الزمخشري: "والخمر ما غلي واشتد وقذف بالزبد من عصير العنب، وهو حرام، وكذلك نقيع الزبيب أو التمر الذي لم يُطبخ، فإن طُبخ ذهب ثلثاه، ثم غلي واشتد ذهب خبثه ونصيب الشيطان، وحل شرب مادون المسكر".
وقال ابن تييمة:"واسم " الخمر " في لغة العرب الذين خوطبوا بالقرآن كان يتناول المسكر من التمر وغيره ولا يختص بالمسكر من العنب ; فإنه قد ثبت بالنقول الصحيحة أن الخمر لما حرمت بالمدينة النبوية وكان تحريمها بعد غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة لم يكن من عصير العنب شيء فإن المدينة ليس فيهاشجر عنب ; وإنما كانت خمرهم من التمر . فلما حرمها الله عليهم أراقوها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بل وكسروا أوعيتها وشقوا ظروفها ; وكانوا يسمونها " خمرا " . فعلم أن اسم " الخمر " في كتاب الله عام لا يختص بعصير العنب . فروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ; ما منها شراب العنب . وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : إن الخمر حرمت يومئذ من البسر والتمر . وفي لفظ لمسلم : لقد أنزل الله هذه الآية التي حرم فيها الخمر ; وما بالمدينة شراب إلا من تمر وبسر . وفي لفظ للبخاري : وحرمت علينا حين حرمت وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا ; وعامة خمرنا البسر والتمر ."[2]
*سبب تسمية الخمر بهذا الاسم : لأن الخمر تستر العقل وتغطي عليه ، فكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب: إنّه كلّ ما خامر العقل.[3]
قال ابن عاشور: "سمي به عصير العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد فصار مسكرا; لأنه يستر العقل عن تصرفه الخلقي تسمية مجازية وهي إما تسمية بالمصدر ، أو هو اسم جاء على زنة المصدر : هو اسم لكل مشروب مسكر سواء كان عصير عنب أو عصير غيره أو ماء نبذ فيه زبيب أو تمر أو غيرهما من الأنبذة وترك حتى يختمر ويزبد ، واستظهره صاحب القاموس . والحق أن الخمر كل شراب مسكر ، إلا أنه غلب على عصير العنب المسكر; لأنهم كانوا يتنافسون فيه ، وأن غيره يطلق عليه خمر ونبيذ وفضيخ ، وقد وردت أخبار صحيحة تدل على أن معظم شراب العرب يوم تحريم الخمر من فضيخ التمر ، وأن أشربة أهل المدينة يومئذ خمسة غير عصير العنب ، وهي من التمر والزبيب والعسل والذرة والشعير وبعضها يسمى الفضيخ ، والنقيع ، والسكركة ، والبتع .[4]فالخمر هي : كل مسكر خامر العقل وغطاه من أي نوع كان.
معنى الميسر لغة: الميسر اسم جنس على وزن مفعل مشتق من الميسر، وهو ضد العسر والشدة، أو من اليسار وهو ضد الاعسار، كأنهم صاغوه على هذا الوزن مراعاة لزنة اسم المكان من يسر ييسر وهو مكان مجازي جعلوا ذلك التقامر بمنزلة الظرف الذي فيه اليسار أو اليسر ، لأنه يفضي إلى رفاهة العيش وإزالة صعوبة زمن المحل وكلب الشتاء[5]
والميسر مأخوذ من يسر إذا جزر، والياسر الجازر، والجزور [6]الذي يستهم عليه يسمى ميسرا لأنه موضع اليسر، ثم قيل للسهام ميسر للمجاورة.
فالميسر : قمار كان للعرب في الجاهلية ، وهو من القمار القديم المتوغل في القدم، واليسر الي يدخل في الضرب بالقداح. كانت عادة العرب أن تضرب بهذه القداح في الشتوة وضيق الوقت وكلب البرد على الفقراء، تشتري الجزور ويضمن الأيسار ثمنها ثم تنحر وتقسم على عشرة أقسام، ويضرب عليها، فمن فاز سهمه بأن يخرج من الربابة متقدما أخذ أنصباءه وأعطاها الفقراء، وفي أحيان ربما تقامروا لأنفسهم ثم يغرم الثمن من لم يفز سهمه. ويعيش بهذه السيرة فقراء الحي. فهو: (ما يؤخذ من المال عن طريق المنافسات التي فيها عوض من الطرفين المشتركين في المنافسة) وضابطه : أن يكون فيه بين غانم وغارم

* قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
( فيهما إثم) يحتمل مقصدين: أحدهما أن يراد في استعمالهما بعد النهي، والآخر أن تراد خلال السوء التي فيهما .
المقصود بالإثم : العقوبة أو كان سببا للعقوبة، كما قال تعالى: ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)-المائدة، ويقال فلان آثم: أي مستحق للعقوبة.والإثم في الدين.
قال ابن عباس: "المنافع قبل التحريم، والإثم بعده"[7]
"ومنافع للناس: جمع منفعة، وهي من صيغة منتهى الجموع التي تدل على الكثرة، وهي مع كثرتها فإن إثمهما أكبر وأعظم، لأنه لو كانت منفعة واحدة لم يستغرب كون الإثم أكبر، ولكن وإن تعددت المنافع، وكثرت فإن الإثم أكبر وأعظم، وتأمل قوله تعالى: " ومنافع للناس" لأنها منافع مادية بحتة تصلح للناس من حيث هم أناس، وليست منافع ذات خير ينتفع بها المؤمنون"[8]
(وإثمهما أكبر من نفعهما) : "ما يترتب عليهما من العقوبة أكبر من نفعهما، لأن العقوبة في الآخرة، وأما النفع في الدنيا، وعذاب الآخرة أشق وأبقى"[9]. ولهذا كانت هذه الآية ممهّدةً لتحريم الخمر على البتات، ولم تكن مصرّحةً بلمعرّضةً؛ ولهذا قال عمر، رضي اللّه عنه، لمّا قرئت عليه: اللّهمّ بين لنا في الخمربيانًا شافيًا، حتّى نزل التّصريح بتحريمها في سورة المائدة : : {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون * إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوةوالبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة: 90، 91]

إثم الخمر :
*توقع العداوة والبغضاء، وما فيها من قول الفحش والزور.
*تحول بين المرء وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه، ولما يترتب على شربها من نقصان أوقات الصحو للعبادة ولإقامة الدنيا.
*وما فيها من زوال العقل وفقدان الاتزان.
إثم القمار :
*يورث العداوة والبغضاء وإن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يؤخذ عليه،
*يعود على الكسل والبطالة .
*اضاعة الوقت والصد عن ذكر الله.
*تعود كسب المال الحرام، فيكون الاعراض عن الاقبال عن الأعمال التي فيها مصالح العباد.
*نقل للملكية غير معقول.
منافع الخمر :
- نفع البدن،
- تهضيم الطّعام،
- إخراج الفضلات،
- تشحيذ بعض الأذهان،
- لذّة الشّدّة المطربة التي فيها ،
- بيعها والانتفاع بثمنها.
منافع الميسر :
*ما كان يقمّشه بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله وعلى فقراء الحي.
* وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا : هذه المصالح لا توازي مضرّته ومفسدته الرّاجحة، لتعلّقها بالعقل والدّين .

هل قوله تعالى: ( فيه منافع للناس) منسوخ؟
نقل ابن عطية عن طائفة : أنها منسوخة بقوله تعالى: ( فاجتبوه لعلكم تفلحون) لما في ذلك من الاباحة والترخيص.
ولكن هذه الآية مرحلة من مراحل التدرج في التحريم والاشارة إليه.
علة ذكر المنافع:
"الفائدة من ذكر المنافع هي بيان حكمة التشريع ليعتاد المسلمون مراعاة علل الأِياء، لأن الله تعالى جعل هذا الدين ديناً دائماً أودعه أمة أراد أن يكون منها مشرعون لمختلف ومتجدد الحوادث، فلذلك أشار إلى العلل في غير موضع، قال تعالى: ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه فكرهتموه) ، ونحو ذلك، وتخصيص التنصيص على العلل ببعض الأحكام في بعض الآيات إنما هو مواضع خفاء العلل، فإن الخمر قد اشتهر بينهم نفعاً، والميسر قد اتخذوه ذريعة لنفع الفقراء، فوجب بيان ما فيهما من المفاسد إنباء بحكمة التحريم.
وفائدة أخرى: وعي تأنيس المكلفين عند فطامهم عن أكبر لذائذهم تذكيراً لهم بأن ربهم لا يريد إلا اصلاحهم دون نكايتهم كقوله تعالى: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم) ، وقوله تعالى:
( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) .
وهناك علة أخرى: وهي عذرهم عما سلف منهم حتى لا يستكينوا لهذا التحريم والتنديد على المفاسد كقوله تعالى: ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم"[10]
حكم الخمر والحد الواجب فيها:
نقل ابن عطية عن أصحاب السنن قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام" قال ابن المنذر في "الاشراق" لم يبق هذا الخبر مقالة قائل، ولا حجة لمحتج، وقوله صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر وكل خمر حرام" رواه مسلم والدارقطني، ورواه الشيخان، وأصحاب السنن بفلظ : " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام"


وقوله تعالى: " (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو)
مناسبة سؤالهم عن الخمر والميسر وسؤالهم عن ماذا ينفقون:
" أن النهي عن الخمر والميسر يتوقع منه تعطل إنفاق عظيم كان ينتفع به المحاويج، فبينت لهم الآية وجه الانفاق الحق..... ولا يخفى أن الذي يصلح للتفكر-كما آخر الآية- هو الحكم المنوط بالعلة وهو حكم الخمر والميسر ثم نشأ عنه قوله ( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو"[11]
هل الآية منسوخة أم محكمة؟
*وقال بعضهم: نسخت بآية الزكاة. كما رواه عليّ بن أبي طلحة، والعوفيّ عن ابن عبّاسٍ، واختاره الواحدي وقال: " وكان الرجل بعد نزول الآية يأخذ من كسبه ما يكفيه، وينفق باقيه إلى أن فُرضت الزكاة فنسخت آية الزكاة التي في براءة هذه الآية ، وكل صدقة أمروا بها قبل الزكاة."[12]
*وقيل: مبيّنةٌ بآية الزّكاة، قاله مجاهدٌ وغيره،
قال قيس بن سعد: «هذه الزكاة المفروضة».
*وقال آخرون: هي محكمة وفي المال حق سوى الزكاة.- وهو الصحيح ، وأنها في نفقة التطوع كم قاله جمهور العلماء: هي نفقات التطوع.
معنى العفو:
لغة: مصدر عفا يعفو إذا زاد ونمى، قال تعالى: ( ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا) وهي هنا مازاد عن الحاجة، الفضل والكثرة، يقال عفا القوم إذا كثروا، وقال الكلبي: هو السهل من غير مشقة، "العفو": نقيض الجهد، وهو أن ينفق مالا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع، قال
خذي العفو مني تستديمي مودتي
ويقال للأرض السهلة: العفو.
*شرعاً :
العفو: هو الفضل. وقيل أقوال آخرى ترجع كلها للفضل:
* اليسير من كلّ شيءٍ، عن طاوس
*أفضل مالك، وأطيبه ،عن الرّبيع
إذن هو ما ينفقه المرء دون أن يجهد نفسه وماله.ينفق مافضل عن حوائجه ولا يؤذي نفسه فيكون عالة، ويدل على ذلك عن أبي هريرة قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه، عندي دينارٌ؟ قال: "أنفقه على نفسك". قال: عندي آخر؟ قال: "أنفقه على أهلك". قال: عندي آخر؟ قال: "أنفقه على ولدك". قال: عندي آخر؟ قال: "فأنت أبصر".وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «من كان له فضل فلينفقه على نفسه، ثم على من يعول، فإن فضل شيء فليتصدق به»، وقال صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما أبقت غنى»، وفي حديث آخر: « خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنًى، واليد العليا خيرٌ من اليد السّفلى، وابدأ بمن تعول».

سبب نزول الآية:
نقل ابن كثير عن ابن أبي حاتم: " أنّ معاذ بن جبلٍ وثعلبة أتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالا يا رسول اللّه، إن لنا أرقّاءوأهلين [فما ننفق] من أموالنا. فأنزل اللّه: (ويسألونك ماذاينفقون).

وقوله: {كذلك يبيّن اللّه لكمالآيات لعلّكم تتفكّرون * في الدّنيا والآخرة}

أي: كما فصّل لكم ماتقدم من هذه الأحكام وبينها وأوضحها، ليحصل للأمة التفكر وعلم أمور الدنيا وأمور الآخرة ، لأن التفكر مظروف في الدنيا والآخرة، فتقدير المضاف لازم بقرينة قوله والآخرة إذ لا معنى لوقوع التفكر يوم القيامة ، فلو اقتصر على بيان الحظر والوجوب والثواب والعقاب لكان بيانا للتفكر في أمور الآخرة خاصة، ولو اقتصر على بيان المنافع والمضار، بأن قيل: قل فيهما نفع وضر لكان بياناً للتفكر في أمور الدنيا خاصة، ولكن ذكر المصالح والمفاسد والثواب والعقاب تذكير بمصلحتي الدارين، فلعلكم تتفكرون في أمر الدنيا والآخرة وفي هذا تنويه بشأن اصلاح أمور الأمة في الدنيا بما يصلح لكم معاشكم فيها وعبادة الله والعمل لمعادكم بين يديه.

وفي قوله : لكم : "اللام للتعليل والامتنان وتشريف بهذه الفضيلة لإشعاره بأن البيان على هذا الأسلوب مما اختصت به هاته الأمة ليتلقوا التكاليف على بصيرة بمنزلة الموعظة التي تلقي إلى كامل العقل موضحة بالعواقب..."[13]
وروى ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قرأ هذه الآية في سورة البقرة: ( لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) قال: هي والله لمن تفكر فيها ليعلم أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء، وليعلم أن الآخرة، دار جزاؤ، ثم دار بقاء، ونقلها ابن كثير.

هدايات الآيات:
1-على المسلم أن يعلم حكم الله في جميع أمور حياته، فإن الله أمر بالدخول في الاسلام كله، فيسأل أهل العلم ويتعلم، قال تعالى: (يسألونك) .
2-قد يعتاد الناس على عادة – وإن كانت سيئة – ولكن تألفها النفوس لانتشارها، ويبقى في القلب المؤمن نور الهداية الربانية، وهذا واضح في سبب النزول للآية، وهو مصداق قوله تعالى: ( ...مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في الزجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة) – النور-
3-المصلحة الحقيقة هي في الآخرة، فهما عظمت المصلحة الدنوية في عين الناس فإنها لا تعني شيئا فيما أعده الله في الآخرة، ( وإثمهما أكبر من نفعهما)
4-ليس كل مابدت فيه مصلحة ومتعة دنيوية يستوجب أن يكون على مثلها في الآخرة، (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس)
5-جاءت الشريعة الاسلامية في كل أحكامها بما فيه مصلحة العباد ومنفعتهم، ( وإثمهما أكبر من نفعهما )

قال تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَعَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْفَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَاللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
مناسبة الاية لما قبلها:
"عطف تبيين معاملة اليتامى على تبيين الانفاق لتعلق الأمرين بحكم تحريم الميسر أو التنويه عنه ، فإن الميسر كان باباً واسعاً للاتفاق على المحاويج وعلى اليتامى، وقد ذكر لبيد إطعام اليتامى بعد ذكر إطعام لحوم جزور الميسر فقال:
ويكللون إذا الرياح تناوحت***خلجا تمد شوارعها أيتامها
وكان ذلك السؤال مناسبة حسنة للتخلص إلى الوصايا باليتامى وذكر مجمل أحوالهم في جملة إصلاح الأحوال التي كانوا عليها قبل الاسلام، فكان هذا وجه عطف هذه الجملة على التي قبلها بواو العطف لاتصال بعض الأسئلة ببعض كما تقدم في قوله: ( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو)"[14].
فجاء الاسلام بإصلاح حال اليتامى في أموالهم وسائر أحوالهم، حتى قيل إن أولياء اليتامى اعتزلوا اليتامى وتركوا التصرف في أموالهم، فنزلت الآية.
سبب النزول:
- قال السدي والضحاك أن العرب كانت عادتهم أن يتجنبوا مال اليتيم ولا يخالطوه في مأكل ولا مشرب ولا شيء، فكانت تلك مشقة عليهم، فسألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره ابن عطية .
-(ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسدمن المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم} الآية: روى ابن جريرٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت: {ولا تقربوامال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن} [الإسراء: 34] و {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامىظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النّساء: 10] انطلق من كان عنده يتيمٌ فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشّيء من طعامه فيحبس له حتّى يأكله أو يفسد، فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم} فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.نقله ابن كثير عن ابن جرير من رواية أ[ي داود والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم ، وغيرهم وحكاه ابن عطية.
وقيل: إن السائل عبد الله بن رواحة، فيما أخرجه أبو داود عن ابن عباس، وحكاه ابن عطية


وفي معنى الآية:
أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أن من قصد اصلاح حال اليتيم وماله فهو خير، ولو رأى أن الخلط والانبساط بعوض منه فلا حرج، وفي ذلك رفع المشقة عنهم واباحة الخلطة والترفق باليتيم في قصد الاصلاح، الله عالم بالأحوال وخبايا الصدور.
- روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: ( ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين والله يعلم المفسد من المصلح) ، قال: من يتعمد أكل مال اليتيم، ومن يتحرج عنه، لا يألو عن اصلاحه. قال وكيع بن الجرّاح: حدّثنا هشامٌ الدّستوائي عن حمّادٍ، عن إبراهيم قال: قالت عائشة: إنّي لأكره أن يكون مال اليتيم عندي عرّة حتّى أخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي.
معنى يتيم: هو الذي مات أبوه ولم يبلغ الحلم، فهو بحاجة إلى مزيد عناية ورعاية، ولهذا كثرت الوصايا باليتيم في القرآن والسنة، حتى قال صلى الله عليه وسلم: أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا "أخرجه البخاري
وقال تعالى: " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده"-الأنعام
معنى الاصلاح: هو جعل الشيء صالحاً أي ذا صلاح، وهو ضد الفساد ، أي يتبع الانسان ماهو أصلح لليتيم في جميع أموره، سواء في التربية أو الانفاق، قوله تعالى: ( اصلاح لهم) اللام للتعليل أو الاختصاص، ولم يقل –اصلاحهم- حتى لا يتوهم أنه اصلاح ذواتهم، وهو كقوله تعالى: ( ائيتوني بأخ لكم من أبيكم) ولم يقل بأخيكم ليوهمهم أنه لم يرد أخا معهودا، والمقصود هنا جميع الاصلاح وليس اصلاح الذوات فقط، وهو يشمل اصلاح ذواتهم بالدرجة الأولى، ويتضمن اصلاح عقائدهم وأخلاقهم بالتعليم الصحيح والآداب الاسلامية ...وغيره، وكفاية مؤنهم بحسب المتعارف عليه، واصلاح أموالهم وتنميتها بما فيه صلاحهم. وحذف المفضل عليه
( اصلاح لهم خير) للعموم ويشمل في ذلك الرد على من حمله الخوف من أكل أموال اليتامى على اعتزال أمورهم وترك التصرف فيها، فكأنه قال : اصلاح أمورهم خير من اهمالهم ،أي فضل ثوابا وأبعد عن العقاب من اهمالهم فإنه ينجر منه إثم الاضاعة، ولا يحصل فيه ثواب النصيحة،
فالاصلاح هو الشطر الأول في الاجابة عن سؤالهم عن اليتامى، والشطر الثاني هو قوله تعالى:
( وإن تخالطوهم) في الأكل ، والشرب، ... فهم أخوانكم وليسوا بغرباء عنكم.والمخالطة مفاعلة من الخلط وهو جمع الأشياء جمعا يتعذر معه تمييز بعضها عن بعض. (فإخوانكم) جواب الشرط، ولذلك قرنه بالفاء، تقديره: فهم اخوانكم، وهو على معنى التشبيه البليغ ، والمراد بالأخوة أخوة الاسلام التي تقتضي المناصحة.
والله يعلم المفسد من المصلح) فيها وعد ووعيد، لأنه هنا علم معرفة وتمييز، وعليه يترتب الأثر والجزاء. وقال ابن عباس: المعنى لأوبقكم بما سلف من نيلكم من أموال اليتامى، وعزيزٌمقتضاه لا يرد أمره، وحكيمٌ أي محكم ما ينفذه
معنى العنت لغة: العنت: المشقة، من قولهم عنت البعير يعنت إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها، ويقال أكمة غنوت إذا كان لا يمكن أن يحازيها إلا بمشقة عنيفة.
وشرعاً: أي لو شاء لكلفكم مافيه العنت وهو أن يحرم مخالطة اليتامى، ، ولكنه خفف عنكم، وحذف مفعول المشيئة لإغناء ما بعده عنه
قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
فهي تذييل لما اقتضاه الشرط (لو) ، وكأنه قال: ولو شاء لأعنتكم، لأن الله له العزة والحكم.
عزيز : غالب يفعل بغزته ما يحب ولا دافع لأمره
حكيم : ذو حكمة فيما أمركم به في أمر الإيتام .

هدايات الآية:
1-الخشية مما يغضب الله تعالى ويستوجب عقابه، وهذا واضح من سبب النزول.
2-على المسلم مراعاة من تولى أمره، ( ويسألونك عن اليتامى) فهذا في أمر من تولى اليتيم وأمره، وعليه فمن هو تحته من زوج وولد وأقارب هم من باب أولى.
3-قصد الاصلاح في جميع الأمور التي بين يدي المؤمن والسعي لما فيه النفع والخير،
( اصلاح لهم)
4-جواز مخالطة اليتيم وماله إن قصد الاصلاح وسعى له، ( فخالطوهم)
5-تأكيد الأخوة الايمانية وأنها أصل ، ( فإخوانكم )
6-التحذير من الافساد وما يترتب عليه، ومراقبة الله في السر والعلن ( والله يعلم المفسد من المصلح)
7-علم الله للأمور الظاهرة والباطنة، وهو سبحانه يعلم السر وأخفى ( والله يعلم )
8-ارادة الله تعالى الخير لهذه الأمة ولا يريد لها المشقة، ( ولو شاء الله لأعنتكم) ، وكما قال تعالى: ( يريد الله أن يخفف عنكم)-النساء، ( ما جعل الله عليكم في الدين من حرج) –الحج

قال تعالى: (وَلَا تَنْكِحُواالْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍوَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواوَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَإِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِوَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
كان المسلمون أيام نزول الآيات مازالوا مختلطين مع المشركين في المدينة، فربما رغب بعضهم بالزواج من المشركات، أو رغب بعض المشركين بالزواج من المسلمات، جاءت الآية تحريم من الله سبحانه على المؤمنين الزواج من عبدة الأوثان ، وتوضح سبب هذا التحريم وهو أن هؤلاء يجروا المؤمنين إلى النار ، والله سبحانه رحيم بعباده يدعوهم إلى الجنة
مناسبة الآية لما قبلها:
لما ذكر تعالى بيان مخالطة اليتامى، وكانت المصاهرة من أعظم أحوال المخالطة، تطلعت النفوس إلى حكم هاته المصاهرة بالنسبة للمشركين والمشركات، فعطف حكم ذلك على حكم اليتامى ..
سبب النزول:
قال الواحدي: في أبي مرثد الغنوي، استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عناق أن يتزوجها، وهي امرأة مسكينة من قريش، وكانت ذا حظ من جمال وهي مشركة، وأبو مرثد مسلم، فقال: يانبي الله إنها لتعجبني، فأنزل الله تعالى: ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) حكاه ابن عطية[15]
والنكاح في اللغة: الضم والجمع، ومنه قول الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلا***عمرك الله كيف يجتمعان
معنى النكاح : أصله الجماع ، ويستعمل في التزوج تجوزا واتساعا ، وهو يطلق على حقيقة العقد، واستعماله في الوطء كناية.
والمشرك في لسان الشرع: من يدين بتعدد الألهة مع الله سبحانه.
والمشركات في الآية:
1-نص الآية في تحريم تزوج المسلم المرأة المشركة ، وتحريم تزويج المسلمة الرجل المشرك فهي صريحة في ذلك ، وأما تزوج المسلم المرأة الكتابية وتزويج المسلمة الرجل الكتابي فالآية ساكتة عنه، فلم تدخل اليهوديات ولا النصرانيات في الآية لفظاَ ولا معنى.
2-كان التحريم قد نزل في سائر الكفار في تزويج نسائهم من المسلمين، ثم أحل تزويج نساء أهل الكتاب من بينهم. فقال اللّه - عزّ وجلّ: (اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكموطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب منقبلكم) وقال قتادة وسعيد بن جبير –كما نقله ابن عطية- فلفظ الآية عام في آية البقرة والمراد به الخصوص في آية المائدة، والحاصل فهو إما عام مخصوص، أو عام أريد به خاص من أول الأمر، ومذهب مالك كما نقله ابن عطية عن ابن عباس والحسن : تناولهن العموم ثم نسخت آية سورة المائدة بعض العموم في الكتابيات. وكثيرا ما يطلق المتقدمون النسخ على التخصيص
3- قال ابن عباس : الآية عامة في كل الوثنيات والمجوسيات والكتابيات وكل من كان على غير دين الإسلام ، ذكره ابن عطية وقال : فعلى هذا القول فإن الآية ناسخة لآية سورة المائدة لقول ابن عمر رضي الله عنه : ولا أعلم إشراكا أعظم من أن تقول المرأة إن ربها عيسى.

هل يجوز نكاح الكتابيات ؟
اختلف في هذه المسألة على قولين :
الأول : المنع ،وقد روى ابن جريرٍ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قوله : "نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أصناف النّساء، إلّا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرّم كلّ ذات دينٍ غير الإسلام، قال اللّه عزّ وجلّ: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} [المائدة: 5]. وقد نكح طلحة بن عبيد اللّه يهوديّةً، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانيّةً، فغضب عمر بن الخطّاب غضبًا شديدًا، حتّى همّ أن يسطو عليهما. فقالا نحن نطلق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب! فقال: لئن حلّ طلاقهنّ لقد حلّ نكاحهنّ، ولكنّي أنتزعهنّ منكم صغرة قمأة " فهو حديثٌ غريبٌ جدًّا. وهذا الأثر عن عمر غريب أيضًا
الثاني : الإباحة مع الكراهة ، وهذا مذهب مالك رحمه الله، ذكره ابن حبيب وقال: «ونكاح اليهودية والنصرانية وإن كان قد أحله الله مستثقل مذموم»، وكره مالك رحمه الله تزوج الحربيات لعلة ترك الولد في دار الحرب ولتصرفها في الخمر والخنزير، وأباح نكاح الكتابيات عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وجابر بن عبد الله وطلحة وعطاء بن أبي رباح وابن المسيب والحسن وطاوس وابن جبير والزهري والشافعي وعوام أهل المدينة والكوفة
وقد حكى ابن جريرٍ الإجماع على إباحة تزويج الكتابيّات ، وقال : إنّما كره عمر ذلك، لئلّا يزهد النّاس في المسلّمات، أو لغير ذلك من المعاني، قال: تزوّج حذيفة يهوديّةً، فكتب إليه عمر: خل سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنّها حرامٌ فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنّها حرامٌ، ولكنّي أخاف أن تعاطوا المومسات منهن " . إسناده صحيح
وقد روى عن عمر بن الخطّاب قال : المسلم يتزوّج النّصرانيّة، ولا يتزوّج النّصرانيّ المسلمة. وقد أورد ابن أبي حاتمٍ: عن ابن عمر: أنّه كره نكاح أهل الكتاب، وتأوّل (ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ)
وقال البخاريّ: وقال ابن عمر: "لا أعلم شركًا أعظم من أن تقول: ربّها عيسى"
وسئل أحمد بن حنبل، عن قول اللّه: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} قال: مشركات العرب الّذين يعبدون الأوثان .
فهذا هو القول الراجح .
قوله تعالى : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)
سبب نزول الآية :
قال السّدّيّ: نزلت في عبد اللّه بن رواحة، كانت له أمةٌ سوداء، فغضب عليها فلطمها، ثمّ فزع، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبره خبرها. فقال له: "ما هي؟ " قال: تصوم، وتصلي، وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّك رسول اللّه. فقال: "يا أبا عبد اللّه، هذه مؤمنةٌ". فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأعتقنّها ولأتزوجنها. ففعل، فطعن عليه ناسٌ من المسلمين، وقالوا: نكح أمة. وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين، وينكحوهم رغبةً في أحسابهم، فأنزل اللّه: (ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم) (ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم.
ذكره ابن عطية وابن كثير، ونقله السيوطي في لباب النقول، ووأصله في أسباب النزول للواحدي.

أسباب نكاح المرأة :ثبت في الصّحيحين عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "تنكح المرأة لأربعٍ: لمالها، ولحسبها ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدّين تربت يداك".
ولمسلمٍ عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الدّنيا متاعٌ، وخير متاع الدّنيا المرأة الصالحٍة".
حكم نكاح الأمة الكتابية :
اختلف في ذلك على أقوال :
- لا يجوز نكاح الأمة الكتابية عند مالك
- أجاز أبو حنيفة وأصحابه نكاح الإماء الكتابيات
- قال أشهب : من أسلم وتحته أمة كتابية لا يفرق بينهما
قال تعالى :(وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)
المعنى : لا تزوجوا الكافر مسلمة ، فهو شر من المؤمن لكم ، وإن أعجبكم أمره في باب الدنيا
وقد أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ مؤمنة لما في ذلك من الغضاضة على دين الإسلام ، وقد قال تعالى : (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن)
والمشرك هو كل من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم .
المقصود بالأمة والعبد في الآية :
قال القاضي أبو محمد : يحتمل أن العبد والأمة عبارة عن جميع الناس حرهم ومملوكهم ، فالجميع عبيد لله ، كما قال تعالى : (نعم العبد إنه أواب) ، وقال عليه الصلاة والسلام : "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" ، فالمعنى : ولامرأة مؤمنة ، ولرجل مؤمن .
مسألة : كيف يقال لمن كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه مشرك؟
أنه إذا كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد زعم أن ما أتى به من القرآن من عند غير اللّه - جل ثناؤه - والقرآن إنماهو من عند اللّه - عزّ وجلّ - لأنه يعجز المخلوقين أن يأتوا بمثله - فقد زعم أنه قد أتى غير الله بما لا يأتي به إلا اللّه - عزّ وجلّ - فقد أشرك به غيره.
(أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)
المشار إليه في الآية
المشار إليه المشركات والمشركين
كيفية دعوتهم إلى النار :
بصحبتهم ومعاشرتهم التي توجب الانحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم لنسلهم ، وهذا إن لم يدعوا صراحة إلى دينهم باللفظ ، فالكافر يدعو إلى النار ويعمل بعمل أهل النار ، ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
هدايات الآيات:
1-النهي عن مخالطة كل مشرك ومبتدع، لأنه إذا لم يجز التزوج مع مافيه من مصالح كثيرة، فالخلطة الجردة من باب أولى، وخصوصا الخلطة التي فيها ارتفاع المشرك ونحوه على المسلم كالخدمة ونحوها.
2-اعتبار الولي في النكاح، ( ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمن)
3-الزوج ولي نفسه، ( ولا تنكحوا المشركات)
4-المؤمن خير من المشرك حتى لو اختلفت الموازين عند الناس، ( ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) ، قال تعالى: ( قل لا يستوي الخبيث ولا الطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) –المائدة.
5-تفاضل أحوال الناس، وأنهم ليسوا على حد سواء، ( ولعبد مؤمن خير من مشرك)
6-الرد على من قالوا : ( إن دين الاسلام دين مساواة) ، فالتفضيل في الآية بقتضي نفي المساواة، دين الاسلام دين عدل، قال تعالى: ( إن الله يأمر بالعدل) –النحل
فكيف يستوي المسلم بالكافر، والعاصي بالطائع...!!!!



المراجع:
التحرير والتنوير لابن عاشور
المحرر الوجيز لابن عطية
معاني القرآن للزجاج
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
الوجيز للواحدي
الكشاف للزمخشري
التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي الكلبي
تفسير الجلالين
أسباب النزول للواحدي
تفسير ابن أبي حاتم
المختصر في تفسير القرآن –اصدار مركز تفسير
الأساس في التفسير لسعيد حوى
تفسير السعدي
الكنز الثمين في تفسير ابن عثيمين.
مجموعة فتاوى ابن تيمية

[1]نقله ابن عطية من رواية البخاري ومسلم، ولفظ البخاري: " خمروا الآنية وأوكوا الأسقية"، ولفظ مسلم: "غطوا الاناء، وأوقوا السقاء"

[2]مجموع فتاوى ابن تيمية

[3]نقله ابن كثير

[4]التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور

[5]المرجع السابق

[6]يقال : الميسر للسهام المعروفة، وذلك قمار العرب، كما يقال للجزور التي ينحرونها ويُجزَوَّونها على حساب الميسر، فاسم الميسر يطلق على السهام وعلى الجزور

[7]التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي

[8]الكنز الثمين من تفسير ابن عثيمين

[9]المرجع السابق

[10]التحري والتنوير للطاهر بن عاشور

[11]التحري روالتنوير للطاهر بن عاشور

[12]الوجيز للواحدي

[13]التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور

[14]المرجع السابق

[15]ذكره ابن أبي حاتم ، ونقله عنه السيوطي في (لباب النقول)

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27 جمادى الآخرة 1438هـ/25-03-2017م, 08:30 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي

🔵 من أحكام الطّلاق في سورة البقرة 🔵

إعداد مجموعة الزهراوين
(فاطمة الزهراءأحمد،ميسر ياسين، هبة الديب)



بِسْم الله الرحمن الرحيم 
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، القائل " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله " فقد كان عليه الصلاة والسلام القدوة والأسوة الحسنة في التعامل مع النساء خصوصا زوجاته أمهات المؤمنين ،فكان لهن بمثابة الأب الرحيم والأخ الشفيق والزوج الحبيب ، وذلك طاعة منه لأمر الخالق الرحيم إذ يقول :" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " ،وقوله : " و أخذن منكم ميثاقا غليظا"، فجعل الله عز وجل ميثاق الزواج ميثاقا غليظا ،وأمر ألا يستهان به ، وفِي بعض الأحيان تمر عاصفة على الحياة الزوجية ،ويشاء الله عز وجل أن ينفصل عراها وتنقطع أوصالها ،وفِي هذه الحال جعل لنا آدابا يجب احترامها وأحكاما يجب تطبيقها ونهانا عن تجاوزها ،وهي إما الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان ،حتى تبقى حياتنا قائمة على الإحسان والفضل فيما بيننا ولا يجد الشيطان سبيلا إلينا ، وسنتناول في هاتين الآيتين الكريمتين بعضا من هذه الأحكام والآداب والاخلاق الكريمة .

قَالَ تعالى : {وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروف أو سرّحوهنّ بمعروف ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا واذكروا نعمت اللّه عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بكلّ شيء عليم}.( البقرة 231)

مجموعة من الأحكام والوصايا في حال الطلاق الرجعي أمر الشارع الحكيم الزوج العمل بها حيث قال جلّ وعلا :{وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ }في حال حصل الطلاق منك أيها الزوج،وبلغت المرأة أجلها ؛أي قاربت بلوغه وذلك بدلالة السياق على المعنى، فلو كان المعنى انقضائه فلا خيار للزوج بعد ذلك في الإمساك، وقد بيّن ذلك في موضع آخر من كتاب الله دل عليه بقوله ذلك:{وبعولتهنّ أحق بردهنّ في ذلك} البقرة /228، فذلك إشارة لزمن العدّة .
وقد وقّت الله تعالى مواقيت للنساء كل بحسب حالها:فإن كانت من أهل الأقراء فقد وقّت الله تعالى لها ثلاثة أقراء، وإن كانت من أهل الأشهر ،وقّت الله تعالى لها إنقضاء الشهور، و الأجل في كلام العرب يطلق
على المدة التي يمهل إليها الشخص في حدوث حادث معين، ومنه قوله:{ أيما الأجلين قضيت }.

فإذا
شارفت عدتها من الطلاق الرجعي على الانقضاء،ولَم يبق منها إلا قدرا يسيرا،جاء الأمر بالإحسان في اتخاذ القرار،فوُضع الزوج أمام خيارين في هذه الحالة : الخيار الأول:إما أن يعيدها إلى عصمة نكاحه بمعروف، وأراد به أن يشهد على رجعتها، وينوي عشرتها بالمعروف،وهو ما جاء في قوله تعالى :{
فأمسكوهنّ بمعروف }، فالإمساك بالشيء إبقاؤه والتعلق به، والمراد إبقائها في عصمته.
الخيار الثاني للزوج:
في قوله تعالى:{ أو سرّحوهنّ بمعروف } ،ذكر ابن أبي حاتم ماجاء عن يزيد بن أبي حبيب أنّ التسريح في كتاب الله هو الطلاق،وقوله بمعروف:أي بطاعة الله إذا اغتسلت من حيضتها الثالثة، قاله مقاتل وعلي بن الحسين وذكره ابن أبي حاتم.
فيتركها حتّى تنقضي عدتها، ثم يخرجها من منزله بالتي هي أحسن، من غير شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح، ويوفيها تمام حقها الملزم عليه من مهر ونفقة ومتعة.

🔵 مناسبة تقيد التسريح بالمعروف في هذا الموضع:
تطرق ابن عاشور في تفسيره لهذه المسألة ، فقارن بين هذا الموضع وهو قوله تعالى :{أو سرحوهنّ بمعروف}، والموضع السابق { أو تسريح بإحسان} ،

فقيّد هذا الموضع بالمعروف، والموضع السابق قيّده بالإحسان؛مشيرا إلى احتمالين:
( الاحتمال الأول:
أن الإحسان المذكور هنالك، هو عين المعروف الذي يعرض للتسريح، فلما تقدم ذكره لم يُحتج هنا إلى الفرق بين قيده وقيد الإمساك.

الاحتمال الثاني: أن إعادة أحوال الإمساك والتسريح هنا ليبنى عليه النهي عن المضارة، والذي تخاف مضارته بمنزلة بعيدة عن أن يطلب منه الإحسان، فطلب منه الحق، وهو المعروف الذي عدم المضارة من فروعه، سواء في الإمساك أو في التسريح، ومضارة كل بما يناسبه).اهـ

🔵 التصريح بالنهي عن المضارة .
وقوله تعالى :
{ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}كان لهذه الآية سبب نزول ذكره ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عبّاس:كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها فيفعل بها ذلك يضارها ويعضلها، فأنزل الله الآية{ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا }البقرة/ 231، وبه قال مجاهدٌ، ومسروقٌ، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان وغير واحدٍ،وذكره ابن كثير.
وروي عن الضحاك والربيع بن أنس:(راجعها رجاء أن تختلع منه بمالها ) ذكره ابن أبي حاتم.

فعلة الخطاب هو نهي الرجل أن يطول العدة على المرأة مضارّة منه لها، بأن يرتجع قرب انقضائها ثم يطلق بعد ذلك،
فطلب منه أن يتركها حتى تنقضي عدتها وتكون أملك لنفسها حينئذ فتقرر الرجعة إليه أم لا .

🔵 الوعيد لمن خالف أمر الله تعالى .
توعّد الله تعالى من يخالف أمره بأنه سيتعرض للعذاب، {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}،الظلم في اللغة :وضع الشيء في غير محلّه، وظلمه لنفسه أن عرّضها للعذاب، وكذلك بظلمه لزوجته، فاختلّ بسوء فعله حال بيته وعشرته لزوجته .

🔵 في قوله تعالى: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا }.
ذكر ابن كثير عن أبي حاتم ماجاء في هذه الآية من قول الحسن، وقتادة، وعطاءٌ الخراسانيّ، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان: هو الرّجل يطلّق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعبًا. فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزم اللّه بذلك
.
وعن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: طلّق رجلٌ امرأته وهو يلعب، لا يريد الطّلاق؛ فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّلاق.

وعن عبادة بن الصّامت، في قول اللّه تعالى: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} قال: كان الرّجل على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول للرّجل زوّجتك ابنتي ثمّ يقول: كنت لاعبًا. ويقول: قد أعتقت، ويقول: كنت لاعبًا فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاث من قالهنّ لاعبًا أو غير لاعبٍ، فهنّ جائزات عليه: الطلاق، والعتاق، والنكاح".
آيات الله : ما في القرآن من شرائع المراجعة التي بيّن لكم من دلالاته وعلاماته في أمر الطلاق .
الهزء من هزأ أي سخر ولعب ويُراد به الاستخفاف وعدم الرعاية.

وخلاصة المراد في قوله تعالى: " ولا تتخذوا آيات الله هزوا" كما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره؛ قولان:

1-
هو الرّجل يطلّق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعبًا. فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزم اللّه بذلك.قاله الحسن، وقتادة، وعطاءٌ الخراسانيّ، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان كما ذكر ابن كثير عن ابن حاتم.
- وعن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: طلّق رجلٌ امرأته وهو يلعب، لا يريد الطّلاق؛ فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّلاق.

-
عن عبادة بن الصّامت، في قول اللّه تعالى: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} قال: كان الرّجل على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول للرّجل زوّجتك ابنتي ثمّ يقول: كنت لاعبًا. ويقول: قد أعتقت، ويقول: كنت لاعبًا فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاث من قالهنّ لاعبًا أو غير لاعبٍ، فهنّ جائزات عليه: الطلاق، والعتاق، والنكاح".
-
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثٌ جدّهنّ جدٌّ، وهزلهنّ جدٌّ: النّكاح، والطّلاق، والرّجعة".رواه أبي داوود والترمذي وابن ماجه. وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ.


2- إمساك الزوجة في عدتها بقصد الإضرار.
(عن أبي الضحى، مسروق، مثله، يعني قوله: {ولا تمسكوهن ضرارا} قال: أن يطلقها حتى إذا كادت أن تنقضي عدتها راجعها ولا يريد إمساكها ويحبسها لذلك، ويريد الإضرار. فذلك الذي يضار، وذلك الذي يتخذ آيات الله هزوا) ذكره ابن أبي حاتم.

🔵 التذكير بنعمة الإسلام .
{واذكروا نعمت اللّه عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بكلّ شيء عليم}.
يذكّر الله تعالى عباده بما أنعم عليهم بعد إذ كانوا في الجاهلية بما أرسل إليهم من رسول وأنزل معه من الكتاب والحكمة؛والحمة السّنة فهي الشارحة للقرآن والمفسّرة له، (يعظكم به)
أي فيه أمره ونهيه وتوعده لمن خالف أمره، وفيه من الوعظ ما تلين به القلوب.

ثم دعى جلّ وعلا للتقوى فيما أمر ونهى؛ ونبّه على أمر عظيم بقوله :{ واعلموا أنّ الله بكل شيء عليم } عالم بكل ما تعملونه ظاهره وباطنه، فناسب ختم الآية ب
صفة العليم لأنها تقتضي العلم بما تقدم من الأفعال التي ظاهرها خلاف النية فيها، كالمحلل والمرتجع مضارة، فهو لا يخفى عليه شيءٌ من أموركم السّرّيّة والجهريّة، وسيجازيكم على ذلك كله.

*&*&*&*&*&*&*&*&*&*&*&* *&*&*&*&*&*&*&*&*&*&*&*

لم تكن عناية الله تعالى مقتصرة على ال
نهي عن الضرار في العصمة وما بعدها في العدة، بل أتبعه تعالى بالنهي عن المضارة فيما بعد الفراق وبيّن أحكامه.
قال تعالى :{وإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}.

كان في سبب نزول هذه الآية أنّ رجلا كان له أخت قد تزوجت من ابن عم لها ثم طلقها وبعد انقضاء عدتها أراد خطبتها مرة أخرى فمنعها أخوها، فنزلت الآية، وقد اختلف في هذا الرجل على أقوال ذكرها ابن جرير.
-القول الأول: أنه معقل بن يسار:
عن الـحسن، عن معقل بن يسار، قال: كانت أخته تـحت رجل فطلقها ثم خلا عنها حتـى إذا انقضت عدتها خطبها، فحَمِيَ معقل من ذلك أَنَفـاً وقال: خلا عنها وهو يقدر علـيها فحال بـينه وبـينها. فأنزل الله تعالـى ذكره: {وَإذَا طَلّقْتُـمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ}. وكذلك روي عن مجاهد وقتادة وعكرمة وغيرهم كما ذكر ابن جرير بأسانيد متنوعة.

- القول الثاني: أنها نزلت في جابر بن عبدالله لأنصاري.
عن السدي:{ وَإذَا طَلّقْتُـمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ}. قال: نزلت فـي جابر بن عبد الله الأنصاري، وكانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطلـيقة، فـانقضت عدتها، ثم رجع يريد رجعتها، فأما جابر فقال: طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانـية وكانت الـمرأة تريد زوجها قد راضته، فنزلت هذه الآية.


- القول الثالث:أنها نزلت دلالة علـى نهي الرجل عن مضارّة ولـيته من النساء، يعضلها عن النكاح:

عن ابن عبـاس قوله:{ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنَّ} فهذا فـي الرجل يطلق امرأته تطلـيقة أو تطلـيقتـين فتنقضي عدّتها، يبدو له فـي تزويجها وأن يراجعها، وتريد الـمرأة، فـيـمنعها أولـياؤها من ذلك، فنهى الله سبحانه أن يـمنعوها.
وهذا القول رجّحه ابن جرير ، وقال أنه يجوز أن تكون الآية قد نزلت في أمر معقل بن يسار وأخته أو في أمر جابر بن عبدالله وابنة عمّه لدلالة الآية على ما ذكره .
{وإذا طَلَّقْتُمُ النّساء}: مفهوم الخطاب للأزواج .

🔵المراد ببلوغ الأجل في سياق الآية .
قال تعالى: {
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}،يختلف المراد ببلوغ الأجل عما سبق،ففي الآية السابقة كان المراد اقتراب انتهاء العدّة،أما في هذه الآية يعني انقضائها .

وقوله تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}
🔵معنى العضل لغة.
العضل من عضِل يعضَلُ، أو عضَل يعضُل على اختلاف لغتها بين أحياء العرب ؛ والعضل هو التضييق والتعسير، ومنه تقول العرب عضلت الدجاجة، فهي معضل، أي إذا احتبس بيضها ولم يخرج ، ويقال أيضاً عضلت الناقة فهي معضل إذا احتبس ما في بطنها والداء العضال العسير البرء ،وأضاف ابن جرير قول عمر رحمة الله علـيه: «وقد أعضل به أهل العراق، لا يرضون عن وال، ولا يرضى عنهم وال»، ومعناه حمله على أمر شديد لا يطيق القيام به .
ويقال: داء عُضال، وهو الداء الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج، وتـجاوزه حدّ الأدواء التـي يكون لها علاج.
قال ذي الرمة:
ولَـمْ أقْذِفْ لـمُؤْمِنَةٍ حَصَانٍ بإذْنِ اللَّهِ مُوجِبَةً عُضَالا.
والمراد به في الآية التضييق على الزوجة في عودتها لزوجها .

اختلف في المخاطب في قوله تعالى :{فلا تعضلوهنّ} على أقوال :
1: هم الأولياء ،ذكره الطبري والزجاج وابن كثير.

وعللّ الزجاج على ذلك:(أنّ المطلّقة التي تراجع إنما هي مالكة بضعها إلا أن الولي لا بد منه)اهـ.
فالمعنى أي تمنعوهنّ وتحبسوهنّ من أن ينكحن أزواجهنّ،ذكر هذا القول الزجاج وابن كثير في تفسيرهما.
2: وقيل خطاب للمؤمنين ومنهم الأولياء والأزواج وقيل؛ الأزواج الذين كنّ في عصمتهم ،ذكر هذا القول ابن عطية .
وسبب
القول بأن الخطاب للأزواج يدخل في المراد ،هو أنهم يضاروهنّ بإرجاعهن، لمنعهن عن نكاح غيرهم.وهذا القول ذكره ابن عطية.
والقول بأنّ المخاطب الوليّ أظهر لدلالة السياق .


{ بالمعروف}أي بمهر وشهود جديدين إذا تراضوا فيما بينهما .


{ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}
ذلك:
أي قبول الولي رد وليته إلى زوجها إذا تراضوا بينهم بالمعروف.قاله الزجاج وابن عطية وابن كثير .
وفي مرجع اسم الإشارة ذلك قولان:

١- أن الخطاب لجميع المسلمين لأن اسمي الإشارة ذلك وذلكم يستخدمان لمخاطبة الجميع، فالجميع لفظه لفظ واحد ، ذكره الزجاج .
٢-أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم رجوع إلى خطاب الجماعة في قوله :{ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ}
والوعظ:اهزاز النفس وبمثابة الوعيد لمن خالف الأمر ،فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر يأتمر ويتعظ إيمانا بشرع الله تعالى ومخافة وعيده.

{ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }.
ذلكم:
أي ترك العضل واتّباعكم شرع اللّه في ردّ الموليات إلى أزواجهنّ،{أزكى لكم وأطهر} :أي أطيب للنفس وللقلوب وأطهر للعرض والدين ،لأنّه تعالى عِلم ما فيه الصلاح لكم في عاجلكم وآجلكم، وما في من المصالح في الأوامر والنواهي لا تدركونها ولا تعلمون الخير في أفعالكم وذلك بسبب العلاقات التي تكون بين الأزواج، وربما لم يعلمها الولي فيؤدي العضل إلى الفساد والمخالطة على ما لا ينبغي .وهو حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير .

🔵 الأحكام الفقهية المستنبطة من الآية :
o يحل العقد بعد انقضاء عدة البائن بينونة كبرى .{فبلغن أجلهنّ}.
o وجود الولي شرط للنكاح مع أن المطلقة هي مالكة بضعها إلا أنه لا بد من وليها.{فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ }،وكما جاء في الحديث: لا تزوّج المرأة المرأة، ولا تزوّج المرأة نفسها، فإنّ الزّانية هي الّتي تزوّج نفسها. وفي الأثر الآخر: لا نكاح إلّا بوليٍّ مرشدٍ، وشاهدي عدلٍ أنّ المرأة لا تملك أن تزوّج نفسها، كما قاله التّرمذيّ وابن جريرٍ عند هذه الآية، خلاف قول أبي حنيفة إن الولي ليس من شروط النكاح،ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير،ولو أنّ المرأة تملك نفسها حينئذ لم يكن للعضل معنى .
o الرضا شرط من شروط عقد النكاح :{إذا تراضوا}.
o يُحرم على الولي منع موليته إذا رضيت بالعودة بزوجها السابق. قوله: {إذا تراضوا بينهم بالمعروف} .
o المفهوم من قوله تعالى
{إذا تراضوا بينهم بالمعروف} يحق للولي أن يمنع وليته من العودة لزوجها،إذا رأى أن المراجعة ستعود إلى دخل وفساد نصحا لها .


____________________
قائمة المصادر والمراجع:
تفسير ابن أبي حاتم.
تفسير الطبري.
تفسير الزجاج.
تفسير ابن عطية.
تفسير ابن كثير .
تفسير ابن عاشور .
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي .

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 جمادى الآخرة 1438هـ/25-03-2017م, 09:58 PM
عابدة المحمدي عابدة المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 483
افتراضي

المجموعة الثانية (عابدة المحمدي – منيرة محمد – مضاوي الهطلاني)
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ )(225(
* مناسبةهذه الآية : عطف على جملة :{ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } [ البقرة : 221]، التي فيها تحريم نكاح المشركات، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر بمخالفة المشركين في جميع أحوالهم، وكانوا لا يقربون نساءهم إذا كُنَّ حُيَّضاً، فناسب ذكر حكم هذا الفعل وبيان مخالفتهم في هذا الأمر .
*
القراءات في ( يطهرن )ع ز
-
«يطْهُرن» بسكون الطاء وضم الهاء، قرأ بها نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه .
-«يطهّرن» بتشديد الطاء والهاء وفتحهما، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل عنه.
ذكرهما الزجاج وابن عطية وقال الزجاج عن القرائتين: أن كلاهما جيد. ويقال طهرت وطهرت جميعا وطهرت أكثر.
-
(حتى يتطهرن) في مصحف أبيّ وعبد الله.
-
«ولا تقربوا النساء في محيضهن، واعتزلوهن حتى يتطهرن» في مصحف أنس بن مالك،
ورجح الطبري قراءة تشديد الطاء وقال: هي بمعنى يغتسلن لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر.
ورجح أبو علي الفارسي قراءة تخفيف الطاء إذ هو ثلاثي مضاد لطمثت، وهو ثلاثي.
قال ابن عطية رحمه الله: وكل واحدة من القراءتين تحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء وأن يراد بها انقطاع الدم وزوال أذاه، وما ذهب إليه الطبري من أن قراءة شد الطاء مضمنها الاغتسال وقراءة التخفيف مضمنها انقطاع الدم: أمر غير لازم، وكذلك ادعاؤه الإجماع، أما إنه لا خلاف في كراهية الوطء قبل الاغتسال بالماء.
*
القراءات في (المتطهرين) ع
-
"تطهّرن" بتاء مفتوحة وهاء مشددة.
-
«المطّهّرين» بشد الطاء والهاء. قرأ بها طلحة بن مصرف. ذكر تلك القراءات ابن عطية.
*سبب نزول قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض) ع ك
-
عن أنسٍ: أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النّبيّ [النبيّ] صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن} حتّى فرغ من الآية. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح". فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلّا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشرٍ فقالا يا رسول اللّه، إنّ اليهود قالت كذا وكذا، أفلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هديّةٌ من لبنٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.
رواه الإمام أحمد و رواه مسلم عن حماد بن سلمة. ذكره ابن كثير.
-
قال قتادة وغيره: إنما سألوا لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية. ذكره ابن عطية.
-
وقال مجاهد:«كانوا يتجنبون النساء في الحيض ويأتونهن في أدبارهنّ فنزلت الآية في ذلك»، ذكره ابن عطية.
الراجح :الذي عليه جمهور المفسرين في سبب نزولها ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن فعل اليهود مع نسائهم حال الحيض، فأنزل الله الآية .
وأما قول قتادة فهو بيان لسبب سؤال الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم عن المحيض، فقتادة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدرك نزولها، ليكون سبب نزول.
وما جاء عن مجاهد، فهو معلول أيضاً بالإرسال، وقد قال عنه ابن لعربي:(وهذا ضعيف) اهـ
ثم لو كانوا يأتونهن في أدبارهن فأين جواب هذا في الآية؟ فالآية لم تتعرض لهذا إلا بقوله تعالى:(فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)خلاصة ما ذكره خالد المزيني في(المحرر في أسباب نزول القرآن).
)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ(
*السائل عن المحيض: ع ك
قيل : السائل ثابت بن الدحداح، قاله السدي ،ذكره الطبري، نقله ابن عطية.
وقيل: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن كثير.
*سبب سؤالهم عن المحيض ع
قال قتادة وغيره: إنما سألوا لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية. ذكره ابن عطية.
*معنى المحيض. ع ز
المحيض: قيل :مصدر كالحيض، يقال :حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا ومثله المقيل من قال يقيل. قال الراعي: [الكامل]:
بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة = لا يستطيع بها القراد مقيلا
أي: قيلولة. قاله الزجاج، وابن عطية.
وقيل: المحيض اسم الحيض، ومنه قول رؤبة في المعيش:[الرجز].
إليك أشكو شدّة المعيش = ومرّ أعوام نتفن ريشي. قال الطبري، ذكره ابن عطية.
وأصله السيلان. يقال حاض الوادي إذا سال، ومنه الحوض لسيلان الماء إليه.
ثم أطلق الحيض على ما يقذفه رحم المرأة من دم في أوقات مخصوصة على وجه مخصوص. ذكره طنطاوي.
*معنى ) أذى( ع
أي مستقذر ،قاله الزجاج
وهي : لفظ جامع لأشياء تؤذي لأنه دم وقذر ومنتن ومن سبيل البول،ذكره ابن عطية وقال وهذه عبارة المفسرين للفظة.
*
المراد باعتزال النساء في المحيض. ع ك ز
أي اعتزال جماعها، واختلف بما بموضع الإعتزال على ثلاث أقوال :
- الأول: اعتزال موضع الإزار، فله ما فوقه، قال به ابن عباس وشريح وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب، ومالك وهو أحد قولي الشافعي، ذكر ذلك ابن عطية وابن كثير.
عبد اللّه بن سعدٍ الأنصاريّ: أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:ما يحل لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قال:"ما فوق الإزار". وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه من حديث العلاء بن الحارث، ذكره ابن كثير.
و عن معاذ بن جبلٍ قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمّا يحلّ لي من امرأتي وهي حائضٌ. قال:"ما فوق الإزار والتّعفّف عن ذلك أفضل" رواه أبو داود، ذكره ابن كثير.
و ثبت في الصّحيحين، عن ميمونة بنت الحارث الهلاليّة قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه أمرها فاتّزرت وهي حائضٌ. وهذا لفظ البخاريّ. ولهما عن عائشة نحوه. ذكره ابن كثير
ورجح هذا القول ابن عطية فقد قال: وهذا أصح ما ذهب إليه في الأمر.
و رجّحه كثيرٌ من العراقيّين وغيرهم. ومأخذهم أنّه حريم الفرج، فهو حرامٌ، لئلّا يتوصّل إلى تعاطي ما حرّم اللّه عزّ وجلّ، الّذي أجمع العلماء على تحريمه، وهو المباشرة في الفرج. ذكره ابن كثير.
- وذهب آخرون: الذي يجب اعتزاله من الحائض الفرج وحده، لقوله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح" قال به مجاهد وروي ذلك عن عائشة وابن عباس والحسن والشعبي وعكرمة. ذكره ابن عطية وابن كثير.
عن بعض أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أراد من الحائض شيئًا، ألقى على فرجها ثوبًا. رواه أبو داود، ذكره ابن كثير.
وروي أنّ مسروقًا ركب إلى عائشة، فقال: السّلام على النّبيّ وعلى أهله.فقالت عائشة: أبو عائشة! مرحبًا مرحبًا. فأذنوا له فدخل، فقال: إنّي أريد أن أسألك عن شيءٍ، وأنا أستحي. فقالت: إنّما أنا أمّك، وأنت ابني. فقال: ما للرّجل من امرأته وهي حائضٌ؟ فقالت: له كلّ شيءٍ إلّا فرجها.
ورواه أيضًا عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريعٍ، عن عيينة بن عبد الرّحمن بن جوشن، عن مروان الأصفر، عن مسروقٍ قال: قلت لعائشة: ما يحلّ للرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: كلّ شيءٍ إلّا الجماع. رواه الطبري ذكره ابن كثير.
قال ابن كثير: ذهب كثيرٌ من العلماء أو أكثرهم إلى أنّه تجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج. لقوله صلى الله عليه وسلم : "اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح".
- وقيل : أنه يجب أن يعتزل الرجل فراش زوجته إذا حاضت، روي أيضا عن ابن عباس وعبيدة السلماني، وهذا قول شاذ، وقد وقفت ابن عباس عليه خالته ميمونة رضي الله عنهما، وقالت له: أرغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ذكره ابن عطية.
*ما يحل للرجل من الحائض ك
تحلّ مضاجعتها ومؤاكلتها بلا خلافٍ. قاله ابن كثير.
قالت عائشة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائضٌ، وكان يتّكئ في حجري وأنا حائضٌ، فيقرأ القرآن.
وفي الصّحيح عنها قالت: كنت أتعرّق العرق وأنا حائضٌ، فأعطيه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيضع فمه في الموضع الّذي وضعت فمي فيه، وأشرب الشّراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الّذي كنت أشرب.
وعن خلاسًا الهجري قال: سمعت عائشة تقول: كنت أنا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نبيت في الشّعار الواحد، وإنّي حائضٌ طامثٌ، فإن أصابه منّي شيءٌ، غسل مكانه لم يعده، وإن أصاب -يعني ثوبه - شيءٌ غسل مكانه لم يعده، وصلّى فيه. رواه أبو داود، ذكره ابن كثير.
فأمّا ما رواه أبو داود: حدّثنا سعيد بن عبد الجبّار، حدّثنا عبد العزيز -يعني ابن محمّدٍ - عن أبي اليمان، عن أمّ ذرّة، عن عائشة: أنّها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم ندن منه حتّى نطهر. قال ابن كثير: فهو محمولٌ على التّنزّه والاحتياط.
*
المراد بالطهر الذي تحل به الحائض لزوجها ج ع ك
اختلف العلماء بالمراد بالطهر في الآية على أقوال:
الأول: تطهر من الدم، أي تنقى منه، قاله ابن عباس، ذكره عنه ابن كثير وقاله به الزجاج، وذكره ابن عطية.
الثاني: التطهر بالماء، واختلف بالتطهر بالماء على أقوال:
- قيل: هو وضوء كوضوء الصلاة. فإذا انقطع الدم تحل لزوجها بعد أن تتوضأ. قاله مجاهد وعكرمة وطاوس.
- وقال قوم: هو غسل الفرج وذلك يحلها لزوجها وإن لم تغتسل من الحيضة.
روي عن يحيى بن بكيرٍ من المالكيّة وهو أحد شيوخ البخاريّ، فإنّه ذهب إلى إباحة وطء المرأة بمجرّد انقطاع دم الحيض، ومنهم من ينقله عن ابن عبد الحكم أيضًا، إلّا أنّ أبا حنيفة، رحمه اللّه، يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض، وهو عشرة أيّامٍ عنده: إنّها تحلّ بمجرّد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسلٍ [ولا يصحّ لأقلّ من ذلك المزيد في حلّها من الغسل ويدخل عليها وقت صلاةٍ إلّا أن تكون دمثةً، فيدخل بمجرّد انقطاعه] واللّه أعلم.
- وقيل :تغتسل بالماء وتتطهر كطهور الجنب، ولا يجزي من ذلك تيمم ولا غيره، ذهب إلى هذا القول مالك رحمه الله وجمهور العلماء.
- وقيل : تحل إذا تيممت عند عدم الماء وإن لم تغتسل ،قاله يحيى بن بكير وابن القرظي. خلاصة ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
والقول الراجح:اتّفق العلماء على أنّ المرأة إذا انقطع حيضها لا تحلّ حتّى تغتسل بالماء أو تتيمّم، إنّ تعذّر ذلك عليها بشرطه. ذكره ابن كثير.
*
كفارة الوطء قبل الطهر ع ك
من وطء في حال الحيض فإنه يأثم وعليه أن يستغفر الله، أما الكفارة عن ذلك ففيها قولان
الأول: يلزمه كفارة، فمن فعله قبل الاغتسال تصدق بنصف دينار، ومن وطئ في الدم تصدق بدينار، قاله ابن عباس والأوزاعي، فعن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الّذي يأتي امرأته وهي حائضٌ: "يتصدّق بدينارٍ، أو نصف دينارٍ". رواه الإمام أحمد، وأهل السّنن.
وفي لفظٍ للتّرمذي:"إذا كان دمًا أحمر فدينارٌ، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينارٍ". وللإمام أحمد أيضًا، عنه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل في الحائض نصاب، دينارًا فإن أصابها وقد أدبر الدّم عنها ولم تغتسل، فنصف دينارٍ.
والقول الثّاني: أنّه لا شيء في ذلك، بل يستغفر اللّه عزّ وجلّ، وهو ذنب عظيم لا يكفر عنه بمال، وهو الصحيح من مذهب الشافعي وقول الجمهور، لأنّه لم يصحّ عندهم رفع هذا الحديث، فإنّه [قد] روي مرفوعًا كما تقدّم وموقوفًا، وهو الصّحيح عند كثيرٍ من أئمّة الحديث، ذكره ابن عطية وابن كثير.
*معنى يطهرن:
على خلاف فيه العلماء كما سبق في الطهر.
قيل: بالماء. قاله ابن عباس وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، والحسن، ومقاتل بن حيّان، واللّيث بن سعدٍ، وغيرهم. ذكره ابن كثير.
قيل: انقطاع الدم.
*
المراد بقوله (ولا تقربوهن حتى يطهرن ).ع ك
)
ولا تقربوهن حتى يطهرن) هي تفسيرٌ لقوله:{فاعتزلوا النّساء في المحيض}ونهيٌ عن قربانهنّ بالجماع أثناء وجود دم الحيض، وهذا من سد الذرائع، ومفهومه حلّه إذا انقطع، وقد قال به طائفةٌ من السّلف.منهم مجاهدٌ وعكرمة وطاوسٌ.ذكره الطبري.ذكر هذا ابن عطية وابن كثير.
*المراد بالأمر في قوله (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ).ك:
قيل: للوجوب، فيجب الجماع بعد كل حيضة، ذهب لهذا القول ابن حزم، وليس له دليل على ذلك، لأن هذا أمر بعد الحظر .
وقيل: للإباحة، لأن تقدم النهي قرينة تصرفه عن الوجوب، قال ابن كثير: وفيه نظر.
وقيل: ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال، قاله ابن كثير ورجحه، لأنه يدل على ردّ الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي، فإن كان واجبًا فواجبٌ، كقوله تعالى:{فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين}[التّوبة: 5]، أو مباحًا فمباحٌ، كقوله تعالى:{وإذا حللتم فاصطادوا}[المائدة: 2]، {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10]،
وقال: وعلى هذا القول تجتمع الأدلّة، وقد حكاه الغزّاليّ وغيره، واختاره بعض أئمّة المتأخّرين، وهو الصّحيح.
*المراد بقوله (فأتوهن من حيث أمركم الله ) ع ك ز
قيل:من حيث أمركم اللّه باعتزالهن وهو الفرج أو من السرة إلى الركبتين.أو جميع الجسد، حسبما تقدم. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحد.
وقيل: طاهراتٌ غير حيّض، قاله أبو رزين، وعكرمة، والضّحّاك وغير واحدٍ.
وقيل: من قبل الحلال لا من قبل الزنا، قاله محمد بن الحنفية. وقاله الزجاج.
وقيل: حال الإباحة، لا صائمات ولا محرمات ولا غير ذلك.
وقيل: من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة، ولا تقربوهن من حيث لا يجب.
*معنى التوابين ع ك
الراجعون، وعرفه من الشر إلى الخير، والمراد من الذنوب وأن تكرر اقترافها. خلاصة ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
*
معنى المتطهرين ك
المتنزّهين عن الأقذار والأذى. ذكره ابن كثير
*المراد بالمتطهرين ع ك
وردت أقوال للعلماء فيها.
قيل: المتطهرين بالماء.
وقيل: من الذنوب، قاله مجاهد وغيره.
وقيل: من إتيان الحائض.
وقيل: من إتيان النساء في أدبارهن. قاله مجاهد.
قال ابن عطية : كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم لوط (أخرجوهم من قريتكم إنّهم أناسٌ يتطهّرون).
وكل هذه الأقوال لا تعارض بينها.

قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (223)
*سبب نزول الآية ز ،ع ،ك
ورد في سبب نزول الآية عدة روايات من طرقٌ مختلفة منها ما رواه البخاري، من حديث جابر، رضي الله عنه قال:كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فنزلت الآية تتضمن الرد على قولهم، وكذلك ما ورد من حديث أم سلمة وغيرها، قالت سببها أن قريشا كانوا يأتون النساء في الفرج على هيئات مختلفة، فلما قدموا المدينة وتزوجوا أنصاريات أرادوا ذلك، فلم ترده نساء المدينة إذ لم تكن عادة رجالهم إلا الإتيان على هيئة واحدة وهي الانبطاح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وانتشر كلام الناس في ذلك، فنزلت الآية مبيحة الهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث.
*معنى (حرث) ع ك ز
أصل الحرث: الزّرع، أي: هنّ للولد كالأرض للزرع.
ويراد به موضع الولد، أي تحرثون الولد واللذة، وهي من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة، ذكره الزمخشري.
وقيل أريد بها الزوجة، على وجه التشبيه، لأن في النّساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان، كما أن بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم، ذكره الرّاغب الأصفهاني.
*فائدة التعبير بلفظ (الحرث) ع
تفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة، إذ هو المزدرع، ذكره ابن عطية، وقيل قيد بالحرث ليشير أن لا يتجاوز البتة موضع البذر، وأن يتجاوز عن مجرد الشهوة فالغرض الأصلي طلب النسل لا قضاء الشهوة، ذكره الطيبي .
*معنى قوله (أنى شئتم) ع ك ز
أي: كيف شئتم، من أي وجه مقبلة ومدبرة في صمام واحدٍ، وهو الذي ورد في الأحاديث الصحيحة وعليه جمهور العلماء .
*فائدة التعبير بلفظ (أنّى) ع
يفيد التعبير بـ(أنّى) الإخبار أو السؤال عن أمر له جهات، وهي في اللغة أعمّ من كيف، وأين، ومتى.
*حكم إتيان المرأة في الدبر . ع ك
الذي عليه مذهب جمهور العلماء تحريم هذا الفعل وتكفير فاعله، وقد ورد عدة أحاديث تبين حكمه، منها ما رواه ابن ماجة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"لا ينظر اللّه إلى رجلٍ جامع امرأته في دبرها".
وكذلك ما رواه أبو بكرٍ الأثرم في سننه عن ابن مسعود، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"محاش النّساء حرامٌ".
و روى عبد الرّزّاق، أنّ رجلًا سأل ابن عبّاسٍ عن إتيان المرأة في دبرها، قال: تسألني عن الكفر! [إسنادٌ صحيحٌ].
وروى عبد اللّه بن أحمد:عن همامٌ، قال: سئل قتادة عن الّذي يأتي امرأته في دبرها. فقال قتادة: حدّثنا عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه عن جدّه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "هي اللّوطيّة الصّغرى."
قال قتادة: وحدّثني عقبة بن وسّاج، عن أبي الدّرداء قال: وهل يفعل ذلك إلّا كافرٌ؟
فهذه عدة أحاديث وآثار صحيحة تبين حكم هذا الفعل وشدة تحريمه,وليس الكفر المخرج من الملة وأنه من الكبائر .

*
صحة ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه وغيره في إباحة هذا الفعل. ع ك
مما روي في ذلك ما ذكره النّسائيّ وغيره من عدة طرق أنّ ابن عمر كان لا يرى بأسًا أن يأتي الرّجل المرأة في دبرها.
ومما ورد في رد هذا القول، ما رواه النّسائيّ عن أبي النّضر: أنّه أخبره أنّه قال لنافعٍ مولى ابن عمر:إنّه قد أكثر عليك القول: إنّك تقول عن ابن عمر إنّه أفتى أن تؤتى النّساء في أدبارهنّ قال:كذبوا عليّ، ولكن سأحدّثك كيف كان الأمر: إنّ ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده، حتّى بلغ:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: يا نافع، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت:لا. قال: إنّا كنّا معشر قريشٍ نجبّي النّساء، فلمّا دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهنّ مثل ما كنّا نريد فإذا هنّ قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنّما يؤتين على جنوبهنّ، فأنزل اللّه:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وقد رواه ابن مردويه، عن الطّبرانيّ، وروى الدّارميّ في مسنده عن سعيد بن يسارٍ أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري، أنحمض لهنّ؟ قال: وما التّحميض؟ فذكر الدّبر. فقال: وهل يفعل ذلك أحدٌ من المسلمين؟وهذا إسنادٌ صحيحٌ ونصٌّ صريحٌ منه بتحريم ذلك، وكلّ ما ورد عنه ممّا يحتمل ويحتمل فهو مردودٌ إلى هذا المحكم، ونسب هذا القول إلى طائفةٍ من فقهاء المدينة وغيرهم، وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك وأكثر النّاس ينكر أن يصحّ ذلك عن الإمام مالكٍ، رحمه اللّه،وإنما كذب عليه وقع في العتبية .
*المراد من قوله ( وقدموا لأنفسكم ) ع ك ز
-
قيل أن المراد بقوله ( وقدموا لأنفسكم ) أي قدموا لأنفسكم خيراً بطاعته وامتثال أمره .
وذكر ابن عباس: أن فيها إشارة إلى ذكر الله على الجماع»، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره».
-
وقيل: معنى قدّموا لأنفسكم طلب الولد.
*الفرق بين (واعلموا أنكم ملاقوه) و (بشر المؤمنين) ع ك ز
في قوله:(واعلموا أنكم ملاقوه) خبر يقتضي المبالغة في التحذير وفي قوله (بشر المؤمنين)
التأنيس والتبشير، فجمع الله فيهما الوعيد لمن خالف أمره، والتبشر لمن لزم أمره وسار على هدي نبيه .
قوله تعالى:(وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (224)
* مناسبة الآية لما قبلها : لما أمر الله بحسن عشرة النساء والإنفاق، قال في هذه الآية لا تمتنعوا عن شيء من مكارم الأخلاق تعللا بأنا حلفنا ألا نفعل كذا .
*سبب نزول الآية ع
-قال ابن جريج:«نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ حلف أن يقطع إنفاقه عن مسطح بن أثاثة حين تكلم مسطح في حديث الإفك».
-وقيل: نزلت في أبي بكر الصديق مع ابنه عبد الرحمن في حديث الضيافة حين حلف أبو بكر أن لا يأكل الطعام.
-وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة مع بشير بن سعد حين حلف أن لا يكلمه.
- روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا» ذكره ابن عطية.
وتعدد الروايات في سبب نزول الآية، يعني أن جميعهم يدخلون في معنى الآية.
*مقصد الآية ع
ألا يعرضوا اسم الله للأيمان به ويكثروا من الأيمان، التي هي سبب لحنثهم، ففي هذا عدم تعظيم لله تعالى. ذكره ابن عطية.
*المراد باليمين ع
اليمين الحلف، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا. ذكره ابن عطية.
*معنى ( عرضة) ع
عرضةً فعلة بناء للمفعول، أي كثيرا ما يتعرض بما ذكر، تقول «جمل عرضة للركوب» و «فرس عرضة للجري»، ومنه قول كعب بن زهير:[البسيط]:
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت = عرضتها طامس الاعلام مجهول .ذكره ابن عطية.
*معنى (أن تبروا ) ع
أي: إذا أردتم لأنفسكم البر.
*معنى البر. ع ك
قيل: جميع وجوه الخير "بر الرجل" إذا تعلق به حكمها ونسبها كالحاج والمجاهد والعالم وغير ذلك. وهو مضاد للإثم، إذ هو الحكم اللاحق عن المعاصي. ذكره ابن عطية.
وقيل: برّ الأرحام وصلتهم. ذكره ابن عطية وابن كثير.
وكلا المعنيين ورد في تفسير الآية والراجح أنه جميع وجوه البرّ لأنه قال:(أن تبروا) فلم يخصص برّ الأرحام والقربى .
*معنى الآية ج ع ك
اختلف أهل التأويل في معناها:
قيل: لا تجعلوا أيمانكم بالله، فيما تريدون الشدة بتركه من البر والصلة مانعة لكم من ذلك، وإنما احنثوا وكفروا، قال الطبري: التقدير لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا، وقدره المهدوي: كراهة أن تبروا. كقوله تعالى:{ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} [النّور: 22]، فالاستمرار على اليمين أشد إثماً من الحنث والتكفير. فاليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور.
فالمراد بالبر على هذا التفسير: بر الأهل والأرحام وصلتهم.
فعن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة"، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"واللّه لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند اللّه من أن يعطي كفّارته الّتي افترض اللّه عليه". رواه البخاري.
وهكذا رواه مسلمٌ، عن محمّد بن رافعٍ عن عبد الرّزّاق، به. ورواه أحمد، عنه، به.
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"من استلجّ في أهله بيمينٍ، فهو أعظم إثمًا، ليس تغني الكفّارة".رواه البخاري.
وقيل: لا تجعلنّ عرضةً ليمينك ألّا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير. فهنا المراد بالبر الخير، روي هذا القول عن ابن عباس وهكذا قال مسروقٌ، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، وعكرمة، ومكحولٌ، والزّهريّ، والحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّيّ. ويؤيّد هذا القول ما ثبت في الصّحيحين، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي واللّه -إن شاء اللّه -لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيرًا منها إلّا أتيت الّذي هو خيرٌ وتحلّلتها" وثبت فيهما أيضًا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لعبد الرّحمن بن سمرة:"يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أعطيتها من غير مسألةٍ أعنت عليها، وإنّ أعطيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت خيرًا منها فأت الّذي هو خيرٌ وكفّر عن يمينك".
وروى مسلمٌ، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفّر عن يمينه، وليفعل الّذي هو خيرٌ".
وعن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفّارتها".رواه الامام أحمد.
وعن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم، ولا في معصية اللّه، ولا في قطيعة رحمٍ، ومن حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها، وليأت الّذي هو خيرٌ، فإنّ تركها كفّارتها".رواه أبو داوود
ثمّ قال أبو داود: والأحاديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّها:" فليكفّر عن يمينه" وهي الصّحاح.
أما حديث ابن جرير الذي رواه، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"من حلف على قطيعة رحمٍ أو معصيةٍ، فبرّه أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه".
فهذا الحديث قال عنه ابن كثير حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنّ حارثة [هذا] هو ابن أبي الرّجال محمّد بن عبد الرّحمن، متروك الحديث، ضعيفٌ عند الجميع.
وقيل: لا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح، فلا يحتاج إلى تقدير «لا» بعد «أن»، ذكره ابن عطية.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون هذا التأويل في الذي يريد الإصلاح بين الناس، فيحلف حانثا ليكمل غرضه.
وقيل: احتمال أنها نهي عن تكثير اليمين فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا».
وقيل: هو الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله تعالى، فقال عليّ يمين، وهو لم يحلف. قاله الزجاج وغيره. خلاصة ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
*معنى ( والله سميع عليم ) ع
أي: سميعٌ لأقوال العباد عليمٌ بنياتهم، ذكره ابن عطية.
قوله تعال ):لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ( (225)
*مناسبة هذه الآية لما قبلها : لما نهى تعالى عن جعله معرضا للأيمان، تبادر إلى الذهن معرفة حكم اليمين التي تجري على الألسن، فقال تعالى:(لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ).
*معنى المؤاخذة . ع ك
المؤاخذة هي التناول بالعقوبة فلا تلزمهم كفّارة في الدنيا ولا عقوبةٌ تحل بهم في الآخرة .
*
معنى اللغو . ع ك
اللغو هو الذي على اللسان عادة من غير قصد ولا تأكيد .
*سبب تسميته لغو . ز
لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة.
*
المراد بالغو اليمين. ع
ورد في لغو اليمين قولان:
1-هو ما يقع في درج الكلام دون قصد إلى عقد يمين، مثل قول لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين.
2-وقيل هو ما حلف به جازماً بصدقه فيظهر له خلاف ما اعتقدهوهي اليمين التي لايؤاخذ بها .
*الإيمان التي يؤاخذ عليها الإنسان. ع ز
-الإيمان التي يعاقب عليها الإنسان هو ما قصد بقلبه تعمد الحلف بالله تعالى كاذباً،
وهي مايسمى باليمين الغموس وكفارتها التوبه إلى الله تعالى .
-وأما من خالف ما حلف عليه، أو رأى غيره خيرا منه، فالواجب عليه أن يكفر عنه، فإن لم يفعل فهو معرض للعقوبة,وهي اليمين التي قصد بقلبه انعقادها وذكر الله كفارتها في سورة المائدة َ(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(89) حاصل ما ذكره ابن كثير وابن عطيه والزجاج وابن عاشور.
*
مناسبة ختم الآية . ع
مناسبة ختم الآية بـ (غفور حليم) من باب الرفق والتوسعة على العباد إذ لم يعاجلهم بالعقوبة جراء تقصيرهم في التأدب معه .
والحمد لله رب العالمين ،،،
المجموعة الثانية (عابدة المحمدي – منيرة محمد – مضاوي الهطلاني)
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ )(225(
* مناسبةهذه الآية : عطف على جملة :{ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } [ البقرة : 221]، التي فيها تحريم نكاح المشركات، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر بمخالفة المشركين في جميع أحوالهم، وكانوا لا يقربون نساءهم إذا كُنَّ حُيَّضاً، فناسب ذكر حكم هذا الفعل وبيان مخالفتهم في هذا الأمر .
*
القراءات في ( يطهرن )ع ز
-
«يطْهُرن» بسكون الطاء وضم الهاء، قرأ بها نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه .
-«يطهّرن» بتشديد الطاء والهاء وفتحهما، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل عنه.
ذكرهما الزجاج وابن عطية وقال الزجاج عن القرائتين: أن كلاهما جيد. ويقال طهرت وطهرت جميعا وطهرت أكثر.
-
(حتى يتطهرن) في مصحف أبيّ وعبد الله.
-
«ولا تقربوا النساء في محيضهن، واعتزلوهن حتى يتطهرن» في مصحف أنس بن مالك،
ورجح الطبري قراءة تشديد الطاء وقال: هي بمعنى يغتسلن لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر.
ورجح أبو علي الفارسي قراءة تخفيف الطاء إذ هو ثلاثي مضاد لطمثت، وهو ثلاثي.
قال ابن عطية رحمه الله: وكل واحدة من القراءتين تحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء وأن يراد بها انقطاع الدم وزوال أذاه، وما ذهب إليه الطبري من أن قراءة شد الطاء مضمنها الاغتسال وقراءة التخفيف مضمنها انقطاع الدم: أمر غير لازم، وكذلك ادعاؤه الإجماع، أما إنه لا خلاف في كراهية الوطء قبل الاغتسال بالماء.
*
القراءات في (المتطهرين) ع
-
"تطهّرن" بتاء مفتوحة وهاء مشددة.
-
«المطّهّرين» بشد الطاء والهاء. قرأ بها طلحة بن مصرف. ذكر تلك القراءات ابن عطية.
*سبب نزول قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض) ع ك
-
عن أنسٍ: أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النّبيّ [النبيّ] صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن} حتّى فرغ من الآية. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح". فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلّا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشرٍ فقالا يا رسول اللّه، إنّ اليهود قالت كذا وكذا، أفلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هديّةٌ من لبنٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.
رواه الإمام أحمد و رواه مسلم عن حماد بن سلمة. ذكره ابن كثير.
-
قال قتادة وغيره: إنما سألوا لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية. ذكره ابن عطية.
-
وقال مجاهد:«كانوا يتجنبون النساء في الحيض ويأتونهن في أدبارهنّ فنزلت الآية في ذلك»، ذكره ابن عطية.
الراجح :الذي عليه جمهور المفسرين في سبب نزولها ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن فعل اليهود مع نسائهم حال الحيض، فأنزل الله الآية .
وأما قول قتادة فهو بيان لسبب سؤال الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم عن المحيض، فقتادة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدرك نزولها، ليكون سبب نزول.
وما جاء عن مجاهد، فهو معلول أيضاً بالإرسال، وقد قال عنه ابن لعربي:(وهذا ضعيف) اهـ
ثم لو كانوا يأتونهن في أدبارهن فأين جواب هذا في الآية؟ فالآية لم تتعرض لهذا إلا بقوله تعالى:(فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)خلاصة ما ذكره خالد المزيني في(المحرر في أسباب نزول القرآن).
)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ(
*السائل عن المحيض: ع ك
قيل : السائل ثابت بن الدحداح، قاله السدي ،ذكره الطبري، نقله ابن عطية.
وقيل: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن كثير.
*سبب سؤالهم عن المحيض ع
قال قتادة وغيره: إنما سألوا لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية. ذكره ابن عطية.
*معنى المحيض. ع ز
المحيض: قيل :مصدر كالحيض، يقال :حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا ومثله المقيل من قال يقيل. قال الراعي: [الكامل]:
بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة = لا يستطيع بها القراد مقيلا
أي: قيلولة. قاله الزجاج، وابن عطية.
وقيل: المحيض اسم الحيض، ومنه قول رؤبة في المعيش:[الرجز].
إليك أشكو شدّة المعيش = ومرّ أعوام نتفن ريشي. قال الطبري، ذكره ابن عطية.
وأصله السيلان. يقال حاض الوادي إذا سال، ومنه الحوض لسيلان الماء إليه.
ثم أطلق الحيض على ما يقذفه رحم المرأة من دم في أوقات مخصوصة على وجه مخصوص. ذكره طنطاوي.
*معنى ) أذى( ع
أي مستقذر ،قاله الزجاج
وهي : لفظ جامع لأشياء تؤذي لأنه دم وقذر ومنتن ومن سبيل البول،ذكره ابن عطية وقال وهذه عبارة المفسرين للفظة.
*
المراد باعتزال النساء في المحيض. ع ك ز
أي اعتزال جماعها، واختلف بما بموضع الإعتزال على ثلاث أقوال :
- الأول: اعتزال موضع الإزار، فله ما فوقه، قال به ابن عباس وشريح وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب، ومالك وهو أحد قولي الشافعي، ذكر ذلك ابن عطية وابن كثير.
عبد اللّه بن سعدٍ الأنصاريّ: أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:ما يحل لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قال:"ما فوق الإزار". وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه من حديث العلاء بن الحارث، ذكره ابن كثير.
و عن معاذ بن جبلٍ قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمّا يحلّ لي من امرأتي وهي حائضٌ. قال:"ما فوق الإزار والتّعفّف عن ذلك أفضل" رواه أبو داود، ذكره ابن كثير.
و ثبت في الصّحيحين، عن ميمونة بنت الحارث الهلاليّة قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه أمرها فاتّزرت وهي حائضٌ. وهذا لفظ البخاريّ. ولهما عن عائشة نحوه. ذكره ابن كثير
ورجح هذا القول ابن عطية فقد قال: وهذا أصح ما ذهب إليه في الأمر.
و رجّحه كثيرٌ من العراقيّين وغيرهم. ومأخذهم أنّه حريم الفرج، فهو حرامٌ، لئلّا يتوصّل إلى تعاطي ما حرّم اللّه عزّ وجلّ، الّذي أجمع العلماء على تحريمه، وهو المباشرة في الفرج. ذكره ابن كثير.
- وذهب آخرون: الذي يجب اعتزاله من الحائض الفرج وحده، لقوله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح" قال به مجاهد وروي ذلك عن عائشة وابن عباس والحسن والشعبي وعكرمة. ذكره ابن عطية وابن كثير.
عن بعض أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أراد من الحائض شيئًا، ألقى على فرجها ثوبًا. رواه أبو داود، ذكره ابن كثير.
وروي أنّ مسروقًا ركب إلى عائشة، فقال: السّلام على النّبيّ وعلى أهله.فقالت عائشة: أبو عائشة! مرحبًا مرحبًا. فأذنوا له فدخل، فقال: إنّي أريد أن أسألك عن شيءٍ، وأنا أستحي. فقالت: إنّما أنا أمّك، وأنت ابني. فقال: ما للرّجل من امرأته وهي حائضٌ؟ فقالت: له كلّ شيءٍ إلّا فرجها.
ورواه أيضًا عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريعٍ، عن عيينة بن عبد الرّحمن بن جوشن، عن مروان الأصفر، عن مسروقٍ قال: قلت لعائشة: ما يحلّ للرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: كلّ شيءٍ إلّا الجماع. رواه الطبري ذكره ابن كثير.
قال ابن كثير: ذهب كثيرٌ من العلماء أو أكثرهم إلى أنّه تجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج. لقوله صلى الله عليه وسلم : "اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح".
- وقيل : أنه يجب أن يعتزل الرجل فراش زوجته إذا حاضت، روي أيضا عن ابن عباس وعبيدة السلماني، وهذا قول شاذ، وقد وقفت ابن عباس عليه خالته ميمونة رضي الله عنهما، وقالت له: أرغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ذكره ابن عطية.
*ما يحل للرجل من الحائض ك
تحلّ مضاجعتها ومؤاكلتها بلا خلافٍ. قاله ابن كثير.
قالت عائشة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائضٌ، وكان يتّكئ في حجري وأنا حائضٌ، فيقرأ القرآن.
وفي الصّحيح عنها قالت: كنت أتعرّق العرق وأنا حائضٌ، فأعطيه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيضع فمه في الموضع الّذي وضعت فمي فيه، وأشرب الشّراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الّذي كنت أشرب.
وعن خلاسًا الهجري قال: سمعت عائشة تقول: كنت أنا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نبيت في الشّعار الواحد، وإنّي حائضٌ طامثٌ، فإن أصابه منّي شيءٌ، غسل مكانه لم يعده، وإن أصاب -يعني ثوبه - شيءٌ غسل مكانه لم يعده، وصلّى فيه. رواه أبو داود، ذكره ابن كثير.
فأمّا ما رواه أبو داود: حدّثنا سعيد بن عبد الجبّار، حدّثنا عبد العزيز -يعني ابن محمّدٍ - عن أبي اليمان، عن أمّ ذرّة، عن عائشة: أنّها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم ندن منه حتّى نطهر. قال ابن كثير: فهو محمولٌ على التّنزّه والاحتياط.
*
المراد بالطهر الذي تحل به الحائض لزوجها ج ع ك
اختلف العلماء بالمراد بالطهر في الآية على أقوال:
الأول: تطهر من الدم، أي تنقى منه، قاله ابن عباس، ذكره عنه ابن كثير وقاله به الزجاج، وذكره ابن عطية.
الثاني: التطهر بالماء، واختلف بالتطهر بالماء على أقوال:
- قيل: هو وضوء كوضوء الصلاة. فإذا انقطع الدم تحل لزوجها بعد أن تتوضأ. قاله مجاهد وعكرمة وطاوس.
- وقال قوم: هو غسل الفرج وذلك يحلها لزوجها وإن لم تغتسل من الحيضة.
روي عن يحيى بن بكيرٍ من المالكيّة وهو أحد شيوخ البخاريّ، فإنّه ذهب إلى إباحة وطء المرأة بمجرّد انقطاع دم الحيض، ومنهم من ينقله عن ابن عبد الحكم أيضًا، إلّا أنّ أبا حنيفة، رحمه اللّه، يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض، وهو عشرة أيّامٍ عنده: إنّها تحلّ بمجرّد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسلٍ [ولا يصحّ لأقلّ من ذلك المزيد في حلّها من الغسل ويدخل عليها وقت صلاةٍ إلّا أن تكون دمثةً، فيدخل بمجرّد انقطاعه] واللّه أعلم.
- وقيل :تغتسل بالماء وتتطهر كطهور الجنب، ولا يجزي من ذلك تيمم ولا غيره، ذهب إلى هذا القول مالك رحمه الله وجمهور العلماء.
- وقيل : تحل إذا تيممت عند عدم الماء وإن لم تغتسل ،قاله يحيى بن بكير وابن القرظي. خلاصة ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
والقول الراجح:اتّفق العلماء على أنّ المرأة إذا انقطع حيضها لا تحلّ حتّى تغتسل بالماء أو تتيمّم، إنّ تعذّر ذلك عليها بشرطه. ذكره ابن كثير.
*
كفارة الوطء قبل الطهر ع ك
من وطء في حال الحيض فإنه يأثم وعليه أن يستغفر الله، أما الكفارة عن ذلك ففيها قولان
الأول: يلزمه كفارة، فمن فعله قبل الاغتسال تصدق بنصف دينار، ومن وطئ في الدم تصدق بدينار، قاله ابن عباس والأوزاعي، فعن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الّذي يأتي امرأته وهي حائضٌ: "يتصدّق بدينارٍ، أو نصف دينارٍ". رواه الإمام أحمد، وأهل السّنن.
وفي لفظٍ للتّرمذي:"إذا كان دمًا أحمر فدينارٌ، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينارٍ". وللإمام أحمد أيضًا، عنه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل في الحائض نصاب، دينارًا فإن أصابها وقد أدبر الدّم عنها ولم تغتسل، فنصف دينارٍ.
والقول الثّاني: أنّه لا شيء في ذلك، بل يستغفر اللّه عزّ وجلّ، وهو ذنب عظيم لا يكفر عنه بمال، وهو الصحيح من مذهب الشافعي وقول الجمهور، لأنّه لم يصحّ عندهم رفع هذا الحديث، فإنّه [قد] روي مرفوعًا كما تقدّم وموقوفًا، وهو الصّحيح عند كثيرٍ من أئمّة الحديث، ذكره ابن عطية وابن كثير.
*معنى يطهرن:
على خلاف فيه العلماء كما سبق في الطهر.
قيل: بالماء. قاله ابن عباس وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، والحسن، ومقاتل بن حيّان، واللّيث بن سعدٍ، وغيرهم. ذكره ابن كثير.
قيل: انقطاع الدم.
*
المراد بقوله (ولا تقربوهن حتى يطهرن ).ع ك
)
ولا تقربوهن حتى يطهرن) هي تفسيرٌ لقوله:{فاعتزلوا النّساء في المحيض}ونهيٌ عن قربانهنّ بالجماع أثناء وجود دم الحيض، وهذا من سد الذرائع، ومفهومه حلّه إذا انقطع، وقد قال به طائفةٌ من السّلف.منهم مجاهدٌ وعكرمة وطاوسٌ.ذكره الطبري.ذكر هذا ابن عطية وابن كثير.
*المراد بالأمر في قوله (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ).ك:
قيل: للوجوب، فيجب الجماع بعد كل حيضة، ذهب لهذا القول ابن حزم، وليس له دليل على ذلك، لأن هذا أمر بعد الحظر .
وقيل: للإباحة، لأن تقدم النهي قرينة تصرفه عن الوجوب، قال ابن كثير: وفيه نظر.
وقيل: ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال، قاله ابن كثير ورجحه، لأنه يدل على ردّ الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي، فإن كان واجبًا فواجبٌ، كقوله تعالى:{فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين}[التّوبة: 5]، أو مباحًا فمباحٌ، كقوله تعالى:{وإذا حللتم فاصطادوا}[المائدة: 2]، {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10]،
وقال: وعلى هذا القول تجتمع الأدلّة، وقد حكاه الغزّاليّ وغيره، واختاره بعض أئمّة المتأخّرين، وهو الصّحيح.
*المراد بقوله (فأتوهن من حيث أمركم الله ) ع ك ز
قيل:من حيث أمركم اللّه باعتزالهن وهو الفرج أو من السرة إلى الركبتين.أو جميع الجسد، حسبما تقدم. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحد.
وقيل: طاهراتٌ غير حيّض، قاله أبو رزين، وعكرمة، والضّحّاك وغير واحدٍ.
وقيل: من قبل الحلال لا من قبل الزنا، قاله محمد بن الحنفية. وقاله الزجاج.
وقيل: حال الإباحة، لا صائمات ولا محرمات ولا غير ذلك.
وقيل: من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة، ولا تقربوهن من حيث لا يجب.
*معنى التوابين ع ك
الراجعون، وعرفه من الشر إلى الخير، والمراد من الذنوب وأن تكرر اقترافها. خلاصة ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
*
معنى المتطهرين ك
المتنزّهين عن الأقذار والأذى. ذكره ابن كثير
*المراد بالمتطهرين ع ك
وردت أقوال للعلماء فيها.
قيل: المتطهرين بالماء.
وقيل: من الذنوب، قاله مجاهد وغيره.
وقيل: من إتيان الحائض.
وقيل: من إتيان النساء في أدبارهن. قاله مجاهد.
قال ابن عطية : كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم لوط (أخرجوهم من قريتكم إنّهم أناسٌ يتطهّرون).
وكل هذه الأقوال لا تعارض بينها.

قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (223)
*سبب نزول الآية ز ،ع ،ك
ورد في سبب نزول الآية عدة روايات من طرقٌ مختلفة منها ما رواه البخاري، من حديث جابر، رضي الله عنه قال:كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فنزلت الآية تتضمن الرد على قولهم، وكذلك ما ورد من حديث أم سلمة وغيرها، قالت سببها أن قريشا كانوا يأتون النساء في الفرج على هيئات مختلفة، فلما قدموا المدينة وتزوجوا أنصاريات أرادوا ذلك، فلم ترده نساء المدينة إذ لم تكن عادة رجالهم إلا الإتيان على هيئة واحدة وهي الانبطاح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وانتشر كلام الناس في ذلك، فنزلت الآية مبيحة الهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث.
*معنى (حرث) ع ك ز
أصل الحرث: الزّرع، أي: هنّ للولد كالأرض للزرع.
ويراد به موضع الولد، أي تحرثون الولد واللذة، وهي من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة، ذكره الزمخشري.
وقيل أريد بها الزوجة، على وجه التشبيه، لأن في النّساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان، كما أن بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم، ذكره الرّاغب الأصفهاني.
*فائدة التعبير بلفظ (الحرث) ع
تفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة، إذ هو المزدرع، ذكره ابن عطية، وقيل قيد بالحرث ليشير أن لا يتجاوز البتة موضع البذر، وأن يتجاوز عن مجرد الشهوة فالغرض الأصلي طلب النسل لا قضاء الشهوة، ذكره الطيبي .
*معنى قوله (أنى شئتم) ع ك ز
أي: كيف شئتم، من أي وجه مقبلة ومدبرة في صمام واحدٍ، وهو الذي ورد في الأحاديث الصحيحة وعليه جمهور العلماء .
*فائدة التعبير بلفظ (أنّى) ع
يفيد التعبير بـ(أنّى) الإخبار أو السؤال عن أمر له جهات، وهي في اللغة أعمّ من كيف، وأين، ومتى.
*حكم إتيان المرأة في الدبر . ع ك
الذي عليه مذهب جمهور العلماء تحريم هذا الفعل وتكفير فاعله، وقد ورد عدة أحاديث تبين حكمه، منها ما رواه ابن ماجة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"لا ينظر اللّه إلى رجلٍ جامع امرأته في دبرها".
وكذلك ما رواه أبو بكرٍ الأثرم في سننه عن ابن مسعود، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"محاش النّساء حرامٌ".
و روى عبد الرّزّاق، أنّ رجلًا سأل ابن عبّاسٍ عن إتيان المرأة في دبرها، قال: تسألني عن الكفر! [إسنادٌ صحيحٌ].
وروى عبد اللّه بن أحمد:عن همامٌ، قال: سئل قتادة عن الّذي يأتي امرأته في دبرها. فقال قتادة: حدّثنا عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه عن جدّه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "هي اللّوطيّة الصّغرى."
قال قتادة: وحدّثني عقبة بن وسّاج، عن أبي الدّرداء قال: وهل يفعل ذلك إلّا كافرٌ؟
فهذه عدة أحاديث وآثار صحيحة تبين حكم هذا الفعل وشدة تحريمه,وليس الكفر المخرج من الملة وأنه من الكبائر .

*
صحة ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه وغيره في إباحة هذا الفعل. ع ك
مما روي في ذلك ما ذكره النّسائيّ وغيره من عدة طرق أنّ ابن عمر كان لا يرى بأسًا أن يأتي الرّجل المرأة في دبرها.
ومما ورد في رد هذا القول، ما رواه النّسائيّ عن أبي النّضر: أنّه أخبره أنّه قال لنافعٍ مولى ابن عمر:إنّه قد أكثر عليك القول: إنّك تقول عن ابن عمر إنّه أفتى أن تؤتى النّساء في أدبارهنّ قال:كذبوا عليّ، ولكن سأحدّثك كيف كان الأمر: إنّ ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده، حتّى بلغ:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: يا نافع، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت:لا. قال: إنّا كنّا معشر قريشٍ نجبّي النّساء، فلمّا دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهنّ مثل ما كنّا نريد فإذا هنّ قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنّما يؤتين على جنوبهنّ، فأنزل اللّه:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وقد رواه ابن مردويه، عن الطّبرانيّ، وروى الدّارميّ في مسنده عن سعيد بن يسارٍ أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري، أنحمض لهنّ؟ قال: وما التّحميض؟ فذكر الدّبر. فقال: وهل يفعل ذلك أحدٌ من المسلمين؟وهذا إسنادٌ صحيحٌ ونصٌّ صريحٌ منه بتحريم ذلك، وكلّ ما ورد عنه ممّا يحتمل ويحتمل فهو مردودٌ إلى هذا المحكم، ونسب هذا القول إلى طائفةٍ من فقهاء المدينة وغيرهم، وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك وأكثر النّاس ينكر أن يصحّ ذلك عن الإمام مالكٍ، رحمه اللّه،وإنما كذب عليه وقع في العتبية .
*المراد من قوله ( وقدموا لأنفسكم ) ع ك ز
-
قيل أن المراد بقوله ( وقدموا لأنفسكم ) أي قدموا لأنفسكم خيراً بطاعته وامتثال أمره .
وذكر ابن عباس: أن فيها إشارة إلى ذكر الله على الجماع»، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره».
-
وقيل: معنى قدّموا لأنفسكم طلب الولد.
*الفرق بين (واعلموا أنكم ملاقوه) و (بشر المؤمنين) ع ك ز
في قوله:(واعلموا أنكم ملاقوه) خبر يقتضي المبالغة في التحذير وفي قوله (بشر المؤمنين)
التأنيس والتبشير، فجمع الله فيهما الوعيد لمن خالف أمره، والتبشر لمن لزم أمره وسار على هدي نبيه .
قوله تعالى:(وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (224)
* مناسبة الآية لما قبلها : لما أمر الله بحسن عشرة النساء والإنفاق، قال في هذه الآية لا تمتنعوا عن شيء من مكارم الأخلاق تعللا بأنا حلفنا ألا نفعل كذا .
*سبب نزول الآية ع
-قال ابن جريج:«نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ حلف أن يقطع إنفاقه عن مسطح بن أثاثة حين تكلم مسطح في حديث الإفك».
-وقيل: نزلت في أبي بكر الصديق مع ابنه عبد الرحمن في حديث الضيافة حين حلف أبو بكر أن لا يأكل الطعام.
-وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة مع بشير بن سعد حين حلف أن لا يكلمه.
- روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا» ذكره ابن عطية.
وتعدد الروايات في سبب نزول الآية، يعني أن جميعهم يدخلون في معنى الآية.
*مقصد الآية ع
ألا يعرضوا اسم الله للأيمان به ويكثروا من الأيمان، التي هي سبب لحنثهم، ففي هذا عدم تعظيم لله تعالى. ذكره ابن عطية.
*المراد باليمين ع
اليمين الحلف، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا. ذكره ابن عطية.
*معنى ( عرضة) ع
عرضةً فعلة بناء للمفعول، أي كثيرا ما يتعرض بما ذكر، تقول «جمل عرضة للركوب» و «فرس عرضة للجري»، ومنه قول كعب بن زهير:[البسيط]:
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت = عرضتها طامس الاعلام مجهول .ذكره ابن عطية.
*معنى (أن تبروا ) ع
أي: إذا أردتم لأنفسكم البر.
*معنى البر. ع ك
قيل: جميع وجوه الخير "بر الرجل" إذا تعلق به حكمها ونسبها كالحاج والمجاهد والعالم وغير ذلك. وهو مضاد للإثم، إذ هو الحكم اللاحق عن المعاصي. ذكره ابن عطية.
وقيل: برّ الأرحام وصلتهم. ذكره ابن عطية وابن كثير.
وكلا المعنيين ورد في تفسير الآية والراجح أنه جميع وجوه البرّ لأنه قال:(أن تبروا) فلم يخصص برّ الأرحام والقربى .
*معنى الآية ج ع ك
اختلف أهل التأويل في معناها:
قيل: لا تجعلوا أيمانكم بالله، فيما تريدون الشدة بتركه من البر والصلة مانعة لكم من ذلك، وإنما احنثوا وكفروا، قال الطبري: التقدير لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا، وقدره المهدوي: كراهة أن تبروا. كقوله تعالى:{ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} [النّور: 22]، فالاستمرار على اليمين أشد إثماً من الحنث والتكفير. فاليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور.
فالمراد بالبر على هذا التفسير: بر الأهل والأرحام وصلتهم.
فعن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة"، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"واللّه لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند اللّه من أن يعطي كفّارته الّتي افترض اللّه عليه". رواه البخاري.
وهكذا رواه مسلمٌ، عن محمّد بن رافعٍ عن عبد الرّزّاق، به. ورواه أحمد، عنه، به.
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"من استلجّ في أهله بيمينٍ، فهو أعظم إثمًا، ليس تغني الكفّارة".رواه البخاري.
وقيل: لا تجعلنّ عرضةً ليمينك ألّا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير. فهنا المراد بالبر الخير، روي هذا القول عن ابن عباس وهكذا قال مسروقٌ، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، وعكرمة، ومكحولٌ، والزّهريّ، والحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّيّ. ويؤيّد هذا القول ما ثبت في الصّحيحين، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي واللّه -إن شاء اللّه -لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيرًا منها إلّا أتيت الّذي هو خيرٌ وتحلّلتها" وثبت فيهما أيضًا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لعبد الرّحمن بن سمرة:"يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أعطيتها من غير مسألةٍ أعنت عليها، وإنّ أعطيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت خيرًا منها فأت الّذي هو خيرٌ وكفّر عن يمينك".
وروى مسلمٌ، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفّر عن يمينه، وليفعل الّذي هو خيرٌ".
وعن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفّارتها".رواه الامام أحمد.
وعن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم، ولا في معصية اللّه، ولا في قطيعة رحمٍ، ومن حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها، وليأت الّذي هو خيرٌ، فإنّ تركها كفّارتها".رواه أبو داوود
ثمّ قال أبو داود: والأحاديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّها:" فليكفّر عن يمينه" وهي الصّحاح.
أما حديث ابن جرير الذي رواه، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"من حلف على قطيعة رحمٍ أو معصيةٍ، فبرّه أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه".
فهذا الحديث قال عنه ابن كثير حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنّ حارثة [هذا] هو ابن أبي الرّجال محمّد بن عبد الرّحمن، متروك الحديث، ضعيفٌ عند الجميع.
وقيل: لا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح، فلا يحتاج إلى تقدير «لا» بعد «أن»، ذكره ابن عطية.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون هذا التأويل في الذي يريد الإصلاح بين الناس، فيحلف حانثا ليكمل غرضه.
وقيل: احتمال أنها نهي عن تكثير اليمين فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا».
وقيل: هو الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله تعالى، فقال عليّ يمين، وهو لم يحلف. قاله الزجاج وغيره. خلاصة ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
*معنى ( والله سميع عليم ) ع
أي: سميعٌ لأقوال العباد عليمٌ بنياتهم، ذكره ابن عطية.
قوله تعال ):لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ( (225)
*مناسبة هذه الآية لما قبلها : لما نهى تعالى عن جعله معرضا للأيمان، تبادر إلى الذهن معرفة حكم اليمين التي تجري على الألسن، فقال تعالى:(لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ).
*معنى المؤاخذة . ع ك
المؤاخذة هي التناول بالعقوبة فلا تلزمهم كفّارة في الدنيا ولا عقوبةٌ تحل بهم في الآخرة .
*
معنى اللغو . ع ك
اللغو هو الذي على اللسان عادة من غير قصد ولا تأكيد .
*سبب تسميته لغو . ز
لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة.
*
المراد بالغو اليمين. ع
ورد في لغو اليمين قولان:
1-هو ما يقع في درج الكلام دون قصد إلى عقد يمين، مثل قول لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين.
2-وقيل هو ما حلف به جازماً بصدقه فيظهر له خلاف ما اعتقدهوهي اليمين التي لايؤاخذ بها .
*الإيمان التي يؤاخذ عليها الإنسان. ع ز
-الإيمان التي يعاقب عليها الإنسان هو ما قصد بقلبه تعمد الحلف بالله تعالى كاذباً،
وهي مايسمى باليمين الغموس وكفارتها التوبه إلى الله تعالى .
-وأما من خالف ما حلف عليه، أو رأى غيره خيرا منه، فالواجب عليه أن يكفر عنه، فإن لم يفعل فهو معرض للعقوبة,وهي اليمين التي قصد بقلبه انعقادها وذكر الله كفارتها في سورة المائدة َ(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(89) حاصل ما ذكره ابن كثير وابن عطيه والزجاج وابن عاشور.
*
مناسبة ختم الآية . ع
مناسبة ختم الآية بـ (غفور حليم) من باب الرفق والتوسعة على العباد إذ لم يعاجلهم بالعقوبة جراء تقصيرهم في التأدب معه .
والحمد لله رب العالمين ،،،
المجموعة الثانية (عابدة المحمدي – منيرة محمد – مضاوي الهطلاني)
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ )(225(
* مناسبةهذه الآية : عطف على جملة :{ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } [ البقرة : 221]، التي فيها تحريم نكاح المشركات، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر بمخالفة المشركين في جميع أحوالهم، وكانوا لا يقربون نساءهم إذا كُنَّ حُيَّضاً، فناسب ذكر حكم هذا الفعل وبيان مخالفتهم في هذا الأمر .
*
القراءات في ( يطهرن )ع ز
-
«يطْهُرن» بسكون الطاء وضم الهاء، قرأ بها نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه .
-«يطهّرن» بتشديد الطاء والهاء وفتحهما، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل عنه.
ذكرهما الزجاج وابن عطية وقال الزجاج عن القرائتين: أن كلاهما جيد. ويقال طهرت وطهرت جميعا وطهرت أكثر.
-
(حتى يتطهرن) في مصحف أبيّ وعبد الله.
-
«ولا تقربوا النساء في محيضهن، واعتزلوهن حتى يتطهرن» في مصحف أنس بن مالك،
ورجح الطبري قراءة تشديد الطاء وقال: هي بمعنى يغتسلن لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر.
ورجح أبو علي الفارسي قراءة تخفيف الطاء إذ هو ثلاثي مضاد لطمثت، وهو ثلاثي.
قال ابن عطية رحمه الله: وكل واحدة من القراءتين تحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء وأن يراد بها انقطاع الدم وزوال أذاه، وما ذهب إليه الطبري من أن قراءة شد الطاء مضمنها الاغتسال وقراءة التخفيف مضمنها انقطاع الدم: أمر غير لازم، وكذلك ادعاؤه الإجماع، أما إنه لا خلاف في كراهية الوطء قبل الاغتسال بالماء.
*
القراءات في (المتطهرين) ع
-
"تطهّرن" بتاء مفتوحة وهاء مشددة.
-
«المطّهّرين» بشد الطاء والهاء. قرأ بها طلحة بن مصرف. ذكر تلك القراءات ابن عطية.
*سبب نزول قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض) ع ك
-
عن أنسٍ: أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النّبيّ [النبيّ] صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن} حتّى فرغ من الآية. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح". فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلّا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشرٍ فقالا يا رسول اللّه، إنّ اليهود قالت كذا وكذا، أفلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هديّةٌ من لبنٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.
رواه الإمام أحمد و رواه مسلم عن حماد بن سلمة. ذكره ابن كثير.
-
قال قتادة وغيره: إنما سألوا لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية. ذكره ابن عطية.
-
وقال مجاهد:«كانوا يتجنبون النساء في الحيض ويأتونهن في أدبارهنّ فنزلت الآية في ذلك»، ذكره ابن عطية.
الراجح :الذي عليه جمهور المفسرين في سبب نزولها ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن فعل اليهود مع نسائهم حال الحيض، فأنزل الله الآية .
وأما قول قتادة فهو بيان لسبب سؤال الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم عن المحيض، فقتادة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدرك نزولها، ليكون سبب نزول.
وما جاء عن مجاهد، فهو معلول أيضاً بالإرسال، وقد قال عنه ابن لعربي:(وهذا ضعيف) اهـ
ثم لو كانوا يأتونهن في أدبارهن فأين جواب هذا في الآية؟ فالآية لم تتعرض لهذا إلا بقوله تعالى:(فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)خلاصة ما ذكره خالد المزيني في(المحرر في أسباب نزول القرآن).
)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ(
*السائل عن المحيض: ع ك
قيل : السائل ثابت بن الدحداح، قاله السدي ،ذكره الطبري، نقله ابن عطية.
وقيل: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن كثير.
*سبب سؤالهم عن المحيض ع
قال قتادة وغيره: إنما سألوا لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية. ذكره ابن عطية.
*معنى المحيض. ع ز
المحيض: قيل :مصدر كالحيض، يقال :حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا ومثله المقيل من قال يقيل. قال الراعي: [الكامل]:
بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة = لا يستطيع بها القراد مقيلا
أي: قيلولة. قاله الزجاج، وابن عطية.
وقيل: المحيض اسم الحيض، ومنه قول رؤبة في المعيش:[الرجز].
إليك أشكو شدّة المعيش = ومرّ أعوام نتفن ريشي. قال الطبري، ذكره ابن عطية.
وأصله السيلان. يقال حاض الوادي إذا سال، ومنه الحوض لسيلان الماء إليه.
ثم أطلق الحيض على ما يقذفه رحم المرأة من دم في أوقات مخصوصة على وجه مخصوص. ذكره طنطاوي.
*معنى ) أذى( ع
أي مستقذر ،قاله الزجاج
وهي : لفظ جامع لأشياء تؤذي لأنه دم وقذر ومنتن ومن سبيل البول،ذكره ابن عطية وقال وهذه عبارة المفسرين للفظة.
*
المراد باعتزال النساء في المحيض. ع ك ز
أي اعتزال جماعها، واختلف بما بموضع الإعتزال على ثلاث أقوال :
- الأول: اعتزال موضع الإزار، فله ما فوقه، قال به ابن عباس وشريح وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب، ومالك وهو أحد قولي الشافعي، ذكر ذلك ابن عطية وابن كثير.
عبد اللّه بن سعدٍ الأنصاريّ: أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:ما يحل لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قال:"ما فوق الإزار". وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه من حديث العلاء بن الحارث، ذكره ابن كثير.
و عن معاذ بن جبلٍ قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمّا يحلّ لي من امرأتي وهي حائضٌ. قال:"ما فوق الإزار والتّعفّف عن ذلك أفضل" رواه أبو داود، ذكره ابن كثير.
و ثبت في الصّحيحين، عن ميمونة بنت الحارث الهلاليّة قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه أمرها فاتّزرت وهي حائضٌ. وهذا لفظ البخاريّ. ولهما عن عائشة نحوه. ذكره ابن كثير
ورجح هذا القول ابن عطية فقد قال: وهذا أصح ما ذهب إليه في الأمر.
و رجّحه كثيرٌ من العراقيّين وغيرهم. ومأخذهم أنّه حريم الفرج، فهو حرامٌ، لئلّا يتوصّل إلى تعاطي ما حرّم اللّه عزّ وجلّ، الّذي أجمع العلماء على تحريمه، وهو المباشرة في الفرج. ذكره ابن كثير.
- وذهب آخرون: الذي يجب اعتزاله من الحائض الفرج وحده، لقوله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح" قال به مجاهد وروي ذلك عن عائشة وابن عباس والحسن والشعبي وعكرمة. ذكره ابن عطية وابن كثير.
عن بعض أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أراد من الحائض شيئًا، ألقى على فرجها ثوبًا. رواه أبو داود، ذكره ابن كثير.
وروي أنّ مسروقًا ركب إلى عائشة، فقال: السّلام على النّبيّ وعلى أهله.فقالت عائشة: أبو عائشة! مرحبًا مرحبًا. فأذنوا له فدخل، فقال: إنّي أريد أن أسألك عن شيءٍ، وأنا أستحي. فقالت: إنّما أنا أمّك، وأنت ابني. فقال: ما للرّجل من امرأته وهي حائضٌ؟ فقالت: له كلّ شيءٍ إلّا فرجها.
ورواه أيضًا عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريعٍ، عن عيينة بن عبد الرّحمن بن جوشن، عن مروان الأصفر، عن مسروقٍ قال: قلت لعائشة: ما يحلّ للرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: كلّ شيءٍ إلّا الجماع. رواه الطبري ذكره ابن كثير.
قال ابن كثير: ذهب كثيرٌ من العلماء أو أكثرهم إلى أنّه تجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج. لقوله صلى الله عليه وسلم : "اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح".
- وقيل : أنه يجب أن يعتزل الرجل فراش زوجته إذا حاضت، روي أيضا عن ابن عباس وعبيدة السلماني، وهذا قول شاذ، وقد وقفت ابن عباس عليه خالته ميمونة رضي الله عنهما، وقالت له: أرغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ذكره ابن عطية.
*ما يحل للرجل من الحائض ك
تحلّ مضاجعتها ومؤاكلتها بلا خلافٍ. قاله ابن كثير.
قالت عائشة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائضٌ، وكان يتّكئ في حجري وأنا حائضٌ، فيقرأ القرآن.
وفي الصّحيح عنها قالت: كنت أتعرّق العرق وأنا حائضٌ، فأعطيه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيضع فمه في الموضع الّذي وضعت فمي فيه، وأشرب الشّراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الّذي كنت أشرب.
وعن خلاسًا الهجري قال: سمعت عائشة تقول: كنت أنا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نبيت في الشّعار الواحد، وإنّي حائضٌ طامثٌ، فإن أصابه منّي شيءٌ، غسل مكانه لم يعده، وإن أصاب -يعني ثوبه - شيءٌ غسل مكانه لم يعده، وصلّى فيه. رواه أبو داود، ذكره ابن كثير.
فأمّا ما رواه أبو داود: حدّثنا سعيد بن عبد الجبّار، حدّثنا عبد العزيز -يعني ابن محمّدٍ - عن أبي اليمان، عن أمّ ذرّة، عن عائشة: أنّها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم ندن منه حتّى نطهر. قال ابن كثير: فهو محمولٌ على التّنزّه والاحتياط.
*
المراد بالطهر الذي تحل به الحائض لزوجها ج ع ك
اختلف العلماء بالمراد بالطهر في الآية على أقوال:
الأول: تطهر من الدم، أي تنقى منه، قاله ابن عباس، ذكره عنه ابن كثير وقاله به الزجاج، وذكره ابن عطية.
الثاني: التطهر بالماء، واختلف بالتطهر بالماء على أقوال:
- قيل: هو وضوء كوضوء الصلاة. فإذا انقطع الدم تحل لزوجها بعد أن تتوضأ. قاله مجاهد وعكرمة وطاوس.
- وقال قوم: هو غسل الفرج وذلك يحلها لزوجها وإن لم تغتسل من الحيضة.
روي عن يحيى بن بكيرٍ من المالكيّة وهو أحد شيوخ البخاريّ، فإنّه ذهب إلى إباحة وطء المرأة بمجرّد انقطاع دم الحيض، ومنهم من ينقله عن ابن عبد الحكم أيضًا، إلّا أنّ أبا حنيفة، رحمه اللّه، يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض، وهو عشرة أيّامٍ عنده: إنّها تحلّ بمجرّد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسلٍ [ولا يصحّ لأقلّ من ذلك المزيد في حلّها من الغسل ويدخل عليها وقت صلاةٍ إلّا أن تكون دمثةً، فيدخل بمجرّد انقطاعه] واللّه أعلم.
- وقيل :تغتسل بالماء وتتطهر كطهور الجنب، ولا يجزي من ذلك تيمم ولا غيره، ذهب إلى هذا القول مالك رحمه الله وجمهور العلماء.
- وقيل : تحل إذا تيممت عند عدم الماء وإن لم تغتسل ،قاله يحيى بن بكير وابن القرظي. خلاصة ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
والقول الراجح:اتّفق العلماء على أنّ المرأة إذا انقطع حيضها لا تحلّ حتّى تغتسل بالماء أو تتيمّم، إنّ تعذّر ذلك عليها بشرطه. ذكره ابن كثير.
*
كفارة الوطء قبل الطهر ع ك
من وطء في حال الحيض فإنه يأثم وعليه أن يستغفر الله، أما الكفارة عن ذلك ففيها قولان
الأول: يلزمه كفارة، فمن فعله قبل الاغتسال تصدق بنصف دينار، ومن وطئ في الدم تصدق بدينار، قاله ابن عباس والأوزاعي، فعن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الّذي يأتي امرأته وهي حائضٌ: "يتصدّق بدينارٍ، أو نصف دينارٍ". رواه الإمام أحمد، وأهل السّنن.
وفي لفظٍ للتّرمذي:"إذا كان دمًا أحمر فدينارٌ، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينارٍ". وللإمام أحمد أيضًا، عنه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل في الحائض نصاب، دينارًا فإن أصابها وقد أدبر الدّم عنها ولم تغتسل، فنصف دينارٍ.
والقول الثّاني: أنّه لا شيء في ذلك، بل يستغفر اللّه عزّ وجلّ، وهو ذنب عظيم لا يكفر عنه بمال، وهو الصحيح من مذهب الشافعي وقول الجمهور، لأنّه لم يصحّ عندهم رفع هذا الحديث، فإنّه [قد] روي مرفوعًا كما تقدّم وموقوفًا، وهو الصّحيح عند كثيرٍ من أئمّة الحديث، ذكره ابن عطية وابن كثير.
*معنى يطهرن:
على خلاف فيه العلماء كما سبق في الطهر.
قيل: بالماء. قاله ابن عباس وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، والحسن، ومقاتل بن حيّان، واللّيث بن سعدٍ، وغيرهم. ذكره ابن كثير.
قيل: انقطاع الدم.
*
المراد بقوله (ولا تقربوهن حتى يطهرن ).ع ك
)
ولا تقربوهن حتى يطهرن) هي تفسيرٌ لقوله:{فاعتزلوا النّساء في المحيض}ونهيٌ عن قربانهنّ بالجماع أثناء وجود دم الحيض، وهذا من سد الذرائع، ومفهومه حلّه إذا انقطع، وقد قال به طائفةٌ من السّلف.منهم مجاهدٌ وعكرمة وطاوسٌ.ذكره الطبري.ذكر هذا ابن عطية وابن كثير.
*المراد بالأمر في قوله (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ).ك:
قيل: للوجوب، فيجب الجماع بعد كل حيضة، ذهب لهذا القول ابن حزم، وليس له دليل على ذلك، لأن هذا أمر بعد الحظر .
وقيل: للإباحة، لأن تقدم النهي قرينة تصرفه عن الوجوب، قال ابن كثير: وفيه نظر.
وقيل: ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال، قاله ابن كثير ورجحه، لأنه يدل على ردّ الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي، فإن كان واجبًا فواجبٌ، كقوله تعالى:{فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين}[التّوبة: 5]، أو مباحًا فمباحٌ، كقوله تعالى:{وإذا حللتم فاصطادوا}[المائدة: 2]، {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10]،
وقال: وعلى هذا القول تجتمع الأدلّة، وقد حكاه الغزّاليّ وغيره، واختاره بعض أئمّة المتأخّرين، وهو الصّحيح.
*المراد بقوله (فأتوهن من حيث أمركم الله ) ع ك ز
قيل:من حيث أمركم اللّه باعتزالهن وهو الفرج أو من السرة إلى الركبتين.أو جميع الجسد، حسبما تقدم. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحد.
وقيل: طاهراتٌ غير حيّض، قاله أبو رزين، وعكرمة، والضّحّاك وغير واحدٍ.
وقيل: من قبل الحلال لا من قبل الزنا، قاله محمد بن الحنفية. وقاله الزجاج.
وقيل: حال الإباحة، لا صائمات ولا محرمات ولا غير ذلك.
وقيل: من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة، ولا تقربوهن من حيث لا يجب.
*معنى التوابين ع ك
الراجعون، وعرفه من الشر إلى الخير، والمراد من الذنوب وأن تكرر اقترافها. خلاصة ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
*
معنى المتطهرين ك
المتنزّهين عن الأقذار والأذى. ذكره ابن كثير
*المراد بالمتطهرين ع ك
وردت أقوال للعلماء فيها.
قيل: المتطهرين بالماء.
وقيل: من الذنوب، قاله مجاهد وغيره.
وقيل: من إتيان الحائض.
وقيل: من إتيان النساء في أدبارهن. قاله مجاهد.
قال ابن عطية : كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم لوط (أخرجوهم من قريتكم إنّهم أناسٌ يتطهّرون).
وكل هذه الأقوال لا تعارض بينها.

قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (223)
*سبب نزول الآية ز ،ع ،ك
ورد في سبب نزول الآية عدة روايات من طرقٌ مختلفة منها ما رواه البخاري، من حديث جابر، رضي الله عنه قال:كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فنزلت الآية تتضمن الرد على قولهم، وكذلك ما ورد من حديث أم سلمة وغيرها، قالت سببها أن قريشا كانوا يأتون النساء في الفرج على هيئات مختلفة، فلما قدموا المدينة وتزوجوا أنصاريات أرادوا ذلك، فلم ترده نساء المدينة إذ لم تكن عادة رجالهم إلا الإتيان على هيئة واحدة وهي الانبطاح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وانتشر كلام الناس في ذلك، فنزلت الآية مبيحة الهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث.
*معنى (حرث) ع ك ز
أصل الحرث: الزّرع، أي: هنّ للولد كالأرض للزرع.
ويراد به موضع الولد، أي تحرثون الولد واللذة، وهي من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة، ذكره الزمخشري.
وقيل أريد بها الزوجة، على وجه التشبيه، لأن في النّساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان، كما أن بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم، ذكره الرّاغب الأصفهاني.
*فائدة التعبير بلفظ (الحرث) ع
تفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة، إذ هو المزدرع، ذكره ابن عطية، وقيل قيد بالحرث ليشير أن لا يتجاوز البتة موضع البذر، وأن يتجاوز عن مجرد الشهوة فالغرض الأصلي طلب النسل لا قضاء الشهوة، ذكره الطيبي .
*معنى قوله (أنى شئتم) ع ك ز
أي: كيف شئتم، من أي وجه مقبلة ومدبرة في صمام واحدٍ، وهو الذي ورد في الأحاديث الصحيحة وعليه جمهور العلماء .
*فائدة التعبير بلفظ (أنّى) ع
يفيد التعبير بـ(أنّى) الإخبار أو السؤال عن أمر له جهات، وهي في اللغة أعمّ من كيف، وأين، ومتى.
*حكم إتيان المرأة في الدبر . ع ك
الذي عليه مذهب جمهور العلماء تحريم هذا الفعل وتكفير فاعله، وقد ورد عدة أحاديث تبين حكمه، منها ما رواه ابن ماجة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"لا ينظر اللّه إلى رجلٍ جامع امرأته في دبرها".
وكذلك ما رواه أبو بكرٍ الأثرم في سننه عن ابن مسعود، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"محاش النّساء حرامٌ".
و روى عبد الرّزّاق، أنّ رجلًا سأل ابن عبّاسٍ عن إتيان المرأة في دبرها، قال: تسألني عن الكفر! [إسنادٌ صحيحٌ].
وروى عبد اللّه بن أحمد:عن همامٌ، قال: سئل قتادة عن الّذي يأتي امرأته في دبرها. فقال قتادة: حدّثنا عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه عن جدّه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "هي اللّوطيّة الصّغرى."
قال قتادة: وحدّثني عقبة بن وسّاج، عن أبي الدّرداء قال: وهل يفعل ذلك إلّا كافرٌ؟
فهذه عدة أحاديث وآثار صحيحة تبين حكم هذا الفعل وشدة تحريمه,وليس الكفر المخرج من الملة وأنه من الكبائر .

*
صحة ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه وغيره في إباحة هذا الفعل. ع ك
مما روي في ذلك ما ذكره النّسائيّ وغيره من عدة طرق أنّ ابن عمر كان لا يرى بأسًا أن يأتي الرّجل المرأة في دبرها.
ومما ورد في رد هذا القول، ما رواه النّسائيّ عن أبي النّضر: أنّه أخبره أنّه قال لنافعٍ مولى ابن عمر:إنّه قد أكثر عليك القول: إنّك تقول عن ابن عمر إنّه أفتى أن تؤتى النّساء في أدبارهنّ قال:كذبوا عليّ، ولكن سأحدّثك كيف كان الأمر: إنّ ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده، حتّى بلغ:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: يا نافع، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت:لا. قال: إنّا كنّا معشر قريشٍ نجبّي النّساء، فلمّا دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهنّ مثل ما كنّا نريد فإذا هنّ قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنّما يؤتين على جنوبهنّ، فأنزل اللّه:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وقد رواه ابن مردويه، عن الطّبرانيّ، وروى الدّارميّ في مسنده عن سعيد بن يسارٍ أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري، أنحمض لهنّ؟ قال: وما التّحميض؟ فذكر الدّبر. فقال: وهل يفعل ذلك أحدٌ من المسلمين؟وهذا إسنادٌ صحيحٌ ونصٌّ صريحٌ منه بتحريم ذلك، وكلّ ما ورد عنه ممّا يحتمل ويحتمل فهو مردودٌ إلى هذا المحكم، ونسب هذا القول إلى طائفةٍ من فقهاء المدينة وغيرهم، وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك وأكثر النّاس ينكر أن يصحّ ذلك عن الإمام مالكٍ، رحمه اللّه،وإنما كذب عليه وقع في العتبية .
*المراد من قوله ( وقدموا لأنفسكم ) ع ك ز
-
قيل أن المراد بقوله ( وقدموا لأنفسكم ) أي قدموا لأنفسكم خيراً بطاعته وامتثال أمره .
وذكر ابن عباس: أن فيها إشارة إلى ذكر الله على الجماع»، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره».
-
وقيل: معنى قدّموا لأنفسكم طلب الولد.
*الفرق بين (واعلموا أنكم ملاقوه) و (بشر المؤمنين) ع ك ز
في قوله:(واعلموا أنكم ملاقوه) خبر يقتضي المبالغة في التحذير وفي قوله (بشر المؤمنين)
التأنيس والتبشير، فجمع الله فيهما الوعيد لمن خالف أمره، والتبشر لمن لزم أمره وسار على هدي نبيه .
قوله تعالى:(وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (224)
* مناسبة الآية لما قبلها : لما أمر الله بحسن عشرة النساء والإنفاق، قال في هذه الآية لا تمتنعوا عن شيء من مكارم الأخلاق تعللا بأنا حلفنا ألا نفعل كذا .
*سبب نزول الآية ع
-قال ابن جريج:«نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ حلف أن يقطع إنفاقه عن مسطح بن أثاثة حين تكلم مسطح في حديث الإفك».
-وقيل: نزلت في أبي بكر الصديق مع ابنه عبد الرحمن في حديث الضيافة حين حلف أبو بكر أن لا يأكل الطعام.
-وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة مع بشير بن سعد حين حلف أن لا يكلمه.
- روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا» ذكره ابن عطية.
وتعدد الروايات في سبب نزول الآية، يعني أن جميعهم يدخلون في معنى الآية.
*مقصد الآية ع
ألا يعرضوا اسم الله للأيمان به ويكثروا من الأيمان، التي هي سبب لحنثهم، ففي هذا عدم تعظيم لله تعالى. ذكره ابن عطية.
*المراد باليمين ع
اليمين الحلف، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا. ذكره ابن عطية.
*معنى ( عرضة) ع
عرضةً فعلة بناء للمفعول، أي كثيرا ما يتعرض بما ذكر، تقول «جمل عرضة للركوب» و «فرس عرضة للجري»، ومنه قول كعب بن زهير:[البسيط]:
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت = عرضتها طامس الاعلام مجهول .ذكره ابن عطية.
*معنى (أن تبروا ) ع
أي: إذا أردتم لأنفسكم البر.
*معنى البر. ع ك
قيل: جميع وجوه الخير "بر الرجل" إذا تعلق به حكمها ونسبها كالحاج والمجاهد والعالم وغير ذلك. وهو مضاد للإثم، إذ هو الحكم اللاحق عن المعاصي. ذكره ابن عطية.
وقيل: برّ الأرحام وصلتهم. ذكره ابن عطية وابن كثير.
وكلا المعنيين ورد في تفسير الآية والراجح أنه جميع وجوه البرّ لأنه قال:(أن تبروا) فلم يخصص برّ الأرحام والقربى .
*معنى الآية ج ع ك
اختلف أهل التأويل في معناها:
قيل: لا تجعلوا أيمانكم بالله، فيما تريدون الشدة بتركه من البر والصلة مانعة لكم من ذلك، وإنما احنثوا وكفروا، قال الطبري: التقدير لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا، وقدره المهدوي: كراهة أن تبروا. كقوله تعالى:{ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} [النّور: 22]، فالاستمرار على اليمين أشد إثماً من الحنث والتكفير. فاليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور.
فالمراد بالبر على هذا التفسير: بر الأهل والأرحام وصلتهم.
فعن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة"، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"واللّه لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند اللّه من أن يعطي كفّارته الّتي افترض اللّه عليه". رواه البخاري.
وهكذا رواه مسلمٌ، عن محمّد بن رافعٍ عن عبد الرّزّاق، به. ورواه أحمد، عنه، به.
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"من استلجّ في أهله بيمينٍ، فهو أعظم إثمًا، ليس تغني الكفّارة".رواه البخاري.
وقيل: لا تجعلنّ عرضةً ليمينك ألّا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير. فهنا المراد بالبر الخير، روي هذا القول عن ابن عباس وهكذا قال مسروقٌ، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، وعكرمة، ومكحولٌ، والزّهريّ، والحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّيّ. ويؤيّد هذا القول ما ثبت في الصّحيحين، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي واللّه -إن شاء اللّه -لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيرًا منها إلّا أتيت الّذي هو خيرٌ وتحلّلتها" وثبت فيهما أيضًا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لعبد الرّحمن بن سمرة:"يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أعطيتها من غير مسألةٍ أعنت عليها، وإنّ أعطيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت خيرًا منها فأت الّذي هو خيرٌ وكفّر عن يمينك".
وروى مسلمٌ، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفّر عن يمينه، وليفعل الّذي هو خيرٌ".
وعن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفّارتها".رواه الامام أحمد.
وعن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم، ولا في معصية اللّه، ولا في قطيعة رحمٍ، ومن حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها، وليأت الّذي هو خيرٌ، فإنّ تركها كفّارتها".رواه أبو داوود
ثمّ قال أبو داود: والأحاديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّها:" فليكفّر عن يمينه" وهي الصّحاح.
أما حديث ابن جرير الذي رواه، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"من حلف على قطيعة رحمٍ أو معصيةٍ، فبرّه أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه".
فهذا الحديث قال عنه ابن كثير حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنّ حارثة [هذا] هو ابن أبي الرّجال محمّد بن عبد الرّحمن، متروك الحديث، ضعيفٌ عند الجميع.
وقيل: لا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح، فلا يحتاج إلى تقدير «لا» بعد «أن»، ذكره ابن عطية.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون هذا التأويل في الذي يريد الإصلاح بين الناس، فيحلف حانثا ليكمل غرضه.
وقيل: احتمال أنها نهي عن تكثير اليمين فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا».
وقيل: هو الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله تعالى، فقال عليّ يمين، وهو لم يحلف. قاله الزجاج وغيره. خلاصة ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
*معنى ( والله سميع عليم ) ع
أي: سميعٌ لأقوال العباد عليمٌ بنياتهم، ذكره ابن عطية.
قوله تعال ):لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ( (225)
*مناسبة هذه الآية لما قبلها : لما نهى تعالى عن جعله معرضا للأيمان، تبادر إلى الذهن معرفة حكم اليمين التي تجري على الألسن، فقال تعالى:(لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ).
*معنى المؤاخذة . ع ك
المؤاخذة هي التناول بالعقوبة فلا تلزمهم كفّارة في الدنيا ولا عقوبةٌ تحل بهم في الآخرة .
*
معنى اللغو . ع ك
اللغو هو الذي على اللسان عادة من غير قصد ولا تأكيد .
*سبب تسميته لغو . ز
لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة.
*
المراد بالغو اليمين. ع
ورد في لغو اليمين قولان:
1-هو ما يقع في درج الكلام دون قصد إلى عقد يمين، مثل قول لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين.
2-وقيل هو ما حلف به جازماً بصدقه فيظهر له خلاف ما اعتقدهوهي اليمين التي لايؤاخذ بها .
*الإيمان التي يؤاخذ عليها الإنسان. ع ز
-الإيمان التي يعاقب عليها الإنسان هو ما قصد بقلبه تعمد الحلف بالله تعالى كاذباً،
وهي مايسمى باليمين الغموس وكفارتها التوبه إلى الله تعالى .
-وأما من خالف ما حلف عليه، أو رأى غيره خيرا منه، فالواجب عليه أن يكفر عنه، فإن لم يفعل فهو معرض للعقوبة,وهي اليمين التي قصد بقلبه انعقادها وذكر الله كفارتها في سورة المائدة َ(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(89) حاصل ما ذكره ابن كثير وابن عطيه والزجاج وابن عاشور.
*
مناسبة ختم الآية . ع
مناسبة ختم الآية بـ (غفور حليم) من باب الرفق والتوسعة على العباد إذ لم يعاجلهم بالعقوبة جراء تقصيرهم في التأدب معه .
والحمد لله رب العالمين ،،،

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 جمادى الآخرة 1438هـ/26-03-2017م, 12:55 AM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

مجلس المذاكرة الخامس تفسير سورة البقرة"231-232"
إعداد مجموعة نور الوحيين
مها شتا ** عائشة أبو العينين
أمل يوسف ** ريم الحمدان

رسالة تفسيرية في :
تفسير قول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) }
قال تعالى:{ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } الإسراء
فهو يهدي للتي هي أقوم وأصلح ،ويرشد العباد في عقائده وأخلاقه ومعاملاته ،وتوجيهاته بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم ،وبيان أنه لا سبيل إلى إصلاح شئ من أمور الخلق الإصلاح التام إلا به.
وهذه الآيات الكريمة وإن كانت من آيات الأحكام إلا إن حضور العظات في هذه الآيات يساوي ويوازي حضور الأحكام، لا بل تطغى عليها. وهذا أمر ملفت في الطريقة القرآنية، فمثلا عند النظر في قصة من القصص، لأمة من الأمم السالفة، نرى الموعظة والعبرة في آخر الآيات، بعد تمام السرد والعرض، غير أن هذه الطريقة تختلف عند تناول الأحكام، بخاصة أحكام الطلاق.
فالعظات تتخلل الأحكام مراراً، فتأتي عقب كل حكم، وقد تتضمن الآية أكثر من حُكم، فتتعدد العظة تبعاً لذلك، في كل آية ومقطع
ماذا يعني هذا ؟.
لا يعني سوى عظم ما يأمر الله تعالى به عباده، فالموعظة المتكررة إنما هي نصيحة يخالطها تحذير ووعيد، بوجوب إلتزام ما حكم الله تعالى به وأمر، كما لو أمرت أحداً بشيء تراه عظيماً، فأنت تعيد وتكرر عليه إلتزام الأمر، وتخوفه من مغبة التهاون والمخالفة.
إنَّ من يتهاون في الطلاق للعدة، ويتلاعب بالرجعية، فيمسكها للإضرار بها، أو يفارقها بغير المعروف: فهو يتخذ أحكام الله هزواً يلعب بها ويعبث.
قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
وممالا خلاف فيه ،هذا أمرٌ من اللّه عزّ وجلّ للرّجال إذا طلّق أحدهم امرأته طلاقًا له عليها فيه رجعةٌ، أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدّتها، ولم يبق منها إلّا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها، فإمّا أن يمسكها، أي: يرتجعها إلى عصمة نكاحه بمعروفٍ، وهو أن يشهد على رجعتها، وينوي عشرتها بالمعروف، أو يسرّحها، أي: يتركها حتّى تنقضي عدّتها، ويخرجها من بيته بالّتي هي أحسن، من غير شقاقٍ ولا مخاصمةٍ ولا تقابحٍ.
وفى الآية الكريمة عدة مسائل:
ما معنى "بلغن أجلهن "فى الأية؟
قاربن على انقضاء العدة ،ولبس المراد انقضائها ،لأنه ليس بيده إمساك حينئذ.
والأجل :المراد به عدة المطلقة الرجعية وهو ثلاث قروء للحُيّض وثلاثة أشهر للائي لم يحضن.

ماالمقصود بالإمساك والتسريح بالمعروف فى الآية؟
معنى «أمسكوهن»: راجعوهن ،ويمسكها، أي: يرتجعها إلى عصمة نكاحه.
وسرحوهن :طلقهون ،أو فارقوهن.
والمعروف فى الإمساك:
وهو أن يشهد على رجعتها، وينوي عشرتها بالمعروف
والمعروف فى التسريح:
يخرجها من بيته بالّتي هي أحسن، من غير شقاقٍ ولا مخاصمةٍ ولا تقابحٍ ،وذلك بأن تكون المفارقة ،بالقول الحسن، وبذل المتعة المأمور بها الزوج عن طيب نفس ،وعدم الطعن في الزوجات ،وغيره مما كان من أمور تحدث في الجاهلية.

والعظة التي في هذا الحكم، قوله :
أولاً: {بمعروف}، سواء أمسك أو فارق وسرح؛ كلاهما يكون بالمعروف، فلا يمسكها يضمر العدوان عليها، وقد نهى الله تعالى عن هذا صراحة في قوله في سورة البقرة: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}.
فهاهنا كرر ذكر ظلم النفس، فالذي يقصد بإرجاع زوجه الإضرار بها، فقد ظلم نفسه.
وذكر بن عاشور فى تفسيره العلة من تقديم الإمساك على التسريح، وذلك للترغيب فيه ،والحث عليه ،وأنه الأولى.
ما الحكمة بإختصاص ذكر المعروف فى الأمساك والأمربالتسريح ؟
عبر عن التسريح بالمعروف في هذا الموطن دون الإحسان كما في الآيات السابقة ،لأن المقام هنا مقام نهي عن الضرار فالذي يتوقع منه الضرر يؤمر بالمعروف، لأنه يكون بمنزلة بعيدة أن يؤمر بالإحسان، فطلب منه الحق وهو المعروف الذي هو عدم المضارة سواء في الإمساك أو التسريح.
ما معنى قصد الإضرار والاعتداء؟
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، ومسروقٌ، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان وغير واحدٍ: كان الرّجل يطلّق المرأة، فإذا قاربت انقضاء العدّة راجعها ضراراً، لئلّا تذهب إلى غيره، ثمّ يطلّقها فتعتدّ، فإذا شارفت على انقضاء العدّة طلّق لتطول عليها العدّة، فنهاهم اللّه عن ذلك، وتوعّدهم عليه.
ما معنى ظلم النفس فى الأية؟
عرّضها لعذاب اللّه عزّ وجلّ: لأن إتيان ما نهى اللّه عنه تعرض لعذابه، وأصل الظلم وضع الشيء - في غير موضعه،ولأن الضرر عائد على من أراد الضرار.
وذلك لأن الظلم يؤدي إلى اختلال المعاشرة ،واضطراب أحوال البيت وانشغال الذهن فتفوت المصالح مع ما في الظلم من تعريض النفس لعقاب الله في الآخرة "فالظلم ظلمات يوم القيامة"،وربما في الدنيا أيضا بسبب تعدي الحدود والأحكام.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا}
الهزء بضم الهاء والزاي، إذا سخر ولعب وهو مصدر بمعنى اسم المفعول
والمراد بها في الآية ،الإستخفاف وعدم الرعاية لها ،والقيام بها إذ ليس من وصف المؤمنين الإستهزاء بآيات الله،وأن المقصود باآيات العلم والعمل والوقوف معها ،وعدم مجاوزتها،لأن الله لم ينزلها عبثاً،بل أنزلها بالحق والصدق،ولهذا نهى عن اتخاذها هزوا، أي لعب بها ،وهو التجرء عليها ،وعدم الامتثال لواجبها .
والمعنى فيه قولان:
الأول :لا تتركوا العمل بما حدّد اللّه لكم فتكونوا مقصرين لاعبين، كما تقول للرجل الذي لا يقوم بما يكلفه، ويتوانى فيه: إنما أنت لاعب ،ذكره الزجاج.
الثانى : كان الرجل يطلّق ويعتق ،ويقول: كنت لاعباً، فأعلم الله عز وجل أن فرائضه لا لعب فيها، ذكره الزجاج وبن عطيه وبن كثير
ذكر بن كثير عن ابن جريرٍ: عند هذه الآية:
أخبرنا أبو كريب، أخبرنا إسحاق بن منصورٍ، عن عبد السّلام بن حربٍ، عن يزيد بن عبد الرّحمن، عن أبي العلاء الأوديّ، عن حميد بن عبد الرّحمن، عن أبي موسى: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غضب على الأشعريّين، فأتاه أبو موسى فقال: يا رسول اللّه، أغضبت على الأشعريّين؟! فقال: يقول أحدكم: قد طلّقت، قد راجعت، ليس هذا طلاق المسلمين، طلّقوا المرأة في قبل عدّتها".
ثمّ رواه من وجهٍ آخر عن أبي خالدٍ الدّالانيّ، وهو يزيد بن عبد الرّحمن، وفيه كلامٌ.
وقال الحسن، وقتادة، وعطاءٌ الخراسانيّ، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان: هو الرّجل يطلّق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعبًا. فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزم اللّه بذلك.
وقال ابن مردويه: حدّثنا إبراهيم بن محمّدٍ، حدّثنا أبو أحمد الصّيرفيّ، حدّثني جعفر بن محمّدٍ السّمسار، عن إسماعيل بن يحيى، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: طلّق رجلٌ امرأته وهو يلعب، لا يريد الطّلاق؛ فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّلاق.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عصام بن زوّاد، حدّثنا آدم، حدّثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، هو البصريّ، قال: كان الرّجل يطلّق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق ويقول: كنت لاعبًا وينكح ويقول: كنت لاعبًا فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من طلّق أو أعتق أو نكح أو أنكح، جادًّا أو لاعبًا، فقد جاز عليه".
والمشهور في هذا الحديث الّذي رواه أبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه من طريق عبد الرّحمن بن حبيب بن أردك، عن عطاءٍ، عن ابن ماهك، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثٌ جدّهنّ جدٌّ، وهزلهنّ جدٌّ: النّكاح، والطّلاق، والرّجعة". وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ.
فمن يتهاون في الطلاق للعدة، ويتلاعب بالرجعية، فيمسكها للإضرار بها، أو يفارقها بغير المعروف: فهو يتخذ أحكاما هزوا يلعب بها ويعبث
وقوله تعالى : {وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
هنا يذِّكر بنعمه بدون أن يحددها، ويفهم منها بالسياق: نعمة الزواج، الذي فيه المودة والرحمة، كما قال تعالى في آية أخرى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}.
وذكر نعمة الوحي، وما فيها من الهداية والموعظة، ثم أمر بالتقوى، وأخبر عن علم الله تعالى بما يكون بين الزوجين، وما يضمره كلاهما للآخر في نفسه، فهما بين علم الله تعالى، وحكمه، وموعظته، وحكمته.
وفيها عدة مسائل:
كيف يكون ذكر نعمت الله؟
ذكر نعمت الله يكون باللسان ثناء وحمداً، وبالقلب اعترافاًوإقراراً، وبالأركان بصرفها في طاعة الله عز وجل.
ما المراد ب ( يعظكم به )؟
يأمركم وينهاكم ويتوعّدكم على ارتكاب المحارم،
الموعظة هي النصح والتذكير بما يلين القلوب ويحذر الموعوظ ،أي بالترغيب والترهيب.
ما المراد بالتقوى في قوله تعالى {واتقوا الله}؟
اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل الأمر، واجتناب النهى.
ما دلالة الأمر بتقوى الله؟
أن التذكير بالتقوى فيه الحث على مراقبة الله تعالى ،ومراقبة أمره ونهيه،ومقام المراقبة ،هو مقام شريف أصله علم وحال ،ثم يثمر حالين ،فأما العلم ؛فهو معرفة العبد بأن الله مطلع عليه،وناظر إليه،ويرى جميع أعماله ويسمع جميع أقواله،ويعلم كل مايخطر على باله،وأما الحال ؛فهي ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه ولا يغفل عنه،ثم يثمر حالين وهما الذي أشار رسول الله بقوله :"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ،فأن لم تكن تراه فأنه يراك"،فالحال الأولى حال المشاهدة ،والحال الثاني هو حال المراقبة.
ثم ختمت الآية بقوله تعالى{واعلموا أن الله بكل شىء عليم}
وهو أمر بالعلم عن الله أنه عليم ،و فيه التذكير بأن الله تعالى عليم بكل شىء خاصة الأفعال التى ظاهرها خلاف النية ،وأن المخالفة التى يقعون فيها بسبب مخالفة الأمر وارتكاب النهى ،إنما هي بسبب جهلهم بربهم العليم الذى أحاط بكل شىء علماً.
ووصف الله تعالى ب "عليم" يقتضيه ما تقدم من الأفعال التي ظاهرها خلاف النية فيها، كالمحلل والمرتجع مضارة،
فهو عليم سبحانه فلا يخفى عليه شيءٌ من أموركم السّرّيّة والجهريّة، وسيجازيكم على ذلك،وهو أيضا من علمه بحالكم بين لكم هذه الأحكام بغاية الإحكام التي هي صالحة في كل زمان ومكان "فلله الحمد والمنه".
ومن فوائد الآية:
1-التحذير للناس من التوصل بأحكام الشريعة لما يخالف مراد الله، ومقاصد شرعه ،ومنه مايسمى بالحيل الشرعية.
2- التحذير من اتخاذ وقت العدة الذي جعله الله وقتاً لمراجعة النفس ،وتذكر حسن المعاشرة، ليحمله ذلك على إمساك زوجته فيجعلوا من تلك العدة وسيلة لتفاقم الشر والعداوة.
3- أهمية العلم عن الله، بأسمائه وصفاته ،وأنه من موجبات التقوى.

وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) }
{فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ}
نهى الله عباده المؤمنين من عدم السماح للزوجة المطلقة من العودة لزوجها إن هما أرادا الرجوع لعش الزوجية ، وبين سبحانه أن رجوع المرأة لزوجها فيه طهارة وتزكية للنفس وللمجتمع ،والله هو العليم الذي يعلمنا ما ينفعنا .
عن ابن عبّاسٍ: نزلت هذه الآية في الرّجل يطلّق امرأته طلقةً أو طلقتين، فتنقضي عدّتها، ثمّ يبدو له أن يتزوّجها وأن يراجعها، وتريد المرأة ذلك، فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى اللّه أن يمنعوها
وفى الأية الكريمة عدة مسائل منها:-
من المخاطب في الآية ؟
وفى المخاطب فى الآية قولان:
الأول : هم الأولياء،أي أولياء المرأة، ذكره الزجاج وبن كثير.
الثانى : هم الأزواج، وذلك بأن يكون الارتجاع مضارة عضلا عن نكاح الغير، ذكره بن عطية.
وعلى هذا اختلف المفسرون في معنى الإعضال فى الآية، فعلى القول الأول يكون الإعضال من الأولياء بمنعها من الرجوع لزوجها ،
وعلى القول الثانى يكون الإعضال من الأزواج بارجاعها لمنعها من الزواج بغيره.
وما ذكر من سبب نزول فى الآية يرجح القول الأول
حيث ذكر الزجاج وبن كثير وبن عطيه فى سبب نزول الآية قولان:
الأول : قد روي أنّ هذه الآية نزلت في معقل بن يسارٍ المزنيّ وأخته، فقال البخاريّ، رحمه اللّه، في كتابه الصّحيح عند تفسير هذه الآية: عن الحسن: أنّ أخت معقل بن يسارٍ طلّقها زوجها، فتركها حتّى انقضت عدّتها، فخطبها، فأبى معقل، فنزلت: {فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ}. .
الثانى : وقال السّدّيّ: نزلت في جابر بن عبد اللّه، وابنة عمٍّ له
ورجح بن كثير القول الأوّل
ما معنى العضل ؟
العضل لغة : وأصل العضل من قولهم: عضلت الدجاجة، فهي معضل، إذا احتبس بيضها ونشب فلم يخرج، ويقال عضلت الناقة أيضا، فهي معضل إذا احتبس ما في بطنها والداء العضال العسير البرء.
والمعنى كما ذكره الزجاج :
تمنعوهنّ وتحبسوهنّ، من أن ينكحن أزواجهنّ.
الأحكام الفقهية في الآية:
في هذه الآية كما ذكر بن كثير وبن عطية دلالةٌ على أنّ المرأة لا تملك أن تزوّج نفسها، وأنّه لا بدّ من الوليّ في النكاح ،لأنه نهى الأولياء عن العضل،ولا ينهاهم إلا عن أمر ،هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق، كما قاله التّرمذيّ وابن جريرٍ عند هذه الآية، كما جاء في الحديث: لا تزوّج المرأة المرأة، ولا تزوّج المرأة نفسها، فإنّ الزّانية هي الّتي تزوّج نفسها. وفي الأثر الآخر: لا نكاح إلّا بوليٍّ مرشدٍ، وشاهدي عدلٍ. وفي هذه المسألة نزاعٌ بين العلماء محرّرٌ في موضعه من كتب الفروع، وأيضا من الأحكام الفقهية في الآية ،شرط التراضي بين الزوجين ،هومن شروط النكاح دل عليه قوله تعالى{ إذا تراضوا بينهم}.
من المخاطب في قوله تعالى :( ذلكم توعظون به )؟
خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: ثم رجوع إلى خطاب الجماعة جماعة المؤمنين من أزواج وأولياء وزوجات.
ما معنى {يؤمنّ باللّه واليوم الآخر} ؟
يؤمن بشرع اللّه، ويخاف وعيد اللّه وعذابه في الدّار الآخرة وما فيها من الجزاء.
هذه موعظة بليغة، فالإيمان بالله واليوم الآخر من أركان الدين، ولا يقرن به شيئا من أوامره، إلا وهو قاصد تعظيمه، وعدم التهاون به.
ما الحكمة من ختام الآية( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )؟
يبين الله تعالى أنه سبحانه شرع هذه الأوامر والأحكام لأن الله تعالى يعلم ما بين الزوج والزوجة،
ويعلم ما فيه صلاح البشرالعاجل والأجل، وأنتم لا تعلمون الخيرة فيما تأتون ،ولا فيما تذرون.
الفرق بين" أزكى "و"أطهر" في الآية.
"أزكى " أي أطيب للنفس ،"وأطهر " أي في الدين والعرض
وفى الآيات فوائد عظيمة منها :
- رحمة الله بعباده ولطفه ،إذ راعى مشاعر الحب بين الزوجين الذين قد يختلفان ويحصل بينهما طلاق .
-يتجلى علم الله سبحانه في أحكامه وشرعه ، فكل ما تعلمنا حكماً زاد إيماننا باسم الله العليم الذي يعلم خبايا النفوس ومكنوناتها.
- حرص الإسلام على تماسك الأسرة المسلمة ،لأن فيها تماسك للمجتمع الإسلامي ككل ،فنجد الأحكام تجد حلولاً وتفتح خط الرجعة للأزواج المتخاصمين ، فما أعظم شرع ربنا .
المصادر والمراجع:
1-الزجاج
2- تفسير ابن عطية الأندلسي .
3-تفسير ابن كثير .
4- تفسير السعدي.
5- تفسير الطاهر ابن عاشور.
6- تفسير التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 جمادى الآخرة 1438هـ/26-03-2017م, 03:00 AM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
افتراضي

رسالة تفسيرية في أحكام الطلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الدين الإسلامي حرص أشد الحرص على بناء الأسرة المسلمة المستقرة التي تعبد الله وتوحده وتقيم شرائع دينه وبها يكون الاستقرار وتنشأ وحدة المجتمع والطمأنينة والأمان فيه ، وقد عظم الله هذا الميثاق العظيم بين الرجل والمرأة وجعله مؤبدا فهو أساس اللبنة الأولى لبناء المجتمع ، وكره وحرم كلما يؤدي إلى الإخلال به والإضرار به وجعل هناك حقوقا بين الزوجين وخطوطا حمراء لا يتعاداها وحفظ لكل من الرجل والمرأة حقه بالعدل ، لكنه في بعض الأحيان تفشل هذه العلاقة و تقف جميع الحلول الداعية إلى الاستقرار والطمأنينة في الحياة الزوجية وتحل محلها النزاع والشقاق والكراهية والنفرة فلا يكون هناك طريق سوى الانفصال والطلاق ليذهب كل واحد من الزوجين إلى سبيله ، كما أن الله سبحانه لم يترك الطلاق بلا ضوابط أو قيود بل حث فيه على التعامل بالمعروف وعدم إنكار العشرة أو إيذاء الطرف الآخر أو خداعه حفاظا على أسرار بيت الزوجية وعلى نفسية الأبناء إن كان بينهم أبناء ، كما أن من أهم الضروريات الخمس في الإسلام حفظ النسب فقد شرع الله الحكيم عدة للمرأة المطلقة لاستبراء الرحم وحفاظا لحق الزوج وعدم اختلاط الأنساب إلى غير ذلك من الأحكام المهمة التي لا تخلو من حكم عظيمة باهرة جهلها من جهلها وعلمها من علمها ، وسنتناول في هذه الآيات بإذن الله بعضا مما يتعلق بأحكام الإيلاء والطلاق وعدة المطلقات.

قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) }


-القراءات في قوله تعالى (للّذين يؤلون )
للذين يقسمون . قرأ أبي بن كعب وابن عباس

-معنى (يؤلون): يحلفون، ويقال آليت أولي إيلاء والية، والوّة، وإلوّة، و (إيل).
بفتح الهمزة وبضمها وبكسرها، والكسر أقل اللغات،والألية اليمين. *ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.

-المراد بالإيلاء: حلف الرجل على عدم قرب امرأته أبدا ، عندما لا يريدها ولا يحب أن يتزوجها أحد غيره ، فتترك لا أيما ولا ذات زوج ، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية والإسلام . ذكره الزجاج.
قال ابن كثير رحمه الله وغفر له : *إذا حلف الرّجل ألّا يجامع زوجته مدّةً، فلا يخلو: إمّا أن يكون أقلّ من أربعة أشهرٍ، أو أكثر منها، فإن كانت أقلّ، فله أن ينتظر انقضاء المدّة ثمّ يجامع امرأته، وعليها أن تصبر، وليس لها مطالبته بالفيئة في هذه المدّة، وهذا كما ثبت في الصّحيحين عن عائشة: أنّ رسول اللّه آلى من نسائه شهرًا، فنزل لتسعٍ وعشرين، وقال: "الشّهر تسعٌ وعشرون" ولهما عن عمر بن الخطّاب نحوه.

-معنى التربص في اللغة : الانتظار والتأنّي والتأخر.ذكره الزجاج وابن عطية.

-الحكمة من وضع المدة المحددة في رجوع الرجل إلى امرأته أو بيانها منه:
لئلا يضر الرجال بالنساء، وبقي للحالف على هذا المعنى فسحة فيما دون الأربعة أشهر. ذكره ابن عطية.
وقد روى الإمام مالك بن أنسٍ، رحمه اللّه، في الموطّأ، عن عمرو بن دينارٍ قال: خرج عمر بن الخطّاب من اللّيل فسمع امرأةً تقول:
تطاول هذا الليل واسودّ جانبه = وأرّقني ألّا خليل ألاعبه
فواللّه لولا اللّه أنّي أراقبه = لحرّك من هذا السّرير جوانبه
فسأل عمر ابنته حفصة، رضي اللّه عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستّة أشهرٍ أو أربعة أشهرٍ. فقال عمر: لا أحبس أحدًا من الجيوش أكثر من ذلك. ذكره ابن كثير


-شروط تعلق حكم الإيلاء:
1-اختلف في اشتراط الغضب وعدمه :
القول الأول : اشترط في الإيلاء الغضب من غير قصد إصلاح ولد رضيع ، قال مالك رحمه الله: «هو الرجل يغاضب امرأته فيحلف بيمين يلحق عن الحنث فيها حكم، أن لا يطأها، ضررا منه، أكثر من أربعة أشهر، لا يقصد بذلك إصلاح ولد رضيع ونحوه»، وقال به عطاء وغيره. ذكره ابن عطية.
القول الثاني: اشترط الغضب مطلقا ولو بلا سبب ، قال علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن بن أبي الحسن: هو الرجل يحلف أن لا يطأ امرأته على وجه مغاضبة ومشارة، وسواء كان في ضمن ذلك إصلاح ولد أولم يكن، فإن لم يكن عن غضب فليس بإيلاء.ذكره ابن عطية.
القول الثالث: اشترط الغضب في الإيلاء قال ابن عباس: «لا إيلاء إلا بغضب»، ذكره ابن عطية.
القول الرابع: لا يشترط الغضب في الإيلاء قال ابن سيرين: «سواء كانت اليمين في غضب أو *غير غضب هو إيلاء». وقاله ابن مسعود والثوري ومالك والشافعي وأهل العراق، إلا أن مالكا قال: ما لم يرد إصلاح ولد.ذكره ابن عطية.

2-اختلف في اشتراط الحلف في الإيلاء وعدمه:
القول الأول: يشترط الحلف ولو لم يمتنع عن الوطء ،قال الشعبي والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وابن المسيب: كل يمين حلفها الرجل أن لا يطأ امرأته أو أن لا يكلمها أو أن يضارها أو أن يغاضبها فذلك كله إيلاء. ذكره ابن عطية.
القول الثاني: يشترط *الحلف مع الامتناع عن الوطء ، قال ابن المسيب : إلا أنه إن حلف أن لا يكلم وكان يطأ فليس بإيلاء، وإنما تكون اليمين على غير الوطء إيلاء إذا اقترن بذلك الامتناع من الوطء.وذهب إليه الطبري وقال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأقوال من ذكرناه مع سعيد مسجلة محتملة ما قال سعيد ومحتملة أن فساد العشرة إيلاء. وذهب إلى هذا الاحتمال الأخير الطبري، ذكره ابن عطية.

3-اشتراط الدخول بالمرأة فيه خلاف: ، ذكره ابن عطية:
القول الأول: قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي والأوزاعي والنخعي وغيرهم: المدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم الإيلاء فيهما.
القول الثاني: اشتراط الدخول: وقال الزهري وعطاء والثوري: لا إيلاء إلا بعد الدخول.

4-اشتراط بلوغ المرأة ، يشترط بلوغها ، قال مالك: «ولا إيلاء من صغيرة لم تبلغ، فإن إلى منها فبلغت لزمه الإيلاء من يوم بلوغها». ذكره ابن عطية.

5-اشتراط كون المرأة زوجته لا موليته ، ولهذا قال تعالى: {للّذين يؤلون} أي: يحلفون على ترك الجماع من نسائهم، ففيه دلالةٌ على أنّ الإيلاء يختصّ بالزّوجات دون الإماء كما هو مذهب الجمهور. ذكره ابن كثير.

الخلاف في المراد بالمولي:
القول الأول : المولي من حلف على ترك الوطء أبدا ، قال به ابن عباس وحكاه ابن المنذر وذكره ابن عطية.
القول الثاني: اشتراط الزيادة على الأربعة أشهر في الحلف على ترك الوطء ،قال به مالك والشافعي وأحمد ، وقال وأبو ثور وقال به عطاء والثوري وأصحاب الرأي : من حلف على أربعة أشهر فصاعدًا . ذكره ابن عطية.
القول الثالث: قال قتادة والنخعي وحماد بن أبي سليمان وإسحاق وابن أبي ليلى: من حلف على قليل من الوقت أو كثير فتركها أربعة أشهر فهو مول. قال ابن المنذر: وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم. ذكره ابن عطية.

-عموم الآية في الحكم على النساء الحرائر والإماء إذا تزوجن، والعبد يلزمه الإيلاء من زوجته. ذكره ابن عطية.

-الحكم المترتب على الإيلاء ومدته:
فإن الرجل إذا حلف على عدم قرب امرأته يمهل أربعة أشهر ، فإن لم يفئ إليها ولم يرجع ففيه قولان ذكرهما الزجاج وابن عطية وابن كثير :
القول الأول: أن امرأته قد طلقت منه سواء ذكر الطلاق بلسانه أم لم يذكره ، وهذا الحكم عند بعض العلماء فقال به ابن مسعود وابن عباس وعثمان وعلي أيضا وزيد بن ثابت وجابر بن زيد والحسن ومسروق.
القول الثاني: أن الرجل بعد الأربعة أشهر يوقف ويخير بين الطلاق أو الرجعة والفيء وإلا طلق عليه، قال به عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهم وكذا روي عن مالك وأخرجه البخاري ذكره ابن كثير وقال أجمع الكثيرون على أن الزوج إن لم يفئ ألزم بالطّلاق، فإن لم يطلّق طلّق عليه الحاكم، والطّلقة تكون رجعيّةً له رجعتها في العدّة.
وانفرد مالكٌ بأن قال: لا يجوز له رجعتها حتّى يجامعها في العدّة قال ابن كثير وهذا غريبٌ جدًّا.

-الخلاف في مدة إيلاء العبد من زوجته:
القول الأول: أربعة أشهر *، قال به الشافعي وأحمد وأبو ثور.
القول الثاني : أن يكون نصف الحر فأجله شهران ،وقال به مالك والزهري وعطاء بن أبي رباح وإسحاق.
القول الثالث : التفريق بين الحرة والأمة ، قال الحسن: أجله من حرة أربعة أشهر ومن أمة زوجة شهران، وقاله النخعي، وقال الشعبي: «الإيلاء من الأمة نصف الإيلاء من الحرة». ذكره ابن عطية

-الخلاف في الطلاق المترتب على الإيلاء *:
القول الأول : طلاق بائن ، قال عثمان وعلي وابن عباس وابن مسعود وعطاء والنخعي والأوزاعي وغيرهم: هي طلقة بائنة لا رجعة له فيها.
القول الثاني: طلاق رجعي ، قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومكحول والزهري ومالك: هي رجعية، وفاؤ معناه رجعوا، ومنه (حتّى تفيء إلى أمر اللّه )[الحجرات: 9]، والفيء الظل الراجع عشيا. ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير .

-ولابد أن يذكر لفظ الطلاق استدلالا بقوله عزّ وجلّ: {وإن عزموا الطلاق فإن اللّه سميع عليم} فإن التعبير بقوله {سميع} يدل على أنه استماع الطلاق في هذا الموضع، وهذا في اللغة غير ممتنع.
كما أنه يجوز أن يكون إنما ذكر {سميع} ههنا من أجل حلفه.
أي: أن اللّه قد سمع حلفه وعلم ما أراده، وكلا الوجهين في اللغة محتمل. ذكره الزجاج.


-الحلف المترتب على الإيلاء هل تلزمه الكفارة إذا فاء :
القول الأول: لا كفارة عليه إذا فاء ، قال الحسن وإبراهيم: إذا فاء المولي ووطئ فلا كفارة عليه في يمينه، لقوله تعالى :( فإن فاؤ فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ) ، ويعتضد بما تقدّم في الآية الّتي قبلها، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفّارتها" كما رواه أحمد وأبو داود. ذكره ابن عطية وابن كثير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا متركب على أن لغو اليمين ما حلف في معصية، وترك وطء الزوجة معصية.
القول الثاني: إذا فاء كفر، قال به الجمهور؛ لعموم وجوب التّكفير على كلّ حالفٍ، كما تقدّم أيضًا في الأحاديث الصّحاح. واللّه أعلم. ذكره ابن عطية وابن كثير.
وهو الأقرب والله أعلم

وهنا مسأللة بماذا يكون الفيء:
-القول الأول: يشترط الجماع وإن كان مسجونا أو في سفر مضى عليه حكم الإيلاء إلا أن يطأ ولا عذر له ولا فيء بقول،قال به ابن المسيب وابن جبير. *
القول الثاني: يشترط الجماع إن استطاع أما في حال العذر كالغائب أو المسجون فيكون الفيء بالتكفير عن اليمين ، قال به مالك رحمه الله. قال ابن القاسم في المدونة:«إلا أن تكون يمينه مما لا يكفرها لأنها لا تقع عليه إلا بعد الحنث، فإن القول يكفيه ما دام معذورا».
-واختلف القول في المدونة في اليمين بالله تعالى هل يكتفى فيه بالفيء بالقول والعزم على التكفير أم لا بد من التفكير وإلا فلا فيء:
وقال الحسن وعكرمة والنخعي وغيرهم: الفيء من غير المعذور الجماع ولا بد، ومن المعذور أن يشهد أنه قد فاء بقلبه، وقال النخعي أيضا: يصح الفيء بالقول والإشهاد فقط، ويسقط حكم الإيلاء. أرأيت إن لم ينتشر للوطء؟
وقال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويرجع في هذا القول إن لم يطأ إلى باب الضرر، وقرأ أبي بن كعب «فإن فاؤوا فيهن» وروي عنه «فإن فاؤوا فيها».

-متعلق قوله: {فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} :
لتقصيركم ، أي: لما سلف من التّقصير في حقّ الزوجات بسبب اليمين.

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}

قرأ ابن عباس «وإن عزموا السراح». ذكره ابن عطية.

المراد بعزيمة الطلاق:
1-قال القائلون إن بمضي الأربعة أشهر يدخل الطلاق: عزيمة الطلاق هي ترك الفيء حتى تنتهي الأشهر الأربعة، وهو قول للجمهور ، ذكره ابن عطية وابن كثير .
2-وقال القائلون لا بد من التوقيف بعد تمام الأشهر: العزيمة هي التطليق أو الإبانة وقت التوقيف حتى يطلق الحاكم. واستدلوا لوجوب التوقيف وطلب الطلاق أو الرجعة بقوله (سميع) *لأن هذا الإدراك إنما هو في المقولات، ذكره ابن عطية ، كما أن قوله (وإن عزموا الطّلاق) فيه دلالة على عدم وقوع الطلاق بمجرد انتهاء المدة.

-هل تجب العدة بمضي الأربعة أشهر:
من قال *إنّها تطلّق بمضيّ الأربعة أشهرٍ أوجب عليها العدّة، إلّا ما روي عن ابن عبّاسٍ وأبي الشّعثاء: أنّها إن كانت حاضت ثلاث حيضٍ فلا عدّة عليها، وهو قول الشّافعيّ.
والّذي عليه الجمهور أنّه يوقف فيطالب إمّا بهذا أو هذا ولا يقع عليها بمجرّد مضيّها طلاقٌ.
تفسير قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}

-القراءات في قوله (قروء):
قرأ جمهور الناس «قروء» على وزن فعول، اللام همزة، وروي عن نافع شد الواو دون همز، وقرأ الحسن «ثلاثة قرو» بفتح القاف وسكون الراء وتنوين الواو خفيفة، ذكره ابن عطية.*
-القراءات في قوله (في أرحامهن):*
وقرأ مبشر بن عبيد «في أرحامهن» بضم الهاء. ذكره ابن عطية.*
-القراءات في قوله (بردهن):
وقرأ ابن مسعود «بردتهن» بزيادة تاء، وقرأ مبشر بن عبيد «بردهن» بضم الهاء.*
والمطلقات في اللغة كما ذكر الزجاج في تفسيره : يقال طلقت المرأة طلاقا فهي طالق، وقد حكوا طلقت وقد زعم قوم أن تاء التأنيث حذفت من " طالقة " لأنه للمؤنث لاحظ للذكر فيه، وهذا ليس بشيء، لأن في الكلام شيئا كثيرا يشترك فيه المذكر والمؤنث لا تثبت فيه الهاء في المؤنث، نحو تولهم بعير ضامر، وناقة ضامر، وبعير ساعل وناقة ساعل، وهذا أكثر من أن يحصى.
وزعم سيبويه وأصحابه أن هذا وقع على لفظ التذكير صفة للمؤنث لأن المعنى شيء طالق، وحقيقته عندهم أنه على جهة النسب نحو قولهم امرأة مذكار ورجل مذكار، وامرأة مئناث ورجل مئناث، وإنما معناه ذات ذكران وذات إناث، وكذلك مطفل ذات طفل.
وكذلك طالق معناه ذات طلاق، وإذا أجريته على الفعل قلت طالقة.
قال الأعشى:
أيا جارتا بيني فإنك طالقة... كذاك امور النّاس غاد وطارقة. *
أما المراد بالمطلقات في الآية فهن المطلقات المدخول بهنّ من ذوات الأقراء ، وما يتعلق بهن من أحكام كالعدة وعدم الغش في العلاقة والعشرة بالمعروف ، وعدة المطلقة الحرة المدخول بها كما في الآية ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت بعد انتهاء عدتها ،وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا إسماعيل -يعني ابن عيّاش -عن عمرو بن مهاجرٍ، عن أبيه: أنّ أسماء بنت يزيد بن السّكن الأنصاريّة قالت: طلّقت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ولم يكن للمطلّقة عدّةٌ، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، حين طلّقت أسماء العدّة للطّلاق، فكانت أوّل من نزلت فيها العدّة للطّلاق، يعني: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.قال ابن كثير هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.*
وعدة المطلقة الأمة على النّصف من الحرّة، ولأن القرء لا يتبعّض فكمّل لها قرءان. لما رواه ابن جريحٍ عن مظاهر بن أسلم المخزوميّ المدنيّ، عن القاسم، عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "طلاق الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان".رواه أبو داود، والتّرمذيّ وابن ماجه. ولكن مظاهرٌ هذا ضعيفٌ بالكلّيّة. وقال الحافظ الدّارقطنيّ وغيره: الصحيح أنّه من قول القاسم بن محمّدٍ نفسه. كما ذكره ابن كثير وقال ورواه ابن ماجه من طريق عطيّة العوفي عن ابن عمر مرفوعًا. قال الدّارقطنيّ: والصّحيح ما رواه سالمٌ ونافعٌ، عن ابن عمر قوله. وهكذا روي عن عمر بن الخطّاب. قالوا: ولم يعرف بين الصّحابة خلافٌ.*
وقال بعض السّلف: بل عدّتها كعدّة الحرّة لعموم الآية؛ ولأنّ هذا أمرّ جبلي فكان الإماء والحرائر في هذا سواءً، واللّه أعلم، حكى هذا القول الشيخ أبو عمر بن عبد البرّ، عن محمّد بن سيرين وبعض أهل الظّاهر، وضعّفه.
والحكمة من العدة والمقصد منها الاستبراء لا أنه عبادة، ولذلك خرجت منه من لم يبن بها. بخلاف عدة الوفاة التي هي عبادة. ذكره ابن كثير.*
والقرء في اللغة الوقت المعتاد تردده، وقرء النجم وقت طلوعه، وكذلك وقت أفوله وقرء الريح وقت هبوبها، ومنه قول الراجز: [الرجز]
يا رب ذي ضغن على فارض = له قروء كقروء الحائض*
أي وقت غضبه.*
قال ابن جريرٍ: أصل القرء في كلام العرب: "الوقت لمجيء الشّيء المعتاد مجيئه في وقتٍ معلومٍ، ولإدبار الشّيء المعتاد إدباره لوقتٍ معلومٍ". وهذه العبارة تقتضي أن يكون مشتركًا بين هذا وهذا، وقد ذهب إليه بعض [العلماء] الأصوليّين فاللّه أعلم. وهو قول الأصعي وأبو عمرو بن العلاء*
. وقال الشّيخ أبو عمر بن عبد البرّ: لا يختلف أهل العلم بلسان العرب والفقهاء أنّ القرء يراد به الحيض ويراد به الطّهر، وإنّما اختلفوا في المراد من الآية ما هو ؟
فأهل اللغة اختلفوا في المراد بالقرء في الآية على أقوال :
القول الأول : الأقراء الحيض ، وهو قول أهل الكوفة ، وقد احتجوا بما يروى عن أم سلمة إنها استفتت لفاطمة بنت أبي حبيش وكانت مستحاضة فقال - صلى الله عليه وسلم - ((تنتظر أيام أقرائها وتغتسل فيما سوى ذلك)) فهذا يعني أنّها تحبس عن الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل فيما سوى أيام الحيض، وفي خبر آخر أن فاطمة سألته فقال: ((إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر فتطهّري)).ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتركي الصلاة أيام أقرائك»، أي أيام حيضك. وقوله :"وصلّي ما بين القرء إلى القرء"، ، والذي يقويه من مذهب أهل اللغة أن الأصمعي كان يقول: القرء الحيض، ويقال أقرأت المرأة إذا حاضت.
وقال الكسائي والقراء جميعا: أقرأت المرأة إذا حاضت فهي مقرئ،
وقال الفراء: أقرأت الحاجة إذا تأخرت.
وأنشدوا في القرء الحيض وهو بالوقت أشبه:
له قروء كقروء الحائض فهذا؛ هو مذهب أهل الكوفة في الأقراء، وما احتج به أهل اللغة مما يقوي مذهبهم،
وقال الأخفش أيضا: أقرأت المرأة إذا حاضت، وما قرأت حيضة ما ضمّت رحمها على حيضة. ذكره الزجاج.*
القول الثاني: الأقراء الطهر وهو قول أهل الحجاز ، حجتهم: أن الأقراء والقروء واحد، وأحدهما قرء، مثل قولك: فرع، وهما الأطهار.*
القول الثالث : قال الأعشى:
مورّثة مالا وفي الأصل رفعة... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
فالذي ضاع هنا الأطهار لا الحيض.

القول الثالث:* وهو أن القرء الطهر، والقرء الحيض.
قال أبو عبيدة: إن القرء يصلح للحيض والطهر، قال وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت، وأخبرني من أثق به يدفعه إلى يونس أن الإقراء عنده يصلح للحيض والطهر، وذكر أبو عمرو بن العلاء أن القرء - الوقت، وهو يصلح للحيض ويصلح للطهر، ويقال: " هذا قارئ الرّياح ": لوقت هبوبها.
وأنشد أهل اللغة:
شنئث العقر عقر بني شليل... إذا هبت لقاريها الرياح
أي: لوقت هبوبها، وشدة بردها، ويقال " ما قرأت الناقة سلا قط! أي لم تضم رحمها على ولد ذكره الزجاج.*
قال الزجاج : القرء مأخوذ من قرء الماء في الحوض، وهو جمعه، وقولك قرأت القرآن، أي: لفظت به مجموعا، والقرد يقرئ، أي: يجمع ما يأكل في بيته، فإنما القرء اجتماع الدم في البدن، وذلك إنما يكون في الطهر، وقد يكون اجتماعه في الرحم، وكلاهما حسن وليس بخارج عن مذاهب الفقهاء، بل هو تحقيق المذهبين ، ذكره ابن عطية .*

كما أن الفقهاء أيضا اختلفوا في المراد بالقرء في قوله{ثلاثة قروء} على قولين:*
*القول الأول: الأقراء الحيض،وهو قول وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس والضحاك ومجاهد والربيع وقتادة والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي وأصح الروايتين عن الإمام أحمد وجماعة كبيرة من الصحابة أهل العلم ، فإذا طلق الرجل امرأته في طهر لم يطأ فيه استقبلت حيضة ثم حيضة ثم حيضة فإذا اغتسلت من الثالثة خرجت من العدة، وقال بعض من يقول بالحيض إذا طهرت من الثالثة انقضت العدة قبل الغسل، هذا قول سعيد بن جبير وغيره.*
دليلهم :*
ما يروى عن أم سلمة إنها استفتت لفاطمة بنت أبي حبيش وكانت مستحاضة فقال - صلى الله عليه وسلم - ((تنتظر أيام أقرائها وتغتسل فيما سوى ذلك)) فهذا يعني أنّها تحبس عن الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل فيما سوى أيام الحيض، وفي خبر آخر أن فاطمة سألته فقال: ((إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر فتطهّري)).
وروى الثّوريّ: عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنّا عند عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، فجاءته امرأةٌ فقالت: إن زوجي فارقني بواحدةٍ أو اثنتين فجاءني [وقد وضعت مائي] وقد نزعت ثيابي وأغلقت بابي. فقال عمر لعبد اللّه -يعني ابن مسعودٍ -[ما ترى؟ قال]: أراها امرأته، ما دون أن تحلّ لها الصّلاة. قال [عمر:] وأنا أرى ذلك.
*وحكى الأثرم عن. الإمام أحمد أنّه قال: الأكابر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقولون: الأقراء الحيض.*
ويؤيّد هذا ما جاء في الحديث الّذي رواه أبو داود والنّسائيّ، من طريق المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزّبير، عن فاطمة بنت أبي حبيش أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لها: "دعي الصّلاة أيّام أقرائك". فهذا لو صحّ لكان صريحًا في أنّ القرء هو الحيض، ولكنّ المنذر هذا قال فيه أبو حاتمٍ: مجهولٌ ليس بمشهورٍ. وذكره ابن حبّان في الثّقات .
القول الثاني: الأقراء الطهر ،وهو قول عائشة وابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم سليمان بن يسار ومالك وفقهاء أهل المدينة* : ، فإذا طلق الرجل امرأته في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة، ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة ثم ثالثا بعد حيضة ثانية، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج وخرجت من العدة، قال أشهب: لا تنقطع العصمة والميراث حتى يتحقق أنه دم حيض لئلا يكون دفعة دم من غير الحيض.*
فإن طلق مطلق في طهر قد مس فيه لزمه الطلاق وقد أساء، واعتدت بما بقي من ذلك الطهر.*
قال مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: انتقلت حفصة بنت عبدالرحمن بن أبي بكر حين دخلت في الدم في الحيضة الثالثة ، قال الزهري : فذكرت ذلك لعمرة فقالت : صدق عروة. وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا إن الله تعالى يقول في كتابه(ثلاثة قروء)، فقالت عائشة : صدقتم ، وتدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار.*
وقال مالك عن ابن شهاب ، سمعت أبا بكر بن عبدالرحمن يقول: ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول ذلك ، يريد قول عائشة.*
*كما استدلّوا على قولهم هذا بقوله تعالى: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطّلاق: 1] أي: في الأطهار. ولمّا كان الطّهر الّذي يطلّق فيه محتسبًا، دلّ على أنّه أحد الأقراء الثّلاثة المأمور بها؛ ولهذا قال هؤلاء: إنّ المعتدة تنقضي عدّتها وتبين من زوجها بالطّعن في الحيضة الثّالثة، وأقلّ مدّةٍ تصدّق فيها المرأة في انقضاء عدّتها اثنان وثلاثون يومًا ولحظتان.*

والمراد بما في الأرحام في قوله عزّ وجلّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} فيه قولان:
القول الأول: الولد ، فلا يحل للمطلقات أن يكتمن أمر الولد لأنهن إن فعلن ذلك فإنما يقصدن إلى إلزامه غير أبيه. روي عن عمر وابن عباس. ذكره الزجاح وابن عطية.*
القول الثاني: هو الحيض. وهو بالولد أشبه لأن ما خلق الله في أرحامهن أدل على الولد، لأن اللّه جلّ وعزّ قال: {هو الّذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء}وقال: (ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) فوصف خلق الولد.،قال به إبراهيم النخعي وعكرمة كما ذكره الزجاج وابن عطية.*
القول الثالث : العموم، فيعم الحيض والولد ، قال به ابن عمر ومجاهد والربيع وابن زيد والضحاك هو الحيض والحبل جميعا. رجحه ابن عطية.*
*والحكمة من النهي عن كتمان ما في الأرحام لعدم الإضرار بالزوج وإذهاب حقه في إرجاعها ، أو تكليفه النفقة مالا يلزمه ، فإذا قالت المطلقة حضت وهي لم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع، وإذا قالت لم أحض وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه، فأضرت به، أو تقصد بكذبها في نفي الحيض أن لا يرتجع حتى تتم العدة ويقطع الشرع حقه، وكذلك الحامل تكتم الحمل لينقطع حقه من الارتجاع، وقال قتادة: «كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد ففي ذلك نزلت الآية»، وقال السدي: «سبب الآية أن الرجل كان إذا أراد أن يطلق امرأته سألها أبها حمل؟ مخافة أن يضر بنفسه وولده في فراقها، فأمرهن الله بالصدق في ذلك».
وفي قوله* :(إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر) تهديدٌ لهنّ على قول خلاف الحقّ. ودلّ هذا على أنّ المرجع في هذا إليهنّ؛ لأنّه أمرٌ لا يعلم إلّا من جهتين، وتتعذّر إقامة البيّنة غالبًا على ذلك، فردّ الأمر إليهنّ، وتوعّدن فيه، لئلّا تخبر بغير الحقّ إمّا استعجالًا منها لانقضاء العدّة، أو رغبةً منها في تطويلها، لما لها في ذلك من المقاصد. فأمرت أن تخبر بالحقّ في ذلك من غير زيادةٍ ولا نقصان.*
ومعنى البعل في قوله عزّ وجلّ: (وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك)هو الزوج ،و بعولة جمع بعل، مثل ذكر وذكورة، وعم وعمومة أشبه ببعل وبعولة.
ويقال في جمع ذكر ذكارة وحجر حجارة.*
-وإنما هذه الهاء زيادة مؤكدة معنى تأنيث الجماعة، ولكنك لا تدخلها إلا في الأمكنة التي رواها أهل اللغة، لأن القياس في هذه الأشياء معلوم.*
ومرجع الضمير في قوله (في ذلك): أي: في الأجل والعدة التي أمرن أن يتربصن فيه.*
فالأزواج قبل انقضاء القروء الثلاثة -أحق برد زوجاتهن المعتاد للطلاق الرجعي بشرط ابتغاء الإصلاح وعدم الإضرار، لما ورد من قوله: (إن أرادوا إصلاحا).
قال ابن كثير: وهذا في الرّجعيّات. فأمّا المطلّقات البوائن فلم يكن حال نزول هذه الآية مطلّقةٌ بائنٌ، وإنّما صار ذلك لمّا حصروا في الطّلقات الثّلاث، فأمّا حال نزول هذه الآية فكان الرّجل أحقّ برجعة امرأته وإن طلّقها مائة مرّةٍ، فلمّا قصروا في الآية الّتي بعدها على ثلاث تطليقاتٍ صار للنّاس مطلّقةٌ بائنٌ وغير بائنٍ.*

-و قوله عزّ وجلّ: (ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف)أي: للنساء مثل الذي عليهنّ بما أمر الله به من حق الرجل على المرأة.
1-قال ابن عباس: «ذلك في التزين والتصنع والمؤاتاة»،*
2-وقال الضحاك وابن زيد: ذلك في حسن العشرة وحفظ بعضهم لبعض وتقوى الله فيه.*
والآية تعم جميع حقوق الزوجية والله أعلم
*كما ثبت في صحيح مسلمٍ، عن جابرٍ، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال في خطبته، في حجّة الوداع: "فاتّقوا اللّه في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه، ولكم عليهنّ ألّا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربًا غير مبرّح، ولهنّ رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف". وفي حديث بهز بن حكيمٍ، عن معاوية بن حيدة القشيري، عن أبيه، عن جدّه، أنّه قال: يا رسول اللّه، ما حقّ زوجة أحدنا؟
قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلّا في البيت". وقال وكيع عن بشير بن سليمان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّي لأحبّ أن أتزيّن للمرأة كما أحبّ أن تتزيّن لي المرأة؛ لأنّ اللّه يقول: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} رواه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ.. *
-وقوله عزّ وجلّ: (وللرّجال عليهنّ درجة)
معناه: زيادة فيما للنساء عليهن كما قال تعالى: (الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
قيل المعنى: أن المرأة تنال من اللّذة من الرجل كما ينال الرجل، وله الفضل بنفقته وقيامه بما يصلحها.ذكره الزجاج*
و قال مجاهد وقتادة: ذلك تنبيه على فضل حظه على حظها في الجهاد والميراث وما أشبهه، وقال زيد بن أسلم وابنه: ذلك في الطاعة، عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها.*
وقال عامر الشعبي: «ذلك الصداق الذي يعطي الرجل، وأنه يلاعن إن قذف وتحد إن قذفت»، فقال ابن عباس: «تلك الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة والتوسع للنساء في المال والخلق»، أي إن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه، وهذا قول حسن بارع، وقال ابن إسحاق: «الدرجة الإنفاق وأنه قوام عليها»، وقال ابن زيد: «الدرجة ملك العصمة وأن الطلاق بيده»، وقال حميد: «الدرجة اللحية».
وقال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا إن صح عنه ضعيف لا يقتضيه لفظ الآية ولا معناها، قال ابن كثير : في الفضيلة في الخلق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالحٍ، والفضل في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم} [النّساء:34].
ومجموع هذه الوجوه يجيء منها درجة تقتضي التفضيل،*
قوله عزّ وجلّ: (واللّه عزيز حكيم):معناه ملك يحكم بما أراد، ويمتحن بما أحب، إلا أن ذلك لا يكون إلا بحكمة بالغة - فهو عزيز حكيم فيما شرع لكم من ذلك، فهو عزيزٌ لا يعجزه أحد وعزيزٌ في انتقامه ممّن عصاه وخالف أمره، وحكيمٌ فيما ينفذه من الأحكام والأمور في أمره وقدره وشرعه .*

تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}

{الطلاق} رفع بالابتداء، و {مرتان} الخبر، ومعنى ذلك أن الطلاق الذي تملك فيه الرجعة مرتان . ذكره الزجاج
سبب نزول الآية :
أنهم كانوا في الجاهلية يطلقون ويرتجعون إلى غير غاية، فقال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: لا أؤويك ولا أدعك تحلين، قالت: وكيف؟ قال: أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك، فشكت ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية. رواه ابن أبي حاتم عن هشام بن عروة عن أبيه ورواه التّرمذيّ عن قتيبة ورواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد ذكره ابن كثير.
عن عائشة قالت: لم يكن للطّلاق وقتٌ، يطلق الرّجل امرأته ثمّ يراجعها ما لم تنقض العدّة، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين النّاس فقال: واللّه لأتركنّك لا أيّمًا ولا ذات زوجٍ، فجعل يطلّقها حتّى إذا كادت العدّة أن تنقضي راجعها، ففعل ذلك مرارًا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ الآيه . رواه ابن مردويه وهكذا روي عن قتادة مرسلًا. وذكره السّدّيّ، وابن زيدٍ، وابن جريرٍ كذلك. ذكره ابن كثير
المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق وعدده الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي وذلك أن من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة فإما تركها غير مظلومة شيئا من حقها وإما أمسكها محسنا عشرتها. قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم ذكره ابن عطية .
وهنا لنا وقفة :
وذلك فيما روى ابن جرير أنه لما نزل عدة الله في الطلاق : استقبل النّاس الطّلاق، من كان طلّق ومن لم يكن طلّق .
وفي ذلك فوائد وعبر: فالعمل بهذا الحكم بدأ مباشرة بعد نزول الآية وفي ذلك رحمة من الله جل وعلا بعباده المؤمنين وعظيم عفو عما سبق لهم .
وكذلك في امتثال المؤمنين للأمر والتزام الحكم دون جدال أعظم مثال في سمعنا وأطعنا وهي القاعدة والأصل لإستقرار حياة المرء ومن ثم استقرار المجتمع كله بالامتثال لأحكام الشريعة دون جدال ومماطلة .

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }
عن أنس بن مالكٍ قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، ذكر اللّه الطّلاق مرّتين، فأين الثّالثة؟ قال: "إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ". رواه ابن مردويه وكذا رواه ابن أبي حاتم ورواه الإمام أحمد عن غيرهم ذكره ابن كثير .
حدد الله تعالى للأزواج حدود لا ينبغي لهم تجاوزها وذلك لاستقرار البيت المسلم والحفاظ عليه من الضياع بين الأهواء .
فكانت عدة الطلاق ثلاث مرات يجوز الرجعة في المرتان فأما الثالثة فلا رجعة وتسمى الطلقة البائنة أي التى يعقبها التفريق بين الزوج والزوجة ،
ولا شك أن في علم الزوجان بهذا يجعلهم أكثر حفاظًا على الأخذ بالأسباب التى تحفظهم من تجاوز حدود الله والتى تحقق لهم دوام الود والسكينة والألفة والمودة وتلك هي الغاية الكبرى من ذلك الحد .
و الإمساك هنا يقصد به إمساك الزوج بعد الرجعة الثانية عن التلفظ بالطلقة البائنة من زوجته والحذر منها فلا رجعة بعدها إلا بشروط قد يصعب تحقيقها .
وفي كل شرع الله رحمة ورأفة بعباده فيوصي الله تعالى هذا الزوج وتؤكد الآيات مرة بعد مرة على ضرورة الإحسان وأداء المعروف بين الزوجين فقال تعالى { فإمساك بمعروف } أي إن أردت أيها الزوج الإمساك وعدم التطليق فليكن ذلك بالمعروف وحسن العشرة والتزام حقوق الزوجية .
{ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }
معنى التسريح هنا يحتمل لفظه معنيين:
المعنى الأول : تركها تتم العدة من الثانية وتكون أملك بنفسها، وهذا قول السدي والضحاك .
والمعنى الآخر : أن يطلقها ثالثة فيسرحها بذلك .وهذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما.
ذكر تلك الأقوال ابن عطية ثم رجح القول الثاني لعدة وجوه :
أولها: أنه روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هذا ذكر الطلقتين فأين الثالثة؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي قوله: أو تسريحٌ بإحسانٍ.
والوجه الثاني : أن التسريح من ألفاظ الطلاق كما روي في أوجه القراءة لقوله تعالى {وإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ}البقرة (127) {وإن عزموا السراح }.
والوجه الثالث : أن فعّل تفعيلا بهذا التضعيف يعطي أنه أحدث فعلا مكررا على الطلقة الثانية، وليس في الترك إحداث فعل يعبر عنه بالتفعيل .
وقوله تعالى بإحسانٍ معناه أن لا يظلمها شيئا من حقها ولا يتعدى في قول أو فعل يبتغي به مضرتها وفي ذلك التشريع عناية بالغة بحق تلك المرأة فتكرر الوصاية بها المرة تلو المرة ولا مضرة ولا ضرار فالزواج إنما جعل للسكينة والمودة فإما تتحقق بأداء المعروف والإحسان بين الزوجين وإلا فالمفارقة بالمعروف والإحسان أيضًا وهذا يذكرنا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبة الوداع عن جابر : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ "

{ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }
وما زال الخطاب من الله تعالى للأزواج والمعنى هنا أنه لا يحل لهم أخذ شيئًا مما أعطوه لزوجاتهم من المهر وغيره على سبيل الإضرار بهن .
والنهي هنا يشمل أيضًا عدم التضييق من الزوج على زوجته حتى يدفعها إلى الافتداء منه بإعطائه شيئًا من المهر وغيره كما قال تعالى {ولا تعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبيّنةٍ} [النّساء:19]
وخص بالذكر ما آتى الأزواج نساءهم لأن العرف من الناس أن يطلب الرجل عند الشقاق والفساد ما خرج عن يده، هذا وكدهم في الأغلب فلذلك خص بالذكر. ذكره ابن عطية 
ومعنى "إلا أن يخافا " إلا أن يوقنا وحقيقة ذلك أن يكون الأغلب عليهما وعندهما أنهما على ما ظهر منهما من أسباب التباعد الخوف في أن لا يقيما حدود اللّه ، وحدود الله هنا المراد منها نشوز الزوجة وفساد العشرة وذلك من قبلها . قال ابن المنذر: «روينا معنى ذلك عن ابن عباس والشعبي ومجاهد وغيرهم ذكره ابن عطية
وهنا سؤال : هل يحل للزوج قبول شىء من زوجته إن أعطته إياه عن طيب نفس ؟
قال ابن كثير : فأمّا إن وهبته المرأة شيئًا عن طيب نفسٍ منها فقد قال تعالى: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا} [النّساء:4]
ويختلف الأمر في حالة شقاق الزوجين على أحوال كما قال ابن كثير :
إذا تشاقق الزّوجان ولم تقم المرأة بحقوق الرّجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها، ولا عليه في قبول ذلك منها؛ ولهذا قال تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} الآية.
2- فأمّا إذا لم يكن لها عذرٌ وسألت الافتداء منه، فقد روى ابن جرير عن ثوبان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أيّما امرأةٍ سألت زوجها طلاقها من غير بأسٍ فحرامٌ عليها رائحة الجنّة".وهكذا رواه التّرمذيّ عن عبد الوهّاب بن عبد المجيد الثّقفيّ وقال حسن
وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بأن لا ينفرد الرجل بالضرر وسنفصل في بعض أحكامه وأقوال العلماء فيه :
القول الأول : أجاز البعض الخلع وافتداء الزوجة نفسها بدفع شىء من صداقها للزوج وجواز أخذ الزوج الفدية واستدلوا على ذلك بعدة روايات من زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها :
نازلة حبيبة بنت سهل- وقيل جميلة بنت أبي ابن سلول والأول أصح- مع ثابت بن قيس حين أباح له النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الفدية منها إنما كان التعسف فيها من المرأة لأنها ذكرت عنه كل خير وأنها لا تحب البقاء معه . ذكره ابن عطية
عن ابن عبّاسٍ: أنّ امرأة ثابت بن قيس بن شمّاسٍ أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه، ما أعتب عليه في خلقٍ ولا دينٍ، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أتردّين عليه حديقته؟ " قالت: نعم. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اقبل الحديقة وطلّقها تطليقةً". رواه البخاري وكذا رواه النسائي
روى ابن جرير عن عكرمة قال كان ابن عبّاسٍ يقول: إنّ أوّل خلعٍ كان في الإسلام في أخت عبد اللّه بن أبيٍّ، أنّها أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه، لا يجمع رأسي ورأسه شيءٌ أبدًا، إنّي رفعت جانب الخباء، فرأيته أقبل في عدّةٍ، فإذا هو أشدّهم سوادًا، وأقصرهم قامةً وأقبحهم وجهًا. قال زوجها: يا رسول اللّه، إنّي قد أعطيتها أفضل مالي، حديقةً لي، فإن ردّت عليّ حديقتي؟ قال: "ما تقولين؟ " قالت: نعم، وإن شاء زدته. قال: ففرّق بينهما.
ومدار ذلك كله على نشوز الزوجة دون سبب من الزوج فيجوز لها الخلع ويجوز له أخذ الفدية ومن أقوال العلماء في ذلك :
- قال الحسن بن أبي الحسن وقوم معه: إذا قالت له: لا أطيع لك أمرا ولا أغتسل لك من جنابة ولا أبر لك قسما، حل الخلع.
- قال عطاء بن أبي رباح: «يحل الخلع والأخذ أن تقول المرأة لزوجها إني لأكرهك ولا أحبّك ونحو هذا .

القول الثاني: روي عن أبي حنيفة أنه قال: «إذا جاء الظلم والنشوز من قبله فخالعته فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل ما صنع، ولا يرد ما أخذ»، قال ابن المنذر: «وهذا خلاف ظاهر كتاب الله، وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قيل لأحد: اجهد نفسك في طلب الخطأ، ما وجد أمرا أعظم من أن ينطق القرآن بتحريم شيء فيحله هو ويجيزه» ذكره ابن عطية .
القول الثالث : أنه لا يجوز للرجل أن يأخذ من زوجه شيئا خلعا قليلا ولا كثيرا. قاله بكر بن عبد الله المزني وقال وهذه الآية منسوخة بقوله عز وجل: وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً [النساء: 20].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، لأن الأمة مجمعة على إجازة الفدية، ولأن المعنى المقترن بآية الفدية غير المعنى الذي في آية إرادة الاستبدال.

والقول الراجح الذي عليه الإجماع من طائفة من العلماء : إنّه لا يجوز الخلع إلّا أن يكون الشّقاق والنّشوز من جانب المرأة، فيجوز للرّجل حينئذٍ قبول الفدية واحتجّوا بقوله تعالى {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه}ومتعلق الخوف هنا هو فساد العشرة بين الزوجين .
وعلى هذا القول فلم يشرع الخلع إلا في تلك الحالة ولا يجوز في غيرها إلا بدليل ثابت صحيح . ذكره ابن كثير

وفي مقدار ما يأخذه الزوج خلاف على قولين :
الأول : مباح للزوج أن يأخذ من المرأة في الفدية جميع ما تملكه، وقضى بذلك عمر بن الخطاب وقاله ابن عمر والنخعي وابن عباس ومجاهد وعثمان بن عفان رضي الله عنه ومالك والشافعي وأبو حنيفة وعكرمة وقبيصة بن ذؤيب وأبو ثور وغيرهم ذكره ابن عطية

الثاني : لا يجوز له أن يزيد على المهر الذي أعطاها. وبه قال الربيع، وكان يقرأ هو والحسن بن أبي الحسن «فيما افتدت به منه» بزيادة «منه»، يعني مما آتيتموهن وهو المهر. وحكى مكي هذا القول عن أبي حنيفة وقاله طاوس والزهري وعطاء وعمر بن شعيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وأحمد وإسحاق.
وقال ابن المسيب: لا أرى أن يأخذ منها كل مالها ولكن ليدع لها شيئا .
- وقال الأوزاعيّ: القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر ممّا ساق إليها.
قلت: ويستدلّ لهذا القول بما تقدّم من رواية قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قصّة ثابت بن قيسٍ: فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد. ذكره ابن كثير


وهل الخلع طلاق بائن أو غير بائن اختلف العلماء على أقوال :
الأول : أن الخلع لا يعد من الطلقات الثلاث
روى الشافعي عن ابن عبّاسٍ: أنّ إبراهيم بن سعد بن أبي وقّاصٍ سأله فقال: رجلٌ طلّق امرأته تطليقتين ثمّ اختلعت منه، أيتزوّجها؟ قال: نعم، ليس الخلع بطلاقٍ، ذكر اللّه الطّلاق في أوّل الآية وآخرها، والخلع فيما بين ذلك، فليس الخلع بشيءٍ، ثمّ قرأ: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} وقرأ: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} وهذا الّذي ذهب إليه ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما -من أنّ الخلع ليس بطلاقٍ، وإنّما هو فسخٌ - هو روايةٌ عن أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، وابن عمر. وهو قول طاوسٍ، وعكرمة. وبه يقول أحمد بن حنبلٍ، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثورٍ، وداود بن عليٍّ الظّاهريّ. وهو مذهب الشّافعيّ في القديم، وهو ظاهر الآية الكريمة.ذكره ابن كثير

الثاني : أنه طلاق بائن إلا أن ينوي أكثر من ذلك
روى مالك عن أمّ بكرٍ الأسلميّة: أنّها اختلعت من زوجها عبد اللّه بن خالد بن أسيدٍ، فأتيا عثمان بن عفّان في ذلك، فقال: تطليقةٌ؛ إلّا أن تكون سمّيت شيئًا فهو ما سمّيت. قال الشّافعيّ: ولا أعرف جمهان. وكذا ضعّف أحمد بن حنبلٍ هذا الأثر، واللّه أعلم.
ذكره ابن كثير وقال غير أنّ الحنفيّة عندهم أنّه متى نوى المخالع بخلعه تطليقةً أو اثنتين أو أطلق فهو واحدةٌ بائنةٌ. وإنّ نوى ثلاثًا فثلاثٌ. وللشّافعيّ قولٌ آخر في الخلع، وهو: أنّه متى لم يكن بلفظ الطّلاق، وعرّي عن النّيّة فليس هو بشيءٍ بالكلّيّة.

واختلف على ذلك تباعًا القول في عدة المختلعة على أقوال :
الأول : أنّ المختلعة عدّتها عدّة المطلّقة بثلاثة قروءٍ، إن كانت ممّن تحيض. وروي ذلك عن عمر، وعليٍّ، وابن عمر. وبه يقول سعيد بن المسيّب وغيرهم ، قال التّرمذيّ: وهو قول أكثر أهل العلم من الصّحابة وغيرهم. ومأخذهم في هذا أنّ الخلع طلاقٌ، فتعتدّ كسائر المطلّقات.
الثاني : أنّها تعتدّ بحيضةٍ واحدةٍ تستبرئ بها رحمها. روى ابن أبي شيبة عن نافعٍ أنّ الرّبيّع اختلعت من زوجها، فأتى عمّها عثمان، رضي اللّه عنه، فقال: تعتدّ حيضةً. قال: وكان ابن عمر يقول: تعتدّ ثلاث حيضٍ، حتّى قال هذا عثمان، فكان ابن عمر يفتي به ويقول: عثمان خيرنا وأعلمنا، كذا روى ابن لهيعة عن الرّبيّع بنت معوّذٍ قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمر امرأة ثابت بن قيسٍ حين اختلعت منه أن تعتدّ بحيضةٍ. ذكره ابن كثير

وهنا سؤال هل يجوز للزوج مراجعة زوجته المختلعة بغير رضاها خلال عدتها ؟
1- قال ابن كثير لا يجوز له ذلك وهذا قول الأئمّة الأربعة وجمهور العلماء لأنّها قد ملكت نفسها بما بذلت له من العطاء.
2- وروى البعض ومنهم الزهري أنه يجوز له رجعتها خلال العدة إن ردّ إليها الذي أعطاها وإن كان ذلك بغير رضاها. وهو اختيار أبي ثورٍ.
3- قال سفيان الثّوريّ: إن كان الخلع بغير لفظ الطّلاق فهو فرقةٌ ولا سبيل له عليها. وإن كان سمّى طلاقًا فهو أملك لرجعتها ما دامت في العدّة. وبه يقول داود بن عليٍّ الظّاهريّ .


{ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229 }
القراءات في "يخافا "
«يخافا» بفتح الياء على بناء الفعل للفاعل، فهذا باب خاف في التعدي إلى مفعول واحد . قراءة جميع السبعة إلا حمزة
قرأ حمزة «يخافا» بضم الياء على بناء الفعل للمفعول، فهذا على تعدية خاف إلى مفعولين، أحدهما أسند الفعل إليه، والآخر أن بتقدير حرف جر محذوف، فموضع أن: خفض بالجار المقدر عند سيبويه والكسائي، ونصب عند غيرهما لأنه لما حذف الجار وصار الفعل إلى المفعول الثاني، مثل استغفر الله ذنبا، وأمرتك الخير .
وفي مصحف ابن مسعود «إلا أن يخافوا» بالياء وواو الجمع، والضمير على هذا للحكام ومتوسطي أمور الناس. ذكره ابن عطية
معنى الحد في اللغة
أصل الحدّ في اللغة: المنع ، وأمثلة ذلك في اللغة كما ذكرها الزجاج :
- يقال حددت الدار وحددت حدود الدار، أي بنيت الأمكنة التي تمنع غيرها أن يدخل فيها.
- ويقال أحدت المرأة على زوجها وحدت فهي حادّ ومحدّ، إذا امتنعت عن الزينة .
- وأحددت إليه النظر إذا منعت نظري من غيره وصرفته كله إليه.
- و قيل للحديد حديد لأنه أمنع ما يمتنع به، والعرب تقول للحاجب والبواب وصاحب السجن: الحدّاد، وإنما قيل له حداد لأنه يمنع من يدخل ومن يخرج، وقول الأعشى:
فقمنا ولمّا يصح ديكنا... إلى خمرة عند حدّادها
أي: عند ربها الذي منع منها إلا بما يريد.
والحد في الآية هنا هو الذي به منع الناس من أن يدخلوا فيما يجلب لهم الأذى والعقوبة ولهذا يقال حددت الرجل أقمت عليه الحد جزاء على ما تجاوز من حرمات الله وكان يجب عليه الامتناع والإلتزام بحدود الله.

ولقد وضع الله تعالى الحدود لحفظ الأمة بأسرها فبداية حفظ البيت المسلم بقواعد وثوابت في المعاشرة والتعامل بين الزوجين هي أساس الاستقرار وبناء كيان سليم يخرج منه أبناء صالحون كما يحفظ المرأة والرجل من الضياع والشتات والافتنان بين المحرمات بكافة أشكالها ولهذا فمن التزم حدود الله نال السعادة في الدنيا والآخرة ومن تجاوز حدود الله فقد ظلم نفسه بحرمانها من تلك السعادة وبوقوع جزاء الله تعالى عليها وهو ظالم لغيره كذلك فلهذا اشتد التحذير والوعيد من الله تعالى لمن تجاوز حرماته قال تعالى { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } وكما ثبت في الحديث الصّحيح: "إن اللّه حدّ حدودًا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيّعوها، وحرّم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم من غير نسيانٍ، فلا تسألوا عنها".
تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
أي: أنّه إذا طلّق الرّجل امرأته طلقةً ثالثةً بعد ما أرسل عليها الطّلاق مرّتين، فإنّها تحرم عليه حتّى تنكح زوجًا غيره، أي: حتّى يطأها زوجٌ آخر في نكاحٍ صحيحٍ، فلو وطئها واطئٌ في غير نكاحٍ، ولو في ملك اليمين لم تحلّ للأوّل؛ لأنّه ليس بزوجٍ، وهكذا لو تزوّجت، ولكن لم يدخل بها الزّوج لم تحلّ للأوّل، واشتهر بين كثيرٍ من الفقهاء عن سعيد بن المسيّب، رحمه اللّه، أنّه يقول: يحصل المقصود من تحليلها للأوّل بمجرّد العقد على الثّاني. وفي صحّته عنه نظرٌ0 ذكره ابن عطية
عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الرّجل يتزوّج المرأة فيطلّقها قبل أن يدخل بها البتّة، فيتزوّجها زوجٌ آخر فيطلّقها، قبل أن يدخل بها: أترجع إلى الأوّل؟ قال: "لا حتّى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها". رواه ابن جرير
عن عائشة: أنّ رجلًا طلّق امرأته ثلاثًا، فتزوّجت زوجًا فطلّقها قبل أن يمسّها، فسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أتحلّ للأوّل؟ فقال: "لا حتّى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأوّل".
أخرجه البخاريّ، ومسلمٌ، والنّسائيّ. ذكره ابن كثير
والمقصود من الزّوج الثّاني أن يكون راغبًا في المرأة، قاصدًا لدوام عشرتها، كما هو المشروع من التّزويج، واشترط الإمام مالكٌ مع ذلك أن يطأها الثّاني وطئًا مباحًا، فلو وطئها وهي محرمةٌ أو صائمةٌ أو معتكفةٌ أو حائضٌ أو نفساء أو والزّوج صائمٌ أو محرمٌ أو معتكفٌ، لم تحلّ للأوّل بهذا الوطء. ذكره ابن كثير

وقد ذكر ابن كثير رحمه الله مجموع الأحاديث التى رويت في هذا وأحسن تحقيقها ونذكر منها للاستشهاد بعضها :عن ابن مسعودٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لعن اللّه المحلّل والمحلّل له". رواه الإمام أحمد
عن ابن عبّاسٍ قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن نكاح المحلّل قال: "لا إلّا نكاح رغبةٍ، لا نكاح دلسة ولا استهزاءٍ بكتاب اللّه، ثمّ يذوق عسيلتها".

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتحليل المطلقة ترخيص فلا يتم إلا بالأوفى، ومنع الابن شدة تدخل بأرق الأسباب على أصلهم في البر والحنث. والذي يحل عند مالك- رحمه الله- النكاح الصحيح والوطء المباح، والمحلل إذا وافق المرأة: فلم تنكح زوجا، ولا يحل ذلك، ولا أعلم في اتفاقه مع الزوجة خلافا، وقال عثمان بن عفان: «إذا قصد المحلل التحليل وحده لم يحل، وكذلك إن قصدته المرأة وحدها»
ورخص فيه مع قصد المرأة وحدها إبراهيم والشعبي إذا لم يأمر به الزوج. وقال الحسن بن أبي الحسن: «إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل لم تحل للأول»، وهذا شاذ، وقال سالم والقاسم: لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان.
وقوله: {فإن طلّقها} أي: الزّوج الثّاني بعد الدّخول بها {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} أي: المرأة والزّوج الأوّل {إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} أي: يتعاشرا بالمعروف [وقال مجاهدٌ: إنّ ظنًّا أنّ نكاحهما على غير دلسةٍ] {وتلك حدود اللّه} أي: شرائعه وأحكامه {يبيّنها} أي: يوضّحها {لقومٍ يعلمون} ذكره ابن كثير
وبعد هذا العرض وشرح تلك الآيات يتبين لنا عظمة الدين الاسلامي
وأنه ما من شيء الا وقد اهتم به اهتماما بالغا
فاهتم الاسلام بالاسرة المسلمة ونظم العلاقة بين كافة أطرافها فالبر بين الأبناء لأبيهم وأمهم
وحسن العشرة بين الزوجين وأحقية المراجعة للزوج ان طلق
والنفقة للمطلقة من قبل زوجها حتى تنقضي عدتها.
وهكذا يعلمنا ديننا الحنيف أن لكل ذي حق حقه.
فعلى كل مسلم ومسلمة أن يتقوا الله في من تحت أيديهم.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.




المصادر والمراجع: تفسير الزجاج -تفسير ابن عطية-تفسير ابن كثير
الشيماء وهبه. شيماء طه. تماضر

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 رجب 1438هـ/16-04-2017م, 11:53 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم السادس عشر من تفسير سورة البقرة

أحسنتم جميعًا ، بارك الله فيكم.
1:
مجموعة : ( كوثر التايه-هناء هلال-نبيلة الصفدي)
ب+

أحسنتم بارك الله فيكم ، اشتملت رسالتكم على أكثر مسائل الآيات ، وأحسنتم النص على من قال بكل قول في المسائل الخلافية ، وأحسنتم بذكر المراجع والعزو لبعض الاستشهادات في الرسالة مع ملحوظة يسيرة أذكرها في نهاية التعليقات.

التحرير العلمي :

1: القراءات الثابتة والمتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يُعامل الخلاف فيها معاملة الخلاف في المسائل العلمية فنقول : " وحجتها .. " ، وهذه أفضل من هذه ...


ولكن نقول : ومعنى الآية على القراءة الأولى ... ، ومعنى الآية على القراءة الثانية .....
أو وجه كون الخمر والميسر فيهما إثم كثير ... ، ووجه كون الخمر والميسر فيهما إثم كبير ....
وبهذا جمعت القراءاتان وصفين مختلفين للخمر.
وكذلك الخلاف في العفو ...
قُرئت بالنصب ، وإعراب الآية على هذه القراءة = ... ، أو معنى الآية = ... فيكون متعلق الإنفاق هو كذا ....
ونتبعها: " وكلا الوجهين جائزان لغةً لما ورد عن علماء اللغة في الخلاف في " ماذا " ..

2: اقتصاصكم لقول ابن عطية في إجماع الأمة على خمر العنب ، يُشعر أنه يرى أن الخمر خمر العنب وفقط ، وقد ذكر ذلك ضمن تعليقه على قول ابن سيده في أن الخمر خمر العنب دون ما سواها ، وساق خلال قوله الخلاف في حكم شرب ما دون المسكر ، وهي مسألة دُمجت ضمن كلامكم عن الخمر المحرمة وكان الأولى فصلها.
3: حكم الخمر والحد الواجب فيها :
عند هذه المسألة ذكرتم أيضًا جزءًا من قول ابن عطية وقد ذكره ضمن حكاية الخلاف في حكم شرب ما دون المُسكر وبيان ذلك مهم عند هذه المسألة.
ولم تبينوا الحد الواجب فيها ؛ وإن كان من المسائل الاستطرادية لكن إما أن تحذفوه من رأس المسألة أو تنصوا عليه في تحرير المسألة.

4: ذكرتم في معنى الشرك قولين مختلفين :
- من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الزجاج .. ولم تنصوا على القائل به في الرسالة.
- من يشرك مع الله إلها آخرًا.
السؤال :
- ما وجه التفريق بينهما في موضعين مختلفين من الرسالة ؟

5: تحرير مسائل الآية الثالثة بحاجة لمزيد من الدقة :
- يمكن ذكر سبب نزول : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ، ثم بعدها مباشرة سبب نزول :{ ولأمة مؤمنة خير من مشركة }
- مسألة " والمشركات في الآية " ، هذه مسألة خلافية : يمكن عنونتها بـ : الخلاف في المراد بالمشركات ، ثم نتبع تحتها قواعد تحرير المسائل الخلافية.
القول الأول : كل مشركة سواء كانت كتابية أو غير كتابية من الوثنيات والمجوسيات وغيرهن .
القول الثاني : مشركات العرب خاصة ؛ أي ممن يعبدن الأوثان :

المسألة الثانية : هل الآية منسوخة بعد وجوب الحكم بها أو لا ؟ [ القول بالنسخ هنا عند من يرى التخصيص نسخ ]
القول الأول : الآية نزلت عامة في كل مشركة ثم نُسخ منها الكتابيات
القول الثاني : نزلت خاصة في مشركات العرب فلا يدخل فيهن الكتابيات بداية.
القول الثالث : هي عامة في كل مشركة ولم يُنسخ منها شيء
ويُنصح في المسائل الخلافية الرجوع لتفسير ابن جرير الطبري ، لحسن تحريره لمثل هذه المسائل.
وبالطبع مع كل قول نذكر من قال به من أهل السلف ومن نص على القول من المفسرين ونستشهد بما تيسر لنا من أدلة ثم ننص على الراجح ووجه الترجيح.
- مسألة نكاح الكتابيات ونكاح الأمة الكتابية يمكن الرجوع في تفصيلها لكتب الفقه للدقة في تحريرها ولا يُكتفى بما ورد في التفاسير.

الترتيب :
- يؤخر الحديث عن القراءات في " قل العفو " حتى الحديث عن هذا الجزء من الآية لأن المقام مقام رسالة ، وليس تلخيصًا للدرس يُراعى فيه تصنيفات المسائل بدقة.
- سبب تسمية الخمر بهذا الاسم ، يُفضل أن توضع بعد الحديث عن الخمر لغة ويُربط بينهما بأن الخمر صارت علمًا على كل ما خامر العقل ، فصارت تُطلق على المسكرات وسميت بذلك لـ ...
- المقصود بالإثم : هذا في بيان معنى الإثم عامة فيُذكر أولا قبل بيان المقصود بكون الخمر والميسر فيهما إثم ثم بعدهما يُذكر ما في الخمر والميسر من الآثام ، ثم المنافع فنبدأ بالحكمة من النص على أن فيهما منافع ثم نسرد بعض ما فيهما من المنافع.
- الحديث عن سبب نزول قوله تعالى :{ ويسألونك ماذا يُنفقون } يأتي بعد الحديث عن مناسبة ذكرها بعد السؤال عن الخمر والميسر وقبل الحديث عن النسخ.
- ما وجه الحديث عن "
وعزيزٌمقتضاه لا يرد أمره، وحكيمٌ أي محكم ما ينفذه" ، أثناء الحديث عن معنى قوله تعالى :{ والله يعلمُ المفسدَ من المُصلح } ؟
- في الآية الثالثة :
يمكن ترتيب مسائل الآية مع الربط بينها ، بذكر مناسبتها لما قبلها ثم سبب النزول ثم المراد بالمشركة في الآية والتعريج منها على فضل الأمة المؤمنة على المشركة الحرة ذات الحسب ، ثم حكم زواج المسلمة بالمشرك ، وفائدة ضم التاء في :{ ولا تُنكحوا المشركين } ، وفتحها في قوله { ولا تنكحوا المشركات } ، وبيان الحكمة من هذا النهي

الصياغة :
- بعد بيان الثلاثة أسئلة ، وقبل الانتقال لتفصيل السؤال الأول ، نربط بين الجملتين على الأقل بكلمة : " وأما السؤال الأول .... "
- لم يتضح مرجع الضمائر في قول أبي زرعة : " لم يسمع منه ".
- المصادر الرباعية - التي أصلها من الفعل الرباعي - المبدوءة بهمزة تكون همزتها همزة قطع وليست وصل ، مثل : الإسلام ( أسلم ) ، الإنفاق ( أنفق ) ، إشارة ( أشار ) ، إصلاح ( أصلح ) ، إباحة ( أباح ).

-
مناسبة سؤالهم عن الخمر والميسر وسؤالهم عن ماذا ينفقون: ، كأن المقصود مناسبة سؤالهم عن الإنفاق بعد السؤال عن الخمر والمسر.
- تصحيح بعض الأخطاء في كتابتكم للآيات :
قوله تعالى :{ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه }
وقوله تعالى :{ كمشكاة فيها مصباح المصباحُ في زجاجةٍ }
{ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلمُ المفسد من المصلح } من دون ذكر " في الدين " بعد " فإخوانكم ".
آية الحج :{ وما جعل عليكم في الدين من حرج }
- معنى العنت شرعًا = المقصود بالعنت في الآية ، والأولى ذكر ما يبين الانتقال من الحديث عن قوله تعالى :{ والله يعلم المفسد من المصلح } ، إلى قوله تعالى :{ ولو شاء الله لأعنتكم }

الشمول :
فاتكم الحديث عن قوله تعالى :{ واللهُ يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويُبين آياته للناس لعلهم يتذكرون }
وإن كنتم ذكرتم شيئًا من معناها في بيان المعنى الإجمالي للآية لكن في هذا القدر من الآية مسائل عدة لا ينبغي إغفالها.



- بالنسبة للعزو ، وقائمة المراجع :
1: قائمة المراجع تُرتب حسب تاريخ وفيات كل كاتب ، ويُفضل ذكر طبعة الكتاب الذي رُجع إليه.
2: العزو : أحسنتم عزو الاستشهادات لكن ينقصها ذكر رقم الجزء والصفحة ، لأن فائدة العزو أن يسهل الرجوع للكتاب والاطلاع على تفصيل ما استشهدتم به في رسالتكم ، وهنا يأتي فائدة ذكر الطبعة في المراجع لأن الطبعات قد تختلف في ترقيمها للصفحات وعدد الأجزاء.

التقويم : ب+
زادكم الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 30 رجب 1438هـ/26-04-2017م, 11:59 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي


2: مجموعة الزهراوين
(فاطمة الزهراءأحمد،ميسر ياسين، هبة الديب) أ


أحسنتن أخواتي ، بارك الله فيكن وزادكن علمًا ونفع بكن.
أوجه الإحسان :
شمول الرسالة على غالب مسائل الآيتين ، والاستعانة بعدة مصادر للتعرف على مسائل الآية ، والتعرف على الأقوال في المسائل الخلافية والقائلين بها ، وحسن عرض الرسالة وصياغتها والتقديم لها

التعليق :
- لا وجه لتكرار الآثار الواردة في قوله تعالى :{ ولا تتخذوا آيات الله هزوا } ، كُررت مرتين تحتها.
- في صياغة مسائل الآية الأولى ، يفضل التركيز على ألفاظ الآية وبيان تفسيرها ، مثلا قول : " المراد بالنعمة في قوله تعالى :{ واذكروا نعمة الله عليكم } ، بدلا من قول التذكير بنعمة الإسلام ، والربط بينها وبين ما قبلها بعبارات مثل : وناسب التذكير في ختام الآية بما أنعم الله على عباده بنعمة الإسلام وفيه تذكير لهم باتباع ما أنزل الله عليهم ...
- نصّ ابن كثير على من قال من أهل السلف بأن المخاطب في قوله " فلا تعضلوهن " ؛ فينبغي النص على ذلك ولا يُكتفى بقول : " ذكره ابن كثير " ويقاس على ذلك.
- البينونة الكبرى لا تحل بالعقد ، وإنما هي فيمن طلق ثلاث مرات ، فلا تحل إلا إذا تزوجت المرأة من رجل آخر زواجًا صحيحًا ويدخل بها من غير قصد تحليل منها أو من الزوج الأول أو الثاني ، ثم إذا مات عنها الزوج الثاني أو طلقها جاز لها أن تتزوج الزوج الأول.
- البينونة الصغرى هي ما كانت عن طلقة أو طلقتين وانقضت العدة وهي التي تحل بالعقد ، وذُكرت بالآيات.
- قولكم : " يُحرم على الولي منع موليته إذا رضيت بالعودة بزوجها السابق. قوله: {إذا تراضوا بينهم بالمعروف} " ، هذا مفهوم أكثر من قوله تعالى :{ ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن }

3: مجموعة نور الوحيين : أ
مها شتا ** عائشة أبو العينين
أمل يوسف ** ريم الحمدان


أحسنتن أخواتي ، بارك الله فيكن ونفع بكن.
وأشيد بطريقتكن في التنبيه على هدايات الآية والربط بين الأحكام والمواعظ الواردة فيها لكن أشير إلى ملحوظة مهمة وهي طريقة تحرير المسائل ، ونسبة الأقوال إلى قائليها والاستشهاد بالآثار والأحاديث ، وقد أحسنتم في جزء كبير منها بذكرها لكن ينبغي الانتباه لـ :
1: عند نسخ الآثار بأسانيدها يمكن الاختصار بذكر : أورد ابن جرير - في تفسيره - بإسناده عن فلان : .....
وأورد ابن أبي حاتم عن فلان نحوه ، إن كان الأثر مشابهًا ، ويمكن الاستفادة من طريقة ابن كثير في نقله عن هذه المصادر.
2: لا ينبغي لاقتصار على بعض الأقوال دون بعض ، مثل الاقتصار على أحد قولي ابن عاشور في الحكمة من تقييد التسريح بمعروف في هذه الآية ، وتقييدها في الآية الأخرى بإحسان ؛ فالمقام مقام تقرير علمي ينبغي ذكر جميع الأقوال فيه.
3: لا ينبغي نسخ بعض كلام العلماء بنصه دون نسبته لقائله ، والأولى الصياغة بأسلوبكم ، والنص على القائلين عند الاقتباس من كلامهم.
4: يُفضل عدم صياغة المسائل بطريقة السؤال ، بدلا من قول : من المخاطب في الآية ، يمكن القول : واختُلف في المخاطب بقوله : " فلا تعضلوهن " على قولين : ...
5: نصّ ابن كثير على من قال من أهل السلف بأن المخاطب في قوله " فلا تعضلوهن " ؛ فينبغي النص على ذلك ولا يُكتفى بقول : " ذكره ابن كثير " ويقاس على ذلك.

أنصح بأن تقرأ الأخوات هبة وفاطمة الزهراء وميسر رسالتكم والاستفادة من مواطن القوة فيها ، وأنصحكن كذلك بقراءة رسالتهن والاستفادة من مواطن القوة فيها.
وفقكن ربي وسددكن.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 9 شعبان 1438هـ/5-05-2017م, 10:35 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

4: تماضر، الشيماء وهبة ، شيماء طه : ب+



- تفسير الآيتين الأوليين يبدو أنه قُصد به تلخيص مسائله دون قصد صياغة رسالة تفسيرية في معناها ، وعلى كل حال فينبغي مبدأيًا أن نركز على المسائل التي تُعنى بمعنى الآيتين ، ثم تأخير الاستطرادات الفقهية ، وإن كان المقام مقام كتابة رسالة تفسيرية نقول مثلا : " وقد ذكر المفسرون عند تفسير هاتين الآيتين بعض الأحكام الخاصة بالإيلاء ، ومناقشة الخلاف فيها ، منها : .... "
مع التنبيه على أن تفصيل المسائل الفقهية في كتب الفقه وليس كتب التفسير فمن شاء فليرجع إليها أو يُنبه إلى ذلك في الرسالة.

- اشتراط الأبدية في معنى الإيلاء مختلفٌ فيه.
- شروط تعلق حكم الإيلاء :
اشتراط الغضب ، القول الثالث يدخل في الثاني.
الشرط الثاني الأولى أن يكون : اشتراط الامتناع عن الوطء ؛ ففي كل الأحوال يحلف الزوج لكن على ماذا يحلف ؟ ، وفي أي حالة يسمى إيلاء ؟

- الحكم المترتب على الإيلاء ومدته :
يُذكر أولا ما إذا حلف على مدة أقل من الأربعة أشهر أو تساوي أربعة أشهر ؛ فهذا إيلاء أيضًا ويلزمه حلفه وعلى المرأة الصبر ؛ فإن حنث كفر عن يمينهز
أما إذا حلف على مدة أكثر من أربعة أشهر فإنه يُمهل إلى أربعة أشهر فقط ثم يُخير بين أن يعود للوطء ، أو يُطلق ، وهذا مستفاد من معنى الآية.
ثم اختُلف هل يلزمه الكفارة أو لا ، وإن لم يطلق ولم يرجع للوطء ، هل يطلقها الحاكم أو يحدث الطلقة بمجرد انتهاء المدة دون وطئها.

- تفسير الآية 228 ، وباقي الآيات :
أحسنتم في تحرير المسائل الخلافية - في أغلب المواضع - استخراج الأقوال الواردة فيها وبيان من قال بكل قول والدليل عليه والراجح منه.
لكن الملحوظة الرئيسة والمهمة هو النسخ من المقرر ، هناك فقرات منسوخة بكاملها ، وهذا مخالف للمطلوب في الرسالة من الصياغة بأسلوبكم ، ولا يُنسخ من كلام المفسر إلا ما يفيد قولا أو حكما في مسألة.

وهذا الدرس من أصعب دروس هذا القسم لاشتماله على كثير من المسائل الفقهية ، فجزاكم الله خيرًا على تلخيصه ، ونفع بكم.

المجموعة الثانية (عابدة المحمدي – منيرة محمد – مضاوي الهطلاني) : ب


أحسنتم ، بارك الله فيكم ونفع بكم.

- لا حاجة لكتابة رموز المفسرين بجانب عناوين المسائل ، هذا فقط يُكتب في مسودة التلخيص ، لكن عند تلخيص ما ورد تحت كل مسألة من المفترض أننا نبين من قال بكل قول مثلا ، نص عليه ابن عطية .. وهكذا.

- والذي يظهر لي أنكم أردتم تلخيص مسائل الدرس لا كتابة رسالة تفسيرية في موضوعه لذا كان الأولى تصنيف المسائل وإبراز ذلك في عناوين رئيسة.
وقد أحسنتم تقديم المسائل الخاصة بعلوم الآية مثل سبب النزول ، ومقصد الآية ..
لكن أدرجتم بعض المسائل الفقهية ضمن المسائل التفسيرية ، والأولى تأخير الاستطرادية منها - ما لا يدخل في معنى الآية - لتوضع بعد المسائل التفسيرية ويخصص لها عنوان : " المسائل الفقهية "
ويمكن ضم تفسير الآيتين 222 ، 223 معا ، والآيتين 224 و 225 معا.
[ هذا عند تلخيص مسائل الدرس ، وإن كان المطلوب في رأس المجلس كتابة رسالة تفسيرية بأسلوب التقرير العلمي ]


- القراءات في " المتطهرين "
ما وجه ذكر " تطهّرن " تحتها ؟

- المراد بالطهر الذي تحل به الحائض ، يمكن القول : " المراد بالطهر في قوله : { فإذا تطهرن } " لربط عنوان المسألة بتفسير الآية ، وبالتالي لن تحتجن لتكرار المسألة بعد ذلك.
- *الفرق بين (واعلموا أنكم ملاقوه) و (بشر المؤمنين) ع ك ز = مناسبة الجمع بين قوله { واعلموا أنكم ملاقوه } ، وقوله : { وبشر المؤمنين }
- تفسير الآية 224 :
* تعدد الروايات وأن جميعها يدخل في معنى الآية صحيح لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لكن هذا لا يمنع أن تكون نزلت لأحد هذه الأسباب فقط.
* الأيمان التي يؤاخذ عليها الإنسان = المراد بقوله { بما كسبت قلوبكم }
- تفسير الآية 225 :
معنى الآية : الأولى أن تخصص هذه المسألة للمراد بقوله { أن تبروا وتتقوا }
هل هي بتقدير " لا " بعد أن ، أم هي على بابها ..
ولا أجد فرقًا بين القول الرابع في تحريركم لهذه المسألة والقول الأول.

- فاتكم بعض المسائل مثل :
مناسبة ختام الآية بقوله : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين }
مناسبة قوله : { واعلموا أنكم ملاقوه } بعد الأمر بالتقوى :
ذكر المسائل اللغوية الاستطرادية .. فيخصص لها عنوان في نهاية التلخيص.


وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى ونفع بي وبكم الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الخامس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir